ملف العراق.. دولة تتهاوى...

تاريخ الإضافة الجمعة 4 حزيران 2021 - 8:46 ص    عدد الزيارات 1833    التعليقات 0

        

دولة تتهاوى: فشل أمن العراق ونظامه السياسي...

معهد واشنطن...بواسطة فرهاد علاء الدين...

فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي وهو كاتب ومراقب في الشؤون السياسية الحالية في العراق وكردستان ويحمل. علاء الدين هو أحد المساهمين في منتدى فكرة...

تحليل موجز: السلاح المنفلت والفساد وسوء الإدارة، جميعها عوامل تدفع النظام السياسي العراقي نحو الانهيار المحتمل...

بات العراق يمر بأزمة حقيقية بعد أن وصل الانتشار غير المسبوق للأسلحة الخارجة عن السيطرة إلى مستويات مخيفة، كما أثرت البطالة على قطاعات كبيرة من القوى العاملة. وبلغت الطاقات الشبابية المعطلة نسب مخيفة ترافقها بطالة مقنعة في عموم مؤسسات الدولة وتدني مستويات الإنتاج إن لم تكن معدومة في العديد من مرافق الدولة المترهلة والمثقلة بمؤسسات لا حاجة لها أصلا، إضافة الى تفشى الفساد المالي والإداري في معظم أجهزة الدولة الرئيسية. كل ذلك بات واقعا ملموسا تحت إدارة نظام سياسي هش وسوء إدارة، ومما زاد الأمر سوء انتشار جائحة كورونا وتداعياتها على مجمل مناحي الحياة وتأثيراتها الاقتصادية التي عصفت ببلد لم يكد يلتقط أنفاسه من سلسلة أزمات باتت تتشظى يوما بعد آخر منذ ٢٠٠٣ وليومنا هذا.

هذه الأزمات والتحديات تشكل عوامل انهيار وشيك لأي نظام في العالم وليس في العراق فحسب، يضاف الى كل ما تقدم عدم اكتراث القيادات السياسية الحاكمة والمتحكمة بالمشهد القائم لمخاطر الانهيار المتوقع، وانصرافها الى تقاسم ما تبقى من مغانم بدلا من ممارسة مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية في معالجة الأزمات ووقف بوادر الانهيار.

انتشار السلاح

لا شك بأن السلاح المنفلت يلعب دورا كبيرا في تقليص موارد الدولة، حيث يعمل على الاستيلاء بشكل مباشر أو غير مباشر على موارد الدولة، مثلما نراه الآن في المنافذ الحدودية التي تسيطر عليها بعض هذه المجاميع، وعند هبوط أسعار النفط كما حصل في سنة ٢٠٢٠ ستبدأ المجاميع المسلحة بالاقتتال فيما بينها للسيطرة على الرقع الجغرافية التي تؤمن لها الموارد مثل المنافذ أو الآبار النفطية أو المصانع. بمعنى أخر، إن خطر السلاح المنتشر بين شرائح المجتمع وتحت أي مسمى تشكل خطرا جسيما على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي ولن يتمكن العراق من التعافي مالم تتم السيطرة على هذا السلاح.

سلاح الدولة: ويمسك بهذا السلاح المؤسسات العسكرية والأمنية وتأتمر هذه المؤسسات بإمرة القائد العام للقوات المسلحة شكلا، ولكن من الناحية الحقيقية فأن معظم هذه المؤسسات نخرها الفساد وتعمل طبقا للولاءات الحزبية ولا يوجد سوى القليل منها الذي يعمل لصالح الدولة.

سلاح الفصائل: ينقسم هذا السلاح الى نوعين، سلاح بيد فصائل مسلحة داخل هيئة الحشد الشعبي لكنه يأتمر بأوامر القيادات العسكرية والحزبية لتلك الفصائل، بوصلتها المصلحة الذاتية بشكل خاص ومصلحة الطائفة الشيعية بشكل عام ولا تتردد عن تحدي الدولة في أي لحظة في حال عدم اتفاق اتجاه الدولة مع هذه المصالح. النوع الأخر هو السلاح بيد فصائل مسلحة خارج هيئة الحشد الشعبي وهذه الفصائل عقائدية وولاءها للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا تأتمر بأوامر الحشد وتعمل خارج سلطة الدولة وبل وتستخدم هذا السلاح ضد الدولة أحيانا، لكنها مستفيدة من كل ما تقدمه الدولة لفصائل الحشد من رواتب ودعم مالي وتسليحي ولوجستي بضمنه ترخيص الحركة والمرور على مدار الساعة.

سلاح البيشمركة: ترتبط قوات البيشمركة من الناحية الشكلية بالقائد العام للقوات المسلحة في إقليم كوردستان أي رئيس الإقليم، لكنها واقعا منقسمة الى قسمين، الأول تحت قيادة الحزب الديموقراطي الكوردستاني والقسم الثاني تحت قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني. وولاء هذا السلاح ليس للدولة العراقية عند تعارض مصالحها مع المصالح الكوردية كما حصل في كركوك وضواحيها سنة ٢٠١٧.

سلاح العشائر: معظم العشائر العراقية وسط وجنوب العراق، بل وحتى شماله أن لم تكن جميعها مسلحة ويتفاوت نوع ومستوى التسليح من عشيرة الى أخرى، وتقع صدامات ومواجهات مسلحة بين هذه العشائر خاصة في البصرة والناصرية والعمارة بين حين وآخر، حيث تستخدم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بل وحتى الثقيلة أحيانا، وولاء هذا السلاح للعشيرة بالتأكيد مما يرجح إمكانية استخدامه مع أو ضد الدولة حسب المصلحة العليا للعشيرة.

