العراق ينهار بهدوء...

تاريخ الإضافة الثلاثاء 6 حزيران 2023 - 5:47 ص    عدد الزيارات 455    التعليقات 0

        

العراق ينهار بهدوء...

اذرع إيران في بغداد استولت على السلطة — ويدمّرون الدولة ..

معهد واشنطن..بقلم مايكل نايتس

مايكل نايتس هو مؤسس مشارك لمنصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" وهي مدونة بحثية تابعة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

ظاهرياً، يبدو أن العراق قد نجح في تحقيق بعض الاستقرار. فبعد فراغ سياسي دام عامًا كاملاً تشكلت حكومة في البلد. تراجع الإرهاب إلى أدنى مستوياته منذ الغزو الأمريكي في عام 2003. كما انخفضت بشكل لافت نسبة الهجمات على المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية التي تقودها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق — والتي لطالما كانت مصدر توتر مع واشنطن.

علّق مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في الكلمة التي ألقاها في 4 أيار \مايو 2023 في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عن "التراجع الكبير" في عدد الهجمات على المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في العراق بفضل السياسة الأمريكية "المبنية على ركيزتي الردع والدبلوماسية."

أشار سوليفان في كلمته إلى أن فريق الرئيس جو بايدن للأمن القومي يرى أن الهدوء السائد في الشرق الأوسط، بما في ذلك في العراق، غاية في حد ذاتها. على الرغم من تاكيده على عدم تحقق النصر الكامل في العراق وأن الولايات المتحدة لا تزال تعمل بصورة كبيرة لتعزيز استقلال بغداد عن طهران، إلا أنه من الواضح أنه اعتمد على مبدئ التهدئة بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران (والتي تهيمن على الحكومة العراقية) كمقياس نجاح حقيقي. يرى البيت الأبيض أن خفض التصعيد في المنطقة أمر ضروري كي تتمكن الولايات المتحدة من التركيز على المنافسة بينها وبين الصين. غير أن هذه المقاربة سيترتب عليها تكاليف على المدى الطويل في العراق: إذ يستغل حلفاء طهران رغبة الولايات المتحدة في الهدوء لزعزعة استقراره السياسي.

قد يبدو العراق هادئًا، إلاّ أن المظاهر قد تكون خادعة. إذ يدخل البلد مرحلة خطيرة:

لقد نجح حلفاء إيران في السيطرة على البرلمان العراقي والسلطتين القضائية والتنفيذية بشكل غير مسبوق، ويتلاعبون بالنظام السياسي لصالحهم وينهبون موارد الدولة. إن موقف واشنطن المتراخي تجاه هذه الأحداث يمهّد إلى تدخلها المكلف في المستقبل. فالعراق ثالث أكبر منتج للنفط في العالم ويمكن أن يؤدي انهياره إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله من خلال انتشار اللاجئين والإرهاب. لم تكن المنافسة بين القوى العظمى أبدًا ذريعة لتجاهل التهديدات التي تواجه البلد، ولا ينبغي أن تكون سبباً اليوم.

انتصار طهران

عاش العراق مراحل كثيرة مظلمة منذ عام 2003، لكن لم يكن الأمر ميؤوساً كما هو حال العراق اليوم. بات للعراق حكومة بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والإطار التنسيقي، الذي يضم مجموعة من القوى السياسية الحليفة لإيران. وقد تحقق ذلك لسبب واحد هو ان الفائز الحقيقي في انتخابات تشرين الأول \ أكتوبر 2021 (تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر) انسحب من البرلمان في حزيران \ يونيو 2022. اتخذ التيار الصدري هذه الخطوة بعد أن غيير القضاء، الذي يسيطر عليه قادة الميليشيات المدعومة من إيران، قواعد تشكيل الحكومة لصالح حلفاء طهران. فقدت بالتالي نتائج الانتخابات أهميتها، وانتصر الخاسرون — على الرغم من قيامهم بأعمال شغب لقلب النتائج والهجوم بطائرات مسيّرة على منزل رئيس الوزراء.

