انحرافات وتساؤلات تحوم حول مظاهرات الجزائر المعيشية

تاريخ الإضافة الإثنين 10 كانون الثاني 2011 - 7:11 ص    عدد الزيارات 2939    التعليقات 0    القسم عربية

        


احتدام الابتزاز والنهب والتخريب رغم رضوخ الحكومة


انحرافات وتساؤلات تحوم حول مظاهرات الجزائر المعيشية
 

كامل الشيرازي من الجزائر


 



 

 

 

 

 

 

 

 

العنف لا يزال يتواصل في مناطق عدة من الجزائر منذ اندلاع "ثورة الغذاء"

 

شهدت المظاهرات العارمة التي تجوب مناطق واسعة في الجزائر، انحرافات خطرة في يومها الثالث، الذي شهد اشتداد موجة اعتداءات، طالت مواطنين عُزّل جرى ابتزازهم، فيما لم تسلم مصارف ومقار شركات من حملة النهب والتخريب، ما فرض حالة تأهب أمنية قصوى. ويتساءل متابعون تحدثوا لـ"إيلاف" بإلحاح عن مؤدى أعمال العنف المتصاعدة، وغائيتها خصوصًا بعدما سحبت السلطات البساط من تحت أقدام المحتجين برضوخها لمطلب خفض الأسعار.   


الجزائر: أسفر اتساع المواجهات ليلة الجمعة عن مقتل شاب بحسب مراجع إعلامية محلية. أتى ذلك إثر صدامات حصلت بين متظاهرين وقوات الأمن ببلدة عين الحجل التابعة لمحافظة المسيلة (330 كلم شرق الجزائر)، وهي حادثة لم تؤكدها مثلما لم تنفها مصادر رسمية، ولا تزال حيثياتها مشوبة بالغموض.

وفي وقت سُمعت أصوات أعيرة نارية ليلة الجمعة إلى السبت في محيط حي باب الوادي وسط العاصمة، لا تزال مساعي التهدئة وتطويق الأزمة مستمرة لقطع الطريق على احتقان من مستوى أكثر فداحة إن لم يتم تدارك الأمور. كما لا يزال الوضع ساخنًا، برغم مسارعة الحكومة للتهدئة عبر إلغاء زيادات الأسعار، واتفاق منتجي الزيت على إرجاء قرار رفع الأسعار حتى وضع السلطات جهاز تنظيمي منصف، استنادًا إلى ما جاء في بيانهم.

وأكّد هؤلاء المنتجين على التزامهم بإيجاد حل اقتصادي دائم يحمي القدرة الشرائية لعموم المستهلكين، كما أهابوا بسائر المتعاملين لدعم ومرافقة هذا المسعى من خلال تطبيق تخفيض الأسعار فورًا ومن دون شروط.

عصابات أتت على الأخضر واليابس
في تحول مريب، اتخذت مجموعات شبانية منحرفة من المظاهرات غطاء لممارسة سلوكات مشينة وأعمال شغب، ففضلاً عن إمعانها في تخريب المرافق العامة وعبثها بمواقف الحافلات وأعمدة الإنارة العمومية وكذا مؤسسات التعليم ومراكز التمهين، قامت هذه المجموعات الإجرامية بعمليات سطو عدة.

عاش كل من أحمد، عبد الرزاق ووليد وغيرهم كابوسًا مرعبًا إثر تعرضهم للابتزاز والضرب. في هذا الشأن، روى أحمد (رب أسرة) أنّه كان مارًا في ضاحية براقي (15 كلم شرق العاصمة) حينما استوقفه شباب منحرفون، وطالبوه بدفع ألف دينار (ما يعادل 15 دولارًا) أو التخلي عن هاتفه الخلوي، وإلاّ فسيكون مصير سيارته الحرق، ويعلّق أحمد "اضطررت للدفع حتى أنجو من تهديد مافيا، لم ترحم لا شيخًا ولا شابًا ولا امرأة، الفوضى تعمّ، والسلطات غائبة".

كما حكى عبد الرزاق، الذي يقطن في حي القبة وسط العاصمة، بقلب مصدوم، عن تعرضه لضرب مبرح إثر محاولته مقاومة جناة أقدموا على حرق محله، وهو ما كان مصير وليد أيضًا، الذي تعرضت سيارته للحرق في حي عين النعجة المجاور، بزعم أنّه "دخيل" على الحي المذكور، وردّد بحزن عميق "لست أفهم شيئًا، لماذا يتعرضون لنا، هل أنا مسؤول عن ارتفاع الأسعار واختلال الحكم؟".

