أوباما: من سيسيطر على الأسلحة الكيماوية إذا سقط نظام الأسد؟...

تاريخ الإضافة الأحد 25 تشرين الثاني 2018 - 8:06 ص    عدد الزيارات 1907    التعليقات 0

        

أوباما: من سيسيطر على الأسلحة الكيماوية إذا سقط نظام الأسد؟...

الحلقة (4) من كتاب من الحرب الباردة إلى السلام الحار..

المؤلف مايكل ماكفول... بروفيسور العلوم السياسية ومدير معهد فريمان سيوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد وباحث في مؤسسة هوفر. عمل في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما ثم سفيرا للولايات المتحدة في موسكو. ألف وشارك في تأليف عدة كتب منها: «ثورة روسيا غير المكتملة». وهو محلل سياسي لمحطة «إن. بي. سي» ويكتب في «واشنطن بوست».

محرر القبس الإلكتروني .. هذه الحقبة الجديدة من المواجهة بين روسيا والغرب لا تمثل عودة إلى الحرب الباردة تماماً، بل يمكن وصفها بالسلام الحار. فعلى العكس مما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة، لم يعد الكرملين يروج لأيديولوجية لها جاذبية على نطاق عالمي. صحيح أن قوة روسيا تتنامى اقتصاديا وعسكريا، لكنها لم تستطع الوصول إلى وضع القوة العظمى كما كان عليه الاتحاد السوفيتي. كما أن العالم ليس منقسما بين اللونين الأزرق (الرأسمالي) والأحمر (الشيوعي)، ذلك الانقسام الذي كانت تدعمه التحالفات المتعارضة. فليس لروسيا سوى القليل من الحلفاء اليوم. ومع ذلك، فإن حقبة السلام الحار الحالية أحيت الذكريات المريرة للحرب الباردة في الوقت الذي أضافت أبعاداً جديدة الى المواجهة. لقد برز صراع ايديولوجي جديد بين روسيا والغرب ليس بين الشيوعية والرأسمالية، بل بين الديموقراطية والدكتاتورية. يقول الكاتب: شعرت بخيبة الأمل لأن بوتين أبدى عدم رغبته في الانخراط في جولة مفاوضات ثانية معنا لخفض التسلح النووي، لكني لم اعتبر ذلك نكسة رئيسية للمصالح القومية الأميركية. كنا نأمل خفض المخزون النووي لكلتا الدولتين إلى ألف رأس نووي لكل منهما. كنت مهتماً بإشراك الروس في محاولات إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. لكن فشل هذه الاستراتيجية أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. لقد كان ذلك الإخفاق الأكبر لسياستنا الخارجية، لكن لم تكن لدينا بدائل.

فقد أردنا إنهاء الحرب في سوريا وفشلنا في ذلك.

وربما كان أحد أخطائنا أننا جعلنا من روسيا لاعباً مركزياً في استراتيجيتنا تجاه سوريا. فما ان اندلعت أعمال العنف حتى افترضنا أن السبيل الوحيد للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للتفاوض مع المعارضة من أجل ارساء قواعد نظام سياسي جديد يعتمد على الروس. فليست لنا علاقة وثيقة بالأسد أو حكومته أو جيشه، بينما يرتبط الكرملين بمثل هذه العلاقات، وقد يقتنع باستخدام نفوذه على الأسد في التوسط من أجل التوصل إلى اتفاق بين الجانبين. لكن هذا التقييم كان خاطئا. فقد بالغنا في نفوذ موسكو على نظام الأسد كما أسأنا قراءة نوايا بوتين. لقد أعلن أوباما في الثامن عشر من أغسطس 2011 أنه «يجب على الأسد أن يرحل»، بينما كان بوتين يريد العكس، هذا التعارض في المواقف ألحق ضرراً كبيراً بجهودنا الدبلوماسية مع الروس بشأن سوريا.