أن احتكار الإطار التنسيقي لكافة مستويات الحكم منقطع النظير في تاريخ العراق بعد عام 2003. فلا حسيب ولا رقيب اليوم لحكمه منذ عهد صدام حسين. ليس السوداني سوى دمية. فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء مدير متمرّس ومجتهد في القطاع العام، إلا أنه يقود العراق بالاسم فحسب، ويتم الاستهزاء به على الملأ من قبل حلفاء طهران في بغداد. أما الحكام الفعليين فهم أمراء الحرب الثلاثة المرتبطين بإيران ارتباطاً وثيقاً، وعلى رأسهم زعيم ميليشيات عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي أدرجته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقائد منظمة بدر التي أسستها إيران هادي العامري.

نجحت مجموعات المعارضة قليلا لسنوات في تقييد آداء السياسيين الثلاثة، الذين تدعمهم إيران. إبّان الاحتلال، أي بين عامي 2003 و2011 والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بين عامي 2014 و2019، عملت واشنطن بجد لمنع الميليشيات من السيطرة على مفاصل السلطة. بالاضافة الى ذلك، لقد لعب المتظاهرون العراقيون دور الرقيب على الجماعات المدعومة من إيران — فقد أسقطت مظاهراتهم الحاشدة في تشرين عام 2019 رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي كان تحت سيطرة الميليشيات. كما حاول الصدر خلال الانتخابات الأخيرة حشد أغلبية عابرة للطوائف والأعراق لتشكيل حكومة لا تضم الإطار التنسيقي.

سقطت مصادر المعارضة جميعها اليوم. فشلت مناورة الصدر الانتخابية بسبب تدخل القضاء، وباتت حركته خارج السلطة تلملم جراحها. لم يعد للميليشيات المدعومة من إيران ما تخشاه من الشباب اليائس والمذعور من بين المتظاهرين. أما الولايات المتحدة فباتت مشتّتة بسبب صراعها الجيوسياسي مع الصين وخفضت مستوى أهدافها إلى تهدئة التوترات في دول الشرق الأوسط جميعها — بغض النظر عن التكلفة التي ستطال المصالح الأمريكية في المنطقة على المدى الطويل.

التلاعب بالنظام

إن تداعيات استيلاء الإطار التنسيقي على الحكم واضحة. تتمتع الكتلة الآن بحرية كاملة في السيطرة على البلد، ونهب موارد الدولة العراقية، وقمع الأصوات المعارضة: يهيمن الإطار التنسيقي اليوم على حكومة البلد وسيستمر في السيطرة على البرلمان حتى الانتخابات المقبلة، المقرر عقدها في تشرين الأول \ أكتوبر 2025.

والأهم من ذلك، الإطار التنسيقي سيطر على القضاء بشكل غير مسبوق منذ سقوط صدام. فرئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، الذي التقى الشهر الماضي بالرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، هو حليف مقرّب من أمراء الحرب من قيادات الإطار التنسيقي. تدخلت المحكمة العليا، في ظل رئاسته، بشكل حاسم في سياسة البلد لإدامة سلطة الميليشيات. وفي اللحظة التي احتاج فيها الإطار التنسيقي إلى التصدي لانتصار مقتدى الصدر في انتخابات عام 2021 ، غيّرت المحكمة قواعد تشكيل الحكومة — قضت بأن الصدر بحاجة إلى أغلبية الثلثين في البرلمان، وليس للنصف زائد واحد، لتشكيل حكومة.

