"كهرباء" لبنان

تاريخ الإضافة الأحد 16 آب 2009 - 7:44 ص    عدد الزيارات 1414    التعليقات 0

        

\"\"
 

\"\"

\"\"

يفترض بمعامل لبنان الحرارية السبعة، التي تنتج التيار الكهربائي، أن تنتج أكثر من ألفي ميغاواط يوميا. على الرغم من أنّ الحاجة الفعلية تزيد عن ألفين ومئتي ميغاواط. لكنّ المعامل لا تنتج أكثر من ألف وخمسمائة، الأمر الذي يضطر مؤسسة كهرباء لبنان إلى قطع التيار عن بعض المناطق لساعات طويلة، وهو ما يعرف بالتقنين.

أسباب النقص في الإنتاج كثيرة، وفي طليعتها الأعطال، ولكلّ معمل قصته مع الأعطال. معمل الذوق مثلاً يتألف من أربع مجموعات، واحدة متوقفة نهائياً منذ فترة طويلة، وواحدة تنتج سبعين في المئة من طاقتها، بسبب غياب الصيانة الدورية، واثنتان تنتجان ستين في المئة من طاقتيهما فقط.

في معمل صور هناك مجموعتان تنتجان خمسين في المئة من طاقتيهما، والأمر نفسه ينطبق على مجموعتي معمل بعلبك. والسبب هو تجاوز مجموعات هذين المعملين عمرهما الأقصى والمقدّر بمئة وخمسين ألف ساعة عمل.

أما في معملي دير عمار والزهراني، اللذين يعدّان حديثي العهد مقارنة ببقية المعامل، فإنّ المجموعات تعاني أعطالاً شبه دائمة تهدر أكثر من ثلاثين في المئة من إنتاجها، وسبب ذلك هو أولاً واساساً غياب الصيانة اللازمة.

المجموعات الخمس التي يتألف منها معمل الجية، تعاني أعطالاً دائمة، لأنّ "عمرها الفني" قد انتهى، ووصل عمر بعض المجموعات إلى أكثر من مئتي ألف ساعة. أي أنها "ماتت" منذ خمسين ألف ساعة عمل.

وإلى جانب انتهاء عمر معظم المجموعات العاملة في لبنان وغياب الصيانة الدورية التي يمكن أن تزيد الإنتاج، هناك مشكلة عدم اكتمال إنجاز "مركز التحكم الوطني". هذا المركز سيكون مثابة "مخ الشبكة" الذي يقود المعامل ويصلها ببعضها ويمنع الانقطاعات العامة. وقد جرى تلزيمه في العام 2004 (بدلاً من العام 2001)، ومازال أمامه 3 سنوات تقريباً ليصبح جاهزاً.

\"\"

أحد المدراء السابقين في مؤسسة كهرباء لبنان، يقول إن "العصر الذهبي الكهربائي" بدأ في العام 1993 مع وصول الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى الحكم، وتعيين مجلس إدارة جديد ومتخصص للمؤسسة. وظلّت الأمور تتجه من حسن إلى أحسن إلى حين تعميم التيار الكهربائي على لبنان كلّه 24 ساعة يوميا، تقريبا، في كلّ المناطق.
وبدأ التراجع، يقول المدير إياه، "مع وصول الرئيس السابق إميل لحود إلى الحكم، وخروج الحريري منه، في العام 1998. لكنّ أحوال المؤسسة ومعاملها ظلّت مقبولة حتى العام 1999، لأنّها كانت تعيش على إنجازات الإدارة القديمة.

في العام 2000 راح التدهور يظهر على السطح، وبات كلّ منزل يعاني التقنين بشكل متزايد. وظلّت الحالة العامة للمؤسسة تتدهور وصولا إلى اليوم، مع تقنين يصل في بعض المناطق إلى أكثر من 18 ساعة يومياً، كما هو الحال في بلدتي كفرمسحون وبنتاعل في جبيل، وكما حصل في منطقة النبطية قبل نحو شهر، حين تعدّى التقنين حاجز العشرين ساعة يوميا، ولعدة أيام متواصلة".

\"\"

رئيس الصفحة الإقتصادية في جريدة الأخبار محمد زبيب يقول: "يجب أولا السير في خطوات سريعة لاعادة تجهيز مؤسسة كهرباء لبنان عبر زيادة القدرات الانتاجية بما يؤمن تغطية الطلب الكامل"، وبرأيه أنّ تغطية الطلب ممكنة بطريقتين: "على المدى القصير من خلال تطوير وإعادة تأهيل المعامل، وذلك بإضافة بعض المجموعات واستبدال المجموعات الضعيفة وصيانتها، وهناك أيضاً ما طرحه وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال آلان طابوريان، وهو شراء مولدات كهربائية تؤدي الى نتائج سريعة خلال سنة أو اثنتين، و(رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد) السنيورة اقتنع أخيرا وهذا سيؤدي إلى تأمين 300 ميغاواط إضافية قريباً، لكن حاليًا ننتظر الحكومة الجديدة".

أما الخطة على المدى الطويل فيختصرها زبيب "بتأمين طاقة إضافية تتجاوز الألف ميغاواط، للوصول إلى أكثر من ألفين وخمسمئة ميغاواط لأنّ الطلب سيرتفع، ويجب الحصول على هذه الألف قبل العام 2015".

ويعتبر زبيب أنّ "هناك خللاً بنيوياً في توزيع معامل الانتاج وفي طريقة عمل شبكات التوزيع في لبنان، والمطلوب هو الوصول إلى حلول تقنية". هنا يشير إلى "الهدر الفني على الشبكة"، الذي يتحدث عنه مسؤول سابق في المؤسسة، معتبراً أنّه "لا يمكن أن يكون 17 في المئة كما تقول إدارة المؤسسة، وأنّه يجب ألا يتعدّى 8 في المئة. وهذه الـ17 في المئة التي تهدر حالياً توازي معملاً كاملاً من المعامل السبعة، كأنّه متوقف عن العمل بالكامل".

\"\"

إلى جانب الهدر، وما يتردد عن "سرقات كبيرة" في الإدارة والوزارة، والتي لا يوجد إثباتات على حصولها، والتي تملأ البلاد شائعات عنها، مثل سرقة الفيول المجاني الذي تبرعت به بعض الدول العربية، هناك السرقات اليومية التي يقوم بها المواطنون.

ففي حين يتحدث المواطنون عن معاناتهم مع التقنين، الذي يصل إلى حدود قياسية، وعن الفواتير المرتفعة، تعاني مؤسسة كهرباء لبنان بدورها السرقات الهائلة التي يقوم بها المواطنون يومياً.

وبحسب مصدر في المؤسسة، فإنّ "أكثر من خمسة وثلاثين في المئة من إنتاج الكهرباء في لبنان يسرقه المواطنون، والطرق كثيرة وتتطور مع تطوّر وسائل التفتيش التي تعتمدها المؤسسة".

خبير في الكهرباء (رفض التصريح لنا بذكر اسمه) شرح لنا أن "الطريقة الأكثر حداثة لا يقوم بها عامل فني كهربائي عادي، بل يقوم بها موظفون في مؤسسة كهرباء لبنان، لديهم إمكانية فتح العداد والعبث بأسلاكه، ثم إعادة ختمه من دون أن يعرف المفتش أن أحداً عبث به في حال فحص الساعة".

مصادر في المؤسسة أكدت "التهمة" إذ قالت لنا إنّه تم "القبض أحياناً على بعض الموظفين المتورطين، لكنّ عدد الذين قُبض عليهم لا يقاس بعدد الآخرين الطليقين".
والسبب هو أنّ  "الموظف، في العادة، لا يقيم علاقة مباشرة بينه وبين الزبائن من المواطنين، بل يعتمد على عمليات تنسيق بعيدة عنه تجري بين الفنيين الكهربائيين والناس، أي أنّ الفني يقوم بدور السمسار  بين الموظف والمواطن الراغب في الحصول على الخدمة الكهربائية بسعر... شبه مجاني".

أما التعرفة التي يدفعها الراغب في "سرقة كهرباء الدولة" فتختلف من منطقة شعبية إلى أخرى راقية. لكن بشكل عام تراوح تكلفتها بين مئة دولار ومئتين وخمسين دولارا لكل عدّاد (ساعة)، يقبضها الموظف من السمسار، ويمكن أن يقبض السمسار أكثر منها من الزبون.

\"\"

المؤشر الذي يُفترض أن يلفت نظر مفتشي المؤسسة، حين يقومون بالكشف على العدادات، هو انخفاض قيمة بعض الفواتير بشكل كبير، بين شهر وآخر، ومن دون سبب ظاهر، كأن تراوح فاتورة أحد المنازل مثلاً بين مئة وخمسين ألف ومئتي ألف ليرة شهرياً  على امتداد سنة متواصلة أو سنتين، ثم تنحدر فجأة إلى أقلّ من خمسين ألف ليرة في الشهر. "هنا يأتي دور المفتشين للدخول في "مافيا السرقة"، حيث إنّ رشوة بعض الجباة تجعلهم يغضّون الطرف وينسون ما رأوه". ويحدّثنا الفني الكهربائي الذي يرفض ذكر اسمه، عن "تطوّر سرقة الكهرباء في السنوات الأخيرة، من التعليق على خطّ المؤسسة خارج الساعة، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً والأقلّ كلفة. هنا يعلّق المواطنون الخطّ ليلاً ويرفعونه صباحاً قبل أن تبدأ دوريات التفتيش بالتجول للمراقبة.

