تقارير ...ظاهرة ابو خشبة: أغنى "محروم" في لبنان يفاوض شركة بترول ايطالية للحصول على 40 مليون دولار و200 وظيفة

الليبيون يواجهون خطر الفوضى والتقسيم.. والقذافي ما زال في عقولهم...مراسلون أجانب على خطوط النار..التصعيد والهدوء بين الخرطوم وجوبا: ترمومتر «ثلاثي» يتحكم في المفاتيح

تاريخ الإضافة الثلاثاء 3 نيسان 2012 - 5:39 ص    عدد الزيارات 2533    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

ظاهرة ابو خشبة: أغنى "محروم" في لبنان يفاوض شركة بترول ايطالية للحصول على 40 مليون دولار و200 وظيفة
 المصدر : خاص موقع 14 آذار
طارق نجم
"أبو خشبة" هو اسم لم يعد خافياً على من يعمل في السياسة اللبنانية منذ ثمانينات القرن الماضي خصوصاً أنه اصبح ظاهرة بحد ذاتها يشار إليها في لبنان. فالعقيد المشهور باسمه الحركي "ابو خشبة"، يعرف بأنه من أشهر المحيطين برؤساء أحد أكبر الأحزاب السياسية في لبنان والتي تحمل شعار الدفاع عن المحرومين وقد واكب ابو خشبة رئيسه أو معلمه إن جاز التعبير منذ الحرب الأهلية. ومن عايش تلك الفترة يعلم أن "أبا خشبة" كان يتولى حراسة مقر رئيسه في قلب العاصمة إبان الأيام السوداء التي كانت تعيشها العاصمة بعد أن تحولت آنذاك الى ساحة لحرب الشوارع التي لا ترحم بين الأخوة-الأعداء.
"أبو خشبة" الذي يقال أنه اكتسب لقبه من استعماله القضبان الخشبية في تعذيب المعتقلين في زنازين تيار المحرومين وهو صاحب المآثر في حرب المخيمات، أصبح فجأة عاطلاً عن العمل عند نهاية الحرب اللبنانية بعد قرار حلّ المليشيات وسحبها شكلياً من قلب العاصمة. لكن معلّمه سرعان ما وجد له وظيفة لائقة. فأبو خشبة, وهو الرجل الأقرب الى الأمي، قد عيّن كضابط برتبة نقيب على غرار ما حصل مع الآلاف من عناصر المليشيا الذين تم استيعابهم في صفوف قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني وغيرها من الأسلاك العسكرية.
"أبو خشبة" الذي ادخل "كرهاً وطوعاً" الى الإنتظام العسكري اللبناني لم يكن يقوى أن يغادر عملياً المليشيا, التي عاشها خصوصاً السواد الأعظم من عناصر وضباط الشرطة حوله وكانوا من "رفاق السلاح". وبصفته مسؤولاً عنهم، كان "أبو خشبة" يبيح لهؤلاء العناصر القيام بعمليات "تشبيح" على المحال المحيطة بالقصر وأحياناً في وسط العاصمة مانحاً اياهم الحماية من الملاحقة مقتسماً الغلة معهم في كثير من الأحيان.
وللتذكير كانت القوى الأمنية قد ألفت القبض في فترات مختلفة على عصابات سرقة وسلب في الجنوب تبين أن أعضاءها من رفاق "ابي خشبة" اللذين كانوا يفضلون استهداف القرى المسيحية هناك. وبما أن الميليشيا لا زالت تسري في عروق "ابي خشبة"، فقد أصرّ على اخراجها الى العلن في 7 أيار 2008 حين انضم عناصر شرطته وبأوامر منه الى مسلحي 8 آذار الذين استباحوا العاصمة، فالتقطت العدسات صور للتاريخ تظهر هؤلاء العناصر في بذاتهم الرسمية المرقطة يطلقون القذائف الصاروخية ونيران الرشاشات من منطقة بربور بإتجاه الطريق الجديدة. وتنقل المعلومات أنه كان وراء استحداث دشم ومتاريس خاصة من الاسمنت المسلح حول قصر رئيسه أشهر قليلة قبل أيار 2008 تحضيراً للحركة الانقلابية وربما أكثر من ذلك.
وترقى ابو خشبة بالرتب حتى وصل الى رتبة عقيد وهو الذي لم يرتد المدرسة الحربية وبالكاد يفك الحرف، لأن القانون يجيز لمعلمه ترقية ضباط وأفراد الشرطة بناء على اوامره الخاصة. وفي الوقت عينه كبر نفوذ "ابي خشبة" مع ازدياد نفوذ معلمه فأصبح له اليد الطولى في عمليات التوظيف التي يتقاضى مقابلها سمسارات و"هدايا" وتحول الى محجة ومقصد من القريب والبعيد طلباً لخدماته, حيث ارتفعت تسعيرة التوسط للقبول في المدرسة الحربية من 25 مليون ليرة إلى 50 مليون ليرة عداً ونقداً.
ومازال ابوخشبة يظهر في محيط قصر سيده وغالباً بثياب مدنية وعسكرية في آن والكل يشير اليه بالبنان ويهابه في الوقت عينه، وقد تحول الى أسطورة بين جمهور تياره السياسي على اعتبار انه أستطاع أن "يظبّط وضعو" وهي عبارة موازية للتشبيح والفساد والسرقة حيث كانت آخر مآثر "أبي خشبة" التي نقلها عنه مقربون منه أنه مارس ضغوطاً افضت الى انزال معدل امتحانات الطلاب الضباط لأن ابنه التلميذ الضابط قد رسب في هذه الإمتحانات وهو ما كان سيدفعه الى اعادة سنته.
نعم، أبو خشبة ليس مجرد شخص أو شبيح بل هو ظاهرة تخرج من مدرسة معلمهة ورئيسه، أغنى محروم في البلاد ورافع لواء المحرومين في الأرض. ومن الروايات التي تنقل عن هذا المحروم الأكبر أنه في العام 2001 عيّنت السيدة ميرفت التلاوي أمينة تنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة لغربي آسيا, وقد كان من البديهي أن تجتمع بأبرز وجوه البلد من رؤساء ووزراء وهيئات.
توجهت التلاوي لزيارة معلّم أبي خشبة بصفته أحد وجوه البلد كجزء من هذه الجولة التقليدية وهي تتوقع أن يتم طرح أمور انمائية وتطويرية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. بدأ الإجتماع بالتسليم والتعارف التقليدين لكن المفاجأة كانت صاعقة على رأس تلاوي حين خاطبها سائلاً: "كم عدد من الوظائف يمكنك أن تؤمني لي في الأسكوا؟".
 لم تستوعب تلاوي الأمر في البداية فإستأذنت محدثها أن يعيد ما قال, فما كان منه إلا ان أكد على سؤاله ولكن هذه المرّة بطريقة أوضح, فقال: "أريد أن أوظف عدد من الشباب في الأسكوا".
عندها إعتذرت التلاوي منه لأنّ التوظيف في الأمم المتحدة يتمّ بناء على الحاجة والوظائف الشاغرة وليس على قرار شخصي, غير أنه فاجأها بإصراره على توظيف جماعته بقوله "أرضى أن يكونوا من الخدم والحرس لا أكثر!". وعند هذا الحدّ تقف الرواية وعلى ذمة راويها.
وبالعودة الى أمثولة ما حدث مع ميرفت التلاوي وظاهرة "ابي خشبة"، لم يكن هذا القادم من عمق تيار المحرومين ليحيد عن هذا السلوك حتى في قضية وطنية بحجم الملف النفطي في لبنان. فقد سُربت معلومات من مصادر مطلعة مفادها أنه وبصفته أغنى المحرومين في لبنان وخلال زيارته الأخيرة إلى جزيرة جارة للتباحث مع سلطاتها في مسألة المنطقة الاقتصادية الخاصة، تم ترتيب لقاء جمعه بوفد من شركة ايطالية متخصصة في التنقيب عن النفط. كانت المباحثات التي جرت بين الطرفين تهدف الى ايجاد طريقة لتمرير ملف هذه الشركة على اعتبارها قادرة على الحصول على حق التنقيب عن النفط في المياه الاقليمية وفي المنطقة الاقتصادية الخاصة المتنازع عليها. وتنقل المصادر أن معلّم أبي خشبة طلب أمرين من الشركة الايطالية: مبلغ 40 مليون دولار و200 وظيفة في الشركة لصالحه مقابل تمرير ملف الشركة وإرساء العطاء عليها.
وتضيف المصادر أنّ هذا "المحروم" الذي غطى أحد رؤساء الكتل النيابية وصهره في قضية المازوت الأحمر وغيرها من الملفات بات اليوم بموقع اقوى تجاههم في حال حصول مفاوضات على الحصص لاحقاً. وتتابع هذه المصادر أنّ الشركة الايطالية وافقت على تقديم 40 مليون دولار ورفضت مسألة تأمين 200 وظيفة لصالح رئيس المحرومين. لكن الرد ّمن "أبي المحرومين" كان حاسماً وتمثل بإصراره على تحقيق المطلبين معاً وإلا فلن يمر ملف الشركة. وإذ تقف هذه المصادر عند هذا الحدّ تشير معلومات اضافية إلى أنّ شركات التنقيب عن النفط في كل دول العالم قد بدأت بفتح قنوات للتواصل مع صناع القرار في لبنان، مع أخبار عن أنّ أكثر من 20 شركة من اوروبا واميركا واليابان قد تقدمت بطلبات حول الطبيعة الجيولوجية للمنطقة اللبنانية الذي يعتقد أنها غنية بالنفط والغاز.

 

 

التصعيد والهدوء بين الخرطوم وجوبا: ترمومتر «ثلاثي» يتحكم في المفاتيح
الحياة...محمد أبو الفضل *
 

من يتابع تطورات العلاقة بين الخرطوم وجوبا في الآونة الأخيرة، يقف مشدوهاً أمام مشهد الصعود السريع إلى أعلى سفح الجبل من الخلاف، ويقف أيضاً مصدوماً من النزول المفاجئ إلى أسفله. وفي الحالين يبدو الموقف ثابتاً عند درجة الجمود. فلا الصعود يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة، ولا الهبوط دليل على حل القضايا المختلف عليها. هذه المعادلة أصبحت راسخة في أذهان كل من يراقب أوضاع السودان ويتمعن بشكل العلاقة بين الشمال والجنوب، منذ انفصال الثاني رسمياً. لذلك عندما يبادر أحد الطرفين بالتصعيد ويرد عليه الآخر بالطريقة نفسها تقريباً ويحتدم الشجار، نتوقع هبوطاً سريعاً في نزيف النقاط يصل إلى حد التسكين، والعكس صحيح. فعندما تتزايد درجة الهدوء ينتظر كثيرون قدوم التصعيد. وفي الأحوال كافة لا يصل التباين إلى مربع المواجهة المسلحة الممتدة، ولا يتجاوز الهدوء خانة تطييب الخواطر وتظل القضايا الخلافية على حالها من الشد والجذب.

هذه النتيجة ظهرت تجلياتها في أمور كثيرة، بدءاً من توقيع مجموعة من الاتفاقيات كأطر يمكن البناء عليها لتسوية الملفات الشائكة، وحتى قرار وقف ضخ النفط من الجنوب وتصديره عبر أنابيب الشمال. طبعاً، مروراً بسلسلة طويلة من المناوشات العسكرية على الحدود واتهامات بالتدخل في أراضي الغير وكذلك الحرب الدائرة بالوكالة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. ناهيك عن حزمة كبيرة من التراشقات بسبب استخدام كل طرف معارضي الطرف الآخر. وفي الوقت الذي كانت بعض الملامح تذهب إلى اقتراب موعد التسوية النهائية، عبر الوساطة الأفريقية، كانت تطفو على السطح مؤشرات أمنية تنسفها، ما يعني أن هناك رغبة مشتركة في الصعود إلى قمة الجبل والنزول منه في اللحظة الراهنة. رغبة محكومة بجملة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية، التي تقوم بدور مؤثر في ضبط الإيقاع، سلباً أو إيجاباً. الأمر الذي يمكن من خلاله تفسير جملة من المقاطع السياسية والعسكرية التي تبدو عصية على الفهم في بعض الأحيان.

على المستوى الداخلي، توجد مجموعة من العوامل المتشابهة التي تجعل موقف كل من الخرطوم وجوبا متقاربين معاً في القسوة واللين، أبرزها اشتداد عود القوى المعارضة على الجانبين، بصورة تهدد مستقبل النظامين. فالسودان يواجه قوافل من المتمردين في الغرب وجحافل غاضبين من الشرق وعلى طول منطقة الحدود مع الجنوب. فضلاً عن معارضة سياسية تزداد شراسة في الشمال.

في المقابل، يخوض الرئيس سلفا كير موجة قوية من التجاذبات مع معارضيه، السياسيين والعسكريين. ويعاني إخفاقاً حاداً في تحقيق متطلبات المواطنين على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية... وبلوغ الفوارق الاجتماعية ذروتها، والتي انعكست في شكل صدامات قبلية وعرة. وهذه البانوراما المعقدة لعبت دوراً مهماً في التحكم بمفاتيح الترطيب والتسخين. وضاعفت من حدة الأزمات الملتهبة أصلاً. وجعلت الاقتراب من الحل مسألة صعبة المنال، وإن جرى التوافق حول معظم تفاصيله.

وجعلت أيضاً خيار الحرب يبقى معلقاً في السماء، لأن نزوله على الأرض يحمل خسارة للطرفين. كل طرف يتظاهر بالتفاهم مع خصمه، في اللحظة التي يتأكد فيها من أن الاستمرار في لعبة شد الحبل ستوقعه في شرك أكبر. فالسقوط على الأرض هنا محكوم بتوازنات هشة، يمكن أن يؤدى انفلات عقالها إلى خسارة يصعب تعويضها. كما أن مكسب الفائز قد يفتح عليه أبواب الجحيم. بكلام آخر، الخاسر سيواجه المزيد من الخسارة، عندما ينقض عليه معارضوه بلا رحمة. والفائز سيكون مطالباً أمام مواطنيه بالوفاء بوعود دولة العدالة والرفاهية. وفي النموذجين سيصبح النظام في كل من الخرطوم وجوبا خاسراً في المحصلة النهائية، لأن الحرب السياسية والكلامية التي تطفو وتخبو، جزء من دوافعها على صلة بعوامل شخصية وحركية. وتمثل هذه الرؤية الضيقة كابحاً مهماً لأي تصعيد يمكن أن يتحول إلى جحيم، وعنصراً يفرمل الاتجاه نحو زيادة جرعة التوفيق بين المتناقضات.

ويعد الغموض البناء أفضل طريق للهروب من أي استحقاقات تضع كلاً من الخرطوم وجوبا موضع مساءلة سياسية أو محاسبة عسكرية. الواضح أن الهروب إلى الأمام أو الجري إلى الخلف أحد الثوابت الرئيسة التي تتحكم في توجهات كل من الخرطوم وجوبا، فما معنى أن يتم توقيع اتفاق سلام في نيفاشا قبل أكثر من ست سنوات ويتم ترحيل حزمة من القضايا الخلافية لمرحلة تالية؟ ولماذا كلما جرى التفاهم بشأن قضية ظهرت الشياطين في تفاصيلها؟ وكيف تعلن الدولتان شراكتهما وكل جانب يدعم معارضي الجانب الثاني؟ وغير ذلك من الأسئلة الحرجة، التي ينم طرحها عن اهتمام مشترك بتعمد تجاهل الإجابة عنها ووضع أطر حقيقية لحلها، بغرض الاستفادة منها عند الملمات. وقد أكدت أحداث الشهور الماضية أن ثمة جدوى سياسية لعدم الانخراط في تفاهمات محددة، تلزم كل طرف بعواقب وخيمة، إذا أخلّ بالوفاء بها.

من هذه الزاوية يمكن القطع بأن اللاتفاهم واللاحرب مطلبان داخليان ومحوريان في أجندة كل من الخرطوم وجوبا. وأضحى التسخين الأمني غاية للالتفاف على أي تهدئة سياسية. والتهدئة وسيلة للالتفات بعيداً من أي تصعيد مسلح. وفقط عندما تتوافر الإرادة، سيكون الحديث مجدياً عن التسويات الناجعة لقضايا الحدود وأبيي والنفط واللاجئين والرعي وكل الملفات الشائكة المعلقة على حبال متينة من الخلافات.

من ناحية ثانية، يصلح البعد الإقليمي ليكون «ترمومتر» آخر لقياس مدى الثبات والحركة على مستوى الهدوء والتصعيد بين الخرطوم وجوبا. فهناك 9 دول يجاورها البلدان. بالإضافة إلى امتداد الفضاء الجغرافي المؤثر إلى منطقة القرن الإفريقي. وبسبب التشابك الاجتماعي والتداخل السياسي والتطورات الأمنية المتلاحقة والمصالح الاقتصادية المتنامية، أصبح ما يدور في فناء العلاقة بين دولتي السودان والسودان الجنوبي له أصداء مباشرة في من حولهما من دول جوار. فمثلاً وصول التصعيد العسكري إلى حد الصدام سيرخي بظلاله السلبية على معظم دول الجوار، الحافلة بقلق وتوتر لا ينضبان.

كما أن وقف ضخ النفط الجنوبي عبر الشمال والحديث عن قنوات وطرق وموانئ في كينيا وجيبوتي يعزز البعد الإقليمي لما يدور من خلافات بين الخرطوم وجوبا، حيث تلعب الدول المستفيدة أو المتضررة على الاتجاه الذي يخدم مصالحها في العلاقة بين العاصمتين.

وقد يكون ذلك متعارضاً مع تقديرات دول أخرى. كما أن ما يجرى في الصومال من صدامات بين بعض الدول، أثيوبيا وأريتريا وكينيا وجيبوتي، له أصداء واسعة في السودان، فاحتدام الحرب على حركة شباب المجاهدين هناك يدفع الوساطة الإفريقية إلى بذل جهود مضنية لنزع فتيل الحرب بين شمال السودان وجنوبه، حتى لا تتحول المنطقة الى ساحة عارمة من الفوضى. وهنا يمكن التعرف على الأثر الذي يحدثه «الترمومتر» الإفريقي، في حالتي الذهاب الى الحرب والاقتناع بالسلام، بين الخرطوم وجوبا.

الواقع أن «الترمومتر» الدولي لا يقل أهمية عن نظيريه المحلي والإقليمي، وقد يفوق تأثيره في بعض الأحيان كليهما. فمن يراجع التطورات التي حدثت بين الشريكين، حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، قبيل إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان والشهور التي تلته، يلاحظ قدراً عالياً من مرونة المجتمع الدولي لتمرير عملية الانفصال. ووصلت إلى حد الإشادة بالانتخابات التي شهدها السودان على المستوى الرئاسي والبرلماني والولاياتي. وتم غض الطرف عن طلب المحكمة الجنائية الدولية القبض على الرئيس عمر البشير. علاوة على تجاهل تطبيق العقوبات الدولية والأميركية على الخرطوم. وقد كانت هذه الأسلحة أداة قوية عند الضغط على الخرطوم لإجبارها على وقف التصعيد الأمني، ووسيلة إغراء سياسي عندما كان المطلوب العودة الى الهدوء. وكانت هناك أدوات مماثلة، لكن بدرجة أقل، تستخدم مع جوبا، للقيام بالمهمة ذاتها. بالطبع ليس حباً في التهدئة ولا تعففاً من الحرب، لكن لأن كلاً منهما كان في حينه يؤدى هدفاً بعينه. فأحياناً كانت المصلحة تقتضي ممارسة ضغوط في اتجاه عدم التصعيد أو العكس، بهدف الوصول إلى نتائج محددة.

ومن يدقق النظر في صورة العلاقة بين واشنطن والخرطوم سيجد الى أي حد يقوم هذا «الترمومتر» بدور فعال في تحديد شكل علاقة الثانية بجوبا. الظاهر أن نظرية «الترمومتر» السابقة، من الصعوبة أن تكون فاعلة من دون استعداد كل من الخرطوم وجوبا للتجاوب معها، لأسباب متعددة. جزء منها يرتبط بحالة الضعف الشديد الذي يبدو عليه كل جانب، ويدفعه إلى الرضوخ لاتجاه معين دون آخر. والجزء الثاني، يتعلق بالرغبة العارمة في استمرار حال الانسداد الراهن على ما هو عليه لفترة من الوقت، لغياب الرؤية وغموض المستقبل الذي تتمناه الأطراف المؤثرة في المعادلة، لذلك يمثل اللاحرب واللاسلم وضعاً مثالياً لها. لكن الخطورة في صعوبة بقاء هذه المعادلة فترة طويلة، لأن توازنها قابل للاختلال في كل لحظة. وهو ما يقود إلى خلل كبير في كل الترتيبات التي لم تظهر بعد.

* كاتب مصري

 

 

مراسلون أجانب على خطوط النار
الحياة...بيروت – فيرونيك أبو غزالة
 

«لا بدّ من أن يذهب أحدٌ إلى هناك ويرى ماذا يحدث بعينه». هذا هو الشعار الذي تمسّكت به الصحافية الأميركية ماري كولفن طوال مسيرتها المهنية التي اختتِمت بمقتلها خلال عملية قصف على حي بابا عمرو في مدينة حمص السورية عن عمر 55 عاماً في 22 شباط (فبراير) الماضي.

كولفن التي اشتهرت بأنها مراسلة حربية «شجاعة» غطّت خلال السنوات الثلاثين الأخيرة أعنف الحروب في العالم، وكانت شاهداً رئيساً على ثورات «الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا، لكنّها دفعت ثمن حبّها لمهنتها بمقتلها في مدينة حمص التي أرادت أن تكشف حقيقة ما يجري فيها. وكذلك فعل المصوّر الفرنسيّ ريمي أوشليك الذي ترك للعالم الكثير من مقاطع الفيديو التي صوّرها قبل مقتله مع زميلته، ليظهر الواقع بأمّ العين في حمص، وانتشرت لقطاته المصوّرة عبر موقع «يوتيوب» ليشاهدها الملايين.

هذان الصحافيان يدخلان التاريخ مع عدد من المراسلين الآخرين الذين جُرحوا واضطروا إلى ترك سورية والهروب عبر لبنان. فهل يبحث المراسلون الأجانب في سورية عن المتاعب من خلال دخول كثر منهم بطرق غير شرعية إلى المناطق الساخنة؟ وهل ينقلون الحقائق كما هي، أم إنهم يعكسون وجهة نظر الدول التي يحملون جنسياتها أو سياسات المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها؟ وكيف يمكن الصحافيين أن يحموا أنفسهم في ظلّ وضع أمنيّ لا يمكن التنبؤ بالمفاجآت التي يحملها في أي لحظة؟

روايات صحافية من الميدان

حين يبتعد المراسلون الأجانب من عدسات الكاميرات وحواسيبهم التي يتواصلون من خلالها مع زملائهم خلال وجودهم في المناطق الساخنة وعلى خطوط النار، تتكوّن لديهم مشاهد يروونها عند خروجهم من خضم الأزمة ليوضحوا تفاصيل كثيرة لم يستطيعوا أن يتشاركوها مع مشاهديهم أو قرائهم. المراسلة الحربية في قناة «سي إن إن» العالمية أروى دايمون ربما تكون النموذج الأكثر تمثيلاً للصحافيين الذين عايشوا بدقّة الثورة السورية، خصوصاً بعدما اضطرت إلى الدخول في شكل غير شرعيّ إلى سورية. دايمون، التي شاركت في ندوة حول تغطية وسائل الإعلام الأجنبية للأزمة السورية التي نظّمها «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» في بيروت أخيراً، ركّزت على التحدّي الأساسي الذي يواجهه المراسلون الغربيون في سورية، وهو الدخول إلى المناطق المعنية بالأزمة في شكل مباشر للحصول على المعلومات، ومن ثم الخروج منها. وعند سؤال دايمون عن السبب الذي دفعها إلى مخالفة أوامر السلطات السورية والدخول بطريقة غير شرعيّة، تدافع عن خيارها قائلة إن ذلك كان واجبها للكشف عن معلومات غير مُتاحة عبر القنوات الرسمية.

وتوضح مراسلة «سي إن إن» أنّ هناك خيارين أمام الصحافيين الأجانب، فإما أن يطلبوا تأشيرة دخول رسمية من السلطات السورية، وهذا يعني أنّ هناك مسؤولاً رسمياً سيبقى مرافقاً لهم في مختلف تجوّلاتهم، ما يمنعهم من الوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها، وإما أن يرفعوا جرعة الجرأة ويدخلوا بطريقة غير شرعية ويخاطروا بحياتهم لتقديم ريبورتاجات حيّة للمشاهدين «لا تعكس وجهة نظر النظام السوريّ فحسب، بل المعارضين له أيضاً». غير أنّ كلّ الأخطار لم تمنع دايمون من الدخول إلى حيّ بابا عمرو في مدينة حمص، والذي يُعتبر أحد معاقل الانتفاضة الشعبية ضدّ نظام الرئيس السوريّ بشار الأسد. وهي تعتبر أنّ هذه التجربة هي الأكثر قوّة وزخماً في حياتها المهنية. وأكثر ما أثّر في دايمون هو تعرّفها إلى الناشطين السوريين الذين كانت تتابع أفلام الفيديو الخاصة بهم عبر موقع «يوتيوب»، واحتكاكها المباشر بهم، لتكتشف الوسائل البسيطة التي يستخدمونها لإيصال الرسائل إلى العالم. وهي تؤكد أنهالا تنطق باسم «سي ان ان» وإنما تحاول قدر الإمكان استكشاف المعلومات الموجودة لدى الطرفين (أي النظام السوريّ والمعارضين) ونقلها إلى المشاهدين لكي تكون لديهم الوقائع التي يمكن الاستناد إليها لتكوين رأي معيّن حول الأزمة السورية.

«لا يمكن أحداً أن يتوقّع ماذا سيحصل في سورية، وليس هناك أي مكان آمن للصحافيين في هذه الدولة»، هكذا توجز دايمون تجربتها في تغطية الأزمة السورية، هي التي صوّرت الريبورتاج الشهير «72 hours under fire» الذي بثّته «سي إن إن» لتظهر الأخطار التي أحاطت بفريق المحطّة حين كان في حمص. والنصائح التي تقدّمها دايمون لزملائها من الصحافيين الذين ما زالوا موجودين في المناطق السورية الساخنة، هي أن يؤمنوا دائماً مخرجاً لهم وتكون لديهم خطّة احتياطية لكي لا يُعتقلوا أو يكونوا ضحايا لعمليات القصف. كما تلفت دايمون إلى أهمية أن يكون الصحافيّ مدرّباً على الإسعافات الأولية وأن يحمل معه حقيبة صغيرة تحوي كلّ ما يحتاجه في حال أصيب... ليستطيع تطبيب نفسه.

6 رحلات الى سورية

روايات ميدانية أخرى ينقلها مراسل وكالة «فرانس برس»

(أ ف ب) دجيلالي بيليد الذي قام بـ6 رحلات إلى سورية منذ بداية الثورة. واعتمدت الوكالة ومراسلوها على القنوات الرسمية للدخول إلى الأراضي السورية من خلال طلب تأشيرة دخول وإذن للزيارة لمدّة أسبوع، وهذا ما ينسجم مع سياسة الوكالة التي ترتكز على الحفاظ على علاقات جيّدة مع كل الفرقاء في أي دولة تشهد نزاعاً سياسياً. «لكنّ المشكلة في هذا الخيار - كما يقول بيليد - هي أن المراسلين يكونون تحت عيون الموظّفين الحكوميين في شكل مستمر، ما يصعّب عملهم خصوصاً إذا أرادوا إجراء المقابلات مع المواطنين الذين يتظاهرون لمصلحة المعارضة. لكنّ بيليد يشير إلى أنّ الفرصة أتيحت له مرّات عدّة لمقابلة بعض السوريين الجريئين والذين لا يخشون في التعبير عن آرائهم علناً، وهو كان يحرص في الوقت نفسه على الحصول على وجهة نظر النظام وعرضها بما أنّ الوكالة تسعى لإلى أن تكون مصدراً موثوقاً للمعلومات.

أمّا في حمص تحديداً، فبيلادي يختصر الموضوع بقوله: «هناك الكثير من التساؤلات حول الوضع في هذه المدينة، لكنّ الأجوبة مفقودة». وحين نسأل بيلادي عن قدرته على الحفاظ على موضوعيته في مثل هذه الظروف يجيب: «كيف يمكن أن نكون موضوعيين إذا كنّا لسنا أحراراً كمراسلين في رؤية كلّ شيء والحصول على كلّ المعلومات من الطرفين المتنازعين؟». ويروي بيلادي تجربته في وزارة الإعلام السورية تحديداً، حيث كان يضطر إلى طلب إذن للتجوّل والتصوير في كلّ مرة يحتاج فيها إلى إعداد تقرير، فكانت الأسئلة الكثيرة توجّه إليه حول الأماكن التي يريد تصويرها والأفراد الذين يريد مقابلتهم. لكنّ الحصول على إذن لم يكن يعفي المراسلين من مرافقة الموظّفين الحكوميين لهم أين ما أرادوا الذهاب، كما يقول بيلادي، حتّى إنّه خلال إعداد أحد التقارير كان يرافقه ثلاثة رجال من ثلاثة فروع أمنية مختلفة. وأكثر ما يطبع بيلادي خلال رحلاته الستّ هي المعاناة الإنسانية التي رآها في عدد من المدن السورية حيث تزيد نسب العائلات الجائعة وترتفع أعداد المرضى والجرحى، وهي مشاهد لم يستطع بيلادي إلا أن ينقلها عبر تقاريره.

استهداف مباشر للصحافيين؟

دايمون وبيلادي مراسلان أجنبيان استطاعا أن يخرجا بأمان من سورية، لكنّ صحافيين آخرين لم يكن الحظّ حليفهم... إلى درجة انتشار كلام حول استهداف السلطات الرسمية للصحافيين في شكل مباشر. ويلفت منسّق برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «لجنة حماية الصحافيين» (CPJ) محمد عبدالدايم إلى عدم وجود دليل دامغ بعد حول مثل هذا الاستهداف المباشر، ولكنّه في الوقت ذاته يشير إلى أنّ هناك دلائل عدّة بدأت تظهر، وهي لافتة لجهة إمكان وجود نيّة لاستهداف الصحافيين. فعبدالدايم يلحظ أولاً العدد المتزايد للمصوّرين الذين يقتلون برصاص القناصّين، على رغم أنّهم معروفون بأنّهم صحافيون وفي مهمّة عمل، فضلاً عن استهداف القصف مركزاً إعلاميّاً في حمص كان المراسلون الأجانب يستخدمونه ويلجأون إليه. ومن الدلائل التي يرتكز عليها عبدالدايم، أيضاً، الشهادات التي قدّمها صحافيون تركوا سورية بعد وجودهم في المناطق الساخنة وتصريحهم العلنيّ بأنّهم كانوا مستهدفين بسبب التقارير التي يعدّونها. لكن عبدالدايم يؤكد أخيراً أنّه لا يمكن الوصول إلى نتيجة نهائية في هذا الموضوع لأنّ السلطات السورية الرسمية تمنع الجهات الدولية من التدقيق في المعلومات لنفيها أو تثبيتها.

أياً كان العمل الذي يؤديه الصحافيون، فإن عبدالدايم يشدّد على ضرورة أن يتّخذوا إجراءات الحماية في مناطق النزاع، وتحاول «لجنة حماية الصحافيين» أن تشارك المؤسسات الإعلامية والمراسلين في خبراتها ليستطيعوا حماية أنفسهم. لكنّ عبدالدايم يذكّر أيضاً بأنّ الصحافيين هم مواطنون، وبالتالي فهم محميون من القانون السوريّ والقانون الدولي أيضاً، كما يشير إلى أنّ السلطات السورية لم تستطع أن تحقّق التزاماتها تجاه الصحافيين الذين يجرى اعتقالهم من دون سبب ويشكون من سوء المعاملة، وصولاً إلى عمليات القتل التي يجب التحقيق فيها.

هل هناك حلّ سلميّ للأزمة السورية؟ وكيف يمكن السلطات الرسمية أن تخرج من المأزق التي وقعت فيه؟ الثابت أن المشاكل التي يعانيها الصحافيون خلال جولاتهم الميدانية ليست محصورة بالجانب المهنيّ أبداً، إنما هم يعرّضون حياتهم للخطر في كلّ مرّة يغوصون أكثر في عمق الأزمة. وإذا كان رئيس اتحاد الصحافيين في سورية إلياس مراد طلب أخيراً من المؤسسات الإعلامية الأجنبية «عدم إرسال صحافييها في شكل غير شرعيّ إلى سورية» بعد مقتل صحافيين أجانب في حيّ بابا عمرو، فهل يمكن مثل هذه المؤسسات التي تحتاج إلى تحقيق سبق إعلاميّ، تزامناً مع إظهار وجهتي نظر المعارضة والنظام، أن تلتزم بمثل هـــذا الطلب؟ المراسلون اختاروا «مهــنة البــحث عن المتاعب»، وهم اليوم في عمق الحدث، وكلّ ما يريدونه هو ألا يكون مصيرهم كمصير كولفن وأوشليك.

 

 

الليبيون يواجهون خطر الفوضى والتقسيم.. والقذافي ما زال في عقولهم

السلاح يدير الحياة اليومية بدءا بـ«مقلب» القمامة إلى تنظيم المرور.. والحكومة عاجزة
جريدة الشرق الاوسط..... طرابلس: ستيف هندريكس*
في مدخل «مقلب» النفايات الرئيسي في طرابلس وقف مصطفى الصيباني مرتديا زيه العسكري، وقد ارتسم على وجهه تعبير يؤكد أنه لن يسمح بعبور شاحنة قمامة، فعلى مدى أربعة أشهر لم تتجاوزه شاحنة قمامة، تاركة العاصمة تموج بأكوام القمامة.
الصيباني واحد من آلاف المقاتلين الذين لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم، بعد الثورة التي أطاحت بالطاغية الليبي معمر القذافي العام الماضي. وتحول الصيباني الآن إلى أحد السكان الذين يقطنون بالقرب من النفايات حيث يمارسون حريتهم الجديدة عبر رفضهم قمامة طرابلس، وقالوا: ضعوها في أي مكان غير هنا. ففي ليبيا ما بعد القذافي، عادة ما تتدخل الأسلحة الآلية لرفض المشاريع الحكومية في المناطق والأحياء.
وقال الصيباني، الذي كان يعمل كاتبا بوزارة العدل قبل الثورة: «سنموت هنا قبل أن نسمح لهم بافتتاحها مرة أخرى».
ليبيا التي تغوص بالزهور البرية الصفراء المبهجة، بعد عام من الربيع العربي تتعلم درسا كئيبا، وهو أن الوحدة لا تزهر بسهولة في منطقة تركزت فيها عملية اتخاذ القرار في يد قلة قليلة وتمكن المستبدون الذين حكموا بقبضة حديدية من تجاوز الخلافات الثقافية والدينية والعرقية.
وبعد خمسة أشهر من موت الرجل الذي تمكن من توحيد ليبيا، بالقوة الوحشية، بدأ الناس هنا في التساؤل عما إذا كان هناك من سبيل آخر لتوحيد الصف مرة أخرى. فقد أدت الصدامات التي وقعت الأسبوع الماضي بين قبائل متناحرة في مدينة سبها جنوب ليبيا إلى مصرع 147 شخصا، بحسب مسؤولين هناك. مثل هذه الحوادث كانت الفوضى التي لم تكن لتجعل أحد الليبيين يندهش إذا ما تحولت مشادة بشأن شاحنة إلى قتال بالأسلحة.
ومع إغلاق مقلب القمامة في ديسمبر (كانون الأول) اعتاد سكان طرابلس على القذف بأكياس قمامتهم على أرض قصر القذافي السابق. لكن هناك ما لا يقل عن مليون طن من القمامة ملقاة في شوارع طرابلس لتشكل أزمة بيئية تلوح في الأفق، بحسب عدنان الغروي، متطوع يقود المجلس التنفيذي لطرابلس، الذي يحاول إدارة المدينة.
تسبب مقلب القمامة القديم - بني قبل 11 عاما إبان حكم القذافي - في شكاوى من السكان بتلويث مجاري المياه ونشر الأمراض. وقد وعدت المدينة ببناء مقلب جديد وصحي بأسرع وقت ممكن وتوصيل المياه النظيفة، ومستوصف صحي وتقديم مساعدات أخرى للعائلات القريبة من مقلب القمامة القديم، لكن الغروي يصر على ضرورة إعادة مقلب القمامة القديم، على الأقل بصورة مؤقتة، ولا يستبعد استخدام القوة في ذلك.
وقال الغروي بنوع من الإحباط تجاه هذا التفكير الأناني والمواجهات العديدة الأخرى: «لقد أعطيتم القذافي 11 عاما، ولا ترغبون في منح الحكومة الجديدة عاما واحدا فقط؟! يجب أن نتعلم العمل كشعب واحد».
وعوضا عن التعاون يتنافس رجال الميليشيات المتنافسة، بعضهم مخمورون وغالبيتهم من العاطلين، على مناطق النفوذ في العاصمة. ففي مدينة التويرجة غرب ليبيا، طرد السكان الليبيون السود بالكامل من قبل المقاتلين من مدينة مجاورة، كما أدت الدعوات الصادرة عن الجزء الشرقي من البلاد الغني بالنفط لمزيد من الاستقلال الذاتي عن الحكومة المركزية إلى صدامات مسلحة في بنغازي، مما أثار شبح التقسيم، لدى البعض.
ويقول السادات البدري، نائب رئيس المجلس المحلي في طرابلس: «كل شيء هنا يعج بالفوضى، نحن نعلم ذلك. فقد انتقلنا من الديكتاتورية إلى الحرية الكاملة في خطوة واحدة، والكل هنا يعمل حسب هواه». على عكس الرئيس المخلوع حسني مبارك في مصر، لم يترك القذافي أي بنية وزارية فاعلة يمكن الاعتماد عليها، أو مسؤولين مدنيين أكفاء يمكن تأهيلهم لعصر من المحاسبة.
ويقول المبروك سلطان، أستاذ علوم الحاسب في مدينة بنغازي، والمدون والمعلق الشهير: «لم تكن هناك قوانين، كان الأمر كله بيد شخص واحد. وبمعايير حكومية، كانت ليبيا مزرعة، والمزارع متوفى»، لكنه لم يغب عن بال الليبيين، فهناك أزمة شائعة بين الليبيين تقول «القذافي لا يزال في عقولنا».
ينزل المتظاهرون إلى الشوارع بصورة يومية مطالبين بالخدمات متهمين أعضاء المجلس بالفساد كما هو الحال مع أسلافهم في عهد القذافي. وبالمثل يسارع المسؤولون باتهام المتظاهرين بأنهم دمى في يد الموالين للقذافي.
في الوقت ذاته يسعى المجلس الوطني الانتقالي، الذي شكل على عجل خلال الأيام الأولى للثورة من زعماء القبائل والقادة المحليين، لاستبدال حكومة تمثيلية به. ويتحدث مخططه للإصلاح عن عملية تستغرق 20 شهرا بدءا من وضع مسودة دستور جديد إلى انتخاب مجلس تشريعي وطني. لكن الليبيين ليسوا في حالة متسقة، ففي مصراتة التي شهدت بعض أعنف العمليات القتالية، تجاوزت الميليشيا المحلية المجلس الوطني الانتقالي وعقدت انتخاباتها الخاصة قبل أشهر من الموعد المقرر لها.
وفي طرابلس، تعمل إشارات المرور لكن أحدا لا يكترث لها. يقول صبري عيسى، مالك شركة خدمات نفطية، عندما سئل خلال مشاهدة أربعة من المقاتلين يوجهون بخشونة جحافل السيارات حول ساحة الشهداء، وبندقياتهم مشرعة صوب الزجاج الأمامي للسيارات: «لماذا تحتاج إلى بندقية آلية لتنظيم المرور؟!». على بعد عدة ياردات كان ضابطا مرور يجلسان في سيارتهما، وقال عيسى: «إنهم لا يفعلون شيئا للسيطرة على هؤلاء الشباب. حكومتنا حكومة اسمية فقط».
سيطر أفراد الميليشيات على فندق «غراند هوتيل» (الفندق الكبير) الشاهق، بينما يقوم آخرون بحراسة المطار. وعلى الرغم من اكتشاف عدد محدود من الجثث نتيجة عمليات القتل الانتقامية كل صباح، فإن دوي إطلاق النار لا يزال يتردد خلال الليل.
ويعترف مسؤولو وزارة الداخلية أنهم لا يستطيعون القيام بشيء حيال عمليات السلب والنهب. فالمحاكم الجنائية معطلة. وعندما يلقى القبض على المقاتلين، يقوم زملاؤهم بإخراجهم عنوة من السجن. ومع اقتراب البطالة من 30 في المائة - وأعلى بين الشباب - خصص المجلس 1600 دولار لكل مقاتل، تدفع لهم مرة واحدة، أملا في إبعاد بعضهم عن الشارع.
كانت الرواتب تسلم في قاعدة محمود نشنوش العسكرية القريبة من الشاطئ، حيث يتجمع المقاتلون في مزيج من الزي العسكري وقمصان كرة القدم حول البوابة للحصول على الراتب. لا تزال بعض شاحناتهم الصغيرة تثبت المدافع الرشاشة الثقيلة في مؤخرتها. وجميعها تضع أعلام الثورة من الورق المقوى بدلا من لوحات الترخيص المطلوبة. وقال محمد كالف، أحد أفراد ميليشيا طرابلس، وهو يقبض على لفة كبيرة من الدينارات: «هذا هو ما نحصل عليه من مال بعد القتال، البعض منا سيعود إلى منزله الآن». ربما تعجل الفوضى في طرابلس وما حولها دعوات الحكم الذاتي التي بدأت تتردد في النصف الشرقي من البلاد.
يضيف سلطان: «لقد اختطفت العصابات العاصمة. إنهم لا يستطيعون أن ينظفوا شوارعهم، من هم كي يملوا علينا الأوامر؟!».
لا تبدو بنغازي، التي تنتشر بها أشجار النخيل، كمدينة انفصالية، حيث تملأ ملصقات المقاتلين الذين قضوا خلال الحرب جزءا من المدينة إلى جانب الرسوم الغرافيتية التي تحيي السابع عشر من فبراير (شباط) الذي شهد بداية الانتفاضة العام الماضي في هذه الشوارع.
ويرفرف العلم الوطني الجديد في كل مكان، بما في ذلك سوق السمك المجاورة للبحر الأبيض المتوسط، حيث لصق العلم، بألوانه الأخضر والأحمر والأسود، على جانب الباب بينما علقت سمكة قرش تم اصطيادها حديثا على الجانب الآخر.
يقول عادل المنصوري، وهو جالس مع زوجته وأطفاله الثلاثة حول طاولة مليئة بالحبار المقلي من الأسماك: «أخيرا، أشعر أنني ليبي». كان المراقب الجوي الذي ولد في بنغازي، مستهدفا بالاغتيال بسبب مشاركته الأولى في الثورة. وهو الآن يدعم حكما ذاتيا أوسع للشرق في الوقت الذي يستشعر فيه إحساسا جديدا بالهوية الوطنية.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»

المصدر: مصادر مختلفة

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,310,620

عدد الزوار: 7,627,454

المتواجدون الآن: 0