انعكاسات سلبية

قرارنا الرئيسي الثاني الذي كانت له انعكاسات سلبية طويلة المدى، كان احجامنا عن تزويد المعارضة السورية، خصوصاً «الجيش الحر»، بالأسلحة الثقيلة عندما تحول الاحتجاج السلمي إلى حرب أهلية، لقد قدمنا المساعدات للمعارضة السورية في ما بعد، لكنها لم تكن بالمساعدة الكبيرة. فمثل هذا الخيار لم يكن يتطلب مباركة من بوتين أو قراراً من مجلس الأمن. لقد أوصى بعض المستشارين العسكريين في إدارة اوباما بتقديم مساعدات عسكرية أكبر للمعارضة السورية عام 2012، وذلك لم يكن جزءاً من استراتيجية لإلحاق الهزيمة بالأسد، بل لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما أن تسليح المعتدلين في المعارضة السورية سيمنحهم الأفضلية على العناصر المتطرفة التي كانت قوتها تأخذ في التنامي. وفي ذلك الوقت، كان قرار الرئيس انه إذا ما تم تسليح المعارضة، فإن الأمور ستسوء أكثر فأكثر ولن تدفع الأسد إلى طاولة المفاوضات، كما كان الرئيس يخشى ان تقع أسلحتنا في أيدي جماعات ارهابية، فكيف ستكون ردة فعل العالم لو ان صاروخاً مضاداً للطائرات من صنع الولايات المتحدة أسقط طائرة مدنية؟ كما خشي أوباما أن يتم استدراج الولايات المتحدة إلى الصراع السوري كما حدث في فيتنام أو أفغانستان.

تقديرات خطأ

لقد جعل تدخلنا العسكري في ليبيا، الذي لم يأت بالنتائج المرجوة، الرئيس أوباما أكثر حذراً من التدخل في الحروب الأهلية. وبالإضافة إلى ذلك، خلصت دراسة كانت بيد الرئيس أوباما إلى أنه من النادر أن أسفرت مساعدة متمردين عن ديموقراطية. وتدخلنا في سوريا كان من شأنه أيضاً التأثير على مفاوضاتنا مع إيران بشأن برنامجها النووي، فالتصعيد العسكري في سوريا كان يمكن أن يؤدي إلى صدامات بين شركائنا والجنود والميليشيات الإيرانية التي تدعم الأسد، وكان بين يدي الرئيس أوباما الكثير من التقارير الداخلية والخارجية التي تتنبأ بقرب انتصار المعارضة السورية، وأنه لا داعي لتعقيد الأمور بتدخلنا عسكرياً. لكن الأسد لم يسقط وتقديراتنا لضعفه لم تكن دقيقة، وهكذا مع استمرار الحرب أصبحنا طرفاً فيها وإن بشكل هامشي، فقد وافق الرئيس على تزويد المعارضة بالسلاح، لكن ذلك لم يؤد إلى هزيمة الرئيس أو حتى تحقيق التوازن في القوة على الأرض.

تحرك أحادي الجانب

القرار الرئيسي الثالث الذي اتخذناه هو السعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن بالتدخل العسكري في سوريا. كان أوباما يؤمن بالأمم المتحدة ولم يكن يرغب في التحرك الأحادي الجانب، وبذلك منحنا الروس خيار نقض تحركاتنا من خلال «الفيتو». وهكذا، لم نستطع التدخل عسكرياً أو سياسياً بهدف الضغط على الأسد للجلوس على طاولة المفاوضات، حتى أننا فشلنا في تمرير قرار في مجلس الأمن يدين انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان. القمة الأولى بين أوباما وبوتين عقدت في المكسيك على هامش قمة الدول الصناعية العشرين الكبرى في يونيو 2012، وقد احتلت سوريا صدارة جدول أعمال الاجتماع، تأخر بوتين، كعادته، عن موعد الاجتماع، وحين سألنا الجانب الروسي قيل لنا إنه «في الطريق». وصل بوتين متأخراً عن موعده 45 دقيقة متذرعاً بازدحام المرور.

