المحطات الأساسية في تاريخ ليبيا منذ الغزو الإيطالي

القذافي.. عاش ومات بالرعب

تاريخ الإضافة السبت 22 تشرين الأول 2011 - 6:14 ص    عدد الزيارات 3604    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

القذافي.. عاش ومات بالرعب
مصرع العقيد الليبي ونجله المعتصم ووزير دفاعه أبو بكر يونس وتضارب حول مصير سيف الإسلام > جبريل أعلن سرت محررة.. وإعلان تحرير ليبيا اليوم
القاهرة: جمال القصاص وخالد محمود لندن ـ طرابلس: «الشرق الأوسط»
* الثوار لـ «الشرق الأوسط»: القذافي حاول الاختباء داخل حفرة > العالم يعتبره يوما تاريخيا والاتحاد الافريقي يرفع تجميده لعضوية ليبيا
* احتفل الليبيون وغنوا ورقصوا في الشوارع بعد أن حملت لهم الأنباء السارة منذ صباح أمس، مقتل العقيد الهارب معمر القذافي الذي حكم ليبيا لاكثر من 4 عقود بالحديد والنار، وكذلك مقتل نجله، المعتصم في ظل تضارب حول مصير سيف الإسلام، كما قتل وزير دفاعه أبو بكر يونس جابر، في معركة تحرير مدينة سرت، آخر معاقل الديكتاتور الراحل.
وطوى الليبيون والعالم بأسره حقبة القذافي التي دامت زهاء 42 عاما، ذاق فيها الليبيون أياما سوداء من الظلم والديكتاتورية، والقتل والإرهاب، وعانى العالم من مجازره، التي طالت تفجير الطائرات وقتل العشرات، قبل أن ينزوي لفترة من الزمن مختبئا ومطاردا ومحاصرا بعد أحداث إسقاط طائرة فوق بلدة لوكربي، وتدمير منزله بطائرة أميركية، خلال فترة التسعينات ليعيش في رعب ظل يلازمه حتى بعد سقوط حكمه حيث بقي مختبئا إلى أن عثر عليه أمس عندما حاول الاختباء داخل حفرة, كما قال أحد الثوار لـ «الشرق الأوسط». وعرضت قناة الصمود الليبية أمس صورا للقذافي مضرجا في دمائه بعد أن أصيب خلال اشتباك قبل ان يفارق الحياة لاحقا. وظهر القذافي وهو يتعرض للدفع والضرب بيد مجموعة مقاتلين وبدا أنه يقاومهم في مرحلة ما. وكانت الدماء تغطي وجهه وجرى نقله إلى سيارة بينما ضرب على رأسه بمسدس.
وجاء مقتل القذافي الذي أعلنه المجلس الوطني الانتقالي رسميا، بعد ثمانية أشهر من انطلاق الانتفاضة ضد نظامه في فبراير (شباط) الماضي وبعد شهرين من سقوط العاصمة طرابلس بأيدي الثوار وتواريه عن الأنظار منذ ذلك الوقت. وقال الناطق باسم المجلس الوطني الانتقالي عبد الحفيظ غوقة في مؤتمر صحافي في بنغازي «نعلن للعالم أن القذافي قتل على أيدي الثوار»، معتبرا أنها «لحظة تاريخية ونهاية الديكتاتورية والطغيان».
وقال مسؤول بالمجلس أنه لم تصدر أوامر بقتل القذافي ولم يقتل عمدا, مشيرا إلى أنه قتل في تبادل لإطلاق النار بين أنصاره ومقاتلي المجلس بعد اعتقاله.
وأعلن رئيس المجلس التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي محمود جبريل أن إعلان تحرير ليبيا سيتم في موعد أقصاه الجمعة (اليوم) . وقال جبريل إن «(مصطفى) عبد الجليل (رئيس المجلس الوطني الانتقالي) سيعلن اليوم (أمس الخميس) أو في موعد أقصاه الجمعة (اليوم) تحرير البلاد وسيدلي بتفاصيل عن مقتل القذافي». وأضاف للصحافيين «أهنئ الشعب الليبي بهذا اليوم التاريخي وأدعوه في هذه المناسبة إلى وضع أحقاده جانبا والإعلان بصوت واحد: ليبيا، ليبيا، ليبيا».
وأعلن وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه، امس، أن مقاتلات فرنسية «اعترضت» مجموعة السيارات التي كان معمر القذافي موجودا فيها قبل أن تندلع مواجهات برية بين الليبيين أدت إلى مقتل الزعيم الفار. وأوضح لونغيه للصحافيين أن الموكب الذي كان يضم «عشرات السيارات تم اعتراضه أثناء تقدمه فيما كان يسعى إلى الفرار من سرت لكن العملية الفرنسية لم تؤد إلى تدميره».
وأضاف أن مقاتلين ليبيين تدخلوا بعدها وقاموا بتدمير السيارات «التي أخرجوا منها العقيد القذافي».
وكشفت النقاب عن أن القذافي أصيب بصدمة عنيفة جراء تعرض موكبه للقصف بالصواريخ والقنابل الموجهة، وأنه كان يتمتم بعبارات غير مفهومة تعبر عن ارتباكه وصدمته، قبل أن يصل إليه مقاتلو المجلس الانتقالي. وقال مقاتلون شاركوا في عملية قتل القذافي إنه كان يقول «شنو صاير (ماذا حدث)، شنو فيه (ماذا يحدث)»، قبل أن يعتقله الثوار جريحا وينقل على متن سيارة إسعاف وسط حراسة مشددة إلى مستشفى مصراتة العام.
وروى مقاتلون آخرون أن القذافي خاطب الثوار قائلا «يا أولادي هل تقتلونني؟ يا أبنائي أنا القذافي.. أنا القائد.. ماذا تفعلون؟».
وعقب اعلان مقتل القذافي اعتبر زعماء العالم مقتله يوما تاريخيا, فيمارفع الاتحاد الافريقي تجميده لعضوية ليبيا.
وحذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من ان أنظمة «القبضة الحديدية» في العالم العربي ايلة الى زوال. واعلن الرئيس الفرنسي ان مقتل العقيد الليبي هو ايذان ببدء مرحلة جديدة لليبيين.
وأشاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشجاعة الليبيين وقال إن من المهم تذكر ضحايا نظام القذفي.
 
