طرابلس: قتيل و25 جريحاً بعد حرق الـ"كي. أف. سي." تظاهرات في عين الحلوة وتعلبايا ندّدت بأميركا وفيلم "براءة المسلمين"

بينيديكتوس من لبنان: نداء ملحّ لاستئصال التطرّف..الحديث في الطائرة: العنف مثل الأصولية والانتفاضات العربية التي أطاحت أنظمة ديكتاتورية إيجابية

تاريخ الإضافة السبت 15 أيلول 2012 - 8:05 ص    عدد الزيارات 1903    التعليقات 0    القسم محلية

        


بينيديكتوس من لبنان: نداء ملحّ لاستئصال التطرّف

 

 

قمة اليوم الأول من زيارة البابا توقيعه الإرشاد الرسولي

اليوم الثاني ثلاث محطات في قصر بعبدا وبزمار وبكركي

"ان كنائس الشرق الاوسط لا تخاف لان الرب معها حتى النهاية (…) وان التوازن اللبناني الشهير والراغب دائماً ان يكون حقيقة واقعية سيتمكن من الاستمرار فقط بفضل الارادة الحسنة والتزام اللبنانيين جميعاً، وسيكون نموذجاً لكل سكان المنطقة وللعالم بأسره".
بين كلمته الأولى في مطار رفيق الحريري الدولي وكلمته الثانية في حريصا قبيل توقيعه الارشاد الرسولي من اجل الشرق الاوسط، أسبغ البابا بينيديكتوس السادس عشر في اقل من خمس ساعات الطابع التاريخي الحقيقي على زيارته للبنان، فبدت مضامين مواقفه لا تقل تاريخية عن مضمون الارشاد الرسولي. ولعل الاهمية الكبيرة لزيارته تمثلت ليس في إصراره على زيارة لبنان وسط مرحلة محفوفة بالثورات والاضطرابات والخوف على المسيحيين والاقليات في الشرق الاوسط برمته فحسب، بل لتزامنها مع تفجّر موجة غضب واحتجاجات عمّت الكثير من دول هذه المنطقة على خلفية شريط مسيء الى الاسلام. وبرزت هذه الاهمية المزدوجة في مشهد الاجماع اللبناني لممثلي الطوائف المسيحية والاسلامية والقوى السياسية في استقبال البابا "للاحتفال بانتصار الحب على الكراهية والتسامح على الانتقام والوحدة على الانقسام"، في حين كانت حلبة الاحتجاجات الصاخبة تهزّ عدداً من دول المنطقة ولا توفر مناطق لبنانية ايضاً.
واذا كانت قمة اليوم الاول من زيارة البابا تمثلت في توقيعه الارشاد الرسولي في كاتدرائية القديس بولس بحريصا وسط حشد من ممثلي الطوائف المسيحية والاسلامية وفي حضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فإن ذلك لم يحجب مهابة المشهد الذي استقبل عبره لبنان الرسمي والكنسي و"الطوائفي" والسياسي بكل مكوناته، البابا الزائر الذي بدا وصوله الى بيروت كأنه نقل لبنان من ضفة الى أخرى.
واذا كانت الدولة أبرزت وجهاً لافتاً في ترتيباتها الامنية والتنظيمية المتشددة للغاية تأميناً لحماية البابا ومختلف محطات الزيارة، فإن مشهد الاستقبال الجامع في المطار أبرز في المقابل جانباً دافئاً من الابعاد التي تناولها البابا في كلمتيه والمرتكزة على واقع التعايش اللبناني وتعدديته على رغم كل ما اصاب لبنان من محن. وأمام الرئيس سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورؤساء الطوائف والوزراء والنواب والسفراء الذين ازدحم بهم المطار، لم يتردد البابا في القول: "تعرفون مثلي ان هذا التوازن (اللبناني) الذي يقدم في كل مكان كمثال هو في منتهى الحساسية وهو مهدد أحيانا بالتحطم عندما يشد كوتر القوس أو عندما يخضع لضغوط غالبا ما تكون فئوية". وحض على "اظهار الاعتدال الحقيقي والحكمة الكبيرة وتغليب العقل على العاطفة الفردية". وأوضح انه "جئت الى لبنان كحاج سلام، كصديق لله وكصديق للبشر ومن خلال بلدكم أتيت اليوم وبطريقة رمزية الى جميع بلدان الشرق الاوسط كحاج سلام وكصديق لله وكصديق لجميع سكان دول المنطقة".
وفي حريصا قدم البابا لتوقيعه الارشاد الرسولي بقوله إن "الارشاد يشير الى طريق لاعادة اكتشاف ما هو اساسي: أن تتبع المسيح حتى في الحالات الصعبة أحيانا والمؤلمة التي تؤدي الى اغراءات لتجاهل او حتى نسيان تمجيد الصليب". وقال: "أحضكم جميعا على ألا تخافوا وأن تمسكوا بالحقيقة ونقاوة الايمان"، معتبرا أن الارشاد "يظهر انفتاحا على حوار حقيقي بين الاديان". وأكد "ان كنائس الشرق الاوسط لا تخاف لأن الرب معها حتى النهاية. لا تخافوا لان الكنيسة العالمية تسير الى جانبكم وهي قريبة منكم انسانيا وروحيا".
ومن المقرر ان يشهد اليوم الثاني من زيارة البابا ثلاث محطات أساسية، أولاها في قصر بعبدا حيث سيلتقي الرؤساء الثلاثة والمسؤولين السياسيين ورؤساء الطوائف الاسلامية ويلقي كلمة وصفت بأنها على جانب من الاهمية. ثم يكون له لقاء بعد الظهر مع رؤساء الطوائف المسيحية الكاثوليكية في مقر بطريركية الارمن الكاثوليك في بزمار. وفي السادسة مساء يلتقي الحبر الاعظم الشبيبة في بكركي.

 

الارشاد الرسولي

أما الارشاد الرسولي الذي وقعه الحبر الاعظم أمس، تحت عنوان "الكنيسة في الشرق الاوسط شهادة ورسالة"، فجاء في 58 صفحة وثلاثة فصول من ابرز عناوينها الحياة المسيحية والحوار بين الاديان والهجرة والبطاركة والاساقفة والعلمانيين والتعليم.
ويشدد الارشاد على أن "الحرية الدينية هي تاج كل الحريات وهي حق مقدس غير قابل للتفاوض"، ويحض دون ابطاء على "اتفاق مسكوني حول الاعتراف المتبادل بالمعمودية"، ويصف الشرق الاوسط بأنه "يختبر العلمانية بأشكالها والاصولية العنيفة والهجرة المأسوية"، داعيا اليهود والمسيحيين والمسلمين الى "اكتشاف الرغبة الالهية في تناغم العائلة البشرية". ويذكر ان "وجود المسيحيين والمسلمين في الشرق الاوسط ليس عرضيا او حديثا انما هو تاريخي". ويفرد فصلا مهما لموضوع التطرف الديني، اذ يرى "أن الغموض الذي يكتنف الاوضاع الاقتصادية والسياسية ومهارة التأثير لدى بعضهم والفهم الناقص للدين هي من العوامل التي تشكل تربة خصبة للتطرف الديني" الذي "يصيب كل الجماعات الدينية ويرفض التعايش المدني معا". ويطلق الارشاد "نداء ملحا لجميع المسؤولين الدينيين اليهود والمسيحيين والمسلمين في المنطقة كي يسعوا من خلال مثالهم وتعاليمهم الى فعل كل ما هو ممكن بهدف استئصال هذا التهديد الذي يستهدف بلا تمييز وبشكل قاتل مؤمني جميع الديانات".

 

 


الحبر الأعظم على أرض المطار في استقبال يليق ببلاد الأرز:التوازن اللبناني الشهير نموذج لسكان المنطقة والعالم

 

استقبل لبنان امس البابا بينديكتوس السادس عشر كما يليق ببلاد الارز من تبجيل واحترام وتنظيم دقيق وأبهة. وقدّم لبنان الرسمي صورة جميلة لما يريد ان يكون ربما، او كما يشتهي مواطنوه ان يكون امام الزائر الكبير الذي اطل على لبنان من باب الطائرة ملوحاً لمستقبليه بابتسامة وادعة لرجل وقور زاده الشيب وقاراً، فانتزع التصفيق من مضيفيه اللبنانيين وحاز كل علامات الثناء، وخصوصاً ان كلمته الاولى في المطار حملت التركيز على التعايش اللبناني "وان في الامكان التوصل الى العيش المشترك والحوار القائم على الاحترام بين المسيحيين واخوانهم من اديان اخرى انطلاقاً من النموذج اللبناني". وشدد على "اهمية ان يكون التوازن اللبناني الشهير نموذجاً لكل سكان المنطقة والعالم بأسره".
العنوان العريض لاستقبال رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم كان التنظيم الشامل والصارم لادق التفاصيل، دخول الرؤساء السابقين كان في تمام الاولى والربع، ودخل على التوالي الرئيس امين الجميل وزوجته، النائبة السابقة صولانج الجميل، النائبة السابقة نايلة معوض، السيدة منى الهرواي، النائب ميشال عون، الرئيس فؤاد السنيورة، في حين غاب الرئيس اميل لحود. وتلاهم الوزراء والنواب الحاليون والسابقون ورؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية ورؤساء الروابط المسيحية. وحضر ايضاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، واعتذر مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني لتزامن وصول البابا مع موعد صلاة الجمعة، واستعاض عن الحضور بالقاء كلمة ترحيب. وتوجه رجال الدين المسيحيون الى القسم الاخر من السرادق الذي ضم مطارنة وقسيسين ورهباناً وكرادلة من كل الطوائف المسيحية. واللافت ان ما عجزت عنه الايام وطاولة الحوار تكفل المكان الذي اعد لاستضافة الشخصيات باتمامه، وقد شوهد السنيورة وعون يتبادلان اطراف الحديث ويضحكان، والرئيس امين الجميل ووزير الخارجية عدنان منصور في حديث طويل، في حين كانت السفيرة الاميركية مورا كونيللي توزع التحيات والسلامات، وكذلك كل النواب والوزراء "الاعداء".
وفي الاولى والنصف وصل البطاركة الراعي ولحام وصفير والسفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا والمطران الياس عودة ولفيف من المطارنة من كل الطوائف، واعقبهم دخول الرؤساء الثلاثة سليمان وبري وميقاتي، بالتزامن مع دخول طائرة "اليطاليا" من نوع ايرباص 320 والتي تقل البابا الى اجواء المطار وهبوطها فيه، لتعود الى محاذاة المنصة الرسمية التي اقيمت لاستقباله، وقد رفع على مقدمها علما الفاتيكان ولبنان. وما ان وضع السلّم على بابها حتى صعد السفير البابوي اليها، ولحظات وأطل البابا ملوحاً لمستقبليه، لتبدأ المدفعية بإطلاق 21 طلقة ترحيباً بالزائر الذي نزل منفرداً وبهدوء على درج سلم الطائرة في اتجاه الرؤساء الثلاثة الذين انتظروه مع عقيلاتهم والبطريرك الراعي، وطفلين ارتديا الزي اللبناني التقليدي وقدما باقة ورد وهدية رمزية الى البابا، الذي صافح الجميع وسار على السجاد الاحمر في اتجاه المنصة الرسمية حيث استقبله قائد الجيش العماد جان قهوجي مصافحاً، ليعتلي الرئيس والبابا المنصة ويتم عزف نشيد الفاتيكان والنشيد الوطني اللبناني.

