هل يستطيع الائتلاف الوطني قيادة سورية؟.....الكفاح المسلح لجماعة الإخوان السورية

هل اقتربت النهاية في دمشق؟

تاريخ الإضافة الخميس 27 كانون الأول 2012 - 6:07 ص    عدد الزيارات 1912    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

هل اقتربت النهاية في دمشق؟
معهد واشنطن....جيفري وايت و أندرو جيه. تابلر
 
"في 20 كانون الأول/ديسمبر 2012، خاطب جيفري وايت وأندرو جيه. تابلر منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد وايت هو ضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية وزميل للشؤون الدفاعية في المعهد. والسيد تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما."
جيفري وايت
على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح موقف بشار الأسد العسكري محفوفاً بالمخاطر بشكل متزايد. فقد تضاءلت قدرات النظام الدفاعية -- حيث يواجه صعوبات حتى في الحفاظ على المواقع الأكثر ميزة، كما أن جميع جهوده الرامية إلى دحر قوى المعارضة المسلحة (باستخدامه مدفعية الميدان والقوة الجوية، وفي الآونة الأخيرة صواريخ سكود) قد باءت بالفشل. وتظهر أشرطة فيديو يوتيوب قوات النظام وهي تبدو وكأنها جيش مهزوم وتتصرف كذلك.
وقد ساهمت عدة اتجاهات في هذا التدهور. أولاً، منذ الشتاء الماضي طوّر الثوار قدراتهم القتالية بشكل كبير مما جعلهم يقلصون من تواجد النظام في جميع أنحاء البلاد ويستولون على نقاط تفتيش وحواجز ومراكز للشرطة. وفي سعيهم هذا حصلوا على كمية أكبر من الأسلحة والذخيرة والخبرة القتالية بالتزامن مع عملهم على تقويض قدرة الأسد في السيطرة على الشعب. وحالياً، تسيطر قوات الثوار على خطوط الاتصالات في إدلب وحلب والرقة، وكثيراً ما تقوم بعزل ومضايقة المطارات التابعة للنظام. وقد هزمت عدة وحدات تابعة للنظام وساهمت بذلك في زيادة هيمنتها النفسية.
والأكثر أهمية هو أن الثوار الآن مكتفون ذاتياً: فهم يستولون بصورة منتظمة على أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ تطلق من الكتف وقذائف صاروخية وأسلحة أخرى من قوات النظام، ويظهر أنهم يستبدلون الأفراد الذين يخسروهم بسهولة نسبية. ولا يحتاجون إلى الكثير من التسلح من الخارج، بل على العكس من ذلك؛ ويبدو أن الأحداث قد تجاوزت الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول جدوى إمدادهم بالسلاح. ومع ذلك، فهم بحاجة إلى مساعدات عسكرية من بينها أعمال تدريب واستخبارات.
ثانياً، أن قدرات النظام العسكرية آخذة في التدهور. وكان قد قام بآخر مناورة له واسعة النطاق خلال الصيف، عندما حاول استعادة مدينة حلب، وأخفق بذلك -- وربما كانت تلك نقطة التحول في الحرب. واليوم ينفذ الجيش عمليات محلية فقط، ويقوم الثوار برد الكثير منها على أعقابها. ويجري استنزاف قوات النظام بشكل سريع، وتقدر خسائره خلال الخمسة أو الستة أشهر الماضية بحوالي 1,000 قتيل و 4,000 جريح شهرياً. وعلى النقيض من ذلك، فقد المتمردون حوالي 850 رجلاً في الشهر، ويبدو أنهم أكثر قدرة على استبدالهم. وتظهر معنويات قوات النظام ضعيفة إلى حد بعيد من جراء الخسائر المتكررة للمواقع التي كانت تسيطر عليها لمدة طويلة، كما تفتقر هذه القوات إلى العزيمة في خوض عمليات قتالية هجومية.
ثالثاً، أن الثوار قد أغلقوا تقريباً "الفجوة العملياتية" التي تمتع بها النظام منذ اندلاع الحرب، وخاصة من ناحية القوات المدرعة والمدرعات الآلية والتعبئة والحشد عبر البلاد. وبالمثل تضيق "الفجوة أرض- جو" بسبب تطوير الثوار لقدراتهم الدفاعية الجوية. إلا أن "الفجوة المدفعية" لم تتقلص بعد، ولكن الثوار يكتسبون هذه القدرة بخطى سريعة.
من الناحية العسكرية، يواجه النظام خمس احتمالات للعبة النهائية في سوريا:
    تفكك المحافظات، مع وقوع السيطرة على المحافظات في يد الثوار - محافظة تلو الأخرى. وهذه العملية سارية بالفعل بدرجة معينة، على الرغم من أن النظام يخفي حقيقة وجودها بإبقائه على الأقل تواجد إسمي له، في كل محافظة.
    انهيار فوضوي، بتفكك الجيش السوري داخلياً. إن الموقف يسير نحو هذا الاتجاه.
    التقوقع المنظم، بتراجع النظام إما إلى دمشق أو إلى معقل العلويين في مناورة مدروسة. وحالياً، يفتقر النظام إلى القدرة على وضع خطة لهذا القرار وتنفيذه.
    الاندفاع نحو الساحل، بفرار النظام بقواته بصورة غير منسقة. وهناك مؤشرات طفيفة بحدوث هذا الأمر.
    السيطرة على زمام الأمور، وهو السيناريو الأقل ترجيحاً، عندما يعكس الأسد مسار الحرب رأساً على عقب. وليس هناك ما يشير إلى أن النظام قادراً على القيام بذلك.
إن إحدى المغيِّرات المحتملة لمسار اللعبة هو مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية. فقبل أسابيع قليلة، بدا النظام وكأنه يعد لاستخدام هذه الأسلحة وسط قيام عمليات قتالية بالقرب من دمشق. وعلى الرغم من أن الأسد قد تراجع منذ ذلك الحين عن مثل هذه العملية، إلا أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون مستعداً إذا ما لجأ النظام السوري إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، سواء لترويع السكان في منطقة معينة، أو قطع الصلة بين المدنيين والمعارضة المسلحة، أو تغيير الوضع العسكري من الناحية التكتيكية.
وفي جميع الأحوال، يبدو أنه لم يبق سوى أسابيع قليلة قبل انهيار نظام الأسد. ومع اقتراب النهاية، قد يقدم حلفاء النظام التماسات يائسة لوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، إلا أن الثوار لا يرون على الإطلاق أي ميزة من هذا المنحى، ومن المؤكد أنهم سينتهكون أي هدنة من هذا القبيل. ومن جانبها، فإن روسيا التي هي حليفة النظام منذ فترة طويلة قد تتخلى عن الأسد وتعمل على إجلاء مواطنيها. وفي الوقت نفسه سوف تتزايد أعداد قوات النظام التي تنشق عن الأسد وتنظم إلى الثوار، أو ترفض إطاعة الأوامر، أو تتشتت، بينما قد ينشق بعض المسؤولين في النظام أو يلوذوا بالفرار من دمشق كجزء من هروب علوي إلى الساحل. ومع ذلك، فإن أصدق الدلائل على النهاية سوف تكون حرق المسؤولين الإيرانيين للملفات في سفارتهم بدمشق.
أندرو جيه. تابلر
تأوي حالياً الدول المجاورة لسوريا ما يقدر بـ 450,000 لاجئ مسجل إضافة إلى مئات الآلاف من غير المسجلين. ويواجه 1.5 مليون نازح داخلي في سوريا حالة مأساوية وخيمة. وخلال زيارتي الأخيرة إلى معسكر أطمة للاجئين على جانبي الحدود بين تركيا وسوريا لم أرى سوى القليل من الخيام والقليل من الطعام، ولا توجد هناك مراحيض لـ 12,000 من ساكني هذا المعسكر. ويموت الأطفال من المرض والعراء -- فاحتياجاتهم تفوق معظم الجهود الخيرية الأجنبية بما في ذلك المساعدات المقدمة من "مؤسسة مرام"، وهي منظمة سورية أمريكية سُميت على اسم إحدى الفتيات التي أُصيبت بشلل بسبب شظية أثناء الحرب.
ومن هذا المنطلق، فإن المعركة الخارجية لكسب أصحاب القلوب والعقول قائمة بالفعل -- وفي حين اضمحلت قدرة واشنطن على إرسال مساعدات، تقوم تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية بتعزيز نفوذها. وتأمل هذه الدول الثلاث ذات الأغلبية السنية بتجسيد النتيجة ما بعد مرحلة الأسد من خلال إعادة توجيه سوريا بعيداً عن إيران -- التي هي المنافسة السياسية والطائفية لهذه الدول. وفي الوقت نفسه، وفي ضوء تقاعس الولايات المتحدة، نجد أن الثوار يتجهون نحو الحركة الإسلامية والمشاعر المعادية للغرب. أما الجماعات المسلحة التي كانت منفتحة العقول في السابق فيزداد تشككها من الصحفيين الغربيين، كما أن الجماعات المتطرفة مثل "جبهة النُصرة" قد أصبحت أكثر شهرة. إن واقع تصنيف "النُصرة" مؤخراً كجماعة إرهابية، وجاء ذلك قبل اعتراف الولايات المتحدة الرسمي بـ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، لم يؤد سوى إلى تفاقم الانطباع السيئ القائم بالفعل تجاه واشنطن، وإلى قيام احتجاجات ضد تقاعس الولايات المتحدة.
لقد تم تأسيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر برئاسة الإمام المحبوب من الجماهير معاذ الخطيب. ويتكون هذا "الائتلاف" من خمسة وستين عضواً منتخباً ويضم أربعة عشر عضواً من مجالس محلية سورية. ومنذ ذلك الحين، تم تشجيعه على تشكيل لجان لمعالجة الأمن والخدمات الإنسانية في المناطق المحررة. وقد عُقد في الدوحة أيضاً اجتماع لقادة المجلس العسكري، أسفر عن اختيار "المجلس العسكري الأعلى" في 7 كانون الأول/ديسمبر. ويضم هذا "المجلس" ثلاثين عضواً برئاسة العميد سليم إدريس رئيس أركان الجيش السابق.
وحيث يتميز "المجلس العسكري الأعلى" عن "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" ولكن ذو صلة إليه -- فقد كان "المجلس" يهدف إلى تنسيق توجيه الأسلحة لأكثر الجماعات المسلحة اعتدالاً في البلاد. ومع ذلك، فنظراً لاستيلاء المعارضة المتزايد على أسلحة النظام، فإن دور هذا "المجلس" أقل وضوحاً الآن، وهو الأمر بالنسبة لقدرته على تجميع الجماعات من خلال توفير الأسلحة. إن تأسيس كل من "المجلس العسكري الأعلى" و "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" هي خطوة في المسار الصحيح، لكن على الرغم من الاستعداد الأولي لهذين الهيئتين إلى التعاون، إلا أن ثمة دليل ضئيل حتى الآن على أنهما سيكونان قادرين على التغلب على الانقسامات في صفوف المعارضة.
ويرى بعض المحللين أن سياسة إدارة أوباما حول سوريا كانت ناجحة -- حيث إن نظام الأسد هو على شفى الانهيار دون مشاركة أمريكية مباشرة في حدوثه. ومع ذلك، فالصراع للسيطرة على سوريا سوف لن ينتهي لبعض الوقت. ونظراً لوجود شكوك في مدى النفوذ السياسي لـ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في الوقت الذي يلمع فيه نجم المعارضة المسلحة، فإن أولئك الذين يواجهون الأسد عسكرياً هم الذين ستكون لهم الكلمة العليا عندما يغيب الرئيس السوري عن المشهد. إذ بعد الإطاحة بالأسد مباشرة قد تبدو سوريا كما كانت عليه عام 1923، من خلال هيمنة طوائف مختلفة على مناطق متفرقة من البلاد، تحدث بعدها حالة كبيرة من الفوضى. وبسبب تحفظ واشنطن من تأدية دور ما فإنها ربما قد فقدت فرصة للتأثير على ما سوف تؤول إليه الأمور. لذا، فإن أحد الأسباب القوية لتقديم المساعدة العسكرية إلى الثوار هو الانخراط معهم، وكسب المعرفة عن فصائلهم وتعزيز الموقف معهم حيث سيكونون هم الجهات الفاعلة الرئيسية في تشكيل سوريا ما بعد مرحلة الأسد.
ومن المؤكد أن رغبة الإدارة الأمريكية في إرسال دبلوماسيين ومسؤولي تنمية في مثل هذه الحالة تبدو بعيدة المنال، وذلك في ضوء الآثار الناجمة عن حادث الوفاة المأساوي للسفير كريس ستيفنز في ليبيا. ومع ذلك، يتعين على واشنطن التعاطي بشكل مباشر مع هذه الجماعات المسلحة من أجل تعزيز المصالح الأمريكية في سوريا. وفي هذا الإطار تمثل زيارة قادة الثوار للمناطق الحدودية فرصاً ثمينة للتعرف على الفصائل التي يمكن أن تتلاءم مع تلك المصالح دون المغامرة بالتوغل في مناطق أكثر خطورة. ينبغي على واشنطن أيضاً أن تعمل بشكل مباشر مع الجماعات المعتدلة، المدنية والمسلحة على حد سواء، لفتح قناة للمساعدات الإنسانية والعسكرية وزيادة النفوذ الأمريكي. والأكثر أهمية هو أن أي اتصال يجب أن يتم علانية لا في الخفاء، لكي تتمكن للولايات المتحدة من الحصول على الكثير من الثناء المستحق لها بفضل تدخلها الإيجابي في سوريا.
أعدت هذا الملخص المقررة كاتي كيرالي.

