تقارير ...بيوت العفاف والهيئة الشرعية للمتعة: إباحية سياسية من حزب الله يستنكرها الشباب الشيعي
تحقيقات أميركية في أنشطة مصرفية لبنانية...معركة الدستور في تونس وانعكاساتها على مصر وليبيا...هل كان نظام مبارك رئاسياً حقاً؟..."حزب النهضة" يتراجع عن عدم ذكر الشريعة في الدستور؟
الأحد 29 نيسان 2012 - 6:37 ص 3141 0 عربية |
"حزب النهضة" يتراجع عن عدم ذكر الشريعة في الدستور؟
النهار...بقلم امين الياس – باريس
هل يتراجع "حزب النهضة" التونسي عن التزام كل قادته، وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي، بعدم النص على "الشريعة" كمصدر للتشريع في الدستور التونسي الجديد؟ وهل نكون عندها مع تراجع "اخواني" جديد بعد تراجع "الاخوان المسلمين" المصريين عن تعهدهم بعدم ترشيح أي منهم لانتخابات الرئاسة؟
طالعنا الأستاذ جهاد الزين بمقال عنوانه "لا لدين الدولة: هل يجرؤ الإخوان المسلمون السوريون؟" ("النهار" 3/4/2012) في محاولة منه لاستطلاع قدرة إخوان سوريا في التشبّه بزملائهم في حزب النهضة التونسي وبقبول بمبدأ "فصل الدين عن الدولة". ليست غايتنا من مقالنا هذا مناقشة بيان إخوان سوريا، إذ أنّنا لا نملك المعطيات الكافية التي تؤهّلنا لمناقشة فكرهم الذي لا يزال غامضاً لنا وللكثيرين. ما يهمّنا هنا هو مناقشة فكرة تبنّي حزب النهضة الإسلاميّ التونسيّ "عدم النص الدستوري على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع"، والاكتفاء بالفصل الأوّل من الدستور التونسيّ الذي وُضع عام 1959 والذي ينصّ على أنّ "تونس دولة مدنية، حرة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".
وقد ارتأينا أنْ نشارك الأستاذ الزين وقرّاء صفحة "قضايا النهار" بما حصلنا عليه من معلومات مؤكّدة أتتنا من أحد الأصدقاء التونسيين، الذي كان له العديد من اللقاءات مع أركان حزب النهضة خلال شهر نيسان 2012، والذي تمكّن من الحصول على مسودة مشروع الدستور التونسيّ الذي تتمّ مناقشته حالياً داخل الحزب. وقد تبيّن لنا من هذه المسودة أنّ ما أعلنه حزب النهضة في بيانه الصادر في 26 آذار 2012 حول الإبقاء على الفصل الأوّل المذكور من الدستور التونسيّ ليس سوى ذرّ للرماد في العيون.
ففي حين أنّه يبيع التونسيين والعالم فكرة أنّه لن يمسّ بهذا الفصل، فإنّه يسعى، وفق المسودة المذكورة التي بين يدينا، إلى إدخال مبدأ الشريعة في الفصل الثاني. ويبدو أنّ هناك تيّارات فكرية مختلفة تتصارع داخل هذا الحزب من الأكثر تشدّداً إلى الأكثر تساهلاً. وهذا يبدو واضحاً من الصِيَغ الخمس المطروحة في الفصل الثاني من هذه المسودّة والتي تَرِد بالتدرّج الآتي: "1 – الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر القانون؛ 2 – الفقه الإسلامي مصدر أساسي من مصادر القانون؛ 3 – القرآن والسنّة مصدر أساسي من مصادر القانون؛ 4 – لا يمكن سنّ أيّ قانون يتعارض مع الدين الإسلامي (ويبدو أنّ هذه الصيغة هي الأكثر تشدّداً)؛ 5 – لا يمكن سنّ أيّ قانون يتعارض مع ثوابت الدين الإسلامي". وبالتالي، فإنه سيتمّ اعتماد واحدة من هذه الصِيَغ في مشروع الدستور المقدّم من حزب النهضة، ما يؤكّد أنّ هذا الحزب لم يتخلَّ أبداً عن الشريعة أو ثوابتها كمصدر من مصادر التشريع. أمّا ما تمّ التصريح به فليس سوى تكتيك يبرع الإسلاميون في تونس ومصر وسوريا ولبنان وكل الدولة ذات الأغلبية المسلمة باستعماله بغية إخفاء أهدافهم الأساسية، والتي تقوم على اعتبار "الإسلام هو الحلّ" بما يقتضيه من دمج الإسلام بالدولة والشريعة الإسلامية بالقانون.
