قراءة داخلية لقانون الاستفتاء الاسرائيلي حول الجولان والقدس:

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 كانون الأول 2010 - 6:11 ص    عدد الزيارات 1111    التعليقات 0

        

قراءة داخلية لقانون الاستفتاء الاسرائيلي حول الجولان والقدس:
إعادة تعريف العلاقة بين السلطات
بقلم أنطـوان شلحـت - عكا

طلبت "قضايا النهار" من خبير الشؤون الإسرائيلية فيها الأستاذ انطوان شلحت إجراء تحليل لآلية وأهداف قانون الاستفتاء الإسرائيلي حول الجولان والقدس. كما ننشر معه نصاً إسرائيلياً حول الموضوع نفسه نشرته صحيفة "معاريف" وقامت بترجمته خدمة "المصدر" وهي الخدمة التي تزود "النهار" يومياً بترجمات لأبرز افتتاحيات ومقالات الصحف الإسرائيلية.
أول رد فعل سياسي مناهض للقانون الإسرائيلي الجديد الذي يقضي بإلزام الحكومة أن تطرح للاستفتاء العام أي اتفاق سياسي يتضمن انسحاباً من أراض محتلة تخضع للسيادة الإسرائيلية بموجب القانون، مثل القدس الشرقية وهضبة الجولان، تمثّل في تأكيد كونه من صنف القوانين التي تلحق الضرر بمسؤولية المؤسسة السياسية، وفي تأكيد أن هذه المحصلة تنطبق على القانون في صيغته الحالية حتى قبل أن يتم الخوض في مسائل أخرى مرتبطة به، مثل حجم الغالبية المطلوبة في الاستفتاء العام نفسه، وما الذي سيجري في حال ظهور نتيجة تعادل، وهل سيُسمح للمواطنين العرب في إسرائيل بالاشتراك في استفتاء كهذا أم لا.
وقد أقرّ الكنيست هذا القانون بالقراءتين الثانية والثالثة في 22 تشرين الثاني 2010، وحظي بغالبية 65 صوتاً ومعارضة 33 صوتاً، وذلك بعد أن قررت حكومة بنيامين نتنياهو توفير الدعم له. ووفقاً له فإن الحكومة الإسرائيلية ستكون ملزمة من الآن فصاعداً بطرح أي اتفاق سياسي يتضمن انسحاباً من القدس الشرقية أو هضبة الجولان للاستفتاء العام، وفقط في حال الموافقة عليه يمكنها تنفيذ الاتفاق. مع ذلك فإنه في حال حصول الاتفاق على تأييد 80 عضو كنيست أو أكثر لن تكون هناك حاجة إلى طرحه للاستفتاء العام. وأثار حصول القانون على تأييد 65 عضو كنيست ارتياحاً كبيراً في صفوف أعضاء الكنيست الذين كانوا يعملون منذ فترة طويلة على دفع سَنِّه قدماً، ذلك بأن مثل هذا التأييد (أكثر من نصف عدد أعضاء الكنيست البالغ 120 عضواً) من شأنه أن يجعل من الصعب على معارضي القانون إلغاءه في وقت لاحق بواسطة سنّ قانون مضاد، أو بواسطة قرار صادر عن المحكمة الإسرائيلية العليا.
وأشارت قراءة معمقة للقانون ظهرت في صحيفة "هآرتس" إلى أن الاستفتاء العام لن يكون ملزماً للحكومة في حال التوصل إلى اتفاق يتعلق بالانسحاب من القدس الشرقية وهضبة الجولان فحسب، وإنما أيضاً في حال التوصل مع السلطة الفلسطينية مثلاً إلى اتفاق يقضي بتبادل أراض، وذلك نظراً إلى حقيقة كون الأراضي التي سيتم تبادلها خاضعة بموجب القانون للسيادة الإسرائيلية. ونقلت الصحيفة عن رئيس لجنة الكنيست ياريف ليفين (من حزب الليكود)، الذي بادر إلى دفع إجراءات سنّ القانون، قوله إن "اتفاق تبادل الأراضي بات يستلزم هو أيضاً إجراء استفتاء عام".
وأدّت عملية سنّ هذا القانون إلى نوع من الاصطفاف السياسي الداخلي يتجاوز، بكيفية ما، حالة الإجماع العامة في ما يتعلق بمسألتي القدس الشرقية وهضبة الجولان، حيث أن كتلة حزب العمل في الكنيست قررت أن تتيح لأعضائها إمكان التصويت الحرّ على القانون، وذلك على الرغم من الضغوط الشديدة التي مارستها كتلة الليكود عليها من أجل إلزام أعضاء الكنيست من العمل بتأييد القانون. وقد صوّت معظم أعضاء الكتلة ضد القانون فيما امتنع الباقون من التصويت. وغداة إقرار القانون قال رئيس حزب العمل ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إن من شأنه "أن يفاقم حملة النقد الموجهة إلى إسرائيل وأن يصعّد الضغوط الدولية التي تُمارس عليها".