القذافي.. نهاية «ملك ملوك أفريقيا» صاحب الكتاب الأخضر
اخترع نظاما سياسيا فريدا.. واشتهر بخيمته وبحارساته
القاهرة: هيثم التابعي
أسدل أمس الستار عن مسيرة العقيد الليبي المثير للجدل معمر القذافي، فبعد ساعات قليلة من خبر مقتله والذي ثار حوله جدل لا يقل عن جدل صاحبه، بين تأكيد اعتقاله ونفي مقتله ثم تأكيد مقتله، خرج المجلس الانتقالي الليبي ليعلن مقتل «ملك ملوك أفريقيا».. اللافت أن القذافي سقط في حصنه وعاصمة مملكته الأفريقية سرت في لقطة تستحق دراسة، فالعقيد الفار كان يمكن أن يسقط في طرابلس قبل شهرين؛ لكن سقوطه قتيلا كان في مسقط رأسه سرت.
وعبر اثنين وأربعين عاما، حكم القذافي بلده النفطي الغني ليبيا بيد من الحديد والنار، وبنظام سياسي فريد لم تألفه مدارس السياسة الشهيرة في جامعات أكسفورد أو السوربون، كونه نظاما أطلق عليه تسمية «الجماهيرية» أو «حكم الجماهير»، اخترعه بنفسه العقيد صاحب النظرية الثالثة والكتاب الأخضر. اللافت أن نظام الجماهيرية الذي اخترعه القذافي عام 1977، لم يوصف بالنظام الرئاسي ولا الملكي، وإنما هو مزيج من أنظمة قديمة وحديثة، وهو يدعي أنه لا يحكم وإنما يقود ويتزعم، فهو نظام بمقتضاه يحكم الشعب نفسه بنفسه؛ لكن الواقع يشير إلى أنه يكرس كل الصلاحيات والمسؤوليات في يد شخص واحد هو القذافي نفسه والذي شغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة منذ سنة 1969، وشغل منصب رئيس مجلس قيادة الثورة في الفترة ما بين 1969 - 1977.
أبصر معمر محمد عبد السلام القذافي النور عام 1942 في منطقة سرت وتلقى تعليمه في مدرسة في سبها بجنوب البلاد، ثم انتقل منها للدراسة في جامعة بنغازي، لكنه لم يكمل دراسته الجامعية لانضمامه إلى الجيش.
وعندما بلغ العاشرة، كان ملهمه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وتنظيمه الضباط الأحرار وهو يقوم بانقلاب عسكري ضد آخر ملوك عائلة والي مصر محمد علي، الملك فاروق، وشارك القذافي، الذي كان معجبا بعبد الناصر وبنظرته القومية، في المظاهرات التي عمت البلدان العربية احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وألهم عبد الناصر القذافي حيث وضع خطة الانقلاب الأولية على الملك الليبي إدريس السنوسي، وهو طالب في الكلية العسكرية، فقام بالانقلاب العسكري عندما كان «ملازما» في الجيش الليبي في الأول من سبتمبر (أيلول) 1969. وأطلق القذافي على ثورته اسم «ثورة الفاتح».
وسار القذافي على خطة أستاذه فيما يخص التأميم، حيث أمم النفط الذي كانت تستثمره الشركات الأجنبية في بلاده، وزاد عليه بطرد قواعد القوات الأجنبية في ليبيا. وقد رفع القذافي في بداية عهده شعار توحيد الأمة العربية وتحقيق أهدافها، وقدم نفسه قائدا قوميا للعرب كبديل لرحيل الزعيم المصري الراحل. وحاول تقليد الوحدة التي أنجزها عبد الناصر بين مصر وسوريا، عبر محاولات عدة لإعلان الوحدة مع تونس؛ إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل الذريع.
ويبدو أن أحلام العروبة لديه لم تكن بنفس قوة أحلام القيادة، فسرعان ما وجد أن تلك الأحلام القومية العربية صعبة التحقيق، مما جعله يبحث عن القيادة وبريقها في مكان آخر، ووجد القذافي ضالته في القارة الأفريقية. فطرح نفسه كزعيم أفريقي.
وسمى نفسه «ملك ملوك أفريقيا»، وجمع القذافي أكثر من 200 من الملوك والزعماء التقليديين في أفريقيا والتقى الحكام الأفارقة بتيجانهم الذهبية وأزيائهم الملونة في مدينة سرت الليبية في أول تجمع من نوعه، ودعا القذافي المجتمعين إلى الانضمام لحملته من أجل تحقيق الوحدة الأفريقية، وقد أعرب الزعماء الأفارقة عن دعمهم لرؤية القذافي الداعية إلى دمج سلطاتهم في حكومة واحدة.
وعرف عن القذافي قسوته في التعامل مع المعارضة، كما عرف عنه أيضا تصفيته لكل من يختلف معه، حتى ولو من أعوانه، وهو ما يفسر اختفاء كل من ساهم في انقلاب سبتمبر 1969، وللقذافي قصص كثيرة تتعلق بالتخلص من معارضيه لعل أبرزها التخلص من المعارض منصور كيخيا الذي اختفى عام 1993 في القاهرة، كما قضى على ما يزيد عن 1200 معتقل في مجزرة كبرى في سجن بوسليم في طرابلس في يونيو (حزيران) 1996.
وتميز القذافي بكونه شاذا عن الصف دائما، وتميز بالأفكار المزركشة غير واضحة المعالم والاتجاهات، تماما كسترته متعددة الألوان، حيث وضع فلسفته السياسية في كتابه «الكتاب الأخضر» الذي اعتبره طريقا ثالثا «لا اشتراكيا ولا رأسماليا»، وبالطبع ليس إسلاميا حيث روج القذافي لما وصفه بنظرية الطريق الثالث التي كان يعتقد أنها حل وسط بين الرأسمالية والاشتراكية في السبعينات.
ويكشف موقع «ويكيليكس» الكثير عن القذافي، وتصف برقيات صادرة من السفارة الأميركية في طرابلس القذافي بعدم الاتزان، كما تقول برقية صادرة من سفير الولايات المتحدة في طرابلس جين كريتز عام 2009، بأنه شخصية زئبقية وغريب الأطوار، يعاني من عدة أنواع من الرُهاب، يحب رقص الفلامنكو الإسباني وسباق الخيل، يعمل ما بدا له ويزعج الأصدقاء والأعداء على حد سواء. وتضيف البرقية أن القذافي مصاب بفوبيا المرتفعات، لذلك فهو يخشى الطوابق العليا من البنايات، كما أنه يفضل عدم الطيران فوق الماء.
وتشير إحدى الوثائق الأخرى أنه يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب بثروة تقدر بـ131 مليار دولار، وهي ثروة تقارب ستة أضعاف ميزانية ليبيا لعام 2011 البالغة 22 مليار دولار.
ورغم تأكيده وتكراره في كتابه الأخضر أن مكان النساء هو البيوت، لأن تكليفهن بوظائف الرجال يفقدهن أنوثتهن وجمالهن، فإن القذافي كان الرئيس الوحيد في العالم الذي اشتهر بكون حراسته الشخصية من الحارسات دون الحراس، وتميز القذافي بجانب ملابسه غريبة الأطوار وغير المألوفة، بخيمته العربية التي تم نصبها في شتى بقاع العالم أثناء زياراته، وكثيرا ما كانت تسبب أزمات دبلوماسية خاصة في الدول الأوروبية؛ لكنها نصبت في كل العواصم المهمة تقريبا، وهي خيمة عربية الاسم؛ لكنها غربية التصميم وحديثة المحتوى تتضمن كل ما جد في عالم التكنولوجيا.
وقبل عامين من سقوطه، شاهد العالم كله واحدة من أشهر اللقطات الكوميدية للزعماء عبر التاريخ، حين وقف القذافي يخطب على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2009، في خطاب استمر لساعة ونصف متواصلة من الارتجال شهد تكرارا غريبا للمواضيع بشكل جعل العديد من الدبلوماسيين ينامون في صرح الأمم المتحدة مللا، وفي كلمته وهي الأولى له في الأمم المتحدة بعد أربعة عقود من حكمه، تحدث القذافي عن عبثية المنظمة الدولية؛ لكن الدراما وصلت لذروتها حين قام بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة في بيتها.
وربما لا يعرف الكثيرون أن القذافي له أبعاد أدبية بعيدة عن كونه رئيسا للجمهورية، فهو صاحب تجريه قصصية بعنوان «القرية القرية الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء» كما أنه صاحب مؤلفات عدة أبرزها «آراء جديدة في السوق والتعبئة ومبادئ الحرب»، «تحيا دولة الحقراء»، و«إسراطين الكتاب الأبيض».
ولا يخلو تاريخ القذافي من العناد والتحدي والمغامرة مع الغرب، ففي سبعينات القرن الماضي، قطعت واشنطن علاقاتها التجارية مع ليبيا بعد غزو الأخيرة لتشاد عام 1973 وأسقطت الولايات المتحدة الأميركية طائرة ليبية اعترضت طائراتها فوق خليج سرت.
كما قطعت بريطانيا علاقاتها الدبلوماسية مع الجماهيرية عام 1984 بعد إطلاق حراس الأمن في مقر السفارة الليبية في لندن النار على متظاهرين أمامها فقتلوا شرطية بريطانية.
وفي عام 1986، وكردٍّ على صلة ليبيا بتفجير ناد ليلي في برلين يرتاده أفراد من القوات الأميركية في ألمانيا وهو ما أسقط قتلى أميركيين، قصفت الطائرات الأميركية مواقع عسكرية ليبية ومناطق سكنية في طرابلس وبنغازي، وأعلن القذافي مقتل هناء ابنته بالتبني في هذه الغارات. وأتي عام 1988 بما هو أسوأ كثيرا، ذلك بعد تفجير طائرة الركاب التابعة لشركة «بان أميريكان» الأميركية فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية، ورفض القذافي تسليم ليبيين مشتبه في علاقتهما بالحادث.
وفرضت الأمم المتحدة عام 1992 عقوبات اقتصادية شملت حظرا جويا على الجماهيرية الليبية في محاولة لإجبارها على تسليم خليفة فحيمة وعبد الباسط المقراحي، الضابطين في المخابرات الليبية، المتهمين بتفجير لوكيربي لمحاكمتهما دوليا، لتجد ليبيا نفسها في عزلة دولية كاملة بسبب مغامرات القذافي مع الغرب. وبعد 7 سنوات من الحصار الجوي القاسي، رضخ القذافي إلى هذا المطلب وسلم المتهمين لمحاكمتهما في هولندا وفق قانون اسكتلندا حيث وقع حادث التفجير الذي أودى بحياة 270 شخصا.
وفي عام 2003، انفرجت أزمة العلاقات الليبية الغربية بتوقيع ليبيا في أغسطس (آب) على صفقة لتعويض أهالي الضحايا الـ270 الذين لقوا حتفهم في حادث لوكيربي، بلغت 2.7 مليار دولار، بعد إعلان ليبيا رسميا مسؤوليتها عن التفجير كما ورد في رسالة بعثتها طرابلس إلى الأمم المتحدة، ليصوت مجلس الأمن الدولي لصالح رفع العقوبات عن ليبيا. وتحسنت صورة القذافي لدى الغرب وتحول من زعيم مجنون «منبوذ» إلى زعيم مقبول؛ لكنه بقي غير متوقع الأفعال.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، انطلق قطار الربيع العربي في تونس، وتوقفت عربته في محطة مصر؛ لكن القذافي خرج ثابتا ليقول للعالم العربي والمصريين إن مبارك وبن على لم يخطئوا؛ لكن المثير أن رد فعله على دعاوى الثورة في ليبيا كانت طريفة كعادته، حيث قال إنه سيخرج تأييدا للثورة وسيصلي بالثوار، وفي السابع عشر من فبراير (شباط) اشتعلت بنغازي بمظاهرة صغيرة للغاية لا تطالب بإسقاط القذافي؛ بل بدستور ومجلس نيابي؛ لكن رجل الحديد والنار قتل مشاركيها لتتحول مظاهرة تضم 26 فردا لثورة تقضي عليه بعدها بثمانية أشهر.
وبدا أن القذافي سيقضي على الثورة حين سيطرت قواته، والتي استعان فيها بمرتزقة أفارقة، على أحياء سكنية غرب بنغازي. لكن تدخل حلف الناتو غير من خارطة المعركة. وتمكن الثوار من الاستيلاء على بنغازي وكل مدن الشرق في فترة زمنية صغيرة نسبيا، لكنهم فشلوا في الزحف غربا، ووقعت اشتباكات بين القوات الليبية التابعة للعقيد القذافي وقوات المعارضة المسلحة التي تمركزت في شرق البلاد في البداية ثم امتدت باتجاه الغرب.
وتمكنت الطائرات والصواريخ البريطانية والفرنسية بدعم أميركي من تسديد ضربات موجعة للقوات الليبية، مما ساعد المعارضين المسلحين على استئناف تقدمهم نحو الغرب.
ولسنوات طويلة دارت حول القذافي إشاعات طويلة لكن أكثرها طرافة دار حول استخدامه لشعر مستعار، وهو ما كشف عنه آخر مقطع فيديو للقذافي، حيث ظهر القذافي أصلع، أثناء اعتقاله من شباب الثوار الليبيين في سرت وقبل دقائق قليلة من مقتله أمس.
 
