صعدة بعد الحرب السادسة: مناطق ملغومة وثأر مؤجل وخوف من مواجهة سابعة

تاريخ الإضافة الإثنين 29 آذار 2010 - 6:15 ص    عدد الزيارات 907    التعليقات 0

        

صنعاء ـ "المستقبل "

صعدة قبل الحرب السادسة لم تعد كذلك بعدها، فالحرب التي دارت هناك لستة أشهر بالتمام والكمال أكلت الأخضر واليابس، وبعدما كانت سلة غذاء اليمن، تحولت صعدة إلى قرى مليئة بالخراب، وتحولت أوضاع سكانها من حال سيء إلى حال أسوأ، فيما الخوف من حرب سابعة لا زال هو الهاجس الذي يهيمن على تفكير المواطنين هناك .
وبعد قرار الرئيس علي عبدالله صالح بوقف العمليات العسكرية التي ظل الجيش يخوضها ضد المتمردين الحوثيين على مدى ستة أشهر، امتدت من آب (أغسطس) من العام الماضي وحتى شباط (فبراير) من العام الجاري، صمتت آلات الحرب، وبدأ عهد جديد من تأريخ صعدة وسكانها، لكن الجميع يتحدث عن "آلام" و"أوجاع" وثارات قبلية مؤجلة ونزيف في رأس مال الدولة، وهو الإنسان، حيث التهمت الحرب آلاف الأبرياء من الأطراف كافة، الجيش والحوثيين والمواطنين .
وعلى رغم تراجع سقف التفاؤل الشعبي إزاء مظاهر التسوية للصراع بين الجانبين والتي أعقبت الحرب بسبب مخاوف من أن يكون الهدوء الذي يسود جبهات القتال منذ أسابيع هو الهدوء نفسه الذي تخلل سنوات الحروب الخمس الماضية، قبيل أن تهب مجددا عاصفة الاحتراب، إلا أن نبرة التفاؤل بانتهاء الحرب لا يزال صامداً، خصوصاً وأن التحركات على الأرض لتطبيق آلية قرار وقف إطلاق النار بدأ وكأنه هذه المرة أكثر جدية من ذي قبل .
"المستقبل"، وبعد أسابيع قليلة من وضع الحرب أوزارها، تجولت في بعض مناطق صعدة وعمران، وخصوصاً حرف سفيان، والتي كانت مسرحاً لقتال ضار استمر لستة أشهر، ورصدت بعضاً من أوجه حياة لم تألف السلام بعد .
خراب النفوس
على امتداد الطريق الممتد على مسافة لا تزيد عن 150 كيلومتراً بين العاصمة صنعاء ومدينة عمران، تتكرر مظاهر التحفز والتأهب في أوساط رجال القبائل، كجزء من مشهد ما بعد وقف حرب صعدة السادسة، الحرب وضعت أوزارها أو هكذا يأمل الكثيرون في عمران، إلا ان تداعياتها لا تزال ماثلة بقوة في عيون الناس وتوقعاتهم حيال ما هو قادم، وفي حال مبهمة من القلق الجماعي تختزل المشهد الاجتماعي القائم في عاصمة المدينة التي تحولت إحدى مديريتها إلى ساحة خلفية ومتقدمة للمواجهات المسلحة بين الجيش اليمني والحوثيين .
ويعبر الشيخ عبدالله صالح الشرمة، وهو إحد الوجهاء القبلية الشابة في عمران عن اعتقاد يشاطره فيه الكثير من أبناء عمران بالقول: "لا أحد يثق في الحوثيين، صحيح أن القتال في صعدة وحرف سفيان قد توقف، لكن الحرب لم تنته ".
عمران المدينة، والتي تعد المحافظة الأحدث نشأة عقب استقلالها إدارياً عن التبعية الديموغرافية لمحافظة صنعاء لم تفقد، وعلى الرغم من تشييعها للعشرات من رجالاتها وشبابها عسكريين وقبليين الذين قضوا في الحرب، القدرة على إعادة إنتاج يومياتها المغرقة بصخب السيارات وضجيج الأسواق وحلقات الرقص الشعبي التي عادة ما تنصب في الأماكن العامة في مركز المدينة بمناسبة وبدون مناسبة.