سلاح الإرهاب: الفصائل والخلايا الإرهابية تمتلك هي الأخرى كما لا بأس به من السلاح والذخيرة والعتاد المسخرة جميعها لخلخلة وإضعاف الوضع الأمني وتهديد سلطة الدولة في معظم مناطق وسط وغرب وشمال العراق، ويستهدف الدولة والأهداف العسكرية والمدنية على حد سواء.

السلاح المنفلت: والذي يتجمع لدى الأفراد ويباع ويشترى علنا في أسواق تعنى به، ويضم هناك كما هائلا من السلاح الخفيف المرخص وغير المرخص وكميات لا يستهان به من الذخيرة والعتاد، وينتشر بين المواطنين المدنيين، واستخدام هذا السلاح في الوقت الراهن هو أما للدفاع الشخصي أو في المناسبات الاجتماعية مما يهدد السلم الأهلي، كذلك يجري، ولكن استخدامه ضد الدولة ومؤسساتها أحيانا بحسب ولاء حامل السلاح.

انتشار هذا الكم الهائل من السلاح خارج سيطرة الدولة يجعله يشكل خطرا حقيقيا على الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي ويجعل الدولة ضعيفة وغير قادرة على التحكم والسيطرة، وهذا ينطبق بحسب وصفه لي أحد الدبلوماسيين الكبار في بغداد بان "الدولة العراقية هي خامس أكبر قوة مسلحة في العراق".

استشراء الفساد

الفساد في العراق بعد أن كان ظاهرة أصبح ثقافة تقودها الأحزاب الحاكمة عبر تكالبها على نهب منظم لثروات البلد بشكل مباشر أو غير مباشر، ويعد الفساد الأكثر خطرا على البلاد، وبات يشل حركة البناء والتنمية والتطور المتوقفة أصلا، وينخر في جسد الاقتصاد المتهاوي ويبدد الثروات المالية والإدارية. لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من الحد من انتشار الفساد داخل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بالرغم من تعدد الجهات الرسمية المعنية بمكافحته من بينها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والسلطة القضائية. لقد عملت معظم الأحزاب الحاكمة على تأسيس مكاتب اقتصادية تعمل على تنصيب الوزير ومن يليه وتوجيههم بما يخدم مصالح الحزب من إحالة العقود الشرائية أو الخدمية أو عقود المقاولات ، واغلبية الأحزاب باتت مشتركة أو مشاركة في هذه الظاهرة بشكل أو بأخر.

ولم يقتصر الفساد بالسلطة التنفيذية بل تعداه الى السلطة التشريعية، ويعمل مجلس النواب على تقنين بعض أشكال الفساد أو غض النظر عن الفساد وتقاعسه عن ممارسة دوره الرقابي، وخير مثال على ذلك فشل مجلس النواب في استجواب أي وزير منذ بداية الدورة الحالية الى يومنا الحاضر برغم وجود عدة طلبات لاستجواب اكثر من وزير مودعة لدى رئاسة المجلس ، ويلجأ بعض النواب الى التلويح بكارت الاستجواب لهذا الوزير أو ذاك لتحقيق مكاسب نفعية. وزادت سطوة النائب على الدوائر الحكومية بعد إقرار قانون مجلس النواب رقم ١٣ لسنة ٢٠١٨اذ تنص المادة ١٦ ثانيا على إلزام الدوائر الحكومية بالتعاون مع النائب "لتمكينه من أداء دوره" وتلزم المادة ١٥ كافة الوزارات بالرد على مراسلات النواب ويعد الامتناع عن الإجابة إخلالا بمهامه يعاقب عليه بموجب المادة ٣٢٩ من قانون العقوبات العراقية.

وبحسب تقرير هيئة النزاهة لعام ٢٠٢١، تم استقدام ٥٢ وزير أو من بدرجتهم كما صدر ٤٩١ امر استقدام بحق ٣٦٩ مسؤولا رفيعا من الدرجات الخاصة، كما جاء في تقرير الهيئة لسنة ٢٠١٨ بانه تم إحالة اكثر من ثلاثة الأف متهم للقضاء من بينهم ١١ وزيرا و١٥٦ من ذوي الدرجات الخاصة. بالرغم من هذه الأعداد الكبيرة من القضايا والإحالات الى القضاء إلا انه لم يتم إيداع أي وزير في السجن في الأعوام القليلة السابقة والسبب الأساسي هو تدخل الأحزاب السياسية لصالح الوزير المدان.

ضعف النظام السياسي والمحاصصة

إن مصدر أزمات العراق يكمن بضعف النظام السياسي وهشاشته، كونه منبثق من محاصصة طائفية وعرقية والذي جرى اعتماده بعد سنة ٢٠٠٣. وقد تمكنت الأحزاب الحاكمة من السيطرة على المشهد السياسي بعد أول انتخابات تشريعية في سنة ٢٠٠٥، وبقيت هذه الأحزاب متحكمة الى الآن مع تفاوت بسيط في نفوذ البعض منهم هم على مر السنين، على سبيل المثال كان المجلس الأعلى الإسلامي هو المتصدر لغاية انتخابات ٢٠٠٦ ومن بعده تصدر ائتلاف دولة القانون المشهد لغاية انتخابات ٢٠١٤، فيما بدأت الكتلة الصدرية وتحالف الفتح بالهيمنة بعد انتخابات ٢٠١٨. وفي إقليم كوردستان يتصدر المشهد السياسي الحزبين الحاكمين الرئيسيين منذ ١٩٩٢ ولحد اليوم. أما الساحة السنية فكانت مشهدا لتغيرات سياسية درامية، من مقاطعة الانتخابات الأولى الى التمثيل المنقسم وثم دخول داعش في المحافظات السنية وبروز القيادات الجديدة، ولم يسيطر أي حزب بعينه على المشهد بشكل متواصل، وبذلك لم يستقر الوضع السني على صورة مماثلة للفريقين الآخرين من الشيعة والكورد.