القذافي.. 40 سنة من التصريحات والطرائف والآراء الغريبة
اعتبر الهامبورغر مزيجا من الصراصير والفئران والضفادع
لندن: «الشرق الأوسط»
العقيد معمر القذافي زعيم الثورة الليبية وصاحب النظرية الثالثة التي طرحها في كتابه الأخضر، الذي قتل أمس عرف بتصريحاته النارية وملاحظاته التي لا تخلو من الغرابة بدءا من تلك المتعلقة بالقومية العربية إلى دعوته لإقامة «ولايات متحدة أفريقية»، مرورا «برعايته» الإرهاب رسميا.
فقائد ثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول) 1969، عرف أولا بأزيائه المتنوعة بدءا بألوان أفريقيا وانتهاء ببزاته العسكرية العديدة وأوسمته، مرورا بقمصانه الملونة وبدلاته الرسمية وقبعاته ونظارات الشمس التي تكاد لا تفارقه. وعندما بدأت الحركة الاحتجاجية في الجماهيرية العظمى، كما اختار أن يسمي ليبيا، وصف المتظاهرين المناهضين له بأنهم «جرذان» و«عملاء» و«خونة» يتناولون «حبوب الهلوسة»، وتوعدهم «بالمجازر» و«بسحقهم».
قبل ذلك، ردد القذافي الكثير من الجمل التي أثارت دهشة كبيرة. فقد تحدث مرة عن وليام «شكسبير هذا الكاتب المسرحي الكبير العربي الأصل»، موضحا أمام حضور قليل الاطلاع على الأرجح أن الاسم مركب من كلمتين «الشيخ زبير».
وفي القاموس الشخصي جدا لصاحب فكرة حكم الشعب للشعب عن طريق لجان شعبية، أجداد هنود أميركا يتحدرون من شمال أفريقيا. أما أميركا أصلا فقد جاء اسمها من رجل يدعى «الأمير كا» الذي استولى الرحالة الإسباني أميريكو فيسبوتشي على كل منجزاته.
وفي الاقتصاد توصل إلى نتيجة مفادها أن سويسرا بلد «قريب» من ليبيا لكنه أقل تقدما من الجماهيرية. وللأميركيين والسوفيات أيضا حصة من آرائه بما أن الهامبورغر هو «مزيج من الصراصير والفئران والضفادع وبواسطته تم تدمير الاتحاد السوفياتي». ويرى القذافي أيضا أن هناك نوعين من الأشخاص يجب التخلص منهما لأنهما يمارسان إحدى مهنتين «غير منتجتين» وهما «المحامي» و«بائع الورود».
وهو خبير أيضا في الطب، فقد قال في قمة للاتحاد الأفريقي في 2003 «الإيدز الإيدز الإيدز.. لا نسمع سوى هذا الكلام. إنه إرهاب. إنها حرب نفسية. الإيدز فيروس هادئ وإذا بقيت نظيفا فليست هناك أي مشكلة». والعسكري الذي مر على أكاديمية عسكرية بريطانية قارن مرة بين شخصه ويسوع المسيح والنبي محمد، ورأى «أنهما لم يعرفا الشهرة العالمية التي وعد بها».
والرجل الذي تخلى عن كل المهام الرئاسية ليتفرغ لقيادة الثورة، يحب رفقة النساء. وهو يقيم في معظم الأحيان في خيمة ترافقه في كل رحلاته تقريبا. فكان ينصبها في الصحراء الليبية تماما كما في حديقة القصر المخصص للضيوف الأجانب في باريس مثلما فعل خلال زيارة فرنسا في 2007.
وخلال تلك الزيارة، شعر بالشفقة على نساء أوروبا. قال إن «ظروف المرأة في أوروبا مأساوية. إنها مضطرة في بعض الأحيان للقيام بعمل لا تريده مثل ميكانيكية أو عاملة بناء». وأكد أنه يريد أن «ينقذ المرأة الأوروبية التي تكافح». ومن منطلق حرصه في أغلب الأحيان على إثارة الرأي العام في الدول الغربية، لم يتردد في انتقاد فكرة الديمقراطية. ورأى مرة أن «بعض الدول يمكن أن تجد أن الديكتاتورية تناسبها أكثر».
في أغسطس (آب) 2010، خلال زيارة إلى روما ألقى محاضرتين عن الإسلام أمام مئات النسوة اللواتي تم اختيارهن من الجميلات والشابات وحصلت كل واحدة منهن على ثمانين يورو. قال لهن إن «أوروبا يجب أن تعتنق الإسلام والإسلام يجب أن يصبح دين أوروبا بأسرها».
ولم يفلت «أصدقاؤه» من آرائه. ففي 2005 في الجزائر، وصف الفلسطينيين «بالأغبياء» مثيرا ضحك القادة العرب بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
خلال القمة العربية في الجزائر في 1988، لبس كفا أبيض بيده اليمنى فقط. والسبب هو أنه لا يريد مصافحة بعض القادة الذين «لطخت أيديهم بالدماء».
أما في قمة الدوحة في 2009، فقد قطع الصوت عندما كان يتحدث في الجلسة الافتتاحية عن خلاف بينه وبين السعودية، فانسحب. ورغم اعتذار عن انقطاع الصوت رفض «القائد الأممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين»، كما وصف نفسه، العودة إلى الجلسة واختار زيارة المتحف الإسلامي.
وفي الثورة التونسية، رأى أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي هو «أحسن واحد» لحكم تونس، بينما قال إن الرئيس المصري حسني مبارك الذي تنحى عن السلطة تحت ضغط المظاهرات الشعبية «لا يستحق هذه البهدلة» فهو «رجل فقير ومتواضع يحب شعبه و(يشحت من أجلكم)».
وتحول الخطاب الذي ألقاه في فبراير (شباط) بعيد اندلاع الثورة إلى موضوع للتندر وتناقله مستخدمو الإنترنت في العالم عندما تحول إلى أغنية على طريقة الراب بعنوان «زنقة زنقة»، بكلماته التي توعد فيها بمطاردة الثوار «بيت بيت، دار دار، شبر شبر، زنقة زنقة». وقال فيه: «أنا لست رئيسا حتى أرحل ولو كنت رئيسا لرميت الاستقالة في وجوهكم أنا زعيم، أنا تاريخ، أنا ملك ملوك أفريقيا. من هؤلاء الجرذان الذين يريدون تخريب ليبيا؟ علينا أن نطهر ليبيا من هؤلاء الخونة. سأقاتل حتى آخر قطرة من دمي والملايين سيتوافدون على ليبيا للدفاع عن الزعيم القائد معمر القذافي».
 
مصادر الثوار لـ «الشرق الأوسط»: القذافي قال قبل مقتله «شنو صاير».. «ماذا يحدث»؟
قالوا إنه كان مصدوما ومندهشا.. ومات من دون أن ينطق بالشهادتين
القاهرة: خالد محمود
طوي الليبيون، أمس، أخيرا حقبة 42 عاما من حكم العقيد الهارب والمخلوع معمر القذافي الذي لقي حتفه إثر إصابته بأعيرة نارية في الرأس والبطن خلال اشتباكات وقعت بين قواته والثوار المناهضين له بعد تعرض موكبه الذي كان يضم 35 سيارة لغارة جوية نفذتها مقاتلات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لدى محاولة الموكب الهروب من مسقط رأس القذافي في مدينة سرت، بعدما أيقن أن المدينة باتت تحت سيطرة الثوار.
ووصلت جثة العقيد القذافي إلى مدينة مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، حيث قال أحد الأطباء الذين عاينوا الجثة في المستشفى إن القذافي كان مصابا بطلق ناري في بطنه ومنتصف رأسه.
ولم يمتثل الثوار المناهضون للقذافي للتعليمات المعطاة لهم بضرورة ضبط النفس ومحاولة اعتقال القذافي حيا، حيث أبلغ مصدر رفيع المستوى في القيادات العسكرية للثوار «الشرق الأوسط» بأن أحد المقاتلين التابعين للمجلس الوطني الانتقالي أطلق رصاصة مباشر على القذافي في منتصف رأسه من مسافة قريبة للغاية، فمات على الفور.
لكن مسؤلا بالمجلس الانتقالي قال في وقت لاحق إنه لم تصدر أومر بقتل القذافي، أو إنه قتل عمدا. مشيرا إلى أن قتله جاء خلال تبادل لإطلاق النار مع المسلحين التابعين له.
ونفى مسؤولون بالمجلس لـ«الشرق الأوسط» ما تردد عن مشاركة عناصر من قوات خاصة تابعة لقوات أجنبية في عملية مقتل القذافي.. بينما قال محمود شمام، مسؤول الإعلام بالمجلس، إنه تم قتل القذافي لدى محاولته الفرار، مشيرا إلى أن القذافي حاول الهرب، لكن الثوار أطلقوا النار عليه. وأضاف: «عندما التقوا (الثوار) به كان حيا، لكنه قتل في تبادل لإطلاق النار».
وخضعت جثة القذافي لتحليلات كثيرة بالحامض النووي والدم للتأكد من شخصيته، كما تم تشريحها قبل أن تنقل إلى أحد المساجد في مدينة مصراتة، التي تعتبر أكثر مدينة ليبية تعرضت لانتقام القذافي عقب الثورة الشعبية ضده.
ولاحقا أظهرت الصور واللقطات المصورة التي تم بثها أن القذافي الذي كانت الدماء تسيل من فمه، كان يرتدي الزي العسكري وبحوزته مسدسان شخصيان، أحدهما مصنوع من الذهب، بالإضافة إلى الكلاشنيكوف وحقيبة يد شخصية تضم بعض متعلقاته الخاصة، من بينها هاتف متصل بالأقمار الصناعية غير مستخدم. وقالت مصادر في المجلس الوطني الانتقالي الممثل للثوار لـ«الشرق الأوسط» إن مصرع القذافي على هذا النحو كان نتاج عملية استخباراتية مشتركة بين الثوار وحلف الناتو، حيث اكتشفت قوات الناتو موكب القذافي بناء على معلومات على الأرض قبل أن تقصفه.
وكشفت النقاب عن أن القذافي أصيب بصدمة عنيفة جراء تعرض موكبه للقصف بالصواريخ والقنابل الموجهة، وأنه كان يتمتم بعبارات غير مفهومة تعبر عن ارتباكه وصدمته، قبل أن يصل إليه مقاتلو المجلس الانتقالي.
وقال مقاتلون شاركوا في عملية قتل القذافي إنه كان يقول «شنو صاير (ماذا حدث)، شنو فيه (ماذا يحدث)»، قبل أن يعتقله الثوار جريحا وينقل على متن سيارة إسعاف وسط حراسة مشددة إلى مستشفى مصراتة العام. وروى مقاتلون آخرون أن القذافي خاطب الثوار قائلا: «يا أولادي هل تقتلونني؟ يا أبنائي أنا القذافي.. أنا القائد.. ماذا تفعلون؟».
لكن القذافي على ما يبدو لقي حتفه قبل نقله، حيث أكد مسؤولون عسكريون من الثوار لـ«الشرق الأوسط» أنه لفظ أنفاسه الأخيرة من دون أن ينطق بالشهادتين أو يوجه أي حديث إلى الثوار.
ولقي الفريق أبو بكر جابر يونس، وزير دفاع القذافي مصرعه في نفس العملية، بالإضافة إلى اللواء ضو منصور، آمر الحراسة الشخصية للقذافي، بالإضافة إلى عشرات من الحراس المرافقين للقذافي. ووجه المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، كلمة إلى الشعب الليبي أعلن خلالها تحرير ليبيا ومقتل معمر القذافي، كما أعلن اكتمال انتهاء كفاح الشعب الليبي لإسقاط نظام القذافي منذ اندلاع الثورة الشعبية في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.
كما كان مقررا أن يوجه الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي، كلمة مماثلة إلى الشعب الليبي يعلن فيها استقالته بشكل رسمي بعد إتمام مهمته.
إلى ذلك، قال قائد عسكري في المجلس الوطني الانتقالي، إن موسى إبراهيم، المتحدث السابق باسم حكومة القذافي، اعتقل قرب مدينة سرت. وأضاف القائد العسكري عبد الحكيم الجليل، أنه رأى جثة أبو بكر يونس جابر، قائد القوات المسلحة التابعة للقذافي، مشيرا إلى أنه رأى جابر بعينيه وأظهر صورا لجثته. وأضاف أن إبراهيم اعتقل أيضا وأن كليهما نقل إلى غرفة العمليات التابعة لقوات المجلس الوطني الانتقالي.
وعمت الفرحة جميع المدن الليبية احتفالا بمقتل العقيد القذافي، بينما احتشد آلاف الليبيين في شوارع طرابلس وبنغازي ومصراتة وسرت وهم يكبرون ويهللون ويغنون، في حين كان الثوار المسلحون يطلقون الأعيرة النارية في الهواء احتفالا بانتهاء حقبة الطاغية.
وقال عبد الحفيظ غوقة إن القذافي لقي مصيره الذي يستحقه كطاغية، وقال نعلن للعالم الآن مقتل القذافي على يد الثوار. وعرض التلفزيون الليبي وقنوات تلفزيونية أخرى صورا لجنود يطوقون فتحتين كبيرتين لصرف المياه أسفل طريق سريع، بينما ظهرت جثة لأحد الموالين للقذافي فيما يبدو على الأرض بجوار الفتحتين.
وقال عضو بالمجلس الانتقالي الليبي إنه يعتقد أن سيف الإسلام نجل القذافي ما زال طليقا في صحراء ليبيا، مشيرا إلى أن آخر ما عرف عن سيف الإسلام أنه كان موجودا في منطقة بني وليد ويعتقد أنه في الصحراء في المنطقة المحيطة بالبلدة.
وعلى الرغم من الفرحة العارمة للثوار، بمقتل القذافي واندحار قواته في آخر المعاقل المؤيدة له في سرت، اعتبر اللواء جلال الدغيلي، وزير الدفاع بالمجلس الوطني الانتقالي أنه يتعين على الليبيين الآن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر في إشارة إلى خطورة التحديات في المرحلة المقبلة.
وقال الدغيلي في مؤتمر صحافي عقده أمس بمعقل الثوار ومقر المجلس الانتقالي في مدينة بنغازي أنه تم انتزاع الملك من القذافي بعد 42 عاما على توليه السلطة عام 1969، مشيرا إلى أنه يتعين تسخير كل الإمكانيات الآن لإعادة بناء ليبيا كدولة قائمة على حكم لقانون والديمقراطية والتعددية الحزبية.
ودعا الشعب الليبي إلى الانتباه إلى مخاطر مرحلة ما بعد القذافي وعلاج ما وصفه بالانفلات الأمني والانتشار الكثيف للسلاح في مختلف المدن والشوارع الليبية.
كما حث الدغيلي على ضرورة التزام الثوار المسلحين بتعليمات المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي بخصوص تسليم كل الأسلحة الخفيفة والثقيلة وسارت الدفع الرباعي لاستخدامها في إعادة تسليح وتشكيل جيش ليبيا الجديدة، على حد تعبيره.
من جهته، طالب عبد الله أحمد ناكر الزنتاني، رئيس مجلس ثوار طرابلس، الشعب الليبي في بيان أصدره أمس من مقره في العاصمة الليبية طرابلس إلى ما وصفه بالاصطفاف يدا بيد من أجل ليبيا والاستعداد لما سماه بمعركة البناء.
وطالب الزنتاني أيضا من تبقى من فلول وأزلام نظام القذافي بالاستسلام وتسليم أسلحتهم للثوار من أجل إنهاء المعارك العسكرية بصورة نهائية.
 
المجلس الانتقالي الليبي يعلن: سقوط سرت بالكامل في أيدي الثوار
رفع العلم الوطني الجديد فوق المدينة.. والثوار يرقصون ويطلقون الرصاص في الهواء
القاهرة: وليد عبد الرحمن
كشف مقتل العقيد معمر القذافي الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاما بيد من حديد، أمس، في مسقط رأسه سرت على أيدي مقاتلي المجلس الوطني الليبي، عن معركة شرسة خاضها الثوار بعد أسابيع من سيطرتهم على المدينة، وحصارها من مداخلها شرقا وغربا وجنوبا.
وبينما أكد عبد الحكيم بلحاج، رئيس المجلس العسكري في طرابلس، على أن الثوار سيطروا بالكامل على مدينة سرت (360 كلم شرق طرابلس) المعقل الأخير لقوات القذافي. أعلن أحد قيادي المجلس الانتقالي الليبي أن سقوط سرت تم بعد أن دخلت قواته الحي الأخير في المدينة. وقال مقاتلون ثوار «نقوم بمطاردة مقاتلي القذافي».
وذكر المتحدث العسكري باسم المجلس الوطني الانتقالي، عبد الرحمن بوسن، إن مدينة سرت باتت «شبه محررة»، قائلا: «إن المدينة شبه محررة؛ لكن لا تزال هناك اشتباكات ولكنها غير كثيفة، ويقوم مقاتلونا حاليا بتمشيط المنازل في الحي الثاني، حيث كان يتحصن مقاتلو القذافي».
وجاء مقتل القذافي، الذي أعلنه المجلس الوطني الانتقالي رسميا، بعد ثمانية أشهر من انطلاق الانتفاضة ضد نظامه في 17 فبراير (شباط) الماضي وبعد شهرين من سقوط العاصمة طرابلس بأيدي الثوار وتواريه عن الأنظار منذ ذلك الوقت.
وأشار مسؤولون عسكريون في المجلس الوطني الانتقالي إلى أن المعركة الأخيرة بدأت في وقت مبكر من صباح أمس، وسرعان ما تقدم مقاتلو المجلس نحو الحي.
وبات الشارع الرئيسي الذي يؤدي إلى الحي رقم 2 باتجاه الشرق، والذي كان غير سالك في الأيام الأخيرة بسبب القناصة، مفتوحا وعربات مقاتلي المجلس الانتقالي المحملة بالمضادات الجوية والرشاشات تستخدمه للدخول إلى الحي.
وبحسب مقاتلين فإن قوات المجلس الانتقالي طاردت أنصار القذافي الذين يهربون من الحي باتجاه الغرب، بحسب مقاتلين أشار بعضهم إلى حصول مواجهات في الشوارع داخل الحي، إنما أقل عنفا.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن عددا من كبار القادة التابعين للقذافي ألقي القبض عليهم بينما قتل وزير دفاعه العميد أبو بكر يونس.
وكانت قوات المجلس الوطني الانتقالي قد أعلنت سيطرتها الكاملة على المدينة. ورفع مقاتلو الحكومة الليبية المؤقتة العلم الوطني الجديد فوق وسط المدينة بعد أن أتموا سيطرتهم على مسقط رأس الزعيم الفار معمر القذافي.
وقال الثوار إن قوات المجلس الوطني الانتقالي أطلقت قذائف المدافع ابتهاجا أثناء رفع العلم على مبنى ضخم بالمدينة التي ظلت تحت حصار قوات المجلس الانتقالي لما يقرب من شهرين.
واحتفل ثوار ليبيا بسقوط آخر معاقل كتائب العقيد الليبي الهارب معمر القذافي، وهو الحي الثاني بمدينة سرت، وقام الثوار بحرق العلم الليبي القديم ودهس صورة للقذافي، كما رفعوا العلم الليبي الجديد. وأوضحت مصادر من الثوار لـ«الشرق الأوسط» أنهم أسروا عددا من القناصة التابعين لكتائب القذافي.
وظهر المقاتلون وهم يرقصون ويطلقون الرصاص في الهواء فرحا بدخول الحي الذي قصفوه أمس (الخميس) بالمدفعية والدبابات وصواريخ غراد، بعدما أبدت كتائب القذافي المتحصنة فيه مقاومة شرسة.
وفي السياق ذاته، ذكرت تقارير إخبارية أمس، أن الثوار يقومون بتمشيط المدينة حاليا، حيث أقاموا نقاط تفتيش على مداخلها ومخارجها، لتأمينها ومحاولة القبض على باقي «فلول القذافي» الذين ربما يحاولون الهروب أو الاشتباك مع الثوار.
كما أشارت التقارير الإخبارية إلى وجود اشتباكات محدودة في بعض المزارع على أطراف المدينة. ونقلت عن مصادر من الثوار أنه تم القبض على أحمد إبراهيم، رئيس مركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر في نظام القذافي، والذي كانت تقارير ذكرت أنه يرأس العمليات العسكرية بسرت منذ سقوط العاصمة طرابلس.
وكانت فرق استخبارات واستطلاع قامت بالبحث عن العقيد القذافي وأنصاره في المناطق الصحراوية الشاسعة جنوب سرت وبني وليد أول من أمس، بعد أن سيطر الثوار على خليج سرت ومنطقة برقة التي تعد أحد المصادر الأساسية الغنية بالنفط والمنشآت النفطية، ولها دروب جنوبية تصل إلى مناطق يشتبه في هروب شخصيات مهمة تابعة للقذافي إليها، كان آخرها نطاق منطقة القردة الواقعة على بعد مائة كيلومتر إلى الجنوب من سرت وإلى الشرق من بني وليد.
وحسب خبراء لـ«الشرق الأوسط» فإن سرت مدينة ليبية صحراوية تطل على البحر الأبيض المتوسط، وتقع في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي، وتبعد عن العاصمة طرابلس 450 كلم شرقا.
وتطل مدينة سرت على الخليج المتفرع من البحر الأبيض المتوسط الذي عرف باسمها، خليج سرت الذي كان يعرف باسم خليج السدرة، والذي شهد إبان الحرب الباردة مواجهات بين ليبيا وأميركا وقد أطلق على المدينة اسم الرباط الأمامي بعد هذه المواجهات، وسمي خليجها للسبب ذاته باسم خليج التحدي، هي من المدن المهمة قديما، وكانت محطة مهمة على طريق القوافل بين برقة وطرابلس وبين أفريقيا. وقد أعلن القذافي مدينة سرت عاصمة له في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي بعد فقدانه السيطرة على طرابلس خلال الحرب الأهلية الليبية.
 
سرت.. مدينة شهدت بداية القذافي ونهايته
كان يأمل أن تكون عاصمة للولايات المتحدة الأفريقية
لندن: «الشرق الأوسط»
في حين كانت مدينة سرت الليبية تشتهر، على مدار 42 عاما من حكم العقيد الليبي معمر القذافي، بأنها المدينة التي ولد بها قائد الثورة الليبية، وأصبحت منذ أشهر آخر معاقله الحصينة.. تحولت المدينة أمس إلى المكان الذي شهد نهاية عهد، ناء به وانقلب عليه أبناء ليبيا منذ فبراير (شباط) الماضي.
وتعد مدينة «سرت»، التي أعلن المجلس الوطني الانتقالي أن العقيد معمر القذافي قتل بها أمس الخميس، كبرى مدن المنطقة. وكان المجلس الذي يمثل الثوار، الذين أطاحوا بنظام القذافي في 23 أغسطس (آب) الماضي ينتظر سقوط هذه المدينة الاستراتيجية (360 كلم شرق طرابلس) لإعلان «تحرير ليبيا تماما».
وفي 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، أي بعد ستة أيام من نهاية المهلة التي تركتها السلطات الليبية الجديدة أمام قوات القذافي لإلقاء السلاح، شن مقاتلو المجلس الوطني هجوما على تلك المدينة بدعم من غارات الحلف الأطلسي. وقد ولد معمر القذافي في ضواحي سرت، وهي ميناء صيد بحري وتجاري معروف منذ القرون الوسطى، في يونيو (حزيران) 1942. وأنشأ القذافي في مدينته مركز مؤتمرات كبيرا وحديثا يتناقض مع بساطة الهندسة المحلية في بقية أنحاء المدينة.
وفي 1999 استدعى القذافي القادة الأفارقة إلى سرت لإقناعهم بأن يتخلوا عن منظمة الوحدة الأفريقية، ويحولوها إلى الاتحاد الأفريقي الذي كان يريد أن يكون أول من يترأسه.. لإقامة الولايات المتحدة الأفريقية وعاصمتها سرت.
وفي سبيل ذلك، أسس مركز المؤتمرات «واغادوغو» الضخم والفخم والذي يحمل اليوم آثار المعارك الضارية بين الثوار والقوات الموالية للقذافي.. حيث تم تفجير كل فتحاته الزجاجية والتوى سقفه المعدني من شدة القصف.
وطال الدمار كل شيء في المدينة؛ من قصر القذافي الذي سوي بالأرض بفعل غارات الحلف الأطلسي، حتى الطريق السريع المحاذي للبحر الذي تتناثر فيه أنقاض البنايات المدمرة بفعل القصف المدفعي.
وكانت سرت تضم نحو 120 ألف نسمة، قبل المعارك الطاحنة التي دفعت بآلاف الأشخاص إلى الفرار منها. وهي المدينة الممتدة على طول الساحل المتوسطي بين البحر والصحراء، والمتكونة من شوارع طويلة وضيقة تتخللها متاجر صغيرة وفنادق متواضعة أصبحت اليوم مدمرة.
 
جبريل: رئيس المجلس الانتقالي يعلن تحرير ليبيا اليوم
تقارير عن مطاردة موكب سيف الإسلام القذافي قبل قتله وشقيقه المعتصم
لندن: «الشرق الأوسط»
قال رئيس الوزراء المؤقت محمود جبريل في مؤتمر صحافي أمس، إن رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي سيعلن تحرير البلاد من حكم معمر القذافي في وقت لاحق من أمس (الخميس) أو اليوم (الجمعة) على أبعد تقدير.
وتابع جبريل «إن مصطفى عبد الجليل سيظهر، اليوم على أقصى تقدير، لإعلان تحرير البلاد وتقديم تفاصيل محددة بشأن مقتل القذافي».
وكان خليفة حفتر، قائد القوات البرية في المجلس الوطني الانتقالي، قد أعلن صباح أمس أن سرت «تحررت بالكامل» أمس (الخميس). وقال حفتر «تم تحرير سرت.. وبمقتل القذافي سقط نظام معمر القذافي، وتم تحرير ليبيا بالكامل.. ومن كان يقاتل معه قتل أو تم القبض عليه».
وتابع «الآن نستطيع أن نقول إن القذافي مات.. وليبيا تحررت». حيث إنه وبسقوط سرت يكون آخر معقل للمقاومة الموالية للقذافي قد انهار.
وكان المجلس الانتقالي قد أولى أهمية خاصة لسرت، مسقط رأس القذافي، حيث قال إنه سيعلن تحرير البلاد بالكامل فور السيطرة على المدينة، ومن ثم البدء بعملية انتقالية تشمل إجراء انتخابات في البلاد.
وسيكون إعلان تحرير ليبيا مؤشرا لبدء خطة تشكيل حكومة جديدة وبناء مؤسسات ديمقراطية في البلاد التي حكمها القذافي حكما مستبدا على مدى 42 عاما حتى الإطاحة به في أغسطس (آب).
وأشار محمود جبريل إلى أن لديه تقارير غير مؤكدة بأن مسلحين يتعقبون موكب سيف الإسلام ابن معمر القذافي قرب مدينة سرت، وأن الموكب يتعرض للهجوم.
وقال جبريل إن «الحكومة الليبية تؤكد أن كل الأشرار، إضافة إلى القذافي، قد انتهوا من هذا البلد الحبيب». وعبر جبريل عن اعتقاده أنه يتعين على الليبيين أن يدركوا أن الوقت حان لبدء بناء ليبيا جديدة وموحدة، بشعب واحد ومستقبل واحد.
كما طالب الجزائر بتسليم أفراد أسرة القذافي الذين فروا إلى هناك في أغسطس الماضي.. حيث يقيم بها اثنان من أبناء القذافي، إضافة إلى ابنته وزوجته.
كما قال مسؤول عسكري كبير بالمجلس الوطني الانتقالي أمس (الخميس) إن مقاتلي المجلس قتلوا المعتصم ابن العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي في حين يحاول سيف الإسلام القذافي الفرار من مدينة سرت بعد سقوطها لكن القوات تطوقه.
وقال عبد المجيد مليقطة، مسؤول المجلس الوطني الانتقالي لـ«رويترز» إن المقاتلين قتلوا المعتصم حين قاومهم. وأضاف أن سيف الإسلام يحاول الفرار من سرت في موكب صغير، وأن مقاتلي المجلس يطوقونه.
 
تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة القذافي ونجليه
مصدر ليبي لـ «الشرق الأوسط»: الجثث وصلت إلى مصراته
القاهرة: جمال القصاص
أكد حمزة الشيباني المسؤول باللجنة الإعلامية لثورة 17 فبراير بمدينة ودان، لـ«الشرق الأوسط» نبأ مقتل العقيد الليبي معمر القذافي، بعد اعتقاله من قبل قوات الثوار. كما أكدت مصادر متعددة للثوار أنباء مقتل نجله المعتصم وتضاربت حول سيف الإسلام.
وقال الشيباني الموجود حاليا بالعاصمة الليبية طرابلس إنه قام بالاتصال بمجموعة ثوار مصراتة الموجودين بمدينة سرت، وإنهم أكدوا له أنهم «قاموا باعتقال القذافي بالمنطقة الغربية من المدينة، بعد إصابته بجراح بالغة، وأنه يتم اتخاذ التدابير الأمنية لنقل القذافي إلى مدينة مصراتة».
وفي اتصال آخر، وبعد شيوع أنباء عن مقتل القذافي، أكد المسؤول الليبي أن القذافي قتل بالفعل، وأنه قتل في اشتباكات مع الثوار، وأنه رغم جراحه الجسيمة كان لا يزال حيا، لكنه توفي بعد فترة من إلقاء القبض عليه.
وأضاف المسؤول الليبي أن العقيد يزن الفيتوري، المسؤول بكتيبة الشهداء بطرابلس، قام بالاتصال مجددا مع ثوار مصراتة، وأنهم أكدوا له أن جثة القذافي وصلت بالفعل إلى المدينة.
في غضون ذلك، أكد حمزة الشيباني أن المعتصم نجل القذافي مات أمس (الخميس) بمدينة بنغازي متأثرا بجراحه، وأفاد الشيباني بأن المعتصم كان قد قبض عليه من قبل الثوار منذ عدة أيام بمدينة سرت، وتم نقله إلى قاعدة عسكرية بمدينة بنغازي؛ حيث تدهورت حالته الصحية وتم نقله أمس إلى مستشفى بنغازي، لكنه مات في الطريق إلى المستشفى متأثرا بجراحه.
وتعددت الروايات عن الطريقة التي قتل بها القذافي، فبينما أكد المسؤول الليبي حمزة الشيباني أن الثوار عثروا على القذافي ملقى في مجرى للمياه، وانحسرت عن رأسه باروكة الشعر المستعار التي كان يرتديها، لافتا إلى أن الكثيرين لا يعرفون أن القذافي أصلع وكان يرتدي شعرا مستعارا، بينما تناثرت رواية أخرى عن مقتله على يد الثوار في أثناء محاولته الفرار من مدينة سرت وسط رتل من أنصاره كان في طريقه للفرار من سرت، وتناثرت رواية ثالثة عن أن القذافي قتل أثناء مهاجمة الناتو للرتل نفسه.
وأكد الشيباني أنه يجري حاليا إعداد شريط فيديو لواقعة مقتل القذافي، سيتم بثه على القنوات الفضائية لاحقا.
وأفاد الشيباني بأن جموعا كبيرة من سكان العاصمة طرابلس خرجوا في الشوارع والميادين، وأطلقوا الزغاريد والأعيرة النارية احتفالا بمقتل القذافي، الذي جثم على صدور الليبيين طيلة 42 عاما.
ومن بنغازي أكد الكاتب الصحافي أحمد الفيتوري، رئيس تحرير صحيفة «ميادين»، خبر مقتل القذافي. وأشار في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أنه تأكد من ذلك من مصادر مقربة من المجلس الانتقالي، وأنه بالفعل تم نقل جثة القذافي إلى مستشفى مصراتة، وسط حراسة مشددة.
وحول كيفية القبض على القذافي، أوضح الفيتوري أنه بحسب مصادر من مصراتة، فإن فريقا من ثوار مصراتة بسرت رصد تحركا لرتل به القذافي يتجه للفرار باتجاه مدينة مصراتة، وأنه تم الهجوم عليه بشكل مكثف، وأن القذافي حين عثروا عليه كان فاقدا للوعي.
وحول الأجواء في مدينة بنغازي بعد مقتل القذافي، أكد الفيتوري، أن بنغازي تعيش فرحا خاصا، وأنها لن تعرف النوم هذه الليلة، وأن نذر الأفراح بهذه اللحظة بدأت تعم الشوارع والميادين، ويشارك فيها كل سكان بنغازي، بكل أطيافهم ومشاربهم بمن فيهم الأطفال.
من جهة أخرى، أكد محمد ليث، القائد الميداني للمنطقة الجنوبية في مدينة سرت شرق طرابلس، أن العقيد الليبي معمر القذافي كان مسلحا وقتل أثناء محاولته الفرار الخميس.
وقال ليث لوكالة الصحافة الفرنسية إن القذافي «كان داخل سيارة جيب (كرايسلر) أطلق عليها الثوار النار فخرج منها وحاول الفرار، وهو هارب دخل في حفرة محاولا الاختباء. أطلق عليه الثوار النار، فخرج وهو يحمل في يده كلاشنيكوف وفي اليد الأخرى مسدسا، تلفت يمينا ويسارا وهو يقول: شنه فيه (ماذا يحدث)، وأطلقوا عليه النار فأصيب في الكتف وفي الرجل وقتل على الأثر»، وأضاف أن القذافي «كان يرتدي بدلة كاكية اللون وعلى رأسه عمامة».
ونفى محمد ليث أن يكون القذافي قتل في قصف لقوات حلف الأطلسي على سرت، مؤكدا أن «ثوار مصراتة قتلوه». وقال: «كان جسمه هزيلا جدا. واضح أنه كان مريضا فلم يتحمل الإصابة».
وبشأن سيف الإسلام القذافي، قال محمد ليث: «نحن نحاصر المنطقة التي لدينا معلومات أن سيف الإسلام موجود فيها»، من دون مزيد من التفاصيل.
إلى ذلك، أكد مصدر ليبي مسؤول بكتيبة 17 فبراير مقتل سيف الإسلام القذافي النجل الثاني للعقيد الليبي على مشارف تخوم مدينة زليطن الواقعة بين مدينة مصراتة والخمس، بعد هجوم شنه الثوار على رتل من أتباعه، كان سيف الإسلام موجودا به داخل عربة مصفحة.
إلا أن مصادر إعلامية شككت في ذلك، وقالت قناة العربية إن ذلك أمر لم يحسم بعد.
وكشف المصدر الليبي الذي فضل عدم ذكر اسمه في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» عن أن الهجوم جاء بعد أن تم بدقة تحديد الموقع الموجود فيه سيف الإسلام القذافي النجل الثاني للعقيد الليبي.. وترددت أنباء عن وصول جثة سيف الإسلام إلى مدينة مصراتة، لتنضم إلى جثة والده التي وصلتها من قبل، بعد أن لقي مصرعه على يد الثوار في مدينة سرت مسقط رأسه.
وكان قيادي مسؤول عن تنسيق الاتصالات بين كتائب المحاور الرئيسية الثلاثة في مدينة بني وليد، أبلغ أول من أمس «الشرق الأوسط» أن فرق استطلاع الثوار تمكنت من تحديد المكان الذي يوجد فيه سيف الإسلام نجل القذافي في صحراء جنوب شرقي طرابلس، وأن نحو 100 سيارة مجهزة تتجه لمحاصرته.
كما ترددت روايات من قبل عن وجود سيف الإسلام في مدينة بني وليد، وتحدثت عن أنه يعيش في حالة نفسية مزرية، وصلت إلى حد الهذيان، وقال شهود عيان من سكان المدينة والتي تم تحريرها بيد الثوار، أن سيف الإسلام قبل أن يغادرها، كان يطرق أبواب البيوت في الليل طلبا للطعام وللمبيت بشكل آمن، ثم يغادر في الصباح، كما ترددت أنباء عنه أنه كان يكلم الناس في الشوارع بطريقة مشوشة تنم عن خلل عقلي ونفسي.
يذكر أن الإنتربول والمحكمة الجنائية الدولية، طلبا من سيف الإسلام القذافي، قبيل تأكيد مصرعه، «تسليم نفسه للرد على الاتهامات الموجهة إليه»، على ما أعلنت منظمة الشرطة الدولية في بيان. وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في 27 يونيو (حزيران) مذكرات توقيف بحق معمر القذافي (69 عاما) وابنه سيف الإسلام (39 عاما) وصهره عبد الله السنوسي (62 عاما) الملاحقين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
 
المحطات الأساسية في تاريخ ليبيا منذ الغزو الإيطالي
طرابلس - لندن: «الشرق الأوسط»
* 1911-1912: إيطاليا تحتل البلاد التي كانت تخضع للحكم العثماني منذ 1551م.
* 1912-1932: الحركة السنوسية الدينية تقود المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإيطالي.
* 1934: الإيطاليون يوحدون المناطق التاريخية الثلاث؛ أي طرابلس (شمالي غرب) وبرقة (شرق) وفزان (جنوبي غرب) في مستعمرة واحدة تحولت فيما بعد إلى «أرض إيطالية» سنة 1939.
* 1943: بعد ثلاث سنوات من حملات عسكرية مختلفة انتصرت فيها تارة قوات المحور وأخرى القوات البريطانية، حرر الحلفاء ليبيا نهائيا.
* 1951: الأمم المتحدة تعلن استقلال ليبيا في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1949. تحولت ليبيا إلى مملكة فيدرالية تتكون من ثلاث مناطق تاريخية يحكمها محمد إدريس السنوسي باسم الملك إدريس الأول.
* 1958-1959: اكتشاف حقول نفطية بدأ استغلالها سنة 1961.
* 1969: حركة «الضباط الأحرار» بقيادة معمر القذافي تطيح بالملك إدريس وتشكل مجلس قيادة الثورة.
* 1970-1971: تأميم المصارف والشركات النفطية.
* 1973: ليبيا تحتل شريط أوزو في شمال تشاد حتى 1994، وفي هذه الأثناء تتدخل القوات الليبية مرارا في النزاع التشادي.
* 1977: العقيد القذافي الذي عرض سنة 1976 أطروحاته السياسية في «الكتاب الأخضر» يعلن قيام «الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى» التي يتولى فيها الشعب «السلطة مباشرة» مع «مؤتمر الشعب العام» (برلمان) و«اللجان الشعبية العامة» المكلفة تنفيذ تعليمات المؤتمر العام.
* 1986: في أبريل (نيسان) غارة أميركية تستهدف منازل القذافي في طرابلس وبنغازي (44 قتيلا) انتقاما لاعتداء وقع في برلين الغربية. وقد قطعت واشنطن في يناير (كانون الثاني) 1986 علاقاتها الاقتصادية مع ليبيا وقررت معاملة معمر القذافي «كمطارد» متهم «بالتورط» في اعتداءي روما وفيينا.
* 1992-1993: الأمم المتحدة تفرض حظرا جويا وعسكريا على ليبيا ثم عقوبات اقتصادية. عزل المجتمع الدولي ليبيا خصوصا بعد أن نسب إليها اعتداءين، على طائرة «بوينغ» لشركة «بانام» الأميركية فوق لوكيربي (أسكوتلندا) في ديسمبر (كانون الأول) 1988 (270 قتيلا)، وطائرة فرنسية لشركة «يوتا» فوق النيجر (170 قتيلا) في سبتمبر (أيلول) 1989.
* 2003: تطبيع العلاقات مع الغرب الذي بدأ في 1999، يجسده رفع آخر العقوبات، ثم إعلان طرابلس تخليها عن أسلحة الدمار الشامل.
* 2005: عدة شركات نفطية كبيرة، لا سيما الأميركية، تستأنف نشاطاتها المنقطعة في ليبيا منذ 1986.
* 10 يونيو (حزيران) 2009: زيارة تاريخية يقوم بها القذافي إلى إيطاليا بعد توقيع معاهدة تسوية الخلافات الاستعمارية بين البلدين.
* 17-19 فبراير (شباط) 2011: انتفاضة لا سابق لها ضد نظام القذافي قمعت بشدة في شرق البلاد تمتد إلى مناطق آخر وتتحول إلى نزاع مسلح. في 19 مارس (آذار) تشن واشنطن وباريس ولندن بتفويض من الأمم المتحدة عملية عسكرية قبل أن يتولى قيادتها الحلف الأطلسي في 31 مارس.
وبعد ذلك يفرض المجلس الوطني الانتقالي نفسه تدريجيا على الساحة الدولية.
* 23 أغسطس (آب): سقوط طرابلس وفرار معمر القذافي.
* 20 أكتوبر (تشرين الأول): السلطات الجديدة تعلن مقتل معمر القذافي في سرت التي باتت «مدينة محررة تماما» بعد أن حوصرت أكثر من شهر.
 
 
القذافي.. يا لها من نهاية
طارق الحميد
عندما اندلعت الثورة الليبية خرج العقيد معمر القذافي وقتها مطالبا قواته بإمساك ما وصفهم بالجرذان، وقال اسحبوهم، وطهروا الشوارع منهم، وحينها ردد عبارته الشهيرة: دار.. دار، وزنقة.. زنقة. ولكن يا سبحان الله فقد انطبق الأمر عليه هو، وبشكل مذهل!
فقد بثت قناة «الجزيرة» القطرية شريط فيديو يظهر لحظة إلقاء قبض الثوار الليبيين على العقيد الفار معمر القذافي ووجهه ملطخ بالدماء، كان رجلا مصابا بالذهول والرعب، والثوار يهللون حوله «الله أكبر.. الله أكبر»، وحسب ما تردد كان القذافي يقول «ما الذي يحدث.. لا تقتلوني» وعبارات أخرى، وقد سحبه الثوار كما كان ينوي سحبهم، وتجمعوا حوله مهللين مكبرين، والابتسامة تعلو وجوههم، بينما كان الخوف يصرخ في كل ملامح القذافي.. ثم انتهت القصة.. لقد مات.
هكذا انتهى القذافي بكل بساطة بعد أن حكم ليبيا طوال فترة أربعة عقود بالخوف والرعب، وتصفية الخصوم، وشراء الذمم، حكم ليبيا على أنه هو الدولة، وهو القانون، وهو عميد الحكام العرب، وملك الملوك، وأمير المؤمنين، وألقاب لا تعد ولا تحصى، لكنه انتهى مخلوعا، مقتولا على قارعة الطريق! وبالطبع نهاية القذافي لا تثير الشفقة بقدر ما أنها تثير الحيرة والاستغراب، وتجعل المرء يعيد تكرار نفس السؤال الذي تردد بعد النهاية المأساوية لصدام حسين وعائلته، والسؤال هو: ألا يتعظ هؤلاء الطغاة؟
لقد رأينا نهاية صدام حسين، وتشتت عائلته، واليوم نرى معمر القذافي وعائلته يسيرون على نفس المنوال! فأمر مرعب أن القذافي هو ثاني رئيس عربي ينتهي نهاية مهينة، وفي غضون خمس سنوات، والغريب أن القذافي كان يتهكم على الحكام العرب محذرا إياهم من نهاية مشابهة لنهاية صدام حسين، لكنه هو الذي انتهى هذه النهاية! فبعد أربعة عقود من الحكم الديكتاتوري لمعمر القذافي، حكم الدم والدمار، انتهى القذافي نفس النهاية التي تسبب بها لكل من عارضه أو اختلف معه ومع نظامه، وانتهى كذلك بنفس الطريقة التي قتل بها رجاله الثوار الليبيين طوال عمر الثورة الليبية. ولذا فإن السؤال ملح، ويجب أن يبقى دائما حاضرا: ألا يتعظ هؤلاء الطغاة؟
ولكي يبقى هذا السؤال حاضرا فلا بد من أن يقال لليبيين اليوم إن القذافي انتهى، وربما كان هذا أسهل المهمات الصعبة، لكن الأهم من كل ذلك اليوم هو بناء ليبيا التي دمرها القذافي طوال أربعة عقود، حيث كان رجلا واحدا ضد تقدم شعب ودولة، رجل حول بلادا كاملة إلى مزرعة خاصة به وبأبنائه، اليوم على الليبيين بناء الدولة ومؤسساتها، وحماية المواطنين، والحفاظ على كرامتهم، وبذلك تكون ليبيا قد تخلصت من القذافي بالفعل، أما إن لم يتم ذلك، لا قدر الله، فلا أحد يضمن عودة قذافي آخر.
وهذا ما يخص الليبيين. أما عربيا، فلا بد من التذكير بأننا قد شهدنا، وخلال آخر عشر سنوات، من انتهى من الرؤساء العرب بحفرة، وآخر قتل على قارعة الطريق، وواحد في الملجأ، وآخر بالمستشفى، وعليه فإن السؤال ما زال قائما: ألا يتعظ هؤلاء الطغاة؟

المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

..Getting Past Libya’s Central Bank Standoff..

 الأربعاء 2 تشرين الأول 2024 - 6:21 ص

..Getting Past Libya’s Central Bank Standoff.. The long-running feud between Libya’s competing au… تتمة »

عدد الزيارات: 172,770,075

عدد الزوار: 7,711,547

المتواجدون الآن: 0