كمال جنبلاط «المتمرّد» صارع التغيير... فصرعته التحولات

تاريخ الإضافة السبت 13 آذار 2010 - 6:20 ص    عدد الزيارات 1844    التعليقات 0

        

كمال جنبلاط «المتمرّد» صارع التغيير... فصرعته التحولات
\"\"
«المعلم» كمال جنبلاط
 
 
 
 
 
 
 
|بيروت - من ريتا فرج|

«مسكين باسكال، ظن نفسه قصبة في مهب رياح الكون، أما نحن فسنديان وصخر ولسنا وحدنا في العالم». عبارات رددها كمال جنبلاط مساء18 أغسطس 1976 بعد ابلاغه بأن هناك قراراً دولياً واقليمياً باغتياله، وفق تأكيد الحبيب الشطي وزير الخارجية التونسي في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لأبرز القريبين منه من قدامى الاشتراكيين. قرار تعامل معه «عمود السما»، وهو اللقب الرمزي الذي كان يطلقه الموحدون الدروز على جنبلاط، بكثير من الصمود، كأنه كان مدركاً لمسار تاريخه الآتي.
هذا القائد الآتي من عوالم أخرى، كان له حضور داخل جماعته وخارجها، هو الذي تمتع بمواصفات فريدة كتب عنها في احدى مقالاته «هي مهمة القائد الحقيقي الذي ينشئه القدر، فيحتويه هو بدوره، ويتسم شخصه بهذا الجاذب السحري، الذي لا تحليل مادياً يوفيه، كأن يحيطه الابداع بهالة من النور الخفي، وبقوس قزح غمامة الانتصار على التقليد وعلى الماضي». غير أن القاتل منع جنبلاط من اتمام رسالته التقدمية بعد التحول الكبير الذي وقع اثر الحرب الأهلية في لبنان، وبعد اجتماعه الأخير بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أواخر مارس 1976. قرار الاغتيال نفذ في مطلع الشهر نفسه ولكن بفارق عام واحد. وكان قال عشيه استشهاده «انني شخصياً لم أعد صالحاً للعمل المُضني المتصل، وقد أكلت السنوات مني عمراً وجسداً، فأدرِكوا ذلك، واعملوا بمالكم وبعقلكم، في سبيل تحقيق انتصار قضيتكم التي هي قضية الشعب». وصية تركها جنبلاط ممهورة بدمه، وأرفقها بمقالة نشرها في جريدة «الأنباء» ختمها بقوله «اللهم اشهد فاني بلغت». لكن مضامين تلك الوصية ضاعت في الحرب التي خلفت عشرات الآف القتلى مدى خمسة عشر عاماً، قبل ان ينهيها في اوائل التسعينات اتفاق الطائف الذي لم يقدَّر لجنبـــلاط أن يكـــــون شــــــاهداً عليه.
من المختارة الى دير دوريت
كمال جنبلاط المولود في ديسمبر العام 1917 عمل منذ بدايات معركته على محاربة الاقطاع المتحدر منه، فوزع أراضيه على الناس بسبب ايمانه العميق بالاشتراكية. ومع دخوله البرلمان العام 1942 قدم أول وثيقة اصلاحية تحت عنوان «رسالتي كنائب»، وذلك بعد الموت المفاجئ الذي دهم ابن عمه وصهره حكمت ابن علي جنبلاط. غياب الاقارب الذكور جعل القيادة تؤول الى كمال. والمعروف أن الست نظيرة والدته ساعدته في تخطي العديد من العقبات للدخول تدريجاً في العمل السياسي، فـ «الرفيق كمال بيك» لم يكن يرغب في تنصيب نفسه كزعيم، مؤكداً أنه ورث الزعامة من طريق الصدفة. لكنه حولها لاحقاً ديموقراطية اشتراكية، سعى الى تطبيقها اعتباراً من الأول من مايو 1949 تاريخ تأسيس حزبه، فطالب باشراك الناس في السلطة، وبذل الجهود في سبيل تطوير عقولهم. ومن محرابه خاض جنبلاط معارك سياسية متعددة، بغية تطبيق أفكاره التي آمن بها والتي يمكن اختصارها بثلاث: الاشتراكية، الديموقراطية، الغاء الطائفية السياسية. غير أن المنعطف الأهم في مسيرته تمثل في بداية الحرب الأهلية العام 1975 اذ قام بتاسيس «الحركة الوطنية اللبنانية» التي ضمت اليسار مدعوماً من المقاومة الفلسطينية. وبين العامين 1976 و1977 حاول جنبلاط تعديل الصيغة السياسية اللبنانية من دون الانقلاب عليها، لكنه اضطر لتحقيق أفكاره الى سلوك خيار العنف في وجه ما سماه البعض «المارونية السياسية» وهو القائل: «متى كان لديك مثل أعلى وكان هذا المثل يتعرض للتهديد، أي اذا كان عليك ان تختار بين الخضوع والعنف، فانه ينبغي لك اختيار العنف». هذا المسلك الذي تبناه جنبلاط المؤمن بمعركة الأفكار، أدخله في دهاليز التحولات الكبرى التي شهدها وطنه في تلك الحقبة، والتي ترافقت مع متغيرات اقليمية أسفرت عن الدخول العسكري السوري الى لبنان، الامر الذي رفضه الزعيم الدرزي معتبراً اياه انتهاكاً للسيادة الوطنية، الى أن استشهد على طريق دير دوريت في الشوف العام 1977 في مكمن على قارعة الطريق وبرصاص ارداه مع اثنين من مرافقيه.
الجنبلاطية السياسية
مع تولي وليد جنبلاط الزعامة الدرزية التي ورثها بعد رحيل والده، تبدلت ملامح الجنبلاطية السياسية، فالشعارات التي نادى بها الأب الذي أضناه الترحال بين دول العالم لتحقيق غايته المنشودة المتمثلة في بناء دولة حديثة، لم تكن من أولويات «البيك الجديد». فبدءاً من العام 1977 حتى اللحظة الراهنة، بنى جنبلاط الابن نفوذه السياسي في شكل مختلف كلياً، ونسج علاقات متينة مع دول عربية في مقدمها سورية التي زارها في ذكرى اربعين استشهاد والده، رغم اقتناعه بأنها المسؤولة عن اغتياله.
العلاقة الجنبلاطية السورية مرت بحقبات من المدّ والجزر وصولا الى ذروة الخصومة العام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن «العداء» لم يستمر طويلاً وسرعان ما سلك جنبلاط طريقاً مختلفاً عن حلفائه في قوى 14 مارس مطالباً بتوطيد الروابط بين دمشق وبيروت، وداعياً الى الانتماء للعروبة واعطاء القضية الفلسطينية الاولوية. وتقاطعت هذه التحولات مع قلق تهجس به الأقليات الطائفية التي وصفها بأنها باتت مثل «الهنود الحمر» وسط الحديث عن صراع سني - شيعي.
وتكتسب ذكرى اغتيال «المعلّم» كمال جنبلاط هذه السنة رمزية خاصة لمصادفتها مع ما يشبه تلاوة «فعل الندامة» من نجله وهو في طريق «العودة» الى دمشق تحت شعار «أذهب الى سورية اليوم كما ذهبتُ بعد اغتيال كمال جنبلاط».
وعشية الذكرى 33 لاغتيال جنبلاط تفتح «الراي» ملف الظروف السياسية التي احاطت بالجريمة وملامح الزعامة الدرزية بين الماضي والحاضر على اربع شخصيات: النائب الاول لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» في حقبة كمال جنبلاط الامير طارق شهاب والوزير السابق عباس خلف الذي كان من الشخصيات التي شهدت اللقاء الاخير بين جنبلاط والاسد وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية ومؤلف كتاب «كمال جنبلاط لزمن آخر» الدكتور محمد شيّا، وأستاذ علم الاجتماع ومؤلف كتابيْ «كمال جنبلاط ثورة الأمير الحديث» و«أيام مع كمال جنبلاط» الدكتور خليل أحمد خليل.


