أخبار وتقارير...الغرب ومأزقه الإسلامي...بيريسترويكا فاتيكانية...السلفية والديموقراطية ... قيود التأويل والممارسة....إرهاب «الإخوان» الناعم أساس تيارات العنف الديني...ثقافة القتل ومفهوم «الحاكمية»...لحظة قرار بشأن مصر ..المعارك تحتدم في مطار دونيتسك الأوكراني و3 قتلى جنود غداة إلغاء جولة جديدة من محادثات السلام...بريطانيا ترفع مستوى التهديد إلى «خطير» واسكوتلنديارد: إجراءات لتعزيز أمن الجالية اليهودية..
السلطة الفلسطينية بمواجهة الضغوط المالية والابتزاز السياسي! ...ظاهرة «الزعماء» في إسرائيل ...قيادي صدري: الغرب مقتنع بأن هزيمة "داعش" رهن بإنهاء نظام دمشق....الرئيس هولاند يدافع عن حرية التعبير بعد احتجاجات بالخارج ضد رسوم
الإثنين 19 كانون الثاني 2015 - 7:27 ص 1883 0 دولية |
الغرب ومأزقه الإسلامي
النهار...محمد ابرهيم
بين استنكار الإسلام الرسمي لإصرار المجلة الساخرة الفرنسية "شارلي إيبدو" على العودة إلى تناول النبي محمد، وإعادة الغرب الرسمي، ممثلا بالرئاسة الفرنسية، التأكيد أنه لا مساومة على مبدأ حرية التعبير، بما فيها حرية السخرية من الأديان، يبدو ان لا حلّ وسطا متاحاً.
من غير الوارد بالتأكيد أن تصمت المؤسسات الدينية الرسمية، التي تمثل طيفا واسعا يبدأ بمسلمي أوروبا ليشمل الدول العربية والعالم الإسلامي عموما، أمام ما تعتبره إساءة لنبي المسلمين. فتخسر بذلك شطرا مهماً من شرعيتها كمدافعة عن الإسلام، مثلما تخسر في المعركة الجارية بينها وبين الحركات الجهادية على تعريف الإسلام المعاصر: هل هو إسلام الوسطية والاعتدال أم إسلام الجهاد المفتوح؟
كما أنه من غير الوارد أن تقوم السلطات في أوروبا واميركا بانعطافة في تحديد المدى المسموح به في النقد الموجّه للأديان انطلاقا من خصوصية المعركة المفتوحة ضد الإرهاب الإسلامي. هذا المأزق غير القابل للحل، الرسمي، يمنح الإرهاب الإسلامي مدى يحظى ضمنه بتفهم ضمني في العالم الإسلام الرسمي والشعبي، خصوصا أن أصواتا مسيحية وازنة على المستوى العالمي، مثل الفاتيكان، دفعت في اتجاه إعادة نظر عالمية في مسألة العلاقة بين حرية التعبير، والإساءة إلى معتقدات الآخرين عموما، داعية إلى ميثاق عالمي جديد في هذا الشأن.
لكن قضية حرية التعبير لم تكن القضية الأولى التي أثارها الصدام بين الإسلام الجهادي والغرب. فقبل ذلك أثيرت مسألة معاملة المحتجزين الإسلاميين، بمن فيهم أصحاب الجنسيات الغربية، وتناقضها مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان، باسم الخطر الداهم، وإنقاذ ضحايا محتملين.
كذلك طرحت مسألة انتهاك خصوصيات المواطن، الغربي، باسم ضرورات ملاحقة الإرهاب. ولم تكن حساسية السلطات الغربية تجاه قضايا الاحتجاز والتنصت بمثل حساسيتها تجاه قضية حرية التعبير. فمن ناحية انغمست في التضليل، ومن ناحية أخرى بدت وكأنها حارسة نقاء القيم الغربية.
لكن ذلك لن يمنع أن تستخلص السلطات الغربية دروس مأساة "شارلي إيبدو" لتقوم، عمليا، بما رفضت الإقرار به، نظريا. وهناك وسائل كثيرة في حوزتها تجعل الامتناع عن الاستفزاز المتعمّد للمسلمين يبدو وكأنه قرار من المعنيين به وليس نتيجة لأي تدخل رسمي.
في التحليلات الأكاديمية الغربية تبدو سهلة الإشارة إلى أن ظاهرة الإرهاب الإسلامي العالمي هي نتيجة طبيعية للعولمة الكاسحة، وإلى أن الإسلام بات "داخلا" غربيا، مثلما هو الغرب، ومنذ قرون، "داخل" إسلامي. لكن استخلاص النتائج السياسية المباشرة للواقع الجديد يبدو أنه لا يزال صعبا.
بيريسترويكا فاتيكانية
النهار...ناصر زيدان... أستاذ جامعي
تتأكد أكثر فأكثر خطوات بابا الفاتيكان فرنسيس الاول الاصلاحية، وتبدو مُحاولاته بمثابة الثورة على تقاليد دامت سنوات عديدة. وهي اقرب ما تكون الى انتفاضة تصحيحية في وجه البيروقراطية المُتجذِّرة في دوائر الدولة المُتميِّزة، وتطال ايضاً زوايا الهدر المالي في اكثر من مكان على مساحة نفوذ الكنيسة الكبرى والمُترامية في كل انحاء العالم، حيث يخضع لوصايتها الدينية اكثر من 1,2 مليار مؤمن بالديانية الكاثوليكية.
منذ انتخابه في 2013/3/13، بدأ البابا فرنسيس (الارجنتيني خورخي برغوليو- 77 عاماً- ) بخطابٍ مُتميِّز عن سلفه، وحملت ملامح الخطاب افكاراً ثورية، لناحية الدعوة الى تعزيز المشاركة والديموقراطية في ادارة الكنيسة، لاسيما اشراك المرأة اكثر في انتاج القرار، ولناحية العودة الى مساعدة الفقراء والمُعدمين في العالم. وبين هذه الدعوة وتلك، حمل البابا على الهدر المالي في بعض دوائر الكنيسة، وعلى الرفاهية التي يعيش فيها الكرادلة وبعض كبار الموظفين والكهنة في دولة الفاتيكان.
بدأ البابا بتطبيق التقشُّف على نفسه، فنقل مكان سكنه الى منزل متواضع، وامتنع عن ركوب السيارات الفارهة، وتخلَّى عن بعض المراسم البروتوكولية التي توحي بمظاهر العظمة، وقام ببعض الاعمال التي تُعبِّرُ عن عفوية انسانية وتواضع، بما في ذلك التنقُّل سيراً على قدميه بين دوائر الدولة التي يرأسها.
يحاول البابا احداث تغيير في دوائر اكبر مرجعية دينية في العالم من خلال اتجاهين متوازيين، ولا يُمكن اعتبار أن خطواته الاصلاحية تقتصرُ على وقف تبذير الاموال، وتغيير نمط الرفاهية داخل اوساط الكنيسة فقط. فهو بالتوازي مع الاصلاح المالي والاداري، يعمل لإحداث تغيير في نمطية العمل الكنسي واهدافه الروحية.
وفي ما يتعلَّق بالشق الاصلاحي الاول: يرى البابا فرنسيس ان على الكنيسة ان تكون في خدمة الفقراء. فالفقر هو السبب الرئيسي للرذيلة والانحراف. ورجال الاكليروس يجب ان يُعطوا مثلاً للآخرين عن الحياة الطبيعية من دون ممارسة البذخ والفحشاء. ويقول في هذا المضمار: ان جذور النظام الاقتصادي الحالي السائد في العالم غير عادلة، ولا بد من التفكير الجدي في ايجاد حلول للمُعضلات القائمة، لاسيما موضوع الفقر والعوز والجوع، مع الاخذ في الاعتبار ان جزءاً كبيراً من هذه الويلات، ناتجٌ عن الصراعات السياسية والعسكرية بين الدول، او في داخلها. وهو في هذا المضمار: بادر الى تخفيف التباين بين الكنائس المسيحية، خصوصاً في زيارته لاسطنبول ولقائه البطريرك المسكوني، وجاهد لإنهاء النزاع بين الولايات المتحدة الاميركية وكوبا، واصدر اكثر من نداء لإيقاف العنف في الشرق الاوسط، لأن الفقراء هم مَن يدفع ثمن هذه النزاعات.
أما ابرز نقاط الاصلاح الديني في رؤية البابا فرنسيس فهي أن تتمكن المرأة المسيحية من تبوء سدة الأُسقفية، وان يتم اشراك المدنيين من غير رجال الدين في تقرير شؤون الكنيسة الكاثوليكية، ذلك ان احتكار القرار من قبل الاكليروس سيؤدي الى ضمور في دور الكنيسة. كما يدعو الى ايجاد حلول واقعية لمُشكلة الموت الرحيم ومثليي الجنس، ولموضوع الاجهاض.
ترقى خطوات البابا فرنسيس الى مصافِ بيريسترويكا، او انتفاضة فاتيكانية جديدة، يمكن لها ان تُحدِث تغييراتٍ جوهرية في انماط التعاطي الانساني في اكثر من مكانٍ في العالم. فهل تنجح هذه الخطوات الاصلاحية؟ ام ان مصيرها سيكون مُشابهاً لمصير مُبادرات سبقتها عبر تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الطويل؟
إرهاب «الإخوان» الناعم أساس تيارات العنف الديني
الحياة..عبدالله حميدالدين ... * كاتب سعودي
من معاني «الإرهاب الناعم» رؤية شمولية عن العالم والذات والآخر والتاريخ تجعل الفرد في حال رفض وصراع وجودي متواصل مع ذاته ومجتمعه والعالم أجمع. ويقابل ذلك «الإرهاب الصلب» المتمثل في أشكال العنف الدموية المختلفة. صحيح أن الإرهاب الناعم ليس عنيفاً لكنه يخلق المناخ الملائم لإفراز أشكال مختلفة من العنف الاجتماعي والسياسي، بدءاً من رفض المختلف وصولاً إلى التفجير.
يتضمن الإرهاب الناعم فعلين: الأول صياغة تلك الرؤية الشمولية والثاني بثها. والأمران أخذا في التشكل في نهايات القرن التاسع العشر كرد فعل على الاستعمار الغربي وتفتيت الدولة العثمانية، لكنهما تبلورا كإيديولوجية كاملة رافقها نشاطان سياسي وتثقيفي مع ظهور «الإخوان المسلمين» إذ استلهم «الإخوان» منذ بداياتهم الفكر القومي الاشتراكي بصيغته النازية والفكر الماركسي بصيغة لينينية. وبلغ الاستلهام مداه مع سيد قطب حيث يشعر القارئ أمام كتابي «ظلال القرآن» و «معالم في الطريق» أنه يقرأ «ما العمل» للينين أو «كفاحي» لهتلر. وأخطر ما قام به «الإخوان المسلمين» - بوعي أو بغير وعي- مزجهم بين الرؤية النازية/ اللينينية للعالم وبين الدين، مما أضفى قداسة الإسلام بأكمله على أيديولوجية شمولية إقصائية عنيفة. لذلك فما نسميه الإسلام السياسي هو في نهاية التحليل فكر شمولي لينيني/ نازي بثوب إسلامي ولا يمت إلى الإسلام بصلة.
دراسة العلاقة بين فكر «الإخوان المسلمين» وبين الفكر اللينيني/ النازي ليست أمراً جديداً، ولكن، للأسف، لم تنل حظها من الاهتمام. فأكثر المحللين اقتنع بأن الإسلام هو الملهم للإسلام السياسي، وعندما يقدم قُطب فكرته بثوب مشحون بالقرآن والحديث فالقارئ سيفترض أن الإسلام ألهم فكرته، ولن يتصوّر أنَّ قُطب أسقط أفكاره المسبقة على الإسلام. بل إن قُطب نفسه ما تصور هذا! وعندما يقدم إرهابي بياناً دينياً لشرح أسباب انتحاره نفترض أن الدين ألهمه. وعندما يقتل داعشي أحداً بحجة أنه كافر نستنتج أن التكفير الديني سبب لأصناف العنف المادي والاجتماعي.