عبده صالح هذير، كهل في منتصف الخمسينات من العمر، برّأ طرفا الحرب من مسؤولية قصف منزل شقيقه، لكن الأخير أضاف الجريمة إلى حساب الحوثيين، متوعدا بـ "ثأر مؤجل"، حيث لا ينفك يردد "والله ما افلت ابن الحوثي لو يهرب إلى عند الخميني".
خارطة الدمار والألم
تسببت تداعيات امتداد المواجهات المسلحة بين الجيش والحوثيين إلى خارج حدود صعدة وعنف الحرب الأخيرة في زيادة رقعة الخراب الذي تعرضت له قرى مديرية الحرف، إذ أن الكثير من أهالي هذه القرى وخصوصاً الواقعة في محيط منطقة الجبل الأسود فروا من النيران باتجاه مركز المدينة لتنصب لهم خيام للإيواء الموقت على غرار النازحين جراء الحرب في صعدة، إلا أن هؤلاء، البالغ عددهم ما يقدر بـ49 ألف نازح يضاف إليهم عشرات الأسر النازحة والمتواجدة في منطقة وادي خيوان، وخلافاً لنازحي صعدة، دشنوا عمليات عودة قسرية إلى مناطقهم لاعتبارات متفاوتة
يقول مصلح عبد الكريم الرجمي، وهو في طريقة مع عائلته لمغادرة مخيم الإيواء متوجها إلى قريته: "لدي ثقة بأن الحرب ستتجدد إن لم يكن اليوم، فغدا، لكنه لدي منزل وارض وأريد أن أعود لأتفقد الأضرار التي لحقت بهما".
ويضيف قائلاً: "ما عشناه في المخيم لم تكن حياة، بل كانت أياماً عسيرة وعذاباً وتعباً، سأعود مع عائلتي ولو تجددت الحرب لن اخرج من بيتي حتى لو أصبحت وأولادي رمادا".
لقد دفعت ضراوة المعارك التي شهدتها الستة الأشهر المنصرمة من المواجهات المسلحة بين الجيش والحوثيين ببعض الوجاهات القبلية المؤثرة في عمران وغيرها من المناطق مثل الحداء في ذمار إلى تجنيد آلاف من المتطوعين من رجال القبائل المتمرسين على القتال واستخدام السلاح مقابل تعهدات قطعت لهؤلاء بالحصول على امتيازات بعد انتهاء الحرب من قبيل الرواتب الشهرية المنتظمة والرتب العسكرية والعلاج والتعويض في حال التعرض للإصابة في الحرب أو الوفاة.
ويصف أحد المتطوعين للقتال في "الجيش الشعبي"، ويدعى منصور أحمد شامخ الحلالي ما آلت إليه هذه التعهدات بالقول: "لقد أصبت إصابة سطحية في فخذي خلال الحرب ضد الحوثيين في منطقة الحرف، لكن هناك الكثير من المتطوعين ممن اعرفهم وتطوعت معهم قتلوا أو أصيبوا بجروح بالغة وأصيبوا في الحرب يئسوا من مراجعة الشيخ والدولة، وعادوا إلى مناطقهم بدون أمل في أي تعويض".
وشهدت الأربعة الأشهر الأخيرة من زمن الحرب السادسة سواء في جبهات صعدة أو حرف سفيان ارتفاعا، لافتا إلى أعداد القتلى والجرحى في أوساط الحوثيين والجنود ومتطوعي الجيش الشعبي والأخيرين أسهموا والى حد كبير في تعزيز تقدم الجيش النظامي في معظم جبهات القتال في مناطق حرف سفيان، إلا العديد من هؤلاء خرج من معمعمة الحرب الضارية بإصابات متفاوتة وإعاقات اضطرت البعض إلى التردد على أبواب المشايخ والمكاتب الحكومية في صنعاء وعمران للمطالبة بتعويضات منصفة ومنح علاجية مجانية، وهو ما لم يتحقق في حده الأدني .
ويؤكد على ذلك رباش عبدالله صالح الجحزري، أحد جرحي الحرب من عناصر الجيش الشعبي بالقول: "هناك أكثر من ألفين إلى ثلاثة آلاف متطوع في القتال ضد الحوثيين إلى جانب الجيش شاركوا في الحرب بحرف سفيان، عسكري الدولة لو قتل أو أصيب لديه على الأقل راتبه، صحيح أنه ليس كبيرا، لكنه يعين أسرته بعد وفاته أو إعاقته، أما المتطوع فليس له إلا الله وتعهدات الشيخ".
