"مافيا المولدات" تتحكم بمواطني لبنان والعراق واليمن وفلسطين وليبيا... وسمومها تهدّد حياتهم وبيئاتهم...

تاريخ الإضافة الأحد 18 أيلول 2022 - 8:06 م    عدد الزيارات 659    التعليقات 0

        

"مافيا المولدات" تتحكم بمواطني لبنان والعراق واليمن وفلسطين وليبيا... وسمومها تهدّد حياتهم وبيئاتهم...

المصدر: النهار العربي، "أب"... نورا عامر...

في وقت يبحث العالم عن طاقة متجددة لمواجهة التغير المناخي، يعتمد الملايين في الشرق الأوسط اعتماداً شبه كامل على المولدات الخاصة التي تعمل بالديزل، بعدما أدت الأزمات والحروب والفساد وسوء الادارة إلى تدمير البنية التحتية للشبكات الوطنية. وفي الساحات العامة وكذلك فوق أسطح المباني السكنية والتجارية والطبية، تنفث المولدات انبعاثات سامة في الهواء على مدار الساعة، وهي ظاهرة وصفها خبراء بـ"انتحار وطني على الصعيدين الصحي والبيئي". وأظهرت دراسة جديدة، صدرت عن الأكاديمية البيئية التابعة للجامعة الأميركية في بيروت وأشرفت عليها النائبة اللبنانية نجاة صليبا المتخصصة في تلوث الهواء، أن مستويات الانبعاثات السامة في الهواء ارتفعت بنسبة 300 في المئة بسبب تشغيل المولدات لساعات طويلة، ما يرتب تداعيات وخيمة على الأوضاع الصحية وارتفاعاً في عدد الإصابات بأمراض خطيرة. ووصفت صليبا الوضع بـ"كارثة"، مشيرة إلى أنه مرهق للبيئة، ولا سيما في ظل انبعاث كميات كبيرة من الكربون الأسود، وغياب ترشيح الجسيمات قبل انتشارها في الهواء. ووجد باحثون من الجامعة الأميركية في بيروت أن مستوى الانبعاثات السامة ارتفع أربعة أضعاف منذ بداية الأزمة في لبنان بسبب الاعتماد المتزايد على المولدات. وكشف المؤسس المشارك في الأكاديمية سامي قايد أن المولدات تنشر أكثر من 40 ملوثاً ساماً في الهواء، بما في ذلك مواد تسبب أمراضاً سرطانية. وأكد أن التعرض لهذه الانبعاثات يزيد خطر الاصابة بأمراض تستهدف القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي. أما على الصعيد البيئي، فتخلف هذه الجسيمات تداعيات تشمل تساقط أمطار حمضية يمكنها إتلاف المزروعات وتلويث المياه وقتل الأسماك والنباتات البحرية. وتنتج المولدات التي تعمل بالديزل معدل انبعاثات مسببة للتغير المناخي أعلى بكثير مقارنة بمحطات الطاقة التي تعتمد على الغاز الطبيعي. وفي حديث مع "النهار العربي"، شدد الخبير العراقي في مجال البيئة والصحة حيدر معتز على خطورة هذه الظاهرة، موضحاً أن المولدات التي تعمل بالديزل تحتاج إلى مادة الكبريت، ما يؤدي إلى انبعاث بخار الماء الذي ينتقل إلى الغلاف الجوي ويزيد الاحتباس الحراري. وتضاف هذه الظاهرة إلى أزمات بيئية كثيرة في الشرق الأوسط، الذي يعتبر إحدى المناطق الأكثر عرضة لتأثير التغير المناخي، ما يبرز في موجات الحر الشديد والموارد المائية التي باتت محدودة.