جميع الأحزاب العراقية حديثة العهد بأصول وقواعد الحكم باستثناء الحزبين الكورديين الديمقراطي والاتحاد وتعود تجربتهما الى عام ١٩٩٢. خبرة الأحزاب العراقية في إدارة البلد والعملية السياسية مبنية على الاجتهاد الحزبي والقرارات الارتجالية هي سيدة الموقف في اغلب الأحيان، ولا تعتمد تلك الأحزاب على دراسات وخطط مدروسة أو مستمدة من تجارب مماثلة. وتتنافس هذه الأحزاب على الحكم على أساس المحاصصة المذهبية والقومية إذ تم تشكيل الحكومات السابقة بشكل توافقي لإرضاء القوى الرئيسية التي استفردت بالحكم، وجميع هذه الأحزاب مسؤولة عما وصل إليه حال البلد وتتحمل جميعها مسؤولية الخراب الذي حل بالعراق منذ نحو عقدين، برغم الموازنات الإتحادية التي بلغت أكثر من تريليون و٤٠٠ مليار دولار أمريكي منذ عام ٢٠٠٥ الى عامنا الحالي، من دون أن نرى على الأرض ما يوازي كل هذا الإنفاق.

مازالت الأحزاب تتنافس في كل انتخابات، ولكن على أساس الاتفاق بتقاسم المغانم، والتوافق فيما بينها على توزيع المناصب العليا حسب المحاصصة الحزبية، بغض النظر عن الأداء الانتخابي والفوز أو الخسارة تحت شعار حكومة توافقية، ولم نجد حتى يومنا هذا معارضة سياسية إلا نادرا وتعمل هذه الأحزاب معا تحت مبدأ التخادم وتبادل المصالح.

لقد ساهمت الأحزاب في انهيار مؤسسات الدولة من خلال تعيين عشوائي غير الكفوء في المناصب العليا وبهذا استقطبت طبقة انتهازية من بين صفوفها تعمل على خدمتها من خلال هذه المناصب، ولهذا السبب نرى أن التعين في الدولة ليس مرهونا بالخبرة الإدارية والوظيفية والاختصاص بقدر ارتباطه بخدمة الحزب وطاعة الحزب وتنفيذ أوامره وتلبية رغبات زعيمه، مما حال دون تعيين الكفاءات واستثمار قدراتها في إعادة إعمار البلاد وتنميتها.

سوء الإدارة

أدى هذا الهيكل السياسي الضعيف إلى سوء الإدارة السياسية في جميع مفاصل الدولة، والسبب الرئيسي في هذا الفشل هو قلة خبرة المسؤول العراقي في إدارة الدولة، لقد كانت الأحزاب المعارضة في المنفى ولعقود من الزمن منهمكة في معارضة النظام السابق ولم تكتسب خبرة في إدارة الدولة، كما أن الناشط السياسي المعارض لم يتدرج في مؤسسات الدولة. بالإضافة الى أن اغلب أفراد المعارضة وخصوصا في الدول الغربية لم يكونوا يعملون في البلد المضيف لكسب الخبرات والمهارات وتطوير قدراتهم العلمية والفنية والإدارية، بل كانوا يعتاشون على المعونات التي تقدمها لهم حكومات تلك الدول. ولا يختلطون إلا مع أبناء جلدتهم من الجالية العراقية والدليل أن غالبيتهم لم يتعلموا لغة الدولة المضيفة.

بعد زوال النظام الدكتاتوري على يد التحالف الدولي، تم تنصيب أقطاب المعارضة في الحكم وتسليمهم مقاليد إدارة الدولة برغم عدم توفر الخبرة في الحكم، من دون التخلي عن نزعة المعارضة. ولازالت سمات هذه النزعة متجذرة لدى العديد من قيادات تلك الأحزاب، مما يعكس خشيتها من مغادرة الحكم سريعا وزوال السلكة من أيديهم بشكل أو بآخر. وهذا ما يدفعهم للتسابق نحو الاستحواذ على مقدرات البلاد المتاحة أمامهم بأسرع وقت ممكن.

وبالرغم من قلة خبرة الحكام الجدد فانهم فشلوا حتى بالاستعانة بالخبرات المتراكمة الموجودة داخل مؤسسات الدولة، بالعكس قاموا بإفراغ هذه المؤسسات من الخبرات تحت شعار اجتثاث البعث أو عدم الانتماء لأحزابهم، تم استبدال المدير العام ووكيل الوزير والمستشار والخبير في شؤون إدارة الوزارات والمنشآت الحكومية بأعضاء الأحزاب الحاكمة على أساس طائفي محاصصاتي دون الاكتراث بالكفاءة أو الخبرة، والنتيجة كانت إخلاء المؤسسات الحكومية من الخبرة الإدارية فانهارت جميع هذه المؤسسات والدليل هو ما آلت ا إليه أوضاع قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأساسية والطاقة والصناعة والزراعة. لذلك ليس من المستغرب أن نرى أن جميع الأبنية الحكومية والطرق الرئيسية التي تربط المدن والجسور في العاصمة بغداد وعموم المحافظات والمستشفيات والجامعات الحكومية وغيرها كلها من بناء العهد البائد والعهود السابقة ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣ من بناء ما ينافس تلك الشواهد، حتى بات مشهد بغداد ومدن وسط وجنوب العراق بائس لايسر الناظرين.