 

سليمان

وألقى سليمان كلامه مما قال فيها: "تأتون إلينا كخليفة للقديس بطرس أول الأحبار، وعلى خطى سلفكم الكبير الطوباوي يوحنا بولس الثاني، في زيارة رسمية ورسولية ملؤها الرجاء والأمل. لقد ارتبط الكرسي الرسولي ولبنان بعلاقة تاريخية متواصلة، ولقي منه على الدوام دعما وتقديرا لموقعه ولدوره في بناء حضارة قائمة على التلاقي والتسامح والخير. واليوم، إذ تستقبلكم العائلة اللبنانية، بجميع مكوناتها وطوائفها، فإنها ترحب بقداستكم بعرفان الجميل والشكر، لمحبتكم الخالصة للبنان، وقد وصفتموه بـ"الكنز الغالي"، بالنظر إلى تنوعه وتعدديته وعيشه المشترك المتفاعل".
واضاف سليمان: "على الرغم من حجم المخاطر والصعاب جئتم لتؤكدوا أهمية الوجود المشترك المسيحي والمسلم، في آن واحد، من أجل الحفاظ على دعوة لبنان التاريخية، خصوصا في خضم التحولات والتحديات الكبرى، في عالمنا العربي".
وأمل ان تأتي زيارة البابا "بالخير والبركات على اللبنانيين وشعوب منطقتنا ومكوناتها، ومن بينهم المسيحيون المشرقيون". واشار رئيس الجهمورية الى قدرة لبنان على المقاومة والتضحية والاستشهاد في سبيل الدفاع عن سيادته واستقلاله وحريته ووحدته وقيمه، فتمكن من تجديد ركائز وفاقه الوطني وتحرير أراضيه وإعادة البناء.
وتناول قضية اللاجئين الفلسطينيين مذكراً بأن رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين على الصعيد الإنساني، مسؤولية دولية قبل كل شيء، وذلك بانتظار إيجاد حل سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط، يضمن حقهم الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية.

 

البابا

ورد البابا بكلمة هنا نصها: يسرني، فخامة الرئيس، أن ألبي الدعوة الكريمة التي وجهتموها الي لزيارة بلدكم، والتي تلقيتها أيضا من البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. هذه الدعوة المزدوجة تظهر، اذا لزم الأمر، الغاية المزدوجة من زيارتي لبلدكم. فهي تبين متانة العلاقات القائمة منذ القدم بين لبنان والكرسي الرسولي، كما تهدف الى المساهمة في تعزيزها. وهي أيضا رد على زيارتيكم لي في حاضرة الفاتيكان، الأولى في تشرين الثاني 2008 والأخيرة في شباط 2011، والتي تلتها بعد 9 أشهر زيارة دولة رئيس الوزراء.
فإنه خلال لقائنا الثاني، قد تم تبريك التمثال المهيب للقديس مارون. وجوده الصامت، الى جانب بازيليك القديس بطرس، يذكر بشكل دائم بلبنان، وفي  المكان نفسه حيث دفن القديس بطرس. ويظهر إرثا روحيا قديما بتثبيته إجلال اللبنانيين لأول الرسل، ولخلفائه. ولإبراز تكريمهم الكبير لسمعان بطرس يضيف البطاركة الموارنة اسم بطرس الى أسمائهم. إنه لجميل رؤية القديس مارون يتشفع باستمرار من أجل بلدكم ومن أجل الشرق الأوسط بأكمله، من المزار البطرسي. فخامة الرئيس، إني أشكركم سلفا على الجهود التي بذلت لإنجاح إقامتي في ما بينكم".
واضاف: "السبب الآخر لزيارتي هو توقيع الارشاد الرسولي للمجمع الخاص لسينودس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط، الكنيسة في الشرق الاوسط. ان الامر يتعلق بحدث كنسي بالغ الاهمية. اشكر جميع البطاركة الكاثوليك الذين قدموا، واخص بالذكر البطريرك السابق الكاردينال العزيز نصر الله بطرس صفير، وخلفه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. واحيي بطريقة اخوية كل اساقفة لبنان، وكذلك الذين قدموا ليصلوا معي وليتسلموا هذه الوثيقة من يدي البابا. ومن خلالهم احيي ابويا جميع مسيحيي الشرق الاوسط. يهدف هذا الارشاد الموجه الى العالم كله، الى ان يكون لهم خريطة طريق للاعوام المقبلة. يسعدني ايضا انني سأتمكن خلال هذه الايام من لقاء العديد من ممثلي الجماعات الكاثوليكية في بلدكم، ومن الاحتفال والصلاة معا. ان حضورهم والتزامهم وشهادتهم اسهام مقبول ومحل تقدير رفيع في الحياة اليومية لجميع سكان بلدكم العزيز.
انني ارغب ايضا في ان أحيي بتقدير كبير البطاركة والاساقفة الارثوذكس الذين قدموا لاستقبالي، وكذلك ممثلي مختلف الجماعات الدينية. فحضوركم يشهد على التقدير والتعاون اللذين تأملون في تعزيزهما بين الجميع عبر الاحترام المتبادل. اشكركم من اجل جهودكم، واني لعلى يقين من انك ستكملون البحث عن طرق للوحدة والانسجام. لا انسى الاحداث الحزينة التي أدمت بلدكم الجميل خلال سنوات طويلة. ان التعايش اللبناني، يجب ان يظهر للشرق الاوسط بأكمله ولسائر العالم انه من المستطاع ان نجد داخل أمة ما التعاون بين كل الكنائس، وكلها اعضاء في الكنيسة الكاثوليكية الواحدة، بروح مشاركة أخوية مع المسيحيين الآخرين، وفي الوقت نفسه، التعايش المشترك والحوار القائم على الاحترام بين المسيحيين واخوانهم من اديان اخرى. تعرفون مثلي ان هذا التوازن الذي يقدم في كل مكان كمثال، هو في منتهى الحساسية. وهو مهدد احيانا بالتحطم عندما يُشدّ كوتر القوس، او عندما يخضع لضغوط، غالبا ما تكون فئوية، او حتى مادية، معاكسة وغريبة عن الانسجام ووداعة اللبنانيين. وهنا ينبغي اظهار الاعتدال الحقيقي والحكمة الكبيرة. ويجب ان يتغلب العقل على العاطفة الفردية لتعزيز الخير العام للجميع.
جئت ايضا لاقول كم هو مهم حضور الله في حياة كل فرد، وان طريقة العيش معا - التعايش الذي يرغب بلدكم في الشهادة له - لن يكون عميقا ما لم يتأسس على نظرة قبول، وعلى تصرف لطيف تجاه الاخر، ما لم يتأصل في الله، الذي يرغب في ان يصبح البشر اخوة. ان التوازن اللبناني الشهير، والراغب دائما ان يكون حقيقة واقعية، سيتمكن من الاستمرار فقط بفضل الارادة الحسنة والتزام اللبنانيين جميعا. انذاك فحسب، سيكون نموذجا لكل سكان المنطقة، وللعالم باسره. لا يتعلق الامر بعمل بشري محض، انما بعطية من الله، التي يجب طلبها بالحاح، والمحافظة عليها وتعزيزها بإصرار (…).
فخامة الرئيس، اعرف ان بلدكم يعد لي استقبالا طيبا، استقبالا حارا، الاستقبال الذي يخص به اخا محبوبا ومقدرا. واعرف ان بلدكم يريد ان يكون جديرا لل "اهلا وسهلا" اللبنانية. انه هكذا وهكذا سيكون، واكثر من ذلك من الان فصاعداً. انني سعيد لكوني معكم جميعا.
وقبل المغادرة عرض البابا وسليمان حرس الشرف، وقدم سليمان اليه الشخصيات الرئيسية التي حضرت لاستقباله، الرئيس امين الجميل والسيدات صولانج بشير الجميل، نائلة رينه معوض، منى الياس الهراوي، والرؤساء ميشال عون وفؤاد السنيورة وفريد مكاري وسمير مقبل، والمفتي قبلان والشيخ حسن والبطريرك الراعي وانتقلا الى استراحة قصيرة في القاعة الرئاسية قبل ان يغادر الحبر الاعظم الى مقر اقامته في السفارة البابوية لتستقبله مظاهر الترحيب الاولى التي اعدتها مدارس المبرات بالاعلام اللبنانية عند جادة المطار، فيما كانت تتناهى من بعيد اصوات اجراس الكنائس في منطقة بعبدا.

 

 

الحديث في الطائرة: العنف مثل الأصولية والانتفاضات العربية التي أطاحت أنظمة ديكتاتورية إيجابية

 

 

أكد البابا بينيديكتوس السادس عشر في حديث الى مندوبي وسائل الإعلام على متن الطائرة التي نقلته من روما الى بيروت، انه "لم يفكر ابدا في الغاء هذه الزيارة بسبب الوضع الامني في سوريا" المجاورة. ونقلت عنه "وكالة الصحافة الفرنسية": "لم ينصحني احد بالغاء هذه الرحلة، ومن جهتي لم افكر في هذه الفرضية".
ودعا البابا إلى "وقف ارسال الاسلحة الى سوريا حيث يدور نزاع مسلح أوقع الاف القتلى"، وقال: "ان ارسال الاسلحة يجب ان يتوقف نهائيا، لانه بدون ارسال الاسلحة لا يمكن الحرب ان تستمر". واضاف: "بما ان الوضع في سوريا يصبح أكثر تعقيدا، من الضروري أكثر اعطاء اشارة الصداقة والتشجيع والتضامن هذه. انها مغزى زيارتي: الدعوة الى الحوار ضد العنف والمضي معا لايجاد حل للقضية".
وكرر رسالة سلفه الراحل الطوباوي يوحنا بولس الثاني الذي زار لبنان في 1997، وقال ان "هذا البلد رسالة في هذه المنطقة التي هي مركز لقاء الاديان السماوية الثلاثة: المسيحية والاسلام واليهودية". واشار الى ان "الاصولية هي دائما تحريف للدين، ومهمة الكنيسة والاديان هي تنقية نفسها، وهذه المهمة يجب ان تظهر بوضوح. ان كل رجل هو صورة عن الله يجب ان نحترمها بالاخر". ورأى ان "الرسالة الاساسية للدين يجب ان تكون رفض العنف الذي هو تحريف، مثله مثل الاصولية".
واعتبر ان "الانتفاضات في العالم العربي التي ادت الى اطاحة انظمة ديكتاتورية في تونس ومصر واليمن هي انتفاضات ايجابية". واضاف: "ان الربيع العربي امر ايجابي ورغبة في مزيد من الديموقراطية والحرية والتعاون، وفي هوية عربية متجددة. ان صرخة الحرية هذه الصادرة عن شباب متقدم اكثر ثقافيا ومهنيا، يرغب في المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، هي وعد وامر ايجابي جدا، وكانت موضع ترحيب تحديدا منا كمسيحيين. نعلم ان صرخة الحرية بمثل هذه الاهمية والايجابية تواجه مخاطر لجهة ان تغفل شقا جوهريا من الحرية هو التسامح مع الآخر. علينا ان نقوم بكل شيء لكي يذهب مفهوم الحرية في الاتجاه الصحيح".
ورأى ان "الكرامة العربية المتجددة تعني تجديد مفهوم العيش معا وتسامح الغالبية والاقلية. الحرية يجب ان تتواكب مع حوار اشمل، وليس هيمنة طرف على الاخر".

 

 

من المطار إلى حريصا: أمن متشدّد وتجمّعات

 

من مطار رفيق الحريري الدولي الى السفارة البابوية في حريصا، كان المسار المباشر الأول للبابا بينيديكتوس السادس عشر في رؤية المشهد الشعبي اللبناني التعددي الذي استقبله وان من دون محطات توقف لموكبه.
اختلفت الترتيبات التي اتبعت في اليوم الأول للزيارة عن تلك التي اعتمدت في زيارة البابا يوحنا بولس الثاني قبل 15 عاماً.
المحطات الشعبية الجماهيرية التي طبعت زيارة السلف، لم تحضر في زيارة بينيديكتوس السادس عشر أمس، التي بدا الهاجس الأمني فيها طاغياً على ما عداه وتقدم عامل الحماية للزائر الكبير على كل العوامل الأخرى. وبرز ذلك بوضوح في اجراءات أمنية مشدّدة ومفاجئة اتبعت في قطع الطرق التي سلكها الموكب من المطار الى حريصا قبل ساعة من انطلاق الموكب وبعد أكثر من نصف ساعة من وصوله، فيما بدت بيروت وامتداداً الى كسروان في حلّة عيد حقيقية مزدانة بالاعلام اللبنانية والفاتيكانية واللافتات.
اما المشهد الشعبي فتوزع على تجمعات كبيرة على طريق المطار، حيث اختلطت الوفود من الضاحية الجنوبية وطلابها وتلامذتها وسواها من المناطق، ومن ثم في بعض الشوارع التي سلكها الموكب في بيروت، لتبلغ ذروتها في جونيه قرب ملعب فؤاد شهاب وعند تقاطع جونيه – اوتوستراد حريصا حيث أقيمت تجمعات كبيرة رحبت بالبابا لحظة وصوله ولكنها منعت من الاقتراب من الموكب.

 

 
ريتا صفير

البابا وقّع الإرشاد في حريصا راسماً "خريطة طريق" لمسيحيي المنطقة... لحام ذكّر بالصراع العربي - الاسرائيلي والاعتراف بفلسطين "ربيع حقيقي"

 

فيما كانت جلبة الاحتجاجات تهز بعض الدول العربية وصولا الى مناطق لبنانية تنديدا بالفيلم الذي تناول الاسلام، كان البابا بينيديكتوس السادس عشر يرفع وممثلي الطوائف المسيحية والاسلامية في لبنان الدعوات والصلوات "للاحتفال بانتصار الحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام والوحدة على الانقسام".
ومع ان الحبر الاعظم نقل "من السماء" وعلى متن الطائرة التي اقلته من روما الى بيروت عناوين عريضة لمواقف الكرسي الرسولي حيال "الربيع العربي" والظروف التي تشهدها المنطقة، وهي ربما من اشد مواقفه وضوحا حيال هذه التحولات منذ اندلاعها، فقد عاد وجدد "على الارض" بعضا منها، راسما خلال الاحتفال بتوقيعه الارشاد الرسولي خطوطا عريضة. عنوانها "التمسك بالحقيقة ونقاوة الإيمان ومحبة الصليب التي يمكنها ان تحول آلامنا الى إعلان حب الله ورحمة لجيراننا".
وفي مشهد معبر، ساهمت في اظهار معالمه الترانيم الدينية والشموع والتصفيق، شق "رسول السلام" طريقه بين الجموع في البولسية رافعا صليبه، صليب المسيحيين و...بسمة. وبدا وراءه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وكان سبقهما بدقائق رئيس الجمهورية ميشال سليمان فالكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.
ورأس الكنيسة الكاثوليكية الذي قارب المخاوف المسيحية المشرقية بتأكيده "ان كنائس الشرق الأوسط لا تخاف لان الرب والكنيسة العالمية معها" كان متلقيا بانتباه كلمة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام الذي ربط بين اهداف تنفيذ السينودس والوصول الى "ربيع عربي" حقيقي عبر ايجاد حل للصراع العربي - الاسرائيلي، ليضع بعدها "ختمه" على وثيقة السينودس الموجه الى مسيحيي لبنان والمنطقة والتي تبدو اشبه بخريطة طريق لهم للاعوام المقبلة.
ولقاء حريصا الذي بلور في جانب منه التلاحم بين الرئاسة اللبنانية المسيحية الوحيدة في هذا الجزء من العالم والكنيسة بشقيها المحلي والعالمي، لم يخل من لقطات ذات دلالات في هذا المجال، عكسها حضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان وعقيلته اللقاء، فالتحيات والسلامات المتبادلة بينه وبين رأس الكنيسة الكاثوليكية، الى سائر ممثلي الطوائف والمذاهب الاسلامية والمسيحية، فضلا عن الصور التي جمعت سليمان وبينيديكتوس السادس عشر على امتداد الطرق المؤدية الى مكان التوقيع.
وكان البابا تناول "تجديد" الهوية العربية في وقت سابق، آملا في ان يؤدي "الربيع العربي" الى ديموقراطية وحرية اكثر، ومحذرا من التشدد الذي "يزور" الديانة، وهو اعقب مواقفه هذه بابراز اهمية التمسك "بلغة الصليب"، مستعينا بالامبراطور قسطنطين "الذي استطاع اخراج المسيحيين من التمييز".
في اي حال، ورغم اقتصار لقاء البولسية على حضور ديني وبعض الشخصيات المدنية، فهو لم يخل من مشاركة شعبية جسدها حضور اهالي درعون وحريصا والقرى المحيطة الى المكان، رافعين الصور والاعلام البابوية، ومعها الآمال "بلبنان وشرق اكثر امنا وسلاما" وتوجت بتسليمهم الحبر الاعظم مفتاح بلدتهم.
ومعلوم ان البابا الثالث الذي يزور لبنان، حيث اتخذت تدابير امنية مشددة شاركت فيها حتى الكلاب البوليسية، كان جال في الاعوام الماضية على عدد من دول المنطقة منها الاردن وتركيا وقبرص والاراضي الفلسطينية، وهو ثاني شخصية عالمية تزور بيروت هذا العام بعد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في كانون الثاني الماضي.
وبالتزامن مع توقيعه الارشاد الرسولي، قال بينيديكتوس السادس عشر: "وجودكم يجلل توقيع الارشاد الرسولي ويشهد على هذه الوثيقة المخصصة للكنيسة الجامعة ويتمتع بأهمية خاصة للشرق الاوسط.
انه لعجائبي ان يقع هذا التوقيع في يوم عيد الصليب، والذي يتم الاحتفال به في الشرق منذ العام 335، في يوم اهداء بازيليك القيامة التي بناها الامبراطور قسطنطين الكبير على الجلجلة وقبر السيد المسيح (...) يبدو لي ان الارشاد الرسولي ممكن ان يقرأ ويترجم في ضوء عيد الصليب المقدس، وبخاصة في ضوء الميرون.
قراءة مماثلة يمكنها ان تؤدي الى اعادة اكتشاف حقيقية لهوية المعمد والكنيسة، وتشكل في الوقت نفسه دعوة الى الشهادة في ومن خلال العمادة. اليست العمادة والشهادة المسيحيتان مبنيتين على سر الفصح، الصلب، الموت وقيامة المسيح؟
هنالك صلة قوية بين الصليب والقيامة التي لا يمكن المسيحي ان ينساها من دون هذه الصلة، تمجيد الصليب كان من الممكن ان يعني تبرير العذاب والموت لكي لا نجد فيهما سوى نهاية محتمة. بالنسبة الى المسيحيين تمجيد الصليب يعني المشاركة في المحبة غير المشروطة التي يكنها الله للانسان. انه فعل ايمان! تمجيد الصليب، في منظور القيامة يعني الرغبة في العيش وفي التعبير عن هذه المحبة، انه فعل محبة! (...) تمكنت الكنيسة من سماع صرخة القلق والانتباه الى نظرة العديد من الرجال والنساء اليائسين والذين يعانون اوضاعاً بشرية ومادية صعبة، ويعيشون توترات قوية في الخوف والقلق ويريدون ان يتبعوا المسيح، الذي يعطي معنى لوجودهم، والذين وجدوا انفسهم ممنوعين عن ذلك.
في الوقت نفسه تمكنت من اكتشاف ما هو جميل ونبيل في هذه الكنائس على هذه الارض. كيف لا نشكر الله على كل لحظة من اجلكم كلكم (الفقرة الاولى من الارشاد الرسولي) يا مسيحيي الشرق الاوسط؟ كيف لا نمجده من اجل شجاعتكم في الايمان؟ كيف لا نشكره من اجل شعلة المحبة اللامتناهية التي تحتفظون بها مشتعلة في هذه الاماكن التي كانت الاولى التي استقبلت ابنه المتجسد؟ كيف لا نعبر له عن تقديرنا للشركة الكنسية والاخوية والتضامن البشري مع كل اطفال الله؟"
وأضاف: "ان الكنيسة في الشرق الاوسط تجعل اعادة التفكير في الحاضر من اجل التطلع نحو المستقبل في أعين المسيح مجالا ممكنا. من خلال الارشاد الانجيلي والرعوي تتم الدعوة الى تعميق التأمل الروحي والكنسي والدعوة الى التجدد الديني والليتورجي، كما انها تدعو الى الحوار، الارشاد يشير الى طريق لاعادة اكتشاف ما هو اساسي: ان تتبع المسيح حتى في الحالات الصعبة احيانا والمؤلمة التي تؤدي الى اغراءات لتجاهل او حتى نسيان تمجيد الصليب".
وتابع: "اننا مدعوون هنا الى الاحتفال بانتصار الحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام، والخدمة على السيطرة، والتواضع على الكبرياء، والوحدة على الانقسام.
في ضوء احتفالنا اليوم، ونظرا الى التطبيق المثمر للارشاد احضكم جميعا على الا تخافوا،  وان تمسكوا بالحقيقة ونقاوة الايمان. هذه هي لغة الصليب المجيدة، هذه هي محبة الصليب بجنون: محبة يمكنها ان تحول آلامنا اعلاناً عن حب الله ورحمة لجيراننا، محبة جنونية قادرة على تحويل هؤلاء الذين يعانون بسبب ايمانهم وهويتهم الى اناء من فخار جاهز للامتلاء بعطايا إلهية أثمن من الذهب. ولا نتكلم هنا عن لغة محض شعرية، بل عن نداء عاجل للقيام بأفعال حسية تشبه دائما المسيح، أفعال تساعد مختلف الكنائس لتعكس جمال جماعات المؤمنين، أفعال تشبه الأمبراطور قسطنطين الذي استطاع تقديم شهادة واخراج المسيحيين من التمييز، لمساعدتهم على عيش ايمانهم بالمسيح المصلوب والقائم من الأموات بحرية وانفتاح".
    واكد "ان الكنيسة في الشرق الأوسط تقدم عناصر يمكنها ان تساعد على القيام بفحص ضمير شخصي وجماعي وبتقييم موضوعي للالتزام والرغبة في القداسة لكل تلاميذ المسيح.
ان الارشاد يظهر انفتاحا على حوار حقيقي بين الأديان، مبنيا على الايمان بالاله الواحد الخالق. كما انه يساهم بعمل مسكوني مفعم بالحب والعطاء.
    ان الارشاد في كل مكوناته يسعى الى مساعدة كل واحد من تلامذة المسيح ليعيشوا على أكمل وجه وان ينقلوا بشكل حقيقي الى الآخرين ما أصبحوا عليه بعد العماد. كما يسعى الارشاد الى تطهير الايمان من كل ما يشوهه، ومن كل شيء يحجب نور المسيح".
وقال: "ان كنائس الشرق الاوسط لا تخاف لأن الرب معها حتى النهاية. لا تخافوا، لأن الكنيسة العالمية تسير الى جانبكم وهي قريبة منكم انسانيا وروحيا."

 

أيتيروفيتش

وكان أمين السر العام لسينودس الأساقفة المونسنيور نيكولا أيتيروفيتش قال "من خلال إرادة الآب السماوي أصبح المسيح مخلصا على خشبة الصليب وخلاصه لكل المسكونة، لا فرق بين يونانيين ويهود، الخلاص لكل من يعرف ويدرك حكمة الله".
    واضاف: "كل أساقفة الشرق الأوسط بشراكة وشهادة، بحيث أن تعددية كل المؤمنين بالله رغم اختلافهم هم قلب واحد، وروح واحدة، لندرك كلنا  أننا أعضاء جسد المسيح السري، وعلامة لصليبه الذي جعلنا نتغلب على كل الاختبارات والخبرات المؤلمة، والممزوجة تارة باللاعدالة وطورا بالألم، والمختلطة بالمعاناة والعنف، وأحيانا كثيرة بالحرب. ولكننا نقول إننا بنعمة الروح القدس، ما زلنا وسنبقى حاضرين ومؤمنين بأن صليبنا هو طريق الخلاص لجميع من يريدون سلوك هذه الطريق وبحرية أبناء الله (..) ".
    واشار الى ان "ما يجمعنا هو العمل والمحبة والشراكة من أجل تخطي كل الصعوبات وملء الفراغات وسط آلام هذا الدهر، لكي نتمكن من معالجة كل ما ينقصنا فيولد الربيع المشرقي الجديد وهو وليد الارشاد الرسولي الصادر عن قداستكم ونؤمن أنه دستور حي لاحياء الكنيسة".
وختم:"قداسة الحبر الأعظم، باسم كل أعضاء مجلس بطاركة وأساقفة الشرق الأوسط، يشرفني دعوتكم الكريمة لتوقيع الارشاد الرسولي ليكون لنا طريقا جديدة في شرق أوسطي جديد مزروع في قلب كل مسيحي".

 

لحام

وبعد دخوله البازيليك، جلس البابا على الكرسي المخصص له وسط البطاركة الذين قدموا للمشاركة في حدث التوقيع على الارشاد الرسولي.
وكان البطريرك لحام استهل اللقاء بالقول: "توقعون هذا الارشاد في لبنان، ولكنه موجه الى الكنيسة في الشرق الاوسط، لا بل هو في محتواه وغايته موجه الى المشرق الغربي بأسره انطلاقاً من لبنان. انه ارشاد رسولي للمسيحيين في لبنان والشرق العربي. ويتعداهم اذ انه ضروري لاجل ايضاح معنى وجودهم، ودورهم ورسالتهم وخدمتهم وشهادتهم في العالم العربي ذي الاغلبية المسلمة. وتختصر هذه الرسالة بأن يكونوا نوراً وملحاً وخميرة، ويعرفوا انهم القطيع الصغير الذي لا يخاف ولا يرهب ولا يتراجع امام دوره الكبير.
ان جوهر الارشاد الرسولي هو شعاره: شركة وشهادة. اعني وحدة في الداخل لاجل شهادة في الخارج. انه شعار مسيحي. ولكنه ايضاً شعار مسيحي – اسلامي، لانه شعار يجب ان يعاش بتفاعل وتواصل مع اطياف هذه المنطقة وطوائفها. لا بل من الضروري ان يعاش على مستوى العالم العربي.
لقد اهتم السينودس لاجل الشرق الاوسط اهتماماً مميزاً بقضية لها تأثير كبير على الكنيسة في الشرق العربي الا وهي القضية الفلسطينية. اننا نشكر موقف الفاتيكان والبابوات الثابت على مر السنين تجاه هذه القضية".
وراى "ان هذا الموقف الثابت هو عمل حق وعدل وعدالة، يحتاج اليه عالمنا اليوم الذي تكثر فيه المظالم السياسية، وهكذا يبقى الفاتيكان رائد العدالة العالمية. مع العلم ان حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي العربي كفيل بأن يحل مشاكل العالم العربي الاكثر تعقيداً وهو كفيل ايضاً وخصوصاً بلجم هجرة المسيحيين، وتثبيت وجودهم في الشرق مهد المسيحية، ليتابعوا فيه مسيرتهم التاريخية ودورهم ورسالتهم، جنباً الى جنب ويداً بيد مع اخوتهم ومواطنيهم المسلمين من جميع الطوائف، لكي تكون للجميع الحياة وتكون لهم اوفر (يوحنا 10:10)، واكثر حرية وكرامة وعدالة وسعادة وانفتاحاً وتطوراً وازدهاراً".
واعتبر ان "الاعتراف بفلسطين هو اثمن هدية تقدم للمشرق العربي بجميع طوائفهم مسيحيين ومسلمين. وهذا ما يضمن تحقيق اهداف السينودس لاجل الشرق الاوسط، واهداف الارشاد الرسولي الذي نشكركم عليه، هذا الاعتراف يمهد لربيع عربي حقيقي، ولديموقراطية حقيقية، ولثورة قادرة ان تغيّر وجه العالم العربي، وتؤمن السلام للارض المقدسة وللشرق الاوسط والعالم. العالم بحاجة الى البابا، (كما اكدته في وثيقة قدمتها الى قداستكم اثناء السينودس لاجل الشرق الاوسط)، بحاجة الى الوحدة، الى كنيسة قوية متماسكة، قادرة ان تحمل الى العالم قيم بشرى الانجيل المتجددة (...)".

 

 

الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط شهادة ورسالة": الحرية الدينية تاج كل الحريات وهي حق مقدس غير قابل للتفاوض

 

وقع امس البابا بينيديكتوس الـ16 الارشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الاوسط، شهادة ورسالة".
وجاء في 58 صفحة وثلاثة فصول.
يتناول الفصل الاول الحياة المسيحية والمسكونية والحوار بين الاديان والمهاجرين.
وفي الفصل الثاني: البطاركة، الاساقفة، الكهنة والشمامسة والإكليريكيون، الحياة المكرسة، العلمانيون، العائلة والشباب والاطفال.
والفصل الثالث عن كلمة الله، روح ومصدر الشركة والشهادة، الليتورجيا وحياة الاسرار، الصلاة والحج، البشارة والمحبة: رسالة الكنيسة. التعليم المسيحي والتنشئة المسيحية.
وتنشر "النهار" ابرز ما جاء فيه:

 

الحياة المسيحية والمسكونية

11 – في هذا السياق المقيد، غير المستقر، والذي يميل حاليا الى العنف، سمح الله لكنيسته بأن تزدهر. وتعيش في بيئات متعددة الاشكال. فإلى جانب الكنيسة الكاثوليكية، توجد في الشرق الاوسط من الكنائس العديدة الموقرة، اضيفت اليها جماعات كنسية ابصرت النور في فترات حديثة. هذه الفسيفساء تتطلب جهدا هاما ومتواصلا من اجل تعزيز الوحدة، في اطار احترام غنى كل جماعة، بغية توطيد مصداقية اعلان الانجيل والشهادة المسيحية(...).
12- استنادا الى توجيهات الدليل المسكوني، يمكن للمؤمنين الكاثوليك تنمية المسكونية الروحية في الرعايا والاديرة، وفي المعاهد المدرسية والجامعية وفي الاكليريكيات. فليهتم الرعاة بتربية المؤمنين على ان يكونوا شهودا للشركة في جميع مجالات حياتهم. هذه الشركة ليست بالطبع دربا من الفوضى. فالشهادة الاصيلة تتطلب الاعتراف بالآخر واحترامه والانفتاح على الحوار في الحقيقة، والصبر كوجه من اوجه المحبة، والبساطة والتواضع لمن يقر بأنه خاطئ امام الله والقريب، والقدرة على المغفرة والمصالحة وتطهير الذاكرة، على الصعيدين الشخصي والجماعي.
14 – فضلا عن ذلك هناك ايضا "مسكونية الخدمة" في المجال الخيري والتربوي بين مختلف مسيحيي الكنائس واولئك المنتمين الى الجماعات الكنسية. ويشكل مجلس كنائس الشرق الاوسط، الذي يضم الكنائس ذات التقاليد المسيحية المختلفة المتواجدة في المنطقة، فرصة سانحة لحوار يتم في اطار المحبة والاحترام المتبادل(...).
17 – ان الوحدة المسكونية لا تعني التطابق بين التقاليد والاحتفالات. اني لواثق، بعون الله، انه، كخطوة أولى، يمكننا التوصل الى اتفاقات حول ترجمة مشتركة للصلاة الربانية، الابانا، باللغات الدارجة في المنطقة، حيث تقتضي الضرورة ذلك. فمن خلال الصلاة معاً، بالكلمات نفسها، سيعترف المسيحيون بتأصلهم المشترك في الايمان الرسولي الواحد الذي يرتكز اليه البحث عن الوحدة الكاملة. فضلاً عن ذلك، فإن التعمق المشترك في دراسة الآباء الشرقيين واللاتين وكذلك التقاليد الروحية الخاصة بكل طرف، سيساعد على التطبيق الصحيح للقواعد القانونية الخاصة بهذه المادة.
18 – أدعو كاثوليك الشرق الاوسط الى تدعيم علاقاتهم مع مؤمني مختلف الجماعة الكنسية الحاضرة في المنطقة. يمكن اطلاق مبادرات مشتركة مختلفة. (…).

 

الحوار بين الأديان

19 – ان طبيعة الكنيسة ودعوتها الكونية تتطلبان منها اقامة حوار مع اعضاء باقي الديانات الاخرى. يرتكز هذا الحوار في الشرق الأوسط الى علاقات روحية وتاريخية تجمع المسيحيين مع اليهود والمسلمين. هذا الحوار، الذي لا تفرضه بالاساس اعتبارات براغماتياً ذات طابع سياسي او اجتماعي، بل يستند، قبل كل شيء، الى اسس لاهوتية مرتبطة بالايمان. تلك الاسس التي تجد مصدرها في الكتاب المقدس، ويحددها بوضوح دستور الكنيسة العقائدي "نور الامم" والاعلان بشأن علاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية، في عصرنا . اليهود والمسيحيون والمسلمون يؤمنون بإله واحد، خالق جميع البشر. فليعد اليهود والمسيحيون والمسلمون اكتشاف احدى الرغبات الالهية، اي الرغبة في وحدة وتناغم العائلة البشرية. وليكتشف اليهود والمسيحيون والمسلمون في المؤمن الآخر أخا يُحترم ويحب كي يقدّموا، كل على أرضيته اولاً، شهادة جميلة للصفاء والمودة بين ابناء ابرهيم. فلتكن معرفة إله واحد بالنسبة للمؤمن الحقيقي... اذا تم عيشها بقلب طاهر – دافعاً قوياً للسلام بالمنطقة وللتعايش المشترك، القائم على الاحترام بين ابنائها، وليس أداة تستغل في اشعال الصراعات المتكررة، وغير المبررة.
20 – العلاقات بين المسيحيين واليهود متشعبة وعميقة. انها ترتكز الى الارث الروحي المشترك والثمين. هناك بالطبع الايمان بإله واحد، الخالق، الذي كشف عن ذاته وارتبط مع الانسان الى الابد، والذي بدافع محبته يريد له الفداء. وهناك ايضاً الكتاب المقدس، وجزء كبير منه مشترك بين اليهود والمسيحيين. انه كلمة الله بالنسبة للطرفين. ان الرجوع المشترك الى الكتاب المقدّس يقربنا من بعضنا بعضاً.
(…)
22 – تأثرت العلاقات بين الجماعتين المؤمنتين عبر التاريخ بالانفعالات البشرية. فكانت حالات سوء التفاهم وانعدام الثقة عديدة ومتكررة. ان اضطهادات الماضي المشينة والعنيفة، لا يمكن تبريرها وتستحق اشد الادانة! مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الاوضاع الحزينة، فإن الطرفين قد قاما، على مر العصور، بخطوات مثمرة ادت الى ولادة وتفتّح براعم حضارة وثقافة، تسمى عامة، "يهودية – مسيحية". وكأن هذين العالمين، اللذين كانا مختلفين عن بعضهما ومتضاربين لاسباب عديدة، قد قررا ان يتحدا ليقدما للبشرية "سبيكة" نبيلة. هذا الرباط الذي يوحد بين اليهود والمسيحيين، ويفصلهما معاً، ينبغي ان يفتح افاقهما على مسؤولية جديدة، مسؤولية كل جانب تجاه الطرف الآخر ومع الطرف الآخر.
23 – بأمانة لتعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني تنظر الكنيسة الكاثوليكية، الى المسلمين بأعين التقدير، أولئك الذين يعبدون الله خصوصاً بواسطة الصلاة والزكاة والصيام، يكرّمون يسوع كنبي، دون الاقرار بألوهيته، ويكرّمون مريم، أمه العذراء. نعلم ان اللقاء بين الاسلام والمسيحية اتخذ غالباً شكل الجدل العقائدي. وقد شكّلت هذه الاختلافات العقائدية وللأسف ذريعة لدى هذا الطرف او ذاك ليبرر، باسم الدين، ممارسات التعصب والتمييز والتهميش وحتى الاضطهاد.
24 – على الرغم من ذلك، يتقاسم المسيحيون مع المسلمين الحياة اليومية نفسها في الشرق الاوسط، حيث وجودهم ليس عرضياً او حديثاً انما تاريخي. فالمسيحيون، لكونهم جزءاً لا يتجزأ من الشرق الاوسط، أقاموا على مرّ العصور نوعاً من العلاقة مع محيطهم يشكل مثالا يحتذى به. وتفاعلوا مع تدين المسلمين وواصلوا عيش حياتهم وتعزيز قيم الانجيل في ثقافة بيئتهم، بحسب امكاناتهم وضمن حدود الممكن. ونتجت عن ذلك حياة تكافلية متميزة. ولهذا السبب، من المنصف ان نقر باسهام الهيود والمسيحيين والمسلمين في نشأة ثقافة غنية في الشرق الأوسط.
25 – من واجب وحق الكاثوليك في الشرق الاوسط، ومعظمهم من سكان البلاد الاصليين، المشاركة التامة في حياة الوطن من خلال العمل على بناء اوطانهم. ينبغي ان يتمتعوا بمواطنة كاملة، لا أن يعاملوا كمواطنين او مؤمنين من درجة ثانية. وكما كانت الحال في الماضي، اذ كانوا من رواد النهضة العربية، وكانوا جزءاً لا يتجزأ من الحياة الثقافية والاقتصادية والعلمية لمختلف حضارات المنطقة، ها هم يرغبون، اليوم وعلى الدوام، في مقاسمة خبراتهم مع المسلمين مقدمين اسهاماتهم الخاصة. إن المسيحيين، بفضل يسوع، هم حساسون تجاه كرامة الشخص البشري والحرية الدينية الناجمة عنها. فقد قام المسيحيون – بدافع حبهم لله والبشرية، وممجدين هكذا طبيعة المسيح المزدوجة، وراغبين في الحياة الأبدية – ببناء المدارس والمستشفيات وشتى انواع المعاهد، حيث يستقبل الجميع بدون أي تمييز. لهذه الاسباب بالذات، يولي المسيحيون حقوق الشخص البشري الاساسية اهتماماً خاصاً. إن التأكيد على ان هذه الحقوق ليست إلا حقوقاً مسيحية للانسان، هو تأكيد غير صحيح. إنها ببساطة حقوق تقتضيها كرامة كل كائن بشري وكل مواطن مهما كان أصله او قناعاته الدينية او خياراته السياسية.
26 – الحرية الدينية هي تاج كل الحريات. انها حق مقدس وغير قابل للتفاوض. انها تشمل في الوقت ذاته، الصعيدين الفردي والجماعي، حرية اتباع الضمير في المسائل الدينية، وكذلك حرية العبادة. وتشمل حرية اختيار الديانة التي يرتئي الشخص انها صحيحة والتعبير علانية عن هذا المعتقد. يجب أن يسمح للانسان بممارسة ديانته والتعبير عن رموزه بحرية، دون أن يعرض حياته وحريته الشخصية للخطر. تستمد الحرية الدينية جذورها من كرامة الشخص، انها تضمن الحرية الاخلاقية وتنمي الاحترام المتبادل. إن اليهود الذين تعرضوا طويلاً لاعمال عدائية، غالباً ما كانت قاتلة، لا يسعهم ان ينسوا فوائد الحرية الدينية. اما المسلمون فيتقاسمون من جانبهم مع المسيحيين الاقتناع بأن الاكراه في ما يتعلق بالدين غير مقبول، خصوصا اذا تم بواسطة العنف. إن هذا الاكراه، الذي قد يتخذ اشكالاً متعددة وخطيرة على الأصعدة الشخصية والاجتماعية والثقافية والادارية والسياسية، يتناقض مع مشيئة الله. وهو يستخدم اداة لتحقيق مآرب سياسية – دينية، اداة للتمييز والعنف الذي قد يؤدي للموت. إن الله يريد الحياة لا الموت. إنه يحرم حتى قتل القاتل.
27 – التسامح الديني موجود في العديد من الدول، لكنه لا يؤدي الى نتيجة ملموسة لانه يبقى محدوداً في نطاق تطبيقه. من الاهمية بمكان الانتقال من التسامح الديني الى الحرية الدينية. هذا الانتقال لن يتسبب في النسبوية، كما يؤكد بعضهم. فهذه الخطوة الواجبة ليست تصدعاً في المعتقد، لكنها اعادة نظر في العلاقة الانتروبولوجية مع الدين والله. ليست تعدياً على "الحقائق المؤسسة" للمعتقد، لأنه، على الرغم من الاختلافات البشرية والدينية، ثمة بصيص من الحقيقة ينير جميع البشرية. نعلم جيداً أن الحقيقة خارج الله غير موجودة "بحد ذاتها" لأنها تصبح صنماً. فالحقيقة لا يمكن لها ان تنمو إلا في العلاقة مع الآخر، الذي يقودنا الى الآخر (الله). والذي بدوره ان يعرفنا على غنى غيريتيه من خلال أخوتي البشر وفيهم. لذا ليس جائزاً التأكيد بشيء قطعي: "أنا أملك الحقيقة". ليست الحقيقة ملكاً لأحد، انها دائماً عطية تدعونا لمسيرة محاكاة للحقيقة بشكل أعمق دائماً. يمكن معرفة الحقيقة وعيشها فقط في الحرية، لهذا لا يمكن الاجبار على الحقيقة، إنما في لقاء المحبة فقط يمكن سبر أغوارها.
28 – أنظار العالم كله موجهة صوب الشرق الاوسط الذي يبحث عن طريقه. فلتظهر هذه المنطقة ان العيش معاً ليس امراً مثالياً، وان انعدام الثقة والاحكام المسبقة ليست أمراً حتمياً. فباستطاعة الاديان ان تلتقي معاً لخدمة الخير العام وللمساهمة في تنمية كل شخص وفي بناء المجتمع. يعيش المسيحيون الشرق اوسطيون منذ قرون الحوار الاسلامي – المسيحي، انه بالنسبة لهم حوار عبر الحياة اليومية ومن خلالها. ويدركون غنى الحوار وحدوده. يعيشون أيضاً الحوار اليهودي – المسيحي الأكثر حداثة. ويوجد منذ زمن بعيد حوار ثنائي او ثلاثي الاطراف بين "مثقفين او لاهوتيين" يهود ومسيحيين ومسلمين. إنه مختبر اللقاءات والبحوث المختلفة، لا بد من تعزيزه. تساهم في هذا المجال جميع المعاهد او المراكز الكاثوليكية المختلفة – المعنية بالفلسفة واللاهوت وغيرهما – والتي ابصرت النور في الشرق الاوسط منذ زمن بعيد وتعمل أحياناً في ظروف صعبة. اوجه لهم تحية ودية واشجعهم على مواصلة عمل السلام هذا، مدركين ضرورة دعم كل ما من شأنه التصدي للجهل وتنمية المعرفة. الاتحاد المفرح بين حوار الحياة اليومية وحوار "المثقفين او اللاهوتيين" سيساهم حتماً، بشكل تدريجي وبمعونة الله، في تحسين التعايش اليهودي – المسيحي، واليهودي – الاسلامي، والاسلامي – المسيحي. هذه هي أمنيتي والنية التي أصلي من أجلها.

 

واقعان جديدان

29 – يختبر الشرق الاوسط، كباقي انحاء العالم، واقعين متضاربين: العلمانية، بأشكالها التي تصل احياناً للتطرف، والاصولية العنيفة، التي تدعي قيامها على أصول دينية. وبكثير من الارتياب، ينظر بعض المسؤولين السياسيين والدينيين في الشرق الاوسط، من كافة الجماعات، الى العلمانية باعتبار انها تعني الالحاد او اللاخلاقية. صحيح ان العلمانية قد تصل احياناً، وبطريقة مختزلة، الى تأكيد ان الدين ينحصر فقط في النطاق الفردي، وكأنه ليس الا عبادة فردية وبيتية بعيدة عن الحياة وعن الاخلاق وعن العلاقات مع الآخرين. وهذا الشكل المتطرف والايديولوجي، يحول العلمانية، تعلمنا يمنع المواطن من التعبير العام عن دينه، مدعياً ان الدولة وحدها هي التي تستطيع تشريع شكلها العام. هذه النظريات قديمة العهد، ولم تعد فقط غربية ولا يمكن الخلط بينها وبين المسيحية. العلمانية الايجابية، عكس ذلك، تعني تحرير المعتقد من ثقل السياسة، واغناء السياسة باسهامات المعتقد، بحفظ المسافة اللازمة، والتمييز الواضح، والتعاون الذي لا غنى عنه، لكليهما. لا يمكن لاي مجتمع ان يطور نفسه بطريقة صحية بدون تأكيد الاحترام المتبادل بين السياسة والدين ورفض السقوط في التجربة المستمرة للخلط او للتحارب. العلاقة المثلى تبني، قبل كل شيء، على طبيعة الانسان – اي على انتروبولوجيا صحيحة – وعلى الاحترام المطلق لحقوقه الثابتة. (...)
30. ان الغموض الذي يكتنف الاوضاع الاقتصادية والسياسية، ومهارة التأثير لدى بعضهم والفهم الناقص للدين، هي من بين العوامل لتي تشكل تربة خصبة للتطرف الديني. هذا التطرف يصيب كل الجماعات الدينية ويرفض التعايش المدني معا. وغالبا ما يسعى للسلطة، بواسطة العنف أحيانا، على ضمير كل فرد وعلى الدين من أجل دوافع سياسية. أطلق نداء ملحا لجميع المسؤولين الدينيين اليهود والمسيحيين والمسلمين في المنطقة كيما يسعوا، من خلال مثالهم وتعاليمهم، الى فعل كل ما هو ممكن، بهدف استئصال هذا التهديد الذي يستهدف، بلا تمييز وبشكل قاتل، مؤمني جميع الديانات. إن "استخدام كلمات الوحي، الكتابات المقدسة او اسم الله لتبرير مصالحنا أو سياساتنا، التي يمكن مراعاتها بسهولة، او لتبرير لجوئنا الى العنف هو جريمة في غاية الخطورة".

 

المهاجرون

31. إن الواقع الشرق أوسطي غني بتنوعه، لكنه في كثير من الاحيان، تقييدي وحتى عنيف. وهو يمس جميع سكان المنطقة ويشمل كل أوجه حياتهم. يشعر المسيحيون بنوع خاص، ولكونهم يجدون أنفسهم غالبا في موقف دقيق، بشيء من الاحباط وفقدان بعض الامل، بسبب النتائج السلبية لتلك الصراعات ولحالات الغموض. ويشعرون غالبا بالمهانة. ويعلمون، بفعل خبرتهم، انهم ضحايا محتملة لأي اضطرابات قد تقع. فبعد ان شاركوا بطريقة فاعلة، وعلى مر العصور، في بناء أوطانهم وساهموا في نشأة هويتهم وفي ازدهارهم، يجد مسيحيون كثيرون انفسهم امام ضرورة اختيار آفاق مؤاتية، واحات سلام، حيث يمكنهم العيش مع أسرهم بكرامة وأمن، وفضاءات من الحرية ليعبروا فيها عن ايمانهم بعيدا عن القيود المختلفة. إنه الخيار المأسوي لما يحمله من نتائج خطيرة على الافراد والعائلات والكنائس. ويقلص عدد السكان، ويساهم في تنامي الفقر البشري والثقافي والديني في الشرق الاوسط. فالشرق الاوسط بدون – أو حتى بعدد ضئيل من المسيحيين – ليس الشرق الاوسط، لأن المسيحيين يشاركون مع باقي المؤمنين في صنع الهوية الخاصة للمنطقة. فالجميع مسؤولون عن بعضهم بعضا أمام الله. من الاهمية اذا أن يفهم القادة السياسيون والمسؤولون الدينيون هذه الحقيقة، ويعملوا على تفادي السياسات والاستراتيجيات الساعية الى تفضيل جماعة بعينها، لقيام شرق أوسط أحادي اللون، لا يعكس بأي شيء واقعه الانساني والتاريخي الغني.
33. ان الكنيسة اللاتينية الحاضرة في الشرق الاوسط، وبرغم معاناتها من هجرة مؤمنيها العديدين، تختبر وضعا آخر وتجد نفسها في مواجهة مع تحديات رعوية عديدة وجديدة. على رعاتها، لا سيما في الدول ذات الاقتصادات القوية في المنطقة، ادارة التدفق الجماعي للعمال القادمين من افريقيا، والشرق الاقصى وشبه القارة الهندية. يأتون رجالا ونساء بمفردهم أو عائلات بأكملها ويعانون حالة مزدوجة من انعدام الاستقرار. من حيث إنهم غرباء في الدول التي يعملون فيها، كما يواجهون غالبا أوضاعا من التفرقة والظلم. إن الغريب هو محط اهتمام الله ويستحق بالتالي الاحترام، واستضافته ستؤخذ في الحسبان يوم الحساب الاخير.
72. لتكن وسائل الاتصالات الحديثة قادرة على أن تكون اداة ملائمة لاعلان الكلمة، وتسهيل قراءتها والتأمل فيها. من خلال تفسير الكتاب المقدس بطريقة مبسطة وسهلة الاستيعاب تساهم في تبديد الاحكام المسبقة والافكار الخاطئة حول الكتاب المقدس، والتي تؤدي الى خلافات مخزية وعديمة الفائدة. في هذا السياق، من الحكمة ان يتضمن هذا التفسير الفصل اللازم بين الالهام والوحي لأن الالتباس بين هذين المفهومين، لدى الكثيرين، يضر بفهم النصوص المقدسة، مع ما يترتب على هذا الامر من تبعات على مستقبل الحوار بين الاديان. هذه الوسائل قادرة ايضا على الاسهام في نشر تعاليم الكنيسة.

 

الليتورجيا وحياة الاسرار

75. كانت الليتورجيا، على مر التاريخ، بالنسبة لمؤمني الشرق الاوسط عنصرا اساسيا للوحدة الروحية والشركة. في الواقع، تشهد الليتورجيا وبطريقة مميزة، على تقليد الرسل المستمر والمتنامي في التقاليد الخاصة بكنائس الشرق والغرب. إن تجديد النصوص والاحتفالات الليتورجية، حيث تقتضي الضرورة ذلك، قد يسمح للمؤمنين بأن يفهموا تماما التقليد، بالاضافة الى الغنى الكتابي والآبائي واللاهوتي والروحي لليتورجيا، ضمن خبرة السرّ الذي تقود اليه. ينبغي أن ينفذ هذا المشروع، ضمن حدود الممكن، بالتعاون مع الكنائس التي ليست في شركة تامة، لكنها مؤتمنة هي ايضا على التقاليد الليتورجية نفسها. يجب ان يرتكز التجدد الليتورجي المرجو على كلمة الله، على التقليد الخاص بكل كنيسة، وعلى المعطيات اللاهوتية والانتروبولوجيا المسيحية الجديدة. وسيحمل ثماره اذا اكتسب المسيحيون القناعة بأن حياة الاسرار تدخلهم بعمق داخل الحياة الجديدة في المسيح نبع الشركة والشهادة.
78 (...) فليبصر النور، بدون تأخير، اتفاق مسكوني حول الاعتراف المتبادل بالمعمودية بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس التي تقيم معها حوارا مسكونيا بهدف التوصل لاحقا الى الوحدة التامة في الايمان الرسولي! ان مصداقية الرسالة والشهادة المسيحيتين في الشرق الاوسط تعتمد جزئيا على هذا الامر.
87. منذ سنين عديدة تتواجد الحركات الكنسية والجماعات الجديدة في الشرق الاوسط. انها عطية من الروح لعصرنا. ولكي لا ينطفىء الروح (راجع 1 تي 5، 19)، ينبغي على كل واحد وكل جماعة، وضع موهبته الخاصة في خدمة الخير العام (...).
90 ان يسوع المسيح جعل نفسه قريبا من الاشد ضعفا وباتباع مثله، تعمل الكنيسة في خدمة استقبال الاطفال في دور الحضانة والايتام، وفي خدمة الفقراء والاشخاص ذوي الحاجات الخاصة، والمرضى وكل شخص محتاج، كي تكون على الدوام اكثر تفاعلا في المجتمع الانساني تؤمن الكنيسة بالكرامة، غير القابلة للجدل، لكل شخص بشري وتعبد الله، الخالق والآب، من خلال خدمة خليقته المحتاجة عبر مساعدتها ماديا وروحيا. ومن اجل يسوع، الاله الحق والانسان الحق، تقوم الكنيسة بخدمتها في تقديم التعزية، والتي لا تسعى الا للتعبير عن محبة الله للبشرية. اود هنا ان اعبر عن اعجابي وتقديري لكل الاشخاص الذين يكرسون حياتهم لهذا الهدف النبيل، امنحهم بركة الله.
91 . كثيرة هي مراكز التربية والمدارس والمعاهد العليا والجامعات الكاثوليكية في الشرق الاوسط. ويقوم الرهبان والراهبات والعلمانيون العاملون فيها بعمل رائع احييه واشجعه. ان هذه المؤسسات التربوية الكاثوليكية تستقبل تلاميذ او طلاباً من كنائس اخرى وديانات اخرى، وهي بعيدة كل البعد عن الرغبة في ضم الآخرين. ولكونها ادوات ثقافة لا تقدر بثمن لتنشئة الشباب على المعرفة، فانها تظهر بطريقة جلية الامكانية القائمة في الشرق الاوسط للعيش معاً في الاحترام والتعاون، من خلال التربية على التسامح والبحث المتواصل عن المزايا الانسانية. انها متنبهة ايضا للثقافات المحلية التي ترغب في تعزيزها من خلال تقوية العناصر الايجابية فيها. ان تضامنا كبيراً بين الاهل والطلاب والجامعات والابرشيات، مؤيدا بصناديق المساعدة، سيسمح بتوفير امكانية التعليم للجميع، لا سيما اولئك المحرومين من الموارد الضرورية. وتطلب الكنيسة ايضا من مختلف المسؤولين السياسيين دعم هذه المؤسسات التي، ومن خلال نشاطها، تتعاون حقا وبفاعلية من أجل الخير العام، وبناء مستقبل مختلف للامم.