سوء الإدارة

في لبنان والعراق واليمن وفلسطين وغيرها من دول المنطقة، تعجز الحكومات عن الحفاظ على شبكة مركزية قوية للكهرباء، نتيجة حروب وصراعات وسوء إدارة وفساد. وعلى سبيل المثال، لم تؤسس الدولة اللبنانية محطة جديدة لتوليد الكهرباء منذ عقود. وفشلت مشاريع عدة بسبب السياسة وتضارب مصالح والمحسوبية. ومنذ سنوات، باتت المصانع التي تعمل بزيت الوقود الثقيل القليلة البلاد عاجزة عن تلبية الطلب المتزايد. المقابل، يتمتع العراق بأحد أكبر احتياطات النفط في العالم. مع ذلك، دائماً ما يكون الصيف الحارق مصحوباً بضجيج المولدات في الأحياء، حيث يشغل السكان مكيفات الهواء على مدار الساعة للحفاظ على البرودة. ودمرت الحروب المتكررة التي استمرت لعقود شبكة الكهرباء العراقية، كما سلب الفساد مليارات الدولارات بهدف إصلاح قطاع الطاقة. والواقع أن حوالي 17 مليار متر مكعب من الغاز يحرق سنوياً كنفايات، ظل التخلف عن بناء بنية تحتية تسمح بالاستفادة من هذه الثروة لتزويد المنازل بالطاقة. وتحدث معتز عن الاستخدام شبه الدائم للمولدات نتيجة انقطاع التيار الكهربائي. وذكر أن عجز الدولة عن تلبية احتياجات مواطنيها دفع إلى استخدام المولدات الخاصة مقابل أسعار مرتفعة، مشيراً إلى عدم تأمين الامدادات الكاة، والتخلف عن سد الحاجة في مختلف المحافظات، رغم أن العراق يمتلك ثروات نفطية ضخمة. أما ليبيا، فدمرت الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات وغياب الحكومة المركزية شبكات الكهرباء الوطنية. واشتكى الجزار الليبي من مدينة بنغازي معتز شبيك، الذي يستخدم مولداً لتشغيل مبرداته، من انقطاع التيار الكهربائي خلال الجزء الأكبر من اليوم، مضيفاً أن كل مشروع تجاري مجبر على تأمين حل بديل عن شبكة الكهرباء الوطنية. ويعتمد سكان قطاع غزة، الذي يبلغ عددهم 2.3 مليوني نسمة، بدورهم على حوالي 700 مولد كهربائي لتلبية احتياجات منازلهم. وتعمل الآلاف من المولدات الخاصة على تشغيل الشركات والمؤسسات الحكومية والجامعات والمراكز الصحية. ومنذ قصفت إسرائيل محطة الطاقة الوحيدة الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة "حماس" عام 2014، لم تعد المنشأة تعمل بطاقتها الكاملة. ويشهد القطاع اليوم انقطاع الكهرباء لمدة قد تصل إلى 16 ساعة في اليوم.

تغير نمط الحياة

باتت المولدات تحكم حياة المواطنين في لبنان، وتخطت سمعة أصحابها حدود البلد الصغير، ليصير هذا الكارتيل النافذ حديث وسائل الإعلام الغربية، التي وصفته بـ"مافيا المولدات". وفي ظل الأزمة المزمنة لانقطاع التيار الكهربائي، التي لم تجد الحكومات المتتالية حلاً لها رغم إنفاق مليارات الدولارات، تنتشر المولدات في الأزقة والأقبية والأماكن الفارغة وفي كل أنحاء المدن والبلدات اللبنانية، ويفرض أصحابها شروطهم و"تسعيراتهم" على اللبنانيين المضطرين الى الدفع "بلا حول ولا قوة". وبدأ لبنان يستخدم المولدات الخاصة خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة، إلا أن الاعتماد ارتفع منذ انهيار الاقتصاد في أواخر عام 2019، الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات أطول. وفي الوقت نفسه، اضطر أصحاب المولدات إلى تقنين الاستخدام بسبب ارتفاع أسعار الديزل ودرجات الحرارة المرتفعة. هذه الإجراءات باتت تحكم حياة المواطنين، إلى حد تفرض عليهم موعداً محدداً لمغادرة منازلهم والعودة إليها. ويتسارع المقيمون في المباني السكنية إلى المغادرة قبل انقطاع التيار الكهربائي، وينتظرون تشغيل المولدات للعودة إلى منازلهم، محاولين تفادي صعود السلالم. وفي حالات أكثر خطورة، تجد المستشفيات صعوبة في الاستمرار في تشغيل المولدات الكهربائية حتى تتمكن الآلات المنقذة لحياة المرضى من العمل من دون انقطاع.

الحلول البديلة

في ظل تفاقم الأزمة وارتفاع أسعار تسعيرات المولدات، اجتاحت ألواح الطاقة الشمسية أسطح المنازل اللبنانية. وبدأ عدد كبير من الأفراد يمتهنون هذا المجال، رغم أن بعضهم غير متخصص فيه. وفي العراق، تستخدم الأسر المتوسطة الدخل المولدات بمعدل 10 ساعات يومياً، وتصل بدلات الاشتراك إلى 240 دولاراً للميغاوات بالساعة، وهي من بين الأعلى في المنطقة، وفقاً لتقرير صدر عن وكالة الطاقة الدولية. ويرى الخبير العراقي أن الأزمة تعود إلى غياب استراتيجية حقيقية منذ 2003 لتلبية احتياجات المواطن. إلى ذلك، أدى الفساد المتفشي في وزارة الطاقة إلى هدر المال العام، ما فاقم الأزمة وزاد الاعتماد على المولدات التي تحاول سد عجز الدولة. وعن الحلول البديلة، اقترح معتز انشاء محطات للطاقة بشكل متسلسل، في فترات زمنية مختلفة، والعمل على سد حاجة محافظة تلو الأخرى. وألقى الضوء على أهمية تحديد احتياجات كل محافظة ووضع استراتيجية واضحة وجدول زمني لتحقيقها.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,239,340

عدد الزوار: 6,941,724

المتواجدون الآن: 131