وبالعودة إلى الفصل الأوّل، صحيحٌ أنّ بيان النهضة يؤكّد الحفاظ عليه دون أيّ تعديل، غير أنّ المقطع الأخير من هذا البيان يقدّم تفسيراً مختلفاً له. فبحسب الكثيرين من العلماء الدستوريّين التونسيّين، فإن هذا الفصل صِيغَ عام 1959 بحيث يكون الإسلام دين تونس كأمة وكمجتمع وليس دين الدولة. فإذا استعدنا هذا الفصل نجد أن الضمير "ها" في عبارة "الإسلام دينها" إنّما يعود إلى تونس وليس إلى الدولة. فهذا الفصل يتضمّن التأكيد على أنّ "الشعب التونسي شعب مسلم في غالبيته الساحقة"، دون أن يعطي أية إشارة الى أنّ "الدولة التونسية إسلامية"، أو أنّ "الإسلام دين الدولة"، ولا القول بأن الشريعة الإسلامية هي "مصدر"، أو "أحد مصادر التشريع" أو "التأويل" أو "الاستلهام". غير أنّ المقطع الأخير من بيان حزب النهضة يفسّر هذا الفصل تفسيراً مناقضاً تماماً للتفسير السابق، إذ يعتبر أنّ هذا الفصل يحفظ "الهوية العربية الإسلامية للدولة التونسية [...] حيث أنّها تنصّ على أنّ الإسلام دين الدولة". بهذا يتحوّل الإسلام مع حزب النهضة من أن يكون دين الأمة والمجتمع التونسيَين [وليس للدولة التي هي مدنية لا دين لها]، إلى دينٍ للدولة.
الحقيقة، انّ هذا الأداء لحزب النهضة بقول الشيء والعمل بنقيضه ليس غريباً، خاصّة إذا تابعنا تصريحات زعيم هذا الحزب السيّد راشد الغنوشي حيث يعلن فيها أمراً ليعود ويعلن عكسه في اليوم التالي. فعند زيارته واشنطن أوائل العام الجاري لم يتردّد الغنوشي في نفي كلّ ما كان أعلنه سابقاً في منفاه اللندنيّ من تصاريح معادية للولايات المتحدة الأميركية، متفادياً الردّ على الأسئلة المحرجة حول الصراع العربيّ – الإسرائيليّ. وعندما سألته إحدى الصحافيات الأميركيات عن موقفه حيال تبوؤ يهوديّ رئاسة الجمهورية التونسية أتى جوابه بالموافقة. الأمر الذي يتناقض تماماً مع ما كان قد أعلنه في كتابه "الحريات في الدولة الإسلامية": "يمكن غير المسلمين من يهود ومسيحيّين وغيرهم الوصول إلى مراكز المسؤولية، لكنّهم لا يستطيعون تبوؤ الوظائف العليا [مثل رئاسة الجمهورية أو الوزارة وغيرها]". من ناحية أخرى، فهو قادر في الوقت عينه أن يقول إنّ الإسلام هو "مجموعة قيم" فاتحاً بذلك المجال نحو اعتماد مفهوم جديد للدين الإسلامي على أنّه مرجعية أخلاقية وقيميّة من جهة، ومن جهة أخرى بأنّ الإسلام "هو نظام شامل للحياة"، أي أنّه دين ودنيا ودولة، عقيدة ونظام، عبادة وتشريع إلخ.
إضافة إلى ذلك، فإن كلّ تصريحاته حول وضع المرأة، إن من حيث ارتداء الحجاب، أو تعددّ الزوجات، مبهمة تحمل الشيء ونقيضه، ما يدلّ على أنّ الغنوشي وبالتالي حزب النهضة، إمّا لا رؤية واضحة لديهم لتقديم أجوبة واضحة لهذه الإشكاليّات، وإمّا أنّهم يخفون مشروعهم الحقيقي بتصريحات مبهمة لا تلبث أنْ تتغيّر عندما تحين اللحظة المناسبة. أوليست هذه بالضبط منهجية الإخوان المسلمين في مصر، الذين صرّحوا والتزموا بالكثير من الأمور ثمّ ما لبثوا أن تراجعوا عنها، إن من حيث نسبة ترشّحهم إلى الانتخابات النيابية، وإن من حيث تشكيل اللجنة التأسيسية المخوّلة صوغ الدستور الجديد، أو من حيث تقديم مرشّح إخواني للإنتخابات الرئاسية؟
في اعتقادنا، واستناداً إلى تصريحات كبار مفكّري حزب النهضة، فإن المشروع الحقيقيّ لهذا الحزب لم يُعلن حتى الآن لما يتضمنّه من أمور قد تلاقي معارضة شديدة من التيار العلمانيّ في تونس. من هنا، فإن التكتيك الحالي يقوم على اعتماد "المرحليّة" في تطبيق الشريعة الإسلامية وإعلان الدولة الإسلامية. فمفكّرو النهضة يدركون أنّ الجيل الحالي من التونسيّين ليس مؤهّلاً للسير في مشروعهم الإسلاميّ بشكل كامل، من هنا فإنّ هدفهم اليوم هو السيطرة على الأجيال المقبلة من خلال وضع اليد على التعليم الابتدائيّ والمتوسط بحيث يصير إلى "فصل الآباء عن أبنائهم وبناتهم". بهذا، وخلال جيل أو جيلين يصبح المجتمع التونسيّ أكثر تقبّلاً للفكر الإسلاميّ كما يقدّمه حزب النهضة، عندها لا تعود الطروحات حول إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية تُجابه بالممانعة نفسها التي تُواجه بها الآن.
عودة الى "الهلال"
النهار...بقلم محمد ابرهيم
مع الاشتباك الديبلوماسي التركي - العراقي، والاتهامات المتبادلة بين رئيسي الوزراء، التركي رجب طيب اردوغان والعراقي نوري المالكي، بإذكاء النزاع المذهبي، ومع التنسيق الوثيق بين تركيا والسعودية بشأن سوريا، في مقابل الدعم الايراني غير المحدود للمالكي، اكتملت صورة المواجهة السنية-الشيعية اقليميا.
الخريطة الاقليمية للنزاع هي تلك التي سماها الملك الاردني عبدالله الثاني قبل اعوام "خطر الهلال الشيعي"، الممتد من طهران الى بيروت، والذي يحظى بجيوب في الخليج واليمن، وكان يشمل، قبل "الربيع"، غزة. هذا "الربيع" الذي انطلق من الشمال الافريقي تحت عنوان الخلاص من الاستبداد وارساء الديموقراطية، استقر في المشرق وفق خريطة "الهلال" لا وفق "نسبة" الاستبداد في كياناته.
طبيعة المكونين الشبابي والاسلامي في "الربيع" تفسر هذا الانزياح المشرقي. فالحركة الشبابية هنا اضعف من مثيلتها، "الافريقية"، وتواجه انظمة مغلقة، والمكون الاسلامي ذو مصلحة في انتقاء "الاهداف" بما يخدم استراتيجيته على مستوى المنطقة.
حتى العامل الخارجي الذي كان ذا تأثير وازن في نجاح "الربيع الافريقي"، سرعان ما تكيف مع خريطة المشرق، داعما التغيير في سوريا ومتفهما لاخماده في المواقع الاخرى. وقد دفعت تركيا بهذا الاتجاه الى نهايته، فزاوجت بين موقف جذري تجاه سوريا وتحالف مع الانظمة الخليجية.
