إنها الإستراتيجية الإيرانية يا عزيزي!

تاريخ الإضافة الإثنين 1 آذار 2010 - 6:12 ص    عدد الزيارات 3488    التعليقات 0    القسم دولية

        


لم يكن أحد من الذين، شاهدوا، قبل أن يسمعوا تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بحاجة الى علم <السيمياء> (Sémiologie) لفك رموز الرسائل النارية، والسياسية والدبلوماسية، التي شاء <الثائر الإيراني> أن يبعث بها الى الإدارتين، الأميركية والإسرائيلية، في زمن كادت أن تنقطع فيه الاتصالات، على كثرتها، وعشية عودة السفير الأميركي الجديد الى دمشق، تلك العاصمة، التي تحوّلت، بدهاء قيادتها، في لحظة من الزمن، الى قبلة أنظار القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، على رقعة المصالح الفعلية في الشرق الأوسط، مع العلم أنها معنية <بالصراعات والمصالح> لغير سبب وسبب، لعلّ أهمّها أنها من الدول العربية التي ما تزال أرضها محتلة في الجولان، وأنها معنية، قبل سواها، أو على قدر سواها بمصير الاحتلال الأميركي للعراق، الذي يقترب خلال أيام من أنهاء عامه السابع··
 

ولم يكن أحد من قادة دول المنطقة، أو زعماء ما يُسمّى بالعالم الصناعي، بمستوياته الإنكلوسكسونية أو الفرانكوفونية، أو الآسيوفونية (نسبة الى دول في آسيا كاليابان وغيرها) بحاجة الى قراءة كتاب <أساطير> للبنيوي الفرنسي رولان بارت (ولد عام 1915) لفك أنظمة الرموز (Signs) أو العودة الى المعاجم لمراجعة الدلالات المعجمية للكلمات أو الإشارات التي قصد التلفظ بها أو فعلها رئيس الجمهورية الإيرانية، في دمشق، نقطة التجاذب الراهنة، في السياسات والاستراتيجيات، في مرحلة ما بعد:

1- الإحباط الذي أصاب العرب من استراتيجية السلام الأميركية أو ما عُرف بخارطة الطريق، والتي فشل الوسيط الأميركي جورج ميتشل بإقناع أحد من القادة العرب بإمكانية رؤيتها على الأرض، في ضوء التعنت الاسرائيلي، وسياسات التطرّف والسيطرة على المستوطنات الجديدة، أو التعدي على ما يمكن وصفه بالتراث التاريخي الديني والحضاري للمسلمين، وآخر محطاته كانت في الحرم الابراهيمي، بعد القدس الشريف··

2- الإحباط الذي أصاب العراقيين من بطء الاستراتيجية الأميركية في الخروج من العراق، مع اقتراب العام 2011، وفي ضوء تعثر العملية السياسية، سواء في ما يتعلق بقانون الانتخابات أو إجراء الانتخابات النيابية نفسها، بعد تدخلات غير مسبوقة لدى القضاء أو مجلس النواب العراقي، من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما··

3- الاستراتيجية الجديدة، التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما، وقيادة المنطقة الوسطى، وحملت قوات <إيساف> على الاشتراك بها في أفغانستان ضد حركة طالبان، وبمشاركة أكثر من 30 ألف جندي أفغاني، في محاولة لضرب نفوذ <طالبان> في مقاطعة هلمند الأفغانية، وسط معلومات عن تباطؤ حركة التقدّم العسكري الأميركي، وسقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف القوى المهاجمة··

هذه الوقائع، تعني على نحو مشترك القيادتين الإيرانية والسورية، أو بتعبير أخر مصطلح <المصالح والأعداء المشتركين>··

لكن المشهد الذي يخرج من الرمزية، الى التعبيرات الواضحة التي لا لبس فيها، بأي حال من الأحوال، هو انضمام فصائل المقاومة لبنانياً وفلسطينياً الى المشهد الجديد - القديم في دمشق: مما يعني، بأبسط فهم للأمور أن الرئيس نجاد، يعتمد استراتيجية مواجهة حادة: فإذا حصلت يكون نظام المواجهة الممتد في المنطقة جاهزاً لها، وإذا لم تحصل، فإن الدور الإيراني، يكرّس مرجعيته، كأكبر لاعب على رقعة شطرنج المنطقة·· ليس بوصفه قوة استعمارية، كما هو الأمر بالنسبة للولايات المتحدة، وبريطانيا واستراليا، أو فرنسا، والصين، بل كقوة جيوبوليتيكية، اقتصادية، نووية، إسلامية، قادرة على التأثير، ليس في السياسات المتصلة بالخليج العربي، أو حركة التبادل النفطي عبر مضيق هرمز، بل في مجمل ما يجري في آسيا وصولاً الى أفريقيا، أرض <الصراعات الجديدة>، بعد الاستعمار، وفي العودة إليه، رغم الفقر، والتصحّر والجوع··

ما يعني لبنان، انضمام السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الى الرئيس بشار الأسد، والرئيس أحمدي نجاد، يحمل أكثر من إشارة ورسالة مدمّرة: هل المسألة، تتصل بلبنان الذي يتعرّض لتهديدات، وخروقات جوية اسرائيلية، شبه يومية؟ هل الأمر، يتعدى لبنان، الى لعبة توزيع الأدوار في <السيستام· السيبرناطيقي> ، قبل الكبس على أزرار المواجهة أو التهدئة؟

في صورة تجمع الأسد ونجاد ونصر الله، أكثر من معنى، وأكثر من دلالة، وبالطبع، فإن المعاني والدلالات تتخطى الإطار المحلي اللبناني، على الرغم، من أن شيمون بيريز الرئيس الاسرائيلي الحالي، لا يتوقع حرباً على الحدود الشمالية مع لبنان، مع الاحتفاظ بمزاعم <ثعلب أوسلو> بيريز أن اسرائيل تسعى الى تحقيق السلام··

يحضرني، مثال، في معرض الإجابات عن كل ما تقدّم: مرة، نشرت مجلة باري ماتش صورة لجندي زنجي ببزته العسكرية يحيي العلم الفرنسي، وكان التعليق أو (Légende) تماماً كما ذكر، إلا أن الصورة، بمعناها الذي يتعدّى الدال والمدلول والألوان والمكوّنات، تعني، حسب بارت <الهيمنة الفرنسية>·· فهل بالإمكان، تطبيق الفهم نفسه، ولكن بالمعنى الملائم لصورة، تجمع نجاد، والأسد ونصر الله؟

بعيداً عن الدال والمدلول، والألوان والمكوّنات، لا يمكن للصورة - الحدث، الذي شهدتها دمشق الأسبوع الماضي، إلا أن تقرأ على طريقة بارت، مع إسقاط عبارتي <الهيمنة الفرنسية> لحساب الاستراتيجية الإيرانية··· بانتظار القمة العربية يا عزيزي؟!


المصدر: جريدة اللواء

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,190,669

عدد الزوار: 6,939,774

المتواجدون الآن: 112