وتروي الحاجة قاهرة عبده مصلح، وهي إمرأة في السبعينات من العمر فقدت ابنها الأكبر اثر مصرعه في المواجهات ضد الحوثيين في منطقة الجبل الأسود ليخلف وراءه زوجة وثلاث بنات، جزء من مشهد مأساة تشاطرتها الكثير من الأسر التي فقدت أبناءها خلال الحرب الأخيرة بالقول: "ابني أحمد تطوع لمحاربة الحوثي مع الدولة هو واثنان من عيال خاله، هم سلموا وهو طاح (أي قتل)، وقالوا لي يا حجة ابنك استشهد وأعطوني مئة وخمسون ألف ريال لزوجته وبناته، ووعدوا براتب كل شهر قيمته أربعين ألف ريال، لكن مرت ثلاثة أشهر ودخلنا في الشهر الرابع ولم نحصل على شيء". وتتساءل: " من نراجع؟، الدولة أم الشيخ؟، ما معانا إلا الصبر على المكروه ونسأل العوض من الله".
الدخول إلى مناطق مديرية حرف سفيان لا يخلو من مجازفة غير محمودة العواقب، كما أن المناطق نفسها لاتزال، وعلى الرغم من انتهاء الحرب وفتح الطريق الرئيس الذي يربط بين المديرية وصعدة، محظور الاقتراب منها على الصحافيين ووسائل الإعلام، فيما عدا بعض المراسلين التابعين للإعلام العسكري "التوجيه المعنوي".
وعزا الشيخ أحمد جابر حسن النفيشي تشدد السلطات الأمنية في إغلاق مناطق حرف سفيان وحظر دخول الصحافيين ووسائل الإعلام إلى المناطق المتضررة، إلى محاذير أمنية فندها بالقول إن "الحوثيين عمدوا إلى زرع ألغام في الكثير من الطرق والمناطق التي كانوا يتمترسون فيها بهدف إعاقة تقدم الجيش، ومواقع هذه الألغام في أغلبها لا تزال غير معروفة، والوضع لا يزال خطيراً وبحاجة إلى بعض الوقت لإزالة الألغام وتطهير هذه المناطق " .
وكان انتهاء الحرب واقتراب موعد نزول الفرق الميدانية المكلفة بالقيام بمهام المسح الميداني لتقويم الأضرار كمعيار محدد لقيمة التعويض لكل متضرر، وإن قوبل بارتياح من قبل سكان المناطق المتضررة جراء الدمار الذي خلفته الحرب في مناطق حرف سفيان، إلا ان بعض هؤلاء بادر وعلى الرغم من المحاذير التي تكتنف الطرق إلى المسارعة بالعودة إلى مناطقهم عقب إعلان انتهاء الحرب وافتعال إحداث أضرار إضافية على ممتلكاتهم الخاصة كالمنازل والمزارع قبيل وصول لجان تقويم الأضرار كنوع من التحايل اللافت لرفع سقف التعويضات المستحقة .
ويقول حميد إبراهيم الشعبي، أحد الوجاهاء القبليين في منطقة حرف سفيان: "يلجأ البعض إلى التحايل لزيادة قيمة التعويض قبل وصول لجان تقويم الأضرار من خلال إحداث أضرار اكبر في المنازل والممتلكات الخاصة".
ويضيف: "تعرض جزء من منزل أحد الأهالي لقذيفة دمرت واجهة المنزل الشمالية، لكنه بادر إلى الاستعانة بجيرانه وأقارب له واستخدموا المعاول لهدم بقية أجزاء البيت، كل هذا كي يحصل على تعويض اكبر ".
لغة السلام في صعدة
تراجعت لغة الحرب في صعدة، لكن إحلال السلام لايزال رهناً بمدى جدية طرفي الصراع في تثبيت وقف إطلاق النار في كافة جبهات القتال الموزعة على امتداد خارطة صعدة الجغرافية التي تعتبر مساحتها كبيرة قياساً بمساحة محافظات عدة في اليمن والشروع في التطبيع العملي للأوضاع على الأرض .