ولا تبدو القوى الاقليمية المنخرطة حتى اذنيها في الانقسام السني-الشيعي، قادرة على المناورة، فمن ناحية يعني بقاء النظام السوري، بصيغته القديمة او المعدلة شكلا، هزيمة للحلف الاقليمي السني تشكل خطرا على "قلبه" الخليجي، وحتى على "طرفه" التركي، ومن ناحية ثانية يعني انهيار النظام السوري خطرا مباشرا على الحكم الشيعي في العراق، وتهديدا لإيران نفسها.
وحدها القوى الدولية ما زالت تحتفظ بهامش من حرية التحرك يسمح لها بتفادي اندلاع معمم للنزاع المذهبي. فمن جهة نجد ان واشنطن صاحبة مصلحة في التقاط اي اشارة تصالحية من ايران في ملفها النووي، لما له من انعكاسات على مصالح اميركية كثيرة: اسرائيلية، وعراقية، وافغانية، ونفطية.
ومن جهة ثانية نجد ان موسكو صاحبة مصلحة في ان لا تذهب في دعمها للنظام السوري الى المساهمة في اندلاع النزاع المذهبي المعمم، لانه يجعل المنطقة بؤرة لنوع "النشاط" الاسلامي الذي تخشاه موسكو على نفسها.
المفتاح الاقليمي للأزمة بيد ايران، ومفتاحها الدولي شركة اميركية-روسية. يبقى ان يعقب التفاهم النووي، الذي يبقي ايران على مسافة "آمنة" من امتلاك القنبلة ، تفاهم على مستقبل سوريا تجد فيه المكونات السورية الداخلية، وكذلك "اللاعبين" الاقليميين، ما يطمئن "هواجسهم".
في خضم الجدال الدائر الآن في مصر حول الدستور وشكل النظام السياسي المأمول، أظهر الكثيرون عداءً للنظام الرئاسي على أساس الاعتقاد بأنه المسؤول عن الاستبداد والتحلل من القيم اللذين سادا في ظل نظام حسني مبارك، فصارت المطالبة بالنظام البرلماني هي الوقاية من الحاكم المستبد. وفهم البسطاء أن النظام الرئاسي يجعل الرئيس متحكماً في كل شيء من دون ضوابط ولا سلطان أو قيد عليه، حتى ارتبط نظام مبارك بهذا الشكل البشع من النظم الرئاسية، ولذلك اقترح البعض أن الحل هو اعتناق النظام البرلماني الذي فهمه الناس على أنه يمكن ممثلي الشعب من مراقبة الحكومة ومحاسبتها وإلزامها بالقانون ومناقشة الموازنات وتنفيذها ورعاية المصالح العامة.
والحق أن المفاضلة بين النظامين الرئاسي أو البرلماني والمناقشة حول أشكال النظم السياسية جذبت الشعب إلى المشاركة في الثقافة السياسية التي لم يكن له علاقة بها، بل درج الناس على رسم صورة المواطن الصالح وهو أن من خصائصه أنه لا علاقة له بالسياسة وترك كل أموره للحاكم السياسي والتفرغ لعمله منقطع الصلة بالسياسة.
عزلة الجمهور
وتلك من سلبيات العصور السابقة التي هيأت لمجموعة من المحترفين المنتفعين أن يفعلوا ما يحلو لهم ضد المصالح العامة ما دامت ثقافة المجتمع تقضي بمنع الناس عن مجرد الاستفسار عما يجري؛ فكيف بالقدرة على مراقبة المسؤولين ومحاسبتهم، بل إن طوائف الصوفية دعت إلى الانصراف عن الدنيا، فانقض الحاكم عليها على أساس أنها اختارت الآخرة، وانطلقت أيدي حكامنا في هذه البيئة «الصالحة» للنهب والإفلات من الرقابة والحساب، بخاصة أن رأس النظام عطل أجهزة الرقابة التي انخرطت هي الأخرى في هذه الملحمة.
بعد الثورة مباشرة أصبحت صورة المواطن هي ذلك المواطن الذي انخرط في فهم ما يجري فودع الاهتمامات والتعصبات الكروية التي شغل بها نفسه في مرحلة الاستبداد السياسي لدرجة أن العلاقات المصرية الجزائرية مثلاً تعرضت للأذى المقصود، ولم تكن مصادفة أن نجل الرئيس المخلوع علاء مبارك أشعل الفتنة حتى نادى به الشعب، بإيعاز من الأجهزة الأمنية، رئيساً باعتباره الوطني المحبوب الذي يدافع عن كرامة مصر ضد «عدوان الجزائر».
