تكريسًا للتحاصص "البلدي".."محدلة" حزب الله – أمل..
يرفع الشاب العشريني علم حركة "أمل" بيد، ويترك العنان لليده الأخرى للتعبير عن تقليد الولاء لغير "حركته" ويصرخ : "لبيك يا نصرالله".
هذا الشاب "الحركي" كان في طليعة الواصلين الى مجمع سيد الشهداء في العاصمة الجنوبية للمشاركة في إحياء "يوم الشهيد" الذي يدأب "حزب الله" على تنظيمه سنوياً في 16 شباط.
وليس بعيداً عن المجمع، رفع شقيق للشاب العشريني نفسه، يافطة كتب عليها بالخط العريض:"حركة أمل شعبة كفرحتى ــ لبيك يا نصرالله".
هناك العشرات من مثل هاتين الحالتين اللتين بلغتا درجة واسعة من التعميم والإنتشار. والغريب أن ذلك لم يعد يثير العصبية "الأملية" في أوساط "الحركيين". وفي هذا دلالة صاخبة على أن عددًا من الشباب الشيعي الموالي تاريخياً لأمل، بات مندفعاً بلا هوادة نحو "حزب الله" وسيده، وذلك وسط حالة حراك عام له دلالاته الفاقعة والتي لم تغب بالطبع عن بال رئيس الحركة والمحرّك الأول لـ"شارعها"، إبتداء من الشياح "المتفلّتة" ووصولاً إلى كل قرية ودسكرة في أنحاء البلاد.
وعلى هذا الإيقاع جاء اعلان النائبين علي فياض وعلي حسن خليل، عن توقيع التحالف الوثيق في الإنتخابات البلدية المقبلة بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، بمثابة مرآة تعكس بوضوح جارح حجم النزف الجماهيري الذي تتخبط فيه "حركة المحرومين" في ظل تصاعد لافت لحجم التأييد الشيعي لـ"حزب الله" وسيده.
وبالعودة إلى هذا التحالف، لوحظ أن الرئيس بري عاد بعد إعلان فياض وخليل ليؤكد أن ما جرى إعلانه ليس تحالفاً فوقياً غير، ما يعني أن رئيس الحركة يعمل على استلحاق الأمور بحيث يقفل الطريق على حركيين منشقّين اعتبروا أن "التحالف إنما عُقد بين رجلين وليس بين تنظيمين". وهذا يوضح أكثر فأكثر طبيعة الأزمة الوجودية التي تجتازها "أمل" وقيادتها.
وبالعودة إلى التاريخ القريب يتبين أن مجريات الحدث "الأملي" ليست آتية من فراغ. ويعتبر المتابعون أن "التسرب" في صفوف الحركة كان نتيجة حتمية لمسار الأحداث على الساحة الشيعية في لبنان، منذ الإعلان عن الانطلاقة العلنية لـ"حزب الله" في 16 شباط 1985. فإعلان الحزب عن انطلاقته جرى من حسينية الشياح بالذات، مع ما تعنيه هذه المنطقة لجماعات "أمل"، إذ طالما أطلق عليها الحركيون صفة يظنونها للتفخيم وهي "قلعة أمل – الشياح". ويُضاف إلى ذلك أيضاً ان "حزب الله" في ذروة صراعه العسكري مع "أمل" بدءاً من العام 1988، فإن نفوذه الذي امتع عميقاً في مختلف أرجاء الضاحية الجنوبية، توقف على مداخل الشياح من دون أن "يُسقط" هذا الحيّ في قبضته، على غرار ما فعل بلا تردد في بقية أحياء الضاحية التي سيطر عليها مقاتلوه بعد انتزاعها من جماعات "أمل".
عادة ما يجري التحالف الإنتخابي بين طرفين او اكثر، على قاعدة التفاهم السياسي ومتفرعاته، وصولاً الى توزيع المقاعد على المتحالفين تبعاً للأحجام السياسية والشعبية لكل طرف. لكن الحالة في البلدات ذات الغالبية الشيعية ستكون حسب أكثر من متابع، على خلاف الماضي في الإنتخابات البلدية المقبلة. يُستشفّ ذلك من إصرار "حزب الله" (خلف الأبواب) على الإحتفاظ بعدد كبير من هذه البلديات ضمن قبضته، ما يشي بإراته تكريس واقع سيطرته التامة على هذه البلديات، ومن خلالها على الحراك الشعبي في البلدات والقرى.
والذين واكبوا عن كثب تداعيات الإنتخابات البلدية السابقة، لا بد أن يتبيّن لهم وضوح الانتصار الذي كان حققه الحزب على حساب الحركة، ما يبني لدى هؤلاء المواكبين قناعة مفادها ان "أمل" سقطت يومها بالضربة القاضية امام التنظيم الحديدي لـ"حزب الله". والمعروف أن الحزب استفاد يومها بشكل كبير من بعض اخطاء "الأستاذ" في ادارته الملف الشيعي منذ تبوّئه سدة الرئاسة الثانية في خريف العام 1992 حتى اليوم، وإنغماسه في سياسة المحاصصة التي استفاد منها جماعته حصراً، وليس الطائفة الشيعية بمختلف قطاعاتها الجماهيرية.
