جبران حضر للمرة الرابعة بين محبيه في ذكرى استشهاده بـ"الفوروم دي بيروت"

نايلة تويني: "ثورة الأرز" مستمرة ونحتفظ باتهامنا السياسي لسوريا

تاريخ الإضافة الأحد 13 كانون الأول 2009 - 6:06 ص    عدد الزيارات 3771    التعليقات 0    القسم محلية

        


كاد الشهيد أن يحيي ذكرى استشهاده. بلغ المشهد ذروته. حشد يقف تحية له مردداً معه قسمه الحي. جبران السياسي والصديق والأب والصحافي، جبران الإنسان كان أمس موضع تكريم في الذكرى الرابعة لرحيله.
"حياً خالداً يا جبران"، هزت القاعة ومعها اهتز الحاضرون. كان جبران يروي حكايته مع العائلة و"النهار" والسياسة. حكى ماضيه وحاضره ورسم مستقبله. تحدث عن جبران الجد ونشأة "النهار" وأعاد تحديد ثوابته في المواضيع السياسية الراهنة، الخلافية منها والتصالحية. حتى أنه استشرف غده. "المستقبل"، قالها مراراً، بـ"الاستمرارية التي يوفرها ثلاثة، بناتي وأصدقائي والمؤسسة" القائمة التي عمل من أجلها.
وبروح الاستمرارية ذاتها، بلورت المديرة العامة المساعدة لـ"النهار" النائبة نايلة تويني الثوابت في كلمة سياسية أكدت فيها مواصلة "ثورة الأرز" و"انتفاضة الاستقلال". وبعدما استعادت ظروف منحها الثقة لحكومة الرئيس سعد الحريري، كررت تحفظها عن ازدواجية السلاح وزيارة الحريري لسوريا من منطلق تمسكها بتوجيه اتهامها السياسي الى دمشق بالاغتيالات السياسية. وبعدما دعت إلى قيام علاقات متوازنة مع سوريا، أعلنت أن "النهار" تنظم حدثاً إعلامياً ضخماً في العالم العربي في حزيران 2010 عبر استضافتها المؤتمر الـ63 للـWAN – IFRA ومنتدى الناشرين العالمي (الـ WEF) الـ17 ومعرض وسائل المعلومات.

