حرب أوكرانيا بين سوء حسابات بوتين واستثمار الغرب...

تاريخ الإضافة الجمعة 20 أيار 2022 - 5:58 م    عدد الزيارات 548    التعليقات 0

        

حرب أوكرانيا بين سوء حسابات بوتين واستثمار الغرب...

المصدر: النهار العربي... رياض قهوجي...

لم يتفاجأ العديد من الباحثين والمسؤولين الأميركيين بقرار بوتين غزو أوكرانيا. فهناك العديد من الدراسات والتقارير التي أعدت بعد اجتياح روسيا للقرم عام 2014 تحدثت عن وجود احتمال كبير بأن يشن بوتين هجوماً عسكرياً جديداً لاجتياح شرق أوكرانيا.

اختلف المحللون في أميركا على دوافع الهجوم الروسي المتوقع، اذ ربط بعضهم ذلك بتوسع "الناتو" على حدود روسيا في حين اعتبر البعض الآخر أن لدى بوتين خططاً لإحياء الأمبراطورية الروسية وضم الأراضي التي كانت تابعة لها. لكن هذه الدراسات توقعت أن تتبع روسيا سياسة القضم المتدرج، أي احتلال أوكرانيا على مراحل تفصل بين كل مرحلة وأخرى فترة زمنية. الا أن بوتين فاجأ العديد بهجوم الى عمق أوكرنيا وتحديداً الى العاصمة بهدف توجيه ضربة قاضية وسريعة.

من ناحية أخرى، يعتمد بوتين ومنذ وصوله الى السلطة على استراتيجية وضعها عندما كان أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي الروسي عام 1999، وهي سياسة التصعيد النووي بهدف خفض التصعيد. فهو يعتقد أن الدول الغربية الليبرالية حساسة جداً ضد السلاح النووي، وتطغى على آلية صنع القرار فيها آراء أصحاب المصالح الرأسمالية التي تكره النزاعات العسكرية، بخاصة المدمرة منها. كما أن هذه الدول ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي لم تعد تهتم كثيراً بتأمين موازنات دفاعية وقلصت حجم قواتها المسلحة، وبالتالي باتت تعتمد على القوة الناعمة السياسية-الاقتصادية أكثر من العسكرية.

وعليه، كان استنتاجه أن لجوء روسيا للتهديد باستخدام السلاح النووي يحدث صدمة داخل المجتمع الغربي بخاصة اذا ما ترافق ذلك مع استعراض للقوة مثل تجارب لصواريخ عابرة للقارات وأمور مماثلة. ولقد اختبر بوتين هذه السياسة سابقاً في مناسبات عدة مثل غزو جورجيا والقرم، وأثبتت فعاليتها اذ لم يكن هناك أي رد فعل عملي من الغرب.

كادت سياسة بوتين تنجح هذه المرة لولا شدة المقاومة الأوكرانية وصمودها أمام الآلة العسكرية الروسية المترهلة. فلقد تلقت القوات الأوكرانية تدريبات وبعض الأسلحة المهمة من الغرب بعد 2014 والتي قلل الروس من فعاليتها. كما أحدثت الحملة الاعلامية الكبيرة والناجحة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وقعاً كبيراً داخل أوروبا ما أجبر القادة المترددين فيها على التشدد في مواقفهم واختيار سياسة المواجهة بدل الانكفاء هذه المرة. هذا أدى الى قرار زيادة الانفاق العسكري في غالبية دول أوروبا، بخاصة الأعضاء في حلف "الناتو". كما قررت هذه الدول مد أوكراينا بما تحتاجه من السلاح والمال، ليس لوقف التقدم الروسي وانما لهزيمة جيشها إن أمكن.

قرار الادارة الأميركية رصد أربعين مليار دولار اضافية على المليارات التي انفقت حتى الآن على تسليح أوكرانيا هو دليل على التحضبر لحرب طويلة تترافق مع العقوبات الاقتصادية. استراتيجية الغرب هي إبقاء روسيا في حرب استنزاف طويلة تترافق مع عقوبات تنهك اقتصادها من أجل تقويض النظام الروسي واسقاطه من الداخل. أما استراتيجية روسيا الآن فهي الضغط عسكرياً بقوة للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الأوكرانية والاستمرار في سياسية التصعيد النووي على أمل أن يدفع الخوف والحاجة للغاز والنفط الروسيين الى حدوث انقسامات داخل المعسكر الغربي مع الوقت والقبول بشروط موسكو لوقف الحرب في أوكرانيا.

يظهر أي تقييم للواقع الحالي أن استراتيجية بوتين لا تزال بعيدة جداً من تحقيق أهدافها. فمسار العمليات على الأرض ليس لمصلحة روسيا. فبعد أن خسرت معركة العاصمة كييف وسحبت قواتها من شمال أوكرانيا، ها هي الآن تخسر معركة خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، حيث طردت القوات الأوكرانية الجيش الروسي من المناطق الشرقية والشمالية للمدينة ودفعت بعضها الى داخل أراضي اقليم بيلوغراد الروسي.

كما أن القوات الأوكرانية استعادت جزءاً مهماً من الأراضي في إقليم خرسون في الجنوب. أما على جبهة دونتسك فالمعارك هناك أشبه بحرب خنادق بين الطرفين ولم تتمكن القوات الروسية من إحداث أي تقدم يذكر. الانتصار الوحيد الذي حققته روسيا هو إحكام السيطرة على مدينة ماريوبول الاستراتيجية بعد استسلام آخر معقل للمقاتلين فيها إثر قتال دام لأكثر من شهرين.

كما أن قرار السويد وفنلندا الانضمام الى حلف "الناتو" يشكل فشلاً كبيراً للاستراتيجية الروسية التي تهدف أساساً الى وقف تمدد هذا الحلف على حدودها. سيشكل انضمام فنلندا والسويد اضافة مهمة وثمينة جداً لـ"الناتو". فكل منهما يملك قوات عسكرية محترفة والقدرة على حشد أكثر من مليون جندي احتياط خلال أيام قليلة. فهما يطبقان نظام الخدمة العسكرية الإلزامية. ويملكان أيضاً صناعات عسكرية متقدمة جداً وسيوفران قدرات دفاعية قيمة بالاضافة لموقعهما الاستراتيجي. تملك فنلندا حدوداً برية كبيرة على حدود روسيا الشمالية الغربية. كما أنهما سيزيدان من مساحة سيطرة "الناتو" البحرية في بحر البلطيق.

ستؤثر العقوبات الاقتصادية كثيراً في علاقات روسيا الدفاعية مع معظم الدول، بخاصة تلك التي تعتمد على منتجات عسكرية روسية. فجزء كبير من الأجهزة الالكترونية الموجودة على المنظومات الروسية الدفاعية تصنع في الغرب وبالتالي لا تستطيع الحصول عليها الآن لاستخدامها في منتجاتها. كما أن العديد من الدول تخشى أن تجد نفسها تحت عقوبات غربية اذا ما تعاقدت مع شركات روسية على لائحة العقوبات. وكانت الهند آخر الدول التي تلغي صفقة سلاح مع روسيا اذ قررت وقف شراء طائرات هليكوبتر عسكرية طراز "كاموف-31".

يبقى لروسيا حالياً مصدر أساسي لدخلها لن يستطيع الغرب وقفه بسهولة أو بالسرعة المرجوة وهو الغاز والنفط. الا أن هذه الحرب تشجع الدول الأوروبية على الاستثمار في الطاقة البديلة أو بمشاريع مد أنابيب من جهات أخرى بهدف جعل الدول الأوروبية مستقلة تماماً عن روسيا في حاجتها لمصادر الطاقة. واذا ما تحقق ذلك، فان النتائج الطويلة الأمد لهذه الحرب ستكون مكلفة وكارثية على الاقتصاد الروسي. فلقد قلل بوتين كثيراً من التأثير المزدوج للخوف. فهو سيف ذو حدين، إذ إنه قد يرهب الطرف الآخر ويدفعه للإذعان. لكن يمكن أيضاً أن يستفزه ويدفعه لقرار المواجهة، وهو ما يبدو أنه يحصل اليوم في أوروبا. ولا يبدو أن سياسة التصعيد النووي تؤتي ثمارها اليوم، بل على العكس فلقد بدأت القوى النووية الغربية تلعب اللعبة ذاتها وتعمد حالياً لتحديث ترسانتها الاستراتيجية من قاذفات وصواريخ وغواصات قادرة على حمل رؤوس نووية.

يبدو حتى الآن أن بوتين إما أساء حساباته بشكل كبير، أو أن أميركا وقوى غربية أخرى استعدت جيداً لخطوة توقعت أن يقدم الرئيس الروسي عليها وتعمد اليوم لاستثمارها بشكل ناجح وتحقيق مكاسب استراتيجية.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,180,778

عدد الزوار: 6,759,333

المتواجدون الآن: 126