هل الفوضى العربية سيئة لأميركا؟

تاريخ الإضافة السبت 24 آب 2013 - 8:25 ص    عدد الزيارات 691    التعليقات 0

        

 

هل الفوضى العربية سيئة لأميركا؟
روبرت كابلان.. محلل في مؤسسة ستراتفور الاميركية للدراسات الاستراتيجية
ترجمة نسرين ناضر
تجتاح الفوضى العالم العربي. الاعتقاد السائد هو أن هذه الفوضى سيّئة للولايات المتحدة، وأن الفوضى في أي مكان تسبّب تحدّياً وتهديداً للشعب الأميركي. لا شك في أن هذا صحيح على مستوى القيَم، لا سيما نظراً إلى ما يكشفه عن عالمنا.
كتبتُ عن هذا الموضوع في دورية "أتلانتيك مونثلي" عام 1994 مقالا بعنوان "الفوضى القادِمة" (The Coming Anarchy)، حيث توقّعت، من جملة أمور أخرى، تفشّي الفوضى في أماكن مثل سيراليون وساحل العاج اللذين انهارا بعد سنوات قليلة. لكن ماذا لو لم يكن ذلك صحيحاً في المنطق البارد لسياسة القوّة؟ ماذا لو لم تكن فوضى الشرق الأوسط سيّئة بقدر ما يُخيّل إلينا، من منظار المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة؟
لكن ألا ينمو الإرهابيون الإسلاميون العابرون للأوطان، على غرار تنظيم "القاعدة"، في المناطق ذات الحكم الضعيف؟ نعم، إلى حد ما. وينبثق الآن "دفقٌ كبير من التهديدات" من خلايا جديدة وأكثر استقلالاً تابعة لتنظيم "القاعدة" في الشرق الأوسط الذي يغرق في الفوضى، كما أعلن الخبراء والمسؤولون في واشنطن خلال الموجة الأخيرة من إغلاق السفارات الأميركية في المنطقة.
إلا أن هناك وجهاً آخر للقصّة. لا شك في أن الإسلاميين العابرين للأوطان موجودون في المناطق ذات الحكم الضعيف، وخير دليل على ذلك ليبيا بعد القذافي والهجوم على المجمّع الديبلوماسي الأميركي في بنغازي العام الماضي. لكن نموّهم مسألة مختلفة. فالنمو في مكان غير خاضع للحكم يعني امتلاك منطقة من السيطرة حيث لا تخشى التهديدات الأمنية، ويمكنك تالياً إقامة معسكرات تدريب ووضع خطط لشنّ هجمات متطوّرة على بلدان أخرى - كما فعل تنظيم "القاعدة" في أفغانستان منذ أواخر التسعينات حتى عام 2001. لكن يصعب القيام بذلك عندما تسود الفوضى في كل مكان.
في الواقع، لم تكن أفغانستان غارقة في الفوضى الكاملة في أواخر التسعينات. بل كانت مناطق شاسعة تخضع لحكم حركة "طالبان"، وكانت تؤوي رسمياً تنظيم "القاعدة". كانت المناطق الخاضعة لسيطرة "طالبان" تشكّل دولة معادية أكثر منها دولة فوضوية. إذاً، وفي حين يزداد الآن احتمال قيام تنظيم "القاعدة" بشنّ هجمات أصغر نطاقاً بسبب تفشّي الفوضى - مجدداً، الدليل على ذلك هو ما حدث في بنغازي - على الأرجح أن هجوماً بحجم اعتداءات 11 أيلول يتطلّب أجواء أكثر استقراراً في أجزاء من بلدٍ يسود عدم الاستقرار في مناطقه الأخرى.
فلنأخذ اليمن على سبيل المثال. الواقع هو أن الجهاديين العابرين للأوطان الذين يستقرّون الآن في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، يشكّلون بصورة أساسية تهديداً للحكومات القائمة التي تستضيفهم على أراضيها. لكن من وجهة النظر الأميركية، المصدر الأكبر للخطر الأمني الذي يهدّد توازن القوى الإقليمي ليس الدول الفوضوية بل دولة مستقرة وذات حكم قوي، ألا وهي إيران. فإيران قادرة الآن، وتحديداً لأنها ليست في حالة فوضى، على بناء إمكانات نووية من خلال شبكة واسعة ومتطوّرة من المنشآت التي يجد الأميركيون والإسرائيليون صعوبة في تفكيكها من دون خوض حرب. لو كانت إيران في حالة فوضى منذ سنوات، لما تمكّن برنامجها النووي من قطع كل هذه الأشواط!