الوصول إلى صعده المدينة أو مركز المحافظة لم يعد متعسرا عقب فتح الطريق الرئيس الذي يربط مدينة عمران بصعدة، إلا أن التدابير الأمنية التي فرضت منذ بدء اندلاع شرارة الحرب السادسة في منتصف آب (أغسطس) المنصرم لاتزال على حالها من التشديد تحسبا لتداعيات ما بعد الحرب .
عاصمة المحافظة الحدودية، استعادت بشكل نسبي عقب إعلان وقف العمليات العسكرية وانتهاء الحرب السادسة، مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية، اثر استئناف العديد من المحلات والمطاعم والورش والمعارض الخاصة المختلفة فتحت أبوابها واستقبال الزبائن بعد أشهر من الإغلاق الذي فرضته تداعيات امتداد المواجهات إلى مركز المدينة.
مطلق محمد عبده الشراعي، والذي يملك مطعما شعبيا في مركز صعدة، أكد انه "ليس واثقاً من أن الحرب لن تتجدد، لكن حتى يحدث ذلك سأفتح مطعمي، لأن الحرب الأخيرة تسببت في خسائر كبيرة لي ولغيري من أصحاب المحلات التي أغلقت، فلم تسقط عني إيجارات المحل طوال أشهر إغلاقه واضطررت لدفع مرتبات بعض العمال الأساسيين حتى لا افقدهم ".
ولا تزال مظاهر حمل السلاح في الأماكن العامة قائمة على الرغم من حظر السلطات مثل هذه الظاهرة، كما ان آثار ما خلفته المواجهات المسلحة التي شهدتها بعض المناطق في عاصمة المحافظة كالقصر الجمهوري والمجمع الحكومي والمدينة القديمة تبدو واضحة على الجدران وواجهات الشوارع وفي عيون الناس الذين أفقدتهم الحرب الأخيرة الثقة في ان حدود الحوثيين وهجماتهم لن تتجاوز المناطق الريفية ولن تطال مركز المحافظة التي يتركز فيها التمثيل الرسمي لمؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية.
فقدت صعدة الكثير من قدرتها على احتواء أوجاعها ولعق جراحها، ربما لأن لا مدينة يمكن لها ان تصمد أمام دوائر متلاحقة من العنف كالتي عرفتها صعدة خلال ست سنوات مضت، وتسببت وبشكل مؤثر في انتكاسة لمظاهر الحياة التقليدية التي اشتهرت بها المدينة، والتي عرفت تاريخياً في اليمن باسم "مدينة السلام"، وهي الصفة التي تتقاطع مع كون صعدة تمثل أهم مراكز الصناعات الحرفية في اليمن وخصوصاً المعدات الحربية، حيث ذاع صيت السيوف الصعدية في كثير من الأمصار الإسلامية، ولازالت حتى اليوم صناعة نصال الخناجر التقليدية اليمنية المتميزة حكراً على صعدة وحرفييها دونما عن سائر المدن اليمنية الأخرى، إلى جانب صناعة البنادق العربية في سوق الطلح .
وقد تأثرت أسواق المدينة بتداعيات الحرب، لتشهد وعلى مدى السنوات الماضية منذ العام 2004 انحساراً لمظاهر الإقبال على هذه الأسواق أو العرض التقليدي للسلع الحرفية الذي كان يأخذ نمطا زمنيا منتظما يواكب أياماً محددة في الأسبوع، فسوق الطلح الذي كان يعرض سلعه يوم السبت من كل أسبوع اغلق لاسباب امنية، والسوق القديم في وسط المدينة توقف عن عرض سلعه على مدار الأسبوع، والسوق الأسبوعي في صعدة والذي كان يعرض منتجاته من التحف والفضيات متقنة الصناعة والتطريز اليوم الأحد من كل أسبوع، اضطر إلى الإغلاق لتتسبب الحرب في تداعيات اقتصادية لم يتعاف المشهد العام في صعدة من تداعياتها على الرغم من مضي أسابيع منذ إعلان انتهاء الحرب السادسة .
