أخبار وتقارير..الأوروبيون يدعون موسكو إلى عدم منح مصداقية لانتخابات شرق أوكرانيا و«جمهوريتا» لوغانسك ودونيتسك تعدان لاقتراع تشريعي ورئاسي خاص بهما غدا

الغارات ضد «داعش» لا تؤثر في تدفق المقاتلين على سوريا بوتيرة لم يشهدها أي نزاع بما في ذلك الحرب في أفغانستان....أوروبا وإسرائيل: الاستماع قبل النطق بالحكم ...تنبهوا واستفيقوا! ...تونس: العلمانيون لنا... والجهاديون لسورية

تاريخ الإضافة السبت 1 تشرين الثاني 2014 - 7:33 ص    عدد الزيارات 2340    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

الغارات ضد «داعش» لا تؤثر في تدفق المقاتلين على سوريا بوتيرة لم يشهدها أي نزاع بما في ذلك الحرب في أفغانستان

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» ... واشنطن: غريغ ميلر ...
كشف مسؤولون استخباراتيون وآخرون معنيون بشؤون الإرهاب عن تدفق ما يزيد على ألف مقاتل على أرض سوريا كل شهر، في إشارة إلى عدم تغير معدل تدفق المقاتلين رغم الغارات الجوية التي يشنها التحالف ضد «داعش»، والجهود المبذولة من جانب الدول الأخرى لمنع مواطنين من الانضمام إلى صفوف «داعش»؛ حيث تشير الأعداد الضخمة للهجرة الجارية إلى أن الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لم تتمكن من ردع أعداد كبيرة من المتشددين من السفر إلى المنطقة.
ووفقا لما ذكره مسؤول أميركي استخباراتي: «لا يزال يشق المقاتلون طريقهم إلى سوريا، ولذا يستمر عددهم الإجمالي في الزيادة». ورغم ذلك، حذر مسؤولون أميركيون من تباطؤ في العمل الاستخباراتي، وتنظر وكالة الاستخبارات المركزية ووكالات استخباراتية أخرى في الأمر؛ مما يعني إمكانية استغراق الأمر أسابيع حتى يصبح هناك تغيير واضح. ويشير الاتجاه السائد على مدى العام الماضي أن إجمالي عدد المقاتلين الأجانب في سوريا يتجاوز 16 ألف شخص بوتيرة لم يشهدها أي نزاع مماثل على مدار العقود الأخيرة، بما في ذلك الحرب في أفغانستان في الثمانينات.
وأرجع مسؤولون أميركيون تدفقات المقاتلين إلى مجموعة من العوامل، من بينها حملات التجنيد المتطورة التي يقف وراءها جماعات في سوريا مثل تنظيم داعش، فضلا عن السهولة النسبية التي يجدها المتشددون من منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وأوروبا، عندما يعقدون العزم على السفر لهذا البلد.
فيما أكد مسؤولون أميركيون أن ثبات تدفق المقاتلين لا يعد مقياسا لمدى فعالية الحملة الجوية التي توسعت متجاوزة الحدود العراقية ووصلت إلى سوريا في أواخر الشهر الماضي. وتشير أحدث التقديرات إلى أن الغارات الجوية التي جرى شنها في سوريا أسفرت، وحدها، عن مقتل نحو 460 من مقاتلي تنظيم داعش، الذي ذبح اثنين من الصحافيين الأميركيين واثنين من عمال الإغاثة البريطانيين، فضلا عن مقتل 60 مقاتلا من المحسوبين على «جبهة النصرة»، أحد فروع تنظيم القاعدة.
ويُذكر أن الولايات المتحدة وحلفاءها قاموا بشن أكثر من 600 غارة جوية حتى الآن في سوريا والعراق، ترمي بالأساس إلى تباطؤ عمليات «داعش» التوسعية والسماح للجيش العراقي وقوات المعارضة المعتدلة في سوريا بإعادة تنظيم صفوفهم. ومن جهته، قال الأميرال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون، هذا الأسبوع، إن الغارات الجوية «تعرقل» عمليات «داعش»، ولكنه أقر بأن شن هجوم كبير ضد داعش «ربما لا يزال بعيد المنال». ويرى بعض الخبراء أنه من المرجح أن تتزايد أعداد المقاتلين الأجانب بشكل ملحوظ، في ظل استمرار النزاع - الدائر منذ 3 سنوات - لفترة طويلة. وبدوره، قال: إندرو ليبمان، الخبير بمجال مكافحة الإرهاب بمؤسسة راند: «لا أعتقد أن 15 ألف شخص لم يحدثوا تأثيرا حتى الآن على الأرض».
منذ بدء الحملة الجوية بقيادة الولايات المتحدة، كان يسعى المحللون لتتبع ما إذا كانت التفجيرات من شأنها أن تعمل على تثبيط هؤلاء الراغبين في الانضمام لـ«داعش» أم أنها ستكون بمثابة صيحة استنفار للإسلاميين. وفي هذا الشأن، أوضح ليبمان أن ثبات معدل تدفق المقاتلين يشير إلى عدم حدوث أي منهما أو على الأرجح حدوث الأمرين، ولكن بشكل متوازن، قائلا: «ربما تكون الحملة الجوية أثنت بعض الأشخاص وشجعت البعض الآخر». ومع ذلك، حذر ليبمان وآخرون من وجود فجوات واسعة في عمل الاستخبارات الأميركية بشأن الصراع في سوريا؛ مما يجعل من الصعب وجود إدراك واضح لحجم وتركيبة المقاتلين الأجانب وتزايد حجمهم.
ويُذكر أن الغالبية العظمى من هؤلاء المتشددين جاءت من بلدن أخرى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أرسلت تونس المزيد من المقاتلين إلى سوريا مقارنة بأي دولة أخرى. وجاء ما يزيد على ألفي مقاتل من الدول الأوروبية يحملون جوازات سفر تمكنهم من التنقل بسهولة بين الدول الغربية.
وقد سافر أشخاص عدة بغرض محاربة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وربما لا يشكل هذا الأمر تهديدا أمنيا يتجاوز الحرب الأهلية في ذلك البلد، بيد أن مسؤولي الأمن أعربوا عن قلقهم البالغ حيال تدفق المزيد من الوافدين الذين يقاتلون لصالح «داعش» أو «جبهة النصرة»، التي أسست خلية لها بالقرب من حلب للتخطيط لهجمات ضد الدول الغربية. وعلى مدى العام الماضي اتخذ كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وغيرهم من الدول الأوروبية تدابير قوية بنحو متزايد لمنع تدفق المقاتلين إلى سوريا من خلال مصادرة جوازات السفر، وتمرير إجراءات جديدة لمكافحة الإرهاب، واستهداف المشبه بهم، جنبا إلى جنب مع تكثيف أعمال المراقبة والاعتقالات. ولفت مسؤولون أميركيون إلى قيام نحو 130 أميركيا بالسفر أو محاولة السفر إلى سوريا.
ومن الواضح أن معظم المقاتلين تمكنوا من دخول سوريا عبر تركيا، التي عملت أخيرا على إحكام سيطرتها على حدودها، وتمكنت من القضاء على شبكات إسلامية تعمل على ضخ المقاتلين. وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنه من الممكن أن نرى قريبا دلائل واضحة على فعالية تلك التدابير المتخذة.
ومن جانبه، قال المسؤول الاستخباراتي الأميركي: «تعمل الدول الأوروبية وحلفاؤها على اتخاذ تدابير لوقف تدفق المواطنين إلى سوريا، بينما تعمل تركيا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم استغلال حدودها من جانب الجهاديين»، مضيفا: «ربما يستغرق الأمر بعض الوقت لبدء ظهور التأثير الفعال لتلك الإجراءات في التقديرات الاستخباراتية المتعلقة بالمقاتلين الأجانب». ورغم أن مسؤولي الولايات المتحدة لم يقدموا تقديرات رسمية حول معدل تدفق المقاتلين إلى سوريا، فإنهم قدموا مجمل المسار الواضح لتدفق المقاتلين. وقد صرح البيت الأبيض الشهر الماضي بتدفق 15 ألف مقاتل إلى سوريا، وهو ما يمثل ارتفاعا حادا عن شهري مارس (آذار)، ويوليو (تموز) الذي بلغت فيهما حجم التقديرات 7 آلاف و12 ألفا على التوالي.
 