نظراً إلى أن إيران متشدّدة وتخضع لحكم قوي، الأمن الإسرائيلي مهدّد في صميمه، ولو أن الفوضى في أماكن أخرى من الشرق الأوسط صبّت من نواحٍ عدّة في مصلحة إسرائيل التي هي للمناسبة حليفة الولايات المتحدة. لقد أعلن الجيش الإسرائيلي قبل وقت قصير، أنه بات بإمكان إسرائيل الآن التركيز أكثر على التهديدات غير التقليدية مثل تسلّل المقاتلين والهجمات السبرانية، بما أن الجيوش في مصر وسوريا، كما في دول عربية أخرى، لم تعد تشكّل تهديداً تقليدياً لأراضيها. وهكذا بفضل الفوضى في العالم العربي، لم تعد إسرائيل تواجه تهديداً استراتيجياً عند حدودها، بل تحوّل تهديداً تكتيكياً. لا يستطيع "حزب الله" و"حماس" إرسال دبّابات إلى المناطق السكنية الإسرائيلية، بخلاف الإمكانات التي كانت تتمتّع بها مصر وسوريا نظرياً، عندما كانتا دولتَين خاضعتَين لحكم قوي.
لكن ألا تُهدّد الفوضى الانتقال من الأوتوقراطيات غير الشرعية إلى الديموقراطيات الليبرالية؟ إنها حجّة أخلاقية، وليست جيوسياسية. وحتى من الناحية الأخلاقية، إنها حجّة ناقصة لأنها تفهم التاريخ بطريقة خاطئة. أولاً، أبلت الولايات المتحدة جيداً جداً مع ما يُعرَف بالأنظمة السلطوية غير الشرعية. فطوال عقود خلال الحرب الباردة، أفسحت السلطات الاستبدادية العربية، من بلاد المغرب إلى المشرق، في المجال أمام ممارسة تأثير أميركي قوي في المنطقة، كما أنها ساهمت في قيام أنظمة مستقرّة وقابلة للتوقّع، وفي حماية الخطوط البحرية الحيوية جداً بين الغرب والخليج الفارسي الغني بالمواد الهيدروكربونية، وأتاحت للولايات المتحدة القدرة على التوسّط للتوصّل إلى هدنات واتفاقات للفصل بين القوى، وحتى معاهدة سلام أو اثنتَين بين المتحاربين في المنطقة.
فضلاً عن ذلك، كانت السفارات الأميركية بأمان في ذلك الوقت! من يقول إن الأنظمة الديموقراطية - هذا إذا ظهرت - ستكون ملائمة للمصالح الجيوسياسية الأميركية بقدر الأنظمة السلطوية؟ فمثلما كانت هناك أنظمة استبدادية ليبرالية في الشرق الأوسط، يمكن أن تظهر ديموقراطيات غير ليبرالية. ومن الواضح أن الأنظمة الاستبدادية الليبرالية أفضل لأمن الشعب الأميركي ورفاهه الاقتصادي. أما في ما يتعلّق بالفوضى التي تهدّد المسيرة نحو الديموقراطية، فما الذي توقّعه دعاة التغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط؟ يمكن القول بأن أوروبا استغرقت الجزء الأكبر من الألفية الماضية للانتقال من الأنظمة الاستبدادية المطلقة إلى ديموقراطيات مستقرّة وليبرالية. وتخلّل الانتقال كمٌّ هائل من الحروب والتمرّدات.
حاولت روسيا في التسعينات الانتقال بين ليلة وضحاها من الديكتاتورية الشيوعية إلى الديموقراطية الغربية الطراز، وكانت النتيجة أقرب إلى الفوضى الكاملة. وفي غضون ذلك، مرّت البلدان الآسيوية بحذر في سنوات طويلة من الحكم السلطوي الممزوج بإصلاحات موجّهة نحو السوق في إطار الانتقال البطيء إلى الديموقراطية. في أوروبا الوسطى والشرقية بعد الشيوعية، كان الانتقال أسرع، لكن السبب هو أنه كانت لتلك البلدان خلفيّة معيّنة في الممارسات الديموقراطية والثقافة البورجوازية قبل الحرب العالمية الثانية، وهو ما لا يتمتّع به عدد كبير من الدول العربية. علاوةً على ذلك، تميّزت أوروبا الوسطى والشرقية - لأسباب جغرافية وثقافية - بسهولة استيعابهما في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. باختصار، يجب أن نتوقّع درجة معيّنة من الفوضى في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة.
