الحضور المسيحي في المشرق العربي

تاريخ الإضافة الثلاثاء 22 أيلول 2009 - 6:52 ص    عدد الزيارات 4379    التعليقات 0    القسم عربية

        


جيروم شاهين

هناك ضمور متزايد في حضور المسيحيين في المشرق العربي يشغل بال الجميع. هجرة هؤلاء المسيحيين من أوطانهم، ولأسباب متعدّدة، حملت الجميع على دقّ ناقوس الخطر. ولعلّ هجرة المسيحيين من العراق ومن فلسطين، ولا سيما من القدس التي قد تصبح مقدّسات بدون مقدسيين، جعل المسؤولين عن هذا الشأن يطلقون الصوت عالياً حتى يتوقف هذا النزيف.
يقول الخبراء في الشأن المسيحي العراقي ان موجات هجرة المسيحيين الى اوروبا والغرب بدأت منذ الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي، لكن الهجرة المكثفة التي حصلت منذ الغزو الاميركي للعراق في نيسان 2003 لم يشهد لها مثيل، نتيجة غياب السلطة والأمن والاعتداءات التي تعرض لها هؤلاء وتعرضت لها كنائسهم وأديرتهم.
فهل يتعرض مسيحيو العراق للاعتداءات لانهم على دين المسيح؟ ام لكونهم أقلية؟ ام للسببين معاً؟ ويبدو ان ايام العراق ما بعد 2003 ترجح القول انهم يتعرضون لذلك لانهم عراقيون.
الا ان تعرض المسيحيين لهجمات متواصلة يثير الخوف والهلع في اوساطهم كما يثير الحيرة والحزن داخل العراق عموماً، لانهم الأكثر هدوءاً وسلماً، فهم، طوال تاريخهم الذي يمتد الى اكثر من ألفي سنة في بلاد ما بين النهرين، تعاملوا بواقعية عالية وهادنوا السلطات والناس العاديين، وتمكنوا من بلورة سمعة طيبة وعريضة في الأوساط العراقية. وهم اليوم بين سندان القوى المهيمنة ومطرقة العنف.
ويشار الى ان مسيحيي العراق يتوزعون على قوميات ومذاهب متعددة يمكن اجمالها بأربعة مكونات رئيسية هي: الكلدان، الاشوريون، السريان، الأرمن. فالكلدان اتباع الكنيسة الكاثوليكية. والآشوريون اتباع كنيسة العراق القديمة (النسطورية) وينقسمون بدورهم إلى ثلاثة مذاهب مسيحية. اما السريان، فينقسمون بين سريان كاثوليك وارثوذكس. واخيراً الأرمن وهم في معظمهم من المهجرين ضحايا الاضطهاد العثماني في تركيا، فضلاً عن الأقباط والبروتستانت والطوائف الغربية الأخرى وبنسبة لا تتعدى واحداً في المئة من عدد مسيحيي العراق.
مساعد بطريرك الكلدان عمانوئيل دلي الثالث، المطران شليمون وردوني لا ينفك يعبر عن حيرته المتواصلة حيال هجرة المسيحيين العراقيين. وأوضح، في حديث صحفي، ان الأصعب في امر الحيرة هو ان "الكنيسة ورؤساء الدين لا يفضلون الهجرة، فنحن ابناء هذا البلد القدامى وترك البلد ليس امراً سهلاً، ومن ناحية نقول لهم لا تهجروا البلد ومن ناحية اخرى لا حول لنا ولا قوة عندما يقولون لنا اتضمن لي الحياة ؟ ماذا يمكنني ان اجيب؟ "
ونفى المطران وجود احصاءات دقيقة عن اعداد الضحايا والمهاجرين منذ 2003 حتى الآن : "لا احصائية لدينا لأن الأمر صعب جداً، لكن الضحايا في ازدياد يومياً والمهاجرون في ازدياد".
في المقلب الفلسطيني، ولا سيما في مدينة القدس، دعا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس المطران عطاالله حنا الشبان المسيحيين في الأراضي المقدسة، الى "الصمود والبقاء في هذه الارض"، وقال في عظة ألقاها الأسبوع الفائت في كنيسة القيامة بمدينة القدس امام حجاج ومصلين ورجال دين ارثوذكس: "نحن لسنا طائفة ونرفض من يتحدثون بلغة طائفية، وان كانت لنا خصوصيتنا الدينية والتراثية، الا اننا جزء اساسي من مكونات نسيج هذا الوطن وهذا الشعب العربي الفلسطيني".
واضاف: "يقلقني جدا أن من بقي في القدس من المسيحيين لا يتجاوز ثمانية آلاف شخص". وشدد على ان "واجبكم البقاء في هذا الوطن وخدمة الحضور المسيحي فيه، والوقوف الى جانب قضية شعبكم العادلة".
ثم قال: "لسنا غرباء عن هذه الديار ولسنا دخلاء، كما اننا لسنا بضاعة مستوردة، فنحن اصيلون الى أقصى درجات الاصالة علينا ان نفتخر بمسيحيتنا الاصيلة، مسيحية الجذور، وعلينا أن نفتخر بانتمائنا الى فلسطين شعبا وأرضا وهوية وتاريخا... ان تكون مسيحيا فلسطينيا هذا يعني انك تنتمي الى الكنيسة الاولى التي اسسها السيد المسيح، الى الكنيسة الأم، كنيسة الجذور والأصالة... كونوا ملحا للارض ولا تخافوا من قول كلمة الحق وقولوا اننا ننتمي الى الشعب الفلسطيني ونقف الى جانب قضيته العادلة. من دون تردد او خوف. فقضية فلسطين قضية عدالة وكرامة انسانية والواجب المسيحي يدعونا للدفاع عن القضية الفلسطينية".
ومن بعيد، من روسيا، قال بطريرك موسكو وسائر الروسيا للروم الارثوذكس كيريل ان "الاهتمام الاضافي لحاجات الاقليات المسيحية في العالم العربي اصبح عاملا مهما في مستقبل تحسين العلاقات المسيحية الاسلامية".
وكان البطريرك كيريل قد استقبل، قبل أسبوعين، في مقره في موسكو، رؤساء البعثات الديبلوماسية العربية في روسيا. واشار في كلمة الى أن "هناك علاقات دافئة تربط روسيا بالعالم العربي، وتعود الى الماضي البعيد". وقال: "مؤمنونا متعلقون بتقاليدهم الروحية. واعتدنا لمئات الأعوام ان نعيش جنبا الى جنب مع اقلية من المسلمين تعيش ملء الحرية، وذلك على مبدأ الصداقة وحسن الجوار".
واذ لفت الى ان "هناك اقليات مسيحية نشأت قرونا في العالم العربي، وتتمتع احيانا كثيرة باحترام كلي من الأكثرية المسلمة في بعض الدول الاسلامية"، اعلن نيته "زيارة الكنائس القديمة في الاسكندرية وانطاكية واورشليم في الاعوام المقبلة". وقال: "هذه الكنائس القديمة حملت خدمتها في الشرق الأوسط وشمال افريقيا قرنين، وجمعت خبرة واسعة في التعامل البناء مع المسلمين، وهو امر نقدره عاليا، ولنا علاقات حارة بهذه الكنائس".
الحضور المسيحي في المشرق العربي ليس ترفاً، أو جملة معترضة، بل هو تكذيب معاش لأطروحة صدام الحضارات والثقافات والأديان...


المصدر: جريدة المستقبل

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,099,243

عدد الزوار: 6,752,633

المتواجدون الآن: 101