تصريحات لا تعكس خطورة الوضع الفلسطيني وواقعه!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 26 كانون الثاني 2016 - 6:32 ص    عدد الزيارات 389    التعليقات 0

        

 

تصريحات لا تعكس خطورة الوضع الفلسطيني وواقعه!
ماجد كيالي()
مرة جديدة تثير خطابات بعض قادة «حماس« في غزة عديداً من التساؤلات، ربما اهمها التساؤل بشأن موقع قطاع غزة في العملية الوطنية الفلسطينية، ومكانة الكفاح المسلح الفلسطيني في هذه العملية، ومدى ادراك الفصائل للواقع وللعالم الذي تتحرك به.

مناسبة هذا الكلام الخطاب الذي القاه رئيس حكومة السلطة في غزة، وهو نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس«، أيضا، في مهرجان «قدسنا اقترب الوعد«، الذي نظمته الحركة في خان يونس (غزة 7/1)، والذي جاء فيه أن «الحركة تبني القوة وتشيد البنيان تحت الأرض وفوقها، وخلف خطوط العدو وبرا وبحراً وجواً، ليس فقط للدفاع عن غزة فهي حرة محررة رغم حصارها، بل من أجل كل فلسطين«. ومع قوله: «غزة ذخر لكم، ومقاومتها سيف في يدكم وقسامها الذي أذهل العالم في العصف المأكول، وسيذُهل العالم في أي معركة ومواجهة مقبلة مع الاحتلال، وهو الذراع المتقدم لكل أبناء شعبنا...دفعنا أثمانا باهظة من الدماء ومن البيوت لكننا صنعنا لشعبنا مجداً وعزة وكونّا جيشاً عرمرما أوله هنا وآخره لن يكون إلا في ساحات الأقصى والقدس«.

بداية فإن مشكلة هذا الكلام السياسي لا تكمن في أنه ينطوي على أمنيات فقط، وهذه لا مشكلة معها، وإنما في تجاوزه ذلك إلى طرح افكار، أو رؤى، سياسية منفصلة عن الواقع، وحتى عن التجارب التي عايشها الفلسطينيون، وخبرتها حركتهم الوطنية، التي نشأت منذ نصف قرن. فوق ذلك فإن مشكلة هذا الكلام انطواؤه على اللامبالاة ازاء التضحيات التي قدمها الفلسطينيون، وبخاصة اهلنا في غزة، في ثلاثة حروب متوالية ومدمرة، من دون تحقيق اية انجازات تذكر، وكأن قدر الفلسطينيين بذل التضحيات بدون اي حساب للجدوى.

فوق كل ذلك يبين هذا الخطاب ضعف ادراكات هذا النمط من القيادات لحقائق صراعات القوة، والمعادلات المرتبطة فيها في هذا العصر، ذلك أن كل التضحيات والبطولات التي بذلها الفلسطينيون لم تؤثر إلى الدرجة التي تخل بقدرات اسرائيل العسكرية، او بقدرتها على السيطرة عليهم، وان هذه الدولة مازالت هي التي تمعن، في كل مرة، تدميرا وقتلا بالفلسطينيين، فضلا عن ذلك فإن هذا النمط من القيادات معني بالإجابة عن مسألتين، حتى لو قبلنا بفرضية التفوق بصورايخ القسام او غيرها، اولاهما، ما العمل مع امتلاك اسرائيل للسلاح النووي؟ وثانيتهما، ما العمل مع دعم الدول الكبرى في العالم، من اميركا الى روسيا، مرورا بأوروبا، لإسرائيل، وضمان امنها واستقراراها وتطورها وتفوقها؟

وفي كلام اكثر تفصيلا، فإن كلام هنية، ومن مثله من القيادات الفلسطينية، يتم تناسي أن قطاع غزة (360 كم2) يشكل فقط نحو 14 بالمئة من مساحة الضفة، او 1.3 بالمئة من مساحة فلسطين، مع طول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم. وأن هذه المساحة الضيقة مكتظة بالسكان، يقدر عددهم بمليونين تقريبا، في منطقة تخلو من الموارد. والمشكلة ان هذه المنطقة، كما تعلم كل القيادات الفلسطينية، تعتمد في المياه والكهرباء وامدادات الطاقة والمواد التموينية على اسرائيل اساسا، فضلا انها تعاني من الحصار المشدد من كل الاتجاهات.

على ضوء هذا الواقع ثمة مشروعية لسؤال هذه القيادات عن معنى تحميل هذه الجزء من فلسطين مسوؤلية تحرير فلسطين، في وضعه هذا، وفي ظل هذه الظروف الفلسطينية والعربية والدولية غير المواتية، وبخاصة في ظل ماكابده ويكابده الفلسطينيون في القطاع جراء الحصار المفروض عليهم، وما اختبروه جراء الحروب الثلاثة التي شنتها اسرائيل عليهم (2008 و2012 و2014). وقد شهدنا أن صمود ومعاناة وتضحيات وبطولات اهلنا في غزة، لم تستطع رفع الحصار عن غزة، كما لم تستطع ان تفرض ادخال مواد لإعمار مادمرته الة الحرب الاسرائيلية في الحرب الأولى، فما بالك بالحربين الثانية والثالثة؟

لا نقصد من هذا الكلام التقليل من تضحيات المقاومة وبطولاتها وانما نقصد ان تقدير هذه التضحيات والبطولات ينبغي ان ينطلق من التعامل بمسؤولية ازاءها، بدل التعامل بخفة معها بادعاء تقديس التضحيات وتمجيد الشهادة، لأن هذا لن يوصل الفلسطينيين الى شيء، ولأن اسرائيل في هذه الحال ستظل تدمر في بنيانهم ومجتمعهم.

على ذلك يفترض بهنية، وقيادات حركة حماس، وغيرها من الحركات الفلسطينية، عند تبني خطاب او رؤية سياسية او كفاحية معينة، التوضيح لشعبهم كيفية تثمير التضحيات، والحديث عن انجازات حقيقية، وليس عن جيش عرمرم، أو عن صواريخ ثبت انها لا تؤثر كثيرا، وثبت ان ردة الفعل عليها اكثر خطرا على الفلسطينيين بمئات المرات من تأثيرها على الإسرائيليين.

هذا يعني ضمنا ان قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية مسؤولة عن تنمية ادراكاتها بالواقع الذي تعمل فيه، بأن تدرك امكانياتها، وحدود قدرات شعبها، وان تدرك العالم المحيط بها، وان تدرك انها مطالبة، بدل تدبيج الانشاء والشعارات، بوضع استراتيجية كفاحية تتلاءم مع امكانياتها، وتؤمن التناسب بين التضحيات والانجازات، وتوازن بين استمرار مقاومة إسرائيل وبين تنمية المجتمع الفلسطينية وتقوية قدرته على الصمود، دون اختصار المقاومة بالعمل المسلح، ودون تجاهل الحسابات الاقليمية والدولية.

كنت اتمنى لو ان الوضع بالسهولة التي يتحدث عنها هنية، لكن للأسف فهذا النوع من الخطابات واظبنا على سماعه منذ نصف قرن، وأكثر، وهو اضرّ بالفلسطينيين وبحركتهم الوطنية كثيرا. والحقيقة المؤلمة فإن الشعب الفلسطيني يزداد ضعفا، وضياعا، وتفككا، والمشكلة الأكبر ان يأتي هذا الكلام من قيادي في ظل انفجار المشرق العربي، وتصدع دوله ومجتمعاته، كأنه لا يدري ما الذي يحصل!

() كاتب من فلسطين
 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,856,890

عدد الزوار: 7,648,047

المتواجدون الآن: 0