تصدّع الصفّ الفلسطيني

تاريخ الإضافة الإثنين 22 كانون الأول 2008 - 3:33 م    عدد الزيارات 1683    التعليقات 0

        

ليست عمليّة المصالحة الحاليّة بين حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) إلاّ امتداداً للنزاع الدائر بين الحركتين ولكن باستخدام وسائل مختلفة. فالحركتان تنشدان تحقيق الشرعيّة الوطنيّة والإقليميّة وإحكام السيطرة على الأرض بمعزل عن ترسيخ الوحدة الوطنيّة. وليس المسعى عسيراً على الفهم. ففي هذه المرحلة، يرى الطرفان في التسوية كلفةً أكثر منه منفعةً، حيث يترتب عن التسوية خسارة غزّة لإحداهما وشراكةً عسيرةً مقرونةً بموطئ قدم إسلامي في منظمة التحرير الفلسطينية للثانية. فعلى المستوى الإقليمي، لا زالت سوريا ترزح تحت ضغوط واشنطن وبوتقةٍ من الدول العربية وهي تفتقر بذلك لدافع يحدو بها إلى الضغط على حماس تحقيقاً للمساومة في حين ترجح مصر والمملكة العربيّة السعوديّة علناً كفّةً فتح. ولا بدّ من إحقاق تغيّرات وطنيّة وإقليميّة ودوليّة جذريّة إذا أُريد لهذه المواقف أن تتبدّل. فلقد قُدّر لنزاع فلسطين على الأرض والسياسة والذي طوى عامه الأوّل أن يدوم.
وتشاء سخرية القدر أن يتسع الصدع بين الضفّة الغربيّة وغزّة في حين يُسلّم عدد متزايد من الفعاليات الدوليّة أنّه في غياب وحدة فلسطين، لا يُمكن التوصّل إلى عمليّة سلامٍ فعليّة، ناهيك عن سلام فعلي. وسيكون محبطاً بلا شكّ تغيير الديناميكيّات التي أقنعت فتح وحماس بأنّ الوقت على خلاف التسوية يعمل لصالحهما. وهكذا تغيير يقتضي على الأقلّ تغييراً في المشهد الإقليمي (من خلال توافق الولايات المتحدة مع سوريا وإيران) وقيام الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بإرسال إشارةٍ واضحةٍ مفادها أنّها ستحكم على تسوية الوحدة الفلسطينيّة انطلاقاً من مسلكها بدل القيام تلقائياً بنسفها. وفي نهاية المطاف، يقع على كاهل الفلسطينيين ترتيب الصفّ الداخلي ولكنّ تصدّع صفوف الحركة الوطنيّة والذي حصل نتيجة ما ارتكبه الدخلاء لن يعود ويلتحم ما لم يمد الدخلاء يد المساعدة.
وفي نهاية الأمر، تنشد الحركتان من العمليّة محصّلات مختلفة كلّ الاختلاف. فمن جهة ترمي فتح إلى كفّ سيطرة حماس على غزّة؛ وأقلّ ما يُقال في هذا النهج أنّه سبيل إلى إضفاء شرعيّة على تمديد ولاية محمود عبّاس؛ وفي حال الفشل، إلى الإلقاء بالملامة على الحركة الإسلاميّة. ومن جهةٍ أخرى تسعى حماس على العكس من هذا، إلى كسب الاعتراف والشرعيّة والتطفل على منظمة التحرير الفلسطينيّة وكبح الضغط الممارس على الحركة في الضفة الغربيّة. وحيث لا يطيب لها تسليم السيطرة على غزّة، تراها تقعد العزم على رفض الاستسلام من دون إحداث لغطٍ استراتيجي مضمون.
