من الضاحية إلى بكركي ... مسافة سياسية لا تلغيها «النوايا الحسنة»

«حزب الله» يريد توضيحاً «بالصوت والصورة» قبل زيارة صفير

تاريخ الإضافة الإثنين 24 آب 2009 - 7:34 ص    عدد الزيارات 3688    التعليقات 0    القسم محلية

        


كارين سالم

لم تكن كثيرة الزيارات التي قامت بها وفود من حزب الله الى بكركي في السنوات الأربع الماضية، لكنها كانت كافية لإبقاء جسور التواصل قائمة، بحدها الأدنى، بين الضاحية وبكركي. بعد السابع من حزيران، تعطّلت لغة التواصل كلياً وأفسح في المجال أمام الوسطاء «لتقريب وجهات النظر» وإصلاح ما أفسدته الانتخابات النيابية الأخيرة التي رفعت مستوى «المواجهة» الى حد السجال المباشر بين «رأسي الهرم». خلال حفل تكريم الماكينة الانتخابية لـ«حزب الله» ردّ السيد حسن نصر الله بشكل مباشر على البطريرك نصر الله صفير معتبراً أن ما قاله الأخير عن «تهديد الكيان» في حال فوز المعارضة في الانتخابات «أخطر من التكليف الشرعي»، ومذكّراً إياه أنه لم يتحدث يوماً عن هذا التهديد خلال فترة الحروب التي شنتّها اسرائيل على لبنان. المطّلعون على مسار العلاقة بين الطرفين يجزمون بأن الانتكاسة الحقيقية حصلت بعد توقيع مذكرة التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». يومها شعر صفير، بتأكيد هؤلاء، بأن قيادة المقاومة تختصر المسيحيين «بمرجعية واحدة».


أدركت المقاومة أن «المتهم» الرئيسي في الخطاب غير المسبوق في تاريخ البطريركية المارونية، هو «حزب الله» تحديداً وليس حليفاه ميشال عون ونبيه بري. عند هذا الحدّ توقفت جولات السجال المعلن، كذلك رسائل «حسن النية» المتبادلة التي عادة ما كان ينقلها «وسطاء الخير». بعد انتهاء الاستحقاق النيابي كان على البطريركية المارونية أن تدرك أن زمن الانتخابات ليس كما قبله. من الديمان شهد صفير على تحولات مفصلية في خطاب بعض قوى الأكثرية لا تشبه «مسرحية الانتخابات» بشيء. «فَضفض» ما في قلبه أمام زواره المقرّبين منه وحمّلهم «عتباً كبيراً» على ما آلت اليه الأمور بعد 7 حزيران «وكأن الأكثرية لم تربح في الانتخابات».


«رياح التغيير» التي لفحت الداخل وصلت الى بكركي، لكنها لم تهزّ ثوابت الكنيسة. سيّد الصرح، الذي يصيّف في الديمان، يكرّر أمام سائليه «أن أبواب بكركي مفتوحة للجميع ولـ«حزب الله»... أيضاً». ولأول مرّة يُدخل الى قاموس بكركي، «الغني» بمفردات «التدخلات الخارجية» بوجهيها السوري والايراني، «ضيوفاً» جددا. يذكر بالأسماء الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية. «عقدة جبران باسيل» يزينها بمكيال واحد. لا ضرر في توزير الراسبين شرط تطبيق المبدأ على الجميع... إشارات ايجابية من جانب البطريرك لا تحجب مواقفه «المبدئية» من سلاح «حزب الله» والعلاقات اللبنانية السورية... بكركي «ليست ضد «الحزب»، موقف ينقله زوار الديمان هذه الأيام، ووفد «حزب الله» ليس بحاجة الى بطاقة دعوة لزيارة البطريرك وهو «مرحب به في أي وقت». وبشأن خطاب «تهديد الكيان» يحرص صفير على توضيح نقطة أساسية وهي أنه لم يسمّ «حزب الله» بالاسم بل تحدث «بالعموميات»، وعندما يتحدث عن سلاح الميلشيات يقصد بذلك «كل سلاح خارج عن إطار مؤسسة الجيش اللبناني المكلفة الدفاع عن الوطن وحمايته». وبلهجة حاسمة يؤكد صفير «ليس لنا أعداء في الداخل... هناك فقط خلافات في السياسة».


هذا بالتحديد مضمون ما قاله صفير لرئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن وحبيب سعد عندما زاراه في 10 تموز الماضي «بمبادرة شخصية» منهما لتقريب المسافات المتباعدة. في هذا اللقاء سئل صفير عن سبب امتناعه عن الرد على اسرائيل التي ربطت بين ضرب لبنان ومشاركة «حزب الله» في الحكومة وكان جوابه «على اسرائيل أن لا تتدخل في الشؤون اللبنانية. «حزب الله» له نوابه في البرلمان وحقه مشروع بالتمثّل في الحكومة». المناسبة كانت مؤاتية لصفير للتذكير بالموقف الذي أعلنه يوم التقى الرئيس الأميركي جورج بوش في 2005 باعتبار سلاح الحزب ليس ميليشياوياً بل للدفاع عن الأرض. قبل زيارة الديمان التقى الخازن وسعد نائب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، بحضور عضو المكتب السياسي للحزب غالب أبو زينب المكلّف متابعة الملف مع الكنيسة، ونقلا عن قاسم استياء «المقاومة» العارم من تدخل صفير عشية الانتخابات.


