هل تتبع واشنطن سياسة جديدة تجاه الحركات الإسلامية ؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 أيلول 2009 - 10:12 ص    عدد الزيارات 1320    التعليقات 0

        

تقرير واشنطن ـ كرستوفر جوتش

شهدت الفترة الثانية للرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" صعودًا سياسيًّا للحركات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط خلال عملية انتخابية ديمقراطية. ففي الانتخابات التشريعية اللبنانية لعام 2005 حصل حزب الله اللبناني على 10.9 في المائة من مقاعد البرلمان. وفي الانتخابات التشريعية المصرية لعام 2005 حصلت جماعة الإخوان المسلمين ـ المحظورة رسمية من قبل النظام المصري والتي خاض مرشحوها الانتخابات كمرشحين مستقلين ـ على 20 في المائة من مقاعد البرلمان المصري، لتشكل بذلك أكبر قوى معارضة في الشارع السياسي المصري. وفي الانتخابات الفلسطينية التشريعية لعام 2006 حصلت حركة حماس على 57.6 من مقاعد البرلمان الفلسطيني.

ومع تولي إدارة أمريكية جديدة سدة الحكم في العشرين من يناير الماضي أُثيرَ تساؤلان رئيسان أولهما: هل الإدارة الأمريكية ستتبنى سياسة مغايرة لسياسة الإدارة السابقة التي قاطعت تلك الحركات التي صعدت سياسيًّا خلال انتخابات ديمقراطية بشهادة منظمات دولية أمريكية وغربية؟. وثانيهما: ما الاستراتيجية التي ستتبناها إدارة "أوباما" تجاه الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط؟

أجاب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" على السؤال الأول في خطابه بجامعة القاهرة في الرابع من يونيو الماضي قائلاً: "إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يُراعي القانون، حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا، وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة، شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم". وهي كلمات تحمل تغيرًا في السياسة التي تبنتها إدارة "بوش" الابن مع الحركات الإسلامية التي فازت في انتخابات ديمقراطية. فكلمات أوباما تُشير إلى اعتراف أمريكي بنتائج الانتخابات الديمقراطية التي تفوز فيها الحركات الإسلامية. ولكن سياسة أوباما تجاه الحركات الإسلامية التي فازت في انتخابات ديمقراطية مقرونة بإعلانها التخلي عن العنف كأحد أدواتها السياسية، والالتزام بمبادئ العملية الديمقراطية.

أوباما وحماس من العزلة إلى الانفتاح

أولى تلك الحركات الإسلامية التي شهدت صعودًا سياسيًّا هي حركة حماس التي فازت بأغلبية مقاعد البرلمان الفلسطيني في عام 2006. ذلك الفوز وضعَ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" أمام خيارين. أولهما: قبول نتائج تلك الانتخابات تحت مسمى العملية الديمقراطية أو رفض قبولها تحت ادعاء الحفاظ على عملية السلام؛ لتبني الحركة سياسات العنف والقوة المسلحة. وعلى الرغم من إعلان الحركة عن نفسها أنها بطلٌ للمُثل الديمقراطية التي تنادي بها إدارة "بوش"، إلا أن إدارة بوش سَرعان ما تخلت عن المبادئ الديمقراطية التي كانت تنادي بها، وقطعت علاقاتها مع الحكومة الفلسطينية التي شاركت فيها حركة حماس. وقالت إدارة "بوش" حينذاك: إنه إذا كانت حركة حماس هي الزعيم الشرعي للفلسطينيين فإن آمال تحقيق تسوية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ستتلاشى.

ومن الجدير بالذكر أن حركة حماس مصنفة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية على أنها أحد المنظمات الإرهابية الخارجية. واستنادًا إلى هذا التصنيف تقول الإدارة: "إن الحركة تستخدم كافة الوسائل السياسية والعنف بما في ذلك الإرهاب للسعي لتحقيق أهدافها لإقامة دولة فلسطينية إسلامية على الأراضي الإسرائيلية".