شيّا: مرحلة ما بعد 1968 بدلت خيارات جنبلاط
من إصلاحية فكرية إلى ... ثورية


حدد الدكتور محمد شيا أبرز الملامح السياسية لمسيرة كمال جنبلاط التي استمرت نحو خمس وثلاثين سنة، مشيراً الى أهمية الأجندة الاصلاحية التي عمل لأجلها ومؤكداً أن التحولات التي عرفها لبنان في الحرب الأهلية أجبرته على سلوك خيار العنف لتحقيق بناء الدولة الحديثة. وراى أن تحولات وليد جنبلاط هدفت الى تحقيق غايتين: ارساء القرار السياسي اللبناني المستقل بالتحالف مع دمشق، ودعم المقاومة في وجه الأطماع الاسرائيلية.

* اغتيال كمال جنبلاط تقاطع مع تحولات داخلية واقليمية. كيف يمكن تحديد الأجواء السياسية التي رافقت هذا الحدث؟
- في كتابي «كمال جنبلاط لزمن آخر» حددت أبرز مبادئ كمال جنبلاط الاصلاحي منذ أربعينات القرن الماضي. وفي رأيي أن الكتاب الاول الذي اصدره بعيد دخوله المجلس النيابي العام 1942 تحت عنوان «رسالتي كنائب» يشكل أول برنامج لنائب يلتزم علناً العمل على تطبيق بنود اصلاحية. ثم تطور جنبلاط الاصلاحي مع نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات ليبلغ ذروته مع زمالته ست سنوات كاملة للرئيس فؤاد شهاب، وهو العهد الوحيد الذي لم يعارض فيه. لكن هذا التوجه الاصلاحي تراجع بعد انتهاء الحقبة الشهابية التي سعت الى بناء دولة مدنية ديموقراطية اجتماعية، على قاعدة الانفتاح الداخلي بين المسيحيين والمسلمين، خصوصا مع بداية عهد الرئيس شارل حلو الذي شهد تنامي التعصب الطائفي وأحياناً العنصري، وكانت ذروة التعصب في انتخابات 1968. في رأيي أن هذه الانتخابات قلبت تفكير كمال جنبلاط المناضل الاشتراكي، الذي كان يعتقد بامكان الاصلاح من داخل البرلمان، وتصحيح النظام السياسي بالوسائل السلمية، على قاعدة ان المجتمع اللبناني يستطيع أن يراكم اصلاحات تقدمية في وسعها أن تنقله من بيئة طائفية سيطرت على لبنان بدءاً من العام 1861 الى نظام حديث متقدم يتجاوز الطائفية السياسية. ان مظاهر التعصب الشديد التي أظهرتها انتخابات 1968 والتي كانت وسيلة للانقضاض على اصلاحات فؤاد شهاب الداخلية ساهمت في احداث تحول نوعي في آلية تحقيق الاصلاح الذي نادى به جنبلاط، اضافة طبعاً الى هزيمة 1967 التي اكتملت عبر احتلال الأراضي الفلسطينية، ثم دفع الفلسطينيين في الاردن الى لبنان العام 1970 وعودة الزعامات الاقطاعية المحلية. هذه العوامل التاريخية ساهمت على نحو مشترك في زعزعة اقتناعات جنبلاط الاصلاحية، ونقلته تدريجاً الى مرحلة أخرى، بدا فيها أكثر ميلاً للقبول بفكرة أن النظام السياسي اللبناني الطائفي والرجعي لا يمكن التخلص منه الاّ بعمل ثوري شعبي. وفي اعتقادي أن هذه الفكرة هي التي سادت تفكير «الحركة الوطنية» بدءاً من العام 1973. آنذاك تحرك كمال جنبلاط أكثر تحت تأثير اليسار اللبناني، وانتقل الى مرحلة أكثر ثورية، وربما اضطر مكرها الى استخدام العنف المحدود والموقت للتخلص من الوضع الراهن. وجاءت أحداث أبريل 1975 وما تلاها من تقاقم الحرب الأهلية لتعزز التحول الذي حدث عنده. انفجار العنف على نطاق واسع في ديسمبر1975 الذي تمثل في تهجير مخيمي تل الزعتر والنبعة (شرق بيروت)، ثم التهجير الجماعي من بلدة الدامور (جنوب بيروت)، هذا الانفلات في تقديري أفسح الطريق لمقاربة جديدة من جانب كمال جنبلاط تحت تأثير اليسار اللبناني، ليخلص أنه بالامكان توجيه ضربة عسكرية للنظام القائم ليحل محله برنامج «الحركة الوطنية» الذي يمكن اختصاره في اقامة دولة مدنية بعد التخلص من المجتمع الاقطاعي.