 

 

 

هل يستطيع الائتلاف الوطني قيادة سورية؟
يزيد صايغ ....مقال تحليلي، 24 كانون الأول/ديسمبر 2012
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
أصبح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الآن ممثل الشعب السوري المعترف به على نطاق واسع. بيد أنه من غير الواضح تماماً ما إذا كان هذا الائتلاف سيُثبت أنه أكثر فعّالية من سابقه، المجلس الوطني السوري، في تزويد المعارضة السورية بقيادة سياسية حقيقية.
المعارضة السورية في حاجة ماسّة إلى قيادة مقتدرة، في ظل تزايد المؤشّرات على أن ميزان القوى يميل بشكل حاسم لغير صالح نظام الرئيس بشار الأسد. ويتعيّن على المعارضة أن تعترف بأنها في حاجة إلى إستراتيجية سياسية فعّالة قادرة على شقّ النظام من داخله، الأمر الذي يفضي إلى حل نهائي للأزمة السورية وبناء سورية مستقرّة بعد الأسد.
ائتلاف مشوّش
كانت مجموعة أصدقاء سورية تأمل، من خلال اختيارها الائتلاف الوطني بوصفه "الممثل الشرعي للشعب السوري،"ربط غالبية نشطاء المعارضة والمجالس العسكرية والمدنية والمتمرّدين المسلّحين داخل سورية بالهيئة الجديدة. كانت الفكرة تنطوي على أن قوى المعارضة ستندمج عبر منح الائتلاف الوطني هذا المستوى من الاعتراف، وعبر التعهّد بزيادة الدعم المالي لأغراض الإغاثة الإنسانية، وإطلاق الوعود بجعله القناة الرئيسة للأموال الخارجية.
لاريب أن هذه الخطوة زادت من حجم الاهتمام الدولي بالائتلاف بشكل كبير، ومحضته دفعة قوية بين جماعات وهياكل المعارضة داخل سورية. بيد أنها وضعت الائتلاف أيضاً في موقف حرج إزاء كونه يعتمد على مجموعة أصدقاء سورية لضمان قبوله بين السوريين.
في الوقت الراهن، على الأقل، يمثّل الائتلاف الوطني المعارضة السورية أمام المجتمع الدولي ويضغط نيابة عن الشعب السوري. لكن على رغم الضجّة الإعلامية الكبيرة، فإنه يختلف قليلاً في تركيبته وبرنامجه السياسي عن المجلس الوطني السوري. وتبقى مسألة ما إذا كان الائتلاف أكثر تمثيلاً للمعارضة ككل من المجلس الوطني، خصوصاً داخل سورية، موضع جدل. فهو يعتمد عملياً وتنظيمياً على المجلس الوطني، الذي هو الآن جزء من الائتلاف الوطني، كما كان المجلس الوطني، ولايزال، يعتمد على مكوّنه الأساسي جماعة الإخوان المسلمين.
لن يسهم الانهيار السريع للنظام إلا في زيادة التحدّيات التي تواجهها المعارضة، سواء في المراحل النهائية للنزاع المسلح أو بعدها مباشرة. ويواجه الائتلاف الوطني الاحتمال الحقيقي في أن تتجاوزه الأحداث على أرض الواقع في سورية. ولايقلّ عن ذلك خطورة أن الائتلاف ربما يجد البساط مسحوباً من تحت قدميه بسبب مبادرات دبلوماسية جديدة، من قبيل أن تتوصّل الولايات المتحدة وروسيا في نهاية المطاف إلى تقارب ملموس في تقييمهما لاحتمالات بقاء النظام وأولوياتهما الاستراتيجية.
مؤشّرات التوصّل إلى حلّ سياسي
ثمّة دلائل على أن بعض الأعضاء البارزين في النظام السوري ربما يكونون مستعدين للتوصّل إلى تسوية سياسية. لكن الائتلاف الوطني حافظ حتى الآن على موقفه المعارض للحوار مع دمشق. ففي مقابلة ملفتة للانتباه نشرتها صحيفة صحيفة الأخبار اللبنانية في 17 كانون الأول (ديسمبر)، ألمح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى ما هو آت. فقد ذكر أنه على رغم أن الأسد لايزال مصمماً على "حسم الامور عسكرياً حتى تحقيق النصر النهائي، و عندها يصبح الحوار السياسي ممكناً . . . و كثيرون في الحزب [البعث] و الجبهة [الوطنية التقدمية الحاكمة] والقوات المسلحة يعتقدون منذ بداية الأزمة وحتى الآن أن لا بديل عن الحل السياسي، و لا عودة إلى الوراء".
من الواضح أن الشرع كان يعبّر عن ميله الخاص. وقد استند في ذلك إلى قناعته بأنه لا قوات النظام ولا متمرّدو المعارضة قادرون على إنهاء الأزمة وفقاً لشروطهم.
لايشارك الائتلاف الوطني الشرع في تقييمه، مستنداً في ذلك إلى النجاحات التي حققها المتمردون ضد قوات النظام حول حلب، وفي شمال شرق البلاد، وعلى نحو متزايد حول دمشق منذ تشرين الثاني (نوفمبر). وكان تعليقه الرسمي الوحيد هو الإشارة إلى مقابلة الشرع بوصفها واحداً من بين مؤشرات كثيرة على أن "النظام يعيش أيامه الأخيرة بصعوبة ويسعى أن لا يموت وحده". وهذا يتماشى مع تعهّد الائتلاف بـ"عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم".
من المفترض أن الائتلاف الوطني أيضاً لايتفق مع دعوة الشرع إلى "تسوية تاريخية" تبدأ بـ"وقف جميع أشكال العنف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة". غير أن الائتلاف ربما يتعرَّض الآن إلى ضغوط لتعديل موقفه، حيث يبدو أن الأزمة السورية تقترب من نهايتها.
إحياء بيان جنيف
