لماذا يُربك مطلب "الدولة اليهودية" الفلسطينيين؟

تاريخ الإضافة الجمعة 31 كانون الثاني 2014 - 7:40 ص    عدد الزيارات 689    التعليقات 0

        

 

لماذا يُربك مطلب "الدولة اليهودية" الفلسطينيين؟
زياد عسلي
رئيس "فريق العمل الأميركي من أجل لبنان"
تشير التقارير إلى أن إحدى النقاط الشائكة الأساسية في المفاوضات التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في محاولة للتوصّل إلى اتفاق إطار من أجل السلام هي إصرار الجانب الإسرائيلي على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل "دولةً يهودية".
في بعض النواحي، لا شك في أن إسرائيل هي دولة يهودية. فداخل حدودها المعترف بها دولياً، تقيم غالبية كبيرة تعتبر نفسها أنها تنتمي إلى الإثنية اليهودية، وهذا هو تصنيفها أيضاً بحسب الدولة. لغتها الرئيسة هي العبرية، وأعيادها الأساسية يهودية، كما أن إيقاع حياتها اليومي يهودي الطابع.
استخدم إعلان استقلال إسرائيل عام 1948 قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر عام 1947 - والذي نصّ على إنشاء دولة يهودية ودولة عربية وفصل مدينة القدس عنهما - أساساً قانونياً رئيساً لإنشاء الدولة اليهودية. وكذلك أشار إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 إلى أن القرار 181 نفسه "قسّم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية"، وبناءً عليه "لا يزال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن "حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني".
لكنْ ثمة عدد من الأسباب الوجيهة التي تجعل الفلسطينيين يعتبرون هذا المطلب الإسرائيلي مربكاً ويصعب قبوله.
أولاً، المطلب فريد من نوعه بما أن الدول القومية تعرّف عن نفسها. اعترفت "منظمة التحرير الفلسطينية" رسمياً بإسرائيل عام 1993، مع أن إسرائيل لم تعترف بعد بفلسطين. بناءً عليه، يتوقّع الفلسطينيون من المواطنين الإسرائيليين تعريف دولتهم.
يلفت الفلسطينيون أيضاً إلى أن هذا المطلب يبدو محصوراً بهم، إذ لم يُطلَب من الولايات المتحدة أو أي من البلدان الأخرى التي تقيم معها إسرائيل علاقات ديبلوماسية، بما في ذلك مصر والأردن، الاعتراف بـ"الطابع اليهودي" لإسرائيل. علاوةً على ذلك، إذا وضعنا قرار التقسيم جانباً، فإنّ قرار الأمم المتحدة رقم 273 الصادر عام 1949، والذي ينص على قبول إسرائيل دولة عضواً في الأمم المتحدة، لا يأتي على ذكر إسرائيل باعتبارها "دولة يهودية". وكذلك في المداولات التي أجريت في 5 أيار 1949 حول الطلب الذي تقدّمت به إسرائيل للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، لم يصفها مندوبها، آبا إيبان، أو يعرّف عنها بأنها "دولة يهودية".
اعتقد الفلسطينيون، وباقي العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، أن مسألة الاعتراف من الجانب الفلسطيني قد حُلَّت من خلال الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل عام 1993 من دون الحصول على اعتراف مماثل في المقابل. لكن في اجتماع أنابوليس عام 2007، ظهرت هذه المسألة الجديدة فجأة. لم يأخذها الوفد الفلسطيني ولا الوفد الأميركي على محمل الجد، وبدا آنذاك أنه جرى التخلّي عنها.
لكن منذ إعادة انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2009، شدّد على أن هذه المسألة ليست أساسية وحسب، بل إنها المسألة المحورية. في هذه الحالة، يتساءل الفلسطينيون وسواهم لماذا لم يؤتَ مطلقاً على ذكرها قبل عام 2007.
أبعد من الشكوك حول وجود مسعى متعمّد لإرجاء المفاوضات أو تعطيلها، يسبّب هذا المطلب الجديد ثلاث مشاكل أساسية للفلسطينيين:
أولاً، ليسوا واثقين من الأمر الذي يُطلَب منهم الاعتراف به، لأن إسرائيل نفسها لا تحدّد ما هو فعلياً معنى أن تكون "دولة يهودية". ثمة تعريفات مختلفة ومتناقضة في جوانب متعدّدة من القانون الإسرائيلي والممارسات الإدارية، إنما لا وجود لتعريف واحد واضح.
العام الماضي حاول أعضاء الكنيست تعريف "الطابع اليهودي" لإسرائيل، لكنهم لم يتمكّنوا من التوصّل إلى إجماع. هل هو توصيف إثني؟ أم ديني؟ هل يعكس ببساطة الأكثرية الراهنة؟
أم أنه ادّعاءٌ ميتافيزيقي وعابر للتاريخ بامتلاك "الشعب اليهودي" في مختلف أنحاء العالم وفي كل الأزمنة - لا الأكثرية الإسرائيلية اليهودية الحالية والمواطنين الإسرائيليين الآخرين فقط - حق السيادة الدائمة على الأرض، إنما من دون أن يُحدَّد بدقة من هم الأشخاص الذين ينتمون إلى ذلك "الشعب" وأولئك الذين يُستثنون منه؟
في الواقع، لا يزال السؤال المطروح منذ الأزل "من يُعتبَر يهودياً؟" موضع سجال محتدم، والتعريفات الإسرائيلية المستخدمة في تحديد اليهود لأغراض تتعلّق بالهجرة مختلفة عن تلك المستخدمة لأغراض إدارية.
ثانياً، يخشى الفلسطينيون أن يضرّ هذا المطلب بقضية اللاجئين التي تُعتبَر من المسائل الأساسية في الوضع النهائي. يتخوّف الفلسطينيون من أن إسرائيل تحاول، في الواقع، دفعهم نحو تقديم تنازلات في مسألة اللاجئين خارج نطاق رزمة أوسع نطاقاً لتسوية جميع مسائل الوضع النهائي التي ستشهد سلسلة مقايضات من الجانبَين. وفي هذا الإطار، ستكون قضية اللاجئين المسألة الأصعب سياسياً بالنسبة إلى الفلسطينيين، في حين أن مسألة القدس ستكون الأصعب بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي. لا يكفي أن يبذل الفلسطينيون قصارى جهدهم في المفاوضات حول اللاجئين، بل عليهم أن يحافظوا أيضاً على موقع تفاوضي قوي في المسائل الأخرى مثل القدس.
ثالثاً، نحو 20 في المئة من مواطني إسرائيل ليسوا يهوداً، والأكثرية الساحقة منهم تتألف من مسلمين ومسيحيين فلسطينيين. بطبيعة الحال، ليست "منظمة التحرير الفلسطينية" مستعدّة للموافقة على أي شيء يمكن تفسيره بأنه بمثابة موافقة على، أو تغاضٍ عن اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وعن التمييز الذي يتعرّضون له في السكن والخدمات الاجتماعية والتعليم والمنافع الاجتماعية، أو أي قيود إضافية قد يواجهونها في المستقبل.
يعتبر عدد كبير من الإسرائيليين مع حلفائهم أن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل "دولة يهودية" مسألة شديدة الوضوح تشير ببساطة إلى استعدادهم لوضع حد للنزاع في شكل نهائي. لكن الفلسطينيين يعتبرون أن هذا الاعتراف يتطلّب تنازلات مكلفة جداً وسابقة لأوانها وربما غير مقبولة، ولا سيما في غياب تعريف واضح من الإسرائيليين الذين يطالبون به.
إذا أصرّت إسرائيل على لغة معيّنة حول "طابعها اليهودي" لتثبيت صحّة التاريخ الإسرائيلي والتشديد على وضع حدّ نهائي للمطالبات، يمكن معالجة هذه النقاط ويجب معالجتها في اتفاق حول الوضع النهائي. إنما يجب أن يعترف هذا الاتفاق أيضاً بحقوق مواطني إسرائيل من غير اليهود، ويضمنها. أما في ما يتعلق بالجدل لتحديد "من يُعتبَر يهودياً"، فمن الأفضل تركه للشعب اليهودي.
يمكن وضع تعريف واضح للتداعيات القانونية والسياسية الكاملة المترتّبة عن الاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية" في اتفاقٍ يؤدّي إلى إنهاء النزاع وتسوية جميع المطالبات. كي يوافق الفلسطينيون على مثل هذه اللغة، يجب أن تكون محدّدة بوضوح. فمن الإنصاف تحديد معنى عبارة "دولة يهودية"، بطريقة واضحة وصريحة، قبل الطلب من الفلسطينيين القبول بها.
 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,843,820

عدد الزوار: 7,647,624

المتواجدون الآن: 0