إزاحة الستار عن تفاصيل المفاعل السوري

تاريخ الإضافة الجمعة 19 آذار 2010 - 10:02 ص    عدد الزيارات 1154    التعليقات 0

        

 

العدد 250، 13 مارس 2010
 
إزاحة الستار عن تفاصيل المفاعل السوري

تقرير واشنطن ـ مروة نظير

مع التغير الذي طرأ على قيادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع انتهاء مدة ولاية الدكتور "محمد البرادعي"، وتولي السفير يوكيا أمانو Yukiya Amanoمهام قيادة الوكالة، انشغل كثير من الباحثين والمعنيين بالشأن العالمي بالبحث في القضايا التي تكتسب أهمية خاصة على أجندة الوكالة. وفي هذا السياق يرى البعض أنه لابد من إيلاء اهتمام خاص بسوريا، لاسيما وأن ملفها النووي يعني كثيرًا بالنسبة لمستقبل الوكالة.

وفي هذا الإطار تأتي مقالة جريجوري شولت Gregory L. Schulte الباحث في مركز دراسة أسلحة الدمار الشامل Center for the Study of Weapons of Mass Destruction، التابع لجامعة الدفاع الوطني National Defense University في عدد يناير 2010 من سلسلة policy outlook الصادرة عن مؤسسة كارنيجى للسلام العالمي Carnegie Endowment for International Peace

تدور هذه المقالة حول الموقف الحالي للتحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن سوريا، موضحًا أسباب ضرورة استكمال هذا التحقيق. وتتجاوز أهمية هذا التحقيق مجرد مفاعل محطم في صحراء سوريا الشرقية؛ إذ إن نتيجته ستحدد ما إذا كان المجتمع الدولي سيواصل أم سيوقف جهوده لعرقلة الصادرات النووية لكوريا الشمالية، لتقوية منظومة عدم انتشار الأسلحة النووية التي قوضتها مساعي إيران النووية.

عديد من العوائق

أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقها بَعْدما أطلعتها الحكومة الأمريكية في إبريل 2008 بأن سوريا تَبْني مفاعلًا نوويًّا سريًّا، وأن هذا المفاعل الذي لا تعرف له أغراض مدنية واضحة قد بني في الصحراء البعيدة بمساعدةِ كوريا الشمالية، كما أنه يتشابه إلى حد كبير مع مفاعل يونجبيون Yongbyon، الذي تستخدمه كوريا الشمالية لإنتاج البلوتونيوم اللازم لأسلحتها النوويةِ.

ويعد عدم قيام سوريا بإبلاغ الوكالة الدولية قبل بناءِ المفاعل، انتهاكًا من قبل دمشق لالتزاماتها الدولية. ويمكن أن يساعد اكتشاف المفاعل في توضيح لماذا رفضت سوريا تبني البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية، والذي وقع مِن قبل 130 دولة، والذي كان سيمنح مفتشي الوكالة بالوصول للمعلومات المتعلقة بنشاطات سوريا النووية.

قوبل تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعراقيل عدة من قبل سوريا، التي أنكرت وجود المفاعل وأزالت ما تبقى من آثاره. وحينما وصل مفتشو الوكالة في يونيو 2008، كان قد هدم المفاعل وإقامة بناية جديدة؛ إذ ظنت السلطات السورية أن جهودها الاستثنائية في الإخفاء قد تنجح في خداع مفتشي الوكالة.

إلا أن المفتشين كانوا قد قاموا بجهود عديدة قبيل زيارتهم لسوريا عبر جمع وتقييم المعلومات من مصادر متنوعة. ولدى وصولهم إلى سوريا، أثار المفتشون عددًا من الأسئلة الصعبةَ حول المنشأة المهدمة، فضلاً عن بعض الصفقات المريبة، وقد رفضت السلطات السورية الإجابة على تلك الأسئلة. كما طلب المفتشون زيارة ثلاثة مواقع أخرى مشتبه فيها وهو ما رفضته أيضًا السلطات السورية، وقد حصلت الوكالة في وقت لاحق على صور بالقمر الصناعي توضح إجراء أعمال تنظيف ظاهرة في تلك المواقع.