كما يستخدم الإطار التنسيقي سلطته غير الخاضعة للرقابة لترسيخ نفوذه في مؤسسات الدولة العراقية الأخرى. أصبح جهاز المخابرات الوطني العراقي ومطار بغداد وهيئات مكافحة الفساد والمراكز الجمركية وغيرها من مؤسسات الدولة تحت سيطرة هذه الجماعة منذ تشرين الأول \ أكتوبر 2022. تترنح مؤسسات الدولة العراقية الأخرى، وقد تتآكل بشكل أكبر بسبب هذه الأعمال.

تستخدم الجماعات المدعومة من إيران نفوذها المتزايد داخل هذه المؤسسات بهدف تعزيز الجهود لإسكات خصومها المحليين. بعد السيطرة على هيئة الإعلام والاتصالات، وهي الهيئة التنظيمية لوسائل الإعلام، في كانون الثاني \ يناير، مثلاً، بدأت بصياغة لوائح تنظيمية صارمة للمحتوى الرقمي من شأنها سحق "حرية تعبير" العراقيين. وأثارت اللوائح التنظيمية، التي تفرض على المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الانتقال إلى مجالات الانترنت الخاضعة للحكومة والتي تتضمن تعريفاً غامضاً للمحتوى غير اللآئق الذي يبرر الرقابة، انتقادات دولية بسبب انتهاكها الدستور العراقي.

أخيرًا، يقوم الإطار التنسيقي بنهب موارد الدولة العراقية لتحقيق مصلحته السياسية. أسست الجماعات المدعومة من إيران شركة حكومية تعمل بنشاط على توحيد أصول الدولة، باستخدام النهج نفسه الذي اتبعه الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. علاوة على ذلك، أشرفت هذه الجماعات على تعاظم ميزانية العراق في محاولة منها كسب دعم الشعب في الوقت الذي تعزز فيه سلطتها.

نهب الدولة

لطالما طمح سياسيو الميليشيات في الإطار التنسيقي للسيطرة على مؤسسة تسمح بمراكمة الأراضي الحكومية وغيرها من الأصول العامة. فيسيرون بذلك على خطى مؤسسة "خاتم الأنبياء" التابعة للحرس الثوري الإيراني، الذي حقق نفوذاً اقتصادياً وسياسياً هائلاً في إيران من خلال اكتساب بأكثر من 1200 عقد بناء، بقيمة تزيد عن 50 مليار دولار، منذ نشأته في عام 1990. تم فرض عقوبات أمريكية وأممية وأوروبية على هذه المؤسسة باعتبارها امتداداً تجارياً للحرس الثوري الإيراني.

في الانتخابات الثلاثة الأخيرة في العراق، طرحت الميليشيات المدعومة من إيران سؤالاً على كل من المرشحين على القائمة المختصرة لتولي رئاسة الوزراء: "هل ستدعم إنشاء شركة يملكها الحشد الشعبي؟"

في عام 2018، أجاب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بنعم وحظي بدعم الميليشيات لتولّيه منصب رئيس الوزراء، لكن الحكومة الأمريكية منعت تأسيس الشركة. أما رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، منع تأسيس هذه الشركة عندما تولى منصبه في عام 2020 ورفض مرة أخرى تأسيسها في عام 2022 عندما عرض عليه حلفاء طهران تولّي ولاية ثانية لمدة أربع سنوات مقابل تأسيس الشركة. أخيرًا، تمكنت الميليشيات المدعومة من إيران من الوصول إلى غايتها بعد أن أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي أعقب الكاظمي في عام 2022، تأسيس شركة المهندس العامة للمقاولات الإنشائية والهندسية والميكانيكية والاعمال الزراعية والصناعي في تشرين الثاني \ نوفمبر 2022. تحمل الشركة اسم أبو مهدي المهندس الذي ادرجته واشنطن على قائمة الارهاب والذي قُتل في غارة جوية أمريكية في كانون الثاني \ يناير 2020. لم تحرّك الولايات المتحدة ساكناً هذه المرة.

لم يتم أبداً إنشاء أي شركة من هذا النوع في العراق من قبل. يشير العقد التأسيسي إلى أن شركة المهندس العامة مملوكة رسمياً من قبل الحشد الشعبي، القريب من الإطار التنسيقي وغيره من الإرهابيين المدعومين من إيران. تملك هذه الشركة صلاحيات غير محدودة ويمكنها أن تعمل في أي قطاع، كما توحي تسميتها الكاملة. فهي في الأساس بمثابة حاوية فارغة يتم فيها تنمية اقتصاد الميليشيات داخل الاقتصاد العراقي. وبشكل استثنائي، يمكن لهذه الشركة الجديدة الحصول على أراضٍ مجانية ورأس مال مملوك للدولة وشركات مملوكة للدولة، ويمكنها القيام بأعمال البناء والهدم من دون موافقة مجلس الوزراء أو البرلمان.

وبعد نشأتها بقليل، حصلت الشركة على 1.2 مليون دونم زراعي من الأراضي الحكومية على الحدود السعودية العراقية من دون تكلفة في كانون الأول \ ديسمبر 2022. تم الإعلان والاحتفال عن استحصال الأراضي في وسائل الإعلام، ومن دون أي إجراءات رسمية مطلوبة في اجراءات لمشاريع مماثلة. يُزعم أن المشروع مخصص لزراعة الأشجار والزراعة — تبلغ مساحتها نصف مساحة لبنان، وهي أكبر بخمسين مرة من أكبر مشروع زراعي مخطط له في تاريخ العراق. تتمتع هذه الأرض بموقع استراتيجي في منطقة أطلقت منها الميليشيات طائرات بدون طيار نحو المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مناسبات متعددة منذ عام 2019.

بالاضافة الى ذلك، استولت قوة تابعة لقوات الحشد الشعبي على قطعة كبيرة من الأراضي العقارية المميزة في غرب بغداد مستحوذة بكل بساطة على جزء من وسط بغداد التاريخي يعادل حجمه عشرين مربع سكني في مدينة نيويورك، أو كامل أراضي قصر باكنغهام في لندن أو مبنى الكونغرس الأمريكي.

من شأن النمو المستمر لشركة المهندس العامة أن يوجّه ضربة قاسية للعراق. كما من شأنه إحباط آمال الولايات المتحدة حول مستقبل البلد الاقتصادي. في 31 أيار \ مايو، قالت السفيرة باربرا ليف، الدبلوماسية الرفيعة المستوى في وزارة الخارجية مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إن "الأهمية الاقتصادية باتت واضحة لأول مرة" في عراق اليوم. سيتم القضاء على هذه الإمكانات في مهدها إذا تمكنت الميليشيات النافذة من استخدام قوتها الاقتصادية الجديدة للاستيلاء على أي صناعة واعدة ومن الفوز بعقود حكومية وابتزاز المستثمرين الأجانب.

صرف أموال طائلة

تستخدم الميليشيات المدعومة من إيران عائدات الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة. يُعد مشروع قانون الموازنة العامة الذي قدّمته الحكومة التي يقودها الإطار التنسيقي الأكبر إطلاقاً في تاريخ العراق: فقد بلغ الإنفاق فيها 152 مليار دولار، أي أنه ارتفع بنسبة 50 في المائة مقارنة مع الميزانية الأخيرة التي تم اقرارها في عام 2021. وتعهدت الحكومة بالحفاظ على مستوى الإنفاق نفسه لمدة ثلاث سنوات متتالية — أي حتى انتخابات تشرين الأول \ أكتوبر 2025.

يُعدّ هذا الإنفاق المهول تغاضياً عن تحذيرات واشنطن وصندوق النقد والبنك الدوليين والتي دعت إلى تقليص حجم القطاع العام. يحاول الإطار التنسيقي كسب تعاطف الفصائل السياسية العراقية والشعب من خلال الإنفاق غير المستدام، بما في ذلك استحداث ما لا يقل عن 701 ألف وظيفة حكومية جديدة — أي رفع عدد موظفي الحكومة بنسبة 17 في المائة في عام واحد.