ومع تولي إدارة جديدة حكم الولايات المتحدة، تبنت إدارة "أوباما" سياسة مغايرة عن سياسات الإدارة السابقة. فعلى عكس إدارة "بوش" تبنى "أوباما" سياسة تجاه الحركات الإسلامية الشرق أوسطية قوامها التقارب والحوار معها ولكن بشروط تسبق هذا الحوار والانفتاح عليها. ففي خطابه غير المسبوق من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو المنصرم قدم "أوباما" مبادرة لاعتراف الولايات المتحدة بالحركة في حال نبذها للعنف والإرهاب والاعتراف بإسرائيل والتقيد بالاتفاقيات السياسية السابقة قبل الحصول على الاعتراف الأمريكي، حيث إن معتقدات الحركة ليست مقبولة من قبل الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الانفتاح الأمريكي على حركة حماس، والذي عبرت عنه كلمات "أوباما" من جامعة القاهرة والاستجابة الإيجابية ـ نسبيًّا ـ من الحركة لهذا الانفتاح الأمريكي، إلا أن الحركة أكدت على التزامها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بأي وسيلة بما فيها العنف. فقال المتحدث باسم حركة حماس"فوزي برهوم" :"إن الشيء الإيجابي الذي نأخذه من خطاب أوباما (بالقاهرة) هو فتح الاتصال مع "أوباما" والإدارة الأمريكية (الجديدة)". ويضيف رئيس المكتب السياسي للحركة "خالد مشعل" إن حركة حماس مستعدة لبذل جهودٍ على الصعيد الدولي لتحفيز عملية السلام، ولكن هذا مشروط ببذل الولايات المتحدة جهدًا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وفي الوقت ذاته أكد على التزام حركة حماس بخيار المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير الوطن واستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة. مؤكدًا أن حماس ستتعاون فقط عندما يكون الوقت والتعاون مناسبين.

معارضة يمينية للانفتاح الأمريكي على حماس

هناك اتفاق في الرأي على أن الرئيس "أوباما" انتهج الطريق الصحيح في رفضه الحوار مع حماس إلى حين نبذها للعنف والاعتراف بإسرائيل. ويعتقد كثيرون أن الرئيس أوباما لديه رغبة في إحداث تحول في أهداف الحركة؛ لأن عينيه على هدف نهائي هو التعايش السلمي بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. ويرى المجتمع المحافظ السياسي الأمريكي أن كلمات "أوباما" التي جاءت في خطابه إلى العالم الإسلامي بخصوص الحركات الإسلامية بالمنطقة ضعيفة؛ ولذا ينصح أنصاره بأن يتخذ أوباما موقفًا أكثر صرامة في مواجهة "حماس" وغيرها من الحركات الراديكالية.

وفي هذا السياق يرى كل من ليزا كورتس Lisa Curtis وجيمس فيليبس James Phillips، الباحثين بمؤسسة هيريتدج Heritage Foundation، أحد مراكز الفكر القريبة من الاتجاه المحافظ، أن مبادرة أوباما إلى مد يد العون لحركة حماس لها عواقب عدة، نجملها في الآتي:

أولاً: تهوين الرئيس الأمريكي من التهديد الذي تمثله الحركة لإسرائيل وللفلسطينيين أنفسهم. فيقولان: إذا شاركت الحركة في حكومة للدولة الفلسطينية فإنها ستشكل تهديدًا خطيرًا على أمن إسرائيل إذا ما رفضت نبذ العنف، واستمرار تحالفها مع إيران أو غيرها من القوى المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل.

ثانيًا: على الرغم من تأكيد "أوباما" في خطابه بالقاهرة على العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ترى إسرائيل في كلمات أوباما بالقاهرة أنها محاولة لإرضاء العالم الإسلامي على حساب إسرائيل. وذلك اعتقادًا بأن الرئيس "أوباما" وضع مزيدًا من الضغوط على إسرائيل أكثر من أي رئيس أمريكي خلال العقود الأخيرة. ويذهب كثيرٌ منهم إلى أن تلك الكلمات تحمل في طياتها كسرًا للروابط التاريخية بين تل أبيب وإسرائيل. بالإضافة إلى النيل من الالتزامات الأمريكية بأمن إسرائيل والتهوين من خطر الإرهاب والحركات الإسلامية المتبنية للعنف والقوة المسلحة على إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة.

ثالثًا: تخيب آمال العالم الإسلامي بتحرك سريع نحو التسوية السلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي وتقليل الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل سيؤدي إلى حالة من اليأس، والى استياء الفلسطينيين من استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، والذي يكون شرارة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة.

وفي هذا الصدد، عبر كثير من المراقبين الأمريكيين أن سياسة انفتاح الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" على حركة حماس بالاجتماع مع قيادات حماس في قطاع غزة بأنها سياسة ساذجة وخطيرة للتهدئة؛ لانفتاحه على حركة مازالت تتبنى العنف كغاية عليا، بالإضافة إلى رفض الاعتراف بإسرائيل. وقد سعى "كارتر" من اجتماعه مع قيادات حماس إلى إقناع الحركة باتخاذ خطوات من شأنها أن تجعلها لاعبًا دوليًّا في المستقبل وشريكًا في عملية السلام.

ومن الجديد بالذكر أن الرئيس الأمريكي "كارتر" يزور المنطقة بصفته الشخصية وليس كممثل للحكومة الأمريكية، وبعد رجوعه إلى واشنطن قدم "كارتر" ملاحظاته لإدارة أوباما. وزيارة "كارتر" واجتماعه هو وغيره من المسئولين الغربيين، والانفتاح الأمريكي الذي بدأه "أوباما" على الحركة لن يدفع الحركة لتغيير سياساتها المرفوضة دوليًّا للحصول على الشرعية الدولية والاعتراف بها.

خسارة "حزب الله" مكسب أمريكي

مع خسارة تحالف حزب الله اللبناني مع قوى 8 آزار (مارس) في الانتخابات اللبنانية التشريعية الأخيرة نتيجة لخطاب أوباما الهام للعالم الإسلامي الذي ناشد فيه قوى الاعتدال بالمنطقة لتحمل مسئوليتهم تجاه مستقبلهم، لن يضطر أوباما للتعامل المباشر مع حزب الله اللبناني، تلك الحركة الإسلامية التي اكتسبت جزءًا قليلاً من قوتها من خلال العملية الديمقراطية، والتي تراجعت مؤخرًا مع خسارة الحزب وتحالفه في الانتخابات وانخفاض الدعم المقدم لهما.

ويرى عديد من خبراء المراكز البحثية اليمينية والقريبة من إسرائيل أنه على عكس فوز حركة حماس الذي تجاهلته الإدارة الأمريكية السابقة، فإنه من الصعب تجاهل فوز حزب الله في الانتخابات، ذلك الفوز الذي يمكن الحزب من المشاركة في تشكيل حكومة تحظى بتأييد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في دولة معترف بها ديمقراطيًّا. فالاعتراف الأمريكي بتشكيل حزب الله حكومة أغلبية سيكون كارثة بالنسبة لواشنطن والعالم؛ لتبني الحزب أهدافًا "تدميرية" منها تدمير إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة. بل إن الاعتراف الأمريكي بالدور السياسي لحزب الله اللبناني سيعطي مصداقية للمنظمات الراديكالية في منطقة الشرق الأوسط، وتمكينها مع تقويض جهود المعتدلين من أجل عملية السلام، لدفع المنظمات الراديكالية بها إلى طريق مسدود.

وفي هذا السياق يرى ديفيد شينكر David Schenker، الخبير بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy أن فوز حزب الله وقوى 8 آزار (مارس) ـ الذي لم يحدث ـ يمثل دعمًا قويًّا لدمشق وطهران، والذي يقلل من احتمالات إنجاز تقدم في واحدة من أخطر تهديدات السلام الإقليمي والدولي وهي قضية الانتشار النووي الإيراني.

انفتاح مشروط على الإخوان المسلمين

حمل خطاب أوباما بالقاهرة انفتاحًا أمريكيًّا على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة رسميًّا من قبل النظام السياسي المصري والتي حصدت 20 في المائة من مقاعد البرلمان المصري في الانتخابات التشريعية لعام 2005، والتي خاض مرشحوها الانتخابات التشريعية كمستقلين للحظر الأمني للحركة. وقد كان عدد من أعضاء الجماعة من الشخصيات التي حضرت خطاب أوباما بجامعة القاهرة في الرابع من يونيو الماضي.

حملت كلمات أوباما من جامعة القاهرة طمأنة لجماعة الإخوان المسلمين بأن "الولايات المتحدة سترحب بكل الحكومات التي تنتخب ديمقراطيًّا وبطريقة سلمية". وهو انفتاح يتناقض مع سياسة إدارة بوش الابن التي قلصت دعم برامج الديمقراطية بعد فوز جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية المصرية. فقد تناقص تمويل المجتمع المدني من 50 مليون دولار إلى 20 مليون دولار في ميزانيتها السابقة.

ومع ذلك فمن المستبعد أن يضع الرئيس الأمريكي كل ثقله وراء الديمقراطية في مصر ما دامت الانقسامات الراهنة في الفكر السياسي مستمرة إلى يومنا هذا داخل جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من إعطاء الكتلة البرلمانية الإخوانية أولوية للمصالح المصرية على أهداف حركات المقاومة الدولية، واعتبار نفسها لاعبًا شرعيًّا في الحياة السياسية المصرية، إلا أن مكتب المرشد الأعلى للجماعة يعد تعبيرًا صارخًا عن الجماعات والمنظمات الراديكالية في منطقة الشرق الأوسط التي تكرس جهودها لتعطيل عملية السلام في المنطقة وتبني نهج المواجهة الأبدية. ويوضح المرشد الأعلى للجماعة "مهدي عاكف" أن "هناك أجندتين في المنطقة، الأولى تعمل على حماية المقاومة وتعزيز انتصارها على العدو الصهيوني، والأخرى معنية فقط باسترضاء الأمريكيين والصهاينة". ويرى "عمرو حمزاوي"، من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي Carnegie Endowment for International Peace أن هذا الفصل من "منطق المواجهة الأبدية"، ويضحي بالأمن القومي المصري وسيادته من أجل دعم الحركات والمنظمات الراديكالية النشطة بمنطقة الشرق الأوسط خارج حدود مصر مثل حزب الله اللبناني.

وهدف أوباما من كلماته بالقاهرة دفع العناصر الراديكاليين وغير البرلمانية من جماعة الإخوان المسلمين إلى الاعتدال وإلى تحمل المسئولية التي تتحملها الكتلة الإخوانية البرلمانية من خلال الانفتاح الأمريكي على الجماعة. ولكنَّ المحللين يرون أن سياسات "أوباما" للانفتاح على جماعة الإخوان المسلمين تحمل في طياتها مخاطرة لأن الجماعة لم توضح موقفها حيال عديد من القضايا الحاسمة. فيتساءل عدد من الخبراء السياسيين ما إذا كانت الحركة ستحترم المعاهدات السابقة مثل اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في عام 1979، وهل ستتسامح مع المعارضة السياسية والأقليات، واحترام المرأة، وإعلاء سيادة القانون؟

كانت كلمات أوباما التي جاءت في خطابة الذي ألقاه من جامعة القاهرة مجرد خطوة أولى. وإذا كانت الجماعة تريد دعمًا أمريكيًّا أبعد من الدعم الخطابي بتقويض العلاقات الأمريكية مع نظام "مبارك" الذي ترى فيه الجماعة أنه "استبدادي"، فإن عليها الإعلان عن تأييدها لهدف أوباما للاستقرار الدولي، والتعبير عن المثل الديمقراطية التي يدعو إليها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما".

وفي الختام، أشار خطاب أوباما إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة إلى رغبته في مد يده إلى الحركات الإسلامية المنتخبة ديمقراطيًّا بمنطقة الشرق الأوسط، ولكن الانفتاح الأمريكي مشروط بتخلي تلك الحركات عن تبني العنف والتمسك بقيم ومبادئ الديمقراطية. وتلك السياسة تمنح الولايات المتحدة شرعية رفض الحركات المتبنية للعنف والراغبة في تدمير إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وكذلك التقليل من فرص تمكين هذه الفئات من تشكيل تهديد لمنطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,053,463

عدد الزوار: 6,750,169

المتواجدون الآن: 95