ولا يتبين للمراقب الانفصال بين الدين والإسلام السياسي إلا بالمقارنات بين خطابات هذه الإيديولوجية وخطابات شمولية أخرى. وبدراسة الأفكار المؤثرة على الإسلاموية في مراحلها التأسيسية كفكر ألكسيس كاريل مؤلف «الإنسان ذلك المجهول» والمتعاون مع الحكومة الفرنسية النازية في الحرب العالمية الثانية، حينها ندرك أن الإسلام السياسي ما هو إلا أيديولوجية شمولية بلباس آخر. أيضاً يظهر الانفصال بين الدين وبين الإسلاموية حين نتأمل في الفرق بين تسويغ الفعل وبين دوافع الفعل، وحين ندرك أنَّ التسويغ والدافع لا يتطابقان في أكثر الأحوال. بل حتى التكفير الذي ننسب إليه ثقافة الإرهاب بريء منه. التكفير قبيح لكن التكفير الممارس اليوم يختلف عنه في الماضي. التكفير في الماضي موجّه ضد من لا يؤمن بالله. أما التكفير الإسلاموي المعاصر فموجّه ضد من يقف أمام مسيرة الطليعة المنقذة للبشرية. وهذا النوع الأخير من التكفير هو الأخطر وهو الذي يوصل البعض إلى حد الإرهاب، لأنّه يخلق حالة عداء شخصية بحجم الوجود والتاريخ والأمة بين المكفِّر وبين المكفَّر. إنَّ التكفير المعاصر يجد جذوره في إرهاب الثورة الفرنسية والنازية والستالينية والماوية وليس في تكفير محمد بن عبدالوهاب.
يقول الباحثان هانسن وكاينز في دراسة منشورة عام 2007 بعنوان «الإسلام الراديكالي والإيديولوجية الشمولية: مقارنة بين إسلاموية سيد قطب وبين الماركسية والقومية الاشتراكية»: «بالرغم من كافة الاختلافات (بينهم) إلا أن جدلهم يتبع بنية واحدة: يتم تصوير التاريخ البشري بأنه صراع حياة أو موت بين الخير وبين الشر، حيث يهدد الأشرار الوجود الإنساني. وأولئك الذين يتجسد فيهم الخير عليهم رسالة إنقاذ البشرية بتخليصها من الشر وبتحقيق المدينة الفاضلة..».
ثم يمضي الباحثان في تحديد المشتركات في الرؤية نحو العالم. مثلاً، كل تلك الإيديولوجيات اللينينية والنازية والإسلاموية تؤمن بأن المشكلة المركزية في العالم هي وجود فئة تستغل فئة أخرى. وأن التاريخ يتجه نحو الانحطاط. والصيغة الإسلاموية ترى أن العالم أجمع يحارب الإسلام والمسلمين ويريد أن يقضي على هذا الدين السمح. وأن العالم صار في جاهلية عمياء. كما تتفق تلك الإيديولوجيات في ضرورة إيجاد طليعة مميزة تتحمل مسؤولية تغيير هذا المسار. كما ترى بأن القيم السائدة في العالم مثل الحرية وحقوق الإنسان ما هي إلا وسيلة المستكبرين لاستغلال المستضعفين. أو في الصيغة الإسلاموية فإنَّ القيم الغربية هدفها القضاء على الإسلام من الداخل.
الخطير في الموضوع أن هذه الرؤية اللينينية/ النازية للعالم التي أُلبست ثوباً إسلامياً أصبحت في حكم المسلّمات لدى غالبية المسلمين. لقد كان النجاح الأكبر لـ «الإخوان المسلمين» في أنهم «أخونوا» أكثر العالم الإسلامي. فالحركات السياسية الثورية الشيعية استلهمت رؤيتهم، لكنّها ألبستها ثوباً شيعياً. والحركات السلفية التي تكّفر «الإخوان المسلمين» تبنت الرؤية تماماً وإن كانت رفضت الجانب الحركي من المنهج الإخواني. السلفية المعاصرة هي «إخوان مسلمــون» مجردون من منهج تنظيمي. والجهاديون «إخـــوان مسلمون» ولكن يؤمنون بضرورة تسريع طي المراحل من خلال الحرب على جاهلية مجتمعاتهم وعلى عدو الإسلام الغربي. بل حتى خصوم «الإخوان المسلمين» من المتدينين غير المنتمين، تبنوا تلك الرؤية أو كثيراً منها.
قولب «الإخوان المسلمين»، وخصوصاً سيد قطب، المبادئ الشمولية اللينينية/ الماركسية في قالب ديني بأسلوب سلس وجذاب ومقنع. وقد ساعد في ذلك أمران: الأول أن عملية تشكيل الرؤية حصلت في مرحلة الكفاح ضد الاستعمار، وحينها كان اهتمام المناضلين من كل التيارات صياغة أيديولوجية تجيّش ضد المستعمر. والثاني أن القومية العربية التي حكمت المنطقة لفترة كانت أيضاً تتبنى تلك الرؤية ولكن بلباس العروبة بدل الدين. أي أن المناخ بأجمعه كان مهيأً لقبول تلك الرؤية اللينينية/ النازية والقوة السياسية الحاكمة كانت متبنية لها أيضاً. لقد كانت تلك الرؤية جزءاً أصيلاً من الوعي الجمعي الإسلامي والعربي ثم صارت جزءاً أصيلاً من مناهج التعليم الديني. ولذلك حين سقطت القومية العربية سياسياً استطاع الإسلام السياسي الصعود بسرعة لأنه لم يقم بأمر سوى تقديم لباس جديد أكثر جاذبية لرؤية كانت راسخةً من قبل.
أمر آخر أخطر بكثير هو أن تلك الإيديولوجية نشأت لمقاومة الاستعمار ثم بعد خروجه تحوّلت تدريجياً إلى مقاومة الأنظمة المحلية. إسقاط الملكيات العربية في الفترة القومية وإقامة «الخلافة الراشدة» في الفترة الإسلاموية والتي يمكن رصد بدايتها الفعلية مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث أعطت الأمل بإمكانية تحقيق «الخلافة الراشدة» فانتشرت على إثرها أنواع حركات الإسلام السياسي في محاولة لاستنساخ التجربة.
إن دين الإسلام- كما فهمه المسلمون- كغيره يحتاج إلى المراجعة. لكن الإسلام- حتى التكفير والجهاد- لا يفسّر الإرهاب. لن نقضي على «داعش» و»القاعدة» بمراجعة النصوص الدينية ونشر التسامح الديني أو حتى التجديد الديني. إنَّ أهم خطوة لمكافحة الإرهاب هي مكافحة الإيديولوجية الشمولية اللينينية/ النازية التي ابتلينا بها والتي صارت جزءاً من وعينا الجمعي وصرنا نؤمن بغالبية مفرداتها. لنكافح الإرهاب علينا أولاً أن نكافح الإرهاب الناعم الذي يقوم بصياغة وإدامة ونشر رؤية شمولية لينينية نازية بثوب إسلامي روحي. يجب أن نوقف عمليتي البث والصياغة. كما يجب أن نقدم خطاباً نقدياً لتلك الرؤية الشمولية. ولعلّ أولى الخطوات تجريم «الإخوان المسلمين» باعتبارهم رأس حربة الإرهاب الناعم. لكن هذا لا يكفي لأنَّ الإرهاب الناعم صار ممارسة لدى غالبية التيارات الدينية وغير الدينية ونحن غافلون.
السلفية والديموقراطية ... قيود التأويل والممارسة
الحياة...أحمد جابر ... * كاتب لبناني
تناول غسان خالد مسألة الديموقراطية في سجالات الحركة الإسلامية، مستعرضاً نماذج من مواقف بعض أحزاب هذه الحركة وتنظيماتها، في كتابه: «الإسلاموقراطية، قراءة سوسيولوجية في الفكر الديموقراطي للحركات الإسلامية» (منشورات منتدى المعارف - بيروت).
ينطلق الكاتب من استعراض مفهوم السلفية ونشأته، فيشير إلى الالتباس الذي يحيط به، ويعيده إلى الأمام أحمد بن حنبل، عندما احتج على القائلين بمسألة خلق القرآن بقوله: «لقد رُوي عن سلفنا...». ويتداخل في عوامل الالتباس حضور النزعة الأصولية في المفهوم، وحضور نزعة التجديد والإصلاح، لكن التيارات السلفية كلها، التي تأثرت بزمان النشأة وبمكانها، تلتقي عند فكرة الاتِّباع لا الابتداع، وهي عندما «تجتهد» فإنما تسعى في ميادين التوفيق بين ثوابت العقيدة والحركة المعيشة والعملية، عملاً «بفقه الضرورة والتمكين وفقه الواقع»، وفق الذين سعوا إلى هذا التوفيق، أو أنها تكتفي بنقض العملي تأسيساً على الثابت الإسلامي النظري، وفق الذين يرفضون ليَّ عنق النص مجاراة للواقع.
من الاجتهادات والتفسيرات، يلحظ عبد الغني عماد خمسة تيارات سلفية تتوزع حول مفهوم الديموقراطية والمساهمة في مؤسسات الحكم القائمة، بين فريق مشارك وفقاً لضرورات، وفريق غير مشارك وفقاً لمحظورات، وبين الفريقين علاقات نسب ووشائج صلة واضحة، وبينهما أيضاً اختلاف في النظرة إلى مسألة الديموقراطية وتوابعها لا تخفى على قارئ ولا يخفيها أصحابها في الوقت ذاته:
التيار المدخلي، أو الجامي، هو الأول من بين التيارات الخمسة، يليه التيار السروري والتيار المشيخي، وجماعة الإخوان المسلمين، وأخيراً تيار السلفية الجهادية بفرعيه، النظري والعملي.
وتتوزع مواقف هذه التيارات من الديموقراطية رؤيتان: الأولى تقول بجواز المشاركة في العملية الديموقراطية، والثانية تقول بعدم إباحتها إطلاقاً «باعتبارها كفراً بواحاً».
يقدم المؤلف رؤية الذين يقولون بأن الديموقراطية دين، مطروحة على لسان وفي كتابات أبو محمد عاصم المقدسي، الذي يقول بكفرانية النظم والعسكر والديموقراطية، لأنها كلها مناقضة للدين، ولذلك يرفض كل محاولة للتقريب بين الدين والديموقراطية، وينكر كل محاولة لتقريب الديموقراطية من الشورى، لأنهما من طبيعتين مختلفتين، ولأن الديموقراطية شِرْك واضح. أما أسباب المقدسي في ذلك فثلاثة: الديموقراطية هي حكم الطاغوت وتشريع الشعب، وهي حكم وفق الدستور وليس الشرع، وهي ثمرة العلمانية الخبيثة التي تقوم على فصل الدين عن الدولة. وفي دفاعه عن رفضه، يساجل أبو عاصم المقدسي ضد الذين يسوقون أمثلة مستقاة من التاريخ لتسويغ المشاركة في الحكم، مثلما يرد «شبهات وأباطيل» الذين يرون في المشاركة مصلحة للدعوة الإسلامية. يسجل الكاتب أن «عقلية المقدسي نصوصية»، لذلك فهي تكاد تكون حرفية في شرحها لرؤيتها وتبريرها لمسلكها العملي.
إلى جانب هذا التيار غير المشارك الذي يمثله نموذج أبو عاصم المقدسي، يقدم الكاتب نموذجاً مشاركاً هو «حزب النور» في مصر، الذي قدم برنامجاً سياسياً بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، يتضمن مقدمة تتضمن مسائل الإصلاح السياسي وقيام دولة عصرية، واحترام التعايش السلمي ومؤسسات الدولة، ومحاولة التقريب بين الشورى والديموقراطية.
يشرح «حزب النور» فكرة الحكم في الإسلام، وهو إذ يرفض مسألة فصل الدين عن الدولة، فإنه يؤكد أن الإسلام قادر على الاستيعاب الحديث، أي أنه صالح دائماً. انطلاقاً من ذلك يذهب في مسالك شروحات وممارسات يقوم عليها فقه الواقع، أو الممكن، أو الضرورة. لقد شكل حزب النور «تنويعاً» ضمن الساحة السلفية، وكان له دوره الواضح، ونتائج حصاده السياسي في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر بعد تنحي الرئيس حسني مبارك.
النموذج الثالث الذي يعرض الكاتب لأوضاعه ولرؤيته، هو «حزب التحرير»، الذي أسسه تقي الدين النبهاني. يعرّف الحزب نفسه أنه حزب سياسي يقوم على الإسلام، وليس حزباً إسلامياً يعمل في السياسة، أما الدولة الإسلامية عنده، فكيان تنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، فالدين ليس طقساً فقط، وإنما العقيدة أساس الدولة، لذلك فإن حزب التحرير هو ضد كل الدول الأخرى التي تتخذ لذاتها أسماء ومنطلقات غير إسلامية، وطنية كانت أم قومية... أو ما سوى ذلك من تعريفات.
وفي الموقف من الديموقراطية، يقرر حزب التحرير أنها نظام كفر يحرم أخذها، وأن المشاركة في الانتخابات كفر كذلك، لأنها نظام حكم بشري وتُناقِض الإسلام، القائم على أربع قواعد: المصدر والعقيدة وأساس الأفكار والأنظمة المنبثقة منها. على صعيد آخر، يحدد حزب التحرير شروطاً للمشاركة في الانتخابات، منها استخدام مناسبة الحملات الانتخابية لفضح النظام، وعدم التعاون مع داعميه، وضد التصويت على القوانين الوضعية أو اقتراحها، واعتبار انتخاب رئيس غير مسلم معصية، لأنه «لا ولاية لكافر». أما أسلوب عمل الحزب السياسي، فهو الأسلوب السلمي واعتماد العلنية وليس السرية، وضد مواجهة الحاكم بالعنف إلا في حالة «الكفر البوَاح».
في سياق المشاركة ذاته، يعرض خالد موقف الإخوان والجماعة من الديموقراطية والمشاركة في الحكم، فينقل عن هؤلاء أن الحكومة في الإسلام هي قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي، فهم ضد الفوضى ومع ضرورة الإمام للجماعة. أما السياسة فهي وفق المؤسس حسن البنّا، مبحث من مباحث الإسلام، وقواعد النظام النيابي لا تتنافى مع قواعد الإسلام المعتمدة لنظام الحكم. ومثل أطراف السلفية الأخرى، يرفض الإخوان الفصل بين الدين والدولة، ويؤكدون أن الإسلام نظام شامل، مع اعتقادهم بضرورة التدرج في إقناع المجتمع بذلك.
وكنموذج تطبيقي لفكر «الجماعة»، يتناول الكاتب موقف الجماعة الإسلامية في لبنان، التي أسسها الداعية فتحي يكن، من مزيج يجمع بين «التقليدي في فكر الإخوان والتيار الإسلامي المعاصر». لقد بلورت الجماعة موقفها على نحو أوضح في وثيقتين صادرتين عام 2003 وعام 2010، حددتا الرؤية السياسة للجماعة، ومما تضمنتاه التأكيد على العيش المشترك، الذي من ركائزه احترام الآخر والاعتراف به، والنظر إلى الأخلاق كقيمة مطلقة وإلى العدالة كقيمة إنسانية. إلى ذلك قالت الجماعة بالتعددية كأسلوب حضاري يقره الإسلام ويناسب لبنان، ورفضت الإكراه واكتفت بتبليغ الدعوة، ولم تلحظ تعارضاً بين العبادة والسياسة، واتخذت موقفاً إيجابياً من النظام اللبناني. لقد صاغت الجماعة الإسلامية في لبنان موقفاً براغماتياً فيه رؤية جديدة لمفهوم الوطن والمواطنة، ونسجت شبكة علاقات سياسية مع أطراف الداخل اللبناني، مثلما أقامت علاقات مع آخرين في الخارج،.
وخارج النماذج المختارة، من أحزاب وتنظيمات السلفية، أشار غسان خالد سريعاً إلى تجربة السلفية المغربية، خصوصاً في تونس، حيث ارتبطت فكرة الإنسانية الإسلامية بالديموقراطية والتسامح ونسبية الأفكار. هناك وُجد من حاول الفصل بين الدين والتدين، وبين الإسلام والفكر الإسلامي، مثلما وجد من قال إن الدين ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة للإنسان للانتقال من حالة الوحشة إلى حالة الإيناس، هذا الإنسان الذي هو كائن مكرّم بالعقل والحرية والمسؤولية والرسالة، لذلك فحقوقه لا سلطان لأحد عليها، ويحمل تكاليف لا انفكاك منها. هي محاولة للتوفيق بين النص والحياة، كان من روادها راشد الغنوشي، الذي بذل الجهد في سبيل «تبيئة الديموقراطية» في فكر الحركات الإسلامية، مع التمسك بحقوق الإنسان والحرية.
يخلص الكاتب إلى سؤال مفتوح: لكن ماذا عن الجماعات إذا ما تمكنت من السلطة؟ لقد كان للسؤال بعض الأجوبة الأولى في الجزائر، وبعيد «حركات الربيع العربي» في مصر، وله ارتداداته التي نشهدها في ليبيا وفي سورية وفي العراق... لكن الواقع العياني لا يلغي جدية المحاولات الإسلامية التي سعت إلى فهم الديموقراطية فهماً لا يتعارض مع الدين، وإلى التمييز بين النظرة إليها كآلية حكم وبين اعتبارها نظاماً شاملاً. وثمة دعوة يشدد عليها المؤلف، وهي أن يعيش الفقيه بصفته مفكراً أيضاً، وإذا كان لا بديل من الإصلاح فإن الإصلاح الديني يجب أن يأتي في الطليعة.
السلطة الفلسطينية بمواجهة الضغوط المالية والابتزاز السياسي!
المستقبل...ماجد الكيالي ()() كاتب فلسطيني
تبلغ الموازنة السنوية للسلطة الفلسطينية أزيد من أربعة بلايين دولار بقليل، وقد وصلت كتلة الأجور والرواتب فيها إلى حوالى بليوني دولار، لـ 170 ألف موظف، علماً أن 40 في المئة منهم يعملون في الأجهزة الأمنية، وهم أكثر من العاملين في سلك التعليم، علما ان هؤلاء لا يعملون شيئاً في مجال الدفاع عن الفلسطينيين، إزاء اية اعتداءات من الاحتلال الإسرائيلي، سواء جاءت من قبل الجيش أو من جهة المستوطنين. ويمكن ان ندخل في هذه الحسبة منتسبي الفصائل، الذين يعتمدون عليها في المعاش، وقرابة 40 ألف موظف كانت عينتهم سلطة حركة «حماس» في أجهزة حكومتها في غزة، إثر فرض سيطرتها هناك (صيف 2007)، بعد استبعادها عشرات الألوف من موظفي السلطة السابقين. هكذا يصبح لدينا حوالى ربع مليون فلسطيني يعتمدون في العيش على موارد خارجية، متأتية من الدول المانحة (الغربية والخليجية)، ومن الدول العربية والإقليمية الداعمة للفصائل، دون أن ننسى مئات وربما ألوف العاملين فيما بات يعرف بمنظمات المجتمع المدني.
واضح أن هذا العدد من الموظفين في السلطة (والمنتسبين للفصائل) كبير جدا، لقرابة أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة والقطاع، أي اننا إزاء قطاع واسع من الفلسطينيين يعتمد كليا على الخارج في إعالته ومعاشه.
ولا شك في ان هذه الحالة تولد تأثيرات او تشوهات كثيرة اجتماعية ونفسية وسياسية، فنحن إزاء طبقة لا ترتبط بأي نمط انتاجي، وليس لها صلة مباشرة بالمصالح السياسية والاقتصادية للفلسطينيين، ما يعني تولد وعي سياسي، وربما أولويات وقيم سياسية ووطنية مختلفة. وفي المحصلة فإن هذا الوضع يسهم في اضعاف اجماعات الفلسطينيين، وضمن ذلك تفارق مواقفهم إزاء الاحتلال، أو إزاء التخلص من الاحتلال، لاسيما انه يضع جزءا كبيرا منهم، إزاء مفاضلة صعبة وخطيرة، بين تمسكهم بحقوقهم الوطنية، وبين حفاظهم على لقمة عيشه.
المشكلة أن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، في خضم مراهنتها على عملية التسوية، لم تشتغل على أساس أنها تدرك هذه المخاطر، إذ إنها على العكس اشتغلت على تضخيم عدد الموظفين في أجهزة السلطة المدنية والأمنية، بدعوى سعيها لاستيعاب العائدين من الخارج، من العاملين في المنظمة والفصائل، واستيعاب قطاعات الشباب من الوافدين الجدد إلى سوق العمل في الضفة وغزة، الذين لا يجدون فرصتهم لكسب العيش في القطاع الخاص، وفي المجالات الإنتاجية، مع تضاؤل إمكانيات العمل في الدول الخليجية، بالقياس للسابق.
في الواقع فإن هذه القيادة لم تنتبه جيدا إلى أن إسرائيل، كقوة احتلال، تعمدت التضييق على الفرص الاقتصادية عند الفلسطينيين، وخنق القطاعات الإنتاجية الواعدة في الضفة وغزة، وسد الأبواب أمام انتاجاتهم الزراعية والصناعية المعدة للتصدير، والأنكى انها شرعت ذلك بفرضها نوعا من اتفاق اقتصادي (اتفاقية باريس) ملحق باتفاق أوسلو، عزز من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلي.
هكذا تحررت إسرائيل من العبء الاقتصادي الناجم عن الاحتلال، بعد ان ارتاحت من العبء السياسي مع قيام السلطة، بتحميل نفقات السلطة على الدول المانحة، وهي في الوقت ذاته وضعت السلطة تحت رحمتها، كما هو حاصل في حجبها أكثر من مرة أموال «المقاصة»، والتي تقتطعها كضرائب عن البضائع، لصالح السلطة الفلسطينية، وتقدر بحوالى 150 مليون دولار شهريا، بحيث بات للموقف السياسي الذي تتخذه السلطة ثمنه المالي.
في كل ذلك باتت القيادة الفلسطينية في مكانة صعبة إزاء أي موقف، أو خيار، سياسي قد تتخذه دفاعا عن مصالح الشعب الفلسطيني، إذ باتت مضطرة للأخذ في الحسبان واقع الاعتمادية على الخارج، أي للدول المانحة التي تمول عملية «السلام، ولشبكة العلاقات الاقتصادية التي ترهنها بإسرائيل، بحيث أنها تضطر في كل مرة للمفاضلة بين موقفها الوطني، وحاجتها للأموال لتغطية نفقات عيش جيش الموظفين فيها.
هذا الوضع، أو هذا الارتهان، هو الوضع الذي جعل إسرائيل، توقف مجدداً اموال السلطة (125 مليون دولار)، بعد توجهها مؤخًرا إلى مجلس الامن الدولي، كإجراء عقابي لها، بل إنها تطالب الولايات المتحدة، أيضا، أن تفعل الامر نفسه وتوقف مساعداتها للسلطة (400 مليون دولار سنويا).
وكانت محاولات تجفيف موارد منظمة التحرير، مطلع التسعينيات، قد ساهمت في أخذها نحو اتفاق اوسلو المجحف (1993)، بمعنى أن هذا المشهد يتكرر ثانية الآن بوضع الفلسطينيين مجددا بين خياري التجويع او التطويع، أي التنازل عن الحقوق.
المشكلة أن القيادة الفلسطينية لم تستفد من هذا الدرس، ونقلت تجربتها في الخارج إلى الداخل، من دون ان تبالي بتزايد اعتماديتها على الخارج، وبتضخم جهاز الموظفين لديها.
وفي استعراض حال التجربة الفلسطينية (قبل إقامة السلطة)، مثلاً، يمكننا ملاحظة أن الحركة الوطنية الفلسطينية تصرفت بلا مبالاة كبيرة إزاء تزايد اعتماديتها على الدعم المالي من دول متضاربة السياسيات، وإزاء تضخم أعداد المتفرغين لديها، وانتفاخ أجهزتها الخدمية والأمنية والديبلوماسية، وبروز مظاهر الانفاق الغريب عن قيم وسلوكيات افراد يفترض أنهم نذروا أنفسهم للدفاع عن حقوق شعبهم. وقد نتج عن كل ذلك افساد الحياة السياسية الفلسطينية، وسيادة علاقات المحسوبية، على حساب الكفاءة والأهلية النضالية والنزاهة الشخصية. أما على الصعيد السياسي فقد أدى كل ذلك إلى انتهاج الحركة الوطنية الفلسطينية لأشكال عمل لا تراعي مستوى تنظيم هذه الحركة، وتحاول حرق المراحل، وتمثل ذلك بإنشاء ما يشبه جيوشا وميليشيات وقواعد ثابتة، وهي كلها لم تصمد امام الآلة العسكرية الإسرائيلية، وهي التجارب التي تكررت في الداخل، وبطريقة مأسوية أكثر من مرة. وليس بعيداً أن النفخ في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ بداياتها، نمّى الأوهام عندها بقدراتها، كما ليس بعيدا ان ذلك حصل استجابة لاملاءات بعض الداعمين، او تساوقا مع سياساتهم، فالنتيجة كانت واحدة، إذ ان ذلك جرى من دون مراعاة هادئة وموضوعية واقع الشعب الفلسطيني وامكانياته واولوياته.
واضح أن هذا العدد من الموظفين في السلطة (والمنتسبين للفصائل) كبير جدا، لقرابة أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة والقطاع، أي اننا إزاء قطاع واسع من الفلسطينيين يعتمد كليا على الخارج في إعالته ومعاشه.
ولا شك في ان هذه الحالة تولد تأثيرات او تشوهات كثيرة اجتماعية ونفسية وسياسية، فنحن إزاء طبقة لا ترتبط بأي نمط انتاجي، وليس لها صلة مباشرة بالمصالح السياسية والاقتصادية للفلسطينيين، ما يعني تولد وعي سياسي، وربما أولويات وقيم سياسية ووطنية مختلفة. وفي المحصلة فإن هذا الوضع يسهم في اضعاف اجماعات الفلسطينيين، وضمن ذلك تفارق مواقفهم إزاء الاحتلال، أو إزاء التخلص من الاحتلال، لاسيما انه يضع جزءا كبيرا منهم، إزاء مفاضلة صعبة وخطيرة، بين تمسكهم بحقوقهم الوطنية، وبين حفاظهم على لقمة عيشه.
المشكلة أن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، في خضم مراهنتها على عملية التسوية، لم تشتغل على أساس أنها تدرك هذه المخاطر، إذ إنها على العكس اشتغلت على تضخيم عدد الموظفين في أجهزة السلطة المدنية والأمنية، بدعوى سعيها لاستيعاب العائدين من الخارج، من العاملين في المنظمة والفصائل، واستيعاب قطاعات الشباب من الوافدين الجدد إلى سوق العمل في الضفة وغزة، الذين لا يجدون فرصتهم لكسب العيش في القطاع الخاص، وفي المجالات الإنتاجية، مع تضاؤل إمكانيات العمل في الدول الخليجية، بالقياس للسابق.
في الواقع فإن هذه القيادة لم تنتبه جيدا إلى أن إسرائيل، كقوة احتلال، تعمدت التضييق على الفرص الاقتصادية عند الفلسطينيين، وخنق القطاعات الإنتاجية الواعدة في الضفة وغزة، وسد الأبواب أمام انتاجاتهم الزراعية والصناعية المعدة للتصدير، والأنكى انها شرعت ذلك بفرضها نوعا من اتفاق اقتصادي (اتفاقية باريس) ملحق باتفاق أوسلو، عزز من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلي.
هكذا تحررت إسرائيل من العبء الاقتصادي الناجم عن الاحتلال، بعد ان ارتاحت من العبء السياسي مع قيام السلطة، بتحميل نفقات السلطة على الدول المانحة، وهي في الوقت ذاته وضعت السلطة تحت رحمتها، كما هو حاصل في حجبها أكثر من مرة أموال «المقاصة»، والتي تقتطعها كضرائب عن البضائع، لصالح السلطة الفلسطينية، وتقدر بحوالى 150 مليون دولار شهريا، بحيث بات للموقف السياسي الذي تتخذه السلطة ثمنه المالي.
في كل ذلك باتت القيادة الفلسطينية في مكانة صعبة إزاء أي موقف، أو خيار، سياسي قد تتخذه دفاعا عن مصالح الشعب الفلسطيني، إذ باتت مضطرة للأخذ في الحسبان واقع الاعتمادية على الخارج، أي للدول المانحة التي تمول عملية «السلام، ولشبكة العلاقات الاقتصادية التي ترهنها بإسرائيل، بحيث أنها تضطر في كل مرة للمفاضلة بين موقفها الوطني، وحاجتها للأموال لتغطية نفقات عيش جيش الموظفين فيها.
هذا الوضع، أو هذا الارتهان، هو الوضع الذي جعل إسرائيل، توقف مجدداً اموال السلطة (125 مليون دولار)، بعد توجهها مؤخًرا إلى مجلس الامن الدولي، كإجراء عقابي لها، بل إنها تطالب الولايات المتحدة، أيضا، أن تفعل الامر نفسه وتوقف مساعداتها للسلطة (400 مليون دولار سنويا).
وكانت محاولات تجفيف موارد منظمة التحرير، مطلع التسعينيات، قد ساهمت في أخذها نحو اتفاق اوسلو المجحف (1993)، بمعنى أن هذا المشهد يتكرر ثانية الآن بوضع الفلسطينيين مجددا بين خياري التجويع او التطويع، أي التنازل عن الحقوق.
المشكلة أن القيادة الفلسطينية لم تستفد من هذا الدرس، ونقلت تجربتها في الخارج إلى الداخل، من دون ان تبالي بتزايد اعتماديتها على الخارج، وبتضخم جهاز الموظفين لديها.
وفي استعراض حال التجربة الفلسطينية (قبل إقامة السلطة)، مثلاً، يمكننا ملاحظة أن الحركة الوطنية الفلسطينية تصرفت بلا مبالاة كبيرة إزاء تزايد اعتماديتها على الدعم المالي من دول متضاربة السياسيات، وإزاء تضخم أعداد المتفرغين لديها، وانتفاخ أجهزتها الخدمية والأمنية والديبلوماسية، وبروز مظاهر الانفاق الغريب عن قيم وسلوكيات افراد يفترض أنهم نذروا أنفسهم للدفاع عن حقوق شعبهم. وقد نتج عن كل ذلك افساد الحياة السياسية الفلسطينية، وسيادة علاقات المحسوبية، على حساب الكفاءة والأهلية النضالية والنزاهة الشخصية. أما على الصعيد السياسي فقد أدى كل ذلك إلى انتهاج الحركة الوطنية الفلسطينية لأشكال عمل لا تراعي مستوى تنظيم هذه الحركة، وتحاول حرق المراحل، وتمثل ذلك بإنشاء ما يشبه جيوشا وميليشيات وقواعد ثابتة، وهي كلها لم تصمد امام الآلة العسكرية الإسرائيلية، وهي التجارب التي تكررت في الداخل، وبطريقة مأسوية أكثر من مرة. وليس بعيداً أن النفخ في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ بداياتها، نمّى الأوهام عندها بقدراتها، كما ليس بعيدا ان ذلك حصل استجابة لاملاءات بعض الداعمين، او تساوقا مع سياساتهم، فالنتيجة كانت واحدة، إذ ان ذلك جرى من دون مراعاة هادئة وموضوعية واقع الشعب الفلسطيني وامكانياته واولوياته.
ظاهرة «الزعماء» في إسرائيل
المستقبل...د. اسعد عبد الرحمن
منذ العام 1977، تغنت الدولة الصهيونية بأنها دولة الحزبين الكبيرين، يتحلق حول كل منهما أحزاب صغيرة متنوعة، تراوح بين اليمين واليسار، وترتبط بظاهرة الحكومات الائتلافية حيث يصعب على حزب واحد الحصول على أغلبية الأصوات في الانتخابات لتشكيل الحكومة. وعلى النقيض، نجد في بلدان عربية عديدة، ظاهرة الحزب الأوحد (أو الزعيم الأوحد بدون حزب أحيانا!!) الذي يحتكر الحياة السياسية في داخله مع قلة من الناس لهم امتيازات خاصة، بحيث يبرز من فوقهم ومن فوق الشعب زعيم/ ديكتاتور (في الأغلب الأعم)، عقدته الأولى تكمن في «الأنا المتضخمة»، ما يدفعه إلى عدم احترام آراء الآخرين إلى درجة السخرية المهينة، كي لا نتحدث عن القمع والاضطهاد المباشرين.
اليوم، بدلا من الحزب الممأسس، بدأت تنمو في إسرائيل ظاهرة حزب «الزعيم»، نقيض الديموقراطية. وبحسب تلخيص كاشف يورده لحال الدولة الصهيونية كما هي الآن، يقول الكاتب الإسرائيلي (أوري أفنيري): «أرى أمامي دولة في حالة طوارئ، تلفظ فيها الديموقراطية أنفاسها الاخيرة وتداس حقوق الانسان، وتختفي فيها العدالة الاجتماعية، وتتفشى العنصرية، ويخرب فيها المستوطنون وأذرعهم كل قطعة طيبة، دولة تسارع نحو هاوية لا رجعة عنها».
هذه الأيام، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي طالما اعتبر «الزعيم الأوحد» لليمين الإسرائيلي، يجد نفسه في منافسة لم يعتد عليها، ليس فقط في معسكر اليمين وإنما داخل الليكود، وخصوصاً أن استطلاعات رأي كثيرة تشير إلى ضجر غالبية المجتمع الإسرائيلي منه. في السياق، كتب المذيع الإسرائيلي (آتيلا سومفالفي) مقالا تحليليا بعنوان «عصر الملك نتنياهو انتهى»، يقول فيه: «إن النظام السياسي والجمهوري داخل إسرائيل، فضلا عن المعلقين واستطلاعات الرأي، كانوا يعتبرون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ليس له مثيل، وأنه لا يمكن أن يحل محله أحد، حتى ذهب بعضهم الى حد تسميته «الملك بيبي».. لكن لا يمكن تجاهل التوجه الذي تكشف عنه الاستطلاعات.. لقد أمسى عصر الملوك على ما يبدو خلفنا، فلأول مرة منذ شهور وربما سنوات، يستعد الإسرائيليون لوداع الزعيم الأوحد، الملك، وإعطاء الفرصة لشخص جديد. ويختم: «الأمر المثير الذي توضحه الاستطلاعات أن الجميع ظلوا يعتقدون لفترة طويلة أن قوة نتنياهو أكبر من قوة حزب الليكود». ووفق «مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية»، فإن (نتنياهو): «يضغط بسرعة ويرتبك بسهولة ويصاب برعشة الأقدام في اللحظة الحاسمة، مما يجعله متردداً يكثير من الالتفات يمينه وشماله وخلفه، يهتم بما يقال وينشر عنه أكثر من اهتمامه بجوهر القضايا، ولديه جبن مستدام إزاء الحسم في القضايا الكبرى إلا ان وجد خلفه وإلى جانبه من يدعمه من الشخصيات الأمنية القوية». إنها صفات الزعيم الأوحد نفسه في دول العالم الثالث.
ومع بدء تلاشي «الزعيم الأوحد»، برزت في إسرائيل ظاهرة «الزعيم» من قادة اليمين واليسار على حد سواء. فمثلا، كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية (افيغدور ليبرمان) يستعد لإجراء تغييرات في قائمة مرشحي حزبه للكنيست، تشمل إقصاء بعضهم، ذلك أن الحزب لا يجري انتخابات داخلية وأن (ليبرمان) هو الوحيد الذي يتخذ القرارات بشأن قائمة المرشحين. وفي مقال بعنوان «الأنا المنتفخة»، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق (موشيه أرنس) عن اشمئزازه من أحزاب الرجل/ الزعيم الواحد في إسرائيل، وكتب يقول: «هناك تفسيرات كثيرة للتدهور في الساحة السياسية في اسرائيل من وضع تصارع فيه حزبان كبيران وبعض الأحزاب الأصغر الى وضع فيه عدد كبير من الاحزاب الصغيرة تتصارع على تأييد الناخبين. من الواضح أن السبب الحاسم لهذا التغيير هو أن عدة سياسيين، لديهم «أنا» منتفخة، قاموا بأدوار مهمة في قيادة اسرائيل في السنوات الاخيرة، ولم يسلموا بالقيود الموجودة في أحزاب ممأسسة، وتصوروا أنهم يستطيعون شق طريقهم بأنفسهم من خلال اقامة أحزاب جديدة ومحاولة تدمير أحزاب قائمة». وإلى ظاهرة «الأنا المنتفخة»، يضيف (يوفال يوعز) بعدا جديدا يتجلى في «عدم استقرار السلطة في إسرائيل»، فيقول: «جزء من المشكلة ينبع من عدم الاستقرار في البنية الحزبية في إسرائيل. فالأحزاب تظهر وتختفي، تنقسم وتتحد، ويتحرك السياسيون من حزب إلى آخر من دون تردد. هذه الطريقة تشجع الانتهازيين الذين يعرضون أنفسهم للبيع لمن يدفع أكثر في سوق الاحزاب، وتمحو الهوية الايديولوجية للأحزاب المختلفة، هذا اذا بقيت هوية كهذه. وهذا يخلق أيضا شعورا لدى الناخبين بأنه، بغض النظر عن الورقة التي سيضعونها في الصناديق، فإنهم سيرون الوجوه نفسها فوق مقاعد الجلد في الفترة الانتخابية القادمة»!!! وغني عن الذكر أن ظاهرة «الزعماء» هذه تعزز حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي في إسرائيل، مثلما تفاقم من اهتزاز «المضمون الديموقراطي» السابق للدولة الصهيونية!
اليوم، بدلا من الحزب الممأسس، بدأت تنمو في إسرائيل ظاهرة حزب «الزعيم»، نقيض الديموقراطية. وبحسب تلخيص كاشف يورده لحال الدولة الصهيونية كما هي الآن، يقول الكاتب الإسرائيلي (أوري أفنيري): «أرى أمامي دولة في حالة طوارئ، تلفظ فيها الديموقراطية أنفاسها الاخيرة وتداس حقوق الانسان، وتختفي فيها العدالة الاجتماعية، وتتفشى العنصرية، ويخرب فيها المستوطنون وأذرعهم كل قطعة طيبة، دولة تسارع نحو هاوية لا رجعة عنها».
هذه الأيام، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي طالما اعتبر «الزعيم الأوحد» لليمين الإسرائيلي، يجد نفسه في منافسة لم يعتد عليها، ليس فقط في معسكر اليمين وإنما داخل الليكود، وخصوصاً أن استطلاعات رأي كثيرة تشير إلى ضجر غالبية المجتمع الإسرائيلي منه. في السياق، كتب المذيع الإسرائيلي (آتيلا سومفالفي) مقالا تحليليا بعنوان «عصر الملك نتنياهو انتهى»، يقول فيه: «إن النظام السياسي والجمهوري داخل إسرائيل، فضلا عن المعلقين واستطلاعات الرأي، كانوا يعتبرون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ليس له مثيل، وأنه لا يمكن أن يحل محله أحد، حتى ذهب بعضهم الى حد تسميته «الملك بيبي».. لكن لا يمكن تجاهل التوجه الذي تكشف عنه الاستطلاعات.. لقد أمسى عصر الملوك على ما يبدو خلفنا، فلأول مرة منذ شهور وربما سنوات، يستعد الإسرائيليون لوداع الزعيم الأوحد، الملك، وإعطاء الفرصة لشخص جديد. ويختم: «الأمر المثير الذي توضحه الاستطلاعات أن الجميع ظلوا يعتقدون لفترة طويلة أن قوة نتنياهو أكبر من قوة حزب الليكود». ووفق «مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية»، فإن (نتنياهو): «يضغط بسرعة ويرتبك بسهولة ويصاب برعشة الأقدام في اللحظة الحاسمة، مما يجعله متردداً يكثير من الالتفات يمينه وشماله وخلفه، يهتم بما يقال وينشر عنه أكثر من اهتمامه بجوهر القضايا، ولديه جبن مستدام إزاء الحسم في القضايا الكبرى إلا ان وجد خلفه وإلى جانبه من يدعمه من الشخصيات الأمنية القوية». إنها صفات الزعيم الأوحد نفسه في دول العالم الثالث.
ومع بدء تلاشي «الزعيم الأوحد»، برزت في إسرائيل ظاهرة «الزعيم» من قادة اليمين واليسار على حد سواء. فمثلا، كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية (افيغدور ليبرمان) يستعد لإجراء تغييرات في قائمة مرشحي حزبه للكنيست، تشمل إقصاء بعضهم، ذلك أن الحزب لا يجري انتخابات داخلية وأن (ليبرمان) هو الوحيد الذي يتخذ القرارات بشأن قائمة المرشحين. وفي مقال بعنوان «الأنا المنتفخة»، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق (موشيه أرنس) عن اشمئزازه من أحزاب الرجل/ الزعيم الواحد في إسرائيل، وكتب يقول: «هناك تفسيرات كثيرة للتدهور في الساحة السياسية في اسرائيل من وضع تصارع فيه حزبان كبيران وبعض الأحزاب الأصغر الى وضع فيه عدد كبير من الاحزاب الصغيرة تتصارع على تأييد الناخبين. من الواضح أن السبب الحاسم لهذا التغيير هو أن عدة سياسيين، لديهم «أنا» منتفخة، قاموا بأدوار مهمة في قيادة اسرائيل في السنوات الاخيرة، ولم يسلموا بالقيود الموجودة في أحزاب ممأسسة، وتصوروا أنهم يستطيعون شق طريقهم بأنفسهم من خلال اقامة أحزاب جديدة ومحاولة تدمير أحزاب قائمة». وإلى ظاهرة «الأنا المنتفخة»، يضيف (يوفال يوعز) بعدا جديدا يتجلى في «عدم استقرار السلطة في إسرائيل»، فيقول: «جزء من المشكلة ينبع من عدم الاستقرار في البنية الحزبية في إسرائيل. فالأحزاب تظهر وتختفي، تنقسم وتتحد، ويتحرك السياسيون من حزب إلى آخر من دون تردد. هذه الطريقة تشجع الانتهازيين الذين يعرضون أنفسهم للبيع لمن يدفع أكثر في سوق الاحزاب، وتمحو الهوية الايديولوجية للأحزاب المختلفة، هذا اذا بقيت هوية كهذه. وهذا يخلق أيضا شعورا لدى الناخبين بأنه، بغض النظر عن الورقة التي سيضعونها في الصناديق، فإنهم سيرون الوجوه نفسها فوق مقاعد الجلد في الفترة الانتخابية القادمة»!!! وغني عن الذكر أن ظاهرة «الزعماء» هذه تعزز حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي في إسرائيل، مثلما تفاقم من اهتزاز «المضمون الديموقراطي» السابق للدولة الصهيونية!
ثقافة القتل ومفهوم «الحاكمية»
الحياة...محمد سيد رصاص ... * كاتب سوري
بعد انتصاره في معركة الجمل عام 36 للهجرة قال الإمام علي بن أبي طالب للسيدة عائشة بنت أبي بكر التي كانـــت في الجانب الآخر، الكلمات التالية: «أي أمة، يغفر الله لنا ولكم» («تاريخ الطبري»، دار التراث، بيروت 1967، ج4 ص27). وقد أقــام الصلاة على قتلى الطرفين ودفنهم في مدفن واحد قائلاً عن خصومه في المعركة: «إنهم مسلمون وما زالوا مسلمين» (هشام جعيط: «الفتنة»، دار الطليعة، بيروت2005، ط 5، ص195-196).
لم يكن هذا الرأي شاملاً لكل معسكر المنتصرين في معركة الجمل، وبخاصة أولئك الذين اشتركوا قبل فترة قصيرة في قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وبالذات فئة «القرَاء» الذين كانوا أصحاب فهم حرفي للقرآن. وقد نجحوا في إحراج الإمام علي في معركة صفين (37 للهجرة) للقبول بالتحكيم حين رفعت المصاحف في ذروة غبار المعركة، ولكن عندما سمّي الحكمان من قبل الطرفين اعترض «القرَاء» رافعين شعار: «لا حكم إلا للَه»، وهو ماعنى فهماً بأن القرآن يمثل حضور الله وحكمه وحاكميته، وبالتالي ليس بشراً يتلقونه بفهمهم البشري في زمان ومكان معينين. وأعطى سلوكهم الذي خرج ضد طرفي التحكيم بأن فهمهم الخاص للقرآن هو الاسلام ومن كان في غير نطاق هذا الفهم سواء عند معسكري عليّ ومعاوية أوعند القعدة عن المعسكرين (أسامة بن زيد، سعد بن أبي وقاص، عبدالله بن عمر... إلخ) فهو خارج خيمة الاسلام. هنا، أتى التكفير للمسلمين الآخرين من فكرة الحاكمية عندهم، فقد اعتبروا الله حاكماً للبشر من خلال حضور قرآنه، وقد اعتبروا أنفسهم الممثل الحصري لهذه الحاكمية، وفهمهم الخاص للاسلام هو الاسلام والذي عند المسلمين الآخرين من الفئات الثلاث المذكورة هو الكفر «ما دام مرتكب الكبيرة كافراً كفر ملة يخرج به من الاسلام جملة واحدة»، وفق تعبير نافع بن الأزرق (قتل عام 65 هجرية) أحد أبرز زعماء الخوارج، سواء «الفئة الباغية» أو الذي ارتضى التحكيم بينه وبينها أو الذين قعدوا عن قتالها.
عند العودة من معركة صفين اعتزل الخوارج في ناحية حروراء قرب الكوفة، رافضين مجاورة معسكر علي في عاصمته ومهاجرين عنه، لذلك تمت تسميتهم «الحرورِية» أول أمرهم. قاتلهم علي في معركة النهروان (38 هجرية) لما انتقلوا عبر جسر «التكفير» إلى «القتل» من خلال ذبح ابن أحد الصحابة، عبدالله بن خباب بن الأرت، وبقر بطن زوجته الحامل، بعد أن استنطقوه ورفض البراءة من علي. كان سلوكهم مع ابن خباب ارهاصاً بفتواهم اللاحقة عند ابن الأزرق بـ «جواز قتل مخالفيهم ونسائهم وأطفالهم».
يوحي الفعل الخارجي بالتالي: «الله أصدر حكمه في كتابه وواجبنا تنفيذه». اعتبروا أنفسهم هم «المسلمون الصحيحون» والباقي من كل مخالفيهم من المسلمين الآخرين مجرد «كفار». لهذا قاموا بالهجرة عن كل هؤلاء ثم بمقاتلتهم وبقتلهم وبقتل نسائهم وأطفالهم، وحكموا بأنه لا يحل ميراثهم ولا أكل ذبائحهم ولا الزواج منهم. وقد أطلقوا على أنفسهم اسم «أهل الحق» من منطلق «أن القرآن قد نطق بكل شيء وهم مفسروه الوحيدون وحاملوه بوصفهم جسراً بشرياً مصطفى لتطبيق حاكمية الله الممثلة في النص القرآني».
جابه الإمام علي الخوارج بأن القرآن نص الناس «هم الذين يستنطقونه» في رده على شعار «لاحكم إلا للَه». وكان اغتيالهم له في 17 رمضان 40 للهجرة في صحن مسجد الكوفة عند صلاة الفجر نابعاً من تكفيرهم إياه منذ «تخليه عن معسكر أهل الحق» يوم قبوله بتحكيم بشري في خلاف سياسي مع «البغاة»، وهو ليس خلافاً بين بشر بل بين من يمثلون «حاكمية الله» وبين من يخرجون عن أمر الله.
خلال المدة الفاصلة بين معركة صفين (37هجرية / 657 ميلادية) وصدور كتاب أبو الأعلى المودودي «المصطلحات الأربعة في القرآن: الإله والرب والدين والعبادة» عام 1941 لم يحصل أن صدر نص آخر يمثل متابعة سنّية أو شيعية لفكرة الخوارج حول «الحاكمية». ومن خلال كتاب المودودي وعبر «الحاكمية» تولدت فكرة «التكفير» و«الجاهلية» عند سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق» عام 1964، وقال إنه تدخل «في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً» (ص 120 من كتاب قطب، مكتبة وهبة، القاهرة 1964). كما تولدت عبر الفكرتين الأخيرتين فكرة «الطليعة المؤمنة» و«النزعة الجهادية» بطابعها الأصولي الإخواني قبل أن تتحد هذه مع سلفيين وتتولد «السلفية الجهادية».
لا يرى المودودي أن الألوهة هي مصطلح يرتبط أساساً بالخلق والتدبير أو رعاية الكو، ويرى أنها أبعد من الهداية عبر الكتب المنزلة، بل هي سلطة دائمة على الكون والطبيعة والبشر وحاكمية عليهم: «إن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى» (ص 15 من نسخة ألكترونية للكتاب
www.ahlalhadeeth.com/vb/showthread.php?t=36059)
و«الألوهية تشتمل على معاني الحكم والملك»(ص17) و»أصل الألوهية وجوهرها هما السلطة»(ص13) و«القرآن يجعل الربوبية مترادفة مع الحاكمية «(ص43). لا يحدد المودودي من يمثل «حاكمية الله» على الأرض، ولكن من الواضح أنها، كما عند الخوارج، قادت وستقود إلى أن يمثلها بشر يعتبرون أنفسهم «أهل الحق» وغيرهم «أهل الباطل والكفر».
لحظة قرار بشأن مصر
ديفيد شينكر
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن
على الرغم من أن مصر تشكل أصلاً استراتيجياً هاماً بالنسبة للولايات المتحدة - بمنحها أولوية المرور في قناة السويس إلى السفن الحربية الأمريكية وحقّ التحليق غير المقيد إلى طائرات القوات المسلحة الأمريكية - إلا أن الحكومة الجديدة بقيادة القائد العسكري السابق عبد الفتاح السيسي تمارس نهجاً قمعياً على نحو متزايد. ووفقاً لذلك، فإن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مترددة في استئناف إرسال المساعدات العسكرية والاقتصادية بشكل كامل إلى مصر، وهي البلاد التي تحصل على المساعدات الأمريكية منذ وقت طويل. وإذا لم تقدم واشنطن هذه المساعدات في غضون الأسابيع المقبلة، فسينتهي برنامج التمويل العسكري الخارجي المخصص لمصر، الذي كان ثابتاً منذ التوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، مما سيلحق الضرر بالعلاقة الثنائية بين القاهرة وواشنطن، التي هي هشة بالفعل.
الخلفية
على مدى العقود الثلاثة الماضية، قدمت واشنطن لمصر أكثر من 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وهو برنامج يشكل اليوم 80 في المائة من ميزانية المشتريات العسكرية الإجمالية السنوية في البلاد، إذ تتلقى القاهرة 1.3 مليار دولار كل عام في إطار برنامج التمويل العسكري الخارجي الذي يسمح لها بشراء معدات عسكرية أمريكية الصنع والحصول على المساعدة التقنية بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، إضافة إلى مبلغ 250 مليون دولار للدعم الاقتصادي السنوي. وفي حين أنها ليست أموال "مخصصة" بحد ذاتها، إلا أن المساعدات الأمريكية قد دعمت السلام ما بين إسرائيل ومصر منذ عام 1981. ويقيناً، أن التمويل قد تراجع بشكل كبير بالنسبة إلى مصر على مر السنين: ففي أوائل الثمانينات، كانت المساعدات تعادل 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، ولكن هذه النسبة تصل اليوم إلى أقل من 1 في المائة. ومع ذلك، يبقى هذا التمويل رمزاً هاماً على التزام الولايات المتحدة ويضمن بقاء القاهرة، على الأقل اسمياً، ضمن المدار الموالي للغرب.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت مصر تحارب التمرد المتنامي في سيناء. ويأتي هذا العصيان - الذي أسفر عن مقتل أكثر من 500 من عناصر الجيش والأمن حتى يومنا هذا - تحت زعامة جماعة «أنصار بيت المقدس» التي أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة الجماعات الارهابية، والتي أعلنت مؤخراً ولاءها لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية». والأسوأ من ذلك أن العنف آخذ في التكاثر داخل وادي النيل كما يتبين من أحدث سلسلة من الهجمات التي أودت بحياة ستة من ضباط الشرطة في القاهرة.
وعلى الرغم من هذا التهديد، أدى امتناع الكونغرس الأمريكي عن إعطاء موافقته العام الماضي إلى تأخير كبير في عملية تسليم عشر طائرات هليكوبتر هجومية من طراز "أباتشي" لاستخدامها في مكافحة التمرد في مصر. وفي الوقت نفسه، تواصل الإدارة الأمريكية تأخير تسليم المشتريات السابقة من مجموعة دبابات أم 1 أبرامز 1 "M1A1"، وطائرات "إف 16" المقاتلة، وصواريخ "هاربون".
شروط الكونغرس
في إطار تخوفه من الإطاحة بالحكومة المنتخبة السابقة في مصر والاستبدادية الزاحفة في ظل حكم الرئيس السيسي، شرع الكونغرس الأمريكي إلى فرض شروط في الميزانية المالية لعام 2014 للحد من صرف الأموال. ومن أجل تسليم النصف الأول من التمويل المالي لعام 2014، تعيّن على الإدارة الأمريكية التأكيد على أن مصر تحافظ على العلاقة الاستراتيجية وتوفي بالتزاماتها التي تنص عليها معاهدة السلام مع إسرائيل. ومن أجل تسليم الدفعة المتبقية من المساعدات، لا بد لوزير الخارجية من أن يؤكد على أن مصر: (1) أجرت استفتاءً على الدستور، (2) وتدعم عملية الانتقال الديمقراطي، (3) وأجرت انتخابات رئاسية وبرلمانية، (4) وتتخذ خطوات لِحُكم البلاد ديمقراطياً. ولكن في خلاف ذلك، يمكن لوزير الخارجية التنازل عن هذه الشروط إذا تم تخصيص المساعدة لمكافحة الإرهاب، وضمان أمن الحدود، ومكافحة انتشار الأسلحة، وجهود التنمية في سيناء.
وفي حين أن ميزانية السنة المالية 2015 التي تم إقرارها في كانون الأول/ ديسمبر أضافت تنازلاً عاماً يخص الأمن القومي إلى التنازل المتعلق بمخصصات سيناء - ما لم يكن موجوداً في التشريع الخاص بالعام المالي 2014 - إلا أن هذا التنازل كان أكثر تقييداً بطرق أخرى. فهو يفرض على وزير الخارجية، من بين أمور أخرى، التأكيد على أن الانتخابات البرلمانية كانت حرة ونزيهة، وأن مصر كانت تنفذ إصلاحات لحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وكانت توفر الإجراءات القانونية الواجبة للمعتقلين وتطلق سراح السجناء السياسيين الأمريكيين. وفي الوقت الحاضر، لم تحقق القاهرة أياً من هذه الشروط، ولم يتم بعد تخصيص الأموال التي تُقدم عادة إلى مصر للسنة المالية 2015.
الوضع الحالي
تقليدياً، كان يتم إيداع التمويل العسكري الأمريكي لمصر في بداية العام في حساب بفائدة في "البنك الاحتياطي الفدرالي" في نيويورك. لكن، منذ عام 2011، تم تسليم الأموال بشكل متقطع على دفعات وبعد الحصول على موافقة الإدارة الأمريكية. وفي نيسان/إبريل 2014، صادقت الإدارة الأمريكية على أن مصر قد أوفت بالتزاماتها تجاه واشنطن وإسرائيل، وأودعت الدفعة الأولى التي تبلغ 572 مليون دولار أمريكي (نصف مبلغ 1.3 مليار دولار ناقص تكلفة "الأباتشي"). وتسحب مصر من هذه الحسابات بإطراد إلى درجة أنه من المرجح أن يتم استنفاذ كل من الحساب بالفائدة وحساب احتياطات الإدارة في "البنك الاحتياطي الفدرالي" في خلال الأسابيع المقبلة.
أما بغية نقل مبلغ 650 مليون دولار المتبقي من المساعدات التي التزمت بها الولايات المتحدة للسنة المالية 2014، فسيكون على وزير الخارجية جون كيري إما التأكيد على أن مصر "تحكم البلاد ديمقراطياً" وإما أن يدعو إلى تنفيذ التنازل الأمني، وذلك ظاهرياً من خلال تخصيص المساعدة لجهود مكافحة الإرهاب في سيناء. وفي حين أن الإدارة الأمريكية قد تعتبر أن هذه الشروط مرهقة، فإنه من المرجح أن ينظر كل من البيت الأبيض والقاهرة إلى تخصيص الأموال لمكافحة الإرهاب على نطاق واسع، هذا علماً أن حكومة السيسي تعتبر أن سجنها لأعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» هو عبارة عن "مكافحة للإرهاب".
من المرجح أن يصدر أي تنازل من الإدارة الأمريكية عن طريق رسالة موجهة من وزارة الخارجية إلى الكونغرس، وأن تتبعها جلسات إحاطة لكبار المشرّعين، وأبرزهم السناتور باتريك ليهي (ديمقراطي من ولاية فيرمونت)، وهو عضو في "لجنة المخصصات" التي امتنعت عن الموافقة على تسليم طائرات "الأباتشي" في العام الماضي خوفاً من وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر.
ونظراً إلى تدهور الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وإلى التهديد المتنامي لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء، فإن واشنطن عازفة عن خفض المساعدات الأمنية لمصر. ولكن السياسات التي تعتمدها القاهرة لا تسهل على الولايات المتحدة عملية اتخاذ هذا القرار.
وقبل أسبوع من العنف الإرهابي الذي شهدته باريس، أصدر الرئيس السيسي بياناً يدعو فيه إلى الإصلاح في الإسلام، مما أدى إلى توليد بعض ردود الفعل الإيجابية النادرة في واشنطن. كما كان للزيارة التصالحية التي قام بها ليلة عيد الميلاد إلى الكنيسة القبطية تأثير مماثل. ولكن للأسف، فإن الغالبية العظمى من العناوين البارزة الأخيرة ليست مشجعة لهذا الحد. على سبيل المثال، لا تزال مصر تسجن المثليين جنسياً والملحدين، وفيها ثاني أكبر عدد من الصحفيين السجناء في العالم، وفقاً لمنظمة "صحفيون بلا حدود". وفي الوقت نفسه، أعلنت القاهرة أنه لن يُسمح لأي منظمة غربية بمراقبة الانتخابات البرلمانية التي ستجري في ربيع 2015. وفي الأسبوع الماضي فقط، وكجزء من استراتيجيتها لهزيمة تمرد «داعش»، أعلنت الحكومة أنها ستدمر مدينة رفح في سيناء وتُخلي قسراً سكانها الذين يبلغ عددهم 75 ألف.
المحصلة
مما لا شك فيه أن السياسات المصرية القمعية، أو خلاف ذلك، غير الحكيمة قد أدت إلى نشوء بعض الاحتراس من جانب إدارة أوباما فيما يخص تقديم التنازلات والدعم العسكري. وفي الواقع، إن سلوك القاهرة يطرح إشكالية، وربما يأتي بنتائج عكسية بالنسبة إلى استقرار الدولة على المدى الطويل، كما أن الكثيرين في واشنطن قد يفضلون حجب التمويل العسكري كوسيلة ضغط من أجل إدخال تحسينات في مجال احترام حقوق الإنسان. إلا أن إيقاف المساعدات الأمريكية بشكل كامل، خاصة في خضم التمرد الذي تشهده سيناء، لن يحسّن من تصرف القاهرة ولن يعزز العلاقة المصرية الأمريكية المشحونة بالفعل. وفي الواقع، تشير السابقات إلى أن حجب المساعدات سيؤدي إلى تعظيم أسوأ ميول الحوكمة المصرية، وليس جعلها معتدلة. على سبيل المثال، بين تشرين الأول/ أكتوبر 2013 وكانون الأول/ ديسمبر 2014، عندما كان التمويل الأمريكي رهناً بالتقدم الديمقراطي، أقرت القاهرة قانوناً جديداً شديد القسوة لمكافحة الاحتجاجات، وطبّقت قانوناً أكثر تقييداً للمنظمات غير الحكومية، وشهدت فوز عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة 97 في المائة من التصويت الشعبي.
وفي الوقت الراهن، تكمن المسألة بشكل حازم في يد الإدارة الأمريكية: فعلى الرغم من أن الكونغرس وضع شروطاً للمساعدات الأمريكية لمصر منذ البداية، من غير المرجح أن يعبّر عن معارضته إذا طلب وزير الخارجية تنفيذ التنازل وقام بتحرير التمويل المتبقي. ولا بد من الإشارة إلى أنه عندما تم في نيسان/ إبريل 2014 أخيراً رفع تعليق عملية تسليم طائرات "الأباتشي" الذي استمر لمدى أشهر، كان التذمر في الكونغرس الأمريكي شبه معدوم، وتم تسليم طائرات الهليكوبتر من دون ضجة أو احتجاج في كانون الأول/ ديسمبر.
وفي النهاية، فمن شبه المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستلين وتحرر ما تبقى من تمويل السنة المالية 2014، حتى ولو كان التمويل مخصصاً فقط للأنشطة ذات الصلة بسيناء ومكافحة الإرهاب. ولكن من خلال ترددها في إصدار التنازل، أشارت واشنطن بالفعل إلى نفورها من بعض السياسات التي تعتمدها القاهرة. ويمكنها أن تظهر نفورها بشكل أكبر من القمع [الممارس] في مصر عبر اتخاذ خطوات لإنهاء مجاملة "تمويل التدفق النقدي"، وهو ما يسمح للقاهرة بالالتزام بشراء أنظمة أسلحة باهظة الثمن من مقاولي الدفاع الأمريكيين وتغطية تكاليف شرائها من مِنَح برنامج التمويل العسكري الخارجي المتوقعة في المستقبل. أما في الوقت الحاضر، هناك القليل من المكاسب التي يمكن تحقيقها ومن المحتمل أن تكون الخسائر الممكنة كبيرة إذا تم الانتظار حتى فراغ حسابات برنامج التمويل العسكري الخارجي القائم في "البنك الاحتياطي الفدرالي" والخاص بمصر.
قيادي صدري: الغرب مقتنع بأن هزيمة "داعش" رهن بإنهاء نظام دمشق
التحالف يمنح فرصة أخيرة لتسوية سياسية في سورية قبل التدخل عسكرياً لإسقاط الأسد
السياسة..بغداد – باسل محمد:
مع انتقال الحرب على تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية إلى أوروبا, كشف قيادي بارز في تيار رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر لـ”السياسة” أن التحالف الدولي يتجه إلى تبني سياسة أكثر شدة ضد النظام السوري, وأن ديبلوماسيين غربيين في بغداد أكدوا أن الغرب بات يحمل هذا النظام مسؤولية كل ما يجري في المنطقة, وخاصة تنامي المجموعات الإرهابية وتجنيد المقاتلين من أصول اوروبية وتهديد الأمن الأوروبي.
وقال القيادي ان وجهة نظر السعودية وتركيا وفرنسا بشأن ضرورة القيام بعمل كبير لتسوية الأزمة السورية على أساس تشكيل حكومة “ية وإرغام بشار الأسد على التنحي, باتت أكثر قوة وواقعية بفعل تصاعد الهجمات والتهديدات الإرهابية ضد دول أوروبية, مشيراً إلى معلومات عن توجه التحالف الدولي إلى تغيير ستراتيجيته في التعاطي مع الملف السوري, على اعتبار أن محاربة “داعش” و”القاعدة” في العراق وتركهما يمرحان في سورية يعني استمرار التهديد الأمني للغرب.
وبحسب معلومات القيادي, فإن النقاشات الدائرة في الأوساط الدولية, التي يصل البعض منها الى القادة العراقيين, تفيد أن الغرب ممتعض للغاية من الأسد لأنه هو من سمح بظهور “داعش” وتناميها نتيجة تمسكه بالقمع الوحشي للثورة, كما أن لجوءه إلى دعم ايران و”حزب الله” اللبناني ساهم بتدفق المتطرفين إلى سورية ومنها الى العراق وبقية دول المنطقة, وبالتالي فإن تحميل النظام السوري تبعات ما حدث ليس جديداً إلا أن التطور الجديد يتمثل برغبة التحالف الدولي الملحة في التعامل مع الوضع السوري بحزم أكبر مما كان عليه في وقت سابق. واضاف القيادي الصدري إن الغرب يريد اعطاء فرصة أخيرة لتسوية سياسية في سورية تتيح تشكيل حكومة “ية وتنحي الأسد عن السلطة تدريجياً, لأن قناعة الغرب هي أنه من المستحيل القضاء على “داعش” ما لم ينته حكم بشار في سورية.
أما إذا فشلت هذه التسوية, فتوجد مؤشرات ومعطيات جدية, بحسب القيادي, بأن التحالف الدولي سيختار توجيه ضربة عسكرية شبيهة بالضربة التي وجهت إلى نظام صدام حسين في العام 2003, على اعتبار أن الغرب لا يمكنه الاستمرار في تجاهل الأزمة السورية بعدما وصل الإرهاب إلى مدنه.
وبحسب المعطيات الموجودة لدى القيادي استناداً إلى لقاءات بين مسؤولين عراقيين وغربيين في بغداد, فإن بعض السيناريوهات المطروحة للأزمة السورية تنص على تشكيل حكومة “ية سيكون من أولوياتها حل كل الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد والمرتبطة بإيران و”حزب الله” اللبناني, وإجراء اصلاحات واسعة في الجيش السوري النظامي, وإعادة بناء عقيدته ودوره في البلاد, ثم إجراء عملية دمج بين المعارضة السورية المعتدلة التي تضم في الأساس عسكريين فارين وبين الجيش النظامي, تمهيداً لبدء الحرب البرية ضد “داعش”, بدعم التحالف الدولي كما يحصل في العراق, بالتزامن مع تواصل ترتيبات عملية انتقالية سياسية نحو تنظيم انتخابات وسن دستور جديد, وبهذه الطريقة لا يمكن أن يحدث فراغ سياسي ولا أمني في سورية.
وبانتظار التوصل إلى هكذا تسوية, ينوي التحالف الدولي, وخاصة الولايات المتحدة, تسريع وتيرة تدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة وتسليحها, وإقامة بعض مناطق الحظر داخل سورية, وهذا التطور اصبح حيوياً للغاية لتقويض عمليات ” المقاتلين الأجانب الى سورية, لأن هذه المناطق ستقام على المعابر الحدودية وهو تطور سيغري تركيا للتعاون مع الغرب في تشديد التدابير ل” الأشخاص من الاراضي التركية الى الاراضي السورية, كما ستسمح المناطق العازلة ببدء عملية برية حقيقية من قبل المعارضة السورية المعتدلة ضد “داعش” بإشراف خبراء غربيين ودوليين, لأنها ستكون مناطق تدريب وتمركز لعناصر هذه المعارضة.
واعتبر القيادي أن التطورات الأخيرة في أوروبا أقنعت حتى الأميركيين بأن الحرب على “داعش” تُحسم في سورية وليس في العراق, أي أن القضاء على التنظيم وتشتيته واعتقال وقتل قياداته وعناصره سيحدث داخل الاراضي السورية وليس في الاراضي العراقية.
وخلص القيادي إلى أن تصاعد التهديدات الإرهابية في أوروبا كانت نتائجه مخيبة لحسابات نظام الأسد وحلفائه, لأنهم كانوا يعتقدون أن الحرب على “داعش” سترغم التحالف الدولي على التعاون مع النظام السوري والقبول به كشريك, وهو ما كانت روسيا والحكومة العراقية تسعيان إليه, غير أن هذه التطورات برهنت أنه يجب التخلص من نظام الأسد بكل الوسائل السياسية والعسكرية لأن معالجة مشكلة الإرهاب الأصولي لن تتقدم خطوة إلى الأمام اذا بقي بشار الأسد في الحكم.
الرئيس هولاند يدافع عن حرية التعبير بعد احتجاجات بالخارج ضد رسوم «شارلي إيبدو» وأكد أن جميع العقائد تحظى بالاحترام في فرنسا
باريس «الشرق الأوسط» ... قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس إن المتظاهرين الذين يحتجون على رسوم صحيفة «شارلي إيبدو» في دول أخرى لا يستوعبون ارتباط فرنسا بحرية التعبير. وكان هولاند يتحدث بعد يوم من اشتباكات عنيفة في دول إسلامية سقط في بعضها قتلى بسبب نشر الصحيفة الأسبوعية الساخرة رسما للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وزاد الطلب على أول عدد يصدر من «شارلي إيبدو» بعد قيام مسلحين إسلاميين باقتحام مقر الاجتماع التحريري الأسبوعي للصحيفة وقتل 12 شخصا بالرصاص في مستهل 3 أيام من العنف أحدثت صدمة في فرنسا. وقال موزعو الصحيفة إنها باعت 7 ملايين نسخة مقارنة بتوزيعها المعتاد الذي كان لا يتجاوز 60 ألف نسخة.