أخذ المفتشون عينات بيئية أيضًا من موقع المفاعل، وقد كشف تحليلها عن وجود جزيئات من اليورانيوم الصناعي من نوع لم تعلنه سوريا للوكالة الدولية، ورغم أن السلطات السورية ادعت أن هذه الجزيئات جاءت من الضربة الجويِة الإسرائيلية، إلا أن التقارير أثبتت أن هذه الجزيئات لم تكن من اليورانيوم المنضب الذي يستعمل أحيانًا في الذخيرة التقليدية، ومن ثم فمصدره ليس الغارة الإسرائيلية. وفي أغسطس 2008 اكتشف مفتشو الوكالة الدولية المزيد من جزيئات اليورانيوم في أحد المفاعلات البحثية المعروفة في دمشق.

إن وجود مواد غير مصرح بها في موقعين في سوريا يعطي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية أساسا قويًّا لإجراء التحقيق، كما أن المعلومات التي وفرتها الدول الأعضاء يجعل الوكالة ملزمة بإجراء هذا التحقيق.

وقد غيرت دمشق من استراتيجياتها بإدعاء أن موقع المفاعل والمواقع الأخرى الثلاثة هي "مواقع عسكرية" ومن ثم رفضت توفير أية معلومات بشأنها أو بشأن أنشطتها. وقد توقف التعاون السوري تمامًا، خصوصًا بعد التقارير التي أشارت إلي قيام قناص ما بقتل الجنرال السوري المرافق لمفتشي الوكالة خلال زيارتِهم الوحيدة، إذ يبدو أن أحد الأشخاص في دمشق أَو في مكان آخر لم يرد الكشف عن نشاطات سوريا السرية.

في يونيو 2009، قدم المدير العام للوكالة تقريرًا لمجلس محافظي الوكالة مفاده أن المعلومات التي قدمتها سوريا لا تدعم مزاعمها حول طبيعة الموقع، وأنه على سوريا أن تبدي قدرا أكبر من التعاون والشفافية. وفي أغسطس من العام ذاته أكدت الوكالة عدم قدرتها على البت في تفسيرِات سوريا بخصوص طبيعة البناية المتهدمة بسبب قيام سوريا بعرقلة الحصول على معلومات والوصول إلى المواقع أو الأجهزة أو المواد اللازمة.

لماذا يهم الأمر؟

لقد أضحى المفاعل السوري السري في عداد التاريخ بعدما تم قصفه ودفنه ولا يمكن إعادة إحيائه سواء لأغراض سلمية أَو عسكرية، ورغم ذلك فلا يزال الأمر مهما:-

أولاً: يجب أن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن سوريا لا تخفي عنها المزيد من النشاطات المحظورة. لاسيما مع وجود شكوك حول التماثل بين المفاعل السوري والمفاعل الكوري الشمالي. وعلى مفتشي الوكالة التثبت من أن سوريا لا تخفي أية نشاطات نووية أخرى، وفي حال تمكنهم من العثور على منشآت نووية أخرى لا بد من وضع أنشطتها تحت الرقابة بل من الأحسن التأكد من تدميرها.

ثانيًا: يجب إقناع النظام السوري بالامتناع عن تجديد مثل هذه المساعي النووية، لا تزال دوافع سوريا لبناء مفاعل نووي مجهولة، كما لا يزال الخبراء متحيرون حول ما إذا كانت القيادة السورية الحصول على سمعة جيدة بشأن امتلاكها مهارات تقنية عالية؟ أم أنها ترى في البرنامج النووي وسيلة لاستعادة مرتفعات الجولان أَو لحماية النظام من الهجوم الإسرائيلي؟ هل كان الرئيس الشاب بشار الأسد يحاول إثبات نفسه بعدما حل محل أبيه؟ علاوة على ذلك، يمكن أن يشكل تقدم إيران الثابت نحو امتلاك أسلحة حافزا لدمشق لتجديد نشاطاتِها السرية. وتزيد الإغراءات في هذا السياق إذا ما اعتقد النظام السوري أن بإمكانه إعاقة تحقيق الوكالة دون أن يعاني أية تبعات.

