الخناق يضيق على الأسد.. الكويت والبحرين تستدعيان سفيريهما

تاريخ الإضافة الأربعاء 10 آب 2011 - 7:23 ص    عدد الزيارات 2938    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

الخناق يضيق على الأسد.. الكويت والبحرين تستدعيان سفيريهما
الأزهر لدمشق: الأمر جاوز الحد * العربي يدعو إلى الاستفادة من درسي تونس ومصر * كلينتون لأوغلو: أبلغوا النظام بإعادة الجنود إلى ثكناتهم
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
شهد يوم أمس تحركات عربية واسعة لإدانة القمع الذي يمارسه نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد المتظاهرين المناوئين له في مدن سورية عدة، وجاءت تلك التحركات بعد يوم واحد من الخطاب التاريخي الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين إلى سوريا والذي أعلن من خلاله استدعاء سفير بلاده في دمشق للتشاور. وأدان الأزهر الشريف في بيان «شديد اللهجة» أمس استخدام العنف والممارسات القمعية ضد الشعب السوري، وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب في البيان إن «الأمر جاوز الحد» في سوريا، ولا بد من «وضع حد لهذه المأساة». وبينما لحقت الكويت والبحرين بالسعودية واستدعت العاصمتان سفيريهما لدى سوريا للتشاور، عبر الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي عن تشاؤمه إزاء الأوضاع في سوريا، وقال في مؤتمر صحافي «إن الأمر والموقف في سوريا معقدان»، ودعا دمشق إلى الاستفادة من درسي تونس ومصر.
من جهته، دعا سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية السابق، الحكومة الحالية إلى إعادة النظر في «الالتحاق الكامل» بالنظام السوري، والنأي بنفسها عن «القمع» الذي يتعرض له الشعب في سوريا، واصفا ما يجري فيها بـ«المجزرة المفتوحة». وفي غضون ذلك، حملت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية نظيرها التركي أحمد داود أوغلو الذي يزور العاصمة دمشق اليوم، رسالة من واشنطن وهي أن «على سوريا إعادة عناصر الجيش إلى الثكنات فورا وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين». وفي خطوة مفاجئة، أصدر الرئيس السوري مرسوما بتعيين العماد داود بن عبد الله راجحة وزيرا للدفاع، خلفا للعماد علي حبيب، إلا أن مصادر دبلوماسية غربية قالت لـ«الشرق الأوسط»: «إن العماد حبيب كان من أشد المعارضين للقيام بحملة عسكرية في مدينة حماه».
وميدانيا، واصل الجيش السوري أمس قصف مدينة دير الزور بالدبابات لليوم الثاني على التوالي في تصعيد لحملة العنف ضد المحتجين، بينما تصاعدت حصيلة القتلى إلى 76 قتيلا، وجاء ذلك بينما تزايدت الأوضاع الإنسانية سوءا داخل مدينة حماه، وبحسب روايات من شهود عيان من المدينة، يقوم عناصر الأمن والشبيحة بنهب البيوت، وإذلال الرجال وسرقة النساء.
 
محمد سلمان وزير إعلام حافظ الأسد: قيادة الحزب الحاكم الحالية غير جديرة بحمل مبادئ البعث
دعوة الرئيس الأسد إلى ترؤس مؤتمر وطني لإنقاذ البلاد
دمشق – لندن: «الشرق الأوسط»
انتقد وزير الإعلام السوري الأسبق محمد سلمان قيادة حزب البعث (الحاكم) الحالية لأنها قامت على سياسة إقصاء قيادات الحزب. وقال: «قيادة الحزب الحالية ومنذ عام 2000 سارت على سياسة الإقصاء لمعظم المسؤولين الذين كانوا في الحزب والدولة، وهؤلاء المسؤولون لا يستطيعون أن يقفوا متفرجين». إزاء «الأزمة التي تعيشها سوريا».
وقال محمد سلمان، أحد رموز نظام الرئيس حافظ الأسد أو ما يتعارف عليه بمصطلح «الحرس القديم» الذين أبعدوا منذ قدوم الرئيس بشار الأسد إلى السلطة، إن البلاد «تعيش أزمة وطنية»، داعيا الجميع للمبادرة والمساهمة في «إنقاذ الوطن».
كلام سلمان جاء خلال مؤتمر صحافي عقد في دمشق أمس للإعلان عن «إطلاق المبادرة الوطنية الديمقراطية»، ودعا الرئيس بشار الأسد إلى تولي زمام المبادرة، وقال: «المبادرة تأمل في ترؤس الرئيس بشار الأسد لمؤتمر وطني يضع الحلول الناجعة للخروج من الأزمة الراهنة». وأضاف: «البلد يمر بأزمة وطنية، ويجب على المواطنين المخلصين أن يبادروا لإنقاذ الوطن من أزمته».
وانتقد سلمان أعضاء القيادة القطرية، موضحا أنها «سارت على سياسة الإقصاء لمعظم المسؤولين الذين كانوا في الحزب والدولة، وهؤلاء المسؤولون لا يستطيعون أن يقفوا متفرجين»، لافتا إلى أن المبادرة تعترف بقوتين؛ السلطة، ومعارضة الشارع، وتعمل لتوصيل رأيها للشارع وللسلطة، الذي يترتب عليه تحمل المسؤولية في لم المعارضة.
كما انتقد سلمان بشدة السياسات الاقتصادية، وقال: «بعد عام 2000 غض الحزب النظر عن سياسة اقتصادية لا تمس حزب البعث وتركت الاقتصاد يتوجه إلى اقتصاد السوق»، مما أدى إلى فوضى وسوء توزيع الدخل الوطني، حيث تكدست الكتلة الكبيرة من المال بيد قلة صغيرة على حساب الطبقة الوسطى. ولفت سلمان إلى أنه لأول مرة في تاريخ حزب البعث يسير الفلاحون ضده كما جرى في ريف دمشق، ووصف القيادات الحزبية التي وصلت بعد عام 2000 بأنها «غير جديرة بأن تحمل مبادئ الحزب». وردا على سؤال عن موقف الحزب من المبادرة، لا سيما أن غالبية الموقعين عليها هم مسؤولون سابقون وينتمون لحزب البعث، قال سلمان إن «المبادرة تضم مختلف أطياف المجتمع السوري».
ونفى أن تكون المبادرة مقدمة لانقسام في الحزب، خلال رده على سؤال يتعلق بهذا الخصوص، وقال إن معظم المشاركين في المبادرة «بعثيون غائبون عن العمل التنظيمي دون أن يعني هذا أننا ضد البعث بأفكاره وآرائه»، وفي إجابة عن سؤال، لفت إلى أن أعضاء المبادرة هم جزء من النظام ومن مرحلة سابقة، وقال سلمان: «نحن جزء من الماضي، ولكن هذا الماضي لم يعش هذه الأزمة التي يعيشها الحاضر»، واستغرب سلمان من الذي ينتقد الحكم في سوريا منذ مرحلة الوحدة ولغاية الآن كمرحلة واحدة، مع أن الحكم مر بمراحل، كل مرحلة لها سياسيون ومسؤولون.
وعما إذا كانت هذه المبادرة مقدمة لتشكيل حزب جديد، قال سلمان: «في علم السياسية كل الاحتمالات واردة».
وفي رده على سؤال يتعلق بموقف «المبادرة الوطنية» من المواقف التي أطلقتها تركيا والسعودية مؤخرا، قال الوزير الأسبق: «الموقف التركي تدخل علني في شؤون سوريا، وكذلك السعودية، فكله طرح واحد متناغم في ما بينهم، وهو مرتبط مع الموقف الدولي»، مشيرا إلى أن السوريين قادرون على إيجاد حل لمشكلاتهم.
وبشأن حالات التجييش الطائفي، أشار سلمان إلى أنه لا تستطيع طائفة بمفردها أن تفكر في حكم سوريا بمفردها. وفي الوقت ذاته، لفت إلى أن «أحدا لم يسمع أيا من المعارضة الوطنية يتحدث عن الطائفية، كما أن هذه المعارضة لا تمارس العمل الطائفي».
واعتبر البرنامج المرحلي للمبادرة التي أطلقها سلمان مع مجموعة من المسؤولين السابقين، أن «استمرار الحل الأمني خيارا واستخدام القوات المسلحة واعتقال الآلاف، يضع عقبات أمام عجلة التغيير السياسي المنشود»، في حين دعا برنامج المبادرة الجميع (معارضة وسلطة) إلى بذل «الجهود للحيلولة دون وقوع أمرين خطيرين على حاضر الوطن ومستقبله؛ وهما الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي من جهة، والتدخل الأجنبي عموما من جهة أخرى».
وتهدف «المبادرة»، كما جاء في برنامجها تحت خانة «المبادئ والأهداف» إلى سلامة الوطن ووحدة الشعب واعتبار المقاومة بكل أشكالها وأساليبها الخيار لتحرير الجولان والأراضي العربية المحتلة، وكذلك الانتقال السلمي في سوريا من نظام الحكم الذي قام على منهج سياسي يعود إلى مرحلة حركة التحرر العربية والحرب الباردة باسم الديمقراطية الشعبية، إلى نظام حكم ديمقراطي برلماني، أي الديمقراطية التمثيلية.
ومن أهداف المبادرة، استعادة الحياة السياسية التعددية (تعدد الأحزاب) وما يترتب عليها من حرية في المجالات الإعلامية والثقافية كافة على أسس عصرية، وصياغة دستور جديد للبلاد بما يتوافق مع الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية ونظامها السياسي.
وحددت المبادرة آلية تحقيق هذه الأهداف بعقد مؤتمر وطني يكون بمثابة جمعية تأسيسية وفق آلية تتفق عليها السلطة والمعارضة بكل أطيافها، وتكون مهمته إقرار أنجع السبل لانتقال سلمي إلى النظام الجديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تجسد جميع أطياف النسيج الوطني برئاسة رئيس الجمهورية الحالي، على أن تحدد جدولا زمنيا لإنجاز دستور جديد وقانون أحزاب وقانون انتخابات، وذلك خلال فترة لا تزيد على العام.
وتضم المبادرة عددا من المسؤولين السوريين السابقين وأعضاء في القيادة قطرية وكتابا وفنانين وأكاديميين، وهي مفتوحة أمام الجميع للانضمام إليها.
وورد في برنامج «المبادرة» ما سمته «آليات خلق الثقة» حيث أكدت - مستندة إلى خطاب الرئيس الأسد في 20 يونيو (حزيران) - أن الحل السياسي هو الخيار الأنجع لخروج البلاد من حالها الراهنة واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك.
ومن الآليات الأخرى، الإفراج عن المعتقلين السياسيين واعتبار كل الذين قضوا شهداء للوطن، ويجري تطبيق القوانين المتعلقة بأسر الشهداء وأبنائهم على جميع من استشهدوا، ورد المظالم وإعادة الاعتبار لجميع الذين صرفوا من الخدمة وحرموا من الحقوق المدنية بموجب أحكام صادرة عن محاكم استئنافية لأسباب سياسية وتسوية أوضاعهم وحقوقهم المدنية، ووقف التحريض الإعلامي أيا كان شكله، وفتح قنوات الاتصال لجميع أطياف المجتمع السوري السياسية للتعبير عن آرائها وأهدافها، كما يحق لجميع المواطنين السياسيين المقيمين في الخارج العودة إلى الوطن، والتحقيق في جرائم القتل التي تعرض لها المتظاهرون وعناصر الأمن والجيش ومحاسبة كل من يثبت أنه أراق الدماء أو سعى إلى إراقتها وذلك تحقيقا للعدالة.
 
بعد السعودية.. الكويت والبحرين تستدعيان سفيريهما من دمشق للتشاور
كلينتون تحمل داود أوغلو رسالة إلى الأسد * واشنطن تشدد على أهمية «إعادة عناصر الجيش إلى الثكنات» * الحريري: ما يحدث في سوريا «مجزرة مفتوحة»
لندن - واشنطن: «الشرق الأوسط»
لحقت الكويت والبحرين بالسعودية واستدعت العاصمتان سفيريهما لدى سوريا للتشاور، وفقا لما ذكرته وكالتا أنباء البلدين أمس.
وأشارت الكويت إلى أنه يتوقع أن يعود سفيرها من دمشق في غضون 48 ساعة، وفقا لما صرح به وزير الخارجية الكويتي، الشيخ محمد الصباح أمس. وقال الصباح للصحافيين إن أحداث سوريا ستكون مدرجة على رأس قائمة المحادثات التي سيجريها وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية المقبل. وفي المنامة، أعلن وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، أن «مملكة البحرين قررت استدعاء سفيرها في دمشق للتشاور». وقال إن «البحرين تستدعي سفيرها في دمشق للتشاور وتؤكد على أهمية انتهاج الحكمة».
ويأتي هذا بعد وقت قصير على إعلان خادم الحرمين الشريفين استدعاء سفير بلاده من دمشق، احتجاجا على التطورات التي تشهدها سوريا. وقال الملك عبد الله بن عبد العزيز «إن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية». وأضاف أنه يتعين على سوريا «إيقاف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان».
من جهته دعا رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري الحكومة الحالية إلى إعادة النظر في «الالتحاق الكامل» بالنظام السوري، والنأي بنفسها عن «القمع» الذي يتعرض له الشعب في سوريا، واصفا ما يجري فيها بـ«المجزرة المفتوحة»، وقال الحريري في بيان «إن ألف باء العلاقات الأخوية المميزة مع سوريا، يقتضي في هذه اللحظة الاستثنائية من تاريخ المنطقة أن يعبر اللبنانيون، بكل مواقعهم الرسمية والسياسية والروحية والثقافية، عن تضامنهم مع الشعب السوري الشقيق، في المحنة التي يتعرض لها».
إلى ذلك جددت الولايات المتحدة مطالبتها للنظام السوري بوقف المواجهات العسكرية في البلاد، مشددة على أهمية «إعادة عناصر الجيش إلى الثكنات» بحسب تصريح من وزارة الخارجية الأميركية. وبينما تكرر واشنطن إدانتها لقمع المتظاهرين في سوريا، تبذل جهودا وراء الكواليس لبناء ائتلاف من دول مهتمة بالشأن السوري للضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وتجد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسها في مواجهة أزمة متفاقمة في سوريا مع خيارات قليلة، مما يدفعها إلى تصعيد تعاونها مع الدول ذات التأثير المباشر على سوريا. وعلى رأس لائحة تلك الدول تركيا، حليف واشنطن في حلف الشمال الأطلسي «الناتو» والمتعاونة معها في ملفات عدة أساسية. واتصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بنظيرها التركي أحمد داود أوغلو عشية توجهه إلى سوريا لبحث آخر المستجدات في سوريا.
وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، أن كلينتون «شكرت وزير الخارجية لقبوله السفر إلى سوريا ولدور تركيا في معالجة هذه الأزمة». وأضاف في بيان صدر مساء أول من أمس أن كلينتون «رحبت بنية وزير الخارجية توصيل رسائل من الرئيس التركي ورئيس الوزراء حول قمع الحكومة السورية للمتظاهرين السلميين». وحملت كلينتون داود أوغلو رسالة من واشنطن نفسها وهي أن «على سوريا إعادة عناصر الجيش إلى الثكنات فورا وإطلاق جميع المعتقلين المعنيين»، أي المتظاهرين والمعتقلين السياسيين. وقال تونر إن كلينتون طلبت من نظيرها التركي إعادة التأكيد على هذه الرسائل، كما أنها «بحثت الدعم الأميركي للانتقال إلى الديمقراطية في سوريا». ومن جهة أخرى، تراقب الولايات المتحدة بتمعن الخطوات التي تقوم بها عواصم عربية للتعامل مع الأزمة السورية. وكان هناك اهتمام بخطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الموجه للشعب السوري والمطالب بوقف القتال، بالإضافة إلى اهتمام بسحب السفراء من قبل دول خليجية عدة. ويذكر أن إدارة أوباما نفسها حرصت على إبقاء سفيرها في دمشق روبرت فورد، بعد إجراء مشاورات معه في واشنطن الأسبوع الماضي. وقال تونر إن فورد «يواصل مهامه كسفير وسيبقى متواصلا مع الحكومة السورية لتوضيح أهمية كف نظام الأسد عن قمع الشعب السوري، وسيبقى متواصلا مع الشعب السوري». وأفاد بيان وزارة الخارجية الأميركية أن كلينتون وداود أوغلو «رحبا ببيان جامعة الدول العربية المندد بالعنف المتواصل والعمليات الأمنية ضد المتظاهرين السلميين في سوريا بالإضافة إلى البيان من مجلس التعاون الخليجي». ومن جهة أخرى، أفادت تقارير إخبارية أميركية أمس أن مسؤول ملف مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل في وزارة الخارجية الأميركية فريد هوف توجه إلى تركيا لإجراء مشاورات مع المسؤولين الأتراك هناك. وهوف هو من أكثر المسؤولين الأميركيين اطلاعا على الملف السوري وقد زار سوريا مرات عدة خلال السنوات الماضية، بشكل رسمي وغير رسمي.
وبينما تراجع عمل هوف على ملف السلام مع تعقد ذلك الملف خلال الأشهر الماضية، إلا أنه أصبح منشغلا بالتطورات في سوريا منذ اندلاع التظاهرات فيها. وامتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن تحديد أسباب زيارة هوف إلى أنقرة، خاصة أن هوف عمد منذ توليه منصبه الإبقاء بعيدا عن التصريحات الإعلامية.
 
مصادر فرنسية: ثمة حاجة لعقوبات من «نوع جديد» ضد السلطات في دمشق
باريس تريد رؤية «عملية انتقال ديمقراطي» في سوريا
باريس: ميشال أبو نجم
خطت باريس خطوة تصعيدية إضافية إزاء استمرار القمع في سوريا بعد نهاية أسبوع دام في دير الزور ومدن وقرى سورية أخرى، وجاءت لتندرج في إطار زيادة الضغوط السياسية والدبلوماسية العربية والدولية على السلطات في دمشق لحملها على وضع حد للعنف.
وذهبت الخارجية الفرنسية إلى المطالبة بـ«عملية انتقال ديمقراطي تستجيب لتطلعات الشعب السوري». غير أن البيان الصادر أمس التزم، مع ذلك، جانب الغموض إذ تحاشت الخارجية الفرنسية «توضيح» موقفها لجهة معرفة ما إذا كانت عملية التحول الديمقراطي ستتم تحت رعاية النظام أم بعيدا عنه. وبكلام آخر، لم يفهم رسميا ما إذا كانت فرنسا تطالب برحيل النظام لإتمام عملية الانتقال الديمقراطي أم أنها تطالب النظام بالإصلاحات الديمقراطية.
وتعتبر المصادر الفرنسية أن العقوبات الفردية «مهمة ولكنها لن تكفي» لحمل النظام على تغيير سلوكه ولذا ثمة حاجة لعقوبات من «نوع جديد». وسبق للرئيسين ساركوزي وأوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن اتفقا على النظر في تدابير «إضافية» ضد دمشق.
وسبق لباريس أن اعتبرت أن النظام يفتقد أي مصداقية لقيادة الإصلاحات وأنه وصل في قمعه إلى «نقطة اللاعودة» فضلا عن أنه اختار «الحل الأمني» ما يعني أن قدرته على تحقيق الإصلاحات التي وعد بها «معدومة».
وأكدت باريس مجددا على هذه المقاربة إذ اعتبرت، في البيان عينه، أن استمرار «القمع الدموي» واستمرار الاعتقالات بمن فيهم المعارض المعروف وليد البني «تمنع من إعطاء وعود السلطات بإجراء انتخابات حرة وشفافة أي صدقية» لا بل إنها تبدو على أنها «مناورات تسويفية».
وكان وزير الخارجية ألان جوبيه وصف ما أعلنه الوزير وليد المعلم الأسبوع الماضي عن عزم السلطات إجراء انتخابات نزيهة بأنه أشبه ما يكون بـ«الاستفزاز»، داعيا أولا وقبل كل شيء إلى وقف القتل والقمع على «نطاق واسع» وفق ما جاء في بيان الخارجية أمس. وعبرت باريس عن «قلقلها العميق» إزاء الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان واستخدام الدبابات والرصاص الحي ضد المدنيين والاعتقالات الواسعة واللجوء إلى التعذيب. وأشارت باريس إلى أن قلقها الكبير تتشارك به مع الكثير من دول المنطقة ومع الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة. وفيما يشبه التحذير المباشر لدمشق، اعتبرت باريس أن «زمن الإفلات من العقاب بالنسبة للمسؤولين السوريين قد ولى إلى غير رجعة»، مطالبة بأمور ثلاثة: وقف القمع الواسع، وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي أو الذين أوقفوا بسبب دفاعهم عن حقوق الإنسان، وأخيرا تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي.
ويأتي موقف باريس المتشدد الذي يندرج في سياق ما التزمت به فرنسا منذ بداية الاحتجاجات في سوريا فيما تتسارع الاتصالات أوروبيا وأميركيا لفرض عقوبات اقتصادية يكون من شأنها إصابة الاقتصاد السوري وتجفيف منابع تمويله.
وتدور المناقشات بين مجموعة الأوروبيين الـ27 وبالتشاور مع واشنطن لتحديد طبيعة العقوبات التي ستكون مختلفة عن «العقوبات الفردية» التي اتخذت بحق 35 من أعمدة النظام السوري وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد لجهة تجميد ودائعهم في المصارف الأوروبية ومنعهم من الدخول إلى الفضاء الأوروبي فضلا عن عدد محدود من المؤسسات التي اعتبرت أنها تدعم النظام. لكن العقوبات موضع البحث الآن تتناول قطاع النفط والغاز من جهة والقطاع المصرفي من جهة أخرى.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فإن الموضوع السوري سيعود إلى طاولة مجلس الأمن الدولي يوم الخميس المقبل وفق ما اتفق عليه أعضاؤه بمناسبة صدور البيان الرئاسي في الثالث من الشهر الحالي.
وتريد باريس استخدام اجتماع المجلس القادم للعودة إلى طرح مشروع قرار جديد يدين القمع في سوريا وربما تضمنه تدابير أخرى مثل المطالبة بإرسال لجنة تحقيق دولية أو حتى طرح فكرة فرض عقوبات دولية عليها.
ويرى مراقبون في العاصمة الفرنسية أن الملف السوري سيكون ومنذ صدور البيان الرئاسي بشكل دائم على طاولة مجلس الأمن إذ لا يستبعد أن يطلب مجددا من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير دوري عن تطور الوضع في سوريا. وكما كانت باريس قد اعتبرت نجاح المجلس في إصدار بيان بمثابة «تحول» فإنها تعلق أهمية كبرى على المواقف العربية الجديدة وخصوصا الخليجية فضلا عن موقف تركيا حيث ترى أنها تزيد من عزلة الرئيس الأسد وتسحب من تحته وسائل الدعم التي كان يرتكز إليها. لكن باريس ترفض حتى الآن الاحتذاء بإيطاليا و«السعودية والكويت» لجهة سحب سفيرها من دمشق الذي زادت زيارته مدينة حماه العلاقات الفرنسية - السورية توترا.
 
مصدر عسكري يتحدث عن عودة الحياة الطبيعية إلى حماه.. وناشطون يؤكدون اعتقال 1500 شخص فيها
النظام السوري يواصل حربه ضد دير الزور.. ودباباته تقتحم معرة النعمان
بيروت: «الشرق الأوسط»
واصلت الدبابات السورية قصفها أمس لمدينة دير الزور، شرق سوريا، لليوم الثاني على التوالي، بعد ارتفاع حصيلة قتلى يوم الأحد إلى 76 قتيلا، في موازاة اقتحام قوات الأمن السورية أمس بلدة معرة النعمان الواقعة في محافظة إدلب، وفق ما أكدته منظمات سورية حقوقية، أعلنت في الوقت عينه عن اعتقال أجهزة النظام السوري الأمنية نحو 1500 شخص في أحياء مدينة حماه.
وفيما تعرضت ضاحية الحويقة في دير الزور لقصف عنيف من مركبات مدرعة، حسب ما نقلته وكالة رويترز عن شاهد عيان من المدينة، في ظل استمرار إغلاق المستشفيات الخاصة، وتخوف الأهالي من «نقل المصابين إلى المنشآت الحكومية لأنها تعج بالشرطة السرية»، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن 4 قتلى، هم سيدتان إحداهما مع ابنيها، كانوا يبحثون عن ملاذ آمن وما لبثوا أن فارقوا الحياة بعد إطلاق دورية أمنية الرصاص الحي عليهم صباح أمس في الحويقة.
وأكد المرصد استشهاد امرأة في حي الجورة برصاص أطلقته قوات الأمن، التي نفذت حملة مداهمات واعتقالات في الحي الواقع غرب مدينة دير الزور، مشيرا إلى أن الحملة أسفرت عن اعتقال 34 شخصا، حتى ظهر أمس. وترافقت الحملة وفق المرصد مع «عملية ترويع للأهالي في منازلهم وإحراق الدراجات النارية التي يستخدمونها في التنقل».
وفي محافظة إدلب، اقتحمت دبابات وناقلات جند مدرعة معرة النعمان، بعد تمركزها منذ أكثر من شهر شرق المدينة، ورافقتها قوات أمنية نفذت حملة اعتقالات واسعة أسفرت عن اعتقال العشرات. وأكد ناشطون من المدينة أن الدبابات دخلت معظم أحياء المدينة. وفي مدينة حماه، واصل الجيش السوري عملياته العسكرية للسيطرة على الأحياء والساحات، وسط حركة نزوح للأهالي. وأفاد اتحاد تنسيقيات الثورة السورية عن قيام عناصر الأمن برفقة «الشبيحة» باقتحام منازل النازحين، في وقت نقل فيه المرصد السوري لحقوق الإنسان عن ناشط من سكان حي الجراجمة في حماه قوله إن قوات الجيش والأمن التي اقتحمت الحي شنت حملة مداهمات واعتقالات واسعة طالت ما لا يقل عن 1500 شخص من سكان الحي فقط. وكانت مظاهرات حاشدة خرجت أمس في الخالدية في حمص وجاسم في درعا، وأكد شهود عيان محاصرة الجيش والأمن بلدتي زملكا وعربين في ريف دمشق وقطع الاتصالات الأرضية والجوالة كافة.
واستمر أهالي الكثير من المدن والبلدات السورية في الخروج ليلا للتظاهر بعد صلاة التراويح. وكانت أحياء عدة في مدينة حمص شهدت ليل أول من أمس مظاهرات حاشدة، أكبرها في حي الخالدية، مناهضة للنظام شارك فيها الآلاف، وتصدت لها قوات الأمن وأنصار النظام بإطلاق الرصاص ما أسفر عن سقوط جريح واحد على الأقل.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «مظاهرة كبيرة انطلقت في مدينة تدمر التي اتسعت فيها الاحتجاجات حيث تخرج المظاهرات بشكل يومي منذ بداية شهر رمضان بعد التراويح»، مشيرا إلى أن مدينة الرستن، شمال حمص، شهدت بدورها مظاهرة حاشدة ضمت آلاف المتظاهرين، وهتفت لحماه ودير الزور والحولة.
وكان الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع السورية تعرض أمس للاختراق. وأفاد بيان نشره القراصنة بتوقيع «مجهول» إثر اختراق الموقع: «العالم يقف معكم ضد النظام الوحشي لبشار الأسد.. اعلموا أن الوقت والتاريخ إلى جانبكم، ولا يمكن لأي عدو خارجي أن يلحق الضرر بسوريا بقدر ما قام به بشار الأسد».
 
دمشق تختنق بالقبضة الأمنية والأزمة الاقتصادية في رمضان
شهود عيان: العلويون مسلحون ويساهمون في قمع المتظاهرين
القاهرة: هيثم التابعي
«هناك كسر ملحوظ في حاجز الخوف لدى سكان دمشق بشكل عام، ولكنه لم يرق بعد، للأسف، إلى المستوى الذي يدفع بالدمشقيين إلى الانتفاض في وجه القمع الأمني، الحياة في دمشق طبيعية ولا توجد إضرابات بسبب التحذيرات المرعبة التي يتلقاها أصحاب المحلات من عناصر الأمن والشبيحة».
ربما تلخص تلك الكلمات، التي جاءت على لسان شاهد عيان تحدث لـ«الشرق الأوسط» من دمشق، ما يحدث في مدينته هذه الأيام مع اتساع نطاق الاحتجاجات التي اندلعت في كامل الأراضي السورية منذ ما يقارب الخمسة أشهر.
وأكد شاهد العيان، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن دمشق تقبع تحت القبضة الحديدية للأمن الذي ينتشر ويتوغل بشكل عميق في الأحياء وبين الناس، وهو ما يفسر إفشال الأمن للكثير من المظاهرات حتى قبل أن تبدأ.
ورغم تلك القبضة الأمنية والتعتيم الإعلامي الكبير لما يحدث داخل أحياء دمشق القديمة فإن «الشرق الأوسط» تواصلت مع مواطنين سوريين قالوا إن الثورة ستصل حتما للعاصمة، حيث أوضحوا أنه رغم تلك القبضة الأمنية فإن حاجز الخوف في دمشق ينكسر حجرا حجرا.
يقول أحد الدمشقيين ويعمل طبيبا: «منذ زمن بعيد، لم يكن أحد يجرؤ على التفوه حتى بكلمة بشار أو حافظ دون أن يسبقها بكلمة السيد الرئيس، أما الآن فالجميع يتحدث عن خراب في البلد وأزمة عظمى، وكل من يكذب الرواية الرسمية حول الأحداث في سوريا علنا يصبح عرضة للاعتقال ويصبح محرضا وعنصرا من عناصر تلك العصابات المزعومة».
ويضيف: «لا أحد في سوريا يصدق رواية العصابات المسلحة.. حتى المؤيدون أنفسهم لا يصدقونها.. إنها جد مفتعلة».
ويعتقد الطبيب أن الوجود الأمني المكثف لا يزال يخيف الكثير من أهل دمشق ويقف حائلا دون مشاركتهم في المظاهرات، خاصة مع حجم العنف الذي يراه الأهالي على القنوات الإخبارية العربية.
وبعد ما يقارب الخمسة أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا، يمكن تقسيم دمشق إلى نطاقين، نطاق اشتعل بالمظاهرات وسقط فيه شهداء وهي بالتالي المناطق الأكثر اشتعالا، كركن الدين وبرزة والقابون والميدان والحجر الأسود وسقبا ودوما وحرستا في ريف دمشق والزبداني والمعضمية. وأماكن أخرى هادئة لكونها معقلا للعلويين أو لأنها أحياء راقية يقطنها طبقات تناصر النظام وتتشابك معه في مصالحها الاقتصادية، مثل المالكي وأبو رمانة والمزة ومشروع دمر والمزرعة والميسات وباب توما والقصاع، وهي المناطق التي لم يرق فيها الدم بعد.
وأشار مواطنون آخرون إلى أن منطقة المزة (86 كم من دمشق) التي تعد من أكبر مناطق تجمع مساكن عناصر الأمن في دمشق دائما على أهبة الاستعداد للتجمع وتفريق المظاهرات المعارضة بالقوة والقيام بمسيرات مؤيدة في نفس الوقت، وهي تعيش تحت حماية خاصة حتى قبل الأحداث في سوريا وبطبيعة الحال زادت الحماية الآن أضعافا.
ووفقا لشاهد عيان تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر «سكاي بي» من دمشق، مشيرا إلى أن أغلب أبناء الطائفية العلوية تم تسليحهم عند بداية الأحداث، حيث تم توزيع سلاح على الشباب منهم فوق سن الثانية والعشرين بحجة أن الثورة طائفية وتهدف لتصفية العلويين وبالتالي ينبغي عليهم حماية أنفسهم ومساندة النظام الذي يتولى حمايتهم، مضيفا: «الحق يقال بأنهم حتى اللحظة ما زالوا يعتمدون على الأمن والشبيحة في القمع ويقتصر دور هؤلاء الشباب على ضرب المتظاهرين والمساعدة في اعتقالهم وتفريق المظاهرات المعارضة والقيام بمسيرات مؤيدة، ولكن سلاحهم لم يستخدم بعد».
وتتحول دمشق ليلا إلى ثكنة عسكرية، فرغم عدم وجود حظر للتجوال فإن عناصر الأمن تعمد للتحقق من هويات ومقصد المارة وسائقي السيارات بعد الثانية صباحا، حيث قد يوقف عناصر الأمن المارة ويطلبون إبراز الهويات ويسألون عن الاتجاه، والعمل، وبعض الأسئلة الأخرى التي قد يؤدي التوتر أثناء الإجابة عنها لاعتقال صاحبها، وتحظى مداخل دمشق بتعزيزات أمنية خاصة، فأغلب المداخل يوجد عليها حواجز أمنية من كل الجهات وبعض الحواجز مدعمة بالمدرعات مثل حاجز الزبداني وبلودان، ويبقى الدخول إلى دمشق من مناطق الريف المشتعلة أصعب بكثير من الدخول من المناطق غير المشتعلة مثل اللاذقية مثلا، لكن الأمور ليلا في الأماكن العامة بوسط المدينة طبيعية جدا وفقا لأغلب الشهود.
أما أبرز ما يتناقله الدمشقيون حاليا هو التحذير من تصوير الأمن للمظاهرات، حيث يعتمد الأمن على التصوير بشكل كبير لاعتقال كل من يشارك فيها، ووفقا لمهندس دمشقي سبق اعتقاله فإن الوقوع في يد الأمن أهون بكثير من الوقوع بين أيدي الشبيحة، حيث يقول لـ«الشرق الأوسط»: «الوقوع بأيدي الشبيحة كالوقوع من دور عال ببناية شاهقة، ففي كليهما فرص النجاة تكون معدومة».
ومع دخول شهر رمضان الذي يتميز بطابع جد خاص في دمشق، فإن التلفزيون الرسمي التفت مؤخرا إلى مسلسلات رمضان كي يقوم بإلهاء المشاهدين عن متابعة ما تبثه قناة «الجزيرة» أو قناة «العربية» وغيرهما. وبحسب أحد الدمشقيين، فالتلفزيون السوري ما زال متمسكا برواية العصابات المسلحة والمؤامرات، لكنه فقد المصداقية في أعين أغلب السوريين.
ويبدو أن الحالة الاقتصادية في دمشق أصبحت تثير حفيظة وحنق الكثير من سكانها، فرغم أن السلع الناقصة ليست كثيرة، فإن هناك استياء من الناس بسبب الاقتطاع من الرواتب، حيث يتم اقتطاع 500 ليرة كحد أدنى من راتب كل موظف شهريا بحجة دعم الليرة السورية رغم أن الرواتب ضعيفة في الأساس، ووفقا لأحد الشهود فإن الأزمة في الغلاء الفاحش، فالأسعار تضاعفت ضعفين، خاصة مع دخول شهر رمضان. ويرى المراقبون أن الأمور ستتطور في دمشق بسرعة أكبر في الفترة المقبلة حيث إن مناطق عدة كانت بعيدة عن أي حراك وحاليا بدأت بالتحرك.
ويقول ناشط سياسي يعيش في دمشق، رفض ذكر اسمه خشية اعتقاله، إن «قدسية دمشق من جهة أن النظام لا يريد أعمال القتل فيها قد انتهكت من قرابة شهرين»، وتوقع الناشط أن يزداد تشديد الخناق الأمني بشكل أكبر على دمشق ولكن دون اللجوء إلى إقحام آليات مدرعة ودبابات في العاصمة، مع بقاء الجيش على الأطراف وفي الريف فقط، مشيرا إلى أن دخول دمشق بقوة على خطى المظاهرات الحاشدة واستمرارها سيعجل بسقوط النظام.
 
شهود عيان: تهريب الخبز وحليب الأطفال إلى حماه أشبه بـ«عملية فدائية»
«الشبيحة» يخربون منازلها ويسرقون المال وذهب النساء
القاهرة: محمد عجم
تزايدت الأوضاع الإنسانية سوءا داخل مدينة حماه، وبحسب روايات من شهود عيان من المدينة تم تناقلها على صفحات الثورة السورية على موقع «فيس بوك»، يقوم عناصر الأمن والشبيحة بنهب البيوت، وإذلال الرجال وسرقة النساء.
فبحسب أحد الحمويين: «حي الحسنيات والأربعين إلى الآن لا يوجد فيه تيار كهربائي في معظم أحياء هاتين المنطقتين، والسبب هو قصف الجيش لمحولات الكهرباء الرئيسية في الأحياء، وكذلك أدى جرف الجزر الوسطية في الشارع الواصل بين دوار البحرة ودوار الجب إلى قطع الكثير من خطوط الهاتف وتدمير شبكة المياه، مما أدى إلى قطع المياه عن الكثير من الأحياء في تلك المنطقة».