الطريقة الثانية تتم من خلال وصل الخطّ الداخل IN)) بالخطّ الخارج (OUT) لتخفيض مبلغ الفاتورة إلى النصف، والطريقة الثالثة تكون بوضع وصلة داخلية تشبه الطريقة الثانية، لكنّها تنفّذ داخل العداد (الساعة) بطريقة أكثر احترافا، وهي تخفض الفاتورة إلى النصف أيضا.

أما الطريقة الرابعة فهي من خلال توقيف خط الـ”Neutre” والاستعانة بآخر بديل، مثل قسطل مياه، فتعمل الساعة إلى الخلف بدلاً من أن تدور إلى الأمام. وبهذا تصل الفاتورة إلى مئة ألف، ثم تبدأ بالتراجع.

أما الطريقة الخامسة فهي طريقة الموظف الذي يفك الساعة ويعالج  آليتها (الميكانيك) من الداخل، وهكذا يمكن أن يسجّل العدّاد عشرين أو ثلاثين أو أربعين في المئة من قيمة الفاتورة الحقيقية، أو أن يسجل المبلغ  الذي يتوخاه المالك، وهذه هي الطريقة الأكثر نجاحاً حالياً، والتي تتسبب بسرقة (وبالتالي خسارة) أكثر من خمسة وثلاثين في المئة من إنتاج الكهرباء بشكل يومي".

\"\"

وفي فلسفة "السارقين" لتبرير علملية السرقة، يقول هذا العامل الفنيّ إنّ "السرقة سببها تقصير الدولة وعجزها عن تأمين فرص العمل، ولأنّ المواطن يدفع فواتيره مضاعفة من كهرباء وماء وهاتف".

في السياق نفسه يجزم "السارق" بأنّ سكان المناطق الراقية (يذكر منطقتي فردان أو الحمرا على سبيل المثال)، يطلبون سرقة الكهرباء أكثر بكثير مما يطلبها سكان المناطق الشعبية، ويبرر ذلك بأن "فواتير الأغنياء تكون عادة أكبر".

خبير آخر يحدثنا عن "طريقة مبتكرة في "سرقة الكهرباء" تتم أثناء العمل على بناء العقار الذي يريده صاحبه أن يكون معملاً أو مصنعاً ويتوقع أن يتكلّف فواتير كهرباء مرتفعة لدى تشغيل مؤسسته تُحسب بملايين الليرات شهرياً. والطريقة هذه معقدة، لكن خلاصتها أنّه يمكن العبث بالأسلاك الممدودة إلى داخل البناء خلال تشييده، وهكذا يختفي الغش داخل الجدار أو السقف، ويصبح من المستحيل على أيّ مفتش، مهما بلغت خبرته، أن يكشف السرقة، إلا في حال هدم البناء. وبفضل هذه الطريقة فإن المعمل الذي يستهلك عشرة ملايين ليرة من الكهرباء شهرياً، لا يدفع أكثر من ثلاثة ملايين ليرة، من دون أن يشكّ أحد بحدوث أي سرقة، لأنّ الفاتورة تكون منتظمة على هذا المنوال منذ بداية عمل المؤسسة".

يبقى أنّ أقلّ من خمسين في المئة من إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان تتم "فوترته" – أي تتقاضى المؤسسة رسومه من المستهلكين، وتخسر المؤسسة نحو 35 في المائة (سرقات من قبل المواطنين) ويضيع حوالى 17 في المائة من الإنتاج هدراً على الشبكة. وعند الجباية، لا تتم  جباية  أكثر من خمسة وسبعين في المائة من أصل الخمسين في المائة التي تجري فوترتها (كما سبقت الإشارة)، أي أن المؤسسة تتقاضى ما يعادل 38 في المئة كحدّ أقصى، من الرسوم المطلوبة.

.. إنه واقع "مؤسف" من تقاطع مصالح واسع الأضلاع لـ"سرقة الكهرباء" حيث التواطؤ على أشده وفق قاعدة: "بدل أن تلعن الظلام.. اسرق كهرباء لبنان".

محمد بركات..لبنان الأن..

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,177,196

عدد الزوار: 6,759,101

المتواجدون الآن: 128