الأوروبيون يدعون موسكو إلى عدم منح مصداقية لانتخابات شرق أوكرانيا و«جمهوريتا» لوغانسك ودونيتسك تعدان لاقتراع تشريعي ورئاسي خاص بهما غدا

كييف - موسكو: «الشرق الأوسط» .... دعت ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا روسيا إلى عدم منح مصداقية للانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستنظم يوم غد في لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين في شرق أوكرانيا. وأكد بيان للرئاسة الأوكرانية أن البلدان الـ3 عبرت عن هذا الموقف خلال اتصال هاتفي بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيسين الفرنسي فرنسوا هولاند والأوكراني بيترو بوروشينكو والروسي فلاديمير بوتين. وجاء هذا البيان بعدما كانت موسكو أعلنت، هذا الأسبوع، أنها ستعترف بهذه الانتخابات.
وأضاف البيان أن «أوكرانيا وألمانيا وفرنسا عبرت عن موقف مشترك بأنها لن تعترف بالانتخابات التي ينوي الانفصاليون إجراءها». وأصدر الكرملين أيضا بيانا حول الاتصال الهاتفي، لكنه لم يذكر الدعوة التي وجهتها كييف.
وشدد رؤساء الدول على ضرورة احترام اتفاقات مينسك التي أدت إلى وقف لإطلاق النار في الشرق مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي دائما ما يتعرض للانتهاك، كما جاء في بيان للكرملين.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هذا الأسبوع، أن روسيا ستعترف «بالتأكيد» بنتائج الانتخابات النيابية والرئاسية التي سينظمها الانفصاليون الموالون لروسيا في الأراضي التي تخضع لسيطرتهم في منطقتي دونيتسك ولوغانسك. وأكد لافروف في مقابلة نشرتها الثلاثاء صحيفة روسية: «نأمل في أن تجري الانتخابات كما هو مقرر، وسنعترف بنتائجها بالتأكيد». ودان الغرب وأوكرانيا هذه التصريحات، ورأوا أن موقف موسكو ينسف عملية السلام في هذه المنطقة التي قتل فيها أكثر من 3700 شخص، منذ بدء النزاع في أبريل (نيسان) الماضي.
لكن رغم إعلان اعترافها بالانتخابات الانفصاليين، دعت روسيا سلطات كييف وممثلي منطقتي دونيتسك ولوغانسك إلى بدء «حوار جدي» بهدف إنهاء النزاع المسلح.
وقال الكرملين في بيان: «إن روسيا تؤيد بدء حوار جدي بين الحكومة الأوكرانية المركزية وممثلي منطقتي دونيتسك ولوغانسك الأمر الذي (وهذا لا شك فيه) سيتيح تحقيق الاستقرار العام للوضع».
وجاءت هذه التطورات غداة توصل أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي في بروكسل، إلى مخرج مؤقت للخلاف حول تسليم الغاز الروسي يضمن إمدادات كييف، وكذلك أوروبا قبل فصل الشتاء.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس، إن الاتفاق جاء ثمرة لـ«روح المسؤولية السياسة ومنطق التعاون والحس الاقتصادي السليم».
وأضاف: «إنها لحظة مهمة لأمننا في مجال الطاقة». وأكد باروزو أنه «ليس هناك أي سبب ليشعر الناس بالبرد هذا الشتاء في أوروبا»، التي يمر الجزء الأكبر من وارداتها من الغاز الروسي عبر أوكرانيا.
وبعد يومين من المفاوضات الشاقة، وقع الاتفاق وزيرا الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، والأوكراني يوري برودان، والمفوض الأوروبي لشؤون الطاقة غونتر أوتينغر. واستتبع الاتفاق بـ«ملحق» وقع عليه بالأحرف الأولى رئيس مجموعة الغاز الروسية «غازبروم» أليكسي ميلر، ورئيس مجموعة الغاز الأوكرانية «نفتوغاز»، أندري كوبوليف.
ويتعلق الاتفاق بتسوية متأخرات يُفترض أن تسددها أوكرانيا، وطرق دفع ثمن شحنات الغاز حتى مارس (آذار) 2015. وسيتم تسديد مبلغ 3.1 مليار دولار على دفعتين؛ الأولى تبلغ 1.45 مليار تُدفع فورا، والثانية وقيمتها 1.65 مليار دولار يُفترض أن يتم تسديدها قبل نهاية السنة.
ويقدر الروس المتأخرات بـ5.3 مليار دولار، لكنهم وافقوا على اللجوء إلى هيئة تحكيم للبت في مسألة الـ2.2 مليار المتبقية. والنقطة الحاسمة في الاتفاق هي تحديد سعر الغاز طوال فترة الاتفاق المرحلي، وهو «385 دولارا على الأقل لكل ألف متر مكعب». وسيدفع المبلغ سلفا لكل شهر بشهره.
وقال أوتينغر إن «نفتوغاز» يمكنها «استخدام عائداتها» لدفع وارداتها المقبلة. ولم يضمن الاتحاد الأوروبي رسميا الالتزامات المالية لكييف، لكن أوتينغر قال إن «المساعدات الكبرى التي قدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ستساعد كييف في تسديد ديونها».
 
