«لقاء تاريخي» بين عون والمطارنة خلال اجتماع مجلسهم الشهري برئاسة صفير: مكاشفة صريحة حول كل المعطيات.. وتوافق في الموقف من إلغاء الطائفية السياسية

تاريخ الإضافة الخميس 3 كانون الأول 2009 - 5:43 ص    عدد الزيارات 3241    التعليقات 0    القسم محلية

        


غراسيا بيطار
بدا العماد ميشال عون الأقل استغرابا لما شهدته بكركي أمس. فبعض وسائل الإعلام تم إبلاغها صباحا من دوائر الصرح بتوقع وصول «رجل دين» الى بكركي وعليها التواجد في حال أرادت ألا تغيب عن الحدث. ليتبيّن أن «رجل الدين» هذا هو «مسؤول مدني» على حد توصيف عون نفسه وكان التمويه لأسباب أمنية معتادة. وفي «سابقة» هذه المشاركة التاريخية في اجتماع مجلس المطارنة، يتحدث البعض عن مشاركة الرئيس الراحل رفيق الحريري والرئيس أمين الجميل في اجتماعات المجلس لكن أحد المطارنة يصوّب بأنه حينها اجتمع الحريري مع عدد من المطارنة ولم يكن ضمن اجتماع المجلس الدوري، وأما الجميّل فلم يحصل ذلك على الأقل طوال مدة تسلم هذا المطران سدة المطرانية أي أكثر من خمسة عشر عاما.
يناقش عون المطارنة في المصالحات المسيحية وسلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني والتوطين وإلغاء الطائفية السياسية والهجرة وغيرها و«يمالحهم» على مائدة بكركي وغداؤها للأربعاء الفاصولياء والأرز بالدجاج وفواكه «من حواضر البيت». يقف الى جانب البطريرك في الكنيسة لشكر الله بالصلاة ويغادر واعدا بـ«نتائج ممتازة وإيجابية للبنان عامة والمسيحيين خاصة». وبعد الوداع يُسأل البطريرك هل الجو إيجابي فيقول: «نعم نعم ... ولكن الآن ما بدنا نحكي». وهل المصالحات ماضية؟ يعلّق: «نعم... متل ما شفتو». ولعلها المرة الأولى التي تسمع فيها توصيفات عون على لسان بعض المطارنة كأن يصفوه بالرجل «الجريء»، «الواضح»، «الصادق»، «المنطقي»، «المنهجي»، «الفهمان»....
عند التاسعة تماما بدأ المطارنة بدخول قاعة الاجتماعات ليبادرهم البطريرك بالخبر: «اليوم سيشارك في جزء من اجتماعنا العماد ميشال عون». غالبية المطارنة دهشوا باستثناء البعض ممن عملوا على تحقيق التقارب وعددهم يصل الى خمسة. فمشهد الأمس هو ثمرة اجتماعات ولقاءات متواصلة بين الرابية وبكركي منذ أكثر من شهرين من خلال مطارنة وموفدين من العماد عون لم يعلم منها إلا الزيارة التي قام بها بعيدا عن الإعلام النائب إبراهيم كنعان الى الصرح منذ قرابة الثلاثة أسابيع وجاءت عشية تمثيل الأخير لـ«الجنرال» في قداس بكركي تكريماً لرجل الأعمال اللبناني جوزف غصوب. في تمام العاشرة إلا ربعا خرج سكرتير البطريرك الخاص الأب ميشال عويط الى المدخل الخارجي للصرح لكي يستقبل «الجنرال» الذي حضر منفردا لا يرافقه إلا غابي جبرايل والفريق الأمني. يُفتح باب قاعة الاجتماعات فيدخل «الزعيم المسيحي» سينودس المطارنة. يصافح بداية البطريرك ثم المطارنة فردا فردا. ويدعوه رأس المجتمعين الى يمينه للجلوس. وقبل أن يبدأ العماد عون بعرض وجهة نظره المظهرة غالبيتها في خطابه العلني، قدّم له البطريرك بكلمة شكر له فيها حضوره، متوقفا عند ما يتمتع به من مكانة ودور في البلد على الساحتين الوطنية والمسيحية».
جلس «الجنرال» الى يمين رأس الكنيسة المارونية وقال: «أتيت لكي أفتح الحوار مع الجميع، بطريركا ومطارنة، وسأعرض وجهة نظري ونفتح باب النقاش وأنا مستعد للإجابة على أي سؤال أو استيضاح فلا ممنوعات بيننا». تحدث عون قرابة ال60% من الساعتين اللتين أمضاهما في حضرة المجلس. وما تبقى من وقت خصص لأسئلة المطارنة ومداخلاتهم. وتجدر الإشارة الى أن 22 مطرانا من الذين يحضرون اجتماعات المجلس حضروا أمس ولم يتغيب سوى المطران سمير مظلوم لوجوده خارج البلاد علما أنه كان من ضمن الذين عملوا على خط التقارب بين الجانبين. وعندما كادت مداخلة «الجنرال» أن تطول قال للبطريرك: «لا أعرف هل لا يزال عندي الوقت الكافي لكي أتابع». أجابه البطريرك: «لك كل الوقت». وفي هذا التناغم تمت مقاربة المواضيع ، ما هو مسلم به والشائك منها، ووصلت نسبة التقارب الى 90% بحسب وصف أحد المطارنة الذي قال لـ«السفير»: «إن البطريرك كان مستمعا ومنشرحا وتبين بعد هذا اللقاء التاريخي أن مساحات التلاقي واسعة وكبيرة، وإحدى المشكلات أنه لم تكن ثمة مناسبات لحصول مثل هذه المكاشفة».
في مداخلته قدّم «الجنرال» عرضا للمسار السياسي الذي انتهجه منذ منفاه الباريسي وحتى اليوم. «شرح الأمر بشكل منطقي وواضح وشامل وواسع ومنهجي» يقول أحد المطارنة الذي أشار الى أن النقاط الخلافية كانت قليلة جدا. ثم فتح باب النقاش والأسئلة وتناوب معظم المطارنة على الكلام. شرح عون مسألة السلاح وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مستشهدا بمذكرة التفاهم الموقعة بين التيار الوطني الحر وحزب الله ومشيرا الى أن معالجة هذا الموضوع تأتي ضمن الإستراتيجية الأمنية التي قدّمها في طاولة الحوار وأصبحت في متناول الرأي العام. وهنا سمع «الجنرال» ثناء على «مذكرة التفاهم التي عززت التقارب وأراحت المواطنين في المناطق المختلطة والمطارنة يلمسون هذا الأمر في مناطقهم». وانطلاقا من هذا الثناء تحدث عون عن «لبننة» حزب الله وهذه النقلة النوعية التي تظهرت في الوثيقة السياسية التي أعلنها السيد حسن نصر الله منذ يومين». وإذا كانت مداخلته انطلقت من منفاه الى اليوم فأسئلة بعض المطارنة ردّته الى أبعد من ذلك كأن يقول ردا على سؤال أحد المطارنة: «نعم أنا أعرف منطقة جزين جيدا بحكم خدمتي هناك كضابط في الجيش». ومن سلاح المقاومة الى السلاح الفلسطيني فالعلاقة مع سوريا وهنا استوضحه أحد المطارنة عن استمرار الوجود السوري في لبنان من خلال تدخله في الشؤون اللبنانية فكان نقاش عن العلاقات الجامعة للبلدين منذ الاستقلال «والتجاور يفرض إرساء أفضل العلاقات». ثم تحدث عون عن المصالحات مكررا موقفه بأن «لا مشكلة لدينا مع أحد» وهنا ذكّر المطران فرنسيس البيسري الذي واكب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع أثناء اعتقاله، بمبادرة «الجنرال» بزيارة الأخير في سجنه. وكانت لافتة كالعادة روح المطران البيسري المرحة إذ لوّن اللقاء بطرفة زادت من الجو «المرتاح» على حد تعبير أحد المطارنة في الاجتماع وكذلك على الغداء. ولم يغفل كلام عون ذكر إلغاء الطائفية السياسية مذكرا بأن «المسألة ليست بهذه السهولة ونحن منفتحون وإنما أي طرح يحتاج الى توافق جميع ممثلي الشعب». وسئل عن المسيحيين الذين دخلوا الى إسرائيل فأجاب: «سعينا أن يكون لهم بند في البيان الوزاري لمعرفة كيفية التعاطي معهم في المستقبل». وكان عرض كذلك للموضوعات التربوية في المؤسسات الكاثوليكية واقترح أحد المطارنة في ختام الاجتماع أن يصار الى توسيعه في موعده القادم الشهر المقبل لكن الاقتراح بقي مجرد اقتراح فـ«الجلسة ليست للخروج بموقف أو طرح ما وإنما للتلاقي».
المتحمسون للتلاقي اختصروا خطوة عون بالقول «ضرب رفّا من العصافير بحجر واحد». أما وقائع الجلسة فتبين أن أي موقف موحد لم يكن مخططا له أو مطروحا في الأساس ففي الأصل كانت «المكاشفة» هي المطلوبة وجاءت المبادرة من «الجنرال» والتي سرعان ما تلقفتها الكنيسة. وفي هذا السياق يقول أحد المطارنة: «اللقاء كان رائعا ومبادرة الجنرال جيدة جدا بأن يدخل رجل سياسي الى السينودس ويقوم بعرض وجهة نظره بهدوء». ويردف باسما: «يا ليته يتمتع دائما بهذا الهدوء الذي طالعنا به اليوم». وقال المطران يوسف بشارة لـ«السفير» إن «أي تقارب مفيد واللقاء تخلله توضيح للمواقف». وهل تم الاتفاق على السير في مصالحات مسيحية في بكركي؟ أجاب: «لم يكن هذا الموضوع داخلا في البرنامج». في الداخل انسجام وفي الخارج جمهرة إعلاميين يصطادون كل مطران يخرج من الاجتماع لسبب معين. مطران يقول: «الأجواء كتير منيحة وتسودها الصراحة ونتحدث في كل شيء ما عم نخلّي شي... والجنرال «فهمان» ويتحدث في جو عائلي بشكل منطقي جدا». وقبل أن ينضم الجميع الى مائدة بكركي قام «الجنرال» بجولة تفقدية في متحف البطريركية المارونية وهو عبارة عن معرض يضم لوحات وأدوات تخص البطريرك صفير في جولاته الخارجية وأسلافه وخصوصا البطاركة المعوشي وخريش والعريضة.
تصريح عون
وكان العماد عون قال بعد الاجتماع: الزيارة كانت مناسبة مهمة جدا قال عنها بعض الأحبار إنها تاريخية، التقينا فيها مجلس المطارنة الموارنة وعرضنا واقع السياسة اللبنانية والأحداث التي جرت في الآونة الأخيرة على الأقل وما سبقها من أحداث مهمة تتعلق بلبنان. كما تخلل العرض أسئلة وإيضاحات حول السياسة كانت ضرورية لتوضيح المواقف ومنطلقاتها السياسية لأنها تزيل الغموض من ناحية المنطلق والغاية التي كانت في أساس الموقف.
ولفت الى أن «اللقاء ليس للمصارحة لأن المصارحة جزء دائم من حديثنا لكن لتوضيح الخلفيات التي يمكن أن تلتبس على الانسان بسبب غياب المعطيات» وقال: قدمنا الكثير من المعطيات الجديدة في هذا اللقاء وستكون نتائجها ممتازة على صعيد العلاقات. طبعا تسألون لماذا نحن هنا؟ الجميع يعرف أن البطريركية المارونية مرجع تاريخي ولها دور مميز في حياة لبنان وتاريخه وفي إنشاء لبنان الكبير بمساعدة البطريرك حويك الذي كان في حينه في السدة البطريركية.
^ هل فتحت هذه الزيارة صفحة جديدة بين الرابية وبكركي بعد التوتر الذي كان قائما في السابق؟
{ كان هناك توضيح للمواقف وخلفياتها والشرح شمل كل الأطراف.
^ هل شرحت وجهة نظرك من موضوع سلاح حزب الله وطمأنت الكنيسة المارونية بهذا الخصوص؟
{ هناك نقاط توافق وأخرى شهدت تباينا في وجهات النظر، وكل هذه الأمور بحثت ضمن شمولية معينة لأنه لا يمكن تجزيئها ولن أعطي أكثر من هذا القدر من التوضيح لكنني سعيد جدا بعقد هذا الاجتماع وكما سبق وقلت سيكون تاريخيا.
^ هل يمهد هذا اللقاء لاجتماع مسيحي موسع؟
{ المبادرة كانت مع مجلس المطارنة فقط.
^ هل من خطوات أخرى؟
{ دائما هناك خطوات أخرى وكل شيء سيبحث عندما تنضج ظروفه.
^ في المحصلة ما هي نسبة التوافق بينك وبين الكنيسة المارونية؟
{ لم نجر حسابات، كل المواقف شرحت بوضوح بخلفياتها وأسبابها وكل انسان له قناعاته وهذا الوضوح ستكون له نتائج إيجابية لمصلحة المسيحيين خصوصا ولبنان عموما.
^ هل ستظهر هذه النتائج قريبا؟
{ من هذه اللحظة.
بيان مجلس المطارنة
اما البيان الذي تلاه امين سر البطريركية المونسنيور يوسف طوق بعد اجتماع مجلس المطارنة فجاء فيه :
1ـ لدى اقتراب عيد الميلاد المجيد يهنئ الآباء أبناء أبرشياتهم، بهذا العيد، سائلين الله تعالى ان يجعله بالنسبة اليهم جميعا موسم خير وبركة.
2ـ ان عيد الميلاد المجيد مناسبة للميسورين لمد يد المساعدة للمعسورين ليعيد الجميع بالفرح والأمل بغد أفضل لجميع الناس، وخصوصا للوطن الذي يعاني منذ سنوات تصدعا في صفوف المواطنين قد لا تحمد عقباه اذا استمر على ما هو عليه، أو تنامى.
3ـ رحب الآباء بما تم من مصالحات على الصعيد السياسي والوطني، وسألوا الله أن تشمل الجميع، وان تأتي هذه المصالحات بما ينتظر منها من تفاهم على الصعيد الوطني، وذلك لخير الشعب اللبناني ونهضة الوطن مما يتخبط فيه من مشاكل.
4ـ نأمل ان تحمل الأعياد المقبلة مختلف فئات اللبنانيين على تناسي ما في صدورهم من أحقاد تجاه بعضهم، وأن يتصالحوا ويعقدوا الخناصر على إنهاض بلدهم مما يتخبط فيه من مشاكل تبدو مستعصية.
5ـ رحب الآباء بزيارة العماد ميشال عون الذي عرض لهم نظرته الى الأوضاع الراهنة، وتداولوا وإياه شؤونا وطنية مختلفة، عسى أن تعود بالخير وبالوفاق على جميع اللبنانيين.
6ـ إنا اذ نعرب عن خالص أمانينا لأبنائنا وللبنانيين جميعا على اختلاف انتماءاتهم الدينية، نسأل الله أن يجعل العام الجديد عليهم عام خير وبركة وطمأنينة.
 

 


المصدر: جريدة السفير

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,068,826

عدد الزوار: 6,977,462

المتواجدون الآن: 80