كان المجتمع الدولي أيضاً يشعر بالضغط كي يتكيَّف مع الوضع من جديد نتيجة للأحداث على الأرض. فقد أكد سفير الولايات المتحدة لدى سورية روبرت فورد، الذي غادر دمشق في أوائل العام 2012، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) أن أولوية الولايات المتحدة لازالت تتمثّل في إبرام صفقة سياسية بين المعارضة وبين أعضاء الحكومة الذين "لم تتلطّخ أيديهم بالدماء". وقال: "نحن نعتقد أن الحل العسكري ليس هو أفضل وسيلة بالنسبة لسورية"، مضيفاً أن "الجهود المبذولة لتحقيق ذلك من خلال التغلّب على طرف أو آخر ستطيل أمد العنف وتفاقم الوضع الإنساني المروّع".
تشير هذه التصريحات بشكل مباشر إلى تسوية سياسية على غرار التسوية التي كانت مرتقبة في بيان جنيف الذي وقّعته الولايات المتحدة وروسيا، من بين دول أخرى، في 30 حزيران (يونيو). إذ دعا البيان إلى "إنشاء هيئة انتقالية حاكمة" يتم تشكيلها بموافقة متبادلة بين أعضاء الحكومة السورية الحالية إضافة إلى المعارضة والجماعات الأخرى.
وقد أصرّ المسؤولون الأميركيون على أن صياغة مثل هذا الحلّ السياسي لن تكون ممكنة إلا بعد سقوط نظام الأسد. مثل هذه التصريحات تنطوي على تناقض لفظي. فانهيار النظام هو حالة من النصر الكامل، وليس حلاً سياسياً. ومع ذلك، في ذلك الوقت، تعثّر اتفاق جنيف بشأن مسألة ما إذا كان الأسد سيبقى في منصبه أم لا، ولاسيّما مع إصرار موسكو على أنه لا يمكن حرمانه مسبقاً من أن يكون جزءاً من المفاوضات.
لكن يبدو أن روسيا قبلت أخيراً حقيقة أن أيام الأسد باتت معدودة. فقد اعترف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في 13 كانون الأول (ديسمبر) بأن المعارضة السورية يمكن أن تحقّق نصراً بالوسائل العسكرية. وبعد خمسة أيام، أكّدت البحرية الروسية أنها قد أرسلت سفناً إلى سورية "لاحتمال المشاركة في إجلاء المواطنين الروس".
وقد انعكس تقارب وجهات النظر بين الأميركيين والروس في بيان صدر في 9 كانون الأول (ديسمبر) عن الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسورية الأخضر الإبراهيمي بعد مناقشات أجراها في جنيف مع بوغدانوف ونظيره الأميركي، نائب وزيرة الخارجية وليام بيرنز. وأكّد البيان أن "العملية السياسية لإنهاء الأزمة في سورية ضرورية ولاتزال ممكنة"، وينبغي أن تستند إلى العناصر الأساسية الواردة في بيان جنيف.
ربما تستبق التطورات العسكرية هذا الحل الدبلوماسي، لكنه قد يكتسب جاذبية أيضاً عندما يبدأ نظام الأسد في الانهيار. ومن المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى إحراج الائتلاف الوطني، والذي سيجد صعوبة بمكان للتوصّل إلى توافق داخلي بشأن أي شكل من أشكال تقاسم السلطة المؤقتة في سورية، حتى لو تمّ استبعاد الأسد. ولكن لا يمكنه تجنّب الاستجابة إلى ما لا نهاية لما يمكن أن تكون فرصة سانحة لوضع حدّ لإراقة الدماء وضمان انتقال أكثر أمناً للسلطة.
المهام الفورية للائتلاف
لايمثّل التعاطي مع الفرص أو التهديدات الدبلوماسية بأي حال التحدّي السياسي الأكبر الذي يواجهه الائتلاف الوطني. وفيما تدخل الأزمة السورية مرحلتها الأكثر أهمية، والمؤكد تقريباً أنها الأكثر تعقيداً، فإن مهمة الائتلاف الفورية هي توكيد قيادتها الشاملة للمعركة التي تدور رحاها في جميع أنحاء البلاد. ويتعيّن عليه اتّخاذ قرارات إستراتيجية بشأن الطريقة التي تتم بها معركة دمشق وتوقيتها، وبشأن ما إذا كان ينبغي خوض مثل هذه المعركة بأي حال. وهذه مسألة سياسية في الأساس.
السوابق لاتبعث على الاطمئنان. إذ كانت الجماعات المحلية المتمرّدة على الدوام هي التي تتّخذ قرار نقل المعركة إلى المدن الكبرى. فقد نقل لواء التوحيد الإسلامي، على سبيل المثال، المعركة إلى حلب رغم عدم تفضيل قائد الجيش السوري الحر ورئيس المجلس العسكري العقيد عبدالجبار العكيدي ذلك. وكانت جبهة النصرة، التي أدرجتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية أجنبية في 11 كانون الأول (ديسمبر)، جنباً إلى جنب مع الجماعة الجهادية غرباء الشام وكتائب الفاروق، وسّعت العمليات العسكرية لتشمل محافظة الرقة. ودخلت هذه المجموعات أيضاً، إضافة إلى لواء عاصفة الشمال، المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، ما تسبّب في وقوع اشتباكات.
كما بدأ المتمردون المحليون أيضاً معركة دمشق المتواصلة، وعلى رأسهم كتائب أحرار الشام، التي وصفها أحد الخبراء بأنها "أكبر شبكة سورية من الجهاديين المحليين". ويتولّى عدد هائل من المجموعات الأخرى المنضوية بشكل فضفاض تحت لواء الجيش السوري الحر( يقال إن معظمها سلفيّة أو تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين) إدارة المعركة في معظم المناطق الميطة. و لكن لجان التنسيق المحلية الشعبية، لا الائتلاف الوطني، هي التي دعت مقاتلي المعارضة في 13 كانون الأول (ديسمبر) لضمان تجنيب العاصمة مصير "جميع المدن السورية الأخرى" على أيدي النظام.