أوروبا وإسرائيل: الاستماع قبل النطق بالحكم
المستقبل...إياد مسعود
نشر براك ربيد في هآرتس (22/10/2014) أن الاتحاد الأوروبي (28 دولة) بصدد تقديم سلسلة من «الخطوط الحمر» إلى إسرائيل، يحظر عليها تخطيها في سياستها اليومية في الضفة الفلسطينية، وإلا تعرضت لعقوبات صارمة من قبل الاتحاد.

الخطوط الخمسة، كما بينها الصحافي الإسرائيلي، تتناول الاستيطان وتوسيعه، في المناطق التي من شأنها فصل القدس عن الضفة الفلسطينية، ووضع العراقيل أمام إمكانية «حل الدولتين»، كما تتناول مسألة طرد 12 ألف فلسطيني بالقوة من مكان سكنهم الحالي في جوار القدس، وإبعادهم نحو مناطق الغور الفلسطيني. ولعل من أهم النقاط المثارة في الموقف الأوروبي هي دعوة إسرائيل لعدم إجراء أي تغيير في المسجد الأقصى قد يقود إلى تفجير شامل في المناطق الفلسطينية وردود فعل صاخبة في المجتمعات العربية والمسلمة. وأوضحت المقالة أن الاتحاد الأوروبي ينوي اعتبار خطوطه الحمر هذه مدخلاً لتنظيم حوار مع إسرائيل، وعلى ضوئها سيتخذ الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشديد على مقاطعة منتجات المستوطنات اليهودية. ووصف ربيد الموقف الأوروبي أنه شبيه بجلسة الاستماع التي يجريها القاضي قبل إصدار الحكم بحق المتهم، انطلاقاً من تقديره أن إسرائيل لن تستجيب للإنذار الأوروبي، فالاستيطان، بالنسبة لها خط أحمر، والبناء الاستيطاني في القدس، كما يقول قادة إسرائيل، هو كالبناء في تل أبيب نفسها.

لا يمكن، في كل الأحوال، الفصل بين التوجه الجديد لدى دول الاتحاد الأوروبي، والأجواء العامة التي بدأت تسود أوروبا بضرورة أن يكون لها موقف مميز من مسألة النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويرسم مسافة بين موقفها هذا وموقف الولايات المتحدة. ويبدو أن إشارة البدء في هذا المضمار، كانت تتمثل في اعتراف البرلمان السويدي، مؤخراً بدولة فلسطين، وقد تبعه، فوراً، مجلس العموم البريطاني. ورغم أن هذين القرارين، لا يلزمان، لا حكومة السويد ولا الحكومة البريطانية، بالاعتراف الرسمي، بالدولة الفلسطينية، إلا أن القلق الإسرائيلي إزاء هاتين الخطوتين، يؤشر على أهمية ما حدث، وإمكانية أن يكون فاتحة لسياسة أوروبية جديدة نحو القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد أن تردد أن فرنسا على وشك اللحاق بالسويد وبريطانيا، وبعد أن كشف ربيد، في مقاله المذكور، أن الممثل الفرنسي في مجلس دول الاتحاد الأوروبي، كان الأكثر حماسة في توجيه الإنذار بالخطوط الخمسة لإسرائيل.

ونعتقد أن أوروبا، كما يبدو، تحاول أن تستعيد سياستها الحيوية إزاء القضية الفلسطينية، بعد أن حاولت طويلاً أن تمسك العصا من الوسط، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وبحيث لا تختل المعادلة التفاوضية التي ترعاها واشنطن بين الجانبين. ولعل أصدق موقف يدل على وسطية الموقف الأوروبي، هو امتناع أوروبا عن التصويت، في29/11/2012، على قرار الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة (ما عدا تشيكيا التي خالفت الإجماع الأوروبي وصوتت إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد القرار المذكور).

