مستقبل العراق غير الأكيد: الانتخابات وما بعدها

تاريخ الإضافة الجمعة 26 آذار 2010 - 6:47 م    عدد الزيارات 1076    التعليقات 0

        

الملخص التنفيذي والتوصيات

لقد تميزت الانتخابات التي أجريت في العراق في حقبة ما بعد صدام، كقاعدة، بتضخيم النزعات والاتجاهات السلبية التي كانت قائمة من قبل.  ولا تشكل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في السابع من آذار/مارس استثناء لهذه القاعدة.  لا شك أن التركيز على السياسات الانتخابية أمر جيد، غير أن الاستعدادات الجارية لهذه الانتخابات أبرزت مشكلات متجذرة تهدد الانتعاش الهش للبلاد من حيث عودة العنف المرتبط بالانتخابات، والتوترات العرقية حول كركوك، وعودة بزوغ الطائفية، والتلاعب السياسي الصارخ بمؤسسات الدولة.  وكان التطور الفاضح هو استبعاد 500 مرشح للانتخابات، والذي يشكل خطوة خطيرة واعتباطية لم تتم طبقاً للقواعد والأنظمة، ورغم ذلك أقرتها الأحزاب الشيعية الحاكمة.  في ظروف طبيعية، كان يمكن لهذه الخطوة بمفردها أن تنزع الشرعية عن الانتخابات.  غير أن هذه ليست ظروفاً طبيعية؛ ومن أجل استقرار العراق، ينبغي للانتخابات أن تتم.  في الحد الأدنى، ينبغي على المجتمع الدولي أن يكثف مراقبته للانتخابات ويحدد خطوط حمراء واضحة ينبغي احترامها إذا أريد لنتائج الانتخابات أن تعتبر شرعية.  كما ينبغي عليه أن يضغط على الحكومة الجديدة كي تعالج على نحو جدي قضية المصالحة الوطنية، التي أُُهملت لوقت طويل لكنها تظل هامة الآن أكثر من أي وقت مضى.

طوال العام الماضي، بدا أن ثمة مبررات للاعتقاد بأن جراح ما بعد الحرب بدأت تلتئم وأن التحدي الرئيسي بات بناء الدولة.  رغم موجة من الهجمات الكبيرة التي جرت في بغداد والهجمات الأقل شأناً في مواقع أخرى، فإن العنف خفت حدته.  واحتلت السياسة مكان الصدارة.  ومثّلت انتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني/يناير 2009 انتكاسة للأحزاب الطائفية وأحدثت تغييراً في الإدارات المحلية.  وقد يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن تلك الانتخابات أكدت قبول العرب السنة بشكل لا مواربة فيه بدخول المعترك السياسي والمؤسساتي الذي كانوا قد رفضوه بشكل جماعي وقاوموه بعنف.

غير أن الصراعات التي كانت تعتمل تحت السطح ما لبثت أن بدأت بالغليان؛ فقد استغرقت المفاوضات الدائرة حول قانون الانتخابات في النصف الثاني من العام وقتاً أطول بكثير مما كان متوقعاً، ما أدى إلى تأخير الانتخابات مدة خمسة أسابيع.  كما كان من بين العوائق المشكلة المزمنة المتعلقة بالوضع الإداري لكركوك، إضافة إلى مخاوف العرب السنة بأن اللاجئين لن يكونوا ممثلين بشكل كامل.  تم تخطي هذه العقبات أخيراً بمساعدة الضغوط والوساطة الخارجية، غير أن لا هذه المشاكل ولا خطوط التماس العرقية والطائفية التي تعكسها أضحت وشيكة الحل.

كان الإعلان الصادر عن هيئة المساءلة والعدالة في أواسط كانون الثاني/يناير باستبعاد 511 مرشحاً بسبب صلات مزعومة بحزب البعث المحظور هو الأكثر إثارة للقلق.  تم تبني القرار بشكل أعمى من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات؛ وسارعت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى احتضانه ثم ضغطت على هيئة الاستئناف لإجراء مراجعة متسرعة وشكلية للقرار، فرفضت معظم الطعون.  تسبب الحادث بفوضى عارمة وإلى طرح أسئلة تتعلق بالوضع القانوني لهيئة المساءلة والعدالة، ومصداقية الجهاز القضائي، وشرعية مفوضية الانتخابات والقدرة على إدارة الانتخابات بشكل عادل، وبالتالي نزاهة الانتخابات بشكل عام – على الأقل لأن مسؤولي المفوضية هم أنفسهم مرشحين في الانتخابات البرلمانية.   شكل ذلك صراعاً صارخاً على السلطة يصطبغ بصبغة طائفية من حيث أن العرب السنة كانوا أبرز ضحاياه، كما أنه نكأ جروحاً قديمة وأثار مخاوف حول المالكي، الذي كان قد فاز بانتخابات العام الماضي برفضه للخطاب الطائفي وتعهد بتشكيل تحالف انتخابي موسع غير طائفي.

لحسن الحظ، ليس هناك الكثير من الحديث عن المقاطعة، حيث لا زال شبح عام 2005 ينوء بثقله، عندما قاطع العرب السنة صناديق الاقتراع وبالتالي حرموا أنفسهم طوعاً من حقهم الانتخابي.  لكن رغم ذلك، وفي غياب المراقبين الداخليين الحياديين، يتحمل المجتمع الدولي – خصوصاً الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة – مسؤولية أكبر في ضمان ألاّ تتعرض هذه الانتخابات، التي يشوبها الخلل، لمزيد من الضرر، وتحديد متطلباتها بوضوح كي تعتبر شرعية.  ينبغي أن يكون بوسع المراقبين العراقيين والدوليين التحرك والانتشار بحرية إلى جميع المراكز الانتخابية ومراقبة عمليات التصويت وعد الأصوات.  وينبغي أن يراقبوا على نحو خاص سلوك المؤسسات والهيئات التي سيكون دورها الحيادي حاسماً في ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة.  وتتضمن هذه المؤسسات المحكمة العليا، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إضافة إلى الجيش والشرطة.  ينبغي أن ينظر إلى التدخل الصارخ في الانتخابات أو التزوير واسع النطاق كخطوط حمراء تحتّم إجراء مراجعة لكيفية تعامل المجتمع الدولي مع الحكومة المستقبلية وأن يتم التعبير عن ذلك بوضوح.

لا يعالج هذا ما سيحدث بعد الانتخابات، على فرض تجاوز الانتخابات لهذه العتبة.  عندها سيكون السؤال ما إذا كانت الحكومة القادمة مستعدة وقادرة على معالجة المشاكل السياسية الهائلة في البلاد، بداية بالطائفية وانتهاءاً بالمؤسسات المسيّسة ومروراً بالكثير غير هذا.  كما أن العمل الجاد لتحقيق المصالحة الوطنية قد تأخر واستحق منذ أمد بعيد.  هذه المرة، لن يكون كافياً تشكيل حكومة ائتلافية واعتبارها مثالاً ودليلاً على الوحدة الوطنية.  ينبغي أن يتم إحراز تقدم ذي معنى نحو فتح الفضاء السياسي، وزيادة مشاركة سائر الطوائف وتحسين الشفافية والمساءلة.

ينبغي أن يكون إصلاح عملية اجتثاث البعث أولوية، على الأقل من حيث وضع معايير وإجراءات واضحة ينص عليها القانون؛ كما ينبغي وضع إطار زمني للعملية لا تتجاوز السنتين، يتم بعدها إغلاق جميع الملفات المتبقية وإنهاء الجهود المتصلة بها.  وفي هذا المسعى، سيظل من المهم أن يظل المجتمع الدولي منخرطاً بفعالية وأن يعزز من قوة الدولة العراقية التي لا زالت ضعيفة وذلك بتزويد الشركاء العراقيين بالمساعدة الفنية، والمالية والدبلوماسية الكاملة ودعم عملية إعادة بناء الاقتصاد.  قد تكون القوات الأميركية في طريقها للخروج من العراق، لكنه لا زال مبكراً جداً ترك العراق نهباً لتقلبات الصراعات الداخلية والمنافسات الإقليمية.