كان الائتلاف الوطني أيضاً بطيئاً في اتّخاذ خطوات واضحة وملموسة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة. إذ يتعيّن عليه إيجاد السبل الكفيلة بمساعدة الأمم المتحدة في تقديم المساعدات لما يُقدَّر بأربعة ملايين شخص محتاج داخل سورية، نحو مليونين منهم من المشرّدين من منالهم. وقد رحّبت مجموعة أصدقاء سورية بإنشاء الائتلاف الوطني "وحدة تنسيق المساعدات" بهدف تنسيق عمليات إيصال الإغاثة، وتعهّدت بزيادة تمويل أنشطتها. لكن المجموعة أدركت أيضاً الحاجة إلى بناء القدرات المؤسّسية للائتلاف للاضطلاع بهذه المهام على نطاق واسع، وهو ما سيستغرق وقتاً طويلاً.
في 19 كانون الأول (ديسمبر)، دعا رئيس الائتلاف معاذ الخطيب الجيش السوري الحر إلى توفير ممرّات آمنة للوكالات الإنسانية الدولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن قدرة الائتلاف على ضمان تدفّق المساعدات تبقى موضع شك. إذ يعتمد ذلك الى حد كبير على نجاح الائتلاف بتشكيل حكومة مؤقتة داخل سورية للقيام بإدارة وتوفير الخدمات الأساسية والإمدادات في المناطق المحرّرة، وهو ما يتوقّف بدوره على تأمين التمويل. و يشكّ أعضاء الائتلاف في مجالسهم الخاصة بأن تضع مجموعة أصدقاء سورية أموالاً خارجية تحت التصرّف المباشر للائتلاف، ما يثير تساؤلات جدّية حول التأثير المحتمل لتلك الحكومة في المستقبل.
هذه الأسئلة لن تتلاشى إذا ما استولت المعارضة على دمشق. ولو حدث ذلك، فسيكون لزاماً على الائتلاف الوطني أن يقرّر ما إذا كان ينبغي الرد، وكيف، إذا انسحبت فلول نظام الأسد إلى المنطقة الساحلية حول اللاذقية وطرطوس وتحصّنت هناك، كما يتوقّع العديد من المراقبين. وإذا ما تمسّك النظام بمواقعه الحالية حتى ربيع العام 2013، فقد يجد الائتلاف بعد ذلك أن تأييده الشعبي في الداخل ومكانته لدى مجموعة أصدقاء سورية يتوقّفان بشكل متزايد على قدرته على توفير الإدارة الفعّالة والاحتياجات الإنسانية الأساسية للناس داخل سورية .
تحدّي القوة الثالثة
من المغري بالنسبة إلى المعارضة السورية أن تسمح للأحداث بأن تتابع تلقائياً على الأرض، لأنها واثقة من أن زوال نظام الأسد بشكل كامل أمر لامفرّ منه. لكن، مهما كانت طريقة وتوقيت نهاية الصراع في سورية، فإنها ستؤدي بالتأكيد إلى نتائج متقلّبة ومعقّدة للغاية سيكون الائتلاف الوطني في وضع صعب كي يتمكّن من احتوائها.
يفاخر الائتلاف الوطني بأنه يحظى بدعم من أشخاص مثل رئيس الوزراء السابق رياض حجاب والعميد مناف طلاس اللذين انشقا في الصيف الماضي. لكن مع وجود حوالي 1.2-1.5 مليون من الموظفين المدنيين في القطاع العام في سورية - بالإضافة إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي لاتخضع إلى إشراف وزارة الداخلية – و العدد الكبير من كوادر حزب البعث في جميع المستويات البيروقراطية -للدولة، من المؤكّد أنه سيكون هناك منافسون آخرون على السلطة. سيدّعي المسؤولون و الضباط الموالون الذين لم ينشقّوا بشكل فردي وينضمّوا إلى الائتلاف، بثقة، أنهم قادرون على جلب جهاز الدولة والجيش والمؤسسة الأمنية وحزب البعث وسدّ الفجوة المتّسعة مع العلويين الذين حكموا البلاد لفترة طويلة.
تعتقد مجموعة أصدقاء سورية وروسيا - وربما إيران أيضاً – أن من المهم تجنّب فشل الدولة في سورية والحفاظ على الجيش وتأمين الأسلحة الكيماوية. ومن المرجّح أن يلجأوا إلى هذه "القوة الثالثة"، إذا ما انبثقت، لإدارة البلاد وتحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية.
تبدو الخطوات التي يقوم بها الائتلاف الوطني للمنافسة على ضمان ولاء الاجهزة البيروقراطية غير كافية على الإطلاق. ففي 14 كانون الأول (ديسمبر)، أعلن حجاب عن إنشاء التجمع الوطني للعاملين في مؤسّسات الدولة، والذي سيتولّى رئاسته من مكاتب في العاصمة القطرية الدوحة. لم يحضر الاجتماع الافتتاحي للتجمع الذي عقد في عمان سوى 26 من المنشقين، معظمهم من السفراء والقضاة وأعضاء البرلمان الذين كان قد تم الإعلان عن انشقاقهم خلال السنة الفائتة. و تشي حقيقة أنه تم تخصيص مقعد واحد فقط من أصل 70 في الجمعية العامة للائتلاف، وهي الهيئة التي تتولّى وضع السياسات، لتمثيل المنشقّين المدنيين، بالكثير عن وضعهم داخل التجمع.