ويبدو أن أوروبا، كانت في موقفها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حالة انسجام نسبي مع سياستها، خصوصاً مع بيان المجلس الأوروبي في برلين، في آذار 1999 الذي أعلن استعداد الاتحاد الأوروبي للنظر في الاعتراف بدولة فلسطين في موعد لاحق، باعتباره حقاً سيادياً للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

كما لعبت أوروبا دوراً كبيراً في صياغة خطة خارطة الطريق، التي ولدت في طبعتها الأولى على يد الولايات المتحدة في انحياز فاقع لإسرائيل. وقد أدخلت أوروبا، على هذه الخطة، تعديلات كبيرة، حاولت من خلالها أن تحدث توازناً في العلاقة مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بما في ذلك حق الفلسطينيين في دولة مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل. وقد رسمت إحدى الاقتراحات الأوروبية سقفاً زمنياً، لخطة الطريق، للتطبيق بين الجانبين، على أن تتولى اللجنة الرباعية الدولية الكشف، خلال الفترة الزمنية المرسومة، عن الطرف الذي يعطل إمكانية الوصول إلى حل للنزاع، لكن إدارة الرئيس الأميركي السابق بوش الابن، ونزولاً عند طلب رئيس حكومة إسرائيل (آنذاك) ارئييل شارون، شطبت البند الخاص بالسقف الزمني، وعطلت على اللجنة الرباعية دورها في الكشف عمن يعطل المفاوضات. ويبدو أن أوروبا تدرك مخاطر مفاوضات مفتوحة زمنياً، لذلك كانت قد أشارت في بيان برلين الشهير ضرورة الوصول إلى دولة مستقلة خلال سنة كسقف زمني، لكن التدخلات الأميركية، والانحياز الواضح لإدارة كلينتون إلى إسرائيل في مفاوضات كامب ديفيد (تمور 2000)، أي بعد عام على صدور بيان برلين، عطل إمكانية الوصول إلى الحل الدائم.

وكما يتسرب إلى الجانب الفلسطيني من مصادر أوروبية فإن دولتين أوروبيتين تلعبان دوراً معطلاً لسياسة أوروبية، عميقة الاستقلال عن السياسة الأميركية في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

الدولة الأولى هي ألمانيا، التي تتمسك بالمبدأ الأميركي القائل بأن المفاوضات الثنائية هي السبيل الوحيد للوصول إلى تسوية للنزاع، بما فيها الاتفاق على حدود «الدولتين» والعلاقة بينهما. وهو ما يعني، بشكل أو بأخر، إشراك إسرائيل في تقرير مصير الشعب الفلسطيني لنفسه، وهو أمر يخالف شرعة حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة. ولعل إشارة قرار برلمان السويد، وهو يعترف بدولة فلسطين، إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، جاء ليضمن الحد من جنوح الموقف الألماني وسياسة بون إزاء الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

الدولة الثانية هي بريطانيا، حيث يبرر حزب المحافظين موقفه برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها دولة بلا حدود، وأن مبادئ العلاقات الدولية، لا تسمح بالاعتراف بدول لا ترسم حدودها بشكل رسمي. ويرد منتقدو حزب المحافظين من «عمال» و «أحرار» أن بريطانيا اعترفت بدولة إسرائيل، وهي ما زالت بلا دستور، ولم ترسم حتى الآن، لنفسها حدوداً رسمية، وما تزال حتى اللحظة تراهن على قضم المزيد من الأرض الفلسطينية (الضفة) والعربية (الجولان ومزارع شبعا) وضمها إليها. وبالتالي فإن سابقة الاعتراف البريطاني بإسرائيل، تبرر لمجلس العموم البريطاني، كما لكل دول الاتحاد الأوروبي الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.

الاتحاد الأوروبي لا يدعو لتجاوز المفاوضات الثنائية، لكنه، في الوقت نفسه، يرفض أن تكون هذه المفاوضات وسيلة وغطاء يبرران لإسرائيل تهربها من استحقاقات الحل الدائم، بما في ذلك انسحابها من الأرض المحتلة، وحسم مصير القدس، وحل «عادل» لقضية اللاجئين. ويبدو، في السياق، أن الاتحاد الأوروبي يشكو من أمرين اثنين، يرى في حل النزاع المدخل إلى حلهما.

الأول أن أعباء دعم أوروبا للسلطة الفلسطينية، مالياً واقتصادياً، باتت ثقيلة على الاقتصاد الأوروبي، خاصة وأن الكثير مما تبنيه أوروبا، في مناطق السلطة الفلسطينية، تقوم إسرائيل بهدمه وتدميره في حروبها المتكررة وهذا ما عبرت عنه أوروبا في مؤتمر إعادة اعمار القطاع (12/10/2014) حين طالبت بضمانات ألا تقوم إسرائيل مجدداً بتدمير ما سيعاد اعماره.

الثاني أن أوروبا ترى في القضية الفلسطينية أداة للتحريض ضد الغرب إجمالاً، وأن (لهذا التحريض) أثاره الواضحة داخل أوروبا نفسها، تأتيها ردود الفعل العربية والإسلامية الغاضبة، عبر البحر المتوسط، وتشعر أوروبا أنها تدفع في كثير من الأحيان، في ردود الفعل العربية والإسلامية الغاضبة، ثمن السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل على غرار ما وقع عام 1973 حين قطع العرب النفط عن الغرب، دعماً لمصر وسوريا، فكان المتضرر الأكبر هو أوروبا.

بغض النظر عن الاحتمالات المتوقعة، فقد بات، مما لا شك فيه، واضحاً، أن ثمة سياسة أوروبية جديدة، أخذت ترتسم في دوائر الاتحاد الأوروبي إزاء الحقوق الفلسطينية ما يتطلب خطة عربية، سياسية، واقتصادية، ودبلوماسية، وإلى جانب خطة فلسطينية نشطة وحيوية، لتشجيع المنحى الجديد للسياسة الأوروبية، ما يقود إلى نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي، وعزل دولة إسرائيل، وفضح أكثر فأكثر السياسة الأميركية، وتقليص دورها في التدخل في حل النزاع، وصولاً إلى نقل القضية إلى مؤسسات الأمم المتحدة: كمجلس الأمن، والجمعية العامة، ومحكمة الجنايات الدولية، ومحكمة لاهاي، بكل ما يتطلبه هذا الأمر من حسم للأمور الفلسطينية، وتجاوز التردد الذي ما زال يحكم سياسات بعض الدوائر في م.ت.ف والسلطة الفلسطينية.
 
تنبهوا واستفيقوا!
المستقبل...ميشال كيلو
تمر المنطقة العربية بعامة، وسورية بصورة خاصة، بمنعطف مصيري شديد الخطورة، حافل بشتى الاحتمالات الصعبة بالنسبة إلى مجتمعاتها الممزقة ودولها الهشة.

ثمة، من الحرب ضد الإرهاب فصاعداً، تحديات تطرحها عليها تطورات ومستجدات داهمة يخلصها في اعتقادي السؤال التالي: هل يعني نشوب الحرب ضد الإرهاب بمشاركة دول لطالما قالت إنها تريد حلاً سياسياً يخرجنا من ورطتنا، أن الاحداث بدأت تتجاوز بلادنا، وان مشكلتنا ستنتقل إلى مربع جديد تتراجع فيه اهميتها وتغدو ثانوية بالمقارنة مع مواجهة التحالف الدولي للإرهاب، مع ما سيعنيه هذا التطور من امعان في قتل شعبنا وتدمير ما بقي من عمران في سوريا بيد نظامها، الذي سيكون بمنأى عن اي ردع سياسي او عسكري، ويرجح ان ينجو بجلده إذا ما نجح في إيجاد طريقة يتحول بواسطتها إلى شريك عسكري لدول التحالف، التي كانت ترى في انتصاره على المعارضة خطاً أحمر، وتطالب من حين لآخر بتنحي رئيسه، وبتطبيق وثيقة جنيف وما تنص عليه من تحوله التدريجي إلى نظام ديموقراطي؟.

بدل منح الاولوية لحل المعضلة السورية، وإيصال الشعب السوري إلى حقوقه وإقامة وضع يمكنه من أن يكون هو شريك التحالف في مقاتلة الإرهاب، فتحت واشنطن صفحة الحرب ضد الارهاب، كأن المسألة السورية وضعت في البراد، أو كأن التعامل معها سيرتبط من الآن فصاعدا بالتعامل معها، في قفزة تتخطى اسبابها والجهات التي انتجتها، فكأن العالم يعتبر الشعب السوري مسؤولاً عنها، أو عقبة يجب أن تزال قضيته من درب معالجتها، عوض توجيه اهتمام خاص لتقليم أظافر نظام الاسد، الضالع بقوة في انتاج موجات متعاقبة من الأصولية والتطرف. تندفع أميركا والتحالف الدولي إلى حرب مفتوحة مكانياً وزمانياً، ستحجب الحرب التي يشنها الاسد ضد شعب «ه»، ويختلط فيها الحابل بالنابل داخلياً وخارجياً، كأن واشنطن اختارت نشر الحروب في المنطقة بدل ايقاف الحرب الأسدية، وتسعى الى تعقيد امور سوريا والإقليم واستبعاد اي حل سياسي للمشكلة السورية، في ظل التضارب بين الحل المطلوب للثورة، الذي لا يمكن ان يكون غير سياسي، وذاك الكفيلة بالقضاء على الإرهاب، وهو عسكري بالأقطع، وما يحتمه تعارض الحلين من تعارض في خيارات وقرارات الممسكين بخيوط المشكلات القائمة، وما ستفرضه من اليوم فصاعدا من تبدل في مواقع الفاعلين وادوارهم، وتغير يطاول حساباتهم تحت وطأة التنافر الصارخ بين ما يطالب الشعب السوري به من حرية وعدالة ومساواة وكرامة، وما تفضي اليه الحرب ضد الإرهاب من عنف متشعب المستويات متداخل المسارات، سيغطي ساحات عربية ودولية على امتداد العالم، تواجه مسائل متناقضة يتطلب التصدي لها زمناً اطول بكثير من الزمن الضروري لحل سياسي سوري، ستضعف التعقيدات المصاحبة له قدرة العالم على حل المعضلة السورية سياسياً، لقدر ما يتعزز التناقض بين حل كهذا وبين الحل العسكري الصرف لمشكلة الإرهاب.

هل هناك في اميركا او دول التحالف من يضمن أن لا يفلت زمام الامور من ايدي اللاعبين الدوليين والإقليميين، الذين يجدون أنفسهم منخرطين أكثر فأكثر منذ الآن في صراع عسكري الطابع اساساً تمليه مصالح متزايدة التعارض، يرتبط تحقيق أي منها بكسر إرادة آخرين يستطيعون الدفاع عن انفسهم عبر الامعان في اللعب بورقة الإرهاب وربما فتح جبهات جديدة له تربك خصومهم وتشوّش خططهم، وتبقي باب الاحتمالات مفتوحاً على مصراعيه امام شتى التطورات السيئة، بينما تغلق نافذة الحلول او تجعل فتحها اشد صعوبة من ساعة لأخرى، وتدفع بسوريا والمنطقة الى نفق سيتعاظم عجز الجميع عن الخروج منه، سيتخبط المتصارعون في عتمته الى ان تفرض نفسها عليهم اكراهات استثنائية قد تودي بوحدة وسلامة دول وبلدان قائمة من غير المستبعد ان تكون سوريا بينها، بعد ان يكون صراع نظامها ضد شعبها، وقتال التحالف ضد الإرهاب قد أفرغاها من معظم شعبها، وابطلا حدودها وسيادتها ووحدتها، بينما تكون قد تهشمت بانقسامات طوائفها ومذاهبها، التي لن تجد بعد ذلك أمنها في عيشها المشترك، وستشكل بدعم خارجي كيانات خاصة بها يرى الخارج فيها الحل السياسي المطلوب، سيعني قيامها نهاية زمن سايكس / بيكو... الجميل!؟.

ليس هذا التشخيص سوداوياً يمليه مزاج عكر، بل هو قراءة تحتمها مفارقات القفز من فوق المشكلة السورية والانتقال الى الحرب ضد الارهاب، بما سيصاحبها من ملابسات معقدة واحتمالات مرعبة، يستبعد أن تضع المسألة السورية على سكة حل سياسي أو ان تدعم الجيش الحر بما يمكنه من اسقاط الاسد وتغيير نظامه، مثلما يستبعد أن تبدأ بتوافق دولي/ إقليمي على المآل النهائي للحرب يشمل مساراتها المفترضة أو الممكنة، التي توحي في حالها الراهنة بأننا سندخل إلى تطور مفتوح على شتى الممكنات الخطيرة، التي يرجح ان لا تكون لها حلول في إطار الدول القائمة!.

يتطلب هذا منا، نحن أهل الولد السوري، أن لا نشارك في اي حرب غير الحرب ضد النظام، ما لم يقدم لنا تعهد دولي قاطع وواضح يترجم إلى تدابير وسياسات عملية وميدانية واضحة، تنطلق من اولوية اسقاط الاسد وتطبيق جنيف، التي لا بد أن تسبق في أهميتها أي حرب على الارهاب أو أية تصفية حسابات دولية او اقليمية. بغير ذلك، ليذهب محاربو الإرهاب إلى الجحيم، ولتقطع اليد التي تساعدهم، إن كانت حربهم ستتم على حساب قضيتنا، وكنا شعباً ودولة أولى ضحاياها!.
 
قضايا الشرق في جامعة بوزنان البولونية!
المستقبل...عبد الحسين شعبان ()() باحث وحقوقي عراقي
يختصر هذا العنوان جهداً أكاديمياً استمر التحضير له بضعة شهور، في إحدى جامعات بولونيا التي فازت العام 2003 بكونها أفضل جامعة في بولونيا، وتحمل هذه الجامعة العريقة اسم الشاعر آدم ميتسكيفيتش أحد شعراء بولونيا الكبار، وتحتضنها مدينة بوزنان البالغ عدد سكانها 630 ألف نسمة، ويزيد عدد الطلاب الذين يدرسون في هذه المدينة على 130 ألف طالب، أي أن نحو ربع سكان المدينة هم من الطلبة، وفيها نحو 3500 استاذ جامعي و750 بدرجة بروفسور، وهي مدينة منشغلة بقضايا البيئة والثقافة أيضاً.

وتمتاز بولونيا عموماً باهتماماتها الأكاديمية وبإطلالات متميزة على الشرق والاستشراق بشكل عام، وحتى خلال الحرب العالمية الثانية وقصف بولونيا واحتلالها من جانب الجيش النازي بعد معاهدة ميونيخ العام 1938، فإن الدراسة الجامعية لم تنقطع فيها، وقد خرّجت جامعاتها في حينها نحو عشرة آلاف طالب، وكان الطلبة والأساتذة يعملون تحت الأرض. جدير بالذكر أن فرع الفلسفة واللاهوت في هذه الجامعة العريقة تأسس في العام 1916 ومنه انبثق في العام 2002 قسم الدراسات العربية- الإسلامية، ومعهد الشرقين الأدنى والأوسط، إضافة إلى إصدارات لكتب تعليمية بالعربية.

عقدت الجامعة خلال السنوات الماضية ثماني مؤتمرات حول فلسطين والعراق وقضايا الإسلام والأقليات والكرد، وأصدرت كتباً بهذه المؤتمرات احتوت على الدراسات والأبحاث التي تناولتها المؤتمرات المذكورة، وفيها إطلالات بحثية على انشغالات قديمة وجديدة واهتمامات أكاديمية وثقافية، إضافة إلى التواصل الإنساني والتفاعل الحضاري، وأولاً وقبل كل شيء البحث في المشتركات وتبادل التجارب والشغف بالمعرفة والإخلاص للعلم، وقد التقينا عدداً من الخبراء بالشؤون العربية ويتحدثون العربية بطلاقة.

المؤتمر التاسع تميّز بسعة الحضور العربي، ولاسيّما من العراق، حيث حضر باحثون وأساتذة وخبراء من جامعة بغداد وصلاح الدين (إربيل) ومتفرغون للبحث العلمي، إضافة إلى عدد كبير من الأساتذة والباحثين العراقيين والعرب الذين يعيشون في بولونيا ويعملون في جامعاتها المختلفة، حيث حضروا من كراكوف ووارصو وغيرها، إضافة إلى أساتذة يعيشون في الخارج أيضاً.

وعلى مدى يومين مزدحمين بالبحث والنقاش والحوار والجدل وحب المعرفة والرغبة في التواصل قدّم المشاركون 56 بحثاً، وتوزعوا على ثلاث قاعات، وكان افتتاح المؤتمر الذي حضره وتحدث فيه نائب رئيس الجامعة البروفسور إنجي ليتشيتسكي وعميدة كلية اللغات البروفسورة تيريزا توماشفيتش ورئيس معهد الدراسات الآسيوية البروفسور بيوتر موخوفسكي ورئيس قسم اللغة العربية البروفسور عدنان عباس، قد التأم المؤتمر بكل مهابة في صالة مجلس الشيوخ التابعة للجامعة والتي سبق وأن احتضنت مهرجان الشعر العالمي.

توزعت الأبحاث على 14 بحثاً في الأدب شملت الشاعر الجواهري وولادة القصيدة واللحظة الشعرية، وأدب نجيب محفوظ، وأدب السجون وانعكاساته على الرواية العراقية، والأرقام في القصيدة العربية، وما بعد الحداثة، إضافة إلى موضوعات شملت الأدب العربي والفكر السياسي، وقضايا الديمقراطية. وكان هناك 10 بحوث باللغة العربية ومتفرّعاتها و9 أبحاث في التاريخ والقراءات التأويلية الحديثة و12 بحثاً في الثقافة المعاصرة ودورها في المشترك الإنساني، كما تقدم للمؤتمر 8 بحوث في السياسة وملحقاتها و3 أبحاث في الفلسفة والفن.

وشمل النقاش قضايا فلسطين والعدوان على غزة وموضوع الإرهاب الدولي ودلالات ظهور تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وتأثيراته على وحدة العراق وكذلك تأثيرات العنف على سوريا، إضافة إلى موضوع حقوق الإثنيات والأديان في العراق وسوريا والقدرة المأمولة لتجاوز الوضع الراهن، مع مخاوف من احتمالات التقسيم، وتناولت الأبحاث أيضاً موضوع العلاقات البولونية مع العالمين العربي والإسلامي، تاريخياً خلال الحقب السابقة، وما بعد التغيير الذي حصل فيها في العام 1989، واتسم النقاش بالحيوية والجدّية والموضوعية والتنوّع. كما كشف عن الحاجة إلى المزيد من التبادل المعرفي والثقافي الذي لن يتحقق دون تعزيز العلاقات بين بولونيا وأوروبا عموماً، والعالم العربي والإسلامي.

لقد سبق لي مثلما لغيري حضور عشرات المؤتمرات سنوياً، لكن مؤتمر جامعة آدم ميتسكيفيتش في بوزنان كان له نكهة خاصة، لأنه امتاز بالتنوّع والاهتمامات الواسعة، وهو ما يذكّرنا بالجامعات والدراسات القديمة التي كانت تمتاز بالموسوعية والتنوّع، وكان العالِم يعتبر موسوعياً حيث يجمع بين الاختصاص بالطب إضافة إلى الفلسفة والرياضيات وعلم الفلك أحياناً، مثلما كان مهتماً باللغات والموسيقى واللاهوتيات وغيرها، ولا يمكننا اليوم إطلاق صفة « المثقف الموسوعي» إلاّ على عدد قليل من العلماء والباحثين، وربما لا يكاد يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، مثلما هو الراحل إدوارد سعيد.

للأسف الشديد لم تحضر أي من السفارات العربية باستثناء ممثلة عن السفارة العراقية للمشاركة أو لتغطية أعمال المؤتمر أو الاطلاع على مجرياته، علماً بأنه يهمّ جميع العرب والمسلمين، وقد علمت بأن الدعوة وجهت إلى الجميع، فبعضهم اعتذر والآخر لم يجب على مقتضيات تلبية الدعوة.

وقد تسنّى للمجموعة الأكاديمية العربية والكردية التي ضمت نخبة متميّزة من الباحثين أن أدارت حوارات مختلفة حول قضايا ذات اهتمام مشترك، إضافة إلى أنها عقدت اجتماعات عدّة مع أقسام مهمة في الجامعات من اللغات إلى العلوم السياسية إلى الآداب، إلى زيارة المكتبة العامة للجامعة، وذلك في محاولة لتعويض النقص في هذا المجال، سواء من جانب جامعة الدول العربية أو منظمة الإيسيسكو، وقد لاحظنا شحّ وجود الكتاب العربي أو باللغة العربية أو الترجمات من وإلى العربية، ولو أخذت على عاتقها الحكومات العربية أو جامعة الدول العربية أو الإيسيسكو إرسال عشرة كتب سنوياً، لأصبح لدى الجامعة فيض من المراجع والمصادر في مختلف الاختصاصات وهو اقتراح مفتوح للجهات الأكاديمية الرسمية بتبنيه واعتماده، بخصوص الجامعات الأوروبية والأميركية والآسيوية وغيرها .

والأمر يحتاج إلى تعزيز علاقاتنا الأكاديمية مع الجامعات الأجنبية ذات السمعة التاريخية المتميّزة والإنجاز الفكري والثقافي المتعاظم، سواء بتبادل الأساتذة أو الطلبة أو الترجمات أو الاستفادة من بعض المناهج وغير ذلك، لاسيّما وأن الأكاديميين يحتاجون إلى دعم رسمي وغير رسمي في مواجهة سيل الدعاية الضخم الذي تقوم به جهات معادية للعرب والمسلمين، خصوصاً وأن الصورة التي يحاول هؤلاء تقديمها للعالم، لا تزال مشوشة في أفضل الأحوال، ناهيكم عن كونها مغرضة ومسيئة، ويتخلّلها اتهامات مسبقة بسبب قيام بعض الجماعات الإسلاموية بأعمال تتنافى مع الإسلام وقيمه السمحاء، ناهيكم عن تعارضها مع الجوهر الإنساني، وهي جزء من عمل دولي يتخذ من الإرهاب عنواناً.

آن الأوان لكي نضع قضايا الشرق في المكان الصحيح وأن نعمل بجميع الوسائل ومنها في الحقل الأكاديمي، بما يخدم قيم السلام والتسامح ويعزز الحوار والتواصل، بهدف تعميق المشترك الإنساني، بما فيه مصلحة لبني البشر جميعاً بغض النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسيتهم ولغتهم وجنسهم ولونهم وأصلهم الاجتماعي وغير ذلك.
 