بينما جاءت شهادة شاهد عيان آخر من حي الحسنيات أيضا: «الجيش برفقة الأمن يقوم بمداهمة المنازل بأعداد كبيرة، ما يقارب الـ20 عنصرا للبيت الواحد، البيت الذي لا يوجد به أهله يقومون بتخريب الممتلكات به وسرقة ما يحلو لهم ويبحثون في سرقاتهم عن الذهب والمال، والبيت الذي يقطن فيه سكانه يقومون بالهجوم داخل البيت بشكل همجي ويكسرون الأبواب على صاحبه ويروعون من داخله ويسبون قاطنيه بأقذع الشتائم ويسألون عن الرجال ويقولون لهم أين السلاح الذي قاومتم به الأمن والجيش، فهذا الاتهام جاهز لديهم كالمعلبات، ويرافق الجيش شبيحة قذرون يقومون بإذلال الرجال وضربهم وهم من يقودون الجيش، ولا يخرج الجيش دون كتابة عبارات منحطة مثله ومثل نظامه الساقط».
بينما أخذت شهادات أخرى تتحدث عن الأوضاع المعيشية لأهل حماه، وكيفية حصولهم على الطعام وحليب الأطفال، فيروي البعض أن الخبز يأتي من خارج حماه عبر أشخاص يضعون أرواحهم على كفوفهم ويسلكون طرقا وعرة للدخول لحماه، وعند الوصول يقوم الأهالي بأخذ الخبز وما تحمله السيارة ويقومون بتوزيعه على الأحياء، وفي طريقهم لتوزيع الخبز والمعونات يقوم الأهالي بكسر أبواب البيوت والمحلات التي داهمها الجيش ولم يجد أصحابها، حتى لا يتم نهبها مرة أخرى أو حرقها من قبل الجيش والأمن والشبيحة المرافقين لهم.
بينما أشارت صفحة «شبكة حماه» التي تعنى بجمع ونشر جميع المعلومات الواصلة من حماه، إلى عدد من الروايات التي تحدث عن التعاون بين الأهالي الذي وصفه أصحاب الروايات بـ«الملحمي»، قائلين: «فمن يعمل على إيصال القليل من الخبز أو علبة حليب لطفل إنما يقوم بعملية فدائية بكل معنى الكلمة، لا غريب على الحمويين هذه الأخلاق والفداء، فحماه هي أم الفداء، فقد قالت وصدقت الوعد». فيما ذكرت رواية أخرى: «أثناء وجود عناصر الجيش في إحدى الشقق الخالية من سكانها في منطقة طريق حلب يوم أمس بعد كسرهم للأبواب بدأوا بسرقة المحتويات وهم يتبادلون الضحك ويتساءلون بسخرية عن هذه العصابات المسلحة التي أتوا من أجلها وتمنوا لو أنها تنتشر في كل سوريا حتى يتمكنوا من نهب المزيد من البيوت وتأمين مستلزمات معيشتهم وزواجهم عن طريق السلب.. هذا الكلام نقلا عن إحدى السيدات التي كانت موجودة في الشقة المقابلة للشقة المذكورة وسمعت كل ما دار بينهم من أحاديث.. هل هذه هي أخلاق جيشنا الباسل؟، هل هذا هو الجيش العقائدي الذي دفع شعبنا من قوت يومه من أجل دعمه وتسليحه».
وجاءت التعليقات على تلك الروايات لتذكر أيضا حقيقة ما يدور في حماه، فكتب أحد الأعضاء: «جاءنا من مصدر موثوق أن الشبيحة يمشطون بعض أحياء القصور، النساء في حالة رعب شديد، الشبيحة يقومون بنهب البيوت وسرقة الأموال والذهب من أيادي النساء.. سوريا بلد الأمن والأمان بحق.. كنا عايشين مع وحوش ولصوص وقطاعي طرق».
 
مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»: حبيب كان معارضا لاقتحام حماه
الأسد يستبعد وزير الدفاع علي حبيب ويعين داود راجحة بديلا له
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
في خطوة مفاجئة وفي ذروة تمدد الوحدات العسكرية السورية نحو عدة مدن سورية لقمع الاحتجاجات، أصدر الرئيس السوري مرسوما بتعيين العماد داود بن عبد الله راجحة وزيرا للدفاع، خلفا للعماد علي حبيب، وقال بيان رسمي إن هذا التعديل الوزاري الأول على وزارة عادل سفر جاء في إطار «الإجراءات المتتابعة» التي أعلنها الرئيس بشار الأسد مؤخرا. وإنه يأتي في سياق «التنقلات التي شملت قبل فترة عددا من المسؤولين في مفاصل الدولة بعد اللقاءات المباشرة التي عقدها الرئيس الأسد مع وفود شعبية ومواطنين». ولفت التلفزيون السوري الذي بث النبأ إلى أن العماد حبيب كان قد «ألم به المرض منذ مدة وقد ساءت حالته الصحية في الفترة الماضية».
إلا أن مصادر دبلوماسية غربية قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه وحسب معلومات لديها: «العماد حبيب كان من أشد المعارضين للقيام بحملة عسكرية في مدينة حماه، وإن معارضته أجلت أكثر من مرة إقدام الجيش على هذه الخطوة»، ورجحت المصادر أن يكون سبب استبعاد العماد حبيب هو «الاختلاف حول إدارة الأزمة، وإنهاك الجيش عبر زجه في المدن، وضد الشعب، والذي أدى إلى انشقاقات صغيرة وكثيرة ومتتابعة في قطاعاته نتيجة مكوثه الطويل في المدن وعلى احتكاك دائم مع الأهالي». وجاء استبعاد العماد حبيب عن وزارة الدفاع بعد ساعات من إعلان مصدر عسكري مسؤول أن وحدات الجيش «بدأت بالخروج من مدينة حماه بعد إنجاز مهمة نوعية»، وأن «الحياة الطبيعية بدأت تعود بشكل تدريجي إلى المدينة». والعماد علي حبيب محمود من مواليد محافظة طرطوس عام 1939، وقد انتسب إلى الجيش عام 1959 وتخرج في الكلية الحربية عام 1962. وفي عام 1994، عين قائدا للقوات الخاصة حتى تم تعيينه نائبا لرئيس هيئة الأركان عام 2002، وفي عام 2004 عين رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة، ونائبا للقائد العام للجيش والقوات المسلحة وزيرا للدفاع في عام 2009.
وحاز العماد حبيب العديد من الأوسمة العسكرية ومنح قدما ممتازا لقيامه بواجبه على أكمل وجه في حرب تشرين التحريرية.
أما العماد داود راجحة، فولد في دمشق عام 1947، وتخرج في الكلية الحربية عام 1968 باختصاص مدفعية ميدان، اتبع دورات تأهيلية عسكرية مختلفة بما فيها دورة القيادة والأركان ودورة الأركان العليا.. تدرج في الرتب العسكرية إلى رتبة لواء عام 1998 وإلى رتبة عماد عام 2005. وشغل مختلف الوظائف العسكرية من قائد كتيبة إلى قائد لواء وعين مديرا ورئيسا لعدد من الإدارات والهيئات في القوات المسلحة قبل أن يعين نائبا لرئيس هيئة الأركان عام 2004. تم تعيينه رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة بتاريخ 4 - 6 - 2009. وحصل على عدد من الأوسمة العسكرية على امتداد خدمته وهو متزوج وله أربعة أبناء.
 
الإمام الأكبر: لا يجوز شرعا السكوت عما يحدث وعلى نظام الأسد سرعة حقن الدماء
علماء دين لـ«الشرق الأوسط»: الأزهر يوجه رسالة للرؤساء العرب تقول «ارحموا الشعوب ولا تقتلوهم»
القاهرة: وليد عبد الرحمن
في الوقت الذي أدان فيه الأزهر الشريف استخدام العنف والممارسات القمعية ضد الشعب السوري، قال علماء أزهريون إن الأزهر يوجه رسالة للحكام مفادها: «ارحموا الشعوب ولا تقتلوهم»، معتبرين أن ما يقوم به النظام السوري في سوريا إثم كبير وتحريض على الفوضى.
وأصدر الأزهر بيانا أمس دعا فيه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب النظام السوري إلى العمل فورا على وقف إراقة الدماء، والاستجابة السريعة للمطالب المشروعة للجماهير السورية الثائرة.
وقال البيان «شديد اللهجة»: «يُهيب الأزهر الشريف بإخوتنا في الشام المبارك أن يتداركوا الدماء المسفوكة، والأسر المشتتة، والمصائر المهددة، ومواجهة الشعب الأعزل بالرصاص الحي وبالحديد والنار، دون جدوى، وعلى مدى شهور عدة، أُهدرت فيها أرواح وانتهكت حرمات وأعراض».
وتابع: «إن الأزهر الشريف الذي صبر طويلا وتجنب الحديث عن الحالة السورية نظرا لحساسيتها في الحراك العربي الراهن، يشعر بأن من حق الشعب السوري عليه أن يعلن وبكل وضوح أن الأمر قد جاوز الحد وأنه لا مفر من وضع حد لهذه المأساة العربية الإسلامية».
وناشد شيخ الأزهر المسؤولين في سوريا أن يرعوا هذا الشعب الأبي، مؤكدا ما سبق أن قاله في بيان له في بداية الأزمة من أن الشعب السوري وما يتعرض له من قمع واسع، ومن استعمال لأقصى درجات العنف، واعتقال وترويع؛ يمثل مأساة إنسانية لا يمكن قبولها ولا يجوز شرعا السكوت عنها، ومعلوم أن الدم لا يزيد الثورات إلا اشتعالا.
وأضاف البيان: «الأزهر الشريف يؤكد ضرورة احترام حقوق الشعب السوري وحرياته وصيانة دمائه، ويطالب القيادة السورية بأن تعمل فورا على وقف إراقة الدماء وعلى الاستجابة للمطالب المشروعة للجماهير السورية، استجابة صادقة واضحة ناضرة».
واختتم شيخ الأزهر البيان بالإشارة إلى أن سرعة استجابة السلطة السورية لإرادة الشعب وحقن دماء المواطنين سوف تفوت الفرصة على أي مخططات تعمل الآن على تفجير الشام المبارك من أقصاه إلى أقصاه.
من جانبه، أرجع الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر للحوار، بيان الأزهر المتشدد إلى أن الأحداث في سوريا لم تنته ومستمرة، لافتا إلى أن بيان الأزهر للتذكير بموقفه الرافض لما يحدث في سوريا من أحداث.
وأكد الدكتور عادل عبد الله الداعية بمعهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية على أن موقف الأزهر الشريف يؤكد أنه يتبرأ من كل محاولات قتل النظام السوري للشعب العزل. وقال عبد الله لـ«الشرق الأوسط» إن ما يقوم به النظام السوري إثم كبير وتحريض على الفوضى، لافتا إلى أن الأزهر موقفه واضح من أحداث القتل التي تقع في سوريا وليبيا واليمن وقبلها مصر وتونس، وأنه يدين جميع أعمال العنف ضد المسلمين.
 
دير الزور: نقص في الوقود والخبز وفرار شبه جماعي من المدينة
النخبة التجارية في دمشق بدأت تتهيأ لسقوط الحكومة
بيروت: أنتوني شديد*
تحدت القوات السورية الإدانات المتصاعدة وشرعت في شن هجوم جديد ضد واحدة من أكثر مناطق البلاد اضطرابا أول من أمس، حيث نشرت عشرات الدبابات والمركبات المدرعة في أجزاء مدينة تقع شرق سوريا حرصت القوات السورية منذ أمد بعيد على عدم استثارتها، حسبما أفاد نشطاء وسكان بالمدينة. وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات وفرار الآلاف، حسبما أضافت المصادر.
وجاء الهجوم الذي وقع قبيل الفجر على مدينة دير الزور بعد أسبوع من مهاجمة القوات السورية لحماه الواقعة وسط البلاد والتي نجحت بدرجة كبيرة في تخليص نفسها من قبضة سيطرة الحكومة هذا الصيف. ومثل حماه، تحولت دير الزور، وهي منطقة منتجة للنفط والغاز الطبيعي، لساحة مظاهرات ضخمة، مع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، لكن المؤسسة العسكرية، التي يساورها القلق من عشائر المدينة القوية والمسلحة جيدا، حرصت على البقاء معظم الوقت على أطراف المدينة.
وشكلت المدينتان معا، وهما من كبرى المدن بالبلاد، أكثر المناطق صلابة خلال فترة الانتفاضة المستمرة منذ 5 شهور ضد حكم عائلة الأسد المستمر منذ 4 عقود.
وبعد أسبوع من الانتقادات الحادة من قبل مجموعة متنوعة من الأصوات الدولية، من الأمم المتحدة حتى البابا، أكد الهجوم المتجدد على ما اعتبره الكثيرون إصرارا من قبل حكومة الرئيس بشار الأسد على البقاء في السلطة اعتمادا على العنف، وطبقا لتقديرات بعض منظمات حقوق الإنسان، فإن أكثر من 2.000 شخص قتلوا في الحملات التي تشنها الحكومة حتى الآن. وقد ظهرت مؤشرات أخرى على تعرض الحكومة لضغوط، ربما أهمها مؤشرات توحي بأن النخبة التجارية في دمشق بدأت تتهيأ لسقوط الحكومة. شكلت هذه النخبة منذ أمد بعيد أحد أهم أعمدة القيادة السورية، خاصة أثناء الانتفاضة الإسلامية عام 1982.
من جهته، علق محلل مقيم في دمشق طلب عدم ذكر اسمه: «النظام هو أسوأ أعداء نفسه، ولا يمكن إنقاذه من نفسه. لقد أصبح مهيأ للسقوط، لكن يبقى السؤال ما الذي سيدفع هذا السقوط ومتى».
ويقدر سكان بدير الزور أعداد القتلى بـ42، وقال أحدهم إن أسرة مؤلفة من 6 أفراد ـ زوجين وأبنائهما الأربعة ـ كانت تحاول الفرار سقطت في عداد القتلى. وذكر نشطاء أن الكثير من سكان المدينة غادروها خلال الأيام الأخيرة. وقال أحد أبناء المدينة اسمه مأمون إن شاحنات تحمل كل منها نحو 25 امرأة وطفلا كانت تفر من المدينة قاطعة طريقها عبر شوارع مهجورة.
وقال إن هناك نقصا في الوقود والخبز. وأشار سكان آخرون إلى أن مستشفيات خاصة أغلقت، بينما تشعر الأسر بالتردد حيال نقل أبنائها المصابين إلى مستشفيات حكومية خشية إلقاء القبض عليهم. بحلول المساء، قال مقيم بالمدينة إن القوات السورية دخلت دائرة مرورية بقلب المدينة كان يطلق عليها من قبل ميدان الأسد وأعيد تسميتها الآن ميدان الشهداء.
وقال مأمون خلال محادثة هاتفية معه بينما كانت أصوات دفقات مدفعية واضحة في الخلفية: «لم تشهد المدينة قط يوما كهذا».
خلال عطلة نهاية الأسبوع، تصاعدت الدعوات لضبط النفس. وأعربت جامعة الدول العربية عن «قلقها المتزايد»، أول من أمس، داعية السلطات لوقف الهجمات ضد المتظاهرين. وفي اليوم ذاته، دعا البابا بنديكتوس الـ16 الأسد للاستجابة لـ«التطلعات المشروعة» للشعب السوري. وأعلنت تركيا أنها ستبعث وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو لدمشق، الثلاثاء، برسالة مشابهة.
ووصف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أعمال العنف بأنها غير مقبولة، وقال إنه استدعى السفير السعودي من دمشق.
على مدار أسابيع، توقع نشطاء سوريون أن يحمل شهر رمضان المقدس لدى المسلمين معه تصعيدا في الانتفاضة، مع احتشاد المتظاهرين كل ليلة بالمساجد، ثم تنظيمهم مظاهرات. بدلا من ذلك، اختارت الحكومة هذا الشهر لشن هجوم شامل ضد المدن التي بدا أنها الأكثر تصميما على التخلص من نير القوات الأمنية.
الملاحظ أن دير الزور وحماه تمثلان هدفا للقمع وتحملان مخاطر خاصة في سوريا.
عام 1982، سقطت حماه ضحية لواحدة من أكثر اللحظات دموية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، عندما سحقت القوات العسكرية انتفاضة إسلامية وقتلت 10.000 شخص على الأقل.
وأجج الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي، وتسبب في قتل أكثر من 200 شخص، المشاعر بمختلف أرجاء سوريا.
ربما تمثل دير الزور مشكلات لا تقل عن الأخرى المرتبطة بحماه من منظور الحكومة، لكن لأسباب مختلفة. تتميز دير الزور بعشائر كبيرة مسلحة وتتمسك باستقلاليتها بشدة، وتربطها صلات بقبائل عبر شرق سوريا وغرب العراق. في الأيام الماضية، تعهد بعض زعماء العشائر بالتخلي عن المظاهرات السلمية وحمل السلاح حال شن القوات السورية هجوما. إلا أنه لم ترد الأحد تقارير عن سقوط ضحايا في صفوف القوات الحكومية.
كما تعج المدينة بمشاعر السخط جراء إهمال الحكومة، وهي مشاعر تفاقمت نتيجة الاعتقاد بأن السكان لم يتمتعوا بعد بنصيب في عائدات النفط والغاز الطبيعي الصادرين عن المنطقة. وأعلن زعيم إحدى العشائر أشار لنفسه باسم محمد العقيدي أنه: «يمكنني القول بأن الساعة لن تعود أبدا للوراء».
على مدار أيام، اضطرت المؤسسة العسكرية لحشد قواتها على أطراف دير الزور. وقدر زائر مر بالمدينة مؤخرا أن نحو 150 دبابة و200 مركبة مدرعة و200 شاحنة تحمل مدافع جرى نشرها حول المدينة. وذكرت لجان التنسيق المحلية، وهي مجموعة تحاول توثيق وتنظيم المظاهرات، أن الهجوم بدأ قبل الفجر، مع اجتياح القوات العسكرية 9 أحياء.
وقال سائق أشار لنفسه باسم أبو عمر: «نحن محاصرون تماما».
وجاء التمهيد للهجوم مألوفا. ورغم أننا لم نعاين وجود أسلحة خلال زيارتنا لحماه قبيل فرض حصار عليها، ادعى مسؤولون عسكريون أن القوات العسكرية عادت إلى هناك لمحاربة إسلاميين مسلحين أرهبوا المدينة البالغ عدد سكانها 800.000 نسمة.
وقدمت، السبت، خطابا مشابها بخصوص دير الزور التي يصل عدد سكانها إلى 500.000 نسمة. وقال تقرير لوكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» إن زعماء العشائر هناك دعوا الجيش لدخول المدينة «لحماية المواطنين والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة».
في المقابل طرح سكان بالمدينة أجرينا اتصالات هاتفية معهم رؤية مغايرة تماما. مثلا، قال عمار، 26 عاما، ناشط من دير الزور: «تجري إدارة سوريا الآن على أيدي ضباط صارمين، ولم يعد هناك صانعو قرار سياسيون. أخشى أن تكون البلاد في طريقها نحو كهف مظلم وينتهي الأمر بخسارة الجميع. وسيكون الرئيس الأسد ونظامه أول الخاسرين».
كانت التوترات قد تصاعدت داخل دير الزور منذ الشهر الماضي، عندما ألقت القوات الأمنية القبض على الشيخ نواف البشير، إحدى الشخصيات القبلية البارزة هنا. وتفاوض زعماء العشائر وضباط أمنيون وعسكريون سوريون لأيام، لكن يبدو أن هجوم الأحد يشير لعزم الحكومة إعادة السيطرة على المدينة بالقوة، حسبما أفاد نشطاء.
وقال عمار: «كانت الحكومة شديدة الحذر حيال بدء عملية عسكرية في منطقتنا لأن معظم أفراد القبائل مسلحون ببنادق كلاشنيكوف، وأسلحة أخرى، وهم على استعداد للقتال وعدم السماح للنظام بتكرار ما فعله في حماه أو درعا»، وهي المدينة التي بدأت منها الانتفاضة في مارس (آذار).
وأضاف: «إذا هاجم النظام دير الزور، فإن هذا يعني أن جميع القبائل في المناطق الأخرى ستتظاهر ضد نظام الأسد».
وقد تواترت أنباء عن حدوث انشقاقات في صفوف القوات العسكرية في دير الزور، وإن كانت هذه العمليات لا تزال محدودة على ما يبدو ولا تشكل تهديدا مباشرا على الأسد الذي ورث السلطة منذ عام 2000. وأعلنت لجان التنسيق المحلية أن مزيدا من الجنود انشقوا، الأحد. وأضافت: «يحاول الجنود المنشقون حماية السكان من اجتياح المدينة». ولم يرد تأكيد فوري على هذا الخبر من جانب سكان المدينة هناك.
ولم تكن دير الزور وحدها في الهجوم الحكومي الأخير، وإنما هاجمت القوات السورية أيضا حولة، الواقعة قرب حماه في وسط سوريا، وإدلب في الشمال الغربي. وأعلنت اللجان أن 12 شخصا لقوا مصرعهم في حولة، بينهم 3 أطفال.
وجاء نطاق وشدة الهجوم الراهن لتلقي بظلال سريالية على التعهدات الحكومية بإجراء إصلاحات. كان آخر هذه الوعود تصريح وزير الخارجية وليد المعلم، السبت، حول إجراء انتخابات برلمانية تعددية، هي الأولى من نوعها في ظل حكم عائلة الأسد، ستعقد في نهاية العام. وأوردت «سانا» قوله: إن الانتخابات ستكون «حرة وشفافة».
* هويدا سعد أسهمت في التقرير من بيروت، وموظف لدى «نيويورك تايمز» ساهم من دمشق بسوريا

المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,048,697

عدد الزوار: 6,749,798

المتواجدون الآن: 112