 

 الخاتمة

95. "لا تخف أيها القطيع الصغير" (لو 12، 32)، بكلمات المسيح هذه أرغب في تشجيع كل الرعاة والمؤمنين المسيحيين في الشرق الأوسط على إبقاء شعلة الحب الإلهي، وبشجاعة، حيّة في الكنيسة وأماكن حياتهم وعملهم. فهكذا، سيحتفظون بحقيقة وبرسالة الكنيسة كاملتين كما أرادهما المسيح. وهكذا أيضاً، ستُغني التنوعات، المشروعة والتاريخية، الشركة بين المعمّدين، ومع الآب وابنه يسوع المسيح الذي بدمه يُطهّر من كل خطيئة (راجع 1 يو3، 6 – 7). في فجر المسيحية، كتب القديس بطرس، تلميذ يسوع المسيح، في رسالته الأولى الى الجماعات المؤمنة في آسيا الصغرى والتي كانت تعاني المصاعب. ومع مطلع هذه الالفية الجديدة، كان من الجيد أن يجتمع في سينودس، حول خليفة بطرس، رعاة ومؤمنون من الشرق الأوسط ومن أماكن أخرى، للصلاة والتفكير معاً. فالحاجة الرسولية والوضع الحرج يحثّان على الصلاة والنشاط الرعوي. إن الظروف الحالية الملحة، وظلم الأوضاع المأسوية الكثيرة، يدعوان الى الاتحاد – على ضوء اعادة قراءة الرسالة الأولى للقديس بطرس – من أجل الشهادة معاً للمسيح المائت والقائم من الموت. أن نكون معاً. والشركة التي أرادها ربنا وإلهنا هما الآن ضروريتان أكثر من أي وقت مضى. لنضع جانباً كل ما يبدو سبب عدم رضى – حتى وإن كان مشروعاً - كي نركّز اهتمامنا بقلب واحد على الشيء الوحيد الضروري: أن نجمع في الابن الوحيد جميع البشر والعالم كلّه (راجع رو 8، 29 وأف 1، 5 - 10).
96. لقد أوكل المسيح لبطرس الرسالة الخاصة بأن يرعى خرافه (راجع يو 21، 15 – 17)، وعليه بنى كنيسته (راجع مت 16، 18). ولهذا فإن خليفة بطرس لا ينسى محن وآلام المؤمنين بالمسيح، ولا سيما العائشين في الشرق الأوسط. إن البابا يتّحد معهم روحياً. ولهذا، وباسم الله، أدعو القادة السياسيين والدينيين للمجتمعات للعمل، لا فقط من اجل تخفيف هذه الآلام، إنّما لاستئصال أسباب وجودها. أطلب إليهم أن يعملوا كل شيء كي يعمّ السلام أخيراً.

 

 

طرابلس: قتيل و25 جريحاً بعد حرق الـ"كي. أف. سي."  تظاهرات في عين الحلوة وتعلبايا ندّدت بأميركا وفيلم "براءة المسلمين"

 

قتل محمد علي عيوش (20 عاما) واصيب 25 آخرون معظمهم من رجال قوى الامن بجروح مختلفة، خلال صدامات وقعت امس في طرابلس بين القوى الامنية واسلاميين تظاهروا احتجاجا على فيلم "براءة المسلمين" واحرقوا مطعم الـ"كي. اف.سي" الاميركي للوجبات السريعة، قبل ان يحاول آخرون اقتحام السرايا في المدينة.
بداية انطلق نحو 300 متظاهر من مسجد في وسط المدينة عقب صلاة الجمعة حاملين الاعلام السود، وتوجهوا الى المطعم في البحصاص على اوتوستراد فؤاد شهاب، ورددوا شعارات من قبيل "المسلم يرفع ايده، البابا ما منريده" و"اميركا عدوة الله" و"اسلامية، اسلامية وليس دولة صليبية"، ورفعوا لافتات تطالب بطرد السفيرة الأميركية احتجاجا على الفيلم الذي انتج في الولايات المتحدة وأساء الى النبي محمد.
وعند وصولهم قرب المطعم أضرموا فيه النيران، فاندلعت  مواجهات مع القوى الامنية التي كانت تجمعت لحراسة المكان، ورشق المتظاهرون رجال الامن بالحجارة، مما ادى الى اصابة خمسة منهم، فردّت القوى الامنية باطلاق النار في الهواء والقاء القنابل المسيلة للدموع.
وبعد انتهاء المواجهات في محيط المطعم، اكتشفت جثة  قرب إحدى السيارات في المنطقة  مصابة بطلقين ناريين.
وتبين ان هناك 18 جريحا من قوى الأمن بين الجرحى الـ25 أصيبوا بالحجارة.
بعد ذلك تجمع عدد من الشبان أمام سرايا المدينة، وراحوا يرشقون العناصر الامنية المولجة حمايتها بالحجارة، بعدما حاولت تفريقهم ومنعهم من الدخول، وبعد اصرارهم على دخول السرايا لتحطيمها، ورشقهم المبنى بالحجارة، اطلق عناصر القوى الامنية النار في الهواء لتفريقهم وابعادهم عنها، مما ادى الى مواجهات اسفرت عن اصابة 4 عسكريين، وجرح عدد من الشبان.
بعد ذلك انتشر الجيش وقوى الامن الداخلي في معظم شوارع مدينة طرابلس، ولا سيما امام سرايا المدينة ومستديرة عبد الحميد كرامي، وأعادوا الهدوء الى المدينة اثر المواجهات مع المتظاهرين.

 

تظاهرات في المناطق

كذلك خرجت مسيرات احتجاجية في معظم المناطق  امس في سياق الاحتجاج على الفيلم المسيء للنبي محمد فنظم "اللقاء العلمائي في البقاع" اعتصاما سلميا امس عقب صلاة الجمعة، في موقف سيارات مسجد عمر بن الخطاب في تعلبايا (زحلة – "النهار") تحت شعار "الا رسول الله"، رفع خلاله المعتصمون الرايات الاسلامية ورايات "حزب التحرير"، "مسلمون بلا حدود" و"الجماعة الاسلامية"، الى علم الثورة السورية وسط مشاركة ملحوظة لشبان سوريين، ومناصرين لاحد الشيوخ الذين قطعوا في 16 آب الفائت طريق المصنع.
وفي مخيم عين الحلوة، خرج مئات الفلسطينيين من مساجد المخيم في تظاهرة بعد صلاة الجمعة، للتنديد بالفيلم، ورددوا هتافات تندد بالولايات المتحدة وقالوا متوجهين الى الرئيس الاميركي باراك اوباما "يا اوباما نحن كلنا شيخ اسامة (بن لادن)" و"اشهر سلاحك يا مسلم" و"فجر سفارة يا مسلم"، فيما رفع بعض الاسلاميين نسخا من القرآن.
كذلك خرجت تظاهرة منددة بالفيلم بعد صلاة الجمعة في منطقة عائشة بكار قرب مقر دار الفتوى في بيروت.

 

 

الجيش: ضبط شاحنة بيك آب أسلحة في رأس بعلبك

 

أفادت قيادة الجيش في بيان امس أنه "في اطار عملية ضبط الحدود اللبنانية – السورية ومراقبة دخول المسلحين وتهريب الاسلحة من لبنان واليه، رصدت دورية تابعة للجيش في منطقة راس بعلبك - البقاع، الساعة الثانية من فجر اليوم (أمس)، شاحنة بيك أب مشبوهة، انذرتها بالتوقف فلم يمتثل من في داخلها، وأقدموا على شهر السلاح باتجاه الدورية التي تمكنت من تطويق الشاحنة وتوقيف من في داخلها، وهم 8 اشخاص من التابعية السورية. وصودرت من الشاحنة المذكورة كميات كبيرة من الاسلحة الحربية الخفيفة والمتوسطة والذخائر والقنابل اليدوية وقذائف ب 7 وصواعق كهربائية، الى كمية من اجهزة الاتصال والاعتدة العسكرية المتنوعة.
وسلم الموقوفون مع المضبوطات الى المراجع المختصة، وبوشر التحقيق".

 

 
عكار - ميشال حلاق

عكار: مخاوف تتعاظم من تحركات الأسبوع المقبل وقذيفتان سوريتان قرب مركز أمني في منجز

 

تكثر التساؤلات في المناخ العام العكاري خصوصاً واللبناني عموماً، ومعها تتعاظم مخاوف المواطنين ويرتفع منسوب القلق لديهم  بإزاء ما قد تحمله الايام المقبلة على صعيد التحركات الشعبية التي كثر الحديث عن انطلاقها عقب انتهاء زيارة البابا للبنان، والتي سيكون الطابع المعلن فيها الاوضاع المعيشية والحياتية والمطلبية. وثمة دعوات انطلقت عقب سلسلة لقاءات عقدت في عكار وفي أكثر من منطقة لبنانية تدعو الى اسقاط الحكومة قبل اجراء الانتخابات النيابية.
واذ تؤكد المصادر المتابعة ان الوضع الامني ممسوك، الا ان امكان حصول اختراقات على هذا الصعيد في بلد مثل لبنان امر ممكن ولكن تداعياته السلبية لن تكون بالحجم الذي يجري الحديث عنه، ذلك ان ما من مصلحة لأي طرف في جر لبنان الى منزلقات امنية خطرة وخصوصاً ان الاوضاع السورية البالغة الدقة لا بد من ان ترخي بظلالها السيئة على كل الواقع اللبناني.
كما ان قضية الشيخ احمد عبد الواحد ورفيقه محمد مرعب مع اطلاق الضباط الثلاثة المتهمين بتورطهم في هذه الحادثة، لا تزال مدار بحث وانتظار، حيث ان قوى 14 آذار التزمت اعتبار هذه القضية قضية وطنية وهي ستتعامل معها بعد انتهاء زيارة البابا وفق الاطر المنصوص عنها قانونا. بيد أن شكل هذه التحركات لم يفصح عنه ومنها ربما التظاهر والاعتصام “في محيط السرايا الحكومية في بيروت” على سبيل المثال، علماً ان قضية الشيخ احمد عبد الواحد ورفيقه هي قيد المتابعة ايضا من العائلتين وكذلك من نواب عكار.
وأكدت المصادر نفسها ان الامور تسير حتى الآن بإيقاعات مضبوطة وتحت السيطرة، وما يقوم به الجيش في مختلف المناطق وكذلك سائر الاجهزة الامنية خير دليل على ان ثمة قراراً بفرض هيبة الدولة على كل الاراضي اللبنانية.
وعلى صعيد التوترات الحدودية الشمالية مع سوريا، فقد سقطت فجر امس 6 قذائف مصدرها الجانب السوري عند الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير في خراج بلدة منجز، اثنتان منها، بالقرب من مركز القوة الامنية المشتركة لضبط الحدود وعلى مسافة نحو مئة متر من دير سيدة القلعة وامتار قليلة من منزل مايز يوسف سليمان الذي كان تعرض لاصابة مباشرة من مدفعية الجيش السوري قبل نحو اسبوعين. واقتصرت الاضرار داخل مركز القوة الامنية المشتركة على الماديات.
وشوهدت جرافة تابعة للجيش اللبناني تعمل على رفع تحصينات ترابية حول المركز، في الوقت الذي اتخذت الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود تدابير امنية مشددة في محيط عدد من المراكز العسكرية الحدودية التي يشغلها الجيش اللبناني خصوصاً في بلدات الدبابية والنورا ومنجز والمقيبلة والبقيعة عند الجسر الغربي لمجرى النهر الكبير، حيث رفعت سواتر ترابية واخرى اسمنتية في محيط هذه المراكز، كما ان سواتر ترابية تحصنت خلفها آليات عسكرية.