من المقرر مثلاً أن يرتفع عدد المنتسبين المدفوعي الأجر إلى الحشد الشعبي من 122 ألف إلى 238 ألف، مما يعني ارتفاعاً في عدد الميليشيات الممولة من قبل الدولة بنسبة 95 في المائة في بلد سجّل العنف فيه أدنى مستوياته منذ عقدين من الزمن.

فمن خلال تحميل الدولة هذه الإلتزامات المالية، يضع الإطار التنسيقي حجر الأساس لعدم الاستقرار في المستقبل. حتى مع احتساب أسعار النفط الحالية، والتي تبلغ حوالي 75 دولارًا للبرميل، سيقضي هذا المستوى من الإنفاق خلال خمس سنوات على جزء كبير من الحتياط العراقي البالغ 115 مليار دولار. في حال انخفضت أسعار النفط، ستنهار بغداد مالياً بشكل أسرع. في المرة الأخيرة التي وجدت فيها بغداد نفسها في ضائقة مالية شديدة في عام 2014، سارع العالم إلى حشد المساعدات إلى العراق سبب دوره الحيوي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). غير أنه لا يمكن للحكومة العراقية الاعتماد على سخاء مماثل في المستقبل. فقد دق صندوق النقد ناقوس الخطر في 31 أيار \مايو، مشيراً إلى "مخاطر كبيرة على استقرار الاقتصاد الكلي في المدى المتوسط" في العراق، مما يعني عدم القدرة على دفع رواتب المواطنين واستحقاقات والمستثمرين وتضخماً واحتجاجات، وعدم استقرار وتدفق اللاجئين إلى أوروبا.

تحقيق المزيد بامكانات أقل

قد يكون الهدوء الظاهر في العراق، بنظر الولايات المتحدة، ذلك الذي يسبق العاصفة. ليست المرة الأولى التي ترى فيها واشنطن أنها كانت تتجه نحو الاستقرار في العراق: بعد انتخابات عام 2010 التي أعادت المالكي إلى الحكم لولاية ثانية كارثية، حاولت الولايات المتحدة رفع أيديها من البلد. في ذلك الوقت، كما هي الحال اليوم، تمكنت الأحزاب المدعومة من إيران من التلاعب بعملية تشكيل الحكومة لصالحها، فأضعفت بذلك سلطة بغداد من خلال الفساد ونفوذ الميليشيات والمحسوبية السياسية. بعد انسحاب الجيش الأمريكي في شهر كانون الأول \ ديسمبر 2011، بدا العراق هادئًا — لكن الواقع والحالة السياسية والاجتماعية كانت تتعفن من الداخل. بعد عامين ونصف، عادت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى العراق لخوض حرب دموية بعد أن استولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على ثلث مساحة البلد. ليس في وسعة واشنطن أن تسمح للتاريخ أن يكرّر نفسه.

لا ينبغي على واشنطن أن تعتبر التراجع المؤقت في نسبة الهجمات على المنشآت الدبلوماسية الأمريكية المحصّنة مقياساً رئيسياً لنجاحها في العراق. تم تحصين المواقع الدبلوماسية الأمريكية بتكلفة باهظة لكي تسمح للدبلوماسيين الأمريكيين بالدفاع عن المصالح والقيم الأمريكية بغض النظر عن مضايقات الأطراف المعادية.

لا تحتاج الولايات المتحدة إلى إرسال قوات أو مليارات الدولارات للمساعدة في عكس الاتجاهات الخطيرة في العراق. تستمر واشنطن في امتلاك القدرة المالية والاستخباراتية على التأثير الكبير على سلوك المسؤولين العراقيين — ذات الطموحات السياسية والمصالح التجارية والمصرفية الدولية. أشارت مصادر دبلوماسية أمريكية، على سبيل المثال، إلى أن فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء الاعلى العراقي، قد شعر بقلق شديد عندما خاطب ثلاث أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ الأمريكي برسالة الى الرئيس الامريكي بايدن في شهر شباط\ فبراير، لوضع زيدان على لائحة العقوبات الامريكية.

