معركة رفح تتحضّر بجدية... مفاوضات بالنار لتحقيق نصر لنتنياهو..
معركة رفح تتحضّر بجدية... مفاوضات بالنار لتحقيق نصر لنتنياهو..
الراي... | بقلم - إيليا ج. مغناير |.... يسير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بخطى متوازية بين التحضير لعملية عسكرية في رفح المكتظة بالنازحين بعد حصوله على المباركة الأميركية اللازمة، وبين مباحثات وقف إطلاق النار التي يجريها تحت النار للي ذراع المقاومة الفلسطينية ووضعها أمام، إما خفض المطالب وإما إكمال الحرب ليصل إلى أهداف يستطيع بيعها للمجتمع الإسرائيلي كانتصار حققه لإسرائيل ولنفسه. إسرائيل أعلنت تحريرها لأسيرين إسرائيليين في عملية أمنية في منطقة الصبورة في رفح بعدما احتجزتهما «حماس» منذ السابع من أكتوبر. وجاء هذا الإعلان ليعزز نظرية نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بأن «العمل العسكري يستطيع تحرير الرهائن والأسرى». وهذا ما يحتاجه نتنياهو ليمهّد لدخول جيشه إلى منطقة رفح الجنوبية التي يتواجد فيها نحو مليون و400 ألف نازح ومقيم فلسطيني. وكانت إسرائيل قتلت ثلاثة إسرائيليين مُحتجزين بنيران جيشها خطأً في شمال غزة، في الشجاعية، وثلاثة آخَرين بالغازات السامة داخل الأنفاق، وانتشلت جثثاً لأربعة إسرائيليين دُفنوا في مواقع عدة في غزة. وقد توصّلت الاستخبارات الداخلية لمعلومات عن الأحياء والمدفونين من خلال تحقيقاتٍ مع مقاتلين احتُجزوا خلال الحرب الدائرة، وهي معلومات سمحت لتل ابيب باكتشاف خلايا عدة وأنفاق كثيرة تحت غزة من دون أن يغيّر ذلك الكثير في المعادلة، إذ ما زال هناك 134 من المخطوفين الإسرائيليين بيد المقاومة، بينهم 31 قتلوا وتحتفظ «حماس» ببعض الجثث. إلا انه، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية، لا يزال هناك 47 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون ان الرهائن يجب تحريرهم كخطوة أولى أساسية لتُعاوَد الحرب لاحقاً، بينما يعتقد 48 في المئة انه يجب القضاء على «حماس» بالدرجة الأولى وعدم توقف الأعمال العسكرية وعدم إعطاء الأولوية لاي أمر آخَر. ويعتمد نتنياهو على هؤلاء وعلى الأحزاب المتطرفة ليكمل العملية العسكرية من دون الاستعجال في المفاوضات. ويؤكد ان الضغط العسكري فقط هو الوسيلة لتحرير المخطوفين الموجودين بعدد كبير، بحسب تقديره، في حماية أربعة كتائب لـ«حماس» في منطقة رفح بعدما أعلن القضاء على 18 كتيبة للحركة. ويبدو ان المجتمع الإسرائيلي أصبح يجاهر باعتقاده ان نتنياهو يفضّل عودة المحتجزين الـ134 في نعوشٍ من دون أن يوقف العملية العسكرية في خان يونس ورفح، لأنه لا يرغب بدفع أثمان باهظة، وظناً منه أيضاً أنه إذا دَخَلَ غزة بأكملها ومن ضمنها رفح ودمّر الانفاق وقضى على «حماس» بما يحوّل قدرات المقاومة في القطاع لتلك المشابهة للمقاومة الموجودة في الضفة الغربية والمسيطَر عليها نسبياً، فإن ذلك من شأنه إبقاءه في السلطة على قاعدة أنه حقق أهدافه. علماً أن المجتمع الإسرائيلي بات يدرك أن القضاء على «حماس» بالمطلق غير ممكن من دون قتل 2.5 مليون فلسطيني، وهذا ما لا يستطيع نتنياهو تحقيقه في هذه الحرب. ومن خلال الاتصال الذي حصل بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، ليل الأحد، فقد أوضحت تصريحات البيت الأبيض انه ينبغي على إسرائيل «التأكد من عدم وقوع ضحايا مدنيين بأعداد كبيرة» ما دامت الحرب مستمرة. وردّ رئيس الوزراء بأنه «سيحترم القوانين الدولية» في الحرب المقبلة. وهذا يؤكد ان تل ابيب حصلت على الضوء الأخضر الذي تحتاج إليه والتي انتزعتْه من أميركا شريكتها في الحرب لأنها لم تكن لتوقف خطتها بغض النظر عن الموقف الأميركي الذي لم يطلب يوماً وقف الحرب. بل شكا بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن من أعداد المدنيين القتلى ما أدى لتقديم إسرائيل إلى المحكمة الدولية والى ضرب سمعة واشنطن التي تدعمها بلا حدود. ومعلوم أن أعداد المدنيين الموجودين في رفح تمنع إسرائيل من التحرك عسكرياً بأريحية ومن دون أن تثير عاصفة دولية مثلما حصل في شمال ووسط وجنوب غزة، نظراً لجرائم جيش الاحتلال المتكررة. وتالياً فإن نتنياهو سيبدو وكأنه يتصرّف كقائدٍ لجيش محتلّ لديه الصلاحية لإخراج المدنيين وتوجيههم نحو «مناطق أكثر أمناً». وهذا ما سيتسلّح به ليهيئ ممرّات آمنة للفلسطينيين المهجّرين من رفح نحو مناطق في الجنوب حتى ولو ما زالت تشهد عمليات عسكرية شديدة وآخِرها إيقاع مجموعة من جيش الاحتلال في مكمن محكم اعترفت به إسرائيل في خان يونس في الساعات الـ 24 الماضية. وبما ان جيش الاحتلال أثبت أنه لا يتمتع بأي أخلاق في زمن الحرب والسلم، وبأنه دموي ولديه تفنُّن في القتل، فمن المتوقع ان يبدأ عملية إخلاء قسرية بالنار بارتكابه بعض المجازر لدفع المهجرين نحو إخلاء قسري سريع في اتجاه المناطق التي سيحددها. وانطلاقاً من مقاربة الجيش الإسرائيلي وتعاطيه مع الفلسطينيين، وفق تصريحات علنية، بان «كل طفل وامرأة مسؤولون مثل حماس»، فهو سيَعتمد أسلوباً دموياً من دون مراعاة الخسائر البشرية للمدنيين ضمن الـ 151 كيلومتراً مربعاً التي تمثلها مدينة رفح ومخيماتها. إذاً فإن عملية الإجلاء القسرية ضرورية من كل الخيم والمساجد ومدارس "الأونروا" ليبقى جزء قليل من الـ 250.000 من أصل سكان رفح الذين سيمثّل بعضهم "قلاعاً دفاعية" يصطدم بها جيش الاحتلال. ومن غير المتوقع ان تنتهي عملية رفح قبل بداية شهر رمضان المبارك، ذلك ان مسألة الوقت ليست في يد قيادته. فمعركة الشمال استمرّت ثلاثة أشهر وما زالت جيوب المقاومة تنشط فيها. ومعارك الوسط والجنوب ما زالت دائرة وحامية الوطيس بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من العمليات العسكرية. وتالياً فإن معركة رفح لن تكون نزهة قبل وبعد إخلاء المهجرين، خصوصاً ان احتمال النكبة الثانية بعد عام 1948 يفترض أنها "غير قائمة". أما المقاومة فلديها نقطة ضعف كبيرة، ألا وهي الكتلة البشرية في رفح، وهي حريصة على حياة الفلسطينيين. فإسرائيل لديها جيش مؤلف من 190.000 محترف ونحو 450.000 تستطيع استدعاءهم. وتالياً فهي تجدّد انتشار القوات لتزجّ بكتائب جديدة وتستبدلها بأخرى عند الحاجة. في المقابل، تعمل المقاومة منذ أكثر من أربعة أشهر تحت قصفٍ شديدٍ وملاحقة دائمة وعمليات كر وفر، وهي تشاهد عائلاتٍ يُقتل أفرادها وتُشرّد وتجوع. وهذا يمثل ضغطاً عسكرياً ونفسياً هائلاً يدفعها لتقدّم تنازلاتٍ خلال المفاوضات الجارية بهدف تأجيل قضية إطلاق سراح عدد من المحكومين الفلسطينيين من المؤبّد، كما نص مقترحها بدايةً والقبول بوقف إطلاق نار موقت وليس إنهاء الحرب، ليمرّ شهر رمضان على أكثر من مليونين و400 فلسطيني لبلسمة الجروح بدل استمرار التهجير والقتل وللملمة الأشلاء. ويبحث نتنياهو عن أي انتصار يستطيع إبقاءه في سدة الحكم، وهو لا يأخذ بالاعتبار المدنيين وغزة ولا حتى العلاقات مع أي دولة إذا تأزمت من خلال وجود جيش الاحتلال في رفح. كما أنه لا يهتم لمحكمة العدل الدولية ولا اتهامات التطهير العرقي ولا يريد للحرب ان تفقد زخمها. فوزير الدفاع يوآف غالانت يلمح إلى ان «النواة الأساسية لحماس قد اختُرقت وهذا يضمن التوصل لاتفاق واقعي لاستعادة المحتجزين». إذاً فإن نتنياهو محاط بوزير دفاع ووزراء الحكومة المصغرة وجزء من المجتمع الذين يبحثون عن اتفاق واقعي ممزوج بـ «نصر كامل»، ولكن بعد تدمير جميع الأنفاق وقدرات «حماس». وهذا ما من شأنه إنزال رئيس الوزراء عن الشجرة بعد تدمير غزة وأكثر أنفاقها ومقاومتها. لا شك في أن القضية الفلسطينية أكبر من رفح وأعظم من قطاع غزة ولن يستطيع نتنياهو تدميرها. فهي تتجاوز حدود رفح وغزة والضفة الغربية، وتحمل ثقل أحلامٍ ونضالات عمرها عقود. إنها منارةُ الصمودِ والأمل التي لا تنطفئ، وتجسّد روحَ الشعب الصامد في سعيه من أجل الكرامة والحرية. وهذه القضية ليست مجرّد فصل في التاريخ؛ إنها قلب وروح الأمة التي تنبض بالتطلعات الجَماعية لشعب فلسطين من أجل العدالة والسلام. إنها بمثابة شهادة على إرادة الشعب الفلسطيني التي لا تُقهر، وتذكير بأن نضاله من أجل الحقوق له صدى يتجاوز حدود أي مكان.