وكان باراك قد امتنع من حضور جلسة الكنيست التي تمّ فيها التصويت على القانون. وأضاف أنه "قانون غير جيد لإسرائيل خاصة في الوقت الحالي"، كما أنه "يخدم خصوم إسرائيل، ذلك بأنه يوفر لهم حجة للادعاء بأنها ترفض السلام وتفرض على نفسها قيوداً كي تمتنع من دفع العملية السياسية قدماً". من ناحية أخرى أكد أن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تعتبر مريحة من حيث القدرة على دفع العملية السياسية قدماً، مشيراً إلى أنه "إذا كانت هناك ضرورة لتوسيع الحكومة فإن مسؤولية هذا الأمر ملقاة على عاتقنا كلنا".
وخلافاً للتوقعات كلها، قررت كتلة حزب كاديما معارضة القانون وإلزام أعضائها كلهم بالتصويت ضده. وقالت رئيسة حزب كاديما عضو الكنيست تسيبي ليفني "إن الموضوعات التي تقرّر، وفقاً للقانون، طرحها للاستفتاء العام هي موضوعات يجب أن تقررها القيادة السياسية المنتخبة، ذلك بأنها تدرك أكثر من غيرها حجم المشكلات الماثلة أمام الدولة وجوهر الجوانب المتعلقة بها كلها". وأضافت "أن الشعب لا يعتبر بديلاً من الحاجة إلى قيادة كهذه. كما أن المقصود منه ليس استفتاء الشعب بل منحه حق النقض - الفيتو- إزاء قرارات تتخذها الحكومة والكنيست على الرغم من كونهما منتخبين". وفي رأيها فإن الاستفتاء العام الحقيقي في إسرائيل هو الانتخابات العامة، ولا يجوز أن نتوقع من الشعب أن يحسم قرارات لا يملك الأدوات الضرورية لحسمها.
ولا بُدّ من القول إن الذين انتقدوا القانون رأوا، في معظمهم، أن الهدف الرئيسي منه واضح كالشمس، وهو منع الحكومات الإسرائيلية المقبلة بواسطة القانون من توقيع اتفاق سلام مع سوريا بات من الواضح أنه سيكون مقروناً بالانسحاب الكامل من هضبة الجولان، ومنعها من التوصل إلى أي حل وسط مع الفلسطينيين يتعلق بموضوع القدس، ولذا فإنه يدل على النيات الحقيقية لدى الذين بادروا إلى سنّه. كما أكد هؤلاء أن القانون يوفر غطاء قانونياً يتيح لنتنياهو إمكان التهرّب من اتخاذ القرارات الحاسمة المتعلقة بمستقبل العملية السياسية مع كل من سوريا والفلسطينيين.
غير أن قانون الاستفتاء العام ينطوي في الوقت نفسه على إسقاطات داخلية تتعلق بعملية اتخاذ القرار وجوهر نظام الحكم. ورأت الباحثة في "المعهد الإسرائيلي للديموقراطية" دانا بلاندر، في مقال رأي نشرته في الموقع الإلكتروني للمعهد على شبكة الانترنت، أن الاستفتاء الشعبي هو أداة قد تتحول إلى سيف ذي حدين، ففي الدول التي يوجد لديها تراث ديموقراطي متجذر، والقضايا التي يتم حسمها بواسطة استفتاء شعبي ليست مصيرية، ومواطنوها يكنون احتراما مستقراً للمؤسسات المنتخبة، من شأن الاستفتاء الشعبي أن يشكل أداة لتعزيز شرعية السلطة وأن يكون قناة مشاركة إضافية فيها. في المقابل فإنه "في إسرائيل، التي تفتقر إلى ثقافة سياسية ديموقراطية، والكنيست موجودة في أسفل سلم ثقة المواطنين، والمجتمع فيها متشرذم ويضم أقليات عديدة، فإن المبادرة إلى إجراء استفتاء شعبي في موضوعات خارجية وأمنية قد تقوّض الديموقراطية وتسفر عن تصعيد التشرذم في المجتمع. وربما تكون للقانون، الذي يبدو أنه يطرح تغيرا تكتيكيا بشأن تنفيذ الاستفتاء الشعبي، عواقب وخيمة بعيدة المدى على المؤسسة السياسية والمجتمع في إسرائيل".