التوصيات

إلى الحكومة العراقية:

1. ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذلك بالقيام بما يلي:

آ. تطبيق مدونة السلوك الهامة التي وقعتها الائتلافات الرئيسية في 17 شباط/فبراير؛

ب. إصدار الأوامر لقوات الأمن بتوفير الوصول الحر والآمن إلى مراكز الاقتراع؛

ج.  السماح، قدر الإمكان، للمرشحين الذين تم استبعادهم على أرضية صلاتهم المزعومة بحزب البعث المحظور، بالمشاركة؛

د. الامتناع عن التدخل في عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة العليا وحماية هذه المؤسسات من تدخل الآخرين.

2. إطلاق جهد جدي، حالما يتم تشكيل حكومة جديدة، لزيادة مشاركة سائر الطوائف، وتحسين الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرار وتعزيز وتشجيع الاستقلال السياسي للجهاز القضائي والهيئات والمفوضيات المستقلة. 

3.  إعطاء إصلاح هيئة المساءلة والعدالة الأولوية وذلك بوضع معايير وإجراءات واضحة ينص عليها القانون، ووضع إطار زمني لعلمية اجتثاث البعث لا يتجاوز العامين، يتم بعدها إغلاق جميع الملفات المتبقية وإنهاء الجهود المتصلة بها. 

إلى المجتمع الدولي (خصوصاً الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة):

4. لعب دور قوي في ضمان إجراء انتخابات حرة، وعادلة، وشفافة وشاملة.

5. التحديد الواضح والعلني للخطوط الحمراء التي يؤدي تجاوزها إلى نزع شرعية الانتخابات.  وينبغي، على نحو خاص، القيام بما يلي:

أ‌. عدم تشجيع المقترعين على عدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع بسبب الافتقار إلى الأمن؛

ب‌. إعاقة وصول المقترعين إلى مراكز اقتراع معينة؛

ج. السماح بالتصويت للمقترعين غير المسجلين والسماح للمقترعين المسجلين بالتصويت أكثر من مرة؛

د. التلاعب بالأوراق الانتخابية أو صناديق الاقتراع أو عد الأصوات.

6. تشجيع التزام الأحزاب بمدونة السلوك التي تم توقيعها في 17 شباط/فبراير.

7. تشجيع استقلال المؤسسات والهيئات المشاركة في العملية الانتخابية، وخصوصاً المحكمة العليا والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إضافة إلى الجيش والشرطة.

8. المراقبة الدقيقة لعمليات التصويت وعد الأصوات من خلال النشر الحر وواسع النطاق للمراقبين العراقيين والدوليين في مراكز الاقتراع ومراكز عد الأصوات المحلية والمركزية.

9. الإدانة العلنية القوية لعمليات التزوير والتلاعب المتعمدة.

10. تشجيع الإصلاح السياسي والمؤسسي بعد الانتخابات، خصوصاً لهيئة المساءلة والعدالة، والدفع من أجل الاستقلال السياسي للجهاز القضائي والهيئات والمفوضيات المستقلة.

11. تبني موقف مفاده أنه إذا تم تجاوز هذه الخطوط الحمراء ولم تحظ نتائج الانتخابات بقبول عام، فإن ذلك سيجعل المساعدات الدبلوماسية والعسكرية والتنموية مشروطة بالالتزام بإجراء إصلاح مؤسساتي شامل.

بغداد/واشنطن/بروكسل، 25 شباط/فبراير 2010

 

\"\" Click here to view the full report as a PDF file in A4 format.
For more information about viewing PDF documents, please click here.
This document is also available in MS-Word format

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,083,790

عدد الزوار: 6,752,024

المتواجدون الآن: 108