* كمال جنبلاط امتلك مشروعاً سياسياً قوامه بناء دولة ديموقراطية حديثة لكنه لم يكن قادرا على تحقيق أهدافه بسبب بنية النظام الطائفي اللبناني. الى أي حد ساهمت الطائفية السياسية في افشال مشروعه؟
ـ في كل كتابات كمال جنبلاط، خصوصاً في كتابيه «الممارسة السياسية» و«حقيقة الثورة اللبنانية»، يقدم شهادة للتاريخ باعتباره أن الطائفية السياسية في لبنان تتحمل وحدها، وربما أكثر من ثمانين في المئة مسؤولية الأزمات السياسية المتلاحقة. لذلك أكد في أطروحاته أن لا خلاص للبنان الا بالتخلص من الطائفية السياسية، مع العلم أنه ميَّز بدقة بين الطائفية والانتماء الديني. وفي الوقت الذي دعا فيه الى القضاء على هذه الآفة، كان يطالب بتعليم ديني الزامي في المدارس الرسمية والخاصة سواء بسواء. كمال جنبلاط بقدر ما كان مفكراً سياسياً، كان مفكراً دينياً، وبقدر ما كان اشتراكياً، كانت اشتراكيته مستمدة من روح الاسلام والمسيحية. كان يعتبر المسيح أول اشتراكي، واعتبر محمد نبي الفقراء، لذا لم يخلط على الاطلاق، ولم يساوره الشك أن الطائفية السياسية مرض، بمقدار ما يشكل التدين الحقيقي ثروة للبنان وللمشرق العربي.
* بعد رحيله دخلت الجنبلاطية السياسية في مسار نوعي مع الابن الوارث، ان لجهة التعامل مع الملفات الداخلية، وان لجهة العلاقة مع المحيط العربي خصوصا سورية. ما الملامح الجديدة التي اكتسبتها الجنبلاطية السياسية؟ وهل تشديد وليد جنبلاط في الوقت الراهن على العروبة ورفض القطرية يندرج في اطار الخطوط العريضة التي حددها جنبلاط الأب؟
ـ لا يخفى على المرء أن ظروف تسلم وليد جنبلاط للزعامة بعد والده، اختلفت عن ظروف كمال جنبلاط في كل شيء تقريباً. فـ«الحركة الوطنية» هزمت بعد الدخول السوري للبنان بدءاً من يونيو 1976. والمرحلة التالية اتسمت كلياً بالنفوذ السوري القوي في معظم المناطق اللبنانية، باستثناء المنطقة الصغيرة نسبياً التي كان يطلق عليها بيروت الشرقية، والممتدة من كفرشيما (جنوباً) الى جسر المدفون (شمالاً). خلال الحقبة بين 1976 و1990 دخل لبنان في حرب أهلية، بدل أن تكون حرباً طبقية واجتماعية وسياسية ذات عناوين تقدمية. ثم جاء الاحتلال الاسرائيلي العام 1982 الذي ترافق مع محاولة فرض نموذج كامب ديفيد، لكن حلفاء سورية في لبنان، خصوصاً وليد جنبلاط، نجحوا في اخراج الاسرائيليين الى الشريط الحدودي، وحققوا انسحاب القوات المتعددة الجنسية. هذا الدور الذي اداه جنبلاط الابن، جعله الحليف الأول للنظام السوري، بعيداً من مرارة اغتيال كمال جنبلاط العام 1977. وذروة هذه العلاقة تمثلت في اتفاق الطائف، ثم في العملية العسكرية التي شنها السوريون وحلفاؤهم اللبنانيون في 13 اكتوبر 1990 لاخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا. نجاح هذه العلمية دشنّ عشر سنوات أخرى كاملة في التحالف الجنبلاطي - السوري، كان لوليد جنبلاط فيها دور كبير في ترسيخ العلاقات بين بيروت ودمشق. الاّ أن هذه المرحلة انكسرت منذ العام 1998 خصوصاً بعد التجديد للرئيس اميل لحود، الأمر الذي خلق شرخاً بين جنبلاط وسورية. وقد ترافق ذلك مع تصاعد دور الرئيس رفيق الحريري لبنانياً وعربياً، فنشأ تحالف سياسي جنبلاطي - حريري مع سورية، ولكن متميز عنها في الوقت نفسه. وما جرى بعد ذلك معروف، لكنني أعتقد أن وليد جنبلاط كان يطمح بدءاً من العام 2000 الى مزيد من الابراز للقرار السياسي اللبناني المستقل، غير المعادي لسورية. وما فعله منذ انتخابات يونيو 2009 تحت عنوان اعادة التموضع كان يهدف الى تحقيق هدفين: استعادة خطابه السابق، أي تأكيد القرار السياسي اللبناني المستقل بالتحالف مع دمشق، ودعم المقاومة في وجه الأطماع الاسرائيلية.


خليل: القيد الطائفي والمجتمع التقليدي
عرقلا الفكر الإصلاحي لجنبلاط


يقرأ الدكتور خليل أحمد خليل تجربة كمال جنبلاط من زوايا متعددة، ويخلص الى أن أفكار «الأمير الحديث» اصطدمت ببنية النظام التقليدي اللبناني القائم على المذهبية. واذ يعتبر أن التعددية السياسية في الزعامة الدرزية ليست عاملاً طارئاً، يؤكد ان المعطى الذي تمر به جماعة الدروز اليوم نتيجة تصاعد دور الشيعة هو ما دفع جنبلاط الابن الى الانقلاب على قوى 14 مارس بعد ادراكه دخول دول المنطقة وبينها لبنان في زمن التحولات الكبرى.

• سعى كمال جنبلاط خلال مسيرته الى محاربة الطائفية السياسية ومحاولة اشراك الجمهور في السلطة في ما يمكن أن نسميه الديموقراطية الشعبية. كيف يمكن أن تحدد المواصفات القيادية التي تمتع بها؟
- جاء كمال جنبلاط الى المجتمع السياسي اللبناني من زاوية طائفية ضيقة، ولكنه حمل معه الى مجتمع جبل لبنان أفكاراً تقدمية، كان يعرف أنها جديرة باشراك الجمهور. غير أنه حين صار قائداً اجتماعياً، أدرك أن هناك من يطلق النار على أصحاب الأفكار، ولاحظ أن هذا الشرق المُكبل بقيود الماضي والساهي عن هموم المستقبل، مشغول بالبقاء في سجنه. فالعقل اليوناني ثم الغربي الذي استلهمه كمال جنبلاط، لم يجد سبيله الى السلطة، كأنه كان وقفاً على نخب معزولة عن جماعاتها لا تؤثر كثيراً في بناها الراكدة. ورأى أن معركة الأفكار هي أخطر المعارك التي يقودها الجنس البشري الموصوف بالعقلانية لأجل تغيير الواقع وتطويره. كذلك اكتشف أن القيد الطائفي يحول دون اختراق الأفكار الجديدة، كالديموقراطية والاشتراكية والسلام. فهذه الطروحات تقابلها مجتمعات تقليدية تجدد انتاج تخلفها، بوهم أنها تحافظ على تراثها واستقلالها، بينما العالم آخذ بالتفاعل والتداخل والتشابك والتصارع. والحق ان اشكالية كمال جنبلاط كانت: كيف تبقى جامداً صامداً في عالم يتغير كل ثانية؟
• بعد أحداث السابع من مايو 2008 شهدت منطقة الجبل نوعاً من التعددية السياسية حول الزعامة الدرزية، رغم محورية البيت الجنبلاطي. ما تفسيركم لهذه التعددية؟ وهل يمكن القول ان الجنبلاطية السياسية تواجه اليوم تعدداً مرحلياً عابراً؟
- نلاحظ أولاً، أن مجتمع جبل لبنان هو في ذاته تعددي، ونسارع الى القول ان الجنبلاطية كنظيرتها اليزبكية ونقيضتها المارونية السياسية، كانت وما زالت تنطوي على مؤشرات تعددية أو تنوعية. حتى ان شعار كمال جنبلاط الفلسفي «التنوع ضمن الوحدة» كان بمثابة مهماز سياسي، يستخدمه دوماً لاثارة ردود الجماهير بصرف النظر عن طوائفها ومناطقها. ان تجربة كمال جنبلاط على الصعيد الدرزي لم تتصف يوماً بالاحادية، اذ كانت العائلات الدرزية الأخرى مثل ارسلان، أعور، صالحة، العريان، حاضرة بقوة في المشهد السياسي مع مفارقة هي أن الخطاب السياسي لجنبلاط كان ينشد احلال التعددية السياسية، محل التعددية الطائفية الاسلامية - المسيحية، فضلا عن التعددية المذهبية، اي الدروز، السنّة والشيعة من جهة والموارنة، الكاثوليك، الأرمن والارثوذكس من جهة اخرى. في العام 1972 قام كمال جنبلاط بمصالحة درزية مع الامير مجيد ارسلان، وخاضا معاً انتخابات دائرة عالية النيابية لمواجهة الانقسام الماروني السياسي المتجسد في بيار الجميل ولائحته وكميل شمعون ولائحته، الأمر الذي أفضى الى فوز لائحة جنبلاط ارسلان بكاملها. لكن تلك المصالحة كانت عابرة، اذ ان اتفاق الطائف جدّد سياسياً، الطائفية