لايبدو الائتلاف مستعداً لمواجهة سماسرة السلطة الجدد الذين سيظهرون حتماً في جميع أنحاء البلاد. بعضهم سيكون تابعاً مباشرة للمعارضة مثل نشطاء الثورة والمتمردين المسلحين والزعماء المحليين، و بينهم من فرض نفوذه الاجتماعي والاقتصادي القوي حتى في ظل نظام الأسد، مثل زعماء العشائر، والمشغّلين في سوق العمال المهاجرين الكبيرة في سورية، ورؤساء شبكات التهريب. وقد ينبثق البعض الآخر من حزب البعث وجهاز الدولة، وخاصة على مستوى المحافظات، وحتى من الجيش والأجهزة الأمنية.
لن تكون صفوف الائتلاف الوطني نفسه بمنأى عن بيئة إعادة الاصطفاف المتعدّدة التي تتطوّر بسرعة والتي ستدفع إلى إقامة تحالفات جديدة وغير متوقّعة عبر الخطوط الحالية للصراع. هذا لايعني أن النظام سيبقى على قيد الحياة على نحو ما، بل أن المشهد السياسي في سورية قد يتغيّر في وقت أقلّ مما استغرقته عملية تجميع الائتلاف الوطني.
تقاسم السلطة ليس شعاراً قذراً
لكي يتمكن من تفكيك النظام بشكل حاسم، يجب على الائتلاف الوطني تقسيم صفوف هذا الأخير سياسياً. هذا يعني إقناع العلويين، وكذلك الطوائف الأخرى الصغيرة في سورية، وربما أعداد كبيرة من سكان المناطق الحضرية، بأن محاورين يحظون بثقتهم سيمثلونهم في المفاوضات الرامية إلى إقامة نظام جديد. بيد أن الائتلاف الوطني كرّر عزمه على بدء الفترة الانتقالية من خلال تطهير النظام والمرتبطين به في جهاز الدولة والجيش، وتفكيك الأجهزة الأمنية، وحلّ حزب البعث الذي يضم 2.5 مليون عضو.
هذا أمر مشروع تماماً، لكن هذه هي أيضاً الوسائل المؤسّسية الرئيسة التي قامت من خلالها الطوائف التي تخشى الآن على مستقبلها بالتعبير عن مصالحها و التفاوض عليها في الماضي. اعترض عضو في المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قابله الكاتب في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) قائلاً: "ولكن من الذي قال شيئاً عن حلً حزب البعث؟" فكان لا بدّ من تذكيره أن ذلك ورد في المادة الأولى من ورقة "الرؤية السياسية المشتركة" اللتي تمت الموافقة عليها من جانب اللقاء الموسّع للمعارضة المنعقد في القاهرة يوم 3 تموز (يوليو) وأكدها من جديد الائتلاف الوطني يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر). هذه الغفلة السياسية مثيرة للقلق.
قال السفير الأميركي فورد إن المعارضة السورية في حاجة "للعمل مع العلويين ومساعدتهم على أن يفهموا أن لهم مكاناً في سورية المستقبل، مكان يمكن لهم فيه. . . أن يعيشوا بأمان وأن يتمتّعوا بالحقوق التي يتمتّع بها جميع السوريين الآخرين". وردّت شخصيات بارزة في المعارضة على هذه الحاجة مراراً بالقول إنها تواصلت بعيداً عن الأنظار على مدى أشهر عدة مع "عشرات" من العلويين لإشراكهم في الحوار وطمأنتهم. بيد أن هذا يسلّط الضوء على عدم استعداد المعارضة لتقديم برنامج علني يتضمن عروضاً صريحة وتطمينات ملموسة.
إذا لم تقم المعارضة بذلك الآن، فلماذا ينبغي للعلويين أو أي مجموعة أخرى، أن تثق بها لإظهار المزيد من التصميم و الشجاعة في حمايتهم والدفاع عن حقوقهم علناً في الفترة الانتقالية، ناهيك عن القيام بذلك في سورية المستقبل؟ فقد أثبتت الضمانات الكلامية الجميلة بأنهم سيتمتعون بالمساواة الكاملة في ظل سيادة القانون في نظام ديمقراطي موعود أنها غير كافية لإقناعهم.
إن تغيير هذه الصورة هي مسؤولية المعارضة السياسية. وسيتعيّن على المعارضة أن تواجهها صراحة عاجلا أو آجلاً و أن تقترح صيغة لمشاركة محاورين ذوي صدقيّة نيابة عن الجهات الفاعلة الرئيسة المؤسّسية والمجتمعية التي تصطفّ حتى الآن ضدّها. ويجب أن يكون لهذه الجهات الفاعلة رأي في وضع تدابير بناء الثقة المؤقّتة، ووضع ضمانات جادّة لأمنها في الدولة السورية ما بعد الأسد.
هذا هو التحدّي الأصعب الذي تواجهه المعارضة، وفي نهاية المطاف التحدّي الأكثر أهمية، وذلك لأن تقاسم السلطة لايقتصر فقط على تسريع انهيار النظام. بل يتعلّق أيضا بالتأكد من أن جهاز الدولة ونواة الجيش وكوادر الحزب السابقة ومسؤولي النقابات، وغيرهم الكثير، سيتعاونون مع السلطات الحاكمة الجديدة. ويبدو أن المعارضة لاترى في ذلك إشكالية من أي نوع، على افتراض أن أجهزة الدولة ستنفّذ مخططاتها الخاصة بسورية الجديدة بعد أن تتولّى السلطة، لأنها واثقة من أن أغلبية كبيرة من السوريين تؤيّدها. لكن هكذا إستحكام سهل و متيسّر غير ممكن، كما أظهرت كل الحالات الانتقالية في "الربيع العربي".
ما لم تتبنّ المعارضة هذا النوع من المقاربة السياسية لهزيمة النظام، فإن خططها لـ"اليوم التالي"، المتمثّلة في تحقيق العدالة الانتقالية، والتعويض العاجل لضحايا العنف، وإعادة الخدمات العامة، وإعادة بناء الاقتصاد والبنية الأساسية، يمكن أن تتعطّل، ما يعيد سورية الى دوامّة العنف و الانهيار المؤسّسي.