صحيح ان المقاومة صمدت في وجه العدو الإسرائيلي في عدوان تموز 2006 واعترف الجانب الإسرائيلي بالإخفاق عبر تقرير "فينوغراد" الشهير، لكن تداعيات العدوان، خصوصاً لجهة ادارة ملف تعويضات إعادة الإعمار، كشف تهافت وضع المسيطرين باسم الشيعة، حيث أن "الفساد" الذي طغى في عمليات تقدير التعويضات (والتي كان لرؤساء البلديات دوراً أساسياً فيها) بات علامة مميزة من علامات تلك الحرب، وساهم بدور أساسي في ظهور طبقة "أغنياء الحرب" من الحزبيين من كلا الفريقين الشيعيين، والذين انفردوا بنصيب وافر من التعويضات عن غير وجه حق في الغالب.
... ولم تكن مسارعة الحزب ُ والضجة التي ثارت، الى اقالة العديد من رؤساء البلديات التابعين له في اكثر من بلدية، الا صورة جلية عن إخفاق البلديات التي كان معظم الفاعلين فيها هم من رجال الحزب والضالعين في أجهزته، فكان "إنكشاف" بلديات "حزب الله" إنكشافاً للحزب ذاته. وهذا ما دفع قياداته العليا، ولا سيما السيد نصرالله نفسه، إلى الإسراع بتشكيل هيئات تحقيق حزبية أثمرت معاقبة حزبيين على سوء أمانتهم. ولئن نجا شركاء هؤلاء (الذين هم من جماعات "أمل") من أي مساءلة أو معاقبة، تبعاً للسائد في الأوساط المعنية، فإن إعلان الحزب اليوم تحالفه مع الحركة، نبّه الجمهور الشيعي إلى واقع يفيد أن الأهم في نظر الحزب هو الإمساك بالمناطق ذات الثقل الشيعي والإبقاء عليها في قبضته، حتى لو كان ذلك على حساب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر والشعارات الأخلاقية المعلنة.
وعلى الضفة الأخرى للطائفة (وهي الضفة الضحلة جماهيرياً من دون مكابرة) فقد عبّر عدد من الجنوبيين عن تبرّمهم من تكريس محدلة الثنائي "حزب الله" ــ "أمل" في البلديات، بعد تواصل سحقهما للمستقلين في الإنتخابات النيابية منذ العام 1992 وعلى الانتخابات البلدية منذ العام 2001 (لم تجر الانتخابات البلدية في الجنوب في العام 1998 بسبب الاحتلال الاسرائيلي واستعيض عنها بالملحق).
أحد هؤلاء الذين عبّروا عن الرفض والتبرّم، وهو محمد بزي من بلدة بنت جبيل، يقول: "في الإنتخابات الأخيرة اقترعتُ بورقة بيضاء احتجاجاً على لغة التخويف والتخوين التي اعتمدتها القوى المسيطرة على الجنوب. ومن دون التقليل من تضحيات مقاتلي "حزب الله" في مواجهة الإحتلال، يهمني القول إننا نحن أيضاً كمواطنين ضحّينا وعانينا وناضلنا، كلٌ من موقعه وبحسب إمكاناته، من دون ان نكون منخرطين في الأطر السياسية والحزبية. وقد خسرنا بيوتاً كانت لنا ونلنا تعويضات كانت في الكثير من الأحيان غير منصفة، وذلك بالنظر إلى الدور الفاعل الذي لعبته البلدية وأعضاؤها في تقدير الأضرار وفي التأثير على لجان التخمين. ولم يكن حصول احد النافذين في بلدية بنت جبيل على تعويضات ضخمة من المكتب القطري لإعادة اعمار الجنوب، الا صورة عن الواقع المزري لتهاوي العمل البلدي وانكشاف بلديات "حزب الله" أمام الملأ. ومن يهمه الوقوف مباشرة على حجم الفضيحة ليس أمامه سوى مراجعة أرقام المكتب القطري... وسيتبيّن له ما تبيّن لنا من ان بدل إعمار عشرات الوحدات السكنية كان من نصيب النافذين في البلدية (دفع المكتب القطري 40 الف دولار اميركي لكل وحدة سكنية مدمرة، ونال الكثيرون من المحظيين العديد من بدلات الوحدة السكنية لكل منهم). وهناك عشرات الأمثلة على احتكار هؤلاء للمساعدات المتنوعة التي ارسلت لأهالي بنت جبيل كافة. والأمر تكرر في جميع البلدات الحدودية، من كفركلا الى مارون الراس مروراً بميس الجبل وعيترون وعيناتا".
اما عن مدى استعداد محدّثنا بزي للمشاركة في الإنتخابات البلدية في ظل التحالف بين "امل" و"حزب الله"، يوضح: "لو اعتمد النظام النسبي لكانت حظوظ المستقلين وغير المنتمين للثنائي، جيدة. وما خرق المستقلين للائحة الثنائي في العامين 2001 و2004 الا تأكيد على اعتراض قسم لا بأس به من اهالي بنت جبيل على سياسة المحادل. لكن بعد اجهاض الإصلاحات، يبدو ان الإنتخابات المقبلة لن تحمل جديداً، وبالتالي فلست متحمساً للمشاركة بها".
معترض آخر هو نبيل مراد (من بلدة عيترون) قال رداً على سؤال: "عيترون تاريخياً بلدة يسارية بامتياز، لكن بعد التحرير تغير عنوانها وأضحى قرارها في يد ثلاث قوى مبدئياً، هي "أمل" و"حزب الله" و"الحزب الشيوعي" (الذي يأتي بعدهما بكثير)، علماً ان الأخير تمثل في البلدية عبر 7 أعضاء منذ العام 2001.
اما علي رمضان (من بلدة بيت ياحون) فقد حمل على النظام الطائفي اللبناني لانه برأيه " سبب كل المصائب في الوطن"، وقال إنه "من الافضل عدم إطلاق تسمية انتخابات على ما سيجري لانها ستكون تعيينات ليس إلا ".