وأثار رسم للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على صفحتها الأولى غضب كثير من المسلمين مما فجر مظاهرات اتخذت طابع العنف في الجزائر والنيجر وباكستان أمس. وقال هولاند خلال زيارة لمدينة تول الجنوبية التي تمثل أحد معاقله: «لقد دعمنا هذه البلدان في معاركها ضد الإرهاب.. ما زلت أريد التعبير عن تضامني معهم، لكن في الوقت ذاته فإن فرنسا لها مبادئها وقيمها ولا سيما حرية التعبير».
وأطلقت شرطة النيجر أمس الغاز المسيل للدموع على مئات من المحتجين الذين كانوا يرشقون الشرطة بالحجارة في ثاني يوم من الاحتجاجات بسبب نشر الصحيفة للرسم. وأشعلت النار في كنيستين. ونصحت السفارة الفرنسية في نيامي رعاياها بعدم الخروج إلى الشوارع وحثتهم على توخي الحذر بسبب خطر المظاهرات. واتخذت الاحتجاجات طابعا عنيفا أيضا في مدينة كراتشي بجنوب باكستان أمس عندما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ومدفع مياه ضد المتظاهرين خارج مبنى القنصلية الفرنسية. وأصيب عدد من أفراد الشرطة الجزائرية في اشتباكات مع محتجين في العاصمة الجزائر بعد اندلاع أعمال شغب في نهاية مسيرة احتجاج.
وقال هولاند: «هناك توترات بالخارج حيث لا يعي الناس ارتباطنا بحرية التعبير. شهدنا الاحتجاجات وأود أن أقول إن جميع العقائد تحظى بالاحترام في فرنسا».
المعارك تحتدم في مطار دونيتسك الأوكراني و3 قتلى جنود غداة إلغاء جولة جديدة من محادثات السلام
كييف – واشنطن: «الشرق الأوسط» .... تجدد القتال أمس في المطار الرئيسي بمدينة دونيتسك الواقعة بشرق أوكرانيا، مما تسبب في سقوط عدد من القتلى بينهم 3 جنود، وذلك بعدما استأنف الانفصاليون محاولاتهم لكسر قبضة القوات الحكومية على المجمع. ومع توقف المحاولات لاستئناف محادثات السلام، كثف الانفصاليون المؤيدون لروسيا قصفهم لإضعاف مقاومة القوات الحكومية المسيطرة على المطار. وقد تحول مطار دونيتسك إلى هيكل مدمر بسبب الاشتباكات المستمرة على مدى شهور، ورغم توقف العمل فيه، فإن المطار أصبح يحمل قيمة رمزية للجانبين وتحول إلى بؤرة صراع أساسية في الحرب مع تراجع احتمالات بدء محادثات سلام جديدة.
وألغي اجتماع كان مقررا عقده في العاصمة البيلاروسية مينسك أول من أمس بين مندوبين من أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وقياديين انفصاليين، لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بعد انهيار الاتفاق السابق الذي جرى التوصل إليه بنفس المدينة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وعلق المتحدث باسم الجيش الأوكراني أندريه ليسينكو على تجدد القتال في المطار بقوله إن «3 جنود من القوات الأوكرانية قتلوا، وأصيب 18 آخرون، خلال الساعات الـ24 المنصرمة، وقد نجحنا (مساء أول من أمس) في إجلاء الجرحى من المطار». وكثف الانفصاليون قصفهم أول من أمس على الصالة الجديدة للمطار ومحطة الأرصاد الخاصة به. وقال ليسينكو إن «قواتنا تصد هجمات الإرهابيين، والقتال بات عنيفا وإطلاق النار مستمر». وتابع قائلا إن «الوضع لا يزال تحت السيطرة لكن العدو لا يخفف من هجماته من أجل السيطرة على هذا الهدف الاستراتيجي».
وتجدد القتال على الرغم من توصل الأطراف المعنية في سبتمبر الماضي إلى اتفاق من 12 بندا تنص على وقف إطلاق النار في الصراع المستمر منذ 9 أشهر. وقالت منظمة الصحة العالمية إن «الصراع أودى بحياة أكثر من 4800 شخص. واتهم ليسينكو روسيا بالإبقاء على نشر قوات قرب الحدود مع أوكرانيا تشكل تهديدا». مشيرا إلى أنها تشمل كل أنواع الأسلحة بينها قاذفات صواريخ من طراز «سميرتش وأوراغان».
وتطرق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض إثر اجتماعه مع الرئيس باراك أوباما أول من أمس، إلى تداعيات الأزمة الأوكرانية، وأعلن أن لندن سترسل ألف جندي إضافيين للمشاركة في مناورات في شرق أوروبا خلال العام الحالي في إطار جهود طمأنة حلفائها في حلف شمال الأطلسي. وتشعر دول جارة لروسيا بالقلق إزاء تداعيات الحرب في أوكرانيا التي يقول حلف شمال الأطلسي إن «موسكو تدعم فيه المتمردين الموالين لها بالسلاح والجنود». وأضاف كاميرون أن «روسيا اختارت تمزيق كتاب القانون الدولي وأنها تدوس على شؤون دولة ذات سيادة، وهو أمر لا يمكننا تجاهله. سنسهم بألف جندي إضافيين للمناورات في شرق أوروبا هذا العام». وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إن «هذا سيؤدي إلى رفع إسهام بريطانيا المزمع خلال 2015 لأكثر من 3200 فرد. وسيشمل هذا مناورات في دول البلطيق وألمانيا ورومانيا في حين سيشارك نحو ألف جندي في مناورة ضخمة في بولندا في سبتمبر المقبل». وقالت الوزارة إن «البحرية الملكية سترسل قوة عمل إلى البلطيق في وقت لاحق من العام الحالي من أجل مناورة بحرية».
بريطانيا ترفع مستوى التهديد إلى «خطير» واسكوتلنديارد: إجراءات لتعزيز أمن الجالية اليهودية.. وتوقيف فتاة في لندن بتهمة الإرهاب
لندن: «الشرق الأوسط».. رفعت السلطات البريطانية مستوى التهديد الذي يواجه قوات الشرطة إلى «خطير»، وهو رابع أعلى مستويات التهديد الإرهابي في البلاد المكون من 5 مستويات.
وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية صباح أمس، أنه «جرى وضع قوات الشرطة في حالة تأهب قصوى، والتحذير من أنه قد يجري استهدافها في أعقاب إحباط مؤامرة إرهابية في بلجيكا ضد قوات الشرطة من قبل متطرفين يرتبطون بالصراع في سوريا». ورفعت السلطات مستوى التهديدات إلى «خطير»، وهو أعلى مستوى جرى الوصول له حتى الآن، حيث يدرس قادة الشرطة نشر دوريات إضافية مزودة ببنادق الصعق الكهربائي كإجراء أمن إضافي. ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني قوله: «نتخذ أقصى درجات الحذر والإجراءات الأمنية قبل أن يحدث أي شيء».
وتشمل الإجراءات زيادة عدد الدوريات المسلحة، إضافة إلى انتشار الضباط في مجموعات لحماية بعضهم بعضا».
من جهته، قال ستيف وايت، رئيس اتحاد الشرطة في إنجلترا وويلز: «لا يمكن التقليل من مستوى الإرهاب الذي نواجهه على نطاق دولي، وجهاز الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى تقوم بكل ما تستطيع القيام به».
وكانت الحكومة البريطانية أعلنت أنها كثفت أمن الحدود عند الموانئ والنقاط الأمنية التي تديرها على الأراضي الفرنسية بعد الهجوم المميت على مقر مجلة «شارلي إيبدو» في باريس الأسبوع الماضي.
وأضافت المتحدثة باسم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للصحافيين: «على أساس احترازي كثفنا الأمن على الحدود، على سبيل المثال في الموانئ، وسيشهد الأشخاص الذين يمرون منها عمليات تفتيش مكثفة للسيارات والشاحنات».
وفي السياق نفسه، قالت شرطة اسكوتلنديارد إنها ألقت القبض على فتاة تبلغ من العمر 18 عاما في مطار بلندن للاشتباه في أنها كانت تعد لأعمال إرهابية وبانتمائها إلى تنظيم محظور». وألقي القبض على الفتاة أول من أمس لدى وصولها جوا إلى مطار ستانستيد، وتوجد صلة بين اعتقالها وتحقيق سابق أسفر عن اعتقال شاب يبلغ من العمر 21 عاما في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقالت اسكوتلنديارد في بيان إن «الفتاة نقلت إلى مركز شرطة في لندن حيث ستبقى رهن الاحتجاز».
واعتقال الفتاة هو أحدث حلقات سلسلة اعتقالات نفذها مسؤولو مكافحة الإرهاب في بريطانيا منذ رفع مستوى الإنذار في البلاد في أغسطس (آب) إلى ثاني أعلى مستوى له بسبب خطر مقاتلي تنظيم داعش العائدين من سوريا والعراق، ومعظم أوروبا حاليا في حالة تأهب أمني مرتفعة بعد أعمال قتل في باريس هذا الشهر، ومداهمات في بلجيكا قتل فيها مسلحان.
في غضون ذلك، أعلنت الحكومة البريطانية أمس أنها تبحث في تعزيز إجراءات أمن الجالية اليهودية في المملكة المتحدة تجنبا لهجمات مماثلة كالتي وقعت في باريس الأسبوع الماضي. وقال مساعد قائد «اسكوتلنديارد» المسؤول عن وحدة مكافحة الإرهاب مارك راولي في مؤتمر صحافي أول من أمس: «إن الهجوم على محل يهودي في باريس وتزايد الخطابات المتطرفة المعادية لليهود زادت من حدة المخاوف الأمنية على الجالية اليهودية في بريطانيا».
وأضاف أن «الصورة العامة للنشاطات الإرهابية حول العالم تزيد من قلقنا حول المخاطر والتهديدات التي قد تلحق بيهود بريطانيا»، مؤكدا أن أجهزة الأمن تعمل مع قادة هذه الجالية لبحث أفضل الإجراءات الكفيلة بتعزيز أمنها، من بينها زيادة دوريات الشرطة في الأماكن المهمة.
وشدد راولي على أن الشرطة البريطانية ستبقى يقظة بشأن أمن الجاليات الأخرى، ومن ضمنها الجالية المسلمة، موضحا أنه «سيجري التعامل مع أي شخص أو جهة تحاول استغلال الأوضاع الراهنة لإشاعة الخوف وسط مسلمي بريطانيا».
وعلى صعيد متصل، قال راولي إن هجمات باريس أظهرت حجم التهديدات التي بات يواجهها رجال الأمن في أوروبا والعالم، مبينا أنه «جرى اتخاذ إجراءات إضافية لتعزيز أمن عناصر الشرطة في بريطانيا».
وكثفت شرطة اسكوتلنديارد من إجراءاتها الأمنية في الكثير من الأحياء في عموم بريطانيا، بعد هجمات الأسبوع الماضي في باريس التي أسفرت عن مقتل 17 شخصا. وأعلن متحدث باسم اسكوتلنديارد أن هناك خططا لنشر المزيد من الدوريات خلال الأيام المقبلة، مشيرا إلى أن «هذه الإجراءات الاستثنائية تهدف إلى ضمان الأمن».
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أعلن الجمعة بعيد لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما أن بلاده ماضية في حربها على الإرهاب عبر سن تشريعات في هذا الشأن. وقال: «نحن بصدد مواجهة آيديولوجيا سامة من أشخاص يدعون اعتناق الإسلام، لكننا مع حلفائنا سنواجه هذه الظاهرة».
وأعلن بعيد اللقاء الأميركي - البريطاني عن الاتفاق على «رفع مستوى التنسيق الأمني بين البلدين بغية التصدي للتطرف ومواجهة المتشددين واستعمالهم للإنترنت».
المصدر: مصادر مختلفة