 

العاهل السعودي استقبل الحريري في المغرب

 

أفاد المكتب الاعلامي للرئيس سعد الحريري ان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز استقبل امس في مقر اقامته بالدار البيضاء الرئيس الحريري في حضور الامير فيصل بن محمد بن سعود الكبير والمستشار المبعوث الخاص للعاهل السعودي الامير مقرن بن عبدالعزيز ووزير التربية والتعليم الامير فيصل بن عبدالله بن محمد وعدد من الامراء والمسؤولين وقد تناول الجميع طعام الغداء الى مائدة الملك عبدالله.

 

 
رضوان عقيل

حدثان يشغلان لبنان بعد زيارة البابا ..أمن البقاع وحشيشته و"أفيون" قانون الانتخاب

 

يتصدّر حدثان الواجهة السياسية الاسبوع المقبل بعد زيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر. الأول هو متابعة الجيش والقوى الأمنية الحملة التي بدأت في الضاحية الجنوبية والتي انتهت بتحرير المخطوفين التركيين والتي ستمتد الى البقاع على قول رئيس مجلس النواب نبيه بري. والحدث الثاني سيكون دخول المجلس في نقاش مشروع قانون الانتخاب الذي ستصل اليه مشاريع اخرى غير الذي أعدّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وقد نجح الجيش ومديرية الامن العام في تحرير التركيين وتطبيق ما حملته الاستنابات القضائية حيال عدد من المطلوبين ولا سيما افراد من عشيرة آل المقداد والمتحدث باسم جمعيتهم ماهر المقداد الذي تصدّر الاخبار وتحول نجماً على الشاشات المحلية والفضائية طوال الأسابيع الاخيرة.
جرعة الدعم ضده التي تلقتها المؤسسة العسكرية أخيراً لم تأت من فراغ بل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى ميقاتي والحكومة مجتمعة، وكانت ايضاً محل ترحيب وتشجيع ظاهر من رئيس مجلس النواب نبيه بري وتأييد غير خفي من قيادة "حزب الله" التي ضاقت ذرعاً بممارسات مجموعات تتلطى بغطاء عشائرها وحضورها المسلح على الارض، وتمارس اعمال الابتزاز وفرض الخوات على مواطنين واصحاب محال، بدءا من اوتوستراد السيد هادي نصرالله في قلب الضاحية وصولاً الى بعض البلدات البقاعية التي لا يجرؤ اهلها على التجوال ليلاً تحسباً للوقوع في فخاخ الخاطفين، ووصلت اصداء هذه الممارسات الى مكتب الرئيس بري ومساعديه قبل ايام، وناشدته التدخل قبل فوات الأوان و"خراب البصرة" في البقاع.
وكان ممثلون للعشائر وفاعليات بقاعية مستقلة قد طلبوا موعداً للقاء بري من اجل نقل الصور اليومية في البقاع والانفلات من عقال السلطة والقانون، ولم يقدم اليها جوابا قبل قيامه بجملة من التحضيرات والاتصالات.
وكان موضوع الامن في البقاع والشمال محل نقاش مستفيض بين رئيس المجلس وقائد الجيش العماد جان قهوجي اول من امس في عين التينة. وأبلغه الاول من موقعه الرسمي والحركي، ان المؤسسة العسكرية تلقى كل الدعم في الضاحية والبقاع وعلى أي بقعة لبنانية بغية منع المظاهر المسلحة واعمال الخطف التي تسيء الى صورة البلد وهيبة المؤسسات العسكرية التي ستكون بدءاً من يوم الثلثاء المقبل على موعد مع متابعة اتلاف الحقول المزروعة بالحشيشة. ويبدو ان اتجاه حركة "أمل" و"حزب الله" هو لاعطاء كل التغطية المطلوبة للأجهزة الأمنية في متابعة تنفيذ هذه المهمة التي يرفضها اصحاب هذه الحقول ويتسلحون باسماء العشائر التي ينتمون اليها.
واللافت ايضاً ان اعضاء حزب هذه النبتة يتغلغلون في صفوف عشائر اسلامية ومسيحية في البقاع، وباتوا في الآونة الاخيرة لا ينظرون بعين مرتاحة الى "حزب الله" ووزيره حسين الحاج حسن الذي يتولى حقيبة وزارة الزراعة.
وفي المناسبة، ثمة من أعد لافتات في بعلبك قبل يومين كانت سترفع في أحد أحياء المدينة تنتقد "حزب الله" لعدم وقوفه الى جانب هؤلاء المزارعين. وكتبت جمل على هذه اللافتات تسأل السيد حسن نصرالله عن سكوته ازاء هذه الشريحة وعندما تلقى المزارعون الكبار هذه المعلومات والاقدام على رفع هذه اللافتات، جرى منع الشبان المتحمسين من الاقدام على هذه الخطوة.
ويقوم نائب بقاعي سابق بالتنسيق بين ممثلين للعشائر والمزارعين الذين لوحوا بمواجهات دامية إذا اقتربت عناصر القوى الأمنية من أراضيهم، ودعوا الى "حقن الدم".
وأمام هذا المشهد البقاعي الذي يهدد بالوقوع في المجهول إذا لم تسوَ الامور بين هذه العشائر والسلطات قبل الاقدام على تلف حقول الحشيشة، تتجه الانظار الى الاجهزة الامنية وردة فعل الاهالي. ويطلق ممثلون لهؤلاء هذه التحذيرات، وثمة من يدعو "امل" و"حزب الله" الى ضبط الوضع في البقاع.
ولم يفارق الموضوع أجندة هذين التنظيمين في اليومين الماضيين وجرى بحثه مع قيادة الجيش.
وثمة من ابلغ ممثلي العشائر ان القوى الامنية وعلى رأسها مؤسسة الجيش لن تقوم بالدور المطلوب منها قبل تهيئة الارض في ربوع البقاع وبيوتات العشائر، ويترافق هذا الأمر مع المشاريع التي أعدتها الحكومة اخيرا والوعود التي قطعتها حيال هذه المحافظة وخصوصا في بعلبك – الهرمل.
ويبقى الحدث الثاني الذي يشغل المعنيين في الاسبوع المقبل هو "أفيون" مشروع قانون الانتخاب ولا سيما بعد انفراط عقد لجنة بكركي والاتهامات المتبادلة بين افرقائها.
ولا يزال هؤلاء يدققون في الجملة التي اطلقها الرئيس بري في "لقاء الاربعاء النيابي" الفائت في عين التينة، بأنه اذا حصل اجماع مسيحي على صيغة موحدة لقانون الانتخاب الجديد فلن يكون ضده". وهو الذي لا ينفك عن المناداة منذ اعوام بجعل لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية، واقله على اساس المحافظات ومع النسبية ايضاً.
وقال لـ"النهار" في معرض اجابته عن سؤال عن امكان اجماع المسيحيين على قانون انتخاب "فليتفقوا، وأنا لست ضد ما يتفقون عليه. ليأتوا إليّ بما يتوصلون اليه".
وهل توافق على ما يصلون اليه في هذا الشأن حتى لو كان يتعارض مع طرحك الانتخابي؟
أجاب: "أقول لهم جربوني، ولا أريد أن أدخل في تشريح موقفهم".
واستكمالاً للموضوع الانتخابي الذي سيزداد سخونة كلما اقترب موعد الاستحقاق، ينفي بري تلقيه و"حزب الله" أي اتصالات من حزب "القوات اللبنانية" في طرح الدوائر الصغرى. وسأل نوابه وزملاء لهم في الحزب في "لقاء الاربعاء النيابي" إذا تمت هذه الاتصالات. فرد عليه أحد نواب كتلة "الوفاء للمقاومة": "ظننا أن الاتصال جرى مع دولتك". فأجاب: "أنا كنت مسافراً ولا علم لي بهذا الأمر".
وفي زحمة الخلافات المسيحية على قانون الانتخاب، ينتظر المسلمون على ضفتي 8 و14 آذار حصيلة هذه الخلافات في وجهات النظر الانتخابية، وثمة من رأى ان طرح "القوات اللبنانية" بتقسيم لبنان الى 61 دائرة يعيد لبنان الى عام 1860.
من حشيشة البقاع الى "افيون" مشروع قانون الانتخاب يغرق اللبنانيون في حسابات  المسؤولين وقادة الأحزاب الذين لا يقدرون دقة المرحلة التي تتخبط فيها المنطقة وتهدد لبنان.
 

 


3 قطاع طرق بثياب قوى الأمن خطفوا صرافاً في تعنايل

 

زحلة - "النهار"
هي سطوة البزة العسكرية ام من يرتديها؟ ففيما يجد رجل قوى الامن مشقة في تنفيذ مهماته، نتيجة الوساطات وغياب الدعم المعنوي، فان قطّاع طرق تمكنوا بارتدائهم بزة قوى الامن الداخلي من ان يخطفوا الصراف محمد حمود، ويسلبوه 285 الف أورو و50 الف ريال سعودي، اغنتهم عن خطفه والمطالبة بفدية، فتركوه عند مفترق بلدة التويتة في ضهور زحلة.
وروى محمد انه بينما كان يسلك ظهر امس الطريق الدولية في تعنايل، بسيارته "المرسيدس" ذات الزجاج الداكن، لحق به دركي درّاج، على ما اعتقد نظراً الى ارتدائه بزة قوى الامن الداخلي، واشار اليه بالتوقف جانبا، فامتثل للامر. وسأله الدركي "الزائف"، اذا كان يحمل رخصة لزجاج سيارته الداكن، الامر الذي نفاه محمد، ودار جدل بينهما، على عادة ما يحصل بين المواطن ورجل الامن عند ضبط مخالفة، لولا انه عندما حاول محمد ان يتصل بالضابط المسؤول عن المنطقة لتسوية الامر، منعه الدراج ونزع منه هاتفه واطفأه. عندها تقدم رجلان كانا في سيارة خلفهما، احدهما يرتدي بزة قوى الامن الداخلي والآخر سترة سوداء كالتي يلبسها رجال الامن، صعد احدهما الى جانب محمد وجلس الآخر في المقعد الخلفي، واشار الدراج اليهما أن في امكانهما أخذه. وما ان قاد محمد السيارة بضعة امتار حتى سدد احد الراكبين مسدسا الى رأسه وطلب منه تنفيذ كل ما يطلبه، وامره بالتوقف جانبا حيث وضعا لثاما على وجهه ورمياه في المقعد جانب السائق، وتولى احدهما قيادة السيارة التي كان محمد وضع على مقعدها الخلفي مبلغا من المال كان ينقله لعمله صرافا، فاكتشفه احد المسلحين، واجرى اتصالاً بشخص واعلمه بعثوره على مبلغ "حرزان" من المال، فأمره من كان على الخط الآخر بالتخلص من محمد.
الى احد البساتين توجه الخاطفان بالسيارة، حيث حملا محمد ورمياه في صندوقها، وبعد مسافة من المسير توقفت السيارة. نجح محمد في فتح صندوق السيارة من الداخل، والخروج منه ليجد ان الخاطفين تواريا، فأوقف سيارة عابرة وسأل سائقها عن مكان وجوده، فأجابه انه في التويتة في ضهور زحلة. واجرى محمد اتصالا بذويه، الذين اتصلوا بدورهم بالاجهزة الامنية، ونقل هو الى مستشفى شتورة.

 


المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,392,037

عدد الزوار: 6,989,364

المتواجدون الآن: 67