المذهبية في لبنان وجعل الديموقراطية التعددية تعني المحاصصة المذهبية بين أحزاب طائفية بامتياز. وظلت الحال كذلك حتى انتخابات 2005 حين استطاع وليد جنبلاط احتكار كل المقاعد النيابية، المخصصة للدروز. ولكن هذا الوضع لم يستمر كثيراً بفعل الحراك السياسي على امتداد أربع سنوات. وفي انتخابات 2009 هبط الاحتكار الجنبلاطي للدروز الى أدنى مستوياته، فلم يحصد سوى نصف المقاعد الدرزية تقريباً (2 في الشوف، 1 في عالية، 1 في بيروت، 1 في البقاع الغربي) والحبل على الجرار.
• يعمل وليد جنبلاط على نقل المسؤولية السياسية لابنه تيمور في شكل تدريجي. في ظل المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان ما مؤثرات ذلك على الدروز؟ وفي رأيكم هل سيخطو الابن الخطوات نفسها التي تبناها والده في التعامل مع الأزمات اللبنانية المستدامة؟
- في دراستنا للتوريث السياسي، نلاحظ أن الأنظمة الطائفية أو الفئوية هي أنظمة توريثية بامتياز. هذه الأنظمة هي استزلامية من جهة، وبقائية من جهة اخرى، قانونها حفظ الجماعة الى ما شاء الله. هذه الظاهرة العربية نابعة مما نسميه «البدولوجيا» ومتمثلة في ظاهرة «البدوقراطية» أي النظام السياسي الذي يفكك المجتمع كما هي الحال في لبنان الى قبائل او طوائف أو مذاهب أو جماعات مقفلة وسرية، للحؤول دون قيام دولة حديثة. فورثة الزعامات اليوم هم حكام الغد، والجمهور الذي أراده كمال جنبلاط صاحب أفكار حديثة، لا يزال يصفق ويبايع ممارساً العنف على ذاته قبل أن يمارسه أحد من خارجه.
• وسط تصاعد التوجه الديني في لبنان والعالم العربي مترافقا مع قلق وجودي تمر به المسيحية الشرقية. ما انعكاسات هذا الوضع على الموحدين الدروز؟ وهل تشديد وليد جنبلاط على العروبة ومركزية القضية الفلسطينية يأتي في سياق حماية جماعته الدينية من احتمال صراع سني شيعي؟
- يُعبر العنف الديني عن خوف من انقراض مذهبي، أو قلق من تنامي دور الدولة المركزية القوية، كما هي الحال مع الحوثيين في اليمن، فيعالج ذلك بحكم البدوقراطية، أو حكم البدو ضد حكم الدولة، ما دامت القبلية أوالطائفية ترى نفسها دولة داخل الدولة، أو داخل الأمم. أما الدروز الموزعون على لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، فهم جماعة مرجعية تربطها عقيدة التوحيد، وتفصل في ما بينها الجغراسيا أو الجيوبوليتيكا في ثلاث دول متعددة النظام. وعليه، فان دروز لبنان مثلاً هم ضحايا الحراك المذهبي اللبناني، الذي يتميز بصعود القوة الشيعية فوق كل الطوائف والمذاهب الأخرى. وما صدمة السابع من مايو 2008 سوى مهماز أولي، جعل زعيم الدروز يعي أنه دخل في زمن التحولات الكبرى على صعيد المنطقة، فحاول استعادة شعار العروبة أي التماهي بهوية كبرى، بدعوى الحفاظ على الاخوان أي ابقاء بوتقة التوحيد الدرزي. هذا التوحيد وصفه وليد جنبلاط بأنه «آخذٌ في الانقراض» بعدما لمس أن تحالفه مع بعض الموارنة وبعض السنّة لن يكون كافياً للحفاظ على الدروز. وعندما رأى الهاوية التي تنتظر لبنان والمنطقة، وفهم أن كل تحالف مع واشنطن في هذه المرحلة يصبّ في الخانة الاسرائيلية، اصطنع انقلاباً على حلفائه في 14 مارس، ووضع نفسه في الوسط ظناً منه أن ذلك سيؤمن الحياد للجماعة الدرزية. لكن الوقائع تؤكد مسألة جوهرية هي ان لا حياد في السياسة. لذا، رأيناه يفكر في اعتزال العمل السياسي، والاسراع في توريث ما بقي من زعامته لبكره تيمور.