وتسببت الحروب الست بين الجيش والحوثيين، في القضاء على الزراعة المحمية التي كانت صعدة قد بدأت من خلالها تصدير فائض منتجاتها الزراعية إلى السوق المحلية وأسواق دول الجوار .
ويشير المهندس الزراعي هشام عبدالسلام الفقيه إلى حجم الدمار الذي ألحقته الحرب بالزراعة في صعدة بالقول: "لقد دمرت الحرب صعدة كمدينة اشتهرت على مدار تاريخها الحديث والقديم بكونها موطن الزراعة المحمية التي أتاحت لمزارع صعدة أن تكون سلة اليمن الغذائية، بل وان تصدر بعض المنتجات إلى دول الجوار وخصوصاً السعودية، وقد أحرقت نيران الحرب الكثير من مزارع البن اليمني الشهير في حيدان وغمر ورازح وبني بحر وبني ذويب وخولان بن عمرو، والذي كانت صعدة موطن زراعته وتصديره الرئيسة، كما تم إتلاف مزارع العنب والرمان والمشمش، والخوخ، باختصار حرب صعدة السادسة كانت بمثابة الضربة القاضية على الزراعة في هذه المدينة البائسة".
الهروب من الموت
تحولت صعدة القديمة التي تكتنز الكثير من الشواهد والمعالم التاريخية إلى ساحة لحرب عصابات ضارية اندلعت خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من الحرب السادسة في مناطق متفرقة من المدينة .
وعقب الإعلان عن انتهاء الحرب السادسة، بدأت السلطات الأمنية إجراءات حثيثة لإعادة فتح الطرقات أمام حركة الناس والسيارات ورفع الحواجز ونقاط التفتيش، في توقيت تزامن مع انسحاب المجموعات المسلحة من أتباع الحوثي من المدينة التي عاشت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة أوقات عصيبة أجبرت معظم السكان على ترك منازلهم والفرار من أحيائهم التي تحول العديد منها إلى مسرح لاشتباكات كثيفة وعمليات نفذتها وحدات متخصصة في مكافحة الإرهاب ضد الحوثيين .
ويصف إبراهيم شمس الدين الوادعي، أحد سكان المدينة القديمة الظروف التي عاشتها صعدة القديمة خلال الأشهر المنصرمة من الحرب السادسة قائلا "هرب معظم سكان صعدة القديمة من الموت لان الحرب انتقلت فجأة من حيدان وغمر والملاحيظ لتندلع وسط أحياء المدينة القديمة بين قوات الأمن والحوثيين، الذين كانوا يتبادلون إطلاق النار من منزل إلى منزل، وكل شيء أصبح مستهدفا، وشخصيا اعتقد أن ما حدث في المدينة من مواجهات مسلحة كان فظيعا إلى حد لا يمكن تصوره إلا في مشاهد أفلام السينما ".
أحزان مخيم المزرق
الدخول إلى مخيم "المزرق" في مديرية "حرض" التابعة لمدينة حجة يمثل مقاربة مؤثرة لفظاعة التداعيات التي خلفتها حرب صعدة السادسة في نفوس الرجال ووجوه الأطفال وعيون النساء .
لم تكن منطقة المزرق في نظر الكثيرين من هؤلاء الذين وفدوا قبل ستة أشهر من "الملاحيظ والقرى التابعة لمديرية ضحيان أكثر من مجرد ملاذ آمن لحياة لم تعد تعني أحداً من طرفي الصراع في صعدة".
الحاجة فاطمة سعد في السبعينات من العمر، والتي وفدت إلى مخيم المزرق برفقة نجلها الأكبر وعائلته وأولاده، لم تعد قادرة على الاحتفاظ بأمنيتها القديمة بالسفر إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، فأشهر الشتات في المخيم البارد اختزلت أمنياتها في مجرد العودة إلى غمر، لتموت وتدفن الى جانب ضريح زوجها.
أما عاتكة مصلح، التي لم يمض على زفافها بابن عمها سوى أسبوعين قبيل اندلاع الحرب السادسة واضطرارها للنزوح مع زوجها وأسرته إلى المزرق، وجدت نفسها محشورة في خيمة قماشية متهرئة مع زوجها وأسرته .
بعيدا عن أمنياتها الوردية كعروس، بترت الحرب فرحتها، لم تتمالك نفسها وهي تستعد لتروي لنا بعض تفاصيل معاناتها، قبيل ان تختزل روايتها في دموع عبرت فضاء عينيها لتتوارى خجلا وقهرا داخل الخيمة القماشية .
كان مخيم المزرق قد شهد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة توسعاً مضطرداً لقدرته الاستيعابية على استقبال المزيد من الأسر النازحة اثر إنشاء معسكرين إضافيين يتسعان لأكثر من خمسة آلاف نازح بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمة الإغاثة الإسلامية، إلا ان هذه التوسيعات والإضافات لم تخفف من معاناة الأسر النازحة في المخيم لاعتبارات لخصها أحد النازحين ويدعى عبدالسلام احمد جحاف بالقول: ازدحام الناس في المخيم لم يكن سبب المعاناة الوحيد، فنحن اليمنيين لدينا سعة صدر، لكن المعاناة الحقيقية هي في ان المخيم لا يملك الاحتياجات الضرورية للعائلات النازحة، إذ لا يوجد ماء نظيف إلا بكميات محدودة، والكثير من الأدوية غير متوفرة، والأدوات اللازمة لمكافحة الحشرات والقوارض منعدمة".
وتجاوزت معاناة النازحين في مخيم المزرق مع وقف الحرب في صعدة مجرد المكابدة اليومية للحصول على احتياجات الأسر والأطفال من الماء والغذاء والدواء إلى القبض على جمرة الصبر بانتظار حلول موعد الرحيل والعودة إلى القرى والمنازل .
يقول مجاهد عبدالله محمد البطلي الذي يعيش في إحدى الخيام مع ستة من أولاده وزوجته: "لا أحد يريد البقاء في هذا المخيم يوماً آخر، لكن ليس باليد حيلة سوى الصبر والانتظار في هذا العذاب حتى نستوثق من أن الحرب بين الدولة والحوثيين فعلا انتهت ولن تتجدد بعد أيام أو أسابيع".
وبحسب ما أفاد به عدد من المشرفين على المخيم والناشطين في منظمات اغاثة عاملة في المزرق، فإن إعادة النازحين إلى مناطقهم يستلزم استكمال فتح الطرقات وتطهير المناطق من الألغام وتأمين خط سير العودة، إلى جانب توثيق بيانات النازحين، وهو ما قد يستغرق أسابيع أو أشهراً، نظراً لكثافة عدد النازحين، ما حدا بمدير مكتب الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المفوضية العالمية للاجئين رضوان نويصر إلى التأكيد على أهمية عدم الاستعجال في عودة النازحين إلى مناطقهم قبيل وضع ترتيبات مدروسة لتنظيم عملية العودة .
الخوف من حرب سابعة
تحوّل صعدة إلى بؤرة مصدرة للاضطرابات وبيئة اجتماعية غير مستقرة مفتوحة على احتمالات اندلاع شرارة حرب سابعة ونزاعات أهلية على خلفية التداعيات التي خلفتها الحروب الستة الماضية، لا يزال وعلى الرغم من مظاهر السلام التي بدأت تنسحب ببطء على مفردات المشهد الأمني والاجتماعي في كل صعدة وحرف سفيان في عمران، يمثل هاجسا مؤرقا تتشاطره السلطات اليمنية والسكان المحليون .
ويشير أحمد عبدالرحمن زيد المطاع احد خطباء المساجد في صعده إلى رؤية يشاطره الكثيرون إياها في صعده إزاء طبيعة التسوية الطارئة على الصراع بين الحكومة اليمنية والحوثيين بالقول: "لا يمكن اعتبار تسوية الحرب السادسة حلا جذريا لأزمة صعده لأن ما حدث من تسوية لا تزيد عن كونها حلحلة موقتة وآنية لمشكلة الحرب وليست لأزمة الصراع المستفحل منذ العام 2004.
ويستطرد المطاع بالقول: "الحروب الستة التي شهدتها صعدة خلقت في اعتقادي أرضية لنزاعات وحروب داخلية وصراع ذو طابع عقائدي، فالسلطة استخدمت ورقة السلفيين في مواجهة الحوثيين، وقد تخلّف عداء وضغينة".
ويضيف: "صعدة في طريقها للأسف للصيرورة كبؤرة صراع مزمن في حال لم يتم التسوية الجذرية للصراع القائم منذ 2004 وفرض حضور كامل للدولة ومؤسساتها وخدماتها في كافة مديريات صعدة".
مظاهر التطبيع البطيئة لمفردات الحياة العامة في صعده والتي لا تزال تتراوح في مربع التخفيف من المظاهر المسلحة والتفاوض حول الآليات المتعلقة بتنفيذ بنود اتفاقية التسوية الأخيرة وصولا إلى التسريع بتسوية مخلفات الحرب السادسة التي أفرزت حالة مفهومة من الترقب المشوب بالإحباط وعدم الثقة في إمكانية أن تتجاوز صعدة قريبا تداعيات ما بعد الحرب السادسة، وما أفضت إليه من خارطة معقدة من المصالح والضغائن والتحالفات والثأرات المؤجلة التي تشكل في مجموعها خلاصة مخاوف وتوجسات عبر عنها العديد من النازحين في مخيم المزرق.
يقول منصر عبده أحمد العزب، البالغ من العمر 40 عاما: "يجب ألا يظل الجمر تحت الرماد، الحوثيون سينزلون من الجبال وسيسلمون بعض أسلحتهم إلى الدولة، وسيخزنون الأسلحة الأهم والأثقل في مخابئ أعدوها في الجبال، وستفرج الحكومة عن أتباعهم، وستهدأ الأوضاع شهرين أو ثلاثة أشهر أو حتى سنة ثم تبدأ حرب سابعة، من لديه القدرة ان يتحمل حروب جديدة؟"، متهماً الجيش والحوثيين بتدمير صعدة.
من جهته قلل ناجي صلاح عبدالله مريط (35 عاما) من أهمية مظاهر التسوية التي أعقبت وقف إطلاق النار في جبهات صعدة بالقول: "الحوثي لن يظل بلا أتباع أو سلاح من اجل أن يفي بالتزامه واتفاقه مع الدولة، فهو لن يضعف نفسه، لأنه يعلم ما فعلت حروبه مع الجيش والقبائل بالناس وأرواحهم وممتلكاتهم، وأنا لا اصدق انه سيسلم أسلحته للحكومة ويعود ليقفل عليه باب منزله في مران، وهو آمن من انتقام المتضررين منه ومن أتباعه".
ويبدي مريط تشاؤما في إمكانية أن تكون الحرب السادسة بين الجيش والحوثيين آخر الحروب في صعدة قائلا في هذا الصدد: "الحرب السابعة ستقوم مثلما قامت الحرب السادسة والخامسة، والحوثيون سيعودون إلى الجبال مثلما نزلوا منها، وهم لم يسلموا للدولة حتى الألغام التي نزعوها، ليس أمام الناس في صعدة إلا الخروج إلى مناطق بعيده أو حمل السلاح، وكل إنسان يدافع عن باب بيته".
مدارس مدمرة
فتحت بعض مدارس صعدة أبوابها لاستقبال التلامذة على اختلاف أعمارهم ومراحلهم التعليمية بعد نحو سبعة أشهر من الإغلاق القسري فرضته أشهر الحرب التي تسببت في تدمير ما لم تدمره الحروب الخمس السابقة من بنية تحتية تعليمية هشة .
مراكز الحوثيين الدينية ومدارس الحكومة حظيتا بنصيب وافر من النيران المتبادلة طيلة الأشهر الماضية، ليقضي معظم تلاميذ مدارس صعدة ما يزيد عن نصف العام الدراسي في مخيمات النازحين بعيداً عن الكتب والفصول وجرس المدرسة وطابور الصباح .
حسين أحمد حمزة، مدرس في إحدى مدارس صعدة قبيل إغلاقها، وانتقاله كنازح إلى مخيم المزرق، اعتبر أن اعمال العنف المتلاحقة في صعدة دمرت كل شيء بما في ذلك البنية التعليمية، مشيرا إلى ذلك بالقول: "الحروب المتلاحقة لست سنوات دمرت كل شيء تقريبا في صعدة بما في ذلك المدارس والمنشآت التعليمية محدودة العدد، والتي لا تتناسب واحتياجات المناطق، لقد مرت سبعة أشهر عصيبة بسبب الحرب السادسة بين الدولة والحوثيين، وأنا لا أتصور أن طلاب مدارس عاشوا لأشهر ظروف وضغوط الحرب، سيقبلون على استئناف التعليم ولديهم الحد الأدنى من الحافز أو الرغبة".