ويبدي حمزة الموظف في بنك عمومي، استغرابًا للنمط الكارثي الذي ارتضاه من سماهم "المخرّبون"، إذ ركّز على قيام هؤلاء في مختلف أحياء العاصمة بالنيل من كل من لا يشتمون فيه رائحة "ابن الحي"، وهو ما بثّ حالة من القلق والذعر واللا أمن في نفسيات الكثيرين ممن قدموا حديثًا، وكذا عابري السبيل.  

وبسبب تعرّض عديد المحال التجارية إلى النهب والتدمير، تمامًا مثل الحافلات ومقار شركات ومحطات البنزين، وقيام مجموعات الفوضى بحرق العجلات المطاطية ووضع المتاريس باستعمال الحجارة لوقف حركة المرور، فضّل قطاع واسع من التجار وملاّك الحافلات التوقف عن العمل، ما جعل مواطنيهم في ورطة حقيقية، خصوصًا أولئك الذين لا يمتلكون سيارات، فضلاً عما ترتب من إغلاق صيدليات، وما يمثل ذلك من خطر على حياة أصحاب الأمراض المزمنة على وجه الخصوص.      

إلى ذلك، تعرض مصنع لتركيب أجهزة التلفزيون في ضاحية براقي الشمالية لتدمير جسيم سيرهن مستقبل أكثر من ثلاثمائة مستخدم، تمامًا مثل مقار بلديات وبنوك ومراكز بريد ومحطات خدمات، سقطت بدورها في محرقة كبرى عبر مدن شرقية، ورفع المحتجون شعارات "ضد الزيادات الأخيرة في أسعار المواد الغذائية والظلم والبطالة"، كما ألحقوا خسائر معتبرة بمقار مجموعة "سونالغاز" للكهرباء المملوكة للحكومة، فضلاً عن إحدى وكالات البنك الخارجي الجزائري ومتحف المجاهد ومقر مفتشية العمل وفرع مديرية البناء والتعمير ومديرية التخطيط والمناجم ومديرية المؤسسات المصغّرة والمتوسطة.

تشكيك جماهيري في نوايا المحتجين 
في المقابل، شكّكت شرائح جماهيرية متعددة في صدق نوايا المحتجين، وأقحمت عنصر "التلاعب" من جهات معينة، واستدلت فعاليات محلية بدول وضعها أسوأ من الجزائر، ولم تشهد أعمال العنف بهذا القدر من السوء.

فأكد "بشير" تاجر خضر وفواكه، أنه لا يجد علاقة بين ارتفاع الأسعار وتخريب ممتلكات ذات منفعة عامة، أيّده ناصر بائع الأثاث، بقوله إنّه صار ضحية مثل الكثيرين، لأنّه بات محرومًا من استعمال الحافلات والاستفادة من خدمات البريد والبلدية وغيرها الموضوعة في متناوله.

من حهتها، قدّرت منيرة الطبيبة النفسانية أنّ تغيير الأوضاع ورفض أسلوب المعيشة لا يكون بهذه الطريقة العنيفة التي لن تسفر عن نتائج إيجابية، ذاهبة إلى أنّه كان بإمكان الشباب التعبير عن أنفسهم بطريقة أخرى، في حين أعرب رشيد الأستاذ المتقاعد عن قناعته بضلوع دوائر لا مصلحة لها في استقرار البلد، بحكم أنّ حرق مرفق عام وإعطاب حافلات وأعمدة الإضاءة العمومية يعني الإضرار بالمواطنين واقتصاد البلد.

تحريك الشارع لـ"أغراض مشبوهة"
نبّهت مرجعيات رسمية ودينية في الجزائر إلى ضرورة التعاطي بحذر مع ما سمته "تحريك الشارع لأغراض مشبوهة" في قراءة منها للمنحى المثير الذي أخذته المظاهرات، وتفاقم مظاهر الفوضى على مرأى ومسمع من قوات الأمن.