عوامل أخرى

وفى حين يتم تسليط الضوء على التحديات الاقتصادية والسياسية الرئيسية التي تواجه العراق، هناك عوامل لا حصر لها تساهم كل منها جزئيا في الانهيار المحتمل للعراق. ولكن يكفي إلقاء نظرة سريعة الى انهيار الخدمات العامة والأساسية مثل الكهرباء والماء والمجاري والطرق والصحة والتعليم، وأن جولة تفقدية في أي مدينة من مدن العراق عدا إقليم كوردستان يظهر جليا حجم التراجع والخراب والفشل في هذه القطاعات، مما يعكس غياب العدالة الاجتماعية، وتردي مستوى التعليم في المدارس والجامعات، وتخلف القطاع الصحي والتواني في حل مشاكل النازحين وإعادتهم الى ديارهم، وتأخر إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش، كل تلك المشاهد تمثل عوامل فشل تنخر في جسد الدولة وكيانها وكل واحد منها يساهم في تعجيل عملية الانهيار. وعلى هذا النحو، يستكشف المقال الأخير في هذه السلسلة السيناريوهات المحتملة لهذا الانهيار، كما يعرض الإصلاحات الحقيقية اللازمة لتجنب مثل هذه الكارثة في العراق.

العراق عند مفترق طرق: إصلاحات جذرية لتفادي انهيار الدولة...

معهد واشنطن...بواسطة فرهاد علاء الدين..

عن المؤلفين: فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي وهو كاتب ومراقب في الشؤون السياسية الحالية في العراق وكردستان ويحمل. علاء الدين هو أحد المساهمين في منتدى فكرة...

تحليل موجز: في غياب أي صلاح جذري، وفى حالة حدوث أزمة اقتصادية محتملة ومتزايدة، سيواجه العراق تفكك وتشرذم جغرافي محتمل....

إذا استمر الحال على ما هو عليه فأن الانهيار سيصبح واقع لا محال. والانهيار قد يكون نتيجة عامل أو مجموعة عوامل منها الاعتماد على الاقتصاد الريعى، تفشى الفساد، والفقر المزمن، وانتشار الفصائل المسلحة المتعددة في البلاد. وقد يأتي الانهيار سريعا في حال انخفاض أسعار النفط الى مستويات لا تسد نفقات الدولة لمدة عام أو أكثر، مما يتسبب باضطراب سياسي وتقاطع مصالح وتصادم فصائل مسلحة فيما بينها أو مع الدولة في سبيل السيطرة على الموارد، والذي يرافقه بالتأكيد زيادة معدلات الفقر والبطالة والتي تشكل عاملا ضاغطا على الشباب ليثوروا على النظام السياسي ويطالبون بالتغيير الجذري، وقد رأينا ومضة من هذا الحراك في تشرين ٢٠١٩.

لكن بخلاف الانخفاض المستمر في أسعار النفط، قد يكون الانهيار تدريجيا ويأتي استكمالا لسلسلة أزمات واختناقات حادة وهو ما يحصل الآن من تنامي استشراء الفساد في جسد الدولة وسيطرة الأحزاب على مقاليد الحكم خدمة للمصالح الذاتية دون الاكتراث لمصلحة الشعب ومستقبل البلاد، واستمرار نقص الخدمات وغياب العدالة الاجتماعية وتفشي البطالة والفقر.

ينبغي القول هنا أن عدم انهيار العراق خلال السنوات الماضية كان بسبب الوفرة المالية، حيث أسعار النفط كانت تغطي جميع النفقات التشغيلية وتكفي لجميع الأحزاب بتقاسم حصصها من دون تصادم، وبهذا استمر الوضع بالتردي، ولكن دون حراك من قبل الأحزاب السياسية.

لكن الوفرة المالية السابقة هذه المرة في خطر بسبب انخفاض أسعار النفط وترهل الأنفاق بسبب تضخم أعداد الموظفين وزيادة النفقات التشغيلية. وسيأتي اليوم الذي لن تتمكن فيه الدولة من إدارة مواردها المالية، وبذلك تتسارع وتيرة الانهيار مع أول انخفاض حاد بأسعار النفط. ولعل اهم مؤشر للانهيار وأخطرها هي عدم تمكن الدولة من دفع رواتب الموظفين لعدة أشهر متوالية، وقد لاح ذلك بالأفق العام الماضي، عندما تراجع سعر النفط دون الـ ٤٠ دولار للبرميل.

وردا على ذلك، اضطر رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي في ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠ للإعلان بانه لن يكون بإمكان الدولة دوفع الرواتب في الشهر الأول من عام ٢٠٢١، لكن لجوء وزارة المالية الى خفض قيمة الدينار العراقي بنحو ٢٣٪ مقابل الدولار الأمريكي حال دون ذلك الى جانب على الرغم من الآثار القاسية التي تركها على السوق المحلية وزاد من سوء الأوضاع المعيشية لعموم الأفراد الموظفين منهم والعاطلين وعموم الطبقات الفقيرة بنسب متباينة. يضاف الى ذلك القرار تعافي سوق النفط العالمية وعودة أسعار النفط الى ما يقارب الـ ٧٠ دولار للبرميل. وبذلك تمكنت الحكومة من تسديد الرواتب، لكن ذلك كشف عن مدى هشاشة مصادر الدخل الحكومية في العراق.