طارق شهاب عن اللقاء الأول
بين جنبلاط الابن والأسد الأب:
لم يتطرّقا إلى الاغتيال وركزا على إرساء المصالحة


النائب الأول لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في حقبة كمال جنبلاط طارق شهاب اكد لـ «الراي» ان اللقاء الاول بين وليد جنبلاط والرئيس السوري الراحل حافظ الاسد بعد اغتيال كمال جنبلاط لم يتطرق الى جريمة الاغتيال وتركز على كيفية انجاز المصالحة بين حزبي البعث والتقدمي الاشتراكي.

• بعد مرور أربعين يوماً على اغتيال كمال جنبلاط، زار وليد جنبلاط الرئيس حافظ الأسد في 19 مايو 1977. كيف يمكن أن تصف لنا هذا اللقاء؟ وما أبرز محاور الحوار الذي دار بين الاثنين؟
ـ زيارة وليد جنبلاط لسورية ولقاؤه الرئيس الأسد بعد أربعين يوماً من استشهاد والده لم تكن أمراً سهلاً بالنسبة اليه ولا لقيادة الحزب. آنذاك، زار جنبلاط دمشق على رأس وفد حزبي، والاحتكاك الأول بين الطرفين كان يتسم بالحذر أقله بالنسبة الى وليد جنبلاط. لم أكن من ضمن أعضاء الوفد لكنني عرفت مجريات بعض ما دار بينهما بعد اطلاعي عليها. الا انني توجهت الى سورية في زيارة ثانية بعد استشهاد كمال جنبلاط، وكان المطلوب منا تأكيد المصالحة بين حزب البعث وحزبنا. وأذكر أن جنبلاط بعد اجتماعه مع الأسد قال لنا: «قابلت الرئيس حافظ الأسد، وسألني بعد الترحاب والترحم على الوالد، هل أنت معي أم ضدي، فقلت نحن عرب ولا نستطيع أن نكون ضدكم»، واضاف: «يريدون وفداً من الحزب كي يتفاهم مع القيادة السورية وأقترح ارسال عباس خلف ورياض رعد وفؤاد شاهين ومحسن دلول وتوفيق سلطان وداود حامد وشخصيات قيادية أخرى». وبالعودة الى الحوار الذي دار بين الزعيمين، لا يخفى على أحد أن وليد جنبلاط صرح في حوارات عدة لقنوات فضائية ولبعض الصحف أن الأسد أجلسه على كرسي قريب منه وقال له: «سبحان الله كم تشبه والدك»، ولم يتطرقا الى ذكر اغتيال كمال جنبلاط، انما تناقشا في بعض المسائل السياسية، من بينها التحفظات التي أدلى بها وليد جنبلاط عن بعض القادة المسيحيين أمثال بيار الجميل وكميل شمعون وسليمان فرنجية. وعلى العكس من ذلك دافع عن ريمون اده لأنه كان من بين القادة القريبين من نهج جنبلاط الأب، وهذا ما فاجأ الاسد الى حد ما. وبحسب تقديري أن أبرز النقاط التي دارت خلال الحديث تركزت على مشروع المصالحة المقبلة بين حزب البعث والحزب التقدمي الاشتراكي، وهذا ما حدث فعلاً. وفي رأيي ان جنبلاط تحاشى التطرق الى حيثيات اغتيال والده وأراد أن يطوي صفحة الماضي للانتقال الى مرحلة جديدة في توطيد العلاقات الجنبلاطية - السورية، من دون أن يعني ذلك أنه نسى قضية والده، رغم أنه أكد مرات عدة أن الموضوع انتهى منذ العام 1977. أريد أن أذكر أن كمال جنبلاط قبل استشهاده بأيام دعا اعضاء مجلس قيادة الحزب الى الاجتماع في مركز الحزب الواقع في المصيطبة غرب بيروت، وحضر الى المكان بهيج تقي الدين وتوفيق عساف وعباس خلف ومحسن دلول وفريد جبران وطارق شهاب وأنا. وخلال كلامه بدا كأنه يريد أن يودعنا، وكنا جميعا نعرف خطورة الأجواء التي يمر بها الحزب خصوصاً اثر اللقاء الأخير بين كمال بك والأسد الأب. اللقاء بين جنبلاط الابن وحافظ الأسد أسس في ما بعد لعلاقات جيدة نسبياً، ولكن تخللها بعض الخلافات التي ساءت بدءاً من العام 1998 وتحديداً مع التجديد للرئيس اميل لحود».
• ما تعليقك على المعلومات التي أوردها جورج حاوي حول تورط رفعت الأسد في اغتيال كمال جنبلاط بمعزل عن شقيقه؟
- لا أريد الدخول في هذه التفاصيل، كما لا أملك المعطيات الكافية لتأكيد هذه المسألة أو نفيها. أثيرت العديد من الشائعات بعد استشهاد كمال جنبلاط، ولكن تمّ التأكد لاحقاً أن احد الضباط السوريين نفذ عملية الاغتيال ويدعى ابراهيم الحجّي. كما أن القضية طويت منذ العام 1977 لأن وليد جنبلاط أراد ذلك ورفض اعادة فتح الملف مرات عدة.