وهنا لا بد من المطالبة بالتحقيق في هذه الفضيحة ومع من تورط فيها من أسرة مبارك ورجال الأمن وأصنام الكرة المصرية من مسؤولين ومعلقين رياضيين انفسحت لهم الساحات للولوغ في دماء مشتركة دفعتها أجيال في البلدين من الوطنيين، قبل أن تغزو مصر جحافل العدو وتشكل فرقاً للتخريب الإعلامي والسياسي للوطنية المصرية. حتى إن أحد هؤلاء عاب علناً على الجزائريين عجزهم عن التحدث باللغة العربية على سبيل التعريض بهم والطعن في نسبهم للعروبة مع العلم أن صاحبنا دخل الإعلام من أبواب معروفة للجميع، كما لا يعرف سوى اللغة العربية المتواضعة.
النفوس والنصوص
النظام الرئاسي إذاً في الدستور المصري صار قريناً بنظام مبارك الفاسد وكأن المشكلة تكمن في نصوص الدستور، ولذلك أصبح حتماً فك الاشتباك بين مبارك والنظام الرئاسي في الدستور، حتى لا يظن أن النظام البرلماني ينهي احتمال تكرار ما حدث لمصر في عهد مبارك. الصحيح هو أن مبارك ونظامه لم يحترما نصاً واحداً في الدستور وشكلا برلماناً مزوراً له ثلاث وظائف، الوظيفة الأولى، هي أنه وعاء للفساد في تكتل غريب ضد مصر والمصريين اتخذ البرلمان من البرلمان اسمه من دون أي مضمون، والوظيفة الثانية هي أن البرلمان جهاز لضخ التشريعات المؤكدة للفساد والاستبداد وتكريس الفساد بالقانون وهو ما اتضح في مجالات الحياة كافة، وأهمها سلب الملكية العامة للشعب في ما عرف بالخصخصة، وتمكين الأجانب من نهب ثروات البلد بالتواطؤ مع النظام، والوظيفة الثالثة هي تخريج طبقة من السياسيين البرلمانيين والحزبيين والوزاريين من المنتفعين فاقدي الوطنية والكرامة انخرطوا في مشروع إجرامي أسقطوا به شرعية الدولة واستخدموا الأمن في إذابة النظام في الدولة، فلم يبق سوى أسنان النظام الأمنية التي فقدها في المواجهات مع الثوار في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2011.
لقد تمكن مبارك بهذه الطريقة من الجمع بين صلاحيات الرئيس في الدستور والصلاحيات الاستثنائية من البرلمان، فأصبح يجمع في يده السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية واخترق السلطة القضائية، ولذلك كان امتهان أحكام القضاء من تقاليد نظام مبارك، ففسد النظام بكل مكوناته.
ومعنى ذلك أنه ولو ظلت سلطات الرئيس في الدستور وكذلك صلاحياته الاستثنائية، فإن انتخاب رئيس وطني وبرلمان حقيقي، سيؤدي إلى تطبيق الدستور في شكل جدي يكفل رقابة البرلمان على الرئيس بل واتهامه بالخيانة العظمى، ويسمح للأجهزة الرقابية بالعمل على كشف الفساد مبكراً، بما ينهي حال التواطؤ بين سلطات النظام الثلاث ضد مصر وشعبها في سابقة بالغة الخطر استطال عمرها أربعة عقود متتالية. خلاصة القول إنه وإن كان النظام السياسي في الدستور يوصف بأنه نظام رئاسي، وأنه كان يوصف أيضاً بأنه نظام ديموقراطي بضمانات محددة، كما أنه نظام جمهوري، ولكن المشكلة أن نظام مبارك لم يحترم القسم على صيانة الدستور واحترام القانون ورعاية مصالح الشعب، كما لم يطبق أي نص على ضمان النظام الديموقراطي لا سيما التعددية الحزبية الحقيقية والفