السوريون للحكام العرب: من يهدد بحرق المنطقة ليس رئيس دولة بل رئيس عصابة
مظاهرات تعم سوريا في جمعة «الله أكبر».. وقوات النظام ترد بالرصاص وتردي 25 مدنيا على الأقل
الأحد 6 تشرين الثاني 2011 - 4:29 ص 3375 0 عربية |
القتل يتواصل وواشنطن تدعو النشطاء السوريين لعدم تسليم أنفسهم
25 قتيلا ثاني يوم المبادرة.. والنظام يمهل «المسلحين» أسبوعا لتسليم أنفسهم
بيروت: بولا أسطيح لندن - دمشق - واشنطن: «الشرق الأوسط»
فشل النظام السوري في امتحان الالتزام بالمبادرة العربية التي أعلن موافقته عليها يوم الأربعاء الماضي، إذ واجهت قواته السوريين الذين خرجوا في تظاهرات في أنحاء البلاد في جمعة «الله أكبر على كل من طغى وتجبر»، بالرصاص، وأردت 25 مدنيا حتىمثول الجريدة للطباعة.
وفي اختبار لنوايا النظام، خرج السوريون في مظاهرات أمس، وتعمد الناشطون الذين قاموا بنقل الأخبار من مناطق المظاهرات أن يبدأوا مساهماتهم بجملة «تنفيذا لقرارات الجامعة العربية، إطلاق رصاص حي على المتظاهرين». وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس، إن عدد قتلى أمس وصل حتى مساء أمس إلى 25 قتيلا. وتحدث المرصد عن ورود أنباء عن مقتل جنود من الجيش النظامي السوري وجنود منشقين خلال اشتباكات في بلدة كناكر.
جاء ذلك في وقت أمهلت فيه وزارة الداخلية السورية في بيان بثه التلفزيون السوري الرسمي، حاملي السلاح أو المتاجرين به أو موزعيه أسبوعا لتسليم أنفسهم، دون التعرض للعقوبة. إلا أن وزارة الخارجية الأميركية نصحت السوريين بعدم تسليم أنفسهم، وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية للصحافيين «لا أنصح أحدا بتسليم نفسه لسلطات النظام في الوقت الراهن»، معربة عن القلق إزاء سلامة من يفعل ذلك.
وتلقى الناشطون في الداخل السوري الخبر الذي عممته وزارة الداخلية والذي دعت فيه المسلحين لتسليم أسلحتهم وأنفسهم، واعدة إياهم بالعفو العام، بكثير من الاستخفاف والاستهزاء.
مظاهرات تعم سوريا في جمعة «الله أكبر».. وقوات النظام ترد بالرصاص وتردي 25 مدنيا على الأقل
المظاهرات تعود لمدن الساحل.. وحمص تدعو لإلغاء مظاهر الابتهاج بعيد الأضحى
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
واصل النظام السوري قمعه للمظاهرات السلمية في أنحاء البلاد، رغم موافقة النظام على المبادرة العربية التي تدعو لحماية المدنيين ووقف العنف، وقتل في يوم جمعة «الله أكبر على كل من طغى وتجبر»، 25 مدنيا على الأقل، بحسب ناشطين، في المظاهرات التي خرجت في مناطق عديدة من البلاد.
وفي اختبار لنوايا النظام، خرج السوريون في مظاهرات أمس، وتعمد الناشطون الذين قاموا بنقل الأخبار من مناطق المظاهرات أن يبدأوا مساهماتهم بجملة «تنفيذا لقرارات الجامعة العربية، إطلاق رصاص حي على المتظاهرين».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس، إن عدد قتلى أمس وصل حتى مساء أمس إلى 25 قتيلا، وتحدث المرصد عن ورود أنباء عن مقتل جنود من الجيش النظامي السوري وجنود منشقين خلال اشتباكات في بلدة كناكر.
إلا أن وكالة الأنباء السورية (سانا) نفت سقوط أي قتلى خلال المظاهرات في أي من أنحاء البلاد، وكتبت في شريط عاجل بقي على الصفحة الرئيسية للموقع طوال اليوم، نقلا عن مصدر إعلامي: «لا وجود لقتلى في المحافظات السورية كما تدعي بعض الفضائيات المستمرة في استخدام أسلوبها التحريضي على القتل».
وخرجت يوم أمس مظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، حتى بعض أحياء حمص التي تتعرض لعملية عسكرية شرسة. ففي دمشق خرجت عدة مظاهرات في جامع الحسن في حي الميدان، كما خرجت مظاهرة من جامع حسين الخطاب في حارة القاعة عقب صلاة الجمعة. وتفرقت المظاهرة باتجاه الحارات بعد انقضاض الأمن على المتظاهرين. وفي حي القابون، سارع الأمن فورا إلى إطلاق النار لتفريق المتظاهرين، وفي حي القدم خرجت مظاهرة «ترفض الحوار مع القتلة وتطالب بإعدام الرئيس». وفي حي برزة أطلقت النار لتفريق المتظاهرين كما أرسلت تعزيزات أمنية وجرت حملة مداهمات واعتقالات وسط برزة البلد.
وفي قدسيا في ريف دمشق خرجت مظاهرة من جامع العمري، انقض عليها الأمن والشبيحة وجرى تفريقها بعد عشرين دقيقة من انطلاقها. وفي مدينة حرستا في ريف دمشق قامت قوات الأمن بإطلاق النار لتفريق المتظاهرين وجرت ملاحقات للمتظاهرين. وقالت مصادر محلية إن عناصر في الجيش السوري كانوا مع الأمن في ملاحقاتهم وفيهم من يحمل آر بي جي.
وفي مدينة المعضمية حيث تنتشر قوات الأمن بكثافة كبيرة منذ عدة أشهر، خرجت مظاهرة طالبت برحيل بشار، بعدها زاد انتشار الجيش والأمن وجرت محاصرة كافة المساجد مع نصب حواجز جديدة. وفي مدينة مضايا انطلقت مظاهرة حاشدة من الجامع الشمالي هتفت للمدن المحاصرة ودعت لإسقاط النظام.
أما في حمص، ووسط أنباء عن استعدادات عسكرية ورفع الجاهزية لإعادة الانتشار في شوارع المدينة، خرجت المظاهرات في غالبية أحياء المدينة. وقال ناشطون إن امرأة أصيبت برصاص الأمن في حي كرم الزيتون، الذي قطعت عنه الكهرباء بشكل كامل. كما شوهدت عدة ناقلات جند تدخل بابا عمرو، وفي حي دير بعلبه سجل إطلاق نار من القناصة على المارة من جهة دوار البياضة. كما تمركز قناصة على طريق حماه المطاحن المطلة على الخالدية.
وفي حي بابا عمرو، تجدد ضرب الحي بعد ظهر يوم أمس وسمع أصوات قنابل صوتية بكثافة. وفي الوعر القديم خرجت مظاهرة حاشدة تحت الأمطار من جامع الروضة وأخرى من جامع فاطمة في الوعر الجديد. وفي جامع عباس على طريق حماه جرت محاصرة المصلين عدة ساعات لمنع خروجهم في مظاهرة.
وفي مدينة القصير في ريف حمص، الواقعة على الحدود مع لبنان، خرجت مظاهرة حاشدة من جامع رمزون بعد صلاة العصر، بعد أن تم منع خروج مظاهرة بعد صلاة الظهر من الجامع نفسه. وشهدت مدينة تدمر مظاهرة كبيرة هتفت لنصرة حمص ودرعا ونادت بإعدام الرئيس. وعشية عيد الأضحى، دعا «المكتب التأسيسي لمجلس الثورة في محافظة حمص»، «الأمة الإسلامية إلى الوقوف إلى جانب الشعب السوري»، وقال في بيان له صدر يوم أمس إنه يعتبر «أي تقصير تجاه حماية الشعب السوري هو بمثابة مشاركة للنظام في إجرامه بحق المدنيين العزل». ودعا المكتب «إلى إلغاء مظاهر الابتهاج بعيد الأضحى المبارك لهذا العام، وذلك احتراما لأرواح شهداء الثورة... وتحويل نفقات الابتهاج بالعيد لمساعدة الفقراء والمنكوبي». كما دعا المكتب السياسي إلى عدم التخلف عن صلاة العيد لأن «التكبير والدعاء والتضرع إلى الله تعالى هو أمر عظيم في هذه الأوقات».
وفي حماه، قالت مصادر محلية إن إطلاق النار لم يتوقف طيلة يوم أمس، حيث جرى إطلاق نار كثيف في منطقة الحميدية لتفريق مظاهرة حاشدة والمتظاهرون يكبرون، وأخرى في حي الكرامة. كما قال ناشطون في حماه إن أكثر من عشرة متظاهرين أصيبوا في حي طريق حلب بعد إطلاق قوات الأمن النار على المصلين في جامع عثمان.
وفي ريف حماه خرجت مظاهرات حاشدة في بلدات حريتان وصوران وحلفايا وتفتناز. وفي مدينة الرستن الواقعة في قبضة الجيش خرجت مظاهرة طيارة من جامع أبو عمو وجرى اعتقال نحو 20 متظاهرا واقتيادهم إلى النادي الرياضي مكان تجمع قوات الأمن.
وفي إدلب - شمال غرب - خرجت مظاهرات كبيرة في المدينة وفي مدن وبلدات المحافظة، حيث خرجت مظاهرة في قرية كفر عميم رغم الأمطار الغزيرة طالبت بحظر جوي وإعدام «السفاح بشار»، واتجهت إلى قرية ريان وانضمت إليها قرية شيخ إدريس والقرى المجاورة. وفي النيرب خرجت مظاهرة حاشدة جابت الشوارع وعلت تكبيرات العيد وطالبت بإعدام الرئيس والحماية الدولية.
وفي حلب، خرجت مظاهرة في منطقة صلاح الدين وقام الأمن والشبيحة بمهاجمتها وإلقاء القنابل المسيلة للدموع إلا أن أحد المتظاهرين التقط قنبلة قبل تفجرها ورماها باتجاه قوات الأمن الذين سارعوا إلى الهروب، فعاد المتظاهرون للتجمع. وفي منطقة الباب في حلب جرت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين.
وفي درعا خرجت مظاهرات في درعا المدينة وغالبية مدن وبلدات حوران، وانطلقت المظاهرة الحاشدة في حي الأربعين في درعا البلد طالبت بإعدام الرئيس واعتبرت الجامعة العربية خائنة، وقامت قوات الأمن بإطلاق النار لتفريقها، مما أسفر عن إصابات عديدة.
وفي شمال شرقي البلاد خرجت مظاهرات في الحسكة وفي دير الزور والبوكمال، وجرى إطلاق نار لتفريق المظاهرات هناك مع انتشار أمني مكثف في محيط الجوامع.
وفي الساحل عادت مدن الساحل بقوة إلى دائرة المظاهرة الحاشدة والتي كانت من أوائل المدن المنتفضة في البلاد وتعرض لعمليات قمع وحشية، ولا تزال تعاني من الوجود الأمني المكثف، وخرجت يوم أمس مظاهرة من منطقة الرمل الجنوبي رغم القمع الشديد هناك. وقال ناشطون إن المصلين خرجوا من جامع أبو الدرداء في الطابيات في مظاهرة كبروا فيها وهتفوا لإسقاط النظام وهجم عليهم الأمن بعد دقائق وقام بإطلاق النار وملاحقة المصلين وفي جبلة الساحلية خرجت مظاهرة من جامع المنصوري وجرى اعتقال أكثر من عشرة شبان حيث قامت قوات الأمن بالهجوم على المتظاهرين بوحشية لتفريق المتظاهرين.
وفي مدينة بانياس الساحلية، تظاهر المصلون داخل الجامع لنصرة حمص، فقامت عناصر الأمن والشبيحة باقتحام الجامع وخلع بابه، وجرى إطلاق نار كثيف.
السوريون للحكام العرب: من يهدد بحرق المنطقة ليس رئيس دولة بل رئيس عصابة
انتقدوا مبادرة الجامعة العربية وتساءلوا: مبادرة أم مؤامرة؟
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
خيم الطابع الديني على الشعارات التي رفعت أمس في جمعة «الله أكبر على من طغى وتكبر»، في سوريا، ومع أن الدعاء لله وتعليق الآمال عليه وحده تكاد تكون إحدى السمات الرئيسية للشعارات الاحتجاجية السورية، لكنها تزايدت يوم أمس بعد أكثر من تسعة أشهر من القمع المتصاعد بالنار والحديد.
وعشية عيد الأضحى، رفع المتظاهرون السوريون لافتة تطلب من الحجاج في عرفات الدعاء وتقول لهم «منكم الدعاء ومنا الصبر». كما رفعت لافتات أخرى عاتبة على الجامعة العربية التي أعطت للنظام فرصة ثانية ليتمادى في قمعهم، إلا أن جوابهم كان «الحوار على رحيل بشار».
وجاء في رسالة للجامعة العربية وجهها المتظاهرون في تفتناز بريف حماه: «إلى الجامعة العربية.. هرمنا.. سجلوا تاريخا جديدا». أما في درعا فكانوا يغنون في الصنمين «وين الملايين الشعب العربي وين». وكتبوا قراءتهم للمبادرة العربية والتي هي «أولا: اعصبوا أعينكم ولا تروا الدبابات. ثانيا: اقتلوا أنفسكم كي لا يقتلكم النظام. ثالثا: اقطعوا ألسنتكم كي لا تنطقوا بالحق».
ووجهوا رسالة إلى الرئيس بشار الأسد بأن عليه أن يختار بين أربعة احتمالات «التنحي، الإعدام، المحكمة، أو الهروب»، في حين نصحوا شقيقه ماهر بالهروب.
وفي درعا تساءل المتظاهرون «أين الأقوال من الأفعال؟». وكان التركيز في غالبية المظاهرات على اتهام الرئيس السوري بالكذب، فرفعت لافتات في أكثر من مظاهرة تضمنت كلمة واحدة كبيرة «كذاب» و«منحبك ترحل» وذلك ردا على مؤيدي الرئيس الذين يرفعون لافتات «منحبك».
وفي منطقة الحولة في حمص استخدم المتظاهرون ثلاث كلمات «بشار كذاب فاجر»، وكلمتين أخريين للجامعة العربية تدينان اتفاقها مع النظام السوري ومبادرتها لحل الأزمة وهما «مبادرة أم مؤامرة». لكن في قرى حوران كانت الرسالة أوضح «يا حكام العرب والخليج من يقول أنه سيحرق منطقة الشرق الأوسط والخليج ليس برئيس دولة وإنما هو رئيس عصابة».
وفي بانياس، كان المتظاهرون أكثر مباشرة في مطالبتهم بحلف الناتو التدخل، وتجاوزا المبادرة العربية، وعبروا عن الخلاصة التي يرونها الآن على الأرض بعبارة «السوري خلصو دماتو بدنا تدخل الناتو».
وفي حمص في حي بابا عمرو الذي يتعرض للقصف، كان المطلب «منطقة عازلة لا يجرؤ النظام على اقتحامها مثل الجولان». ورفعت لافتات كتب عليها أن «إبادة جماعية تجري في بابا عمرو وتمتد إلى كل حمص».
أما في انخل بحوران، سخر المتظاهرون من «عميد الأسرى العرب» سمير قنطار الذي توعد بقطع أيدي المناهضين للنظام في سوريا، وكتبوا «سمير قنطار بتسع نعل البطل وئام عماشة» ووئام عماشة الأسير السوري الذي خرج مؤخرا من سجون الاحتلال الإسرائيلي في الصفقة التي أتمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، وفور تحرره أعلن تضامنه مع الثورة السورية، ما جعل الإعلام السوري يستبعده من حملته الدعائية حول الأسرى. وقال أهالي أنخل «صبرا سوريا موعدنا الحرية».
فرنسا تشكك في صدق النظام السوري بالتزام خطة الجامعة العربية
أعضاء في مجلس حقوق الإنسان سيدفعون باتجاه تحقيقات في سلوك دمشق
لندن: «الشرق الأوسط»
شككت فرنسا في «صدق النظام السوري في تنفيذ خطة الجامعة العربية للخروج من الأزمة في هذا البلد، بسبب استمرار القمع الدامي في سوريا». وقال رومان نادال، مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، إن «استمرار القمع يعزز شكوك المجتمع الدولي في صدق النظام السوري بتنفيذ خطة الجامعة العربية». وأضاف «في حين أعلن النظام السوري لتوه أنه يقبل من دون تحفظ بخطة الخروج من الأزمة التي اقترحتها الجامعة العربية، نلاحظ أن عشرين متظاهرا مسالما على الأقل قتلوا الخميس في سوريا برصاص قوات الأمن». وأكد أن «استمرار القمع يناقض تماما الالتزامات التي طالبت الجامعة العربية النظام السوري» بأن يفي بها.
وشدد نادال على أن «فرنسا مصممة أكثر من أي وقت آخر على التحرك في كل المحافل الدولية وكذلك مع الجامعة العربية التي ترحب بجهودها، للضغط على النظام السوري بهدف وقف القمع في سوريا».
إلى ذلك، أكد أعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، أنهم يريدون تسليط الضوء على ما وصفوه بـ«الانتهاكات التي يتم ارتكابها في سوريا»، وأعلنوا أنهم «سيدفعون باتجاه إجراء تحقيقات في سلوك النظام سواء سُمح لمراقبي المجلس بدخول الأراضي السورية أم لم يسمح».
وقالت إيلين تشيمبرلين دوناهو، سفيرة الولايات المتحدة لدى مجلس حقوق الإنسان، خلال اجتماع في معهد بروكينغز للأبحاث بواشنطن «بالنسبة للشأن السوري لا تزال الفرصة متاحة، حتى إنها متاحة جدا». وأضافت ««لا نشعر أننا فقدنا الزخم.. وسنفعل كل ما في وسعنا لتسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة والضغط بأقصى طاقتنا». ورأت أن منع أعضاء اللجنة من الوصول إلى سوريا «يزيد من عزم المجتمع الدولي» للضغط على نظام الرئيس بشار الأسد.
وكانت دمشق منعت وصول بعثة لتقصي الحقائق من مجلس حقوق الإنسان في أغسطس (آب) الماضي، كما رفضت أيضا دخول لجنة تحقيق تدعمها الأمم المتحدة تم تشكيلها بعد ذلك، ومن ثم توجه أعضاء اللجنة إلى المناطق الحدودية في بلدان مجاورة لسوريا لرصد الانتهاكات من هناك.
حلب تدخل تدريجيا في أجواء الانتفاضة السورية
نفوذ رجال الأعمال فيها يجعل المدينة أقل مشاركة من ريفها
بيروت: «الشرق الأوسط»
بدأت مدينة حلب في سوريا والتي تعد أكبر مدينة في البلاد من حيث عدد السكان، تنضم أكثر إلى مشهد الانتفاضة السورية المندلعة ضد حكم عائلة الأسد منذ أواسط شهر مارس (آذار) الماضي. ويقول ناشطون معارضون يعيشون داخل المدينة إنها شهدت في جمعة «الله أكبر على من طغى وتجبر» حراكا ملحوظا «قد يكون مقدمة لدخول المدينة بشكل كامل في حالة الاحتجاج السورية فيما بعد». ويشير الناشطون إلى أنهم «يحاولون في كل يوم جمعة النزول في مظاهرات معارضة للأسد في العديد من الأحياء والشوارع، لكن سرعة حضور الأمن والشبيحة تكون مذهلة».
المدينة وفقا لتوصيف المعارض تعاني حصارا أمنيا غير مرئي أو مباشر، «لا توجد حواجز أو سيارات عسكرية، لكن الأمن والمخابرات في كل مكان، فضلا عن وجود مجموعات من الشبيحة جاهزة للهجوم على أي تجمع معارض تبدأ بوادره في الظهور».
وأشار ناشطون إلى أن أهالي مدينة حلب «قد خرجوا في مظاهرات مناهضة لنظام بشار الأسد وممارساته القمعية، حيث خرجت مظاهرة حاشدة في الحارات الفرعية لحي الفردوس وقام المتظاهرون بالكتابة على كل الجدران في طريق المظاهرة في الحارات الداخلية التي مروا فيها. وفي حي الأتارب خرجت مظاهرة تنادي بإسقاط النظام السوري ولنصرة حمص وجميع المدن المحاصرة. أما المظاهرة الكبيرة فخرجت من حي صلاح الدين، حيث خرج المتظاهرون بعد الصلاة من جامع أويس القرني وهتفوا لإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد، مما دفع مجموعات كبيرة من الشبيحة لمهاجمة المتظاهرين بالعصي والحجارة». وكان نشطاء سوريون قد نشروا على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» شريط فيديو يوثق حادثة الاعتداء على المتظاهرين في حي صلاح الدين في حلب.
أما فيما يتعلق بريف حلب فقد خرجت مظاهرات معارضة لنظام الأسد وفقا لشريط بث على مواقع الإنترنت في مدينة تل رفعت عقب صلاة الجمعة قرب المجمع التجاري تنادي بإسقاط النظام ورفع الحصار عن مدينة حمص. كما خرجت المظاهرات في منبج والباب ومارع وعندان وحريتان هتفت جميعها ضد نظام الأسد وطالبته بالرحيل.
ويجزم ناشطون معارضون يعيشون في المدينة التي تعد أهم مركز صناعي في سوريا إضافة إلى أهميتها التجارية والزراعية، بأن حركة الاحتجاجات ضد النظام السوري «ستتوسع أكثر في الأحياء الحلبية مهما وصلت درجة القمع والترهيب»، ويلفت الناشطون إلى حال غليان تسري داخل المجتمع الحلبي بسبب القمع الوحشي الذي تتعرض له بقية المدن سواء درعا أو حمص أو ريف دمشق.
ويعزو الناشطون اتساع مساحة الاحتجاجات في الريف الحلبي أكثر من المدينة إلى عدة عناصر أبرزها، انحسار نفوذ طبقة رجال الأعمال المتحالفة مع النظام والتي تتحكم بمفاصل المدينة وتفرض سيطرتها الاقتصادية عليها، مما يترك هامشا لدى الناس للتحرك، بعيدا عن الابتزاز الاقتصادي الذي يلجأ إليه تجار المدينة لإبقاء موظفيهم الذين تتجاوز أعدادهم مئات الآلاف بعيدا عن حركة الاحتجاج، ويقول ناشط لـ«الشرق الأوسط»: «ليس كل الريف الحلبي يشارك في المظاهرات فالمناطق هناك ذات طابع عشائري، الأمر الذي يخلق تفاوتا في نسب المشاركة تبعا لموقف العشيرة من النظام حيث يلتزم عادة جميع أفرادها قرار زعامتها».
وكانت مدينة حلب قد تعرضت إلى انتقادات لاذعة من قبل السوريين بسبب مشاركتها الضعيفة في مشهد الانتفاضة السورية ضد نظام بشار الأسد، ويُرجع الكثيرون ضعف هذه المشاركة للتحالف الوثيق الذي أقامه النظام السوري مع طبقة رجال الأعمال الذين لم يحسموا أمرهم بعد بالوقوف إلى جانب الثورة، بل إن بعضهم كما يقول أحد الناشطين يقوم بتمويل الشبيحة.
العقيد الأسعد لـ «الشرق الأوسط»: سنستأنف عملياتنا ضد قوات النظام بعد أن انكشفت نواياه
انقسام بين أعضاء المجلس الوطني حول التعاون مع الجيش السوري الحر
بيروت: كارولين عاكوم
أعلن قائد «الجيش السوري الحر» العقيد المنشق رياض الأسعد لـ«الشرق الأوسط»، أن جيشه سيستأنف العمليات العسكرية «النوعية» ضد قوات الأسد، بعد أن «انكشفت نوايا» النظام في «جمعة الله أكبر». وكان الجيش السوري الحر قد أعلن تعليق عملياته ليل الأربعاء الماضي لإعطاء الفرصة للمبادرة العربية بالنجاح. وقال الأسعد في اتصال هاتفي «أعطينا فرصة للنظام السوري يومين بعدما أعلن عن موافقته على المبادرة العربية، وذلك كي نكشف كذبه ومناورته، ومنذ اليوم وبعدما انكشفت نواياه في (جمعة الله أكبر) سنعاود تنفيذ العمليات العسكرية النوعية وستكون تحركاتنا بشكل أكبر وأوسع».
ونفى الأسعد ما نشرته صحيفة «ديلي تلغراف»، لناحية تخطيطه ليكون جيشه الجناح العسكري للمعارضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وقال «نرفض أن نكون تابعين لأي طرف، وسأعمد إلى تشكيل مجلس عسكري في أقرب وقت ممكن».
وعما إذا كان هناك أي تنسيق فيما يتعلق بهذه العمليات مع المجلس الوطني السوري الذي يرفض أعضاؤه تحويل الثورة إلى عسكرية، لفت إلى أنه ليس هناك أي اتصال على المستوى الرئاسي بل على مستوى شخصيات محددة. وأضاف «نحن منشقون عن الجيش السوري ويحق لنا الدفاع عن أنفسنا وعن شعبنا عسكريا، ولمن يظن أن هذا النظام السوري سيسقط سلميا فهو واهم، لذا نرفض البقاء على الثورة السلمية، وسأعمد إلى تشكيل مجلس وطني عسكري في أقرب وقت ممكن وسيكون لنا برنامج خاص نعلن عنه في حينه». وأكد أن «الانشقاقات تزيد يوما بعد يوم ويمكنني التأكيد أننا تخطينا الـ 15 ألف عسكري».
وعما إذا كان هناك أي تنسيق عسكري مع السلطات التركية، قال «ليس هناك أي تنسيق أمني مع تركيا ويقتصر الدعم الذي تقدمه لنا السلطات على المساعدات الإنسانية، إضافة طبعا إلى المحافظة على أمننا وأمن الشعب السوري».
وكانت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية قد أشارت إلى أن الأسعد يعيش تحت حماية دائمة من المسؤولين الأمنيين في أنقرة، لافتة إلى أن مستوى الخسائر البشرية الكبير في صفوف قوات الأمن السورية جراء الهجمات الداخلية، يؤكد وجود قوات مسلحة تعمل بموافقة سرية من السلطات. ونقلت الصحيفة عن لسان الأسعد أن أفراد الجيش السوري الحر مسلحون بأسلحة وذخيرة مسروقة من النظام، وهو يقوم بحماية حدود البلدات والقرى المعارضة، ويهاجم الجنود الذين يطلقون النار على المتظاهرين السلميين. وأضافت الصحيفة نقلا عن الأسعد «ننتظر من المجلس الوطني السوري تعيين وفد رفيع المستوى وإرسال ممثل يتحدث معنا عن سبل دعم أهدافهم عسكريا».
في المقابل، قال عضو المجلس الوطني عمر إدلبي لـ«الشرق الأوسط» إن مسألة علاقة المجلس الوطني بالجيش السوري الحر، تأخذ حيزا من النقاش بين الأعضاء، وسيعلن عن نتائجها خلال أيام قليلة، لا سيما أن بعضهم يرفض التعاون معه انطلاقا من مبدأ «الحفاظ على طهارة الثورة»، معتبرا إياها «وجهة نظر مثالية غير قابلة للتطبيق». إلا أن عضو المجلس الوطني جبر الشوفي نفى وجود أي تنسيق بين المجلس وقيادة الجيش السوري الحر، وقال لـ«الشرق الأوسط» «ليس هناك أي تنسيق بيننا وبين الجيش السوري الحر ولا علاقة لنا بأي عمليات يقوم بها على الأرض، لأننا نرفض عسكرة الثورة، مع العلم أننا ندعم هذه الانشقاقات شرط أن تكون منطلقة باتجاه الثورة السلمية». وحول ما نقلته «ديلي تلغراف» حول تخطيط الأسعد ليكون جيشه الجناح العسكري للمعارضة السورية، أكد الشوفي أن «المجلس لم يتبن هذا الجيش أو أي جناح فيه». وفيما يتعلق بإمكانية التنسيق مع الأسعد في المرحلة المقبلة، قال «من الممكن أن تفتح معه قنوات الاتصال إذا وافق والتزم بشروطنا الأساسية وهي عدم عسكرة الثورة، والحرص على بقائها سلمية كما بدأت، لأننا على قناعة كاملة بأن تحويل الثورة إلى عسكرية سيفقدها اتساعها وسيعطي النظام حجة إضافية لاستخدامها ضدنا وضد المتظاهرين». وأضاف «ندعم استخدامهم للسلاح إذا كانوا في حالة الدفاع عن أنفسهم وعن البيوت والمواطنين، لكننا نرفض بشكل قاطع أي هجوم أو عمليات عسكرية لأن هذا الأمر يتناقض مع أهدافنا وتوجهاتنا التي ترتكز عليها الثورة السلمية».
المعارضة السورية تتحضر لإطلاق برنامجها لتوسيع دائرة الثورة والوصول إلى العصيان المدني
أعضاء المجلس الوطني اعتبروا أن موافقة النظام على المبادرة العربية ستسرع نهايته
بيروت: كارولين عاكوم
بعدما عكست مظاهرات «جمعة الله وأكبر» توقعات المعارضة السورية على اختلاف أطيافها وتشكيكها في نيّة النظام تنفيذ بنود المبادرة العربية، من المتوقع أن تكون الأيام القليلة المقبلة على موعد مع تصعيد لتحرّكات المعارضة السورية وذلك من خلال إطلاق برنامج خاص لتوسيع دائرة الثورة والوصول إلى العصيان المدني، بحسب عضو المجلس الوطني السوري عمر إدلبي. وقال إدلبي لـ«الشرق الأوسط» إنّ هناك خطّة عمل كاملة ستبصر النور خلال 48 ساعة المقبلة، وهي ترتكز على تفعيل الثورة وتعميم الإضراب للوصول إلى عصيان مدني. كما أكّد عضو المجلس الوطني أديب الشيشكلي أنّ «الثورة مستمرّة بناء على برنامج عمل يهدف في نهاية المطاف إلى إسقاط النظام الذي يبدو أنّ موافقته على المبادرة ستختصر الوقت وستكون نهايته حتى قبل الوصول إلى مرحلة العصيان المدني». وفي حين اعتبر الشيشكلي في اتّصال مع «الشرق الأوسط» أنّ «موافقة النظام السوري على المبادرة العربية ليست إلا مناورة للاستفادة من الوقت»، أكد أن مظاهرات أمس وكيفية التعامل معها، «كشفت نوايا النظام الذي لجأ إلى المناورة لكسب المزيد من الوقت ولم يحترم القانون الذي يعطي الشعب الحق في حريّة التظاهر».
ورأى الشيشكلي أنّ «قبول المبادرة اختصر الوقت بالنسبة إلى المعارضة، وهي ستسرّع الوصول إلى أهداف الثورة في أقرب وقت ممكن، وستأخذنا إلى نهاية النظام بشكل أسرع، لأنّه بالتأكيد لن يتقيّد ببنودها وسيبقى مصرّا على مواجهة التحرّكات السلمية بالقتل والرصاص». وأضاف «الإضراب سيكون المرحلة الأولى التي توصل إلى العصيان المدني، مع العلم أنّنا لسنا من يسيّر الشعب السوري الذي لا يزال مصرّا على المضي قدما في ثورته بل الداخل وما يحصل على أرض الواقع هو من يسيّرنا والدليل على ذلك المظاهرات الليلية التي خرجت أول من أمس بعد إعلان النظام الموافقة على المبادرة العربية».
وفيما يتعلّق بالتحضير لبرنامج التحرّكات المقبلة، قال إدلبي إنّ هناك «فريق عمل يتولّى مهمّة إدارة مكاتب متخصّصة تعمل كلّ بحسب مجاله لتنظيم الثورة والوصول إلى الهدف المرجو وهو إسقاط النظام». وأشار إدلبي إلى أنّه ومنذ تأسيس المجلس، لم يستطع أعضاؤه الاجتماع لأسباب أمنية، ولكنه أكد أنّ التواصل مستمرّ فيما بينهم لإقرار خطّة العمل السياسية لمرحلة الثورة الحالية، «الفترة التي ستسهّل الانتقال إلى المرحلة القادمة وهي مرحلة ما بعد سقوط النظام للوصول إلى سوريا جمهورية تعدّدية مدنية». واعتبر إدلبي أن ما تحتاجه الثورة اليوم وما يتمّ العمل عليه «هو تفعيل النضال السلمي لتوسيع دائرة الفئات الاجتماعية المشاركة في المظاهرات، وصولا إلى العصيان المدني. وأهمّ هذه الفئات هي تلك التي تضمّ رجال الأعمال وموظّفي الدولة الذين يعتبرون أن استمرار النظام الحالي هو لصالحهم وهو يضمن بقاء مصالحهم، وهذا ما يحتاج إلى دراسة وخطّة عمل ناجحة نعمل على الإعداد لها بشكل دقيق». كذلك، رأى إدلبي أنّ «الوصول إلى مرحلة العصيان المدني التي ستؤدّي ومما لا شكّ فيه إلى شلل البلد، ومن ثمّ الاستمرار بها يحتاج بدوره إلى تخطيط كي لا ينعكس الوضع سلبا على حياة المواطنين في المناطق السورية، وبالتالي ما يعمل عليه المجلس الوطني اليوم هو البحث عن بدائل من شأنها إبعاد الضرر قدر الإمكان عن حياة المواطنين، ودرس نتائج هذا العصيان على النظام من جهة وعلى حياة المواطنين من جهة ثانية، وتكاليفها على الطرفين، وسنعلن عن خطّة العمل الكاملة هذه خلال الـ48 ساعة القادمة».
وعن تأمين الدعم المادي لتنفيذ هذه الخطّة وعمّا إذا كان الأمر سيتمّ بالتنسيق مع جهات خارجية، لفت إدلبي إلى أنّ «تجربة حمص التي تعيش إضرابا شبه تام منذ نحو 4 أشهر، تشكّل نموذجا ناجحا إلى حدّ ما في الحياة الاجتماعية والمدنية التي يعيشها أبناؤها بعد نجاحنا في تأمين الحاجيات اليومية الأساسية لهم من الغذاء والدواء، رغم كلّ ما قام ويقوم به النظام والجيش من عمليات أمنية وعسكرية». وأضاف: «أما فيما يتعلّق بالدعم المادي، فكما ساهم المغتربون السوريون وعدد من رجال الأعمال في دعم الثورة ماديا، من الممكن أن ينسحب الأمر نفسه على مناطق سورية أخرى بالاعتماد على معونات مقبولة تسدّ هذه الثغرة من دون الحاجة إلى معونات كبيرة من الدول».
الداخلية السورية تعد بالعفو عمن يلقي السلاح.. وناشطون: النظام يكذب
واشنطن تنصح النشطاء بعدم تسليم أنفسهم
بيروت: بولا أسطيح
تلقى الناشطون في الداخل السوري الخبر الذي عممته وزارة الداخلية والذي دعت فيه المسلحين لتسليم أسلحتهم وأنفسهم واعدة إياهم بالعفو العام، بكثير من الاستخفاف والاستهزاء، متسائلين: «هل صدق الأسد بتنفيذ بنود المبادرة العربية لتصدق وزارته بما خص العفو العام؟».
إلى ذلك، نصحت وزارة الخارجية الأميركية أمس السوريين بعدم تسليم أنفسهم إلى السلطات السورية، بعد أن أعلنت دمشق العفو عمن يسلمون أسلحتهم. وقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نيولاند للصحافيين «لا أنصح أحدا بتسليم نفسه لسلطات النظام في الوقت الراهن»، معربة عن القلق إزاء سلامة من يفعل ذلك.
وشرح مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط» الأسباب وراء عدم تشجيع السوريين على انتهاز فرصة العفو لتهدئة الأمور داخل البلاد. وقال المسؤول «لقد أعلن (الرئيس السوري) العفو مرات عدة في السابق ولكن دائما كانت وعوده فارغة». وأضاف «لا يمكن لنا أن نقول بصدق للسوريين بأن عليهم تسليم أنفسهم في وقت لا تبدو فيه الحكومة السورية بأنها ستلتزم بوعودها». واعتبر المسؤول الأميركي أن تصرفات النظام السوري ومواصلة القمع الأمني خلال اليومين الماضيين، على الرغم من إبرام الاتفاق مع الجامعة العربية، كلها دلائل على «الوعود الفارغة». وأوضح أن «كل المؤشرات تدل على أن النظام لا يفي بالتزاماته، الوضع على الأرض هو أوضح دليل»، مضيفا «من الصعب أن نصدق بأن نظام الأسد يتعامل بجدية مع الاتفاق مع الجامعة العربية».
وأمهلت وزارة الداخلية السورية في بيان بثه التلفزيون السوري الرسمي، حاملي السلاح أو المتاجرين فيه أو موزعيه أسبوعا لتسليم أنفسهم، دون التعرض للعقوبة. وجاء في البيان أن الداخلية تدعو المواطنين «ممن حملوا السلاح أو باعوه أو قاموا بتوزيعه أو نقله أو شرائه أو تمويل شرائه ولم يرتكبوا جرائم القتل، إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى أقرب مركز شرطة في منطقتهم ليصار إلى تركهم فورا وذلك من يوم السبت 5 - 11 - 2011 ولغاية يوم السبت 12 - 11 - 2011 وسيعد ذلك بمثابة عفو عام عنهم». وقالت وزارة الداخلية إن «ذلك يأتي انطلاقا من حرص الدولة على مواطنيها وإفساحا في المجال أمام المضللين والمتورطين في حمل السلاح وحرصا على الأمن والنظام العام وبمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك».
ورد مسؤول تنسيقية حمص (أبو جعفر) على دعوة «الداخلية» متسائلا: «هل صدق الأسد بتنفيذ بنود المبادرة العربية لتصدق وزارته بما خص العفو العام؟»، مشددا على أن «من يحمل السلاح اليوم هم الضباط والعساكر المنشقون وبالتالي لا إمكانية لتسليم أسلحتهم». وفي اتصال مع «الشرق الأوسط»، أكد أبو جعفر من حمص، أن «لا أحد سيرضخ لدعوة كهذه»، معتبرا أن «النظام وفي الأيام المقبلة سيخرج بعض المعتقلين من السجون ليقول إن هؤلاء ممن سلموا أسلحتهم وأنفسهم وإنه تم العفو عنهم»، مشددا على أن «هذه المسرحيات لم تعد تنطلي على أحد». وتساءل أبو جعفر: «لو كانت دعوة الداخلية تنطوي على نوايا صافية لكان الرئيس الأسد هو من أعلن شخصيا عن هذه الإجراءات ولم يوكل الداخلية بذلك». وأضاف: «على كل حال لو أرادت القيادة السورية أن تثبت أقوالها بإطار الأفعال، فلتسمح لمراسلي التلفزيونات العربية والدولية بالدخول للمناطق والمدن السورية لنقل الصورة كما هي على أرض الواقع». ونصت المبادرة العربية التي أعلنت دمشق موافقتها عليها منذ يومين، على إطلاق المعتقلين من السجون الذين أدخلوا على خلفية الأحداث الأخيرة، إضافة إلى إخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة.
ولفت أبو جعفر إلى أنه «ومع توقيع النظام للمبادرة العربية ازدادت عمليات القتل»، متسائلا: «كيف ترانا نصدّق نظاما كذب على الدول العربية وكيف نتوقع منه أن يكون صادقا مع مواطنيه؟»، مضيفا: «كيف تشرحون اليوم أن تكون حمص أشبه بمنطقة عسكرية يوجد فيها عشرات آلاف العسكريين؟ أهكذا يطبقون البند القائل بسحب العناصر المسلحة من المدن والبلدات السورية؟»، وتحدث أبو جعفر عن أسلحة جديدة أنزلت إلى الساحات من دبابات متطورة وغيرها، لافتا إلى أنه «ومنذ يومين استخدمت مضادات الطائرات لقصف المدنيين في حمص». وبالتزامن مع ذلك، شن الناشطون السوريون عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وخصوصا من خلال صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011»، حملة واسعة على دعوة وزارة الداخلية، مؤكدين أن «لا أحد سينصاع لهذه الدعوة»، داعين بالمقابل «لتسليح الثورة وتأمين حماية دولية للمدنيين كي يصلوا وبسرعة لهدفهم بإسقاط النظام».
شركة إيطالية تجهز النظام السوري بنظام مراقبة متطور لتتبع الناشطين على الإنترنت
موقع «بلومبورغ» كشف أن البرنامج يتيح مسح كل الرسائل الإلكترونية الداخلة إلى البلاد
لندن: «الشرق الأوسط»
كشف موقع «بلومبورغ نيوز» أمس، أن شركة إيطالية تجهز النظام السوري بنظام لمراقبة كل الرسائل الإلكترونية الداخلة إلى البلاد بهدف تعقب الناشطين السياسيين الذين يعملون ضد النظام. وذكر الموقع أن مهندسين إيطاليين يزورون سوريا، ويعملون من مكاتب الاتصالات من دمشق إلى حلب، لتزويد نظام الرئيس بشار الأسد بالقوة على اعتراض وفحص وتصنيف كل رسائل البريد الإلكتروني التي تصل إلى البلاد. ونقل الموقع عن مصدر مطلع على المشروع، أن موظفي شركة «إيريا سبا»، وهي شركة مراقبة تقع خارج ميلانو، قاموا بتركيب النظام.
من جهته، قال أندريا فورمنتي، الرئيس التنفيذي لشركة إيريا ردا على «بلومبرغ»، إنه لا يستطيع مناقشة التفاصيل الخاصة بشأن العملاء أو العقود وإن الشركة تتبع كل القوانين وتشريعات التصدير. وأكد على أن الحكومات عادة ما تستخدم ما يعرف بأدوات «التنصت المشروع» للإمساك بالمجرمين. ودون الإشارة إلى سوريا أكد فورمنتي على أن التغيرات السياسية يمكن أن تزيد من سرعة عقد الصفقات التجارية.
وتستخدم شركة إيريا معدات من الشركات الأوروبية والأميركية، بحسب برنامج العمل والوثائق الأخرى التي حصلت عليها «بلومبورغ نيوز»، والشخص المطلع على العمل. وقال المصدر إن موردي هذه الأجهزة لم يصدروها بشكل مباشر إلى سوريا، لكن شركة «إيريا» نقلتها من إيطاليا. وأقام الإيطاليون في شقة من ثلاث غرف في عمارة سكنية في حي بدمشق قريب من الملعب الرياضي عندما شرعوا في تركيب النظام، والذي لا يزال في مراحله التجريبية، بحسب المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأن موظفي شركة «إيريا» وقعوا على عقد مع الشركة يقضي بالحفاظ على سرية العمل.
وعندما يكتمل تركيب النظام، سيتمكن عملاء جهاز الأمن السوري من متابعة الأهداف على شاشات مسطحة في مراكز العمل التي تعرض الاتصالات واستخدام الإنترنت وقت الاستخدام إلى جانب رسوم بيانية تصور شبكات الاتصالات الإلكترونية للمواطنين، بحسب الوثائق وشخصين مطلعين على هذه الخطط.
ورأى مارك دوبويتز، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومقرها واشنطن، والتي تدعو إلى تشديد العقوبات على سوريا، أن مثل هذا النظام مصمم بناء على رغبة العميل بغرض القمع. وذكر موقع «بلومبورغ» أن شركة «إيريا»، التي كانت بدايتها عام 1996 بتزويد وكالات تطبيق القانون بأجهزة تنصت على الهواتف، أطلقت اسم «أصفادور» على البرنامج الذي تجهزه لنظام دمشق. وكان سعر المشروع 13 مليون يورو (17.9 مليون دولار)، بحسب شخصين على علم بالصفقة.
وبدون معدات «إيريا»، لا تستطيع أجهزة المراقبة الإلكترونية السورية الحالية سوى التقاط جزء بسيط من الاتصالات في سوريا، كما أنها تفتقر إلى قدرة النظام الجديد على مراقبة رسائل الإنترنت، بحسب شخصين على علم بقدرات سوريا من خلال عملهما في شركة «إيريا». وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض سلسلة من العقوبات على سوريا منذ مايو (أيار)، تضمنت حظرا على بيع الأسلحة وتجميد أصول للأفراد في النظام. لكن هذه الإجراءات لم تمنع الشركات الأوروبية من بيع سوريا معدات من نوعية ما تقدمه شركة «إيريا».
وفازت «إيريا» بالصفقة السورية في عام 2009، وفي فبراير (شباط) من العام الجاري وصلت سفينة تحمل أجهزة الحاسبات والمعدات الأخرى إلى ميناء اللاذقية السوري. وقد تم تركيب المعدات بالفعل في غرفة مكيفة في مبنى لتبادل الاتصالات في حي المهاجرين في دمشق، حيث يحمل 30 رفا معدنيا الحاسبات التي تتولى المراقبة والتخزين، بحسب المصدر الذي أشار إلى أن مركز المعلومات يرتبط بغرفة المراقبة في الدور العلوي وتتدفق الاتصالات التي يتم التنصت عليها إلى 40 قناة.
الحريري يحذر من الاستقواء بالسلاح غير الشرعي
أشاد ببسالة الشعب السوري «الشقيق»
بيروت: «الشرق الأوسط»
حذر الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سعد الحريري من استمرار ما سماه «أسلوب الاستقواء بالسلاح غير الشرعي، ومحاولات إلحاق لبنان قسرا بمحاور خارجية لبث عوامل التفرقة والانقسام بين اللبنانيين»، معتبرا أنه «يهدد بمضاعفات خطيرة تهدد وحدة الدولة، كيانا ومؤسسات».
ودعا الحريري لـ«توحيد جهود جميع الوطنيين المخلصين لبلدهم بفاعلية لإعادة ترسيخ عوامل الوحدة الوطنية وتكريس سيادة الدولة وسلطتها على كل الأراضي اللبنانية دون سواها، والاستجابة لتطلعات اللبنانيين وتوجهاتهم في الحفاظ على نظامهم الديمقراطي الحر وصيغة العيش المشترك بين كل الفئات اللبنانية».
وشدد الحريري على أهمية «التضامن مع الشعوب العربية التي تنادي بالحرية، لا سيما مع الشعب السوري الشقيق الذي يواجه آلة القمع العسكرية بكل بسالة، ويسعى للانتقال إلى نظام ديمقراطي حر»، ونبه إلى «محاولات الالتفاف على مضمون المبادرة العربية بوسائل وأساليب ملتوية، تتعارض كليا مع نصوص هذه المبادرة لوقف مسلسل العنف وقتل المتظاهرين والتملص من موجبات إطلاق المعتقلين السياسيين تحت ذرائع وحجج واهية لن تنطلي على الشعب السوري».
مصابون سوريون ينقلون سرا إلى بيوت في لبنان للعلاج.. ويتحدون الألغام المزروعة على الحدود
أحد الجرحى لـ «الشرق الأوسط»: أعيش بخوف في لبنان لأنهم يحاولون البحث عني
عكار (شمال لبنان): صهيب أيوب
في شقة متواضعة بمدينة طرابلس، يفترش جمال (اسم مستعار)، وهو شاب سوري في الثالثة والعشرين من عمره، سريرا صغيرا، حيث يعالج من إصابته في كتفه برصاص قناص على الحدود اللبنانية منذ 20 يوما. ويروي الشاب المصاب لـ«الشرق الأوسط» أنه كان يهرب برفقة شاب آخر في الـ19 من عمره، عندما أصيب برصاص قناصة. ويقول: «كنا نعبر ليلا الحدود فاستهدفنا برصاص القناصة، أصبت بكتفي وتم نقلي إلى أحد بيوت بلدة عكارية مجاورة للحدود، حيث عالجني السكان المحليون بطريقة سريعة إلى أن نسقوا مع أحد الناشطين الذي أمن لي دخولا إلى أحد المستشفيات الشمالية». وفيما لا يزال يتابع علاجه من قبل بعض المسعفين المتطوعين، يعيش جمال اليوم في حالة خوف رهيبة، لأن «الأمن السوري»، على حد قوله، «يحاول معرفة مكاني ليسحبوني ويقتلوني». إذا كان ضجيج السيارات و«الفانات» المتنقلة بين البلدات العكارية ومدينة طرابلس، يوحي بأن الحياة تمشي بشكل عادي، إلا أن اللافت أن الحياة تمشي بكثير من التوتر في منطقة عكار، التي قصدتها «الشرق الأوسط» مستطلعة. هذا التوتر زاده الوضع السوري شحنات إضافية. يرفض السكان الإفصاح عن مكان الجرحى السوريين، لكن الأكيد أنهم يتلقون علاجاتهم سريعا داخل مستشفيات المنطقة ومستوصفاتها، ثم ينقلون إلى البيوت سرا «خوفا على سلامتهم من أي محاولة لسحبهم وتسليمهم للأمن السوري»، كما يؤكد أحدهم لـ«الشرق الأوسط».
يسكن معظم النازحين السوريين الهاربين من الوضع الأمني في مدنهم السورية، في بيوت أهالي منطقة عكار الواقعة شمال لبنان، وفي مدارسها المهجورة ومساجدها. ويتجاوز عددهم بحسب «تنسيقية اللاجئين السوريين في لبنان» 7 آلاف نازح هناك، في وقت تفيد فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئة العليا للإغاثة بوجود 3.505 نازحين مسجلين لديها، وفق آخر تقرير أصدرته أمس حول أوضاع السوريين في شمال لبنان.
يعود الاختلاط العابر بين سكان المنطقة الحدودية اللبنانية - السورية إلى مئات السنين، نظرا لعلاقات القرابة والمصاهرة بين لبنانيين وسوريين. وعلى الرغم من أن العلاقة اهتزت بعيد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فإنه بعد اشتعال الانتفاضة السورية عاد الارتباط ليقوى ويشتد، خصوصا أن العكاريين صاروا أكثر سكان لبنان احتضانا للنازحين السوريين والجرحى الباحثين عن علاج لهم بعد إصابتهم، إما قنصا على الحدود اللبنانية - السورية، وإما نتيجة انفجار لغم بهم أثناء عبورهم الحدود في الأيام الأخيرة.
وقد زرعت السلطات السورية ألغاما مضادة للأفراد، على طول الحدود مع لبنان، وانفجر لغم بشاب سوري قبل يومين خلال اجتيازه الحدود. ووفق أحد الناشطين السياسيين، فإن زرع الحدود بألغام سورية يهدف لـ«استهداف الهاربين من الجرحى والعائلات السورية». وفق ناشطين ميدانيين، لا إحصاء لعدد الجرحى المصابين بالألغام، خصوصا أن التكتم «سيد الموقف» لـ«دواع أمنية بحتة».
ففي منطقة عكار المحافظة، تبدو مشاهد الفقر فاقعة. عمال سوريون يعملون في المشاتل الموزعة على طرفي أوتوستراد العبدة الدولي. تغرق سيارة الأجرة، في الطريق إلى منازل تؤوي جرحى سوريين، في حفر مليئة بمياه الأمطار الهاطلة. في قرية فقيرة قريبة من حلبا (العاصمة الإدارية لعكار)، يعالج ماهر (اسم مستعار)، شاب سوري آخر، في بيت صغير. ورغم إصابته العميقة لم يندم على خروجه بعد صلاة الجمعة الماضية في مظاهرة سلمية في مدينة القصير السورية القريبة من الحدود مع لبنان، كما يؤكد. أصيب ماهر في فخذه، وأسعفه الأهالي في البساتين القريبة وتم نقله إلى لبنان ليتلقى العلاج الطبي المناسب.
في الغرفة الصغيرة، يجلس ابن الـ25 على سريره، لا يزال رفيقاه يساعدانه على الدخول إلى الحمام، يقول ماهر بحزم إن «الإصابة لن تخضعه للأمر الواقع وفور شفائه سيعود إلى سوريا ويتظاهر مع المتظاهرين إلى حين إسقاط النظام». ماهر شاب أعزب يعمل في مهنة البلاطة. يروي قصته بحذر، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «خرجنا بمظاهرة من أحد المساجد في جمعة (الحظر الجوي) في مدينة القصير، وهوجمنا بالرصاص الحي من قبل عناصر من قوات الأمن السورية. أصبت برصاصة قناص ولم أعرف ما حصل معي بعد ذلك». يؤكد ماهر أنه نقل إلى لبنان بمساعدة «الشبان الأوادم» ليلا وتحت الظلام الدامس، وعلى الرغم من كل المخاوف من ألغام مزروعة، تم العبور به إلى أحد المستشفيات وتمت معالجته بطريقة سريعة ثم نقل إلى بيت «الشيخة» كما يلقبها الشبان السوريون.
«الشيخة» هي سيدة عكارية تطوعت لاستقبال الجرحى في بيتها، تؤمن لهم طعامهم وتغسل لهم ثيابهم، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «سكان عكار يستقبلون الجرحى ويعيلونهم لأن هذا الأمر واجب إنساني وديني»، موضحة أنها استقبلت في بيتها «3 جرحى جراء إصابتهم في مظاهرات داخل سوريا». في غرفة ماهر، تطمئن ماجدة (اسم مستعار) بعد قدومها من سوريا على ماهر، أحضرت له دواء وغيرت على جرحه، تعمل ماجدة كمساعدة طبيب جراح ولديها خبرة طبية، قدمت إلى لبنان بعد إصابة أخيها، وتطوعت في إسعاف الجرحى. وتوضح ماجدة لـ«الشرق الأوسط» أن عددا من الشبان أسسوا «لجنة إسعاف» لمتابعة أوضاع الجرحى السوريين في لبنان والقيام بزيارتهم في البيوت لعدم القدرة على إكمال متابعتهم في المستشفيات لدقة الظروف وصعوبتها «بعد ملاحقتهم من قبل أشخاص تابعين للنظام السوري».
منذ 6 أشهر تقوم ماجدة بعملها متنقلة منذ الصباح من بيت إلى آخر. تقول إن «عددا لا بأس به من الجرحى موجودون في منطقة وادي خالد»، مؤكدة أنها قبل مجيئها لمعالجة ماهر، عالجت جريحين أصيبا بلغمين في الحدود. وتشير إلى أن «المصاب الأول هو صبي في الـ13 من عمره من محافظة حماه، كان يهرب من رصاص القناصة وهو يعبر الحدود إلى لبنان، فانفجر لغم في يده، والآخر شاب في الـ22 من عمره أصيب برجله». وتؤكد ماجدة أن «أهالي عكار لم يتوانوا عن مساعدة الجرحى وإيوائهم وصار كل واحد منهم، حسب قدرته المالية، يتبرع بقيمة علاجه والحاجات المستوجبة بعد ذلك من العكاكيز إلى الأدوية والنقل من مكان إلى آخر»، مشيرة إلى «وجود جرحى في منطقة عرسال البقاعية».
تقرير حقوقي يوثق التعرض لـ95 إعلاميا غداة تعهد النظام بالسماح للإعلام بالتنقل بحرية في سوريا
29 حالة اعتقال تعسفي و76 باختفاء قسري.. ومصير 14 صحافيا لا يزال مجهولا
بيروت: ليال أبو رحال
في الرابع والعشرين من شهر مارس (آذار) الفائت، وبعد أيام على اندلاع التحركات الشعبية في سوريا، وتحديدا في درعا، أطلت المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد الدكتورة بثينة شعبان في مؤتمر صحافي، قالت خلاله: «بما أن الأحداث تجري في سوريا، فإن التلفزيون السوري هو الوحيد الذي ينقل الحقيقة، وليس أي شخص آخر».
شكل كلام شعبان صفارة الإنذار لانطلاق حملة تضييق إعلامية فرضتها السلطات السورية على كل البلدات والقرى التي شهدت مظاهرات واحتجاجات. اعتقلت العشرات من الإعلاميين والصحافيين ومنعت دخول الأجانب منهم، ومارست الضغوط على الصحافيين المحليين، غير آبهة بمقالات وتقارير ستصدر تباعا لتفضح الملاحقات وحالات القمع التي طالت العاملين في المجال الإعلامي، من سوريين وعرب وأجانب.
وعلى الرغم من تغييب التلفزيون السوري الرسمي والقنوات الخاصة التابعة للنظام السوري ووكالة الأنباء السورية لكل أخبار المظاهرات والاحتجاجات وعدد المعتقلين والقتلى، مكتفية بتقديم روايات تخدم النظام ونهجه، فإن ذلك لم يحل دون قيام إعلاميين كثر بواجباتهم، وتحول العديد من الناشطين السوريين إلى مراسلين في قلب الميدان، مستخدمين ما أتيح لهم من التكنولوجيا ووسائل التواصل لتقديم صورة حقيقية عما يجري داخل سوريا.
وبالتزامن مع إعلان النظام السوري موافقته على ورقة «العمل العربية» لحل الأزمة المندلعة منذ منتصف شهر مارس (آذار) الفائت، وتعهده ببند «فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث»، أعلن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) عن رصده مائة وتسع حالات انتهاك بحق 95 صحافيا وعاملا في الحقل الإعلامي في سوريا، خلال الفترة الممتدة بين شهري فبراير (شباط) وأكتوبر (تشرين الأول) 2011.
وفي هذا السياق، أوضح مؤسس ومدير المركز، المرخص في فرنسا منذ عام 2004 والحاصل على صفة استشارية لدى الأمم المتحدة في العام الحالي، مازن درويش لـ«الشرق الأوسط»، أن صدور التقرير في هذا التوقيت بالذات إنما «يرمي إلى وضع حد فاصل بين مرحلة ما قبل تعهد النظام السوري بالسماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى سوريا ومرحلة ما بعد، ولنرى ما إذا كان النظام سيلتزم فعليا بتطبيق ما تعهد به أم ستكون مجرد التزامات واهية».
وأشار إلى أن الحالات الموثقة في التقرير «هي الحالات التي أمكن توثيقها وجمعها، وثمة احتمال لأن يكون عددها أكبر»، لافتا إلى أن عملية التوثيق هذه حصلت من خلال «التواصل المباشر مع إعلاميين أو من خلال ما رووه لاحقا عن تجربتهم أو من خلال ما نقلته وسائل الإعلام عنهم وكذلك من خلال الشكاوى التي وردت إلينا».
ويوثق التقرير، الصادر أول من أمس بعنوان: «إعلاميون في سوريا.. الانتهاكات تعصف بهم من كل الجهات»، بشكل مسهب حالات التعرض لإعلاميين، موردا أسماءهم وتاريخ ومكان توقيفهم، وخلفية توقيفهم ووضعهم القانوني ثم تاريخ إطلاق سراحهم وبعض الملاحظات عنهم، من دون أن ينكر التقرير صعوبة «تأكيد المعلومات من الجهات الرسمية، خصوصا بعد أن حولت السلطات السورية فروع الأمن إلى ضابطة عدلية»، وبصعوبة «الحركة لرصد الانتهاكات بحق إعلاميين في مختلف المحافظات السورية».
وفي التفاصيل، يذكر التقرير تعرض 95 إعلاميا ومدونا «لمضايقات إثر نشاطهم في تغطية الأحداث الجارية في سوريا (تعرض 11 منهم للاعتقال أكثر من مرة)»، علما أن «76 حالة منها جرت في مدينة دمشق». ويفصل التقرير هذه الانتهاكات، معددا تسجيل «29 حالة اعتقال تعسفي و76 حالة اختفاء قسري، إضافة إلى 4 حالات تعرض أصحابها لنوع مختلف من المضايقات».
ومن خلال جدول تفصيلي مرفق بالتقرير، يتبين أن 13 إعلامية ومدونة سوريا تم توقيفهن على «خلفية نشاطهن في تغطية الأحداث السورية، خمس منهن أحلن للقضاء بتهم أبرزها التظاهر غير المرخص وإثارة الشغب، فيما لا يزال مصير الصحافية لينا إبراهيم مجهولا». ويفيد «الجدول عن توقيف 15 مدونا ومدونة آخرين، أحيل أربعة منهم للقضاء، فيما لا يزال مصير كل من المدونين حسين غرير وجهاد جمال مجهولا».
وفيما يتعلق بالمصورين، فقد «بلغ عدد الموقوفين منهم سبعة، أحيل ثلاثة منهم للقضاء، في وقت لا يزال مصير المصور طارق سعيد بلشة مجهولا»، في مقابل تعرض ستة حقوقيين وناشطين للتوقيف والاعتقال، من أبرزهم الناشط الحقوقي نجاتي طيارة الذي لا يزال معتقلا منذ 12 مايو (أيار) الفائت.
ويذكر تقرير «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» أن من بين 29 حالة اعتقال تعسفي تم تحويلهم للقضاء، تم إطلاق سراح 21 منهم، في مقابل رصد حالة 14 صحافيا ومدونا لا يزال مصيرهم مجهولا، مضى على اختفاء ستة منهم أكثر من 60 يوما.
ولم تقتصر حالات التعرض لصحافيين على المحليين منهم فحسب، إذ تعرض عشرة صحافيين أجانب لمضايقات على الأراضي السورية، انتهت بمغادرتهم جميعا الأراضي السورية. ومن أبرز هؤلاء الصحافي الجزائري - الفرنسي خالد سيد مهند، الذي كان يعمل في دمشق لصالح Radio France Culture، واعتقل لمدة شهر تقريبا، وكذلك الأمر بالنسبة لمراسلة قناة «الجزيرة الإنجليزية» الصحافية دوروثي بارفاز، التي اختفت فور وصولها إلى دمشق في 29 أبريل (نيسان) لتظهر في 15 مايو (أيار) قادمة من مطار طهران.
ولا يغفل التقرير تعرض العديد من الفضائيات الإخبارية العربية إلى «هجمات قاسية» من قبل موالين للنظام السوري نتيجة تغطيتها الإخبارية للأحداث في سوريا، وخصوصا قناة «الجزيرة» التي أغلقت مكتبها في 29 أبريل (نيسان) الفائت. كما أوقفت شركتا الهاتف المحمول خدمات «أخبار الجزيرة النصية»، فضلا عن «تبرؤ» عائلة الإعلامية العاملة في قناة «الجزيرة» رولا إبراهيم منها نتيجة «ضغوط شديدة تعرضوا لها». كذلك، نوه التقرير بحملة «التشويه والتحريض التي شنها الإعلام الرسمي والإعلام المقرب منه ضد النشطاء من جهة، ووسائل إعلام مختلفة من جهة ثانية، خصوصا التي تعاطت مع الموضوع السوري من زاوية مختلفة لرواية الحكومة السورية، حيث يعمد إلى اعتماد صيغة تكذيب ما تبثه (قنوات الفتنة) في إشارة إلى تغطية الفضائيات الإخبارية العربية مثل الجزيرة والعربية..».
ماذا يحدث في سوريا؟
ميشيل كيلو
ثمة واقعتان مهمتان لا بد من التوقف عندهما، إن أردنا تكوين رؤية جدية حول تغير موقف الحكومة السورية من مشروع الجامعة العربية للتهدئة في سوريا. هاتان الواقعتان هما: حديث الرئيس بشار الأسد أمام وفد الجامعة العربية عن إحراق المنطقة والزلزال الذي سيصيبها إن تم أي اعتداء خارجي على النظام. والثاني هو ملابسات قبول اقتراح الجامعة، وما بين الحدثين من علاقة وثيقة لم تحظ بانتباه كاف في تعليقات وملاحظات المعلقين والمتابعين، الذين تحدثوا عن الحدث السوري أو علقوا عليه.
وكان الرئيس الأسد قد أطلق - بعد يوم من لقائه أعضاء اللجنة الوزارية العربية - تهديدا غير مسوق بإشعال المنطقة، في حال تعرضت سوريا لأي عمل عسكري خارجي. ومع أن معلقين كثيرين قد أكدوا أن الفرصة العربية هي الأخيرة أمام النظام السوري، فإنه بدا من المستغرب جدا أن يتحدث الرئيس بمثل هذه اللهجة التهديدية الصارمة، عقب لقائه وفدا عربيا صرفا، لا يضم أي أجنبي. ماذا قال العرب للرئيس؟ هل هددوه بعمل عسكري أو أعمال عسكرية إن هو رفض اقتراحهم، أو حاول الالتفاف عليه والتنصل منه؟ ربما حدث شيء من هذا، خاصة أن إعلان رئيس الوزراء القطري للاتفاق اقترن بحديث صريح حول الرغبة في قطع الطريق على تدخلات خارجية، وأن رد الأسد جاء متوافقا مع سياسات النظام منذ بدء الأزمة، وقد قامت على ركيزتين هما: رفض الاستجابة لأي مطلب خارجي من شأنه وقف الحل الأمني، أو ما سماه الأسد «استعادة الأمن»، ورأى فيه «واجب أي دولة تجاه مواطنيها»، واستعادة الوضع السابق ليوم 17 مارس (آذار)، يوم بدء التمرد الشعبي، لأن استعادته هي سبيل النظام إلى استعادة علاقاته مع العالم، التي دمرها خيار الحل الأمني وتعاطف العالم مع التمرد وضد القمع الأعمى لشعب سوريا المسالم.
هنا، في الموقف مما يبدو أن الجامعة قالته في حضرة رأس النظام السوري، يبدو أنه قال ما قاله من تهديد التزاما منه بهاتين الركيزتين، وأطلق، انطلاقا من موقف يرفض اقتراحاتها، تهديده ضد العرب، الذين سيشعل منطقتهم. فما الذي جرى في اليومين التاليين، وجعل الرئيس يغير موقفه من النقيض إلى النقيض ويقبل اقتراحات الجامعة، التي سبق له أن رفض ما يماثلها بقوة قبل نيف وشهر؟ هذا هو السؤال المهم الأول؟ هل يرجع السبب إلى تصريحات أردوغان، أم إلى عمليات الجيش السوري الحر وما أعلن عن عزم تركيا فرض منطقة آمنة على حدودها مع سوريا، أم هو عجز النظام عن إخراج الشعب من الشارع، وإدراكه، أو إدراك أطراف وازنة فيه من عسكر وغير عسكر أن المعركة لا يجوز أن تستمر على الطريقة المعتمدة أمنيا، خاصة بعد أن تكاثر حوادث الانشقاق وما قيل حول شعور الجيش بالإرهاق الشديد، وبأن موقفه من الأحداث ربما يتغير، لأنه يمارس مهمته دون غطاء سياسي مقبول مهنيا ووطنيا؟
الملاحظة الثانية هي أن المقترحات التي قبلها النظام لم تكن من وضع الجامعة العربية، بل من وضع المعارضة السورية، التي سبق لها أن بلورتها وقدمتها قبل ستة أشهر للنظام - الذي دأب على رفضها - وسمتها في حينه «بيئة حوار» لا بد من تحقيقها لضمان نجاحه. هذه ملاحظة فائقة الأهمية، ذلك أن مقترحات الجامعة لم تأت بكلمة واحدة مغايرة لما سبق للمعارضة أن اقترحته وقاتلت من أجله خلال نصف العام المنصرم، فما الذي تغير بين يوم وليلة وجعل النظام يقبلها، مع أنه كان يعتبرها شروطا مسبقة ومحاولة للي ذراعه وفرض نتائج الحوار بصورة مسبقة عليه، علما بأنه مارس الحل الأمني كي يتفادى، بين أهداف أخرى، قبول هذه البيئة، وفعل المستحيل كي يقلب الطاولة على رأس الشعب والمعارضة ويفرض شروط المنتصر عليهما، بما أن وقف الحل الأمني وسحب الجيش والأمن من المدن وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث والسماح بالتظاهر السلمي وإدخال الإعلام العالمي إلى البلد وقبول وجود مراقبين عرب في الداخل السوري يمثل هزيمة صريحة وواضحة له؟
ما الذي جعل النظام يغير موقفه المتشدد حيال الداخل ويقبل رؤية المعارضة الداخلية لبيئة الحل المطلوب؟ هذان السؤالان على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إلى ما ستعيشه سوريا من تطور قريب. وهما يؤكدان أن النظام تراجع عن موقفه «الاستراتيجي» السابق، الذي قام على رفض أي تدخل خارجي قبل حسم الوضع الداخلي لصالحه، ورفض أي مبادرة داخلية تأتي من المعارضة وفرض ما يراه هو كحل وبشروطه. هذان السؤالان يحتاجان إلى جواب، إلى معرفة ما حدث بين لقاء الرئيس مع وفد الجامعة وإعلان النظام قبول ما كان يرفضه بشدة؟
ثمة ملاحظتان أخيرتان لا بد من إبراز ما لهما من أهمية، بالنسبة إلى قراءة ما سيأتي من تطور، هما: إعلان واشنطن ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة، وإعلان رسمي بأن الأسد سيصدر مرسوما بتشكيل هيئة الحوار الوطني، التي يفترض أن قبول المبادرة العربية قد تجاوزها وجعلها بلا مبرر، بعد أن أعلن النظام استعداده للتفاوض مع المعارضة، التي لن تذهب إلى الحوار الوطني، وإنما قد تفاوضه، إن خلصت نواياه والتزم بما قبله، خلال أسبوعين.. في القاهرة وليس في دمشق!
المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية