ناشط مسيحي لـ«الشرق الأوسط»: موقف الكنيسة يجردها من إنسانيتها التي هي روح الدين المسيحي

السوريون يتظاهرون اليوم في «جمعة الحماية الدولية».. ويطلبون إرسال مراقبين في مجال حقوق الإنسان

تاريخ الإضافة السبت 10 أيلول 2011 - 6:16 ص    عدد الزيارات 3145    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

عشية جمعة «الحماية الدولية».. نجاد يدعو الأسد لوقف العنف
تصاعد القتل والاعتقالات في حمص وناشطون يرفضون أي مبادرة لا تتضمن رحيل النظام ومحاكمته > «البديل» أول صحيفة للثورة تتحدى النظام
لندن - دمشق: «الشرق الأوسط»
يستعد السوريون للخروج في مظاهرات عارمة اليوم في جمعة «الحماية الدولية» طلبا لحماية المدنيين ضد الحملة العسكرية المستمرة، في وقت وجه فيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دعوة مفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد لوقف العنف.
ومع استمرار ارتفاع أعداد القتلى في العملية العسكرية التي بدأت في حمص ومناطق أخرى أول من أمس، ناشدت هيئة سرية للمعارضة السورية المجتمع الدولي إرسال مراقبين في مجال حقوق الإنسان للمساعدة في وقف الهجمات العسكرية على المدنيين. وقالت الهيئة العامة للثورة السورية، إن زيادة عدد القتلى بين المتظاهرين في الآونة الأخيرة، أقنعت العديد من السوريين بالحاجة إلى طلب مساعدة من الخارج. بينما رفض ناشطون سوريون أي مبادرة لا تنص على رحيل النظام ومحاكمة رموزه.
واستمرت حملة القوات السورية على مدينة حمص لليوم الثاني على التوالي، بعد أن ظهرت حصيلة جديدة ليوم أول من أمس الدموي، إذ ارتفع عدد القتلى إلى 31 شخصا بينهم 29 شخصا في حمص، فيما قتل أمس ثلاثة جنود منشقين خلال عملية أمنية في منطقة جبل الزاوية (شمال غربي سوريا).
من جهته، دعا نجاد الأسد لإنهاء العنف وفتح حوار مع المعارضة، وقال في مقابلة إن «الحل العسكري ليس أبدا الحل الصحيح».
كذلك قال الرئيس التركي عبد الله غل إن قمع الاحتجاجات في سوريا، لم يعد مقبولا، وأضاف في مقابلة أجراها معه تلفزيون «العربية» أمس، أن «الإصلاحات التي أعلنها الأسد محدودة ومتأخرة».
إلى ذلك، أصدرت مجموعة من الإعلاميين السوريين من الذين «أعلنوا انحيازهم للانتفاضة المطالبة بإسقاط النظام» العدد صفر من جريدة «البديل»، لتكون أسبوعية «مؤقتا»، تصدر عن الهيئة الإعلامية المستقلة للصحافيين السوريين. من جهة أخرى، قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إنه يتعين توجيه «رسالة قاسية» لكل الأطراف في سوريا بما فيها المعارضة، معتبرا أن بالإمكان وصف بعض أعضائها بأنهم «إرهابيون».
 
نجاد يدعو الأسد لوقف العنف وفتح حوار مع المعارضة
مبعوث روسيا للشرق الأوسط: الأسد شاب متعلم لديه فرصة لتحديث بلاده إذا انفتحت الطبقة الحاكمة
لندن: «الشرق الأوسط»
وجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دعوة مفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد لإنهاء العنف، وقال في مقابلة أجراها معه «راديو تلفزيون بورتوغيزا» البرتغالي في طهران، ونقلتها وكالة «أسوشييتدبرس»، إن على الأسد أن يفتح حوارا مع المعارضة. وقال إنه «يجب أن تحصل محادثات» بين الحكومة السورية ومعارضيها، بحسب ترجمة فورية بالبرتغالية لحديثه. وأضاف: «الحل العسكري ليس أبدا الحل الصحيح».
والشهر الماضي حث وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، الأسد، لأن يستمع إلى مطالب شعبه «المشروعة». وتعتبر العلاقة مع إيران أساسية لنظام الأسد الذي يواجه عزلة دولية متزايدة مع استمرار قمع قواته للاحتجاجات السلمية. واتهمت الولايات المتحدة ودولا أخرى، إيران، بتقديم دعم لنظام الأسد في قمعه للمحتجين. وفرض الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي عقوبات ضد النظام السوري طالت أيضا مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني بسبب دورهم في قمع المظاهرات. وهناك أيضا تخمينات بأن طهران تؤمن الأموال للتخفيف عن حكومة الأسد التي تصرف من 17 مليار دولار من الاحتياطات الأجنبية منذ بدء الثورة. إلا أن إيران لا يمكنها دعم النظام السوري إلى ما لا نهاية، ومن المؤكد أن تصريحات أحمدي نجاد ودعوة الأسد لوقف العنف، ستزيد من قلق دمشق.
أما روسيا، الحليفة الثانية الرئيسية لسوريا، والتي تعوق قرارا يدين النظام في مجلس الأمن، فقد أوفدت مندوبها إلى الشرق الأوسط للقاء ممثلين عن المعارضة والسلطة في محاولة للتوصل إلى حل يبقي الأسد في السلطة. وقد حرص ميكاييل مارغيلوف، مبعوث روسيا للشرق الأوسط، على إبداء دعم موسكو للأسد وقال إن على الغرب أن يتنبه إلى أن الإطاحة بنظام علماني في الشرق الأوسط قد يفتح الباب أمام القوى الإسلامية المتطرفة.
وقال مارغيلوف للصحافيين أمس على هامش منتدى حول السياسة الخارجية في ياروسلافل في روسيا: «الأسد شاب ومتعلم بشكل جيد، وواسع الأفق، ونحن نعتقد أن لديه فرصة لتحديث بلده إذا انفتحت الطبقة الحاكمة في سوريا أكثر وتقبلت الأفكار الجديدة». وأضاف: «علينا ألا ننسى أن الانتقال من مجتمعات تعيش على نمط القرون الوسطى مثل العديد من البلدان العربية، إلى الديمقراطية على الطريقة الغربية، علينا أن نتنبه بشدة». واعترف مارغيلوف بأن سوريا مستورد مهم للصناعة الدفاعية الروسية، إلا أنه أضاف أن روسيا تحركها مصالح سياسية أوسع.
في غضون ذلك، دعا الرئيس التركي عبد الله غل نظيره السوري بشار الأسد إلى «استخلاص العبر» من الانتفاضات الشعبية التي تجتاح العالم العربي، بما في ذلك سوريا، بحسب وكالة الأنباء الألمانية. وقال غل لقناة «العربية» الفضائية في مقابلة أمس إن «بعض القادة العرب لم يدركوا أن الأنظمة الاستبدادية لم تعد مناسبة لعالمنا المتغير». وتابع أن قمع الاحتجاجات في سوريا، لم يعد مقبولا. وفي إشارة إلى الرسالة التي نقلها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى الأسد الشهر الماضي، كشف غل أنه طلب في «رسالة الفرصة الأخيرة» وقف إراقة الدماء وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وإجراء انتخابات حرة، وأكد أن «الإصلاحات التي أعلنها الأسد محدودة ومتأخرة».
 
استمرار العملية العسكرية في حمص.. والأمن يقتل جنودا منشقين
ارتفاع عدد قتلى المدينة إلى 31 شخصا واعتقال أكثر من 150 ناشطا
لندن - دمشق: «الشرق الأوسط»
استمرت حملة القوات السورية على مدينة حمص لليوم الثاني على التوالي، بعد أن ظهرت حصيلة جديدة ليوم أمس الدموي، إذ ارتفع عدد القتلى إلى 31 شخصا بينهم 29 شخصا في حمص، بينما قتل أمس ثلاثة جنود منشقين خلال عملية أمنية في منطقة جبل الزاوية (شمال غربي سوريا).
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «ثلاثة عسكريين منشقين قتلوا واعتقل اثنان آخران أثناء وجودهم في منزل شقيق الضابط المقدم المنشق حسين هرموش، أثناء العملية الأمنية التي قامت بها القوات الأمنية مدعمة بقوات عسكرية في جبل الزاوية»، صباح أمس. وأفاد المرصد بأن «قوات عسكرية وأمنية تضم 7 آليات عسكرية مدرعة و10 سيارات أمن رباعية الدفع اقتحمت قرية ابلين» صباح أمس بحثا عن مطلوبين للسلطات الأمنية. وأشار المرصد إلى «سماع صوت إطلاق رصاص كثيف ترافق مع عملية الاقتحام، بالإضافة إلى صوت قصف الرشاشات الثقيلة».
وكان المقدم حسين هرموش أعلن في بداية يونيو (حزيران) انشقاقه هو وعناصره عن الجيش السوري عبر شريط فيديو بثته عدة مواقع إلكترونية وقنوات فضائية، بسبب «رفضه قتل المدنيين العزل»، معلنا تشكيل ما سماه «الضباط الأحرار السوريين».
من جهتها، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري أن «قوة أمنية نفذت صباح اليوم عملية نوعية في قرية ابلين بجبل الزاوية، ألقت خلالها القبض على عدد من أفراد المجموعات الإرهابية المسلحة التي روعت المواطنين، وسقط عدد آخر من أفراد تلك المجموعات الإرهابية بين قتيل وجريح». وأعلن المصدر أن «العملية أدت إلى استشهاد ثلاثة من عناصر القوة الأمنية وجرح ثلاثة آخرين»، مشيرا إلى أنه «تم العثور على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والبزات العسكرية».
وفي حمص، تابعت الأجهزة الأمنية عملياتها؛ إذ «اقتحمت قوات الأمن حي بابا عمرو في إطار حملة مداهمات واعتقالات تنفذها في عدة أحياء منذ صباح اليوم، وأسفرت عن اعتقال أكثر من 150 شخصا»، بحسب المرصد. وأشار المرصد إلى «سماع صوت إطلاق رصاص كثيف في حي بابا عمرو بالتزامن مع حملة الاعتقالات».
وقال ناشط مقيم في لبنان لوكالة الأنباء الألمانية إن نحو 40 جنديا انشقوا عن الجيش في حمص وانضموا إلى صفوف المعارضة. وأوضح أن العنف تصاعد في حمص مساء أول من أمس بسبب الانشقاقات التي وقعت داخل وحدة للجيش تتمركز في المدينة. وأضاف الناشط أن الجنود رفضوا تنفيذ الأوامر، وخاصة إطلاق النار على الجرحى. وقال وسام طريف، وهو مواطن سوري في مجموعة «أفاز» الدولية المعنية بحقوق الإنسان أمس إن إطلاق نار كثيفا وقع في أعقاب انشقاق الجنود في حمص. وأوضح أن انشقاق الجنود تسبب في حدوث اشتباك بين الجنود الذين حاولوا الفرار وقوات الأمن الموالية للنظام.
 
السوريون يتظاهرون اليوم في «جمعة الحماية الدولية».. ويطلبون إرسال مراقبين في مجال حقوق الإنسان
ناشطون يرفضون أي مبادرة للحل لا تتضمن «رحيل» ومحاكمة رموز النظام
بيروت: ليال أبو رحال
تتحرك المعارضة السورية، اليوم، تحت عنوان «جمعة الحماية الدولية»، مطالبة الهيئات الدولية والعربية بالتحرك من أجل «حماية المدنيين» بعد قرابة ستة أشهر من المظاهرات شبه اليومية، التي بدأت مطالبة بإطلاق الحريات وتحقيق إصلاحات وصولا إلى المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وناشدت هيئة سرية للمعارضة السورية المجتمع الدولي إرسال مراقبين في مجال حقوق الإنسان للمساعدة في وقف الهجمات العسكرية على المدنيين في إطار حملة دامية ضد الاحتجاجات الشعبية في البلاد. وقالت الهيئة العامة للثورة السورية وهي كتلة تضم عدة مجموعات للنشطاء السوريين إن زيادة عدد القتلى بين المتظاهرين في الآونة الأخيرة ومنذ بدء الاحتجاجات، أقنعت العديد من السوريين بالحاجة إلى طلب مساعدة من الخارج.
وقال المتحدث أحمد الخطيب لـ«رويترز» إن الدعوة لتدخل خارجي قضية حساسة قد يستخدمها النظام لاتهام معارضيه بالخيانة، وأضاف أن المعارضين السوريين يطالبون بإرسال مراقبين دوليين كخطوة أولى.
وأوضح أنه إذا رفض النظام فإنه سيفتح الباب أمام تحركات أخرى مثل فرض منطقة حظر طيران أو حظر استخدام الدبابات.
ويردد المتظاهرون السوريون هتافات يطالبون فيها بالحماية الدولية لكن لم تظهر بادرة في الغرب تشير إلى رغبته في تكرار الغارات التي يشنها حلف شمال الأطلسي في ليبيا والتي لعبت دورا أساسيا في سقوط معمر القذافي.
ولم تقترح أي دولة هذا النوع من التدخل في سوريا مثل صدور تفويض من الأمم المتحدة لحماية المدنيين.
وبعكس ليبيا فإن سوريا تتقاطع مع خيوط الصراع في الشرق الأوسط لأن لها حلفاء أقوياء مثل إيران ولها نفوذ في لبنان والعراق.
وقالت الهيئة العامة للثورة السورية في بيان «قامت ثورتنا المجيدة بإرادة شعبنا البطل لنيل حريته وكرامته والتي تميزت بنبذ كل أنواع العنف واعتماد مبدأ التظاهر السلمي الحضاري والتأكيد على الوحدة الوطنية إلا أن النظام المستبد قابل هذا بالقتل والقمع والاعتقال والتهجير وارتكاب المجازر حتى وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 3000 شهيد وتجاوز عدد المعتقلين عشرات الآلاف إضافة إلى آلاف المفقودين وآلاف المهجرين من جميع أرجاء سوريا».
وأضاف البيان «لقد عصف هذا النظام بكل الأعراف والمواثيق المحلية والإقليمية والدولية في طريقة قمعه الوحشية للمدنيين العزل.. واستخدام الأسلحة الثقيلة في عمليات القمع والقتل». وتابع أن هذا الوضع خلق حاجة ملحة لأن يتخذ المجتمع الدولي «كل الإجراءات التي من شأنها فرض حماية للمدنيين وفق ما نصت عليه قوانين ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة». وقال البيان «مع أننا لا نسعى للتدخل العسكري العربي أو الدولي على الأراضي السورية ونرفض الوصاية من أي طرف كان لكننا نحمل النظام المسؤولية المباشرة لأي تدخل قد يحصل بسبب تعنته وإصراره على القتل بدم بارد».
وتأتي مناشدة الناشطين السوريين المجتمع الدولي بحماية المدنيين، بعد إحصاء سقوط 3200 قتيل، وفق صفحة «الثورة السورية» على موقع «فيس بوك»، واعتقال أكثر من خمسين ألف شخص، لا يزال نحو عشرين ألفا منهم معتقلا، فضلا عن آلاف الجرحى وآلاف المشردين واللاجئين في الدول المجاورة. وهي ترافقت مع تذكير الناشطين بأن «سوريا عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة، وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وشاركت في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالتالي فمن حق شعبها اليوم أن يتدخل المجتمع الدولي لوقف المجزرة».
ويحمل الناشطون على ظهور «المجتمع الدولي وكأنه فقد فجأة كل أدوات ضغطه»، تعليقا على «قبول العالم في عام 2011، عندما تختار السلطة أن تمارس جرائمها الوحشية بالصورة التي نراها، ألا يُسمح لوسائل الإعلام بالوجود والتحرك بحرية بين المدن لمدة ستة أشهر»، مشددين وفق ما أوردته صفحة «الثورة السورية» على أنه «من حق السوريين أن توجد معهم وسائل الإعلام، ليشاهد العالم ما يجري، وعلى الأمم المتحدة ودول العالم أن تضغط بشكل حقيقي للسماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى كل مدينة وقرية دون مرافقة».
وتتزامن مخاطبة المعارضة السورية للمجتمع الدولي بعد يومين من تسريب مضمون مبادرة عربية كان من المقرر أن يحملها الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إلى دمشق، ولاقت رفضا أوليا من الكثير من أطياف المعارضة فيما يتعلق باقتراحها بقاء الأسد على سدة الرئاسة حتى انتخابات عام 2014. وفي هذا الإطار، وصف القائمون على صفحة «الثورة السورية» النص الذي سرب لحل «الأزمة السورية»، بـ«المرفوض بالكلية». وأفادوا بأنه «سواء أكان النص المسرب صحيحا أم لا، فينبغي أن نسجل أن من يقبل به، إنما يقبل ببيع دماء الشهداء، ومشارك في خيانة الثورة»، مشددين على أن «أي حل لا يتضمن رحيل بشار، هو حل تآمري، بغض النظر عمن يتبناه أو يسوقه». وأكدوا: «إننا لم ندفع هذا الثمن من أجل تغيير قانون الانتخابات، ولا من أجل تعديل نظام المجالس المحلية».
وأعرب المكتب السياسي للمجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية عن حزنه «لتباطؤ الموقف العربي والإقليمي والدولي تجاه ما يتعرض إليه (الشعب) من هجمة وحشية لا إنسانية من قبل نظام بشار الأسد»، مبديا ترحيبه «بأي مبادرة أي كان مصدرها شرط أن تستجيب إلى مطالبه وطموحاته، وقبل كل شيء أن تقدر تضحياته التي ما فتئ يقدمها دون تردد أو تقهقر». وشدد على أن الشعب السوري «لن يكترث بأية مبادرات ما دامت أدنى من مطالبه المشروعة والمتمثلة بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه»، معتبرا أنه «سواء تم تأجيل زيارة العربي أم تم إلغاؤها، فإن المقترحات التي كان من المفترض أن يقدمها لحل الأزمة في سوريا لم تكن بمستوى المعاناة والآلام التي يعانيها الشعب السوري، بل كانت لتزيد من تعقيد الوضع وإطالة أمده».
وفي سياق متصل، أكدت لجان التنسيق المحلية في سوريا أن «الشعب السوري الذي دفع آلاف الضحايا والمعذبين لن يقبل بمعالجات شكلية تبقي بشار الأسد وأجهزة المخابرات وفرق الموت تتحكم بحياته». ودعا جامعة الدول العربية والشعوب العربية إلى أن «تقف إلى جانبه في كفاحه العادل، والتوقف عن إعطاء هذا النظام القاتل الفرصة تلو الأخرى».
ورأت في المبادرة العربية «أساسا طيبا يمكن البناء عليه لمعالجة الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة النظام للانتفاضة الشعبية بالعنف»، موضحة أنه «ورغم أننا لا نثق بالنظام ولا برئيسه، ولا نقر بشرعيتهما، ونتحفظ على إجراء الانتخابات الرئاسية متعددة المرشحين في عام 2014، لكننا منفتحون على البنود الأخرى في المبادرة، إذا توفرت ضمانات كافية، عربية ودولية، لتنفيذها». ولفتت إلى أنه «مما هو متاح من معلومات يبدو أن النظام سيرفض المبادرة، أو قد يقبل صيغة مفرغة من مضمونها منها، ودون أية ضمانات للتنفيذ».
 
تململ بين الناشطين المسيحيين السوريين من زعمائهم الروحيين المدافعين عن النظام.. ودعوات لعقد لقاء ضد المواقف الرسمية للكنيسة
ناشط مسيحي لـ«الشرق الأوسط»: موقف الكنيسة يجردها من إنسانيتها التي هي روح الدين المسيحي
دمشق – لندن: «الشرق الأوسط»
يتدارس عدد من الشباب السوريين من طوائف مسيحية عدة، فكرة عقد لقاء أو ندوة لبحث سبل إعادة المسيحيين إلى موقعهم الصحيح في الوطن السوري، وذلك للرد على مواقف آباء الكنائس السوريين الذين اختاروا وإن بشكل موارب الوقوف إلى جانب النظام السوري. ويقول الناشطون من الطوائف المسيحية التي تشكل نحو 4.1 في المائة من السكان، ويبلغ عدد أفرادها نحو 750 ألف نسمة (من أصل 22.5 مليون نسمة)، إن مواقف آباء الكنائس «تتناقض مع أبسط المبادئ الروحية والإنسانية للدين المسيحي، والتي تعز النفس البشرية وتنبذ العنف والقتل وتحرم إهانة وقتل الجسد باعتباره هيكل الروح القدس».
ووصف ناشط مسيحي يعيش في دمشق، وهو من المثابرين على المشاركة في المظاهرات المطالبة بالحرية، مواقف بعض رؤساء الطوائف المسيحية بأنها مواقف «مخزية». وقال الناشط لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي أجري معه من لندن، إن «رؤساء الطوائف يرتكبون خطأ فادحا بعدم استنكارهم وإدانتهم للقمع الوحشي الممارس ضدنا، أي الشعب السوري الأعزل، وكأن قتل البشر وانتهاك الحرمات لا يعنيان الكنيسة ولا رعاياها».
واعتبر أن هذا «يجرد الكنيسة السورية من إنسانيتها التي هي روح الدين المسيحي، كما يجردها من وطنيتها»، موضحا «لطالما كان مسيحيو المشرق العربي روادا في النهضة العربية وشركاء في النضال من أجل نيل الحرية والاستقلال». وعبر عن تمنيه ورفاقه من المسيحيين والمسلمين أن تخرج المظاهرات من الكنائس كما تخرج من الجوامع، وقال إنه «أصبح وعدد من الشباب والشابات المسيحيين من المثابرين على الصلاة يوم الجمعة في المساجد من دون أن يعلنوا أنهم مسيحيون، إلا أن إمام جامع في ريف دمشق لأكثر من مرة كان يختم صلاته بالسلام على المسلمين وغير المسلمين وهو ينظر إلينا».
وأكد الناشط المسيحي وجود عدد كبير من أبناء الطوائف المسيحية في أنحاء متعددة من البلاد من «المشاركين والداعمين للثورة»، عدا عن المسيحيين البارزين في المعارضة، لكنه رأى «أن موقف أرباب الكنائس يعمي على هذه المشاركة المشرفة»، ويسهم في تكريس دعايات النظام عن أن «ما يجري في سوريا اليوم ليس ثورة من أجل الحرية وإنما هو صراع طائفي بين المسلمين السنة والعلويين، وكأنما المسيحيين خارج ما يجري». وقال إن «هذا يلحق ضررا فادحا بالوجود المسيحي في المنطقة، إذ يعزله عن محيطه الإسلامي، ويقتلعه من جذوره».
ولا يرى الناشط مبررا للمواقف الرسمية للكنائس سوى أنها «تعتبر نفسها جزءا ملحقا بالسلطة الزمنية الزائلة، وتربط مصير السلطة الروحية بمصير السلطة الزمنية في سوريا، وأيضا شريكة لها في جرائمها وفي تآمرها على الوحدة الوطنية والدفع باتجاه تفريغ المنطقة من تنوعها». ولفت الناشط إلى أنه «لذلك لاقت الفكرة التي طرحها المعارض البارز ميشيل كيلو في شهر يوليو (تموز) الماضي قبولا في أوساط العلمانيين المسيحيين».
وكان المعارض السياسي والكاتب ميشيل كيلو دعا العلمانيين من مسيحيي المولد إلى «فتح نقاش أو عقد ندوة حول موضوع وحيد هو سبل إعادة المسيحيين إلى موقعهم الصحيح من الجماعة العربية الإسلامية، وإلى دورهم الثقافي المجتمعي في خدمتها، بعيدا عن أي سلطة غير سلطة الجوامع الإنسانية والمشتركات الروحية والمادية التي تربطهم بها». وقال إنه «في زمن التحول الاستثنائي الذي لا سابقة له في تاريخ العرب، فإن هكذا لقاء يمثل فرصة لامتلاك وبناء الدولة التي تعبر عن حريتها وحضورها في شأن عام عاشت المسيحية فيه وبفضله، لأنه كان مرتبطا بالدولة في مفهومها المجرد والسامي، ومنفصلا عن شأن سلطوي استبدادي الطابع والدور، مما حمى المسيحية من شرور وبطش السلطوية وغرسها بعمق حاضنتها الطبيعية، المستقلة نسبيا عن السلطة والسياسة، بفضل الإسلام وفضائه الإنساني، المتسامح والرحب».
وانطلق كيلو في دعوته إلى أن «الدين ليس ملكا للكنيسة، التي تبلد شعورها وفقدت علاقتها مع الواقع ومع حساسية المسيحية الإنسانية، ولأن للعلمانية الحق في ممارسة وفهم الدين بالطريقة التي تريدها، خارج وضد الكنيسة أيضا».
من جانبها، قالت ناشطة مسيحية من حماه لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي، إن تلك الدعوة بداية لانقسامات جديدة في الكنيسة، وحملت المسؤولية لرؤساء الطوائف «الذين لا يريدون أن يروا الواقع، وهو أن المسيحيين على الأرض يدفعون ثمن الحيادية السلبية لرؤسائهم الروحيين، سواء بعزلهم وقطع صلاتهم مع مجتمع يتشاركون فيه العيش مع المسلمين من مئات السنين، أو بقتل أبنائهم من الموالين للنظام والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية». وأشارت إلى أن «أكثر من شاب مسيحي قتل خلال الأحداث، لا سيما في حمص، للاشتباه في تعاونهم مع الأجهزة الأمنية». ودعت رؤساء الكنائس إلى ضرورة التنبه إلى «خطورة تراكم الأحقاد»، والتي ستشكل خطرا كبيرا على الوجود المسيحي في المنطقة. وقالت إنها «لا تمانع في عقد ندوة أو مؤتمر للمسيحيين خارج الكنيسة وضد مواقف الكنيسة إذا لم تستطع أن تمثل رعاياها»، وقالت «لا يمكن للمسيحية في الشرق أن تكون بمعزل عما يجري، فكيف إذا كان أبناؤنا منخرطين في الثورة؟».
واتهمت الناشطة الحموية الكنيسة «برمي أبنائها إلى التهلكة، حين تتخلى عن الناشطين منهم في الثورة ولا تنصت لأصوات الحق»، مشيرة إلى «قيام عدد من الشباب بمخاطبة الكنيسة لاتخاذ موقف واضح إن لم يؤيد الثورة فعلى الأقل يستنكر القتل والعنف، ويكف عن ترويج دعايات النظام في التخويف من المسلمين والمد الإسلامي، لأن سوريا بحكم التاريخ والجغرافية بلد تعددي معتدل لم يكن يوما حاضنا للتطرف، منذ فجر الحضارة».
وعبرت الناشطة الحموية عن استيائها من مسيرات التأييد التي نظمها رجال الأعمال من غير المسيحيين ومن المؤيدين للنظام في الأحياء المسيحية في دمشق، فبدا وكأن كل المسيحيين يحبون نظام بشار الأسد، وقالت «تارة نسمع بطريركا يتحدث عن معنى البشارة باسم بشار الأسد، وأخرى يسهب كاهن في اللقاء التشاوري في الحديث عن إنسانية الرئيس بشار، وآخر يتخوف من الإسلام المتطرف.. إلخ». واعتبرت صمت الكنيسة وتغاضيها عن ذلك «عارا عليها»، كما أنه من العار أن تصمت عن انتهاك حرمة المساجد وقصف المآذن، وقالت إن «السكوت عن الرقص في الأحياء المسيحية على دماء أهلنا من الشعب السوري بجميع أطيافه، والتأييد لنظام ينتهك المساجد ويمزق كتب الله، لن يجنب البطش، فمن قصف المآذن لن يتورع عن قصف قبب الكنائس والصلبان». ولهذا وجهت الناشطة الحموية دعوة لأرباب الكنائس إلى «التعبير عن موقف ينسجم مع روحانية وإنسانية الدين المسيحي، ويحض المسيحيين على الحفاظ على الوحدة الوطنية بالتلاحم مع أبناء شعبه في نضاله من أجل الحرية، فالمسيح جاء لنصرة المظلومين لا الظالمين». وأكدت أن «المحنة التي يعيشها الشعب السوري اليوم تشكل اختبارا لمواقف رجال الدين الموالين للسلطة من كل الطوائف، الذين طالما تغنوا بالتعايش والعيش المشترك في حفلات وملتقيات جرت تحت رعاية السلطة»، متساءلة عما إذا كانت دعواتهم تلك «محض دعايات سياحية للنظام، وعما إذا كانت الكنيسة ترضى بالقيام بهكذا دور هزيل ومخز».
وكان البطريرك الماروني في لبنان بشارة الراعي قد ضم صوته، قبل يومين، إلى أصوات زعماء الطوائف المسيحيين في سوريا، ودعا إلى منح الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لتطبيق الإصلاحات، معبرا عن مخاوفه من تفتت سوريا ونشوء حرب أهلية وأنظمة إسلامية. وعبر الراعي الذي تسلم مهامه قبل أشهر قليلة، خلفا للبطريرك نصر الله بطرس صفير الذي يعرف بمواقفه المتشددة ضد النظام السوري، عن تفهمه لموقف الأسد وفي الوقت نفسه عن «خشيته من مرحلة انتقالية في سوريا» قد تشكل تهديدا لمسيحيي الشرق، وذلك قبل زيارة مقررة إلى لورد في جنوب فرنسا. وصرح الراعي خلال مؤتمر أساقفة فرنسا «كنت آمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها». وقال «في سوريا، الرئيس ليس شخصا يمكنه أن يقرر الأمور وحده. لديه حزب كبير حاكم هو حزب البعث. (الأسد) كشخص هو إنسان منفتح، تابع دراسته في أوروبا، وتربى على المفاهيم الغربية. لكن لا يمكنه القيام بمعجزات وحده». وأضاف «لقد عانينا نحن من النظام السوري، لا أنسى ذلك، لكني أريد أن أكون موضوعيا، فهو (بشار الأسد) بدأ سلسلة من الإصلاحات السياسية، ومن المفترض إعطاء مزيد من الفرص للحوار الداخلي.. مزيد من الفرص لدعم الإصلاحات اللازمة وأيضا تفادي أعمال العنف والحرب». وأقر الراعي «لسنا مع النظام، لكننا نخشى المرحلة الانتقالية»، مضيفا «علينا أن ندافع عن المسيحيين وعلينا أن نقاوم بدورنا».
 
«البديل» أول صحيفة سورية تدعم الثورة.. أطلقها إعلاميون تحدوا النظام
المجموعة أكدت أنها ليست صوتا لتيار أو حزب معين بل صوت المواطن الحر
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
أصدرت مجموعة من الإعلاميين السوريين من الذين «أعلنوا انحيازهم للانتفاضة المطالبة بإسقاط النظام» منذ انطلاقتها في منتصف مارس (آذار) الماضي، العدد صفر من جريدة «البديل»، لتكون أسبوعية «مؤقتا»، تصدر عن الهيئة الإعلامية المستقلة للصحافيين السوريين. وتعد هذه أول مطبوعة تدعم الثورة وتتحدى «الإجراءات الأمنية المشددة»، حيث أكدت المجموعة أن «البديل» ستقرأ «في كل بيت وتوزع في كل شارع وقرية ومدينة سورية».
ويشار إلى أن الأعداد الأولى ستتضمن أربع صفحات غير منتظمة الصدور مؤقتا إلى حين اكتمال عناصر التوزيع اليومي «قريبا». كما وعدت المجموعة التي نشرت العدد صفر بملفات صور على موقع «فيس بوك»، أن يكون بالإمكان طبعها في المنازل. وقالت «الهيئة الإعلامية المستقلة لدعم الثورة السورية» التي أطلقت الجريدة، إنها بادرت إلى إطلاق جريدة «البديل» التي طبعت ووزعت عددها رقم صفر داخل سوريا يوم الثلاثاء الماضي، وإن هذا المشروع الإعلامي يأتي «إيمانا من الهيئة بأن استمرارية أي حراك ثوري مرتبطة بشكل أساسي بمدى قدرته على بناء وسائل ذاتية متكاملة، تضمن تحقيق أهدافه في مختلف المجالات. وهي محاولة لبناء جسم إعلامي مواكب للانتفاضة - الثورة».
وأوضحت في بيان صادر عن الهيئة، أن المشروع «يصدر ملونا ويرصد ويوثق جوانب من يوميات الانتفاضة بالخبر والتعليق والتحليل بلغة مهنية، إضافة إلى الإحاطة بكل أنواع الفنون التي أفرزتها الثورة». ووصف البيان جريدة «البديل» بأنها هي «محصلة جهود مجموعة من الإعلاميين السوريين الذين أعلنوا انحيازهم للانتفاضة المطالبة بإسقاط النظام منذ انطلاقتها في منتصف مارس الماضي، وأن هذا المشروع يلبي حاجة ملحة تحاول أن تعكس في مضمونها ثقافة الثورة التي رسخها المحتجون ضد الجرائم المنهجية للنظام، تلك الجرائم الإعلامية المستمرة منذ انقلاب حزب البعث عام 1963، حيث عمل على تأطير الإعلام الرسمي وشخصنه في (القائد الرمز)، وتحويل المواطن السوري إلى وسيلة إعلام تمجد الديكتاتور، وإرغام المجتمع على التحول إلى جمهور مصفق لحزب البعث». وقال البيان إنه وحرصا على قطع الطريق لمصادرة أي رأي في المجتمع السوري التعددي، فإن «البديل» ليست «صوتا لتيار أو حزب معين، بل هي صوت المواطن الحر ومجموع الإرادات التي تنشد تحرير سوريا من الاستبداد الفكري الأحادي لكل نواحي الحياة الفردية والجماعية».
 
«ويكيليكس» يعيد تسليط الضوء على مجزرة سجن صيدنايا عام 2008
سجل حافل بمجازر جماعية طالت مدنا وبلدات سوريا في الثمانينات
بيروت: «الشرق الأوسط»
يظهر شريط فيديو، نشرته شبكة «شام» المعارضة مؤخرا على صفحتها على «فيس بوك»، جثثا مدماة وأشلاء بشرية متناثرة هنا وهناك وإلى جانبها نسخة مفتوحة من القرآن الكريم، مرمية فرق بركة من الدم. وفي نهاية الشريط، يظهر رجل رجح ناشطون أنه ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبره الناشطون السوريون العقل المدبر لجميع عمليات القمع التي تحصل حاليا في سوريا ضد المحتجين السلميين، وهو يستخدم جهازه الجوال في تصوير بقايا الجثث المتروكة بين الركام الملطخ بالدم.
ووفق ما أشار إليه ناشطون، يعود تاريخ هذا الفيديو إلى عام 2008، تاريخ ارتكاب أجهزة الأمن السوري، مدعومة بدبابات من الجيش، مجزرة مروعة شهدها سجن صيدنايا، في إحدى ضواحي العاصمة دمشق.
وتعود هذه المجزرة، التي تعد من أكثر المجازر دموية في السجل الأسود للنظام السوري، إلى الواجهة اليوم بعد أن قام موقع «ويكيليكس» مطلع الأسبوع الحالي بنشر وثائق تؤكد ارتكاب قوات الأمن السورية مجزرة عنيفة في السجن الصحراوي، على خلفية تنفيذ السجناء فيه إضرابا احتجاجيا على عدم الإفراج عنهم. ووفق ما أورده موقع «ويكيليكس»، فإن النظام السوري سعى إلى تجنيد هؤلاء السجناء الإسلاميين لاستخدامهم في العراق كمنفذين لعمليات تفجيرية ضد الأميركيين بين عامي 2003 و2006، ووعدهم بأن يقوم بالإفراج عنهم بعد عودتهم من «الجهاد ضد الكفار».
لم يعلم السوريون ماذا حصل بدقة ليلة 2008/7/5 داخل زنازين هذا السجن المرعب، الذي طالما لفه الغموض شأنه شأن باقي السجون السياسية في سوريا الأسد. بقي الأمر أسير الإشاعات التي جرى تداولها بين الناس، فيما سارعت السلطات حينها إلى إصدار بيان رسمي وصفت فيه ما حدث في السجن بأنه «أعمال إثارة فوضى وإخلال بالنظام العام، قام بها عدد من المساجين المحكومين بجرائم التطرف والإرهاب، مما استدعى تدخل قوى حفظ النظام»، من دون أن يتطرق البيان إلى أي تفاصيل أخرى عن عدد الضحايا والمصابين من المعتقلين الذين قضوا برصاص قوات الأمن.
إلا أن ناشطين في منظمات حقوقية أكدوا أن ما حصل في ذلك الوقت كان مجزرة حقيقية نفذتها أجهزة الأمن السورية بحق المعتقلين الإسلاميين، الذين جرى استفزازهم وشتم معتقداتهم الدينية من قبل حراس السجن، مما أثار غضبا عارما بين صفوفهم أدى إلى حصول صدامات وفوضى قام على أثرها السجناء بأخذ بعض الحراس كرهائن للحفاظ على حياتهم، فما كان من النظام السوري إلا أن حسم أمره واقتحم السجن بأسلوب وحشي أدى إلى تصفية العشرات واختفاء ما يقارب المائة سجين.
لم يستطع أهالي السجناء، الذين تم قتلهم وإخفاؤهم قسرا، معرفة مصير أبنائهم في ذلك الوقت حتى تم إلغاء محكمة أمن الدولة في سوريا منذ مدة ليست ببعيدة، فأحيلت ملفات هؤلاء السجناء إلى القضاء الجنائي، ليعرف الأهل أي مصير بائس ناله أبناؤهم على يد الأمن السوري.
ووفق ما نقلته اللجنة السورية لحقوق الإنسان عن سجين تمكنت من الاتصال به آنذاك، فإن «عناصر الشرطة العسكرية داخل السجن أقدموا على تبديل أقفال جميع مهاجع السجن بأقفال أكبر يصعب كسرها أو فتحها. وفي صباح اليوم الباكر (2008/7/5) وصلت قوة تعزيز إضافية من الشرطة العسكرية تقدر بـ300 أو 400 شرطي بدأوا حملة تفتيش بطريقة استفزازية مهينة تخللتها مشادات كلامية مع المعتقلين السياسيين، ثم بدأوا في تصعيد الاستفزازات وقاموا بوضع نسخ المصحف الشريف الموجودة بحوزة المعتقلين السياسيين الإسلاميين على الأرض والدوس عليها أكثر من مرة، مما أثار احتجاج المعتقلين الإسلاميين الذين تدافعوا نحو الشرطة لاسترداد نسخ المصحف الشريف منهم». ويتابع «عندها، فتح عناصر الشرطة العسكرية النار، وقتلوا تسعة منهم على الفور وهم زكريا عفاش، محمد محاريش، محمود أبو راشد، عبد الباقي خطاب، أحمد شلق، خالد بلال، مؤيد العلي، مهند العمر، وخضر علوش».
وأدى ذلك على حد رواية السجين إلى أن «عمت الفوضى السجن، لا سيما أن المعتقلين تلقوا تهديدات بمجزرة على غرار مجزرة تدمر خلال الأسابيع الماضية، فبدأوا بخلع الأبواب على أقفالها، وخرجوا للتصدي للشرطة العسكرية التي فتحت عليهم النار مجددا، مما أوصل عدد القتلى إلى نحو 25 قتيلا..». وأكد الشاهد أن «عدد المعتقلين الغاضبين كان أكثر بكثير من عدد الشرطة العسكرية، لذلك استطاعوا توقيفهم واتخذوهم رهائن مع مدير السجن وأربعة ضباط آخرين وخمسة برتبة مساعد أول، واستسلم جميع من بداخل السجن بعد أسر مدير السجن والضباط، لكن بقية كتيبة الشرطة العسكرية المرابطة حول السجن مع التعزيزات التي وصلتهم فورا قاموا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية داخل السجن، فهرب المعتقلون إلى سطح السجن، وبقوا هناك حتى الساعة الثالثة بتوقيت دمشق».
وتابع الشاهد في وصف ما حصل بالإشارة إلى أنه «بدأت عملية تفاوض بين المعتقلين وقوات الأمن، فانتدب المعتقلون السجين سمير البحر (60 سنة) لنقل الرسائل المتبادلة بينهم وبين الأمن، وكان مطلب المعتقلين الوحيد هو الحصول على وعد قاطع بعدم قتلهم في حال استسلامهم، وقدموا على ذلك دليلا بحسن النية أنهم لم يستخدموا السلاح الذي وقع بأيديهم، وأنهم مسالمون، وأنهم احتجوا فقط على الإهانات والإساءات التي يتعرضون لها». وأضاف أن «السلطات رفضت من جهتها منحهم أي وعد بعدم قتلهم أو إيذائهم وطالبتهم بالاستسلام فورا وإطلاق الرهائن، ثم التحدث بعدها في باقي القضايا، وهددت باقتحام السجن في حال استمر الرفض، ودخوله بالقوة ولو أوقع ذلك ألف قتيل. وبعد أن أبلغهم البحر رفض المعتقلين، قاموا بضربه وأخذوه في سيارة مصفحة بعيدا عن السجن». وبقيت الأمور عالقة عند هذه النقطة بعد أن فقد الاتصال بالمصدر من داخل سجن صيدنايا كما تشير منظمة حقوق الإنسان السورية في بيان أصدرته بهذا الصدد.
يستعيد السوريون اليوم وقائع هذه المجزرة المروعة عبر معلومات جديدة يقدمها موقع «ويكيليكس»، في وقت تحولت فيه شوارع المدن والقرى السورية إلى مسارح لتنفيذ أعمال دموية لا تقل وحشية عن تلك التي حصلت في سجن صيدنايا ضد محتجين سلميين ينادون بإسقاط النظام الحاكم ومحاكمة رموزه. ويذكر أن النظام السوري ارتكب الكثير من المجازر بحق الشعب السوري أثناء صراعه مع تنظيم الإخوان المسلمين بداية الثمانينات، وكانت أبرزها مجزرة جسر الشغور، حيث قامت الوحدات الخاصة التي يرأسها العميد علي حيدر بتطويق مدينة جسر الشغور وقصفها بمدافع الهاون، ثم اجتاحتها في 10 مارس (آذار) 1980، وأخرجت من دورها 97 مواطنا تمت تصفيتهم.
وشهد سجن تدمر في 1980/6/27 مجزرة قيل إن رفعت الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، أمر عناصره من سرايا الدفاع بتنفيذها، مكلفا صهره الرائد معين ناصيف باقتحام سجن تدمر وقتل من فيه من المعتقلين، فتمت تصفية أكثر من ألف ومائة معتقل في زنزاناتهم.
وفي 13 يوليو (تموز) 1980، هاجمت عشرون سيارة عسكرية سوق الأحد في مدينة شعبية في مدينة حلب، وهي مزدحمة بالناس الفقراء من عمال وفلاحين ونساء وأطفال أثناء شرائهم حاجاتهم. وبدأ عناصر الأمن في إطلاق النار عشوائيا على الناس، فسقط منهم 192 قتيلا.
وطوقت الوحدات الخاصة في الأمن السوري قرية سرمدا، الشهيرة بعواميدها الأثرية، في 25 يوليو 1980، وجمعت ثلاثين من أهلها في ساحة القرية، ورمت بالرصاص خمسة عشر منهم، فيما ربطت شبانا آخرين بالسيارات والدبابات، وسحلتهم على مرأى من عيون الناس.
وفي صبيحة عيد الفطر في 11 أغسطس (آب) 1980، أمر المقدم هاشم معلا رجاله بتطويق حي المشارقة الشعبي في حلب، وإخراج الرجال من بيوتهم، وإطلاق النار عليهم، مرديا 86 مواطنا، معظمهم من الأطفال.
وفي أبريل (نيسان) 1980، تعرضت مدينة النواعير في حماه لأول مجزرة جماعية بعد محاصرتها من كل الجهات. وفتشت وحدات الأمن المدينة بيتا بيتا، وتم قتل عدد من أعيان المدينة وشخصياتها، فضلا عن اعتقال المئات. وفي نهاية الشهر عينه، طوقت الدبابات وعناصر الوحدات الخاصة مدعومة بمجموعات كبيرة من سرايا الدفاع المدينة، وقاموا بتعذيب أهلها، مما أدى إلى مقتل 335 شخصا ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات العامة، ولم يسمح بدفنهم إلا بعد أيام عدة.
 
الأسد ورأس الذئب الطائر
رضوان السيد
في حكايات وأقاصيص الحكمة على ألسنة الحيوانات عند شعوب الشرق، أن الأسد ملك الوحوش في الغابة بلغ من الكبر عتيا، فاستعان في الصيد بذئب وثعلب من رعيته. وقد نجح هذان في اصطياد غزال أتيا به إلى العرين، فسُرّ الأسد العجوز وخاطبهما قائلا: «كيف نقسم هذا المغنم؟»، فسارع الذئب للقول: «القسمة واضحة؛ الرأس والأكتاف لك، والبطن والعجُز لي، والذنب للثعلب!»، فغضب الأسد وأطار رأس الذئب بضربة واحدة من قائمته الأمامية، ثم التفت من جديد إلى الثعلب سائلا عن القسمة، وقال الثعلب متظاهرا بالهدوء: «القسمة واضحة، الرأس والأكتاف لإفطارك، والبطن والدواخل لغدائك، والمؤخرة لعشائك!»، فقال الأسد مندهشا ومسرورا: «من علمك هذه القسمة العادلة؟»، فأجاب الثعلب: «رأس الذئب الطائر!».
لقد مضت ثلاثة أشهر ونيف على الانطباع الناشئ لدى الأجانب والعرب بأن النموذج الليبي أَضر بحركة التغيير العربية لجهتين: أنه بعث الأمل لدى الحكام بأنهم يستطيعون استخدام العنف وإرغام الشعب على الخضوع، والنجاة من العقاب والبقاء في السلطة، وأن فئات شعبية عربية ازداد ترددها إزاء التحرك لأنها لا تحب التدخل الأجنبي بحجة نشر الديمقراطية بعد مَثَلي العراق وليبيا، ولأنها خشيت وتخشى من أنه إذا طال استخدام السلطات للعنف فقد ييأس المتظاهرون ويلجأون هم أنفسهم لاستخدام العنف أيضا فتنشب الحرب الأهلية!.. وقد كان بعض هذه الأفكار حقيقيا ليس في ليبيا فقط؛ بل في اليمن وسوريا أيضا، وربما في بلدان عربية أخرى. بيد أن شيئا من ذلك ما عاد واردا الآن، وبخاصة بقاء الأنظمة بعد حدوث الثورة!.. فقد سقط بن علي، وسقط مبارك، وسقط الآن القذافي.
ويتبين من هذه السقطات المتتابعة أن أخطار حصول نزاع داخلي وشبه حروب أهلية، تعود دائما إلى مساعي الأنظمة والرؤساء للبقاء. فها هو النظام السوري يهدد إسرائيل بعد طول تنسيق إشعارا للسوريين بالخطر.. وها هو يتهم المتظاهرين بأنهم مسلحون أو بعضهم، وأنهم يشكلون خطرا على الأمن وعلى العلاقات بين الطوائف.. وها هو يمارس الإذلال بطرائق مقذعة، لكي يخمد المظاهرات تحت وطأة القمع، أو يرد المتظاهرون بالعنف أيضا، فيخشى المحافظون والأقليات على أنفسهم وعلى الاستقرار. ونحن نعلم أن الرئيس مبارك حاول ذلك مع المسيحيين، والرئيس صالح حاول ذلك من خلال «القاعدة» باليمن، أي تخويف المسيحيين من التغيير لأن الذين سيأتون بعدهما سيكونون من المتظاهرين الإسلاميين! ولا يبدو شيء من ذلك صحيحا اليوم أو الآن وفي سوريا بالذات. فالمتظاهرون في سوادهم الأعظم ليست لهم انتماءات حزبية أو دينية معينة، وشعاراتهم تدور حول الحرية والكرامة والعدالة ورفض الظلم والإذلال والاستبداد. وقد تعرضوا وتعرضت أسرهم على مدى خمسة أشهر ونيف لأبشع أشكال العنف والإرهاب والقتل والإذلال، فما حادوا عن سلميتهم ولا رفعوا شعارا طائفيا أو إثنيا.
وقد استمعنا إلى المنشقين السياسيين والعسكريين فما سمعنا كلمة ذات منحى مذهبي أو طائفي، وإنما يقال دائما: «لا نريد استعمال السلاح ضد المواطنين المسالمين!»، وما دام هذا الوعي سائدا، فلن يستطيع النظام تمديد عمره اعتمادا على إشاعة الفتن والأوهام. وهي أَوهام أو سطحيات حظيت وتحظى بالفعل باهتمامات رجال دين كبار في سوريا ولبنان. فبطريرك الروم الأرثوذكس إغناطيوس هزيم، ومقره دمشق، قال في لبنان إن الاستقرار مهم، وإنه يعرف الرئيس الأسد، وهو رب أسرة محب ومحترم ومتحضر، ولا يمكن أن يرتكب ما يتهم به، كأنما الثلاثة آلاف سوري المقتولون ليست عندهم أُسَر، ولا يتمتعون بالقدرة على الإحساس بالحياة والكرامة. والخوف من الفتنة والانقسام بضاعة مزجاة يستخدمها رجال الدين المسلمون منذ آماد، وقد أسرف في استخدامها الأمين العام لحزب الله في السنوات الأخيرة، ورجال الدين السوريون الموالون الموجودون الآن في وسائل الإعلام، وفي الثورات العربية بالذات. إنما يخشى هؤلاء جميعا حضور الجمهور العربي الأكثري، الذي غاب طوال العقود الماضية تحت وطأة الإرهاب والعسف الداخلي والغزو الأميركي، فحل محله أقلويو الإسلاميين، وأقلويو الأقليات الدينية والإثنية والاجتماعية والسياسية، متشاركين في ذلك مع الحكام ومع الغزاة ومع الإيرانيين والإسرائيليين وسائر الذين تداعوا علينا كتداعي الأكلة على القصعة. ومع طول المدة نسبيا اعتبر هؤلاء جميعا أن غياب الجمهور طبيعي وليس استثناء، وأنه من الطبيعي أيضا أن يتشاركوا هم جميعا في السطوة والسيطرة على مجالنا الأرضي والجوي والبحري، وأن يضيقوا علينا أنفاسنا حتى لا نفكر في التغيير، فإن فكرنا فالاعتقال أو القتل من جانب السلطات، والصمت من جانب المشاركين مضاربة، والذين ما ارتفعت أصواتهم إلا عندما نزل الجمهور إلى الشارع من أجل تغيير نظامه السياسي الخالد المخلد كأنما هو موروث أبا عن جد بحقوق الدم الأزرق!
ما أكثر الفرص التي حظي بها النظام السوري في السنوات العشر الأخيرة، وبخاصة في الشهور الستة الأخيرة بعد قيام الثورة عليه!.. لقد تبين أن خيمة النظام المضروبة على آل الأسد تمتد حبالها المثبتة بين إسرائيل وإيران ولبنان والعراق وتركيا والولايات المتحدة ولا ندري أين وأين؟ وقد بدأت هذه الحبال تتقطع تحت وطأة القتل والاعتقال والتشريد. وما بقي في النهاية غير الحبل الإيراني، ومن تستطيع إيران تجنيده في المنطقة العربية للالتحاق بشبيحة النظام السوري في الدفاع عنه، وحزّروا بأي مسوغ: مسوغ الممانعة والمقاومة، ثم مسوغ الخوف من طائفية الأكثرية، وأخيرا مسوغ الحفاظ على الوحدة والاستقرار!
ونحن على ثقة – كما سبق القول - بأن الجمهور الثائر هو المعني الأول بالوحدة والاستقرار والممانعة، لأنه لا يمكن أن يكون هناك أحرص على سوريا وحدة واستقلالا وحرية من شعبها. والمعني الثاني بالملف السوري هو الرأي العام العربي، الذي عبّر بكل السبل عن تضامنه مع الشعب السوري. وقد كانت لدى السوريين الثائرين ولدى العرب الآخرين مآخذ كثيرة على العرب دولا وجامعة، لعدم الاهتمام والضغط على الرئيس السوري وزبانيته. لكن الجامعة العربية تجاوزت تلك المرحلة في اجتماعها الشهير الذي صدرت عنه مبادرة من 13 بندا أراد أن يبعث بها مع الأمين العام للجامعة للعرض على الرئيس الأسد. والمبادرة غير مرضية للشعب السوري، لأنها تُبقي الأسد إلى نهاية فترته الرئاسية الثانية عام 2014، لكنها تقول بكل الإصلاحات الأخرى الداخلة في برامج المعارضة. لكن الأسد وبعد عشرة أيام من رفض المبادرة، عاد لرفض استقبال أمين عام الجامعة، إما لأن بنود المبادرة أعلنت قبل استقبال الأسد له، وإما لأن أمين عام الجامعة استقبل وفدا من المعارضين السوريين بالقاهرة!
لدى الأسد فرصة واحدة أخيرة ودرس للاعتبار. الفرصة هي مبادرة الجامعة العربية، وهي تقول بوقف العنف وإجراء تحول ديمقراطي تدريجي ينتهي بزواله مع نظامه. وأما الدرس فهو سقوطه بالضربة القاضية من جانب شعبه المقهور والمقتول، كما سقط القذافي ومبارك وبن علي، لأن تلك هي القسمة العادلة!

المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,791,152

عدد الزوار: 6,915,171

المتواجدون الآن: 115