 

 

 

الكفاح المسلح لجماعة الإخوان السورية
رافائيل لوفيفر... مقال تحليلي
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
عندما تم تداول أنباء، في أوائل آب (أغسطس) 2012، تشير إلى أن الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين، الذي أمضى السنوات الثلاثين الماضية في المنفى، بدأ تشكيل ميليشيات خاصة به على الأرض في سورية، بدأت أوساط المعارضة تشعر بالقلق. إذ سرعان ماعادت الذكريات القديمة للصراع الدموي الذي خاضه التنظيم ضد نظام البعث للظهور إلى السطح. ففي أواخر سبعينيات القرن الماضي، تبنّت جماعة الإخوان أسلوب الصراع المسلّح ضد النظام، وتعاونت مع تنظيم جهادي يطلق عليه "الطليعة المقاتلة"، والذي تم سحقه بصورة حاسمة في مجزرة حماة في شباط (فبراير) 1982.
 أنعشت عودة اثنين من مقاتلَي الطليعة المقاتلة المتشدّدَيْن السابقَين، لؤي الزعبي وأبو بصير الطرطوسي، إلى مدينتيهما درعا واللاذقية لقيادة الجماعات الإسلامية الراديكالية المتمرّدة الاعتقاد بأن جماعة الإخوان المسلمين ربما توشك على إحياء شبكاتها القديمة. فقد أصدرت جماعة الإخوان تصريحات متناقضة، حيث اعترف ملهم الدروبي، المتحدث باسم الجماعة، علناً في آب (أغسطس) الماضي بأنها "شكّلت كتائب مسلحة داخل سورية، مهمتها الدفاع عن النفس وتوفير الحماية الأمنية للمظلومين"، بيد أنه تم نفي ذلك على الفور عن طريق زميله المتحدث باسم الجماعة زهير سالم، كما تم نفيه مرة أخرى في منتصف كانون الأول (ديسمبر)، من جانب المراقب العام رياض الشقفة. في كلتا الحالتين، من غير المرجّح أن تتعاون جماعة الإخوان مع جناحها الراديكالي السابق.
صعود الطليعة المقاتلة
 أنشئت الطليعة المقاتلة أصلاً وسط أنقاض حماة بعد مواجهة جرت في نيسان (أبريل) 1964 في المدينة. فقد حوّل نظام البعث، الذي كان قد استولى على السلطة في العام السابق، المدينة المحافظة والمتمرّدة إلى نموذج يشير إلى المدى الذي هو على استعداد للذهاب إليه لترويض المعارضة.
 شجّع قصف مسجد السلطان في المدينة، وقتل الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على ذلك، على ظهور تيار راديكالي بقيادة مروان حديد، وهو شاب متشدّد من جماعة الإخوان المسلمين كان يعتقد أنه لايمكن إسقاط حزب "البعث الملحد" إلا بالقوة. أدّت مساعي حديد طيلة سنوات الستينيات وأوائل السبعينيات إلى نمو شبكة وطنية من المتشدّدين الراديكاليين الذين كانوا يرغبون في دفع جماعة الإخوان إلى خوض مواجهة مفتوحة مع النظام.
 عندما تم القبض على حديد وتوفي في السجن في حزيران (يونيو) 1976، تعهّدت الخلايا التي تمكّن من تدريبها وتوزيعها في جميع أنحاء سورية، بالانتقام لمقتله وبدأت حملة لاغتيال العديد من كبار ضباط الأمن والسياسيين في النظام. وسرعان ما تحولت خطط عمليات القتل المستهدف إلى سلسلة من الهجمات الجهادية العشوائية ضد العلويين، الأقلية الحاكمة في البلاد. وفي حزيران (يونيو) 1979، تمكّنت وحدة كوماندوز من التوغل في مدرسة المدفعية بحلب، وفصلت بالقوة التلامذة الضباط السنة والعلويين، ثم ذبحت عشرات من العلويين.
 تسببت تلك الممارسات في حدوث موجة من القمع البعثي كانت تهدف ليس فقط إلى تدمير الطليعة المقاتلة ولكن أيضاً إلى إضعاف جماعة الإخوان المسلمين التي قويت شوكتها بتشجيع من انتشار الاحتجاجات المناهضة للنظام طيلة أواخر السبعينيات. وقد دفع حجم الفظائع التي ارتكبتها الدولة، مثل حملة آذار (مارس) 1980 الوحشية على المعارضين السنّة في حلب، أو مذبحة سجن تدمر في حزيران (يونيو) 1980 والتي قتل فيها النظام، الذي شعر بالغضب الشديد من محاولة اغتيال حافظ الأسد، حوالي ألف من السجناء، جنباً إلى جنب مع إقرار القانون الرقم (49) للعام 1980 الذي صدر في تموز (يوليو) وجعل الإعدام عقوبة عضوية الحركة الإسلامية، مادفع جماعة الإخوان في نهاية المطاف إلى الاقتراب أكثر من فرعها الراديكالي.
 بعد أن أنشأت جماعة الإخوان فرعها العسكري، تم الاتفاق في اجتماع لقيادتها عقد في كانون الأول (ديسمبر) 1980 على أن تدخل الحركة في شراكة مع قوات الطليعة المقاتلة. وقد وفّرت هذه العلاقة التي استمرت لمدة سنتين بين القوتين الإسلاميتين ذريعة لحافظ الأسد لأن يصنّف الحركة الإسلامية كلها بأنها "إرهابية"، ويستخدم السلطة والقوة على نطاق غير مسبوق. وقد أسفرت المواجهة التي تلت ذلك في حماة في شباط (فبراير) 1982 عن مقتل ما بين 20 و40 ألفاً من سكان المدينة ووضع حدّ فعلي لأي تحدٍّ لنظام الحكم حتى آذار (مارس) 2011. ومن ثم فليس من عجب أن المعارضة السورية تشعر بالقلق من إحياء جماعة الإخوان المسلمين لطليعتها المقاتلة.
عملية إحياء؟
ومع ذلك، فإنه لا أساس لمثل هذه المخاوف إلى حد كبير. فقد اتّسمت العلاقة بين الإخوان والطليعة لفترة طويلة بقدر كبير من المرارة والريبة. بعد مجزرة حماة، اتهم الإخوان أعضاء الطليعة المقاتلة، وعلى وجه الخصوص عقلة عدنان المتحمس، وهو الشخصية الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الطليعة، بدفع الحركة الإسلامية كلها إلى مواجهة سابقة لأوانها ومحكومة بالفشل مع النظام السوري. ولم يمض شهران على مجزرة حماة حتى تركت جماعة الإخوان التحالف نهائياً وتحالفت بدلاً من ذلك مع قوى المعارضة العلمانية اليسارية. وقد اعتبر مسلّحو الطليعة المقاتلة الذين تحمّلوا عبء الجزء الأكبر من القتال ضد النظام هذا التحالف الجديد خيانة لهم.
 خسرت جماعة الإخوان المسلمين القدر الضئيل من الصدقية التي كانت لاتزال تتمتع بها في الأوساط الإسلامية الراديكالية عندما تخلّت قيادتها عن المحاولة الأخيرة لاستعادة السيطرة على حماة، وهي الحلقة التي غالباً ما يشار إليها بوصفها "النفير الفاشل". بعد ذلك بوقت قصير، في أواخر العام 1982، ألقى النظام القبض على عقلة في عملية انتهت بسحق الجماعة بأكملها بشكل فعلي.
 على رغم أن البعض، مثل الزعبي أو الطرطوسي، نجا من القمع البعثي ويعود الآن إلى سورية للمشاركة في النضال ضد النظام الحالي، فليس ثمّة عملية "إحياء" للطليعة المقاتلة. فقد انهار الهيكل التنظيمي والقيادي في الجماعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ويبدو أن الجماعات السلفية والجهادية الموجودة في سورية الآن مثل جبهة النصرة، أكثر تأثّراً بالخبرة المتراكمة في ساحات المعارك في أفغانستان والعراق ولبنان منها بتعاليم قدامى محاربي الطليعة المقاتلة في الجهاد السوري.
التحالفات الحذرة للإخوان المسلمين