وفى جال تدهور الوضع أكثر، فان السيناريو الأقرب سيكون انهيار النظام الحالي من الناحية الإدارية وتراجع دور الحكومة الى تصريف أعمال محدودة مع السيطرة على مناطق معينة منها مركز بغداد والمنطقة الخضراء. في هذه الحالة تصبح الحكومة ناقصة الشرعية، وقد ترفض جهات من داخل بعض المحافظات الاعتراف بها، وبذلك قد تفقد الحكومة الاتحادية السيطرة على أغلبية المحافظات.

ومن المتوقع أن يشتد صراع السيطرة على المناطق الجغرافية وخصوصا المحافظات لتحاول القوى الحزبية وخصوصا المسلحة منها السيطرة عليها وعلى مواردها لتصبح إقطاعية أو إمارة تحت سيطرتها وتتحكم بجميع شؤونها. ونظرا لانتشار السلاح بين فصائل متعددة كما أشرنا إليه آنفا، فان المناطق الجنوبية ستتحول الى إمارات ومقاطعات تتقاتل داخلها الفصائل المسلحة بهدف بسط النفوذ، ويكون الاقتتال سيد المشهد.

السيناريو الآخر يتمثل بثورة جياع ونزول مجاميع غفيرة للشارع والسيطرة على المرافق الحكومية وإعلان تمردها على حكم النظام القائم ورفضها لسلطة الأحزاب، مما ينذر بنشوب فوضى في جميع المحافظات وخصوصا الجنوبية منها، وتجلت بعض هذه المشاهد في تظاهرات تشرين الأول / أكتوبر عندما تم محاصرة وإغلاق وإحراق مؤسسات حكومية ومقرات أحزاب في ذي قار والنجف، وكربلاء، وميسان، والبصرة.

إقليم كوردستان من جانبه وفي حال وقوع انهيار من هذا النوع ستمتد يده الى المناطق المتنازع عليها في محاولة لضمها وتحصين مواضعه للحيلولة دون انتقال شرارة الفوضى الى داخل مدنه. بالمقابل ستنتفض الفصائل المسلحة العربية لمنع أي محاولة لقضم الأرض في المناطق المتنازع عليها ومحاولة تغييرها هويتها، حتى لو تطلب الأمر مقاتلة قوات البيشمركة.

المكون السني سيعمل على تحصين مناطقه والسيطرة عليها إداريا وعسكريا وهذا لن يكون سهلا بسبب تواجد الفصائل المسلحة الشيعية في هذه المناطق مما سيؤدي الى نشوب قتال بين الحشد العشائري في المناطق السنية والحشد الشعبي والفصائل الأخرى من اجل بسط النفوذ في المناطق السنية.

النتيجة النهائية لهذا الانهيار قد تنتهي بتقسيم العراق الى دويلات صغيرة، ولكن يجب أن يعلم الجميع بان تقسيم العراق ليس بالأمر السهل وذلك بغض النظر عن السياق، فلا يمكن التقسيم على أساس عرقي، بين العرب والكورد، أو على أساس مذهبي بين الشيعة والسنة أو على أساس خليط من الاثنين بين السنة والشيعة والكورد. ذلك أن تقسيم العراق وعلى أي أساس كان سيعرض العراقيين حرب داخلية طاحنة يتخللها تطهير عرقي في مناطق كثيرة متعددة الأعراق والمذاهب.

الأسواء من كل ذلك سيتمثل بدول الجوار التي لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتدخل بشكل مباشر لبسط نفوذها داخل الإمارات والإقطاعيات المتناحرة، وذلك في حال انهيار الحكومة المركزية، وليس من المستبعد أن تتوغل عسكريا داخل العراق بذريعة حماية أمنها الوطني، التوغل الإيراني في الجنوب والتوغل التركي في الشمال والتدخل السعودي في الغربي سيكون احتمالا واردا جدا. ليصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات وحماية المصالح بين هذه الدول حيث يذكرنا ذلك بمشاهد مماثلة قبل قرون عندما كان العراق بمثابة ساحة للصراعات بالوكالة بين الإمبراطوريات القديمة لهذه الدول.

وقف الانهيار وبناء الدولة

بات الموقف اليوم في العراق يستلزم حلول جذرية لتفادي التداعيات الكارثية المحتملة للوضع الراهن، وعلى جميع الأحزاب السياسية والقيادات الدينية والمجتمع المدني العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والعودة بالبلاد الى ناصية السلم الأهلي والعيش المشترك والمسك بناصية البناء والتنمية المستدامة. والتوافق حول سلسلة حلول مشتركة

الحلول السياسية

أصبح من الضروري تغيير النظام السياسي من خلال تعديل الدستور لتلبية متطلبات وتطلعات المجتمع العراقي بشكل كامل وفي المقدمة إجراء انتخابات نزيهة شفافة بعيدة عن التزوير والتلاعب.

يجب على النخبة السياسية وخصوصا الأحزاب الحاكمة وضع المصلحة العليا للبلاد فوق المصالح الذاتية وهذا لن يتحقق إلا بترك الممارسات الحالية من توزيع المناصب حسب المنسوبية والمحسوبية، وتبني مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب. في نفس الوقت، يجب على هذه الأحزاب تشكيل حكومة كفاءات قادرة على إدارة البلد بعيدا عن التأثيرات والتدخلات الحزبية، واختيار الوزراء والدرجات الخاصة على أساس الخبرة والكفاءة وليس الانتماء الحزبي. وإلغاء المكاتب الاقتصادية للأحزاب.

حصر السلاح بيد الدولة

إن وجود السلاح بيد المجاميع التي أشرنا إليها خارج نطاق سيطرة الدولة لا يجب أن يستمر على المدى الطويل، فيجب حصر هذا السلاح داخل المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للدولة، وعلى الدولة بسط سيطرتها ونفوذها على كل أرجاء البلاد وفقا للدستور. ولهذا السبب، يجب على الفصائل المسلحة الانخراط ضمن التشكيلات العسكرية والأمنية الخاضعة لسلطة القائد العام للقوات المسلحة بشكل مباشر دون أن تكون هذه الفصائل تابعة للأحزاب والشخصيات والقضاء على جميع المظاهر المسلحة. وينبغي أن يكون صوت الدولة هو الأقوى والأعلى، وهي المسؤولة عن حفظ أمن المواطن وسيادة البلاد.

التنمية الاقتصادية وإصلاح نظام الحوكمة

التخلي نهائيا عن الاقتصاد الريعي وإجراء الإصلاحات الاقتصادية الضرورية يجب أن تصبح أولوية لاي حكومة قادمة ويجب اعتماد خطط التنمية على ثلاث مراحل الطويلة والمتوسطة والقصيرة وخصوصا ما يتعلق بتطوير القطاع الصناعي والزراعي والسياحي والمالي مما يتيح الابتعاد عن الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي عبر تنويع مصادر الدخل، بالإضافة الى تطوير الصناعات النفطية واستخدام النفط الخام كمواد أولية للتصنيع وليس للتصدير فحسب.

ينبغي رسم وتنفيذ خطة متكاملة للإصلاح الإداري والمالي وإيقاف الهدر في المال العام. وخفض الإنفاق الحكومي من ٦٥٪ الى معدلات طبيعية من الموازنة الاتحادية، كون الحكومة هي المشغل الرئيسي والأكبر، تشجيع القطاع الخاص وإناطة مسؤولية تطوير البلد بهذا القطاع هو الحل الأمثل. من الممكن هنا أن تكون الورقة البيضاء لحكومة الكاظمي نقطة شروع جيدة مع وجود إرادة لتنفيذ المفيد مما تضمنته من حلول للإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي.هناك أيضا ضرورة للانتقال من مرحلة الشعارات الى مرحلة التنفيذ خلال محاربة الفساد، ويبدأ هذا العمل بتفعيل قوانين مكافحة الفساد وإيقاف تدخل الأحزاب لحماية الفاسدين التابعين لهم. والذي يستوجب تفعيل دور الادعاء العام والقضاء وإبعاد التدخلات السياسية في عملهما وعلى القضاء إنزال أقسى العقوبات بحق الفاسدين من الموظف البسيط الى الوزير ويجب ألا يقبل القاضي بتدخل الأحزاب مهما حصل.

في حين أن تنفيذ هذه الحلول سيتطلب تحولا صعبا وجذريا بعيدا عن هياكل الحكم الحالية في العراق، ومن المسلمات بان الاستمرار في الوضع الحالي ليس ممكنا، إذا لم ينهار العراق بسبب العوامل الداخلية فانه سينهار بسبب العوامل الخارجية منها انخفاض أسعار النفط في القريب القادم. إن الأحزاب الحاكمة وزعاماتها يجب ن تعلم بانها تتحمل المسؤولية الكاملة عن الانهيار المحتوم للدولة، وحينذاك فأن المجاميع الغاضبة من الشعب والمنكوبة منها بوجه خاص سوف لن ترحمها وسيطيح السيل الجارف بالجميع. لذا فأن الطريق الوحيد للنجاة وإنقاذ البلاد والعباد يكمن في تبني خيار الإصلاح قبل فوات الأوان.

دولة تتهاوى: تحديد مشاكل العراق الاقتصادية...

معهد واشنطن...بواسطة فرهاد علاء الدين..

عن المؤلفين: فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي وهو كاتب ومراقب في الشؤون السياسية الحالية في العراق وكردستان ويحمل. علاء الدين هو أحد المساهمين في منتدى فكرة.

تحليل موجز: لا يزال الاقتصاد العراقي يعاني من الفقر والبطالة والافتقار إلى الصناعة المحلية، وقد ينتج عن ذلك اضطرابات شعبية خطيرة...

في محاولة لوصف الوضع في العراق على نحو دقيق وموضوعي اتفق عدد من الأكاديميين والمراقبين والمحللين المنحازين لبلدهم ومصلحته الوطنية العليا، على أن العراق بوضعه الراهن يتمثل لهم في هيئة اقتصاد ريعي متهالك وقطاع صناعي وزراعي شبه منهار أن لم يكن منهارا بالفعل باستثناء محاولات فردية من مزارعين وصناعيين ومستثمرين لا دخل للدولة بسعيهم لتأسيس مشاريع متواضعة. هناك أيضا ارتفاع مقلق في نسب الفقر خصوصا في مناطق وسط وجنوب العراق، يرافقه إنفجار سكاني هائل من دون خطط لتحديد النسل والسيطرة على تناميه.

