​​​​​​​«داعش» يخطط للخطوة التالية بعد خسارة «الخلافة»..

تاريخ الإضافة الجمعة 12 نيسان 2019 - 4:40 ص    عدد الزيارات 1426    التعليقات 0

        

«داعش» يخطط للخطوة التالية بعد خسارة «الخلافة»..

الجريدة...كتب الخبر شبيغل... * كريستوف رويتر... بعد مرور خمس سنوات تقريباً والكثير من المعارك لاستعادة داعش مجده، انهارت الخلافة، فأي نوع من النهايات هذا؟ وماذا تخبرنا أيام "الخلافة" الأخيرة عن استمرار أسطورة داعش؟ هل انتصرت إرادة البقاء القوية في النهاية على العقيدة؟ أم أن داعش يخطط للاختباء والتحضير سراً لهجوم جديد؟

في الصحراء بين العراق وسورية، سيطرت القوات الكردية في معظمها على آخر جيوب "داعش" المتبقية من منطقة سيطرته التي كانت مترامية الأطراف، ولكن صحيح أن الإرهابيين استسلموا في الوقت الراهن، إلا أن كثيرين منهم تواروا عن الأنظار ليخططوا للمرحلة المميتة التالية. بدا الرجل بعباءته البنية الطويلة قادماً من زمن قديم. كان شعره المشعث يبرز فوق رأسه، في حين أحاطت بوجهه لحية غير مشذبة، راح يزحف ببطء على درب جبلي ضيق، وعندما اتخذ خطوة بكلا عكازيه وحرّك ساقه اليسرى إلى الأمام، اندفعت فخذه اليمنى قليلاً في الاتجاه ذاته، وقف دون حراك لبرهة، وأخيراً، نهض بصعوبة، وأمسك بعكازيه، وسار ببطء شديد إلى أن اختفى أخيراً ضمن حشد تجمّع عند أسفل الجرف. يُعتبر "مخيم الباغوز" على أطراف شرق سورية، حيث تمركز عشرات الآلاف من المتطرفين، ولكن كل بضعة أيام، حين تتمكن قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الغرب من تحقيق تقدّم متواضع ويهدأ القتال قليلاً، تسمح الميليشيات الكردية لعدد قليل من الصحافيين بالدخول. بعد أسبوع ونصف من زحف الرجل المبتور الساق على المنحدر الصخري الحاد، سقطت "خلافة داعش"، ففي 23 مارس سيطرت قوات سورية الديمقراطية بقيادة الأكراد، وبدعم أساسي من الطائرات الحربية الأميركية والقوات الخاصة البريطانية والفرنسية، على مئات الأمتار المربعة الأخيرة من قرية الباغوز.

ترك "الخلافة"

في شهر يوليو عام 2014، وقف قائد داعش أبو بكر البغدادي على منبر جامع النوري الكبير في الموصل، وأعلن قيام الخلافة المزعومة. بدا ذلك انتصاراً لا مثيل له، وفي ذروة قوته سيطر "داعش" على منطقة توازي بمساحتها مساحة الأردن وتضم ملايين الناس، ولكن اليوم، وبعد مرور خمس سنوات تقريباً والكثير من المعارك وعملية استعادة بدا ألا نهاية لها، انهارت الخلافة.

فأي نوع من النهايات هذا؟ وماذا تخبرنا أيام "الخلافة" الأخيرة عن استمرار أسطورة داعش؟ هل انتصرت إرادة البقاء القوية في النهاية على العقيدة؟ أم أن داعش يخطط للاختباء والتحضير سراً لهجوم جديد؟

لم تكن معركة الباغوز الخاتمة الانتحارية التي توقعها كثيرون، فلم يرتدِ أعوان داعش جماعياً الأحزمة الناسفة ويندفعوا نحو خطوط العدو ليصعدوا إلى الجنة في بحر من اللهب. على العكس ظهر عشرات الآلاف منهم وسمحوا للقوات الكردية باعتقالهم. لوكاس غلاس رجل من دورتموند تبنى عقيدة داعش وسافر إلى سورية لينضم إلى هذا التنظيم، لكنه استسلم لقوات سورية الديمقراطية في مطلع شهر يناير، وأخبر شبيغل عن فقدان السيطرة في منطقة سيطرة داعش التي راحت تتقلص بسرعة. بدا المشهد خيالياً، حيث وقف الصحافيون بكاميراتهم التلفزيونية وعدسات كاميراتهم الفوتوغرافية على الأسطح والجدران، في حين كان دفق المقاتلين المستسلمين يتقدم بخطى متثاقلة بعد 30 متراً فقط. وبعد إصرار كبير سُمح للصحافيين بالاقتراب حتى ما عاد يفصل بينهم وبين خط المقاتلين هؤلاء سوى مترين إلى ثلاثة أمتار، ورغم ذلك لم يُسمح لهم بالتحدث إلى أي من الفارين المترنحين، فصاح قادة الفرق الكردية: "إنهم خطيرون! ها هم الأصوليون!"، مع أن شيئاً لم يحدث. ولكن بعد يوم اتضح مدى صحة كلامهم، إذ في المرة الأخرى، حيث كان مئات الأشخاص يمرون عبر نقطة تفتيش، لم يكن هنالك أي صحافيين، ونحو الظهيرة عمدت أم مع ولدين إلى تفجير نفسها، وبعد ثوانٍ هرع رجل في زي امرأة نحو مَن سارعوا لإنقاذ المصابين وفجر نفسه في عملية انتحارية ثانية، أما المهاجم الثالث فتعرض لإطلاق نار وأردي قتيلاً قبل أن يتمكن من تفجير حزامه الناسف. ذكر مصاب من رجال قوات سورية الديمقراطية الذين نجوا جميعاً: "ظننا أن امرأة معها ولدان ستكون مسالمة"، مات أحد الولدين في الحال، في حين نُقل الآخر إلى المستشفى بعد تعرضه لحروق بالغة، هل كانا حقاً ولديها أم أنها كانت تعتني بهما لأن والديهما ماتا؟ وماذا يدفع امرأة سبق أن استسلمت إلى قتل نفسها، مع ولدين صغيرين، وعدد كبير من الناس لتنقل رسالة أخيرة محتملة؟

الخائنون مقابل الأصوليين

تحدثت شبيغل مع عدد من الهاربين من الباغوز، إذ تعكس رواياتهم صورة من الحزن العميق، صورة صراع بين معسكرين: "الخائنين" والأصوليين، أولئك الذين أرادوا تفجير نفسهم بعد الاستسلام وكثيرين ممن ألقوا جانباً أحزمتهم الناسفة التي تُرى موزعة في كل مكان. تذكر امرأة من "الخائنين" متحدثة عن الآخرين: "قلب داعش طائف من المجانين بالكامل". وتضيف: "يدعوننا عبدة أصنام ويشيرون إلى أنفسهم بالخوارج". تمتد هذه الانقسامات العميقة بين مختلف الجنسيات، بمن فيهم الرجال والنساء القادمون من تونس، شأنهم في ذلك شأن الآتين من العراق، مع أنها أقل بروزاً بين الأوروبيين. نُقل عن امرأة سويدية تعيش مع عدد من الأولاد في مخيم مؤقت قولها إن من الأفضل للولد أن يموت جوعاً مع داعش "على أن يُرسل إلى بلاد الكفار حيث يربيه مثليون جنسيون"، فتبدو هؤلاء محصنات ضد أي منطق، وقد سجنّ أنفسهن في عالمهم المثالي وذكرياتهن عن نشوة الانتصار عام 2014. أرادوا حينذاك إعلان الحرب على العالم بأسره: على الكفار بالتأكيد، فضلاً عن إخوانهم المسلمين الذين سيُرغمونهم أولاً على الخضوع لاختبار لإيمانهم، وسارت كل التطورات وفق الخطة، فكانت هذه الخطة في رأيهم من تدبير الله. لكن الحملة العسكرية الجهادية لم تنجح إلا عندما تجاهل العالم إعلان الحرب هذا، وبعدما وقف المجتمع الدولي مكتوف اليدين أثناء سقوط الموصل في شهر يونيو عام 2014، دفع هذا داعش إلى اقتراف خطأ في حساباته بعد شهرين، في بلدة سنجار في شمال العراق، حين هاجم المجاهدون منطقة الأيزيديين، مجتمع ديني قديم يكرّم إلى جانب الله سبعة ملائكة أحدهم على شكل طاووس، وفي نظر داعش انطبقت عليهم كل الشروط التي تبيح استعبادهم والقضاء عليهم.