وبينما لا يزال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ووزيره الأول أحمد أويحيى يلتزمان الصمت حيال ما يحدث، اعتبر الهاشمي جيار وزير الشباب الجزائري، أنّ أولئك الذين يقومون بأعمال عنف عبر عديد مناطق البلاد، لا يجب أن يكونوا "مرة ثانية محل خدعة على غرار ما كان عليه الأمر خلال العشرية السوداء"، في إحالة على مظاهرات يونيو/حزيران 1991 الدموية وما أفرزته من إعلان الحصار وتعقيد الوضع غداة الذي حصل في شتاء العام 1992.

وحذّر جيار من الزج بـ"أبرياء" نشأوا على وقع الدم والدموع، في مخططات غير بريئة وحمايتهم من محاولات تستهدف توريطهم لأغراض مشبوهة، طالما أنّ إلحاق أضرار ببنايات عمومية ومنشآت أخرى تجارية يرهن ما أنجزته الجزائر في ظرف قصير وقياسي.

وإذ أقرّ المسؤول الجزائري بوقوع أخطاء في التسيير، فإنّه حضّ على حوار هادئ ومتحضر بعيدًا من أعمال التخريب التي لا تعود بالخير على أي كان، لافتًا إلى أنّ العنف لم يعط أي نتائج لا في الجزائر أو في بقاع أخرى، ورأى أن حل النقائص المسجلة ممكن بطريقة هادئة وبشيء من الصبر.

وفي رد صريح على دعوة أطلقتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وطالبت من خلالها المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته إزاء ما يحدث في الجزائر، أكد الوزير أنّ سيادة بلاده تعد مكسبًا لا يمكن للشباب التضحية به جراء الضغط الاجتماعي أو بسبب غياب النضج لإعطاء فرصة لـ"أجانب" كي يتدخلوا في الشأن الداخلي، منتهياً إلى أنّ ما يعانيه الشباب لا يجب أن يكون قدرًا محتومًا قاتلاً، والجزائر لديها كل الوسائل من أجل التكفل بشبابها عبر الخطط الإنمائية.

في سياق متصل، أبرز أئمة الجزائر أنّ ما يحدث من حرق وتهديم ونهب لا صلة له لا بالعقل ولا بالدين، وقيام البعض بالإفراط في إتلاف ممتلكات عامة وخاصة، ليس له من داع منطقي، ويعيد إلى الأذهان فترة التسعينيات التي عاشتها الجزائر عندما كان هاجس مواطنيها "السلامة والأمن قبل القوت".

ولاحظ عبد الجليل حجيمي خطيب مسجد "صلاح الدين" وسط العاصمة، أنّ الاحتجاجات بالطريقة الحالية لا تخدم المواطن ولا البلد، حاثًا الشباب الذين نزلوا للشارع للاحتجاج على غلاء المعيشة والظروف الاجتماعية على الكفّ عن سلوكيات لن تزيد الوضع إلاّ سوءًا.

من جهته، دعا حزب العمال الذي تتزعمه "لويزة حنون" الحكومة إلى اتخاذ إجراءات "عاجلة وملائمة" لتهدئة الأوضاع، وجاء في بيان لأمانة الحزب، تصنيفه ما نعتها "المضاربات الإجرامية" حول الأسعار، بـ"الاستفزاز السياسي والاجتماعي".

استنكار نقابي لصور بثّتها الجزيرة
استنكرت نقابة الشركة الجزائرية للعربات الصناعية، ما سمته "تلاعب" قناة "الجزيرة" القطرية بصور تتعلق باحتجاجات قديمة لعمال الشركة المذكورة، قدمتها القناة على أساس أنها صور للاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة التي تعرفها بعض مناطق البلاد.

وعبّرت النقابة في بيان لها عن استهجانها لإعادة تركيب صور خاصة بها والتلاعب بأخرى تتعلق بمنازل تهدمت جرّاء الزلزال الذي ضرب الجزائر في 21 مايو/أيار 2003، موضحة أنّ تلك الصور تتعلق بحركة سلمية قام بها عمال الشركة منذ مدة طويلة للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، واعتبرت توظيف هذه الصور "استغلالاً لأهداف خفية"، وهو أمر يتنافى – بحسب البيان - مع أخلاقيات مهنة الصحافة.

 


المصدر: موقع إيلاف الالكتروني

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 162,503,932

عدد الزوار: 7,250,961

المتواجدون الآن: 93