مــن إســرائيــل إلى إيـــران: التقويمــات الاستخبــاريــة

تاريخ الإضافة الخميس 9 تموز 2009 - 7:00 ص    عدد الزيارات 4741    التعليقات 0    القسم دولية

        


بقلم أنطـوان شلحـت - عكا

تنتقل إسرائيل الرسمية والإعلامية، رويدًا رويدًا، إلى إجمـال الأحداث التي شهدتها إيران عقب الانتخابات الرئاسية، وإلى محاولة استشراف إحالاتـها المباشرة وغير المباشرة. وقد تمحور جلّ الاهتمام الإسرائيلي بتلك الأحداث حول قراءة ما هو تأثيرها المتوقع في "الملف النووي" المتعلق بإيران، من جهة، وفي سياستها الخارجية، من جهة أخرى، في ضوء احتمال انطلاق جولة من الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة.
وعلى الرغم من تحرير رغبات إسرائيلية دفينة، خلال ذلك، في أن تسفر الأحداث الأخيرة في إيران عن إطاحة النظام الحاكم فيها - أو "نظام آيات الله" وفقًا للتسمية الإسرائيلية الرسمية - فإن أصحاب هذه الرغبات لم يخفوا، في معظمهم، أن الغاية المتوخاة من هذه الإطاحة تتحدّد، على المدى البعيد، في طيّ صفحة "الملف النووي". وفي هذا الشأن، كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس المعبّر الأصدق عن هذه الغاية حين أعرب عن أمله بأن يسقط النظام الإيراني قبل أن يفلح في تطوير برنامجه النووي.
غير أن "المسؤول الأمني الاول" في إسرائيل، وزير الدفاع إيهود باراك، سكب الماء البارد على الحماسة الإسرائيلية، التي أججتها الانتفاضة الشعبية في إيران، بقوله إنه ليس هناك فارق أو اختلاف ملموس بين محمود أحمدي نجاد ومير حسين موسوي، وإن كليهما إسلاميان متطرفان، معاديان للغرب وإسرائيل، وملتزمان بالبرنامج النووي الإيراني. وخلال الجلسات المغلقة يعرض باراك، بحسب مصادر إسرائيلية مطلعة، الأوضاع في إيران كما لو أنها تشي بـ"انفلات المارد من عقاله، وانهيار الخوف الكبير والمتأصل من النظام الحاكم". كما يؤكد "أن هناك، لأول مرة، شرخًا كبيرًا في صفوف النخب الإيرانية سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى إضعاف نظام آيات الله". وهذا الأمر حدا ببعض المعلقين إلى القول: يتعيّن علينا، في هذه الحالة، أن ننتظر اندلاع موجات احتجاج أخرى تضعف هذا النظام أكثر فأكثر، لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل سيؤثر ذلك كله في سياسة إيران الخارجية، وفي مستقبل المحادثات الأميركية معها، وفي "حماس" وحزب الله وربما في سوريا؟
في خضم ذلك حدث في إسرائيل، مؤخرًا، تطوّر مهم يخصّ إيران هو التقويمات الجديدة لرئيس جهاز "الموساد" مئير داغان بشأن الجدول الزمني الخاص بامتلاكها أسلحة نووية. فقد حدّدت هذه التقويمات، التي وردت في سياق جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلية في أواسط شهر حزيران الفائت، موعدًا آخر لامتلاك إيران مثل هذه الأسلحة، هو عام 2014.
وتعني هذه التقويمات الجديدة، من جملة أشياء أخرى، ما يلي:
أولاً- مناقضة التقويمات الاستخبارية الإسرائيلية السابقة في هذا الشأن، والتي قدرت حتى ما قبل بضعة أسابيع بأن إيران ستملك القنبلة النووية الاولى "بعد بضعة أشهر". ومن المعروف أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت، حتى وقت قريب، متفقة على أن الموعد المحدّد لهذا الأمر هو نهاية 2009 الحالية، وعلى أن إيران اجتازت العتبة التكنولوجية لإنتاج أسلحة نووية.
ثانيًا- مطابقة التقويمات الاستخبارية الأميركية بشأن "القدرة الإيرانية على إنتاج أسلحة نووية". وبالإمكان القول إن هذه التقويمات لم تكن مقبولة في إسرائيل، قبل تصريحات داغان. وقد أسفر ذلك عن اندلاع "توتر" بين الطرفين خلال المرحلة الأخيرة من ولاية الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جورج بوش، وازدادت حدّته في مستهل ولاية الإدارة الأميركية الحالية برئاسة باراك أوباما، على خلفية وجود نيات لديها للانتقال إلى سياسة الحوار مع إيران.