تونس: العلمانيون لنا... والجهاديون لسورية
بيسان الشيخ * كاتبة وصحافيّة من أسرة «الحياة»
تستحق التجربة التونسية التوقف عندها لأكثر من سبب، ليس آخرها فوز العلمانيين بالانتخابات فوزاً كاسحاً. فهي البلد الذي أطلق شرارة ثورات «الربيع العربي» بأقل عنف ممكن وأعلى نسبة نجاح ممكنة أيضاً. لذا، اعتبر البعض أنها جنت على غيرها من بلدان المنطقة، إذ بثت الأمل بإمكانية التغيير السلمي، وأنه يكفي للشعوب أن تطلب الحرية ليستجيب القدر، فإذا بها حروب أهلية تندلع ولا سبيل واضحاً بعد، لإخماد نيرانها. ومن ليبيا إلى سورية مروراً باليمن ومصر، سرى ذلك الشعور العارم بقدرة الشارع على تطويع السلطة، إلى أن جاء التراكم السياسي والعسكري وتجربة كل بلد مع نظامه ليثبت صعوبة، إن لم يكن استحالة، تطبيق تلك المعادلة.
والواقع أن تونس «الملهمة» هي استنثاء عربي وشمال أفريقي لا يمكن مجاراته لألف سبب وسبب. فهي أجرت بالأمس الانتخابات الثانية بعد الثورة، وأعادت صوغ الدستور، وسمحت بحكم «ترويكا»، وكانت قبلها أوصلت الإسلاميين إلى السلطة، ثم عادت وتظاهرت ضدهم، وجعلت إعلامها سلطة رقابية فعلية على السياسيين بحيث كان يمكن مطالعة نقد قاس وساخر أحياناً للشخصيات العامة، وأداء الأحزاب، مع طرح وجهات نظر بديلة وغير ذلك الكثير مما لم نشهده حتى في مصر.
وإلى هذا كله، بقي المجتمع المدني التونسي نابضاً ومتأهباً لأي خطأ، وبقيت المرأة حاضرة في الحيز العام، متربصة بأي محاولة للانتقاص من حقوقها ومكتسباتها، وهو ما فشلت حركة «النهضة» في ذروة نفوذها من المساس به.
ولا شك في أن تونس اليوم تدعو إلى التفاؤل مرة أخرى، ليس لأنها أزاحت الإسلام السياسي عن الحكم وأعادت العلمانيين واليساريين، بل لأنها جعلت صناديق الاقتراع وسيلتها لذلك، ولأنها أثبتت أنها قادرة على احتواء خياراتها السابقة وإعادة تصويبها عبر المداورة في السلطة وليس بالعنف أو الانقلابات العسكرية. وهنا تحديداً يكمن الاستثناء التونسي والقيمة المضافة لهذه التجربة على سواها.
لكن تونس هذه نفسها التي منحتنا جرعات غير مسبوقة من التفاؤل منذ 4 سنوات وحتى اليوم، حقنتنا بانتخاباتها الأخيرة بجرعة مخدر لن يلبث أن يزول مفعولها. فالتونسيون الذين اختاروا لأنفسهم حكماً ليبرالياً، رافضين حكم «الإسلام السياسي» المتمثل بحركة «النهضة»، هم أول «المجاهدين» في صفوف تنظيمي «داعش» و «النصرة» في سورية. ووفق آخر الأرقام الصادرة في هذا السياق، تبين أن «التوانسة» يحتلون المرتبة الأولى بين المقاتلين الأجانب بتعداد «رسمي» يبلغ 3 آلاف، مقابل 3 ملايين ناخب شاركوا أخيراً في العملية الديموقراطية.
ذلك ليس تفصيلاً لا يستحق التمعن فيه. فهؤلاء ليسوا فرنسيين أو بريطانيين من أجيال المهاجرين الناشئة، ممن يسهل اتخاذ إجراءات بحقهم كإغلاق الحدود، أو سحب جنسيات أو تغيير سياسات الهجرة. إنهم لا يقلون تونسية عن مجايليهم الذين انتخبوا الشيوعيين والسبسيين ولعلهم أكثر التصاقاً منهم بأزمات بلدهم وقعره حيث البطالة والفقر والتهميش والجهوية. وصحيح أن هؤلاء «خرجوا إلى الجهاد» عبر مطار تونس الدولي، وربما بغض طرف أو تواطؤ رسمي إما لدعمهم من الأحزاب الإسلامية أو للتخلص منهم من العلمانيين، لكنهم في نهاية الأمر يشكلون تحدياً محلياً سيتوجب على السلطة الجديدة قبل غيرها، مواجهته. فالراجح أن من لا يقتل في سورية، سيعود إلى تونس بخبرات قتالية عالية وذهنية متشبعة بالفكر المتطرف. حينذاك، لن يتوجه إلى صناديق الاقتراع أو يقبل بعملية سياسية تشارك فيها حركة «النهضة» بكل براغماتية.
لذا، وقبل أن تغمرنا السكرة بفوز العلمانيين واليساريين في تونس، وهي سكرة مشروعة على كل حال، لا بد من البحث في هؤلاء الذين طرحتهم علينا هذه البطن الولادة. فلنبدأ بالإجابة عن أسئلة ملحة تبدأ بـ «لماذا ذهبوا؟» قبل أن نسأل كيف سيعودون. فالسجون قد تتسع لأضعافهم لكنها لن تمنع ذلك البستان من تثمير غيرهم.
وربما تكون مفيدةً أيضاً إعادة النظر جذرياً في تاريخ العلاقة مع حركات الإسلام السياسي من تونس إلى مصر وسورية وغيرها، والبحث في مقاربات العلمانيين لها طوال العقود الماضية. فإذا كانت تونس استثنائية فعلاً في نجاحاتها، فإنها تتساوى مع غيرها في نقطة الفشل تلك. فليس صدفة أن تنتج تلك البيئات على اختلاف أنظمتها شباناً راغبين بالذهاب إلى أبعد مما تقدمه أحزابهم الإسلامية المحلية.
 

المصدر: مصادر مختلفة

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,349,287

عدد الزوار: 7,629,400

المتواجدون الآن: 0