احيت اسرة "النهار" الذكرى الرابعة لاستشهاد النائب جبران تويني في احتفال أقيم في الـ"فوروم دي بيروت".
ومثل رئيس الجمهورية وزير الإعلام طارق متري، ورئيس مجلس النواب النائب ياسين جابر، ورئيس مجلس الوزراء  وزير التربية حسن منيمنة. ومثل الرئيس امين الجميل وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ، والرئيس فؤاد السنيورة زوجته السيدة هدى، وحضر ايضا الوزراء زياد بارود وبطرس حرب وريا الحسن وميشال فرعون ومحمد رحال وباسم الشاب، ومثّل وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش جان قهوجي العميد الركن يوسف جرمانوس، ومثلت النائب جان اوغاسبيان زوجته، ومثل رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" ميشال عون النائب فريد الخازن، ونائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق عصام فارس العميد وليم مجلي.   
وشارك النواب: روبير غانم، مروان حمادة، هنري حلو، تمام سلام، احمد فتفت، عاطف مجدلاني، ايلي عون، نبيل دو فريج،  سيرج طورسركيسيان، فريد حبيب، ارتور نظريان، عمار حوري، ابرهيم كنعان، غسان مخيبر، خالد زهرمان، نضال طعمة، نديم الجميل، زياد القادري، امين وهبي، طوني ابو خاطر، جوزف معلوف، خضر حبيب، رياض رحال، والنواب السابقون: الياس عطالله، نايلة معوض، مصطفى علوش، والوزير السابق يوسف سلامة، الى جانب عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس اده.
وكانت في مقدم الحضور السيدة سهام جبران تويني وابنتاها غبرييلا وناديا، الآنسة ميشيل جبران تويني، السيدة صولانج الجميل، جويس امين الجميل، باتريسيا بيار الجميل، سيلفي وميرنا المر، رئيس "حركة الاستقلال" ميشال معوض، الى الآنسة يمنى بشير الجميل، الدكتور توفيق الهندي، النائب السابق غطاس خوري، السيد رياض الاسعد، ممثل المدير العام للامن العام العميد رودولف صليبا، ممثل مفتي الجمهورية الشيخ خلدون عريمط، السيد علي الامين، مستشار الرئيس سعد الحريري داود الصايغ،  والسادة جوزف ابو شرف، ادمون غاريوس، الياس ابو رزق، المستشار في السفارة الفرنسية فرنسوا ابي صعب وجمع من السفراء والديبلوماسيين والمديرين العامين، وشخصيات اقتصادية واجتماعية ودينية، إلى إعلاميين وصحافيين. 
 النشيد الوطني  بداية معلنا انطلاق الاحتفال، ارتسم بعده المشهد الأول. أخذ  صوت الشهيد يصدح. اخترق الحضور. لعلع القسم. فالتهب الجمهور. علا التصفيق. كانت "فرقة أليسار كركلا" تؤدي لوحات راقصة شاركت فيها شابات ارتدين زياً ابيض وعلى ظهورهن علم لبنان وتحوطها شعلات نارية. على وقعها، راحت صور الشهيد تزين المنصة، وهو يلقي خطاب القسم في "انتفاضة الاستقلال" بينما لف الوشاح الاحمر والابيض عنقه. اختلط الفرح بالدموع. امتزج الرقص بالموت. "حياً خالداً يا جبران"... عبارة تكررت وتكررت. وحدها يد الشهيد اليمنى أسكتتها. فخفتت الاضواء.
                       
 

  المشهد الثاني

حل الشهيد ضيفا على جمهوره في المشهد الثاني. انبعثت الحياة مجددا. جبران لم يمت فعلا. "النهار" مستمرة. بين الماضي الذي تذيّله صور العائلة بالابيض والاسود، والحاضر الذي تجسده "صحيفة تتخطى الانسان والمستقبل" والغد وتعكسه "الاستمرارية" كما قال، وهي تتجلى في بناته  واصدقائه والمؤسسة التي أحبها، أخذ جبران يقص حكايات على محبيه. حكايات حفظتها ذاكرة وسائل الاعلام التي استضافته. نبش فيها التاريخ القديم بلوحات لجبران تويني الجد وغسان تويني وناديا. ومر على حقبات في التاريخ الحديث عايشتها الجريدة التي بذل نفسه من اجلها، والتي "تبقى أهم من المركز السياسي لتغدو إرثا ومؤسسة ومدرسة". وتوّجها "بإنعاش للذاكرة السياسية"، عبر استعادة لمواقفه في "لقاء قرنة شهوان" وتحت قبة البرلمان وصولا الى مكثه في المنفى القسري في باريس، قبيل اغتياله. ولعل ابرزها دعوته الى الحوار والمصالحة، وانتقاده اللاذع للوصاية والاحتلال السوري، وشرحه خلفيات ترشحه للنيابة، وحملته على الارهاب والانظمة التوتاليتارية ومسلسل الاغتيالات منذ محاولة اغتيال مروان حمادة، وتذكيره بضرورات ازاحة  الرئيس اميل لحود وتبدل نظرة فئة من اللبنانيين حيال الشعب الفلسطيني، وتكراره لرفض التوطين وتمسكه باتفاق الطائف والقرارات الدولية ولاسيما القرار 1559 وحصرية السلاح في يد الجيش اللبناني.     
 طبعا، لم يدرك جبران الذي أطل على جمهوره  حاملا نعش الشهيد سمير قصير، انه "مشروع" الشهيد المقبل. بين جنازة واخرى، كانت دعوة وفعل ايمان. "لا للتشكيك بوحدة 14 آذار وإن شكك فيها السياسيون"، رددها مرارا. تلاها فعل ايمان بالله "الذي يقرر وحده انتهاء دوري، ومتى تدق ساعتي".
في التاسعة الا عشر دقائق من صباح 12 كانون الاول 2005، دقت تلك الساعة. صور الاب المفجوع والصحافي الجبار التي اطلت على الحشد   كانت كافية لنقل خبر انفجار هز المنصورية وبيت مري يومذاك.
ظهرت لوحات الاشلاء، فانقطعت الانفاس. عاد حامل نعش سمير قصير سابقا في نعش، مرفوعا على الأكف. ساد الصمت. خفتت الاضواء، مجددا.
                          
 

 المشهد الثالث

"جبران لم يمت، النهار مستمرة". هكذا اطلت الصحيفة على قرائها في اليوم التالي للاغتيال. والشهيد لم يتوار، بالامس، بل أكمل قصته خطاب القسم في المشهد الثالث بترانيم لـ"كورال الفيحاء". حيّا بعدها رئيس قسم المحليات في "النهار" الزميل نبيل بو منصف الحضور باسم أسرة الجريدة، والقى كلمة قطعها التصفيق لدى تناوله تلوّن السياسيين. جاء فيها: "اربع سنين من اعمارنا ومن وقت استشهاد جبران تويني كأمس الذي عبر". "جبران لم يمت والنهار مستمرة". نعم، مثلما وشح  عميدنا الاستاذ غسان "النهار" صباح اليوم التالي على الفاجعة، بمعنى ان  "النهار" تستمر وتشهد يوميا من اربع سنين للمعاني التي استشهد من اجلها جبران. لكن الحقيقة انو جبران استشهد من اربع سنين، وبعد اربع سنين اسمحوا لي بكم خاطرة وفكرة منشوفن نحنا رفاق جبران من قلب التجربة المرة. جبران تويني بعد اربع سنين من اغتيالو، منشوفو نحنا رفاقو، من زاويتين، بما كان يعني شخصو وبما يعني استشهاده وأبعاد استشهاده. جبران تويني الصحافي اولا، هو اليوم بالنسبة لإلنا واكتر من اي وقت مضى العصب الديناميكي للعمل الصحافي وتطويره وتحديثه، هو اللي ما كان يستكين او يهدأ، مهجوس كل يوم بخلق شي جديد وبجعل الصحافة المكتوبة تلعب اكبر دور ممكن بتحريك الرأي العام. وجبران، وهيدي نقطة اساسية بحب ركز عليها اكتر مين غيرها هيدي المرة لأني بشعر انو جبران ما اخذ حقو فيها مثل ما لازم. جبران من اكثر الصحافيين يللي بيلتزمو باقصى حدود الالتزام بموقف، وبنفس الوقت باقصى حدود الديموقراطية. نعم كان جبران اكتر قلم حاد بالتعبير عن موقف واضح، وصريح ومباشر ما بيعرف حدود تمنعو  وما بيعترف بممنوعات ومحظورات، وبنفس الوقت كان اكتر مين بيعترف للاخرين بالحق نفسه في التعبير عن موقفهم منو. كان يكتب وينتقد وحتى يهاجم وباليوم التاني يروح لعند اللي كتب عنو وانتقدو ليحاورو، وفي عشرات وعشرات المقابلات اللي اجراها مع زعماء ومراجع وسياسيين كان ضدهم هي اكبر دليل على ديموقراطيتو وعلى اعترافو بالآخر وبضرورة الحوار مع الاخر اللي بيختلف معو.
جبران تويني السياسي ثانيا، بعد اربع سنين من استشهاده مع كل اللي شهدو لبنان، وتفاعل الناس مع القيم  يللي تصوروها لاستشهادو واستشهاد غيرو من الشهداء، حرام اليوم ينقال ضيعان اللي راحو وانو دمو راح ضيعان. اكيد ضيعان اللي راحو، بس دمهم ما رح هدر، وما بيجوز ينقال عن شهيد وصل بقناعاتو لحد الشهادة انو دمو راح هدر. جبران كان ابن خيارو وما قبل يغير خيارو تحت اصعب الظروف واشدها خطورة عليه. وجبران ما كان انتحاري، مش صحيح، بس كان مؤمن بخيارو وبقلمو وبصوتو وبمواقفو. واذا كان القلم والصوت والموقف بهيدا البلد بيودّو على القتل والاغتيال والارهاب، فبعد اربع سنين ما بينقال عن جبران السياسي الا انو ما كان سياسي، اذا كانت السياسة هي فن التلون والتبدل والنطنطة على الحبال. وما كان سياسي بمعنى الركض والهرولة واللعب على مشاعر الناس واستغلال الظروف والتكيف مع المصالح، وما كان سياسي بمعنى القبول كيفما كان وشو ما كان والمهم انو نخلص روسنا ونمشي بالقافلة حتى لو كان الثمن إنو نروّح كل شي عملنا لنتخلص من الاحتلالات والوصايات والجاهليات والمحسوبيات.
جبران ابن خيار بلش فيه قبل 30 سنة من 14 آذار وما خلق معه يوم 14 اذار، ولا كان نهايتو بـ 12 كانون الاول 2005، يوم اغتيالو. هيدا القسم اللي اطلقو بساحة الشهداء في 14 آذار هوي خلاصة خيارو، وهوي حقيقة لبنان اللي ما قدر حدا من جوا او من برا انه يغيرها وما راح يقدر يغيرها حدا " لأبد الآبدين". وبيكفي، وحرام نقيس جبران واستشهاده بمعاييرنا اليومية وبتعاسات السياسة اليومية عندنا والاعيبها وبهلوانياتها.
ويللي عندو شك انو كل شي راح من اجلو جبران ما قدروا اللي قتلو انو يقتلوا بلبنان، يفحص حالو بالأول، ويسأل حالو هل قدرت اربع سنين انو تغيرلو نظرتو للبنان الحرية والدولة والسيادة والاستقلال والوحدة الحقيقية؟ إذا تغيرت نظرتنا منكون نحنا اللي لازم نبكي على حالنا مش نبكي على جبران، ومنكون نحنا اللي خذلنا جبران وخسرناه مرتين.  أما قصة العدالة اللي كلنا ناطرينا، فنحن ما منملك إلا نكون صوت الحق اللي مش مسموح إنو يتراجع ويخفت ويخاف، حتى لو ظلت العدالة مقصرة سنين وسنين. نحنا بدنا عدالة يكون صوتها مثل ما كان صوت جبران، لما بتوصل للحقيقة تزلزل الارض واقل من هيك ما بيجوز نقبل وما بيجوز نسكت. ومش فارقة ان كانت عدالة دولية او وطنية. اصواتنا كلنا لازم تخلي هيدي العدالة تعرف انو هيي كمان تحت المحاسبة إذا خافت او إذا قصرت او تهاونت، وما حدا يقول شو بيطلع ما نحنا بالقرن الـ21 واقل واحد منا ببيتو اليوم قادر بعصر العولمة يحرك رأي عام عالمي.
أخيرا، ما راح احكي عن جبران الانسان، راح خلي غيري يحكي لاني بخاف إنو تعتقدو اني عم صوّر جبران اله. انا ما عم ألِّه جبران. جبران كان إنسان ملتزم بخيارو وملتزم كمان بأمور ما كانو اقرب رفاقو يعرفوها عنو. راح اترككم مع ثلاث عينات حية عن جبران تويني الانسان بيحكو عنها اصحابها، وبشكر حضوركم مجددا على امل انو يكون لبنان بالذكرى الخامسة لجبران السنة الجايي دخل عصر العدالة اللي ما في لا دولة ولا سيادة ولا استقلال ولا حريات من دونها".

 

 المشهد الرابع

3 شهادات عن "جبران الانسان" طبعت المشهد الرابع. فيه، تحدثت الزميلة نيكول طعمة عن تجربتها في "النهار"، بعد لقائها جبران تويني الذي فتح لها ابواب الصحيفة وهي تعاني مشكلة في البصر. وتلتها لبنى فريح التي تكفل جبران بنفقات دراستها في جامعة "هارفرد"، احدى اهم الجامعات الاميركية التي باتت تخصص سنويا جائزة باسم الشهيد. وتحدثت نجوى مشرفية عن تجربة ابنها هيثم الذي احتضنه المدير العام لـ"النهار"، بعدما سمع عن حلمه بأن يصبح صحافيا عبر برنامج "كلام الناس"، وهو مصاب بمرض السرطان.
                     
 

المشهد الخامس

ثلاثة ابنية، ثلاثة عصور، ثلاثة رجال... وثائقي اختصر حكاية الصحيفة منذ تأسيسها عام 1933 في مشهد خامس، متنقلا بين "المبنى والمعنى". من ظروف انتقال الصحيفة من سوق الطويلة "بعدما ضاق المكان على آفاق غسان تويني"، وصولا الى التمركز في قلب العاصمة تجسيدا لرؤية الشهيد في المواءمة بين الماضي والغد، وكانت لمحات جغرافية هندسية عن المكاتب وعمل الاقسام والحركة اليومية في الجريدة التي لا تنام.  على المكتب الذي يحوي صورا عائلية ومجسماً لديكٍ شامخ ووردتين تسمرت الاعين. هناك يتابع الشهيد عمل ابنته نايلة ويطل على المدينة.
على هذه الروحية وبعد تقديم لمدير التحرير في "النهار" غسان حجار، اطلت نايلة تويني على الحضور مرتين.  مرة في مشاهد ومقتطفات ظهرت فيها "ابنة القتيل الذي لا يموت" يوم جنازته، ومرة في كلمة تناولت  "ولادة جبران تويني الثانية" ومسيرة "انتفاضة الاستقلال"، مذكرة بتحفظها عن ازدواجية السلاح وزيارة الرئيس الحريري لسوريا. ومما فيها: "اربع سنوات على غياب جبران تويني، اربع سنوات على ولادة جبران تويني الثانية، اربع سنوات ولم يمت جبران تويني، اربع سنوات والنهار مستمرة. اربع سنوات ونحن على الوعد والعهد والقسم...
اليوم وفي ذكراك الرابعة يا ابي، اقف هنا مع العائلة ومع احبابك واصدقائك لكي نحتفل بولادتك الثانية.
اليوم وفي ذكراك الرابعة، ثمة من يقولون ان الوقت يشفي. وثمة من يقولون ان الوقت كفيل بالنسيان. اما أنا فأقول لهم واقول لك ان الوقت ما شفاني من غيابك. انت الحاضر ابدا في كل خطوة خطوتها، وانت الملهم ابداً في كل ما فعلت او حاولت.
احياناً نجحت واحيانا لم انجح. ولكني على الدوام امينة على مسيرتك، واتقدم الى الامام بنصائحك التي رافقتني منذ ولادتك الثانية... وما غادرتني.
لن اعود في حديثي الى القتلة، وبيننا عدالتان، عدالة الله، وعدالة المحكمة الدولية التي نمنحها ثقتنا. ولن اذهب مع الذاهبين لأردد كلاما من نوع: راح ضيعان، ولن اسأل مع السائلين: ماذا بقي من قسم جبران؟ فقط أقول ان جبران لم تذهب دماؤه هدراً، لأنه لم يمت من اجل منصب او موقع.
جبران سقط من اجل الشعب. من اجل لبنان. من اجل مسيحييه ومسلميه. من اجل الاستقلال والحرية والسيادة.
ماذا بقي من قسم جبران؟ بقي جبران وبقي القسم. وبقي شعب لبنان العظيم المؤمن بكل حرف من حروف القسم التي رددها وراء جبران في ساحة الحرية. بقي عهدنا لجبران وللقسم ان نواصل حملة شعلة ثورة الارز، وان نبقى موحدين دفاعا عن لبنان العظيم.
ان ثورة الارز، او انتفاضة الاستقلال حركة دائمة ويومية، خرج منها من خرج وبقي منها من بقي. لا يهم هذا او ذاك، فالثورة تستمر في النفوس، وفي قلوب المؤمنين بها.
لا يستقيم احياء ذكرى حامل هموم الناس واحلامهم جبران تويني ما لم نتطرق الى بعض هموم الناس واحلامهم.
ان حكومة الرئيس سعد الحريري نالت قبل يومين ثقة عارمة في مجلس النواب، وقد منحتها ثقتي وكلي قناعة ان ثمة فرصة كبيرة يمكن لنا جميعاً ان نستفيد منها لإخراج البلاد من الدوامة التي كانت تتخبط فيها.
فالمصلحة الوطنية الحقيقية فوق كل اعتبار، ونحن نرضى بما لا يقنعنا في العقل والعاطفة احياناً، لانقاذ ما يسمى وحدة وطنية.
ولكن، اود هنا ان اشدد على نقطتين تحفظت عنهما:
تعلمون اني تحفظت وما زلت، على مسألة ازدواجية السلاح لأن السلاح خارج الدولة لن يؤدي الا الى حروب خارجية وداخلية على حد سواء. فلا لسلاح الا سلاح الدولة ولا لـ"اتفاق قاهرة" جديد.
ولقد تحفظت ايضاً عن زيارة الرئيس الحريري المترقبة الى دمشق التي ما زلت اوجه اليها حتى الآن اتهاماً سياسياً بقتل جبران تويني وسائر الشهداء. وللمحكمة الدولية وحدها ان تحسم الامر.
اما في موضوع العلاقات مع سوريا فلست مع علاقة مميزة ولا مع علاقة غير مميزة، بل مع علاقة متوازنة تقوم على المصالح السياسية الاقتصادية والاجتماعية المشتركة بين البلدين الجارين واحترام الحدود الجغرافية والسيادة على انواعها.
وبعد، جبران كثيراً ما حلم باحتضان لبنان لفاعليات الـWAN، الاتحاد العالمي للصحف واليوم، الحلم يتحقق.
اليوم، في حضور مسؤولين من الاتحاد العالمي للصحف، اعلن ان "النهار" ستنظم هذا العام الحدث الاعلامي العالمي الاضخم والاكبر.
للمرة الاولى في العالم العربي، تستضيف بيروت في حزيران 2010 المؤتمر العالمي السنوي الثالث والستين للـ WAN/IFRA ومنتدى الناشرين العالمي الـWEF السابع عشر ومعرض وسائل المعلومات (Info Services Expo).
وفي هذه المناسبة، ادعو جميع المؤسسات الرسمية والهيئات المختصة والنقابات والشخصيات المعنية، لتوحيد الجهود، وتحقيق هذا المشروع الحلم، ليبقى لبنان مهداً للحضارات ومنارة للحرف ومركزاً للاعلام.
في هذا اليوم، اتطلع الى كل شهداء ثورة الاستقلال، والى كل الشهداء، في الجنوب والشمال والبقاع وفي العاصمة بيروت.
ابي، جبران،
في هذا اليوم، اقول لك اني جزء من طيفك الذي ما يزال يحوم فوق رأسي وفي قلبي.
واقول لك، اني كنت وما زلت اكثر تعلقاً بإرثك الانساني والوطني والصحافي من اي وقت مضى: "النهار" التي رافقت كل مراحل الاستقلالات وكل محاولات قمع الحريات، نهار غسان تويني اطال الله بعمره، ونهار جبران، ونهار قرائها. ونهار كل الشرفاء، وكل الاحرار.
فهذا الارث هو الباقي.
لك الحياة الابدية يا ابي، ولنا ان نبقى على العهد ما حيينا. وان ننظر الى المستقبل بأمل وتصميم على الضمي قدماً.
معكم ورغم كل الصعاب لبنان لم ينكسر،
لبنان لن ينكسر،
وبكم لبنان سينتصر.
شكراً".

 

 بولدينغ

والقى تيموثي بولدينغ، رئيس الاتحاد العالمي للصحف وناشري الصحف كلمة الاتحاد قال: "بالنسبة الى مؤسستنا، تبدو حياة جبران تويني وصراعه مرتبطين بقضية حرية الاعلام والتعبير والمعركة، معركته لترميم حقوق الانسان للشعوب العربية، بعدما صادرتها الانظمة الديكتاتورية والاحادية التي تسيطر على معظم هذه المنطقة.
لسوء الحظ، تبقى حرية الاعلام والمواطن حلما للشعوب العربية. في الحقيقة، هذه الحقوق تعاني القمع ذاته  اليوم، كما كانت قبل اربعة اعوام عندما غادرنا جبران، وربما اكثر. ولكن انطلاقا من روح جبران التي لا تقهر، يتواصل الصراع ولكن لا يفترض بنا ان نزيح عنه، كما لا يفترض ان يفشل في المدى الطويل."
واعلن ان لجنة الحكم التي تضم ممثلين لـ"وان-ايفرا " وعائلة تويني قررت منح جائزة هذا العام الى الصحافي الكردستاني اسوس هردي، رئيس تحرير صحيفة "اوان" منوها بمنشوراته المعروفة بتغطية الاخبار بطريقة عادلة ونقدية في بلد يواجه فيه الاعلام صعوبات كبيرة للحفاظ على حياده (...)"
وأشاد بالدور الذي اداه هردي في المحافظة على استقامة "اوان" وقبلها جريدة "حولاتي"، المنشورة المستقلة الاولى في كردستان العراق. وذكر بالضغوط التي تعرض لها هردي على مر الاعوام، معتبرا انه وضع معايير واهدافا عالية لصحيفته.
وشكر "النهار" وعائلة تويني لدعوتها الاعلام العالمي الى لبنان بين 7 و10 حزيران المقبل للمشاركة في مؤتمر الصحف وناشري الصحف العالمي.

 

هَرْدي

ثم قلد وتويني هردي الجائزة. ورد الصحافي الكردستاني بكلمة مما جاء فيها:
"لو خيروني بين دولة بلا صحيفة وصحيفة بلا دولة، لاخترت الثانية دون تردد" (توماس جيفرسون). لقد كنا شعبا بلا صحيفة حرة. كنا افكارا وهواجس تبحث عن فضاء للتعبير عن نفسها، فكان لا بد من مساحة تجمعنا وكان لا بد من بداية ما.
كنا في خريف عام 2000، وكانت غالبية الصحف والقنوات الاعلامية اما تابعة وإما ممثلة للاحزاب الكردية. وظاهرة التبعية والتمثيل هذه لها جذور عميقة في التأريخ المعاصر للشعب الكردي واشكالية العلاقة بين الحزب والاعلام. فمن ناحية، ساهمت الايديولوجيات الشمولية التي سادت القرن الماضي في ترسيخ الاقتناع بما يسمى بـ"الاعلام الموجه" لدى النخب السياسية. ومن ناحية اخرى فرضت التهديدات المستمرة للبقاء الكردي لغة ووجودا، على الصحافة الكردية ان تكون "صحافة مقاومة" ذات لغة ثورية تحاول حشد الجماهير حول خطابها. فكان التحدي الاكبر تفريغ هذه اللغة من شحناتها الحماسية والسمو بها الى العقلانية والموضوعية.
كانت الصعوبات كثيرة: بدء الموارد المالية، وقلة الخبرة الصحافية ومعدومية الخبرات السابقة في هذا المجال، مرورا بالاتهامات التي وجهتها الينا السلطة والاحزاب الكردية، وصولا الى التهديد والاعتداء الجسدي المباشر على بعض زملائنا، وانتهاء باغتيال الصحافي الشاب سوران محمد في كركوك. ولكن تمكنا من مجاراة تلك الصعوبات بفضل اصرار زملائي الشباب على العمل الدؤوب في سبيل تأسيس اعلام حر في بلادنا. فالتأثير ابن الاستمرار اكثر مما هو ابن الشدة، كما يقال. وهناك دائما طريق ما لتجاوز الخطوط الحمراء.
هذا لا يعني بالطبع اننا وصلنا الى نهاية المطاف، فالعراق ما زال في مرحلة انتقالية، وما زالت هناك مخاوف من العودة الى الوراء، ولكننا في كردستان على الاقل، قطعنا شوطا مهما، وان كان قصيرا، على الطريق المؤدي الى تثبيت حرية الصحافة في مجتمعنا.
اما اليوم فمن دواعي فخري واعتزازي ان اكون موضع تكريمكم. فهذا ليس تكريما لي وحدي انما هو تكريم للصحافة الحرة في كردستان والعراق في صورة عامة. ولا بد لي من ان اشكر في المناسبة، زملائي الشباب، الذين لن يدخروا جهدا في سبيل تحقيق هدفهم الاسمى: ضمان حرية التعبير في كردستان والعراق. كما انني ادين بالشكر والامتنان لزوجتي وشريكة حياتي بروا التي تحملت اعباء مهنتي، اضافة الى اعبائها كام ومدرّسة، وكانت سندي الاول والاخير في ايامي العصيبة. واهدي هذه الجائزة الى روح والدي الشاعر والكاتب أحمد هَرْدي الذي رباني على قيم الحرية والانسانية.
اخيراً اسمحوا لي بتقديم شكري وامتناني الى الاتحاد العالمي للصحف وناشري الانباء وعائلة تويني الكريمة الذين اختاروني للفوز بهذه الجائزة التي اعتز بها، خصوصاً انها تحمل اسم انسان آمن بالحرية، وضحى بحياته من اجلها. فسلاماً على روح جبران تويني وكل صحافي حر قدم روحه دفاعاً عن الحرية، حريتنا وحرية اقلامنا".
واختتم الاحتفال بشهادة لميشيل تويني اعلنت فيها اطلاق "مؤسسة جبران تويني" التي تعنى بشؤون الشباب وتحقيق احلامهم ودعم مواهبهم. وروت كيف تلقت باقة ورد من والدها لمناسبة عيد ميلادها، قبل عام من استشهاده واختلاط مشاعر الحزن والفرح عندما حملت اليه "الهدية" نفسها خلال زيارتها مدفنه في السنة التالية. وقالت ان انشاء مؤسسة باسم والدها يمثل هديتها المعنوية اليه "لتثبت للجميع انه باق".
ثم اعلن حجار اسماء التلاميذ الفائزين في مسابقة الرسم التي نظمتها "النهار" وهم: سيلفيو شرتوني، لمى ماجد، جنيتا حبّو، ساشا ابي افرام، دانييلا سليمان، كريستال بعيني، جورج عبيد، مارك سليمان، مروان حموي.
وفاز عن فئة الشعر الشاعر فايز معلوف الذي تسلم نسخة اولى عن كتابه الشعري. واسدلت الستارة على خطاب القسم، ووقفت الحشود رافعة يدها اليمنى تحية للشهيد.
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غياب

لوحظ غياب آل جنبلاط عن الاحتفال وتمثل رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط بالسيد ناصر زيدان.
كما لوحظ غياب عدد من مسيحيي قوى 14 آذار ولاسيما زملاء الشهيد في "لقاء قرنة شهوان".
 

 

ريتا صفير     


المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,236,845

عدد الزوار: 6,983,843

المتواجدون الآن: 70