أما المفهوم الذي يروّج له عدد كبير من المعلّقين، بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما مسؤول بطريقة ما عن هذه الفوضى التي تنتشر أمام ناظرَيه، فلا يمكن أخذه على محمل الجد، لأنه ينطلق من الافتراض بأن لواشنطن تأثيراً أكبر بكثير من ذاك الذي تمارسه فعلياً على الأرض في مجتمعات إسلامية متباينة ومعقّدة وذات كثافة سكّانية عالية. فمثلما انهارت الكتلة الشرقية بسبب الضغوط الداخلية على وجه الخصوص، وليس بسبب القرارات التي اتّخذها الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان، تطوّرت الأحداث في العالم العربي بدفع داخلي إلى حد كبير، وليس بقرار اتّخذه أوباما. لا شك في أن ليبيا استثناء: فقد ساهم التدخّل الإنساني الأميركي هناك في انتشار الفوضى.
لكن ألم يكن بإمكان أوباما منع الفوضى في سوريا لو بادر باكراً إلى التدخّل هناك؟ ربما، مع أنه لا أحد سيعرف الجواب يوماً. إلا أنه قد يكون من السذاجة القول بأنه لو حصل تدخّل عسكري بقيادة الولايات المتحدة في سوريا عام 2011، لكان ذلك أدّى إلى تصويب المسار السياسي في البلاد في غضون أسابيع قليلة. (مع العلم بأن الرأي العام الأميركي لم يكن ليصبر أكثر من أسابع قليلة). المفارقة هي أن المؤرّخين قد يثنون على أوباما في السنوات المقبلة للسبب عينه الذي يتعرّض الآن للانتقاد من أجله: عدم التدخّل في سوريا.
لا شك في أن الفوضى السورية تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق. لكن، ومنذ سنوات، لم يعد لبنان ولا العراق دولة بكل معنى الكلمة. من جهة أخرى، صحيح أن الفوضى السورية تتسبّب بمخاطر لإسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، إلا أنها تتيح لها بعض الفرص أيضاً. وقد تؤدّي الفوضى السورية إلى إيقاع إيران، عدوّة الولايات المتحدة، في مأزق مع تعرّض خطوط إمداداتها للخطر مقارنة بما كانت تحظى به في العراق. بعبارة أخرى، وإذا لم يتداعَ النظام في الأردن، من المستبعد تماماً أن تؤدّي الفوضى في سوريا، في الظرف الراهن، إلى تقويض المصالح الأميركية الأساسية (باستثناء انتشار الخلايا الجديدة والمستقلة ذاتياً التابعة لتنظيم "القاعدة"). وإذا بقيت قناة السويس مفتوحة والحدود الجنوبية لإسرائيل آمنة إلى درجة مقبولة، يمكن قول الشيء نفسه عن مصر.
أما السعودية وباقي الدول في شبه الجزيرة العربية الغنية بالمواد الهيدروكربونية - ما عدا البحرين - فلا تزال مستقرّة. قد تبلغ الفوضى في الشرق الأوسط مستوى يمارس تأثيراً واضحاً على المصالح الأميركية؛ ويمكن أن تصل تداعياتها أيضاً إلى الأسواق المالية العالمية. لكن في الوقت الحالي، يطرح انهيار الأنظمة السلطوية في مزيد من البلدان في المنطقة تحدّياً أمنياً على الولايات المتحدة سوف يستمرّ لسنوات.
 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,859,020

عدد الزوار: 7,648,089

المتواجدون الآن: 0