إلى جانب القضايا الأمنية الكبرى والجمود السياسي - التي تمت مناقشتها في مقال منفصل - يمكن فهم الكثير من هذه الأزمة من خلال منظار اقتصادي. يتفق أهل الاختصاص بأن لا وجود لعجلة اقتصادية في العراق بوضعه الحالي، كون ما يجري الآن مجرد عملية بسيطة لإخراج النفط وبيعه وتخصيص الإيرادات كنفقات تشغيلية، وفي حال عجز الإيرادات النفطية للنفقات التشغيلية كما يحصل سنويا ومنذ عدة أعوام يتم اللجوء الى الاقتراض الداخلي والخارجي، مما دفع الدولة الى التوقف تماما عن إعادة بناء ما دمرته الحروب الماضية وتطوير قطاع الخدمات الأساسية وكذلك الشروع بإطلاق تنمية مستدامة منذ عام ٢٠٠٣ والى يومنا هذا.

يعتمد الاقتصاد العراقي على النفط بشكل رئيسي إذ تبلغ الإيرادات النفطية نسبة ٩٦٪ من الموازنة الاتحادية الفعلية والنفط كما هو معروف يرتبط بسوق عالمية تتقلب فيه الأسعار على نحو دائم ولا يقترب من الاستقرار في غالب الأحيان. وبذلك حول النفط الاقتصاد العراقي الى اقتصاد ريعي، وأصبحت الدولة المشغل الرئيسي للأيدي العاملة بمجموع بلغ نحو ٣،٢٦ مليون موظف، عدا العاملين بالعقود الشهرية والأجور اليومية المؤقتة. ولم تعد عائدات النفط العراقي قادرة في هذه المرحلة على تغطية نفقات تشغيله، وبلغت النفقات التشغيلية للوزارات والمحافظات في الموازنة الاتحادية لسنة ٢٠٢١ على سبيل المثال أكثر من ٨٨ تريليون دينار مقابل إيرادات نفط تبلغ ٨١ تريليون دينار.

كان من المؤمل أن يصبح مشروع الورقة البيضاء الذي قدمته حكومة مصطفى الكاظمي -التي أقرت ببعض الإصلاحات الضرورية اللازمة لإعادة ضبط الاقتصاد العراقي- نقطة انطلاق لتصحيح المسار الاقتصادي والبدء بالإصلاحات الضرورية في هذا المجال، لكن الورقة وجدت طريقها الى رفوف النسيان أو التناسي كون الانتخابات باتت على الأبواب والقوى السياسية تجد مصلحتها في معارضة أية إصلاحات لا تأتي إلا من خلالها دون غيرها، وبذلك يفقد العراق فرصة الشروع في الإصلاح.

وخارج القطاع العام، استمر الاقتصاد الخاص في العراق في التآكل. كان العراق في الماضي القريب وعلى امتداد خارطته الزراعية يعد سلة غذاء المنطقة، لكنه وبعد سلسلة الحروب تراجعت خارطته بشكل ملحوظ وبدء القطاع الزراعي يتراجع شيئا فشيئا ومع تكرار انحسار كميات المياه المتدفقة من دول الجوار عبر نهري دجلة والفرات، الى جانب فقدان سيطرة الدولة على الأراضي الزراعية وشيوع ظاهرة تجريف البساتين وتحويلها الى مناطق سكنية وتجارية في عموم المحافظات وهجرة الفلاحين الى المدن بهدف الحصول على وظائف مدنية وعسكرية لوحظت بوادر انهيار القطاع الزراعي.

الصناعة هي الأخرى لم تكن بأحسن من الزراعة، حيث انهار القطاع الصناعي وخصوصا الصناعات الخفيفة متأثرا هو الآخر قبل ٢٠٠٣ بفعل تأثير الحروب والحصار الذي أمتد لنحو ١٣ عاما، ومن ثم فقدان السيطرة على الحدود خلال السنوات التي أعقبت سقوط النظام السابق وتدفق مختلف السلع والبضائع تحت ما سمي في حينه فوضى الاستيراد والتي استمرت حتى يومنا هذا برغم تحديد ومسك المنافذ الحدودية البرية والبحرية منها من قبل أجهزة الدولة وقواتها الأمنية والعسكرية، حيث تفتقر عمليات الاستيراد الى المعايير الاقتصادية والمالية المعمول بها عالميا، والتي قضت على آخر ما تبقى من مصانع لم تعد قادرة على منافسة المستورد سواء من دول الجوار أو العالم، وبالتالي أغلقت أبوابها وسرحت آلاف الأيدي العاملة لتنضم الى جيش العاطلين.

وبالمثل أصبح التمويل في وضع كئيب مماثل، حيث تحول القطاع المصرفي الحكومي الى مجرد دكاكين لتوزيع الرواتب أو إيداع الأجور والرسوم فيما توجهت المصارف الأهلية الى التسابق على ما يوفره مزاد العملة في البنك المركزي العراقي سيء الصيت من أرباح فاحشة من دون فائدة ترجى منه لصالح اقتصاد البلاد. مما عطل طاقات وجهود المستثمرين ورجال الأعمال في تدوير عجلة البناء والاستثمار لإنهم وجدوا في الأرباح المتحققة من مزاد العملة ما يغنيهم عن الخوض في مصاعب وتعقيدات مشاريعهم والمخاطرة برؤوس أموالهم. بل وصل الأمر الى فقدان ثقة المودعين بتلك المصارف لعدم وجود قوانين تحمي إيداعاتهم النقدية مما افقد القطاع المالي لما يقارب الخمسين تريليون دينار من الكتلة النقدية المتداولة المجمدة اليوم لإنها باتت حبيسة بيوت المودعين افضل بكثير من أي مخاطرة برأس المال.