خلف الشاهد على اللقاء الأخير مع حافظ الأسد:
خرج كمال جنبلاط بعد 7 ساعات
وقال لي it is not good


يروي الوزير اللبناني السابق عباس خلف الذي كان من الشخصيات التي شهدت اللقاء الاخير بين كمال جنبلاط والرئيس حافظ الأسد تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمع جنبلاط مع الأسد، محدداً أهم الأفكار التي جرت خلال الاجتماع ومن بينها طلب جنبلاط من النظام السوري عدم الوقوف في وجه التقدم العسكري لـ «لحركة الوطنية» الى حدود ما بعد بكفيا (معقل حزب الكتائب)، لكن ردّ الأسد كان سلبياً ورفض الطلب بعد مناقشات استمرت نحو سبع ساعات.

• كنت من بين الشخصيات التي رافقت كمال جنبلاط خلال مسيرته، وقد كنت معه في العديد من الجولات التي قام بها على الدول العربية ومن بينها سورية. كيف يمكن أن تحدد لنا الحوار الذي دار بين كمال جنبلاط والرئيس حافظ الأسد في لقائهما الأخير؟ وما هي قراءتك السياسية للصدام بينهما؟
أنا لم أكتب مذكرات حول هذه المرحلة، وانما دونت بعض الملاحظات القصيرة على عدد من الأوراق فقدتها فبعدما احترق منزلي في معارك سوق الغرب خلال الحرب الأهلية، ولهذا أتجنب عادة الحديث من الذاكرة. ولكن سأحاول أن اروي ما يزال عالقا في ذاكــرتي عن هذا اللقــاء. في البداية سأحيطك بالأجواء التاريخية التي رافقت هذا الحدث. كان لدى جنبلاط والحــركة الوطنيــة قناعة بأن المارونية السياسية تسيطر على معظم مقاليد الدولة، لذا طـرحوا مشــروعا للاصلاح السياسي عام 1975 يؤمن التوازن في السلطة ويجــري اصلاحات ديموقراطية ترتكز على المسـاواة في الحقوق وتكافؤ الفرص. ودعا جنبلاط ورفاقــه القيادات المسيحيـة الى اجراء حـوار متكافئ يفضي الى تسوية سياسية تؤمن التوازن والمشــاركة في السلطة. ولدى لجــوء أفراد من الكتائب الى اطلاق شــرارة الحــرب الأهلية بالاعتداء على حـافلة تقل مجموعة من الأخوة الفلسطينيين في 13 ابريل 1975، نشب نزاع مسلح في مناطق عدة، وقامت القوات المشتركة للحركة الوطنية وحلفائها بهجوم على منطقة المتن، ووصلت الى مشــارف ضهـور الشـوير وعيون السيمان من دون ان تدخل الى العمق. هنا قام كمــال جنبلاط بزيارة سورية للقاء الرئيس حافظ الأسد بهدف اقناعه بعدم التعرض لقوى الحركة الوطنية، والسماح لها باكمال مهمتها في تشديد الضغط على المتن. وخلال لقائه مع الأسد شرح له وجهة نظره بشكل مفصل، مشددا على ضرورة الضغط على القيادات المسيحية للتفاهم على صيغة جديدة، لكن الأسد كان لديه وجهة نظر مختلفة، وقال لجنبلاط لا يجوز كسر المسيحيين أو قهـرهم، مؤكداً أن بامكانه احتواء الزعماء المسيحيين الذين وافقوا على اقامة صيغة اتحادية مع سورية، فأردف وقال لجنبلاط هل أنت مستعد لذلك؟ فأجابه قائلاً: «حين تتحقق الديموقراطية والحريات العامة والفردية في سورية يمكن وقتها البحث في هذا الموضوع». الاجتماع في سورية استمر نحو سبع ساعات، والأسد رفض بشكل مطلق استمرار الضغط العسكري على المناطق المسيحية، بدعوى امتلاكه القدرة على حل الأزمة. الخلاف في وجهات النظر بين الاثنين كان قوياً، ولم يتنازل أي طرف عن قناعته، وبدأ الجو بالتوتر. وبعد ساعة ونصف الساعة من الاجتماع الذي تم بحضوري وحضـور محسن دلول وعبد الحليم خدام، طلب حافظ الأسد أن يبقى بمفرده مع جنبلاط واستمر اللقاء بينهما نحو خمس ساعات، لكنهما لم يصلا الى نقطة تفاهم. وبعد خروج جنبلاط من اللقاء، انضم الينا في قصر الضيافة، وهنا أذكر أن عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي انتظرا معنا، وحاولا اقناعنا بالبقاء الى اليوم التالي، بهدف محاولة تعديل موقف جنبلاط في الصباح، لكن الأخير رفض البقاء وغادرنا في ليل 27 مارس 1976. وأريد في هذا السياق أن أسترجع بعض الأحداث؛ عندما خرج كمال جنبلاط من الاجتماع مع الأسد، كانت ملامح وجهه قلقة وتوجه نحوي وجلس قربي، ولدى سؤالي: كيف سارت الأمور؟ أجاب بالانكليزية: its is not good اي ليس على ما يرام. وفهمت منه أن الأسد قرر التصدي للعمل العسكري الذي تخوضه الحركة الوطنية وحلفائها، بغية التمهيد لدخول الجيش السوري، ورفض بالمطلق التسوية التي تقدمنا بها.
بعد اللقاء الأخير الذي جمع بين جنبلاط والأسد، ساد انطباع لدى بعض المسيحيين أن كمال جنبلاط يريد القضاء عليهم. طبعا هذا الادعاء غير صحيح، أولا لان جنبلاط كان علمانيا ويحترم كل الطوائف والمعتقدات في نفس الوقت، وثانيا لأنه كان قريبا من المسيحيين. وللمناسبة اذكـر انه قام بزيارة المطران غريغوار حداد لتهنئته بانتخابه مطـرانا على بيـروت، جرى حوار لاهوتي وفكري بين الاثنين في الدين المسيحي والانجيل المقدس، دام نحو ساعتين. ولدى خروجنا قال لي المطران حداد « صديقك يعرف عن الانجيل والمسيحية أكثر مني». وبرأيي ان شخصا مثل كمال جنبلاط لا يمكن أن يكون ضد المسيحيين، فقد تأثر بالحضارة الغربية المسيحية،كما تأثر بالحضارة اليونانية والهندية. وهنا تجدر الاشارة الى أن غالبية مؤسسي الحزب الاشتراكي كانوا من هذه الطائفة (المسيحية) من بينهم فريد جبران وألبير أديب، وجميل صوايا وسواهم.
• التحولات السياسية التي شهدها لبنان بعد استشهاد كمال جنبلاط دفعت ابنه الذي ورث الزعامة الجنبلاطية الى انتهاج نمط أكثر براغماتية. ما أبرز نقاط الاختلاف بين الأب والابن؟ وهل الاصلاح الذي نادى به كمال جنبلاط ما زال يشكل بعداً محورياً في أجندته السياسية؟
- من الظلم لوليــد جنبلاط مقارنته بوالده. كمال جنبلاط كان شخصية استثنائية فذة، وليس زعيماً أو قائداً عادياً، فهو طرح أفكارا تقدمية جداً بالنسبة لعصره، وكان يمتلك طاقة فكرية وثقافية هائلة. أما وليد جنبلاط فهو يتحلى بذكاء وفطنة ودهاء جعلت منه شخصيــة سياسية متفوقة ومميزة، رغم انه ورث الزعامة فجأة ولم يتدرب على القيادة السياسية. اضطر وليد جنبلاط خلال الحرب الأهلية، الى التحول الى «أمير حرب»، ولعب هذا الدور «بكفاءة» وشجاعة. نقاط الاختلاف بين الشخصيتين كثيرة، كمال كان أكثر صلابة بتمسكه بمواقفه المبدئية مهما كانت النتائج، أما وليد فهو يمتلك القدرة على التكيف مع المستجدات وتغيير المواقع بشكل مذهل، وهذا فارق نوعي مهم. وبالنسبة الى الأجندة الاصلاحية، فان الأدبيات الأساسية التي صاغها الأب في ميثاق الحزب مثلا، لا تزال موجودة دون تعديل او مراجعة، وان كانت تلقى اهتماما اقل اليوم مما كانت عليه أيام كمال جنبلاط.
• ماذا عن «رابطــة أصدقاء كمــال جنبلاط» التي رخصتها اخيراً وزارة الداخلية وما الأهداف الأساسية وما برنامجكم للعمل؟
- تهدف الرابطة الى تخليد تراث كمــال جنبلاط عن طريق نشــر أفكاره وتعميمها في مختلف الأوساط اللبنانية، ولا سيما في أوساط الشباب.
لقد ترك جنبلاط ارثا فكــريا وثقافيا غنيا عز نظيـره في عصـرنا. وقد ظُلم كمــال جنبلاط لان الجهد الذي بُذل لحفظ تراثه ونشـر مبادئه وأفكاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية لم يكن كافيا ومنتظما ومثابرا ومستمرا كي تصل الرسالة الى أوسع جمهور ممكن، ولا سيما جمهور الشباب والأجيال الطالعة.
ان رابطــة أصدقاء كمــال جنبلاط، التي تضم نخبـة واعية من جيــل كمــال جنبلاط، ومجموعة رائدة من الشبان والشابات، أخذت على عاتقها مسؤولية تعريف الأجيال اللبنانية والعربية على أعمال ومبادئ هذا القائد الذي بذل نفســه من اجل حــرية بلده وسيادته وتقدمه، ومن اجل اصلاح النظام السياسي والاقتصادي، ومن اجــل تحرير فلسطين وكل قطــر عربي يعاني من الهيمنة والتدخـل الأجنبي.



 
\"\"
جنبلاط مستقبلا في دارته جموعا من مؤيديه (خاص - «الراي»)
\"\"
لبنانيون يرفعون صورة كبيرة لكمال جنبلاط

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,177,665

عدد الزوار: 6,939,004

المتواجدون الآن: 125