اتسعت الهوّة بين الحركتين مع مرور الوقت. وما كان ممكناً قبل عامٍ أو اثنين بات اليوم محفوفاً بالمشاكل. في شهر كانون الثاني/يناير 2006، أظهر الرئيس عبّاس بعضاً من المرونة، أمّا اليوم فباتت هذه الصفة عملةً نادرةً. ولا شكّ في أنّ هزيمة فتح المخزية في غزّة وتكتيكات حماس الدمويّة قد صلّبت موقف الرئيس وحركة فتح. وعلى رغم التقدّم البطيء في الضفّة الغربيّة والمفاوضات السياسيّة المتعثرة مع إسرائيل، يُبدي الرئيس وأعوانه أملاً في أن الوضع إلى تحسّن. وهم على قناعةٍ راسخة بأنّهم يُحققون المكاسب السياسيّة في الضفّة الغربيّة؛ فلقد تمكنت قوى الأمن حديثة التدريب ومتينة العتاد من ضبط الأمن وإنزال إجراءات صارمة بحقّ حماس؛ يُضاف إلى هذا تراجع إسرائيل عن فرض بعض الضوابط وبروز دلائل نموّ اقتصادي. كما يتمتع عبّاس بدعمٍ إقليمي ودولي متين وهو يأمل أن تكثّف الولايات المتحدة التزامها إبّان تولّي الإدارة الأمريكيّة الجديدة زمام السلطة.
ويبدو تحليل الكلفة للمنفعة في غاية الوضوح: قد تعني المصالحة نهاية احتكار فتح للشؤون الإداريّة والأمنيّة في الضفة الغربيّة، أي حكماً تنازلاً عن الهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينيّة، في حين قد تُهدد الشراكة مع حماس المفاوضات مع إسرائيل والدعم الدولي والمالي للسلطة الفلسطينيّة. وفي مقابل هذا الثمن الباهظ بالكاد تكسب الحركة أكثر من مجرّد سيطرة مشتركة على غزّة حيث تقلّص نفوذ رام الله حتى قبل أن تضع حماس يدها عليها.
وحتّى الساعة ترى حماس، هي الأخرى، في الوقت حليفاً لها وفي المصالحة فخّاً يُنصب. وترى القادة الإسلاميين الذين راهنوا في خلال الانتخابات النيابيّة لعام 2006 على العمليّة السياسيّة وسعوا إلى الاندماج في صفوف السلطة الفلسطينيّة يفقدون السيطرة. وهدفت الحركة بعد ذلك إلى الفوز بالقدرة على الحكم وكسب الاعتراف الدولي. وبعد إحكام السيطرة على غزّة، باتت حماس تسدد ثمناً أكبر لدمجها في النظام السياسي. ولعلّ مثال غزّة – من الصمود أمام الحصار والإبقاء على مبادئ إيديولوجيّة أساسيّة والتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار مع إسرائيل– ليس جلّ ما تريده حماس بيد أنّه حقق النجاح المرجو. فسكان غزّة يعانون أزمةً اقتصاديّة واجتماعيّة خانقة، في حين تنعم الحركة الإسلاميّة بأمن داخلي، حيث تلد نخب جديدة تعوّل على الحركة وتبدو الوظائف الحكوميّة الأساسيّة مستدامةً.
وفي حين شكك قادة حماس منذ اللحظة الأولى في مفاوضات عبّاس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، تراهم على قناعةٍ من أنّ فرص تحقيق خرقٍ دبلوماسي ستشكّل ضربةً أكبر إذا تولّى زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، كما هو متوقّع، تشكيل حكومة إسرائيل المقبلة. وفي الضفة الغربيّة، هم متأكدون أنّ عدداً متنامياً من الفلسطينيين يرمق التعاون بين قوّات الأمن الإسرائيليّة والفلسطينيّة شزراً ويرى فيها ضرباً من التعاون مع المحتل. وأخيراً، يظنون أنّ شرعيّة عبّاس المحليّة تكون قد تقوضّت حين تنتهي ولايته بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2009. فبالنسبة إلى مجموعةٍ متناميةٍ من قادة حماس السياسيين، إلى جانب جناح الحركة العسكري المتزايد نفوذاً، ليست المصالحة سوى مكيدة نُصبت لحرمانهم السيطرة على غزّة بلا مكسب مقابل.

 

للإطلاع على الدراسة اضغط هنا

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,250,342

عدد الزوار: 6,942,128

المتواجدون الآن: 123