والجدير بالذكر أن "قانون أنظمة الحكم والقانون" (الخاص بإلغاء سريان القانون والنفوذ والإدارة) الذي تم سنّه في عام 1999، حدد لأول مرة الشروط التي تتطلب إجراء استفتاء شعبي في إسرائيل. وينص على أن أي قرار حكومي يقضي بوقف سريان مفعول القانون والقضاء والإدارة على منطقة إسرائيلية مشروط بمصادقة غالبية أعضاء الكنيست ومصادقة غالبية عادية، أي 51%، في الاستفتاء الشعبي. وسريان البند الذي يستدعي إجراء استفتاء شعبي مشروط بسنّ قانون أساس الاستفتاء الشعبي. لكن هذا القانون الأخير لم يتم سنّه حتى الآن.
ونص مشروع القانون المتعلق بالاستفتاء الذي قدمه أعضاء كنيست من جميع الكتل على عدم وجود حاجة إلى سنّ قانون أساس الاستفتاء الشعبي، وإنما على منح لجنة الانتخابات المركزية صلاحية وضع أنظمة إجراء استفتاء شعبي. وكان مشروع القانون يهدف إلى تبسيط عملية إجراء الاستفتاء وتحويله من قانون دستوري إلى عملية تقنية تنظمها لجنة الانتخابات المركزية. كما أنه يهدف إلى نقل صلاحية تحديد مكانة الاستفتاء الشعبي وسبل إجرائه من الكنيست إلى هيئة إدارية تكون مؤلفة بصورة نسبية من القوى السياسية وممثلي الأحزاب برئاسة قاض من المحكمة العليا.
ورأت بلاندر أن مشروع قانون الاستفتاء الشعبي يشكل خطرا على استقرار الديموقراطية في إسرائيل، واعتبرته غير دستوري وغير برلماني. وكتبت أنه "ينبغي علينا أن ندرك أن الاستفتاء الشعبي ليس مجرد نظام لاتخاذ القرارات فقط، وإنما هو إجراء ينطوي على أهمية سلطوية بعيدة المدى، لأنه يعيد تعريف العلاقة بين سلطات الحكم، إذ تصبح قرارات الحكومة والكنيست في موضوع معين خاضعة لمصادقة الجمهور. ومن الناحية العملية، فإن هذا يشكل تعبيراً عن إدخال أساس لديموقراطية مباشرة إلى النظام البرلماني التمثيلي (المتبع في إسرائيل). ويجب تنفيذ تغيير كهذا، في حال تم تنفيذه، بعد جدل عام مطول في هذه المسألة، وأن يتم إرساؤه من خلال قانون أساس، لا سنّه بصورة متسرعة ومن خلال تهرب الكنيست من دورها كسلطة مؤسّسة".
وحذر خبراء قانونيون آخرون من أن نظام الاستفتاء الشعبي قد يتعرّض للتضليل من جانب أصحاب المصالح الفئوية، ولذلك فإن تحديد مكانته ليس بالأمر التقني فقط. وهناك مسائل متعلقة بالاستفتاء الشعبي، مثل من يشارك فيه وصياغة السؤال الذي سيطرح على الجمهور والتمويل والدعاية. وحتى لو نفذت هذه الأمور هيئة محايدة تعمل بمهنية ونزاهة، فإنه تبقى هناك انعكاسات لنتائجه، نتيجة إشراف هيئة سياسية مثل لجنة الانتخابات المركزية (التي يشارك ممثلو الأحزاب في عضويتها) عليه. ومثال على ذلك: تعالت في إسرائيل مرات عديدة أصوات تدعو إلى إقصاء العرب في إسرائيل من عملية اتخاذ القرارات في موضوعات مرتبطة بالسياسة الخارجية والأمن. كذلك فإن البند 3 في قانون أنظمة الحكم والقانون من عام 1999 ينص على أنه يتم إقرار الاستفتاء الشعبي "بغالبية الأصوات الصالحة للمشتركين في الاستفتاء"، لكنه لا ينص على أنه يسمح بالاشتراك في الاستفتاء لكل من لديه حق التصويت في انتخابات الكنيست. فماذا سيحدث إذا ما قررت لجنة الانتخابات المركزية أنه لا يحق لعرب إسرائيل المشاركة في الاستفتاء؟، علماً بأن هذا ليس مجرّد تخوف نظري، ذلك بأن لجنة الانتخابات المركزية هي هيئة صغيرة مقارنة بالكنيست، ولذا فإن من الأسهل حرف قراراتها إلى هذا الاتجاه أو ذاك. وكانت المحكمة العليا قد أصدرت في السابق بضعة قرارات قالت فيها إنه من غير المناسب منح لجنة الانتخابات المركزية صلاحيات واسعة وبعيدة المدى لكونها، باستثناء رئيسها، هيئة مؤلفة من سياسيين، واعتباراتها لدى اتخاذها قرارات تكون متأثرة من الأفكار السياسية لأعضائها.
وأضاف بعض هؤلاء الخبراء أن "الاستفتاء الشعبي قد يحدث أزمة خطرة في شرعية المؤسسة السياسية، إذ إن الاستفتاء بموجب القانون الإسرائيلي هو أداة فيتو (نقض) لقرارات الحكومة والكنيست، بمعنى أنه بعد اتخاذ الحكومة والكنيست قرارا، بغالبية أعضائهما، فإن ثمة إمكانية لأن يغير الجمهور هذا القرار. وسيؤدي وضع فيتو على قرارات الحكومة والكنيست إلى زعزعة المؤسسة السياسية وإحداث أزمة ائتلافية".
من ناحية أخرى فإن الاستفتاء الشعبي قد يؤدي، برأي هذا البعض، إلى تصعيد الشروخ في المجتمع ويمس بمكانة الأقليات. ووفقا لأقوالهم فإن "الاستفتاء الشعبي ليس أداة مناسبة لمجتمعات توجد فيها شروخ مثل إسرائيل لأنه يضع حدا لسياسة التفاهمات التي تستند إلى تسويات ومفاوضات وإنشاء إجماع. فالحسم من خلال الاستفتاء الشعبي أحادي الجانب وواضح ولا يتوفر فيه إمكان الاستئناف على القرار... وبدلا من شمل الأقليات، فإن أداة الاستفتاء الشعبي تقصيها. وإذا كان الحسم قد تم بغالبية عادية فإن الأقلية تكون خاضعة لـ"استبداد الأغلبية"، ولا تبقى أمامها قنوات شرعية للتعبير عن معارضتها، لأن الحسم في الاستفتاء الشعبي نهائي ولا يمكن الاستئناف عليه. وفي حال تقرر الحصول على غالبية خاصة (أي غالبية كبيرة للمصادقة على قضية ما) فإن غالبية قد تجد نفسها خاضعة لاستبداد الأقلية التي بمقدورها أن تحبط بمعارضتها قرارات تؤيدها غالبية الجمهور. وهذا يعني أنه في جميع الحالات تتحول الأقلية إلى "عدوة الشعب"".
وفي هذا السياق تمّ لفت الأنظار إلى أن "هذا الوضع يتحول في إسرائيل إلى خطر داهم في ضوء الادعاءات بأن أصوات الأقلية العربية ليست شرعية لغرض حسم قضايا أساسية، مثل الانسحابات الإقليمية واتفاقيات السلام والشؤون "اليهودية" مثل تجنيد طلاب المعاهد الدينية اليهودية. وتظهر استطلاعات الرأي العام أن حوالى نصف الجمهور اليهودي يعتقد أنه يجب سلب العرب حق التصويت في الاستفتاء الشعبي، وأن الحسم في قضايا خارجية وأمنية يجب اتخاذه بغالبية يهودية فقط".
وكانت الخلاصة التي توصل إليها هؤلاء هي أنه "في ضوء انعدام ثقافة سياسية ديموقراطية متجذرة وبسبب وجود مفاهيم معادية للديموقراطية، فإن الاستفتاء الشعبي لن يساهم في تعزيز الديموقراطية الإسرائيلية وإنما قد يبعد إسرائيل عن أسرة الدول الديموقراطية"، التي تُعتبر بعيدة عنها أصلاً.
وبطبيعة الحال لم يغب عن أذهان المستأنفين على قانون الاستفتاء العام أن مظاهر الغلواء الناجمة عن تمسك إسرائيل في الآونة الأخيرة بطابعها اليهودي أكثر فأكثر، والحملة المسعورة لقوننة هذا الطابع في أروقة كنيست هي الأكثر يمينية وتطرفاً، لا تنطويان على مواقف سلبية إزاء مستقبل علاقاتها بالفلسطينيين ومحيطها الإقليمي فحسب، وإنما تنطويان أيضاً على مواقف شديدة الخطورة إزاء مستقبل نظامها السياسي والصراعات المتعددة القائمة فيها.


(باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - "مدار")      

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,163,334

عدد الزوار: 6,758,212

المتواجدون الآن: 119