جائحة كورونا في العراق: رُبّ ضارةٍ نافعة....

تاريخ الإضافة الخميس 9 تموز 2020 - 10:08 ص    عدد الزيارات 1391    التعليقات 0

        

جائحة كورونا في العراق: رُبّ ضارةٍ نافعة....

ستيرلينغ جينسين, وليد الراوي....

مركز كارنيغي....حول الكاتبين ..... ستيرلينغ جينسين، أستاذ مشارك للاستراتيجيات في كلية الدفاع الوطني بالإمارات العربية المتحدة. .....وليد الراوي، باحث مستقل وعميد متقاعد من الجيش العراقي....

ملخّص: استجابات المؤسسة العسكرية العراقية لجائحة فيروس كورونا متنوعة: خلق مزيد من التوتر في العلاقات العسكرية المدنية الشيعية، وبناء الثقة في العلاقات العسكرية المدنية السُنّية، ودفع الحكومة إلى التأكيد على سيادتها الحزبية التي يغذّيها الخارج...

يكشف تأثير جائحة فيروس كورونا على العلاقات العسكرية المدنية في العراق عن مواقف الأحزاب في النقاش السياسي المركزي في البلاد: كيف يوازن العراق بين مصالحه المحلية ومصالح حلفائه الإقليميين والدوليين المتباينة، الذين يعتبرهم الكثيرون رعاة للأحزاب الحاكمة في العراق. أدى الوباء إلى تفاقم خطوط الصدع داخل الدوائر الشيعية وخلق مساحة للمصالحة داخل الدوائر السُنّية. بالنسبة للشيعة، يزيد الفيروس من الانقسام السياسي حول مدى ارتباط السياسات الأمنية العراقية بالمصالح الإيرانية في العراق، بينما بالنسبة للسُنّة، يمكن أن تؤدي تداعيات تقليص النشاط الإيراني في البلاد إلى بناء الثقة المطلوبة في قوات الأمن الجديدة. وهكذا تتحول استجابة القوات الأمنية للجائحة إلى وجود فرصة للعراق لتأكيد سيادته الوطنية.

منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، تتحدّد العلاقات العسكرية المدنية في العراق من خلال تأثير رئيس الوزراء والتحالفات السياسية التي توصله إلى السلطة. بعد مرحلة الرئيس السابق صدام حسين، يتم بناء الحكومات في العراق من خليط من أحزاب المعارضة العرقية والطائفية السابقة وميليشياتها، وقد شكّلت الصفقات بين الأحزاب السياسية الرئيسية ولاءات وتشكيلات القوات الأمنية العراقية، التي تتكون من الجيش والشرطة. تخضع القوات الأمنية العراقية وقوات الحشد الشعبي لسلطة السياسيين الذين يرعونهم، لذا فإن الاضطراب السياسي يؤثر على فعالية القوات الأمنية.

تسبّب انتشار جائحة كورونا في خلافات داخل الأحزاب السياسية الرئيسية، لا سيما الأحزاب الشيعية، حول كيفية منع انتشار الفيروس من إيران وكذلك كيفية التعامل مع المتظاهرين المناهضين للحكومة في المناطق ذات الغالبية الشيعية. تخلق هذه الانقسامات فرصة للسياسيين العراقيين للتفاوض على ولاء أكثر اتساعًا في القوات الأمنية وتكوين مؤسسة عسكرية تخدم المصالح الوطنية للعراق أكثر من المصالح الدولية.

الاستجابة للجائحة في المناطق الشيعية

بما أن إيران هي المصدر الرئيسي للحجاج الشيعة ومصدر حالات الإصابة بفيروس كورونا في العراق، فقد قامت الميليشيات المدعومة من آية الله العظمى علي السيستاني والقوات الأمنية العراقية بمنع الحجاج من زيارة الأماكن المقدسة منذ آذار/مارس 2020. من ناحية أخرى، فإن الفصائل المدعومة من إيران، بما فيها كتائب حزب الله، تضغط للسماح للحجاج بزيارة الأماكن المقدسة، حيث يعتقد الكثيرون أن الحج هو مصدر للشفاء والحماية من المرض. يحاول السياسيون الشيعة الموازنة بين الضرورة السياسية لإرضاء راعي إقليمي مثل إيران، وفي الوقت نفسه فرض السيادة اللازمة لوقف انتشار فيروس كورونا بشكل فعال، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على كيفية تفاعل الميليشيات والقوات الأمنية مع السكان.

علاوةّ إلى ذلك، تجددّت الاحتجاجات المناهضة للفساد التي بدأت في أكتوبر 2019 بعد تعيين مصطفى الكاظمي رئيسًا للوزراء في أوائل أيار/ مايو 2020، ولا تزال تلك الاحتجاجات تتركز في المناطق الشيعية في بغداد والجنوب. أدت الاحتجاجات المستمرة وسط سياسات التباعد الاجتماعي والضغوط من الفصائل المدعومة من إيران لاستخدام القوة ضد المتظاهرين إلى خلق توترات داخل المجتمعات الشيعية بشأن الدور المستمر للميليشيات المدعومة من إيران في قوات الحشد الشعبي. ظهر هذا التوتر مؤخرًا عندما زار الكاظمي مقر الحشد الشعبي في بغداد، داعياً الميليشيات إلى التصرف وفقًا "لإطارها القانوني والرسمي،" الذي يعني التركيز على القتال ضد تنظيم داعش وليس على ممارسة دور الشرطة مع المتظاهرين. ينقسم الشيعة حول دور القوات الأمنية في دفع الأولويات السياسية للأحزاب التي تمثلها.

الاستجابة للجائحة في المناطق السُنّية

من ناحية أخرى، كان لجائحة كورونا تأثير مختلف في المناطق السُنّية، حيث عملت قيادات عمليات المحافظات، التي تنسّق عمليات القوات الأمنية العراقية، مع السلطات المحلية لاستخدام الشرطة والجيش العراقيين لفرض حظر التجول وإجراءات التباعد الاجتماعي دون ردة فعل كبيرة من الجمهور. أدى انتشار الفيروس إلى تراجع القتال ضد تنظيم داعش، والذي يتركز في المناطق السُنّية. قلّل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من عملياته، وحوّلت القوات الأمنية العراقية تركيزها نحو تدابير الصحة العامة، لكن القوات الأمنية العراقية لم تترك العمليات ضد هذا التنظيم الإرهابي وحافظت على بعض المشاركة العامة من خلال المكالمات الهاتفية ووسائل التواصل الاجتماعي. إن الإرادة والقدرة السياسية الأمريكية لمواصلة العمل في العراق سيكون لها تأثير أكبر على قدرة القوات الأمنية العراقية على محاربة تنظيم داعش أكثر من فيروس كورونا.

لم تتسبب استجابة القوات الأمنية لفيروس كورونا في الإضرار بثقة السُنّة في القوات الأمنية العراقية كما كان الأمر في المناطق الشيعية. إن تأثير الجائحة على القضايا المشحونة سياسيًا, مثل الحج إلى الأضرحة المقدسة أو الاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة، لا يظهر في المناطق السُنّية. في الواقع، ذكر بعض الضباط العراقيين لكاتبي هذا المقال أن الاستجابة لفيروس كورونا عززت ثقة السُنّة في قوات الأمن في مناطقهم، حيث ساهم الإغلاق في تسهيل التواصل مع الجمهور عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي. قد تزداد ثقة السُنّة بقوات الأمن أيضًا بسبب تصورات مفادها أن الحكومة العراقية والقوات الأمنية العراقية تقيّد دخول الإيرانيين إلى البلاد وأن الكاظمي يسعى إلى مقاضاة المليشيات المدعومة من إيران لاستخدامها العنف ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة في المناطق الشيعية. ومع ذلك، ربما شعر تنظيم داعش بهذه الثقة السُنّية المتزايدة في الحكومة وقوات الأمن، مما دفعه إلى زيادة العمليات لفرض مزيد من السيطرة على المناطق السُنّية الريفية، واستغلال إعادة انتشار القوات الأمنية العراقية لمواجهة الوباء.

رُبّ ضارةٍ نافعة

بشكل عام، فإن الوباء يوسّع الفجوة بين القوى السياسية الخاضعة للتأثير الإيراني وتلك التي تسعى إلى سياسة عراقية أكثر استقلالية. تتأثر العلاقات العسكرية المدنية بهذه الفجوة لأنها تزعزع استقرار الوضع الراهن لكيفية استخدام القوات الأمنية لأغراض سياسية. إن الاحتجاجات المناهضة للحكومة، واغتيال اللواء الإيراني السابق قاسم سليماني والسياسي العراقي السابق أبو مهدي المهندس في كانون الثاني/يناير الماضي، وإطلاق الصواريخ من قبل المليشيات المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية في العراق، كلها خطوط صدع سياسية داخل الدوائر السياسية الشيعية. وقد استخدم كبار القادة السياسيين تقليديًا القوات الأمنية كأداة مفضلة لديهم لتأكيد نفوذهم على القضايا المشحونة سياسيًا، مثلما فعل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مع القوات الأمنية العراقية في مواجهة المتظاهرين السُنّة في عام 2012، وكما فعل زعيم الميليشيات هادي العامري مع قوات الحشد الشعبي ضد القوات الأمريكية، وكما فعل أيضًا رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني مع البيشمركة في استفتاء الاستقلال الكردي في أيلول/سبتمبر 2017. لا يزال الجيش والشرطة وقوات الحشد الشعبي مرتبطين أو متأثرين بشكل كبير بالأحزاب السياسية، التي معظمها من الشيعة، لذا فإن الخلافات السياسية حول كيفية الاستجابة لفيروس كورونا يمكن أن تجبر الأحزاب على عدم تسييس علاقاتها مع القوات الأمنية العراقية وقوات الحشد الشعبي من أجل الأمن الداخلي للعراق.

أظهرت الأحداث في العراق منذ كانون الأول/ديسمبر 2019 كيف أن الكثيرين لا يزالون ينظرون إلى العراق على أنه حلبة للتنافس الإقليمي. لقد جعل الوباء الأحزاب السياسية العراقية تعطي الأولوية لأمنها الداخلي على مصالح الرعاة الإقليميين أو الدوليين. على هذا النحو، يمكن أن يخلق الوباء ظروفًا تكون فيها الحكومة العراقية قادرة على ممارسة المزيد من السيادة في مواجهة الضغوط السياسية من دول مثل إيران، وبالتالي اكتساب المزيد من الثقة المحلية من الجماعات المحرومة مثل العرب السُنّة. في نهاية المطاف، قد تجلب جائحة فيروس كورونا المزيد من الاستقرار في العلاقات العسكرية المدنية العراقية أكثر من عدم الاستقرار.

*الآراء الواردة في هذا المقال هي خاصة بآراء المؤلفين وليست آراء أي جهات مرتبطين بها.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,063,871

عدد الزوار: 6,750,895

المتواجدون الآن: 100