بالتواتر تصل الى الضاحية إشارات متناقضة من البطريركية، شكّلت خطاً بيانياً مكمّلاً لخطاب الكنيسة «الانتخابي». تفاهم القوى السياسية على صيغة «حكومة الوحدة الوطنية»، يقابلها صفير بحكومة «الأكثرية تحكم» ترجمة لنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. انفتاح الداخل على سوريا، وخصوصاً من جانب قوى 14 آذار، تتلقفه بكركي بتكرار «لازمة» «دمشق تعامل لبنان كأنه لم يبلغ مرحلة النضوج السياسي». أما التعثر الحكومي فتزيد بكركي من احتقانه بحديثها «عن فئة تغلّب مصلحتها الشخصية على المصلحة الوطنية العليا». أمام هذا الواقع تبرز رغبة لدى «حزب الله» بسماع موقف صريح «بالصوت والصورة» من سيّد بكركي يمهّد لزيارة محتملة لوفد من «حزب الله» الى الديمان أو بكركي. توقيت الزيارة يبقى حصراً «ملك» قيادة المقاومة، وهو توقيت لا يمكن فصله عن واقع العلاقة «الباردة» أصلاً بين حليفي «الحزب» المسيحيين ميشال عون والنائب سليمان فرنجية وبين البطريرك صفير».


تتجنب قيادات «حزب الله» تداول الموضوع إعلامياً، أو حتى التعليق عليه سلباً أم ايجاباً. قرار «تظهير» مسار العلاقة يبدو أنه لم يصدر بعد. في تقدير أوساط مقرّبة من «الحزب» أن أي مبادرة باتجاه الصرح البطريركي ستكون محكومة بالملفات العالقة على خط الرابية وبنشعي من جهة وبكركي من جهة أخرى. بهذا المعنى لن تسبّب قيادة المقاومة أي إحراج لحليفيها، عبر مدّ «الجسور الطائرة» نحو مقر البطريركية المارونية، في وقت ما يزال حلفاء «حزب الله» يرون في مواقف صفير دعماً لفريق على حساب فريق آخر.


لكن في شهر الموائد الرمضانية لن يكون ملف العلاقة مع الكنيسة المارونية غائباً تماماً. سيكون هناك جلسات مصارحة غير رسمية على الإفطار قد تجمع بعض المطارنة مع قيادات من «حزب الله»، الهدف منها كسر الجليد الانتخابي السياسي على ضوء المتغيرات الاقليمية والداخلية. أكثر من عامل يجعل من لقاء «السيّد» و«البطريرك» خارج إطار البحث والتداول، ليس أقلها أن التلاقي التاريخي لن يكون إلا تتويجاً لمصالحات مسيحية ـ مسيحية تبدو اليوم بعيدة المنال. أما استئناف «دبلوماسية» زيارات وفود من «حزب الله» الى الصرح البطريركي فمرهونة «بفكفكة» أكثر من عقدة في مقدمتها أزمة التأليف الحكومي وتمسّك فريق من «الأكثريين» بشعارات «المواجهة»... والأهم من ذلك، أن قيادة «حزب الله» لم تجد مبرراً مقنعاً حتى الساعة لدخول بكركي «الخاطئ» على خط الانتخابات النيابية.


في مقابلة مع صحيفة «لا كروا» الفرنسية في أيار 2007 سئل البطريرك عن رأيه في إقامة العماد ميشال عون تحالفاً مع «حزب الله» واعتبار نفسه معارضاً لحكومة فؤاد السنيورة. أجاب صفير «هو يؤكد أنه أقام التحالف بغية احتواء «حزب الله» وللحؤول دون تماديه، ولا يشاركه مسيحيون آخرون وجهة نظره... والوقائع موجودة». في قناعات البطريركية المارونية ثوابت عدة، منها أن وجهة النظر «المسيحية الأخرى» هي «المشروع الآمن» للوجود المسيحي في لبنان. ثمة قناعة مقابلة لدى «حزب الله» وهي أن سيّد الصرح بات يتعاطى مع «الجنرال» و«المقاومة» وكأنهم من أتباع «عقيدة واحدة». وهذا يصعّب مهمة إعادة وصل ما انقطع مع البطريركية المارونية. العارفون في خفايا الأمور يجزمون بأن «حزب الله» في «فمه ماء»... وكَسر المألوف الحزبي من قبل السيّد نصرالله يوم تكريم الماكينة الانتخابية... كان «نقطة في بحر» مآخذ «حزب الله» على الصرح البطريركي.


المصدر: جريدة السفير

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,377,302

عدد الزوار: 6,889,590

المتواجدون الآن: 84