الاعتماد الكلي على النفط

مازال العراق يعتمد النموذج الأسواء في استخدام النفط كمورد للدخل الوطني على عكس معظم الدول النفطية المتقدمة. فالعراق يستخرج النفط ويبيعه في الأسواق العالمية ويصرف الإيرادات على النفقات التشغيلية، وغالبا ما يتأثر الدخل المتحقق بهبوط وارتفاع أسعار النفط، برغم إنها في الغالب تتجه نحو الهبوط جراء توجه دول العالم المتقدمة والمستهلكة للنفط الى الطاقة المتجددة.

مجموعة وود مكينزي أعلنت في تقرير بأن الطلب على النفط سيبدأ بالانخفاض الحاد اعتبارا من عام ٢٠٢٣ متوقعة بأن سعر برميل النفط لن يتجاوز الـ ٤٠ دولار ابتداء من عام ٢٠٣٠ لتصل الى ١٠ دولار في ٢٠٥٠. وحتى إن لم تصبح هذه التوقعات السيئة واقعا ملموسا، فمن المؤكد أن أسعار النفط ستنخفض. وبالفعل بدأت كبريات مصانع السيارات بالتوجه نحو السيارات العاملة بالطاقة الكهربائية، بل أن مجموعة منها أعلنت توقفها عن إنتاج السيارات التقليدية بدء من عام ٢٠٣٠. وأن حجم استهلاك سوق البطاريات في العالم بلغ ٦٩ مليار دولار ومن المتوقع أن يصل الى ١٢٤ مليار دولار في ٢٠٢٤.

كل هذه المؤشرات تعطي تحذيرا مقلقا للدول المصدرة للنفط والعراق في مقدمتها، مفاده أن مبيعات النفط ستبدأ بالتقلص خلال السنوات القليلة القادمة وبالتالي تراجع أسعاره بشكل تدريجي، وإذا ما استمرت سياسات الحكومات العراقية في تجاهل هذا التحذير ومؤشراته القائمة فإنها أمام خيار لا بديل عنه والمتمثل بإعلان الإفلاس في القريب القادم مالم تذهب نحو تنويع مصادر الدخل واستثمار النفط كمادة أولية للصناعات المحلية بهدف تنميتها والاستفادة منها في كبح جماح فوضى الاستيراد العشوائي.

الانفجار السكاني والبطالة والفقر

ومع ذلك، ما زال العراق يعانى من أزمة بطالة ، حيث قال وزير التخطيط خالد البتال في ٢٢ نيسان ٢٠٢١ أن "العراق يشهد زيادات سكانية كبيرة، لا تتناسب مع حجم الموارد، لاسيما مع اتساع رقعة شريحة الشباب بين شرائح السكان" ويقترب تعداد السكان من ٤٠ مليون نسمة بمعدل زيادة مليون نسمة سنويا، مما يعني أن احتياجات الدولة لبناء المدارس والمستشفيات وإيجاد فرص العمل للشباب تتزايد كل عام في الوقت الذي لم يتم فيه تخصيص أي موارد تذكر في الموازنات الاتحادية لمواكبة هذا الانفجار السكاني.

نسبة الفقر في العراق بلغت نحو ٢٧٪ بحسب إحصائيات وزارة التخطيط وبنسبة ٣١٪ بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي ، وصرح وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأسبق محمد شياع السوداني بانه هناك اكثر من مليون و٤٠٠ الف عائلة تتلقى معونات الضمان الاجتماعي يضاف اليهم اكثر من مليون مواطن تقدم لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشموله بالضمان الاجتماعي، مما يعني أن نسبة كبيرة من المجتمع العراقي تعيش تحت خط الفقر، وهذه النسب في تزايد مستمر.

البطالة في العراق هي الأخرى في تزايد مستمر وبحسب إحصائيات برنامج الغذاء العالمي فإنها تجاوزت نسبة ٤٠٪، خصوصا بين الشباب. ويتخرج سنويا اكثر من ١٨٠ الف طالب من الجامعات والمعاهد الأهلية والحكومية من دون توفر فرص للعمل في الدولة أو في القطاع الخاص إلا ما ندر. نسب كبيرة من السكان تعيش تحت خط الفقر وجيوش العاطلين عن العمل من الشباب لا ترى في الأفق ما يلوح لمستقبل يذكر.

والان، باتت الضغوط الاقتصادية اليوم تشكل قنبلة موقوتة لا أحد يمكنه التحكم بآثارها وتداعياتها في حال انفجارها، وقد رأينا بوادرها في تظاهرات تشرين وما تلتها من تظاهرات للخريجين المطالبين بالتعيين أمام مقار مختلف الوزارات، وها هي مطالب الشباب بالثورة ومقاطعة الانتخابات تتجدد والدعوة الى تغيير النظام السياسي القائم. وليس من المستبعد أن تعود التظاهرات بقوة لتهدد النظام السياسي وإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة. علاوة على ذلك، فإن إخفاقات الحكومة - التي تم تناولها في مقال منفصل – توضح كيف أدى الفساد وانتشار الأسلحة إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في العراق.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,168,087

عدد الزوار: 6,758,529

المتواجدون الآن: 123