في داخل جماعة الإخوان المسلمين نفسها، أثّرت الدروس المستفادة من التحالف قصير الأجل مع الطليعة المقاتلة في المناقشات الداخلية بشأن نوعية السياسات التي يجب أن يتّبعها التنظيم. كان هذا صحيحاً بالفعل في أوائل الثمانينيات، وأصبح أكثر أهميّة في سياق عسكرة الانتفاضات الحالية، نظراً إلى حقيقة أن معظم الذين كانوا يتولّون زمام المسؤولية قبل ثلاثين عاماً لا زالوا يسيطرون على قيادة الإخوان المسلمين.
ارتبطت جماعة الإخوان المسلمين بجماعات المعارضة السورية الأخرى من جميع الخلفيات الإيديولوجية والدينية، كلّما كان ذلك ممكناً، على أمل تقليل مخاطر ردّ الفعل في حال فشل الحركة المناهضة للنظام في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. وتتّسق مثل هذه المقاربة أيضاً مع جهود الجماعة منذ العام 2001 للدخول في عملية تطوّر إيديولوجي عميقة، والانتقال نحو الجانب البراغماتي (العملي) من الطيف الإسلامي. ويعزّز هذا التصوّر القرارات الأخيرة التي اتّخذتها الجماعة لتجنّب الإشارة إلى مرجعية الإسلام في نصّ مشروعها السياسي الأخير، والدفع بشخصية علمانية مسيحية، جورج صبرا، للترشّح لقيادة المعارضة السورية.
 وقد أتاحت القدرة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين وشبكتها الواسعة من الاتصالات موضعاً للنفوذ في معظم الجماعات المعارضة التي ترتبط بها. في الواقع، غالباً ما يشار إلى الجماعة على أنها "صانعة الملوك" لمثل هذه البرامج. وقد مكّنها هذا من التأثير إلى حدّ كبير في التجمعات السياسية، مثل المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي تشكّل حديثاً، وتوجيهها بوسائل تتّفق مع مصالحها وقيمها في نهاية المطاف.
 يتزايد نفوذ جماعة الإخوان أيضاً داخل هيئات المعارضة العسكرية. فهي تشارك بنشاط في تنسيق الهجمات العسكرية ضد النظام من خلال وجود شخص واحد على الأقلّ من الإخوان المسلمين في غرفة عمليات الجيش السوري الحر، والتي تزوّد المتمرّدين بمستلزماتهم وتسلّحهم، بالتعاون مع السلطات التركية.
 قرّرت جماعة الإخوان رسمياً توفير المال والأسلحة مباشرة للجماعات المتمرّدة على الأرض في أواخر آذار (مارس) 2012. ومع ذلك، فهناك خلاف عالق بشأن الموعد الذي بدأ فيه بالضبط دعمها النشط للمتمرّدين المسلحين. يؤكّد بعض المراقبين أن القرار الذي صدر في أيلول (سبتمبر) 2011 عن اللجنة العامة لحماية المدنيين، وهي مجموعة يرأسها العضو السابق في جماعة الإخوان هيثم رحمة، بإرسال الأسلحة والمال إلى المقاتلين في مدينة حمص كان أول خطوة حذرة وبعيدة عن الأضواء من جانب الإخوان في هذا الاتجاه. وتشمل المجموعات التي يعتقد أنها تلقت دعماً سخياً من جماعة الإخوان في سورية، من بين مجموعات أخرى، كتيبة الفاروق في حمص، ولواء التوحيد في حلب، وصقور الشام في جبل الزاوية وأحرار الشام في إدلب.
 على رغم أن توفير المال والسلاح للمتمردين الذين هم في حاجة ماسّة إلى هذه المساعدات يمكّن الإخوان المسلمين من التأثير في هذه الجماعات في اتّجاهات تتفق مع مصالحها، فإن إستراتيجية الجماعة تضمن أيضاً ألا تقع هذه الجماعات في ذلك النوع من التطرّف الذي اتّسمت به الحملة العنيفة التي قامت بها الطليعة المقاتلة من العام 1979 حتى العام 1982. وفي هذا الصّدد، فإن خط سياسة الإخوان المسلمين واضح وغير مثير للجدل في صفوفها: لن يتم توفير الدعم ولا المساعدة لجبهة النصرة الراديكالية أو لأشخاص مثل أبو بصير الطرطوسي أو لؤي الزعبي، فهذه "خطوط حمراء" لايمكن تجاوزها.
المال والسلاح والنفوذ السياسي
ومع ذلك فإن تنامي الصورة العامة لجماعة الإخوان المسلمين على أرض الواقع لايرضي الجميع، بما في ذلك، ويا للسخرية، بعض الجماعات التي تتلقّى الدعم من التنظيم. إذ يشعر بعض المتمرّدين الذين توقّعوا أن يحصلوا على المساعدات المادية والمالية من دون قيد أو شرط بالإحباط على نحو متزايد مع ما يرونها محاولة من جانب جماعة الإخوان المسلمين لتأكيد وجودها بعد ثلاثين عاماً من المنفى القسري. وقد روى أحد الإسلاميين السوريين الذي عاد في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) من منطقة إدلب، حيث يساعد المتمرّدين بنشاط، كيف شعرت جماعة إسلامية محلية بالغضب عندما اجتمع وفد من جماعة الإخوان مع قادتها وعرض مساعدتها بمبلغ مليوني ليرة سورية (28 ألف دولار تقريباً) في مقابل يمين الولاء (البيعة) للتنظيم. وقال إن القادة المحليين وافقوا في النهاية على الاتفاق ولكن بمرارة.
 في الوقت الراهن، على الأقلّ، يبدو أن حسابات جماعة الإخوان المسلمين ناجحة. فعندما أصدرت جماعات إسلامية متمرّدة تقاتل في حلب بياناً عاماً في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) ترفض فيه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الجديد، وتدعو بدلاً من ذلك إلى الظهور الفوري لـ "الدولة الإسلامية"، دعمت جماعتان إسلاميتان كبيرتان تتلقيان التمويل من جماعة الإخوان، لواء التوحيد وأحرار الشام، في البداية البيان ونأتا بنفسيهما عنه علناً في وقت لاحق.
 يبدو أن قرار جماعة الإخوان المسلمين بتجنّب تجديد التحالف مع الطليعة المقاتلة يحمل معنىً سياسياً واضحاً. بيد أن ربط صورتها ومصيرها بمصير الجماعات الإسلامية الأخرى التي ظهرت خلال العام الماضي داخل سورية يمثّل مقامرة محفوفة بالمخاطر لتنظيم يسعى إلى توطيد صدقيّته كلاعب سياسي براغماتي. وعلى الإجمال، فإن دخول جماعة الإخوان إلى الساحة العسكرية يوفّر لها أملاً بتعزيز نفوذها السياسي. غير أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر أيضاً، ويمكن أن ينظر إلى الجماعة على أنها تؤيد ببساطة نهج الجماعات المسلّحة الأخرى، بما فيها الإسلامية، وتدافع عنها وتعزّزها بدلاً من إثبات زعامتها.
 في ظل توفّر مصادر بديلة للتمويل والأسلحة للمتمرّدين في سورية، وتنافس الآخرين على القاعدة الإيديولوجية للإسلام السياسي، لن تكون جماعة الإخوان المسلمين قادرة على الاحتفاظ بالولاء السياسي طويل المدى للجماعات المسلحة التي لم تنبثق من صفوفها مباشرة.
 رافائيل لوفيفر: حاصل على منحة غيتس وطالب دكتوراه في جامعة كامبريدج. وهو مؤلف كتاب: Ashes of Hama: the Perilous History of Syria’s Muslim Brotherhood (London, Hurst & Co., forthcoming February 2013

المصدر: مصادر مختلفة

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,648,703

عدد الزوار: 7,037,146

المتواجدون الآن: 77