هل ستحل الإيقافات في تونس الأزمات؟...

تاريخ الإضافة الجمعة 2 حزيران 2023 - 7:40 م    التعليقات 0

        

هل ستحل الإيقافات في تونس الأزمات؟...

مركز كارنيغي..ماجد قروي

ماجد قروي، باحث دكتوراه في علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب بصفاقس، تونس.

توالت في تونس مؤخرا الإيقافات التي جاءت في سياق حملة لمكافحة الفساد. شملت الحملة إيقاف سياسيين معارضين ورجال أعمال، وهي تثير جدلا بشأن صحتها قانونيا وبمدى قدرتها على حل أزمات البلاد.

يناقش هذا المقال المبررات الثلاثة المتداولة للإيقافات في تونس: الإيقافات بوصفها استجابة لإرادة الشعب والدفاع عن مصالحه، والإيقافات وسيلة لتصفية للخصوم وانتهاكا لمعايير المحاكمة العادلة، والايقافات جزءا من مقاربة استراتيجية لمكافحة الفساد .

استجابة لإرادة الشعب والدفاع عن مصالحه

يعتبر قطاع من الشعب التونسي الإيقافات استجابة لإرادة الشعب ومطالبه المشروعة في مكافحة الفساد ومحاسبة من نهب البلاد وتلاعب بقوت المواطنين- كما أكد هذا قول الرئيس قيس لدى استقباله وزيرة التجارة في 14 شياط/فبراير الماضي في تعليقه على الإيقافات الأخيرة، التي تعرفها البلاد :''هؤلاء المجرمين المتورطين في التآمر على أمن الدولة الخارجي والداخلي وهذا بالإثباتات هم من يقفون وراء هذه الأزمات المتصلة بتوزيع السلع وبالترفيع في الأسعار''، وقوله في لقائه وزيرة العدل في 10 شباط/فبراير إن "الشعب التونسي يريد المحاسبة وقد طال انتظاره والواجب المقدّس يقتضي أن تتمّ الاستجابة لهذا المطلب في أسرع الأوقات لأنه مطلب شعبي مشروع". ولكن يؤخذ على هذه الإجراءات أحيانا أنها متسرعة، وقد لا تستند على أسس قضائية متينة، ومثال ذلك ما حدث مع نور البحيري القيادي بحركة النهضة حيث تم إيقافه في 31 كانون الأول/ديسمبر 2021 وإطلاق سراحه في7 آذار/مارس 2022 ليتم إيقافه مجددا في 13 شباط/فبراير2023، إذ يقتضي العمل القضائي الكثير من التمحيص والتحقق.

صحيح أن الإيقافات قد تؤدي الى إرضاء الجماهير، التي ترنو إلى سياسة حقيقية لمكافحة الفساد وبناء مرحلة جديدة تقوم على المحاسبة الحقيقية، لكن التونسيين لايزالون يتذكرون المحاسبة الشكلية التي حصلت في الفترات السابقة، كما هو الحال مع الحملة التي أطلقها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ولم تؤد إلى نتائج ملموسة، بل استمرت لأيام قليلة وتحولت إلى شعارات سياسية وانتخابية. أو مثل المصالحة مع رجال الأعمال الفاسدين التي قام بها الرئيس السابق الباجي قائد السبسي، التي لم تضف أو تُعد شيئا لخزينة البلاد. هذا النوع من المحاسبة لا يؤدي الى إصلاحات عميقة. ورغم هذا يرحب الشعب، في ظل الخيبات التي عاشها في سياسة مكافحة الفساد، بالإجراءات غير المعتادة والتي قد يعتبرها جريئة.

تصفية للخصوم وانتهاك لمعايير المحاكمة العادلة

تعتبر المعارضة السياسية واتحاد الشغل والمنظمات الدولية الايقافات تصفيةً للخصوم أو انتهاكا لمعايير المحاكمة العادلة فذلك يتنافى مع مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تقتضي خضوع الجميع للقوانين العادلة والاحتكام للقضاء المستقل في إدانة أي تجاوزات والاحتكام للمؤسسات في إدارة الصراعات، فترسيخ الانتقال الديمقراطي حسب المنظرين السياسيين لينز و ستيبان يقتضي شرطين: تغير على مستوى المواقف وتغير مؤسسي، يتحقق الأول عندما تكون النخب والغالبية العظمى من الناس لديهم اعتقاد بأن الإجراءات والمؤسسات الديمقراطية هي الطريقة الأنسب لإدارة الحياة الجماعية. أما الشرط المؤسسي فيتمثل في خضوع الجهات الحكومية وغير الحكومية للقوانين الموضوعة لحل النزاع والتكيف معها. وهذه الشروط حتى الآن غير متوفرة في تونس.

مقاربة استراتيجية لمكافحة الفساد

تمارس مكافحة الفساد في تونس، حتى الآن، في شكل إيقافات وفي الغالب يتم ربطها بأفراد، وهو تصور منقوص لأن الفساد ظاهرة اجتماعية معقدة ولا تحل بشكل أمني فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل تثقيف المواطنين وتوعيتهم ليكونوا فاعلين في هذه السياسة وداعمين لها، لأن كل إجراءات غير متجذرة شعبيا وغير نابعة من قناعات جمعية تظل محدودة النتائج، إذ يعني الفساد في تعريفه الشامل "قصور قيمي عند الأفراد يجعلهم غير قادرين على تقديم الالتزامات الذاتية التي تخدم المصلحة العامة."1

خلاصة القول إن الإيقاعات لا تمثل بمفردها حلا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية ما لم تصاحب بمقاربة شاملة لمكافحة الفساد وهذه المقاربة تشترك فيها الدولة والأسرة، والأفراد، والإعلام، ومنظومة القوانين. ذلك يقتضي عدة شروط أهمها: أولا: التركيز على الفساد بجميع أبعاده وليس المالي فقط، وثانيا: رفع مستوى الوعي لدى النخب والعامة من خلال الأسرة التي تقوم بدور التنشئة الاجتماعية، والإعلام الذي يقوم بدور التثقيف، والدولة بأجهزتها تقوم بدور الرقابة والردع والمحاسبة. ثالثا: تطبيق الرقابة الداخلية في المؤسسات، ورابعا: تدريب الموظفين والمديرين وخامسا حماية المبلغين عن الفساد.

وأخيرا لابد من التأكيد على أنه ينبغي أن تخضع السلطة الحاكمة والمعارضة وكل القوى المدنية الأخرى لإجراءات وقوانين محددة وموحدة، حتى يتم حل النزاعات والاختلافات في إطارها وفي ظل مؤسسات منبثقة من العملية الديمقراطية.

ملاحظة:

1- إسراء علاء الدين نوري، دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة ظاهرة الفساد (دراسة حالة العراق)، مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع 6. ص. 370

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,693,240

عدد الزوار: 6,908,829

المتواجدون الآن: 98