ليبيا/تشاد : ما وراء النفوذ السياسي

تاريخ الإضافة الجمعة 26 آذار 2010 - 6:43 م    عدد الزيارات 1162    التعليقات 0

        

مقدمة

أصبحت ليبيا بمثابة أهم دولة مجاورة لتشاد عندما تولي معمر القذافي مقاليد الحكم في عام 1969. اتسمت العلاقة بين البلدين بالعدائية والتدخلات العسكرية خلال الفترة الرئاسية لحسين حبري ، ولكن منذ أن تولى إدريس ديبي السلطة ، تخلت ليبيا عن مطالبها التوسعية في البلاد لتتحول إلى وسيط إقليمي يلعب دورًا فاعلاً في مفاوضات السلام بين نظام انجمينا ومعارضيه. فالنظام الليبي يملك القدرة المالية والسلطة الإقليمية التي تمكنه من إقناع المتنازعين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات ولكنه لم يبذل الجهد المطلوب لضمان تنفيذ تلك الاتفاقيات. استطاعت الدبلوماسية الليبية تحقيق بعض النجاحات قصيرة الأجل وذلك عبر التسهيلات التي قدمتها لانجمينا لاستقطاب المتمردين، ولكنها فشلت في إحراز أي تقدم طويل الأجل لتحقيق الاستقرار والسلام الدائم في تشاد. إن التناقضات في عملية الوساطة الليبية، بين الضغوط القوية التي تمارسها طرابلس للحصول على توقيع الاتفاقيات ثم إهمالها التام لتنفيذها ، تكشف وبكل الوضوح رغبات القذافي الجامحة لبسط نفوذه في المنطقة ، أما استقرار ورفاهية الشعب التشادي فهي ليست في مقدمة أولوياته.

التدخل الليبي في تشاد له تاريخ متناقض ومؤلم. فقد أدت الإستراتيجية الليبية القائمة في ذلك الوقت على احتلال وضم أجزاء كبيرة من البلاد بالإضافة إلى تقديم الدعم لمعارضي النظام ، إلى مواجهات عسكرية عدة خلال الثمانينات وقد استطاعت تشاد صدها بمساعدة مستعمرتها السابقة ، فرنسا. لم تتمكن ليبيا من استغلال تلك الفترة التي تلت سقوط نظام حسين حبري ، وسبقت صعود ديبي إلى السلطة لصالحها ، حيث تزامنت تلك الأحداث مع فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد طرابلس والتي أدت بدورها إلى عزلة وإضعاف الجماهيرية الليبية. لم يكن أمام طرابلس إلا الرضوخ لذلك التغيير الجيوسياسي واستطاعت على ضوء ذلك تكييف سياستها تجاه جارتها الجنوبية. من هذه الناحية لم يكن باستطاعة ليبيا تغيير مسار الأحداث تغييراً جذرياً ، ولكنها استطاعت أن تفرض وجودها كلاعب أساسي في الصراع بين ديبي والمعارضة المسلحة. فقد شارك القذافي، بطريقة أو أخرى، في جميع المفاوضات التشادية الداخلية وأبرزها مفاوضات سرت في عام 2007.

كنتيجة للأزمة السياسية الداخلية في تشاد ، وتدهور العلاقات بين تشاد والسودان وظهور أزمة دارفور، تمكنت ليبيا منذ عام 2003 من تعزيز مكانتها كوسيط بين المتصارعين على السلطة في تشاد. فاستخدمت طرابلس علاقاتها مع المعارضة المسلحة الموجودة على جانبي الحدود التشادية السودانية لتصبح الوسيط الرئيسي بين فصائل المتمردين، كما لعبت دورا على عودة الاتصالات بين انجمينا والخرطوم، مما قد ساعد في منع نشوب حرب مباشرة بين النظامين وما قد تحمله من عواقب إقليمية وخيمة.

لكن، نجاحات الدبلوماسية الليبية في تشاد لم تدم طويلاً ، ويرجع ذلك لعدة أسباب نذكر منها، عدم تركيز ليبيا على الإصلاحات طويلة الأجل في تشاد، ورفضها لكل المساهمات الإقليمية أو الدولية من أجل استقرار تشاد لكي لا تفقد هيمنتها على دول الجوار. إهمال الجانب التنفيذي للمعاهدات، من النادر أن تستخدم طرابلس نفوذها لإجبار الأطراف المتناحرة على الالتزام بالاتفاقيات، في المقابل، فالمعنيون بهذه الاتفاقيات لا يخفون تشككهم حول الدوافع الخفية للدبلوماسية الليبية، علماً بان القذافي لا يخفي طموحاته الجيوستراتيجية التي يأمل في تحقيقها من جراء تلك الوساطات. في نفس الوقت، تستخدم الحكومة التشادية اللجنة الليبية للمساعي الحميدة لاستمالة المعارضين المسلحين التشاديين، الذين بدورهم يرنون للحصول على أكبر قدر من المكاسب الشخصية من وراء تلك المعاهدات. وأخيراً ، فإن افتقار التنسيق بين المبادرات الليبية ومبادرات السلام الأخرى قد أدى إلى تصعيد الصراع على النفوذ بين المعارضين و تأليب الوسطاء بعضها على البعض.

جهود الرئيس القذافي لتحقيق السلام في تشاد لم تساعده إلا جزئياً في تحسين صورته على الصعيد الدولي، بل على العكس فقد عززت سياساته من الرأي القائل بإن السياسات الخارجية الليبية لا تزال متناقضة. فالرئيس القذافي يوفر الدعم المالي والسياسي لإستراتيجية الرئيس ديبي المبنية على شراء خصومه بالمناصب والمال، وبالتالي تعيق تلك الإستراتيجية أي إصلاحات داخلية جادة قد تؤدي في نهاية المطاف لخروج تشاد من أزمتها السياسية المزمنة. يجب على ليبيا الانخراط سياسياً في الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحقيق الاستقرار في تشاد، حتى تستطيع جني ثمار الوساطة و الحفاظ على نفوذها الإقليمي.

\"\" Click here to view the full report as a PDF file in A4 format.For more information about viewing PDF documents, please click here.
This document is also available in MS-Word format

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,789,063

عدد الزوار: 6,915,064

المتواجدون الآن: 108