ثالثًا: تُثار في السياق ذاته مسألة الملف النووي لكوريا الشمالية التي لها تاريخ طويل في التعاون العسكري مع سوريا وبلدان أخرى أهمها إيران. وتُعد المساعدات التي قدمتها كوريا الشمالية لبناء المفاعل السري السوري دليلا على أن كوريا الشمالية أصبحت أيضًا مصدرة للموارد النووية. ومن ثم فلابد من كشف أبعاد التعاون بين كوريا الشمالية و سوريا في هذا الإطار على نحو يسمح بكشف وعرقلة شبكة علاقات كوريا الشمالية العالمية.

وأخيرًا: فإن منظومة الحد من انتشار الأسلحة النووية معرضة للخطر، لابد أن تدرك دولا مثل سوريا وكوريا الشمالية وغيرهما أن رفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعني بالضرورة التعرض للعقوبات والمقاطعة الدولية. لا تزال الدعوة إلى عالم خال من الأسلحة النووية غير قابلة للتحقيق ما لم تكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة على تحري، وكشف، وردع النشاطات السرية التي تجريها دولا مثل سوريا وكوريا الشمالية.

ماذا الذي يجب القيام به؟

وعن ما يجب عمله مع سوريا في ظل ما سبق طرحه، أشارت الدراسة إلى:-

أولاً: يجب أن تواصل الوكالة الدولية والدول الأعضاء فيها تسليط الضوء على نشاطِ سوريا المحظور والدور الخطر لكوريا الشمالية في هذا الأمر. يجب أن يظل التحقيق بشأن سوريا على جدول أعمال مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية، كما يجب إعفاء سوريا من المجلس. كما يجب تسليط الضوء على تدخل كوريا الشمالية، وإعادة ملفها للدراسة على جدول أعمال الوكالة بسبب تعاونها مع سوريا في هذا الصدد. كما يجب الارتكان إلى التعاون المحظور بين البلدين لتوضيح أهمية قدرات الوكالة على العمل لاسيما التحقيق بما في ذلك البروتوكول الإضافي.

يجب أن يخضع دور كوريا الشمالية في بناء المفاعل السوري للمحادثات التي تجريها اللجنة السداسية، بهدف الحصول على تطمينات كورية في هذا السياق يمكن التثبت من صحتها. ولعل التزامن بين إثارة هذه القضية مع كوريا الشمالية والضغط على سوريا في نفس الوقت، يمكن أن يؤدي زرع عدم الثقة بين الجانبين. وأخيراً، يجب أن يظل التحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن سوريا على جدولِ أعمال العديد الزيارات الرسمية إلى دمشق وإلى حد أقل إلى بيونج يانج بحيث لا يسمح لهذه القضية بالانزواء في قاع الأجندة الدبلوماسية للبلدين.

ثانيًا: يجب أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء تفتيش خاص. تسمح اتفاقية الوقاية للوكالة الدولية بإجراء تحقيق خاص إذا ما اعتبرت أن المعلومات التي أبدتها سوريا، ليست كافية بأي شكل. وفي الحقيقة فإن التحقيق الحالي يعكس قدر كبير من عدم التعاون من قبل سوريا، وهو ما يعد حالة نموذجية لإجراء تفتيش خاص.

لا يجب أن يلتزم التفتيش الخاص بزيارة المواقع التي أعلنت عنها سوريا للوكالة الدولية، بل من الممكن أن يشمل أي مواقع أخرى يريد المفتشون زيارتها أو أية معلومات يحتاجون إليها لإنجاز مهمتهم.

إذا عرضت سوريا التفتيش الخاص، يمكن لمجلس محافظي الوكالة الدولية أن تقرر إعمال إجراءات "ضرورية وعاجلة" ودعوة سوريا لاتخاذ الإجراءات المطلوبة بدون تأخير.إذا أصرت سوريا على عدم التعاون، يحتاج مجلس الوكالة لاتخاذ قرار بإعلان القيام بإجراء تفتيش خاص "ضروري وعاجل" ورفع الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، وهذا ما سيوفر الوقت والحجج اللازمين لإقناع دمشق بتغيير نهجها.

لم يتم اللجوء إلى "التفتيش الخاص" منذ زمن بعيد، ومن ثم سيكون إطلاق تفتيشا خاصا لسوريا قرارا صعبا بالنسبة للمدير العام الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو Yukiya Amano، الذي يريد إعادة بناء الإجماع في مجلس الوكالة.

ثالثًا: على الاتحاد الأوربي أن يربط علاقاته الاقتصادية المستقبلية مع سوريا بتعاونها مع تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية فضلا عن تبنيها البروتوكول الإضافي.

تكتسب التجارة والاستثمار الدوليين أهمية خاصة بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد، لاسيما في ظل مسعاه نحو النمو والإصلاح الاقتصادي. إذ يبدو هو ومستشاروه متلهفين لزيادة التجارة مع أوروبا وجذب الاستثمارات الأوروبية، ومن ثم يمكن القول إن الفرص الاقتصادية قد تكون هي الحافز الوحيد الذي يمكن أَن يغري دمشق للابتعاد عن بيونج يانج.

وقّعَ الإتحاد الأوروبي اتفاقية مع سوريا لتطوير العلاقاتَ التجارية بين الجانبين، إلا أن هذه الاتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ حتى تتجاوز كل الموانع الإجرائية بما في ذلك موافقة البرلمان الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية تتضمن بندًا حول منع انتشار الأسلحة النووية، وفي ضوء محددات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فمن الممكن تعليقِ التصديقِ على الاتفاقية في حالة وجود شكوك في هذا السياق. ومن ثم فمن الممكن أن يقوم الإتحاد الأوروبي بإخبار سوريا أن الاتفاقية ستظل معلقة إلى حين اكتمال تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية فضلا عن قيام دمشق باتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة بناء الثقة الدولية بما في ذلك تبني البروتوكول الإضافي.

الحاجة إلى تفعيل الرقابة الدولية

يريد الرئيس الأسد دفن تحقيق الوكالة الدولية مثلما قام بدفن بقايا المفاعل، وهو يتمنى بلا شك أن يؤدي تركيز المجتمع الدولي على إيران إلى نجاح مسعاه. ومع اقتراب إيران من النجاح في امتلاك الأسلحة النووية فهناك دولٌ أخرى في الشرق الأوسط تحاول اتباع النهج ذاته، لاسيما مع وجود كوريا الشمالية التي تبدو جاهزة ومتلهفة لتقديم المساعدة في هذا الإطار. ولابد من منع هذه البلدان من الانضمام إلى سباق تسلح جديد. وهذا يعني أن المجتمع الدولي لابد أن يكون قادرًا على اكتشاف وعرقلة، بل والعقاب على أي جهود في هذا السياق. وهو ما يتطلب دعم تحقيق الوكالة الدولية مع سوريا.

يواجه السيد أمانو المدير العام الجديد للوكالة الدولية، تحديات عدة أهمها استعادة فعالية ومصداقية الوكالة بعدما تعثرت تحقيقاتها مع إيران وسوريا بسبب العوامل السياسية والطموح الشخصي للبعض.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,757,140

عدد الزوار: 6,913,238

المتواجدون الآن: 107