ثالثًا- احتمال خلط أوراق جدول أعمال حكومة بنيامين نتنياهو. ومن الثابت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يضع الموضوع أو "الخطر" الإيراني في موقع متقدّم جدًا من سلم أولوياته. ونعيد التذكير أنه بالتزامن مع تسلم نتنياهو مهمات منصبه أشارت بعض التحليلات الإسرائيلية إلى أن عودته إلى رئاسة الحكومة تزيد احتمالات الحرب مع إيران، لكن "نقطة اللاعودة" لم يتم تجاوزها حتى الآن. وأضافت أنه في الحلبة السياسية الإسرائيلية يسود الاعتقاد أن هذه العودة "تقرب اسرائيل بالضرورة من خوض حرب مع إيران"، وأن "شخصيات سياسية، كانت على اتصال مع نتنياهو، تقول إنه قرر تدمير المنشآت النووية الإيرانية". في الوقت نفسه فإن الموعد الجديد يعني أن إيران ستملك أسلحة نووية بعد انتهاء ولاية نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وربما يشير هذا إلى أن داغان يسقط الموضوع الإيراني من الموقع الذي يحتله في جدول أعمال هذه الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أن تقويم داغان تزامن مع قيام نتنياهو، مؤخرًا، باستكمال طواقم عمل خاصة تتعلق بالمشروع النووي الإيراني تضم خبراء من الخارج أيضًا. بناء على ذلك يمكن القول إن من شأن إسقاط الموضوع الإيراني من رأس جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية أن يؤدي إلى نشوء فراغ كبير، إذ أن إسرائيل تعيش منذ عشرين عامًا في ظل هذا الموضوع، بل "نكاد لا نتذكر أي شيء في حياتنا من دون الخطر الإيراني"، كما يؤكد أحد المعلقين الإسرائيليين.
بطبيعة الحال، من السابق لأوانه الاستنتاج أن إسقاط الموضوع الإيراني من مقدمة جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية بات أمرًا مؤكدًا. ولا يزال نتنياهو يؤكد أن أكبر خطر بالنسبة لإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع يتمثل في اللقاء بين الإسلام المتشدد والسلاح النووي. كما أن "الخطر الإيراني"، بحسب قراءة إسرائيل، غير منحصر في "المشروع النووي" وضرورة مواجهته فحسب، وإنما أيضًا في ما يترتب على اعتبار إسرائيل إيران زعيمة "محور الشرّ"، وفي أن أحد السبل لمواجهة هذا "المحور" يكمن أيضًا في إضعافه من خلال ربط سوريا بعجلة عملية التسوية السياسية ما سيؤدي حتمًا إلى انفصالها عن إيران و"حزب الله" و"حماس"، ومن خلال تعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية في مواجهة حركة "حماس".
أمّا انعكاسات الأزمة الأخيرة في إيران، بالنسبة لإسرائيل، فستكون محدودة وفقًا للسيناريوات الإسرائيلية، إذ ليس من المتوقع أن يطرأ أي تغيير على موقف هذا النظام إزاء إسرائيل طالما لم يحدث تغيير جوهري بعيد الأثر في طابع النظام ونهجه العام. وبما أن إدارة الرئيس أوباما عازمة على انتهاج أسلوب الحوار المباشر مع إيران، على الرغم من الأحداث الداخلية التي يشهدها هذا البلد، فإنه لن يطرأ أيضا أي تغيير في معالجة مسألة الملف النووي الإيراني في المدى المنظور، وستعطى الأولوية في هذه المرحلة إلى طريق المعالجة الديبلوماسية. مع ذلك ثمة من ينوّه أنه سيكون من السهل أكثر على إسرائيل، في ظل استمرار رئاسة أحمدي نجاد والانتقادات الشديدة للنظام بسبب إجراءاته القمعية ضد المتظاهرين، تبيان مغزى الخطر الإيراني، وربما تنشأ أيضا أرضية مريحة أكثر لفرض عقوبات إضافية على إيران في حال فشل الحوار معها، وهو ما تتوقعه إسرائيل بصورة تكاد تكون مطلقة.


(باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار )  


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,147,910

عدد الزوار: 6,757,102

المتواجدون الآن: 135