إيران وسياسات الهيمنة على العراق..

تاريخ الإضافة الجمعة 21 شباط 2020 - 5:36 ص    عدد الزيارات 1513    التعليقات 0

        

إيران وسياسات الهيمنة على العراق..

الشرق الاوسط..فرهاد علاء الدين.... - رئيس المجلس الاستشاري العراقي...

بعد الخروج المنكسر لإيران من حرب السنوات الثماني مع العراق متجرعة «كأس السمّ» بحسب الخميني، عملت إيران على إعادة إعمار ما دمرته الحرب من بنى تحتية في مختلف القطاعات الصناعية والاقتصادية والعلمية والعسكرية على نحو خاص، والانهماك في صياغة استراتيجية جديدة في عموم المنطقة، ترتكز على منع أي تهديد يطالها سواء من دول الجوار الإقليمي أو الشرق الأوسطي... بمعنى آخر؛ السعي الحثيث والمدروس لتوسيع نفوذها والتمدد في اتجاهات عدة للحيلولة دون تكرار سيناريو المخاطرة بمستقبل الثورة الإسلامية وقوة نظامها الحاكم. شاءت الأقدار أن يتماهى التوجه الإيراني مع التوجه الأميركي لتلتقي المصلحة الإيرانية مع المصلحة الأميركية المتمثلة في سعي واشنطن لإطاحة نظام صدام حسين سنة 2003. هنا لاحت الفرصة الذهبية لإيران للتدخل في الشأن العراقي والعمل على ترسيخ النفوذ الشيعي فيه. فعمدت إلى توسيع قاعدة القوى السياسية الشيعية داخل العراق، وحثّها على التمسك بذهنية عدم التفريط بالسلطة، مكرسة كل جهدها السياسي والأمني والمالي لتحقيق هذا الهدف، والذي شمل تخصيص موازنات ضخمة لدعم الشخصيات والرموز العراقية المعروفة لديها وفقاً لمبدأ ضمان الولاء وعدم الخروج من دائرة السيطرة والتحكم. ودفعت بمن هو أهل لأن يكون مشروع سلطة نحو واجهة المشهد السياسي ودعمته بكل وسائل الحضور والتنافس مع الأضداد، أي إن إيران خططت منذ وقت مبكر لتعزيز ودعم وتطوير طبقة سياسية شيعية حاكمة لتولي قيادة العراق. عملت إيران على محاور عدة متوازية للتأثير ومحاولة التحكم في القرار العراقي من خلال التعاطي مباشرة مع القيادات العراقية الجديدة التي تعاملت مع إيران في زمن المعارضة. وهناك أحزاب تصدت للمشهد السياسي بدعم مالي ولوجيستي إيراني، مما ضمن لإيران بعد فوز هذه الأحزاب بالانتخابات حرصها بالنيابة عن طهران على الحفاظ على المصالح الإيرانية ليس داخل العراق فحسب؛ بل حتى خارجه. عند ظهور تنظيم «داعش» عام 2014 واحتلاله نحو ثلث مساحة العراق وإحكام سيطرته على مدن رئيسية شمال وغرب ووسط العراق، وما شكله هذا الاحتلال المفاجئ من تهديد جدي بلغ حتى العاصمة بغداد ومدينتي كربلاء والنجف، سارعت إيران لدعم العراق بالأسلحة والعتاد والخبراء والمستشارين؛ وعلى رأسهم الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الذي قاد الحرب ضد «داعش» مع قوات «الحشد الشعبي» والتي تشكل أغلبها من فصائل مسلحة موالية لطهران. فكان سليماني بمثابة الأب الروحي والقائد العسكري والعقـائدي المباشر لتلك الفصائل. بعد الانتهاء من حرب «داعش» تحول بعض هذه الفصائل إلى حركات سياسية في خطوة يراد منها توسيع قاعدة السلطة الشيعية المتعاطفة مع طهران، فخاضت انتخابات 2018 وفازت كما هو متوقع بفعل عاملين: إدراك الشارع العراقي دورها في القضاء على خطر «داعش»، والدعم الإيراني غير المحدود لها في خوض مغامرة الانتخابات. فأصبح لها تمثيل واسع ومؤثر داخل البرلمان العراقي، ولم تكتفِ بذلك؛ بل سارعت إلى تشكيل تحالف قوي بعد الانتخابات سمي «تحالف الفتح» وله نحو 45 مقعداً. فكان هذا التحالف نواة لتحالف أكبر سمي «تحالف البناء» ليتصدر المشهد السياسي العراقي فيما بعد ولا يزال. وكان لـ«تحالف البناء» بطبيعة الحال دور كبير في اختيار رئيس مجلس النواب وتسمية رئيس الوزراء. كما عمل على تشريع قانون جديد لمؤسسة عسكرية جديدة مرادفة للمؤسسة العسكرية تحت عنوان «هيئة الحشد الشعبي» وتوفير موازنة كبيرة لها ابتداء من سنة 2019. كما استحوذت المكونات والفصائل المنضوية ضمن «تحالف البناء» على حصة وفيرة من المقاعد الوزارية والمناصب والدرجات الوظيفية العليا المهمة في الدولة. كل ذلك انعكس بالفائدة على إيران، وساعدت هذه الوزارات والمواقع المؤثرة على تقوية العلاقات الاقتصادية مع طهران بشكل جذري، فبلغ حجم الصادرات الإيرانية للعراق نحو 15 مليار دولار. عندما اشتد الخلاف بين أميركا وإيران عقب الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي، تبنى «تحالف البناء» قراراً برلمانياً يدعو لإخراج القوات الأجنبية من العراق، والقصد منه القوات الأميركية على وجه التحديد. وكان هذا القرار مبنياً على توافق بين الجانب العراقي الموالي لصالح العلاقات مع طهران، ومطالب القيادة الإيرانية الداعية إلى إخراج القوات الأميركية من العراق. يذكر أن لإيران علاقات متينة مع المكونات الأخرى مثل السنّة والأكراد، وتربطها علاقات وثيقة ببعض القوى السياسية السنّية والأحزاب الكردية الحاكمة، وبإمكانها العمل معها بما يخدم مصالحها على الصعيدين المحلي والإقليمي.

تغيرت معادلة النفوذ الإيراني بعد حدثين مهمين:

أولهما اندلاع المظاهرات الحاشدة على نحو غير مسبوق في بغداد ومدن وسط وجنوب العراق في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019 واستمرارها حتى يومنا هذا.

وثانيهما هو اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وغيابهما عن ساحة الأحداث.

وبلغت تداعيات الحدث الأول حد سماع صرخات عالية من الشباب العراقي في المدن الشيعية؛ وفي مقدمتها النجف وكربلاء، تندد بالوجود الإيراني وتطالب بالتخلص منه: «إيران بره بره». وهذه الهتافات رددتها شريحة من شباب المكون الشيعي، العاطلين عن العمل والفاقدين أبسط الخدمات، ويرون تأثير إيران السلبي ودعمها الأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي رغم فشلها في تقديم الخدمات وتوفير فرص العمل وإعادة بناء مدن العراق المدمرة جراء سلسلة الحروب والإهمال واستشراء الفساد. إن غياب سليماني والمهندس أثر بشكل كبير على قوة الحضور الإيراني داخل الساحة العراقية، وبدا من الصعوبة شغل مكانهما وتعويض ما كانا يتمتعان به من نفوذ لا يستهان به في الوسطين السياسي الشيعي والشعبي على حد سواء، كما أنهما يعدّان من أعمدة تخطيط وتنفيذ السياسية الإيرانية في العراق والشرق الأوسط. ولعل غياب المهندس له تأثير أكبر على المشهد العراقي، وليس من السهل إيجاد بديل مناسب يعوض غيابه، وقد عرف بقدرته على جمع الفصائل المسلحة تحت سقف واحد والاتفاق على كلمة واحدة. إلى جانب تأثيره على القرار الحكومي لأنه نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، وأحد أركان مجلس الأمن والدفاع وهو أعلى سلطة تتحكم في القرارين الأمني والعسكري في البلاد. فضلاً عن قوة حضوره السياسي، بحكم صلاته القوية بقيادات «تحالف البناء» والقوى المنضوية تحت لوائه، حتى إن تلك القوى والفصائل لم تجد حتى الآن من يشغل مكانه. من جهة أخرى، هناك خلاف في الرؤى حول مستقبل السياسة في العراق؛ حيث إن إيران تقوم على مبدأ «ولاية الفقيه»، في حين أن المرجعية في النجف لا تتوافق مع هذا التوجه. والسيد علي السيستاني سبق له أن عارض التزام العراق بـ«ولاية الفقيه»، وعمل جاهداً لتقليص النفوذ الإيراني داخل الحوزة العلمية في النجف وقطع السبيل أمام توريط العراق في صراعات إيران الإقليمية والدولية من خلال خطب الجمعة التي يلقيها نيابة عنه ممثله؛ سواء في النجف أو كربلاء.

وهناك أمثلة كثيرة على هذا الاختلاف، فعلى سبيل المثال دعا المرشد علي خامنئي إلى إخراج القوات الأجنبية من العراق والمنطقة في خطبته يوم 17 يناير (كانون الثاني) الماضي، ومورست ضغوط عقب هذه الدعوة على مجلس النواب والحكومة لتفعيل قرار البرلمان لإخراج القوات الأميركية، فجاء رد السيستاني في خطبة الجمعة 31 يناير بقوله: «يتحتم الإسراع في إجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته ويكون مجلس النواب القادم المنبثق عن إرادته الحرة هو المعني باتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية التي تحدد مستقبل البلد، ولا سيما فيما يخص المحافظة على سيادته واستقلال قراره السياسي ووحدته؛ أرضاً وشعباً». عند ذاك توقفت محاولات جر البرلمان نحو اتخاذ قرار مصيري لا يخضع لتأثيرات وضغوط داخلية كانت أم خارجية. لا شك في أن إيران الآن بصدد مراجعة سياستها الإقليمية، تمهيداً لرسم أدوار وتحديد أدوات وخلق عوامل مؤثرة جديدة... والأهم؛ دراسة كيفية التعاطي مع الداخل العراقي والمنطقة في ظل الصراع الدائر مع دول المنطقة وأميركا، ناهيك بأن الاقتصاد الإيراني أصبح اليوم أضعف من أي وقت مضى، والشعب الإيراني بات يعاني الأمرّين جراء تداعيات العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، لذلك باتت القيادة الإيرانية منشغلة بإعادة حساباتها في كل الميادين، وفي العراق على نحو خاص، بدليل عدم تدخلها في تشكيل حكومة محمد توفيق علاوي المرتقبة، على غير عادتها، حين كانت بصماتها واضحة في كل الحكومات العراقية المتعاقبة.

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,078,182

عدد الزوار: 6,751,725

المتواجدون الآن: 116