يتعين على الولايات المتحدة استخدام نفوذها — بشكل خاص في البداية — للتعبير عن قلقها ازاء وضع القضاء العراقي وقيادته.

هناك خطر حقيقي في أن يتحوّل العراق إلى نوع من أنواع الديكتاتورية القضائية، حيث تتبدّل الحكومات وتبقى القيادة القضائية عصاً دائمة بيد الميليشيات التي تدعمها إيران.

لدى المسؤولين الأمريكيين معلومات استخبارية لا مثيل لها حول ارتباطات المسؤولين العراقيين الفاسدين ومصالحهم المالية، وينبغي عليهم استخدام هذه المعلومات بشكل متكرر لتوجيه تحذيرات شديدة اللهجة للمسؤولين في بغداد لحثّهم على تغيير سلوكهم.

يجب على الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، أن تفي بوعدها بدعم القيم الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق. شدد جيك سوليفان في كلمته على أن القيم الأمريكية تشكل إحدى الركائز الخمس لسياسة إدارة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط، مما يعني التراجع عن القيود الصارمة التي تفرضها بغداد على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الاستقصائية والهجاء السياسي اليوم — والتي تشكل جميعها علامات تشير إلى ديكتاتورية تلوح في الأفق.

ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم الصحافة الاستقصائية وتساعد في حماية مثل هذه الجهود من خلال نفوذها. كما يمكنها استخدام قدراتها الاستخباراتية للعثور على الأموال التي يخفيها المسؤولون الفاسدون في الخارج وإعادها إلى العراق. يمكن على سبيل المثال أن تساعد السلطات العراقية في القبض على الجناة الحقيقيين في قضية "سرقة القرن" والتي تقدّر بحوالي 2.5 مليار دولار، والتي تورّط فيها مسؤولون مرتبطون بالإطار التنسيقي. إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقًا دولة عراقية مستقلة وذات سيادة وفاعلة اقتصاديًا، فيجب أن تقود هذه التحقيقات وتدعمها، ليتم تعقب الأموال المسروقة واعادتها إلى العراق — بدلاً من السماع عنها في النشرات الأخبارية. أما المسألة الأكثر إلحاحاً فتكمن في ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة على عزل شركة المهندس العامة عن الاقتصاد العراقي قبل أن تلوث المشهد الاستثماري للبلد. تُستخدم الشركة لتجريد أصول دولة صناعية كبرى لتوفير منفعة مالية لصالح أشخاص مصنفين على قائمة الإرهاب الأمريكية ومنتهكي حقوق الإنسان — المستفيدون الرئيسيون من الشركة. يُحسب للحكومة الأمريكية أن شركة المهندس العامة موضوعة بالفعل تحت مجهر مكتب الخزانة الأمريكية لمراقبة الأصول الأجنبية ومكتب منسق مكافحة الفساد العالمي في الولايات المتحدة. ولكن يجب أن يُترجم ذلك من خلال فرض العقوبات فورية. يمكن للولايات المتحدة أن تقف على الجانب الصحيح من التاريخ في العراق إذا استمرت في المواجهة بحزم ضد أسوأ تجاوزات الميليشيات التي تقف وراء الحكومة الحالية. حتى في الظل المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا، لا يزال بإمكان واشنطن استخدام صوتها وقدراتها المالية والاستخبارية التي لا تضاهى لإضعاف المناهضين للديمقراطية وتوفير فرصة لشباب العراق والإصلاحيين والمحققين في قضايا الفساد للدفاع عن الديمقراطية الهشة التي بالكاد نراها في العراق.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,763,880

عدد الزوار: 6,913,738

المتواجدون الآن: 114