إرجاء إعمار المناطق المتضررة في صعدة كقرار احترازي غير معلن، اتخذته الحكومة اليمنية تحسبا لتفادي أي خسائر محتملة كالتي منيت بها عقب اندلاع الحرب الخامسة التي طالت نيرانها مشاريع قيد الإنجاز في عدد من مناطق صعدة، أضفى المزيد من المعاناة على واجهة المشهد الاجتماعي في صعدة التي، وإن تجاوزت أتون الحرب السادسة، إلا أنها لا تزال على موعد مع هموم إضافية وتوجسات مفتوحة على احتمالات متزايدة باندلاع حرب سابعة، وهو ما يعني التأرجح في بوتقة مفرغة من الانتظار لصافرة بدء إعادة الإعمار المشروطة بسقف زمني غير محدد تتحقق خلاله معادلة الاستقرار الصعبة .
ويقول المهندس جازم عبدالرحمن المقطري: "ان كلفة إعمار صعدة تضاعفت عقب الدمار الذي أحدثته الحرب السادسة، وربما تتجاوز المليار دولار، فهناك أكثر من مئة وخمسين منشأة دمرت ومئة مسجد ومئات المنازل والمزارع، لقد أتت الحرب على كل شيء تقريبا في صعدة".
وأضاف: "في اعتقادي ان بدء إعمار المناطق المتضررة في صعدة يحتاج لاستقرار الأجواء في وعدم التسرع ببدء الإعمار، لأن اندلاع حرب سابعة سيزيد من الخسائر وسيرفع الكلفة مجددا".
تناقضات الحرب والسلام
استقرار صعدة كمدينة، تكتنز تناقضات وتعقيدات تحفل بها بنيتها القبلية والاجتماعية، وإن بدا أشبه بمعادلة صعبة التحقق في ظل التغيير الطارئ في موازين ومراكز القوى المؤثرة في المشهد الاجتماعي الصعدي، والذي تبلور كنتاج لتداعيات حروب ستة متتالية، إلا أن التفاؤل بتحقيق معادلة "الاستقرار" الشائكة بات مرهونا في نظر العديد من النخب الاجتماعية في صعدة بحلحلة جذرية لأسباب الصراع والنزاعات الأهلية ونزع فتيل العنف الاجتماعي الذي تتفاوت حيال تشخيصه الرؤى والتصورات .
ويرى الطالب الجامعي جمال اسعد ناصر البابلي "أن استقرار صعدة لا يمكن تحقيقه من دون إنهاء ظاهرة حمل وحيازة الأسلحة، لأن هناك قبائل تمتلك أسلحة لا تمتلكها إلا الجيوش النظامية، وقد استطاع الحوثي أن يخوض ستة حروب لأنه يمتلك أسلحة تضاهي أسلحة الجيش، واستقرار صعدة لن يتحقق إلا أذا أصبحت مدينة خالية من السلاح".
واعتبر حسن حمود الرباص، الذي يعمل مدرساً في إحدى مدارس المدينة القديمة، أن نزع سلاح القبائل لن يحل مشكلة الأمن والاستقرار المفتقد في صعدة، وأن استقرار صعدة مرهون بتحقيق معادلة أخرى أيضا مفتقدة.
ويقول: "مشكلة صعدة تكمن في أنها مدينة بلا دولة، صعدة جبلية ووعرة ونائية وفيها الجمال والقبح، كيف يمكن ان تستقر مدينة تفتقد للحد الأدنى من اهتمام الدولة المركزية؟، لقد تركت الدولة اليمنية حكم صعدة وتسيير شؤونها للمشائخ وقطاع الطرق والمهربين وجعلت حضورها محصورا في مركز المحافظة حيث مقر المحافظ، ولكي تستقر صعدة فإنها تحتاج إلى ان تتحول إلى مدينة كصنعاء العاصمة تتواجد فيها الدولة، وإلا فإن الاستقرار المنشود لن يتحقق أبداً".

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,690,732

عدد الزوار: 6,908,707

المتواجدون الآن: 102