بوتين يدافع عن نفسه

شملت المفاوضات بين الرئيسين الصواريخ الدفاعية وخفض الأسلحة النووية وإيران والتجارة والاستثمار، ثم ما لبثت المفاوضات أن تطرقت إلى سوريا والربيع العربي، شرح بوتين نظريته لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وبأن السبيل الوحيد لتحديث المنطقة هو بالتدريج ومن الأعلى إلى الأسفل، وأن هناك حاجة لقادة أقوياء لقيادة هذه المجتمعات المحافظة إلى مزيد من الانفتاح والتسامح مع المجموعات الاتنية والدينية الأخرى. ونحو المزيد من الحريات، وتحدث عن مبارك والأسد كقائدين يمكن أن يقودا عملية التحديث، وابدى معارضته لقيامنا بفرض الضغوط على مبارك أو محاولات إجبار الأسد على التنحي عن السلطة. وتهيأ لي وأنا استمع لبوتين أنه يتحدث عن نفسه أيضاً. أكد بوتين أنه لا تربطه علاقات وثيقة مع الأسد الذي زار باريس أكثر من مرة ولم يأت إلى موسكو سوى مرة واحدة، وأنه درس في لندن وليس في موسكو وبأنه أقرب إلى الغرب منه إلى بوتين، ولكن حتى لو لم يحب الأسد شخصياً فإن بوتين يعتبره أفضل أمل للحفاظ على وحدة سوريا ودفعها نحو التحديث، لقد كان الأسد أيضاً حليفاً لروسيا.

مجرد أدوات

وتحدث بوتين عن تداعيات السماح بسقوط مثل هذه الأنظمة ذات الحكم الفردي التحديثية، وشن هجوماً لاذعاً على سياساتنا الفاشلة في الشرق الأوسط واعتبر أننا نعمل على تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط واننا حرضنّا العمال والطلبة والجماهير في تونس ومصر وسوريا على الثورة، لأنهم لا يتحركون من تلقاء أنفسهم كما يعتقد، بل انهم مجرد أدوات، واتهم «سي آي ايه» بالتورط، وقال بوتين ان المخابرات الأميركية والمجمع الصناعي أصحاب القرار، وليس الرئيس والمسؤولين المنتخبين، أي أنه يعتقد أن ما يطلق عليه «الدولة العميقة في الولايات المتحدة هي صاحبة القرار، فهذه هي الحالة على الاقل في روسيا».

جهل بوتين

وردّ عليه الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة لا شأن لها بما ثار من احتجاجات في الشرق الأوسط، بل انها تستجيب للظروف التي اوجدها مواطنو هذه الدول لكن بوتين لم يقتنع. لقد ذهلت وأنا استمع لكلمة الرئيس بوتين وتعجبت من مدى جهله بآلية صنع القرار في واشنطن، وتساءلت: ألاّ يقدم له مسؤولو السفارة والاستخبارات فيها، التقارير الصحيحة عن الوضع الأميركي وكيف أننا فوجئنا بأحداث الربيع العربي وجاءت ردود فعلنا غير مواتية، وأننا لم نخلق هذه الاحتجاجات. وربما اعتقد الروس أننا نتمتع بقدرات هائلة أهلتنا للانتصار على الاتحاد السوفيتي السابق، وأننا نكرر فعلتنا في العالم العربي، وفي روسيا الآن، صحيح أن جهاز «سي آي ايه» قوي ولكنه قوي بالقدر الذي يعتقده بوتين. لقد كان موقفنا على طرف نقيض من الموقف الروسي بشأن سوريا، كنا نريد انتقالاً تفاوضياً من الدكتاتورية إلى الديموقراطية.. انتقال يحافظ على وحدة سوريا مع بقاء بعض عناصر حكومة الأسد في الحكم، ولكن ليس الأسد نفسه، لكنهم كانوا يصرّون على بقاء الأسد في الحكم، وخلصت من الاجتماعات مع بوتين أن التعاون بين البلدين غاية في الصعوبة وليس فقط في الشأن السوري، بل في أي موضوع آخر.

ضغوط دولية

وبعد أن تبين لنا أن روسيا لن تؤيد أي قرار اممي بمعاقبة سوريا لجأنا إلى فكرة الضغوط الدولية على نظام الأسد للموافقة على وقف اطلاق النار والدخول في مفاوضات للانتقال الديموقراطي، وبذلنا جهوداً هائلة لضمان اقناع بوتين بدعم المفاوضات من أجل الانتقال السياسي، وكنا نأمل أن توفر هذه المفاوضات استراتيجية خروج للأسد، وكنا على استعداد للقبول بفترة انتقالية طويلة مع الابقاء على عدد من الموالين للأسد في السلطة، وتفاءلنا في صيف 2012، لأن الضغوط الدولية تعاظمت على الأسد بسبب عمليات القتل العشوائي للمدنيين. وفي الوقت ذاته، كان الأسد يخسر في الحرب، ففي النصف الأول من عام 2012، فقد جيشه السيطرة على نقاط الحدود مع العراق وتركيا، ومع نهاية العام، عبّر الروس عن مخاوفهم من اتجاه الحرب. لقد كنت على يقين أننا لن نتفق على حل يرضي الطرفين (الأميركي والروس) في سوريا ولكننا لم نتوقف عن المحاولة، وفي الواقع لم يكن أمامنا خيار آخر لأن قنوات الاتصال مع الأسد كانت مغلقة وكذلك مع إيران.

الدبلوماسية الشخصية

وبعد إعادة انتخابات أوباما، أصبح لدينا وزير خارجية (جون كيري) مصمم على استئناف المفاوضات حول سوريا مع الروس. لقد كان كيري من أشد المؤمنين بقوة الدبلوماسية الشخصية، والاقناع بدل الإكراه، واتيحت له الفرصة في الثالث عشر من مايو 2013، لاختبار نظريته هذه في موسكو، كان هدفه تعزيز الدبلوماسية الدولية لوضع حدّ للحرب الأهلية في سوريا وقد استندت استراتيجيته في ذلك على اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. عقدنا اجتماعاً استغرق ساعتين مع بوتين حول سوريا لكنني لم أذكر انني سمعت شيئاً جديداً اتى به بوتين، لكنه التفت الى وزير خارجيته لافروف وطلب منه اجراء مفاوضات جادة مع كيري في اشارة الى عدم رغبته في الانخراط شخصياً في المحادثات، وكان واضحاً أن علاقات لافروف كانت متوترة مع ميدفيديف لكنها جيدة مع بوتين.

تجاوز الخط الأحمر

لقد بدأت الحكومة الأميركية تعلم ابتداءً من ربيع عام 2012، باستخدام حكومة الأسد المحدود للاسلحة الكيماوية ضد المدنيين، واعلنا عن ذلك في الخامس والعشرين من ابريل، واحطنا الروس علماً بذلك، لكن لوكيانوف وفريقه للأمن القومي نفوا الرواية الأميركية تماماً وظلوا يذكروننا بإخفاقاتنا الاستخبارية المتعلقة بامتلاك صدام المفترض لأسلحة الدمار الشامل، لقد كان امراً مثيراً للإحباط. وفي الحادي والعشرين من اغسطس 2013 استخدم الدكتاتور السوري الاسلحة الكيماوية لقتل اكثر من الف وخمسمئة شخص، منهم اربعمائة طفل، لكن الروس واصلوا التشكيك بمصداقية هذه التقارير إلى أن رأى العالم بأكمله الادلة المادية على هذه المأساة، لقد انتهك الأسد القانون الدولي وتجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس اوباما وتوقع العالم وخاصة المعارضة السورية رداً عسكرياً اميركياً، لكن ذلك لم يحدث، فقد حذّرنا الروس من عواقب وخيمة اذا ما هاجمنا الأسد، والأهم من ذلك ان التجربة الكارثية في ليبيا ظلت تلقي بظلالها على مداولات الحكومة الاميركية بشأن الأزمة السورية، ولم يكن أحد في إدارة أوباما يرغب في رؤية سقوط سريع لنظام الأسد تتبعه فوضى، أو سيطرة المتطرفين على مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا.

شكوك

معظم مسؤولي الأمن القومي في إدارة أوباما كانوا يؤيدون توجيه ضربة عسكرية للأسد، تشل قدرته على شن هجمات كيماوية ضد المدنيين، وعلى الرغم من إلقاء وزير الخارجية جون كيري خطاباً في الثلاثين من أغسطس بدا وكأنه يهيئ الشعب الأميركي لمثل هذه الخطوة، فإن المناقشات حول مزايا وأضرار مثل هذه الضربة خلف الأبواب المغلقة لم تتوقف، عبرّ الرئيس أوباما عن شكوكه، وتساءل: ماذا لو لم يتوقف الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية حتى بعد الضربة العسكرية؟ وكيف سيأتي تصعيدنا؟ وماذا لو أدت الضربات العسكرية إلى سقوط النظام؟ من الذي سيسيطر على مخزون الأسلحة الكيماوية؟ ولم يكن أوباما يرغب في اتخاذ مثل هذه الخطوة وحيداً، وكان من المؤكد ان بوتين سوف يستخدم حتى الفيتو ضد أي قرار أممي يفوض باستخدام القوة في سوريا، واقترح البعض ان يطلب أوباما من الناتو – كما فعل كلينتون في صربيا عام 1999 – القيام بالمهمة، لكن الخطة احبطت بعد تصويت البرلمان البريطاني ضد التدخل العسكري، وفي الوقت الذي كان فيه أوباما يستعد للتوجه إلى مدينة بطرسبيرغ (روسيا) لحضور قمة الدول الصناعية الكبرى، طرح فكرة الطلب على الكونغرس ان يفوض باستخدام القوة بحيث تكون هذه الورقة الرئيسية التي سيطرحها على بوتين.

ضربات جوية

هبطت طائرة أوباما واستقل الوفد سيارة الرئاسة المعروفة باسم «الوحش» في رحلة استمرت ساعة من مطار موسكو الدولي إلى مقر اجتماعات قادة الدول الصناعية في قصر قسطنطين، وكانت الأجواء متوترة في السيارة التي كانت ضيقة علينا، فهذه السيارة التي تبدو ضخمة من الخارج هي ضيقة كثيراً من الداخل، وذلك لأن جدرانها سميكة لأسباب أمنية، المهم توصلنا إلى ضرورة التركيز على نقطتين فقط هما سوريا، ومتى وكيف سيتحدث الرئيس أوباما إلى فلاديمير بوتين. مستشارة الأمن القومي سوزان رايس لم تكن مرتاحة لقرار أوباما المفاجئ الطلب من الكونغرس تفويضاً لاستخدام القوة في سوريا، لأنها كانت تعتقد اننا لن نحصل على موافقته. فقد كانت هي ونائبها رودوس يؤيدان توجيه ضربات جوية لنظام الأسد، وأظهرت استطلاعات الرأي آنذاك ان الغالبية العظمى من الأميركيين لا تؤيد الضربات العسكرية، ولو كان أوباما سيفعل، فانه سيكون وحيداً دون تأييد الأمم المتحدة أو الناتو أو الكونغرس.

صفقة

ولدى مناقشة ماذا سيقول الرئيس أوباما لبوتين، كان الرئيس مسترخياً على العكس من بقية أعضاء الوفد، وكان يخطط لايجاد وقت بين الوجبات للحديث مع الرئيس بوتين على انفراد حول سوريا وبعض الأمور الأخرى، وأما محاولاتنا لكسب تأييد الدول الأخرى لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا فقد فشلت لأن إحدى عشرة دولة فقط أبدت تأييدها. في اليوم الأول من القمة لم يحدث لقاء بين الزعيمين. أما في اليوم الثاني فقد التقيا وناقشا فكرة أن يعمل البلدان معاً لنزع كل الأسلحة الكيماوية من سوريا. وابدى بوتين ثقته بالقدرة على اقناع الأسد بالتعاون. ولكن في المقابل، علينا الامتناع عن توجيه ضربة عسكرية له.. كانت تلك هي الصفقة. وأخيراً، وافق الأسد على مناقشة هذه الفكرة لخشيته من التعرض لضربة عسكرية أميركية، إذاً لا تناقض في مصطلح «الدبلوماسية العشرية»، بل أحياناً لا تنجح الدبلوماسية إلا إذا كانت مصحوبة بالتهديد.

مخاوف مبررة

وأثارت رايس المخاوف من أن اقتراح بوتين هو مجرد محاولة لكسب الوقت، فما ان يسحب اوباما طلبه الحصول على موافقة الكونغرس على ضربة عسكرية وتفقد مطالب التدخل العسكري زخمها، يتراجع بوتين ويجد الاعذار لعدم قدرته على اقناع الرئيس الأسد بالتعاون. وكان لهذه المخاوف ما يبررها، لأننا كثيراً ما بالغنا في قوة تأثير روسيا على الأسد. قلت للرئيس أوباما إن أهم ما في المقترح الروسي انه جاء من بوتين نفسه، وهو المعروف بالتفاخر بالحفاظ على كلمته، خاصة في علاقاته مع رؤساء الدول، لكن علينا ألا نتراجع عن التلويح باللجوء إلى الضربات الجوية إذا فشلت المساعي الدبلوماسية. لقد وفر بوتين باقتراحه نزع السلاح الكيماوي لاوباما الفرصة لتفادي الفشل في الحصول على تأييد الكونغرس للعمل العسكري واحتمال فشل مثل هذا الخيار حتى لو وافق عليه الكونغرس. وكان يبدو على الرئيس أوباما انه يعتقد أن هذا الاقتراح هو الأفضل بين عدة خيارات سيئة. (انتهى)

خطأ خطير

يقول المؤلف: وافق بشار الأسد على الاقتراح، وبدأنا العمل مع الروس وشركائنا الآخرين لنزع اسلحة سوريا الكيماوية وتدميرها، وخلال عام واحد تم التخلص من 98 في المئة من الترسانة الكيماوية لسوريا وفقاً لتقرير منظمة منع انتشار السلاح الكيماوي، وقد اثبتنا لأنفسنا وللعالم ان بوسع الولايات المتحدة وروسيا أن تعملا معاً في أصعب القضايا الأمنية. لقد خسر أوباما الكثير من سمعته في الداخل والخارج، لأنه رسم للأسد خطا أحمر وتجاوزه ولم يرد اوباما. ووصف وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس ذلك بأنه «خطأ خطير». فالرئيس أوباما أرسل بذلك رسائل خاطئة ليس للأسد والسوريين فقط، بل للعالم أجمع. وفي النهاية، فإن نزع سلاح الأسد الكيماوي لم يوقف الحرب. ولجأ الأسد إلى وسائل أخرى لمواصلة قتل المدنيين الأبرياء، وبعد عامين، دخلت روسيا الحرب لمنع سقوط نظام الأسد. وبعد أربع سنوات استخدم الأسد السلاح الكيماوي ثانية وقتل العشرات من المدنيين. وهكذا لم يف الأسد بتعهداته في عام 2013 بازالة كل ترسانته من الأسلحة الكيماوية، ولا بد أن بوتين يعلم ذلك جيداً. وحتى هذه اللحظة، ما زلت اعتقد أنه كان يتوجب علينا الضغط بصورة أكبر لاسقاط الأسد عام 2011 وتسليح المعارضة المعتدلة حالما وصلت العملية السلمية إلى طريق مسدود وبدأ الأسد باستخدام العنف، وكان علينا تدمير مطاراته وطائراته عندما استخدم السلاح الكيماوي في اغسطس 2013. كما كان ينبغي فرض منطقة حظر جوي في بداية الصراع وقبل تدخل روسيا، ولكني لا اجزم بأن أيا من هذه الإجراءات كان سيأتي بنتائج أفضل أم لا.

الحلقة (3) من كتاب من الحرب الباردة إلى السلام الحار

الحلقة (2) من كتاب من الحرب الباردة إلى السلام الحار

الحلقة (1) من كتاب من الحرب الباردة إلى السلام الحار

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,322,067

عدد الزوار: 6,886,157

المتواجدون الآن: 88