هفوة مميتة

ظن أبو بكر البغدادي وغيره من قادة داعش أن العالم، إذا لم يكترث بشأن الموصل، لن يهب على الأرجح لنجدة الأيزيديين أيضاً، ولكن مع هذا الهجوم، هدد داعش فجأة أربيل، ودفع أهل سنجار المحاصرون، الذين بدؤوا يموتون عطشاً، حكومة الولايات المتحدة المترددة بقيادة أوباما إلى التدخل، فشنت ضربات جوية ضد داعش وشكّلت ائتلافاً دولياً. كان هدف ما تلا من عمليات إعدام داعش رهائن أميركيين وبريطانيين- كان بعضهم محتجزاً منذ سنتين من دون أي إشارات إلى أنهم ما زالوا على قيد الحياة- ردع المعتدين، بيد أنه أدى إلى نتائج عكسية. كانت هذه بداية النهاية، فلم يكن أمام داعش أي فرصة مع عملية مراقبة الهواتف الشاملة، والطائرات بدون طيار المسلحة، والقنابل الموجّهة بدقة التي تستطيع إطلاق قوة انفجار مهولة بدقة تصل إلى بضعة أمتار، وهكذا بدأ المجاهدون يخسرون المدينة تلو المدينة والمنطقة تلو الأخرى إلى أن سقطت الباغوز أخيراً. وهناك، قدّم قائد ميداني كردي تحليلاً قاتماً: "هاجمونا كقوة تقليدية، وكان هذا خطأ، فلو اتبعوا أسلوب حرب الميليشيات لصعب علينا أو حتى استحال التغلب عليهم". ولكن لمَ اختاروا الباغوز؟ هل ثمة خطة وراء ذلك؟ يخبر المتحدث باسم قوات سورية الديمقراطية عدنان عفرين كيف هاجم شعبه الباغوز سابقاً في أواخر شهر سبتمبر: "كانت المقاومة شرسة، فانسحبنا، ومنذ ذلك الحين، لم نتقدّم إلا من الشمال". أما النسخة التي قدمها تنظيم داعش لأنصاره، فكانت خلطة الخداع ذاتها: قيل إن صبياً عراقياً صغيراً حلم أن "الخلافة" ستخسر البلدة تلو الأخرى، باستثناء الجبل قرب الباغوز، فهناك سيحقق داعش نصره الساحق بعد رحيل كل المُرائين والمخطئين. استأنف داعش منذ ذلك الحين عمله في الخفاء، وفي بعض المناطق عاد، في حين لم يرحل مطلقاً من أخرى، على غرار منطقة الحويجة الخصبة غرب الموصل التي انسحب منها مقاتلو داعش في عام 2017، وفي هذه المنطقة، لم يتعرض داعش لهزيمة حقيقية، وها هو ينشر الرعب بين السكان منذ ذلك الحين، ولا شك أن هذا التنظيم استفاد كثيراً من تجدد الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد والقوات الكردية، بما أن خطوط هذه الصراع الأمامية تولّد مساحة شاسعة من الأراضي يغيب عنها القانون ويستطيع المجاهدون العمل فيها من دون أي عقبات. على نحو مماثل، بدا في منطقة في جنوب سورية سيطرت عليها قوات بشار الأسد السنة الماضية كما لو أن مجموعات داعش اختفت في الهواء. بعد سنوات من التعاون السري مع أجهزة استخبارات الأسد والأعمال العدائية ضدها، يبقى داعش عدواً مفيداً لهذا الحاكم السوري المستبد الذي يقدّم نفسه للغرب على أنه السد المنيع في وجه قاطعي الرؤوس، ولكن حتى اليوم ما زال مئات مقاتلي داعش يعملون بدون أي إزعاج في المنطقة الصحراوية في شرق السويداء، كذلك أُطلق سراح عدد من الأمراء من درعا بعدما احتجزتهم السلطات السورية لفترة وجيزة. في دول أخرى، حيث منح تنظيم داعش المجموعات الإرهابية التابعة له ختم "الولاية" لتصبح جزءاً إدارياً من الخلافة، ظهر نمط مميز رغم طبيعة الحركات المختلفة المتفاوتة:

في ليبيا، التي تشكّل مشروع داعش الأكثر أهمية على الأرجح خارج منطقته الرئيسة، ربما خسر هذا التنظيم السيطرة على سرت، إلا أننا لا نملك معلومات كثيرة عن عدد الخلايا النائمة في المدن الممتدة على طول الساحل وفي جنوب البلد حيث لا تتمتع الحكومة بسلطة كبيرة. في شبه جزيرة سيناء، حيث تحالفت المجموعة الإرهابية القائمة "أنصار بيت المقدس" عموماً مع داعش في نوفمبر عام 2014، لم ينجح الجيش المصري على الأرجح في كسر المقاومة، إلا أنه تمكن من احتوائها، وما عاد بالفائدة على القاهرة واقع أن التحالف السابق بين حماس في غزة والمجموعة التابعة لداعش في سيناء تحوّل إلى حالة عداء مفتوحة تؤججها المصالح المتضاربة، لذلك تتعاون حركة حماس اليوم مع الحكومة المصرية كي تتفادى سدّ أنفاق التهريب التابعة لها بالكامل، وفي المقابل، حشد داعش نحو ألفي داعم لمحاربة الدولة المصرية، مغذياً الشائعات عن أن إسرائيل تستخدم المجاهدين كأداة ضد حماس.

في أفغانستان، حقق فرع داعش "ولاية خراسان" مكانة سياسية غير متوقعة وينشط خصوصاً في ولاية ننكرهار في الجزء الشرقي من البلد، حيث لا يقاتل الجنود الأميركيين والجيش الأفغاني فحسب بل أيضاً حركة طالبان التي تسعى إلى القضاء على منافسيها العنيفين، ولكن كلما مالت طالبان إلى التوصل من خلال المفاوضات إلى تسوية، بدا تنظيم داعش أكثر جاذبية لمن في طالبان يرفضون المفاوضات رفضاً قاطعاً. لكن الوضع الأشد سوءاً على الإطلاق يبقى في شمال شرق نيجيريا والدول المجاورة، فقد حوربت المجموعة الإرهابية "بوكو حرام"، التي يرأسها القائد أبو بكر شكوي، بنجاح بمساعدة دولية، حتى تنظيم داعش نفسه انتقد المجزرة العشوائية التي ارتكبها فرعه هذا ضد مدنيين في عام 2016 وأعلن انفصاله عنه، ولكن منذ مبايعة داعش في تلك السنة عينها الفصيل الذي انشق تحت قيادة الزعيم الأكثر حنكة أبو مصعب البرناوي، الذي يرأس اليوم "ولاية غرب إفريقيا"، نجحت هذه المجموعة في توسيع الأراضي التابعة لها إلى حد كبير، وباتت تحكمها اليوم كدولة من دون إعلان قيام دولة، فتخضع الأسواق والطرق التجارة للضريبة والحماية، حتى القواعد العسكرية الكبرى تتعرض لهجمات، ورغم ذلك تبدو الحكومة في أبوجا عاجزة في وجه عدوها الذي يبدو أكثر مراوغةً من بوكو حرام. لا تقدّم أي من هذه الدول المعنية لمواطنيها وجوداً كريماً في المجتمع، حيث يتمتع الجميع بحقوقهم الأساسية، علماً أن هذه الطريقة الأكثر فاعلية للقضاء على الأراضي الخصبة لمجموعات مثل داعش، ولكن من الممكن على الأقل في الأماكن التي تديرها حكومة دولة مركزية، مثل مصر، منع داعش من تعزيز توسعه، علماً أن هذا التنظيم يتغذى على فقدان الدولة السيطرة، وانهيارها، وانسحابها، تماماً مثل طفيل يعيش على مضيف، وهذا ما رأيناه في سورية، فقد عمل المجاهدون بادئ الأمر داخل الثورة السورية في السر ومن ثم في العلن نحو مطلع عام 2012، ورغم ذلك ظل الغرب يتجاهلهم لأنهم ما كانوا قد هددوه بعد.

لم يُهزم

لكن هذا المنظور الضيق المحدود يمثل بدوره خطراً، وخصوصاً مع انهيار الخلافة المزعومة: الاعتقاد أن تنظيم داعش هُزم لمجرد اختفاء معالمه الظاهرة. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى عشرات آلاف المجاهدين من الباغوز والقرى التي سقطت قبيلها والذين يجدون أنفسهم محتجزين إلى أجل غير مسمى في معسكرات وسجون تنظمها الإدارة الكردية التي ترزح تحت عبء هذه المهمة. يعيش نحو 70 ألف امرأة وولد ومسن وحدهم في مخيم الهول للاجئين، في حين يُحتجز المقاتلون في سجون وقواعد عسكرية موزّعة في مختلف أنحاء المنطقة. أكّد هذا الخطرَ المتواصل قائد القوات الأميركية الإقليمية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فويتل، فذكر في شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس النواب: "ما نسعى إليه اليوم استسلام داعش كمنظمة، لكن داعش اتخذ قراراً مدروساً بالحفاظ على عائلات عناصره وحماية مقدراته باللجوء إلى مخيمات المهجرين والاختباء في مناطق نائية والانتظار ريثما يحين الوقت الملائم للنهوض مجدداً". فلطالما شكّل شعار "باقية وتتمدد" صيحة الحشد الغريبة التي اعتمدها داعش، وقد كتب أنصار هذا التنظيم بسرعة كلمة "باقية" على عدد من الجدران قبل انسحابهم.

منطق الهوية

يوم النصر في الباغوز، مرت بضع ساعات قبل أن يتبدّل المزاج مجدداً بين مقاتلي قوات سورية الديمقراطية، فضلاً عن المترجمين والسائقين الأكراد، وفي مستهل فترة بعد الظهر من الثالث والعشرين من مارس، كان مركز "الرفيق رستم" الإعلامي المبتكر عند أطراف القرية شبه مهجور حين دخل سائق شبكة البث الأميركية NBC المخزن في الطابق الأرضي، فقُتل في الحال في انفجار دمّر الطابق فوقه والحافلة الصغيرة التي ركنها خارجاً. في الأسابيع التي سبقت هذا الهجوم المميت، كانت علب البطاطا، والطماطم، والخبز مخزنة في هذه الغرفة واعتاد المسؤولون بزيهم الرسمي وأفراد الطواقم التلفزيونية دخول المبنى باستمرار ليحصلوا على ما يتناولونه. لا أحد يعتقد أن ما حدث كان مصادفة أو إهمالاً من الجنود الذين أكّدوا أنهم تحققوا شخصياً من الغرفة الفارغة في الطابق الأرضي في مطلع شهر مارس. يخبرون: "كانت فارغة بالكامل. ما كانت تحتوي على أي أسلاك أو خزائن، ولم تضم سوى الجدران والنوافذ والأرضية من دون أي أشراك أو متفجرات". قرر السائقون والمترجمون: "يجب ألا نظل هنا"، لقد ظن الجميع أن داعش شكّل خلايا نائمة لتضرب مجدداً، وهكذا، عشية إعلان النصر، كان فريقَا "دير شبيغل" و"سي إن إن" الوحيدين اللذين بقيا في سوسة، قرية مجاورة للباغوز، وظل أفراد هذين الفريقين وحدهم تقريباً بعد إخلاء ثلاث قواعد عسكرية تابعة للمقاتلين الأكراد من كل العاملين فيها، باستثناء بضعة رجال وامرأتين، لكن القيادة ليلاً كانت أشبه بانتحار. لذلك قرر الصحافيون الرحيل مع الفجر، ونام السائق آلن من دون أن يخلع حذاءه. في الصباح التالي، انتقل الصحافيون بالسيارة عبر القرى الهادئة المزروعة بالألغام في الوادي النهري، ثم توجهوا عبر الصحراء إلى المجمع الإداري لحقل العمر النفطي الذي يضم قاعدة عسكرية محصّنة تابعة لقوات سورية الديمقراطية، وعندما بلغنا بصيرا، ضغط آلن فجأة على دواسة الوقود متخطياً المئة كيلومتر في الساعة، منطلقاً بسرعة في الشوارع ومتجاوزاً بتهور السيارات الأخرى. لماذا؟ "كل هذه مناطق داعش، وهي مليئة بالخلايا النائمة وبالغة الخطورة".

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,143,549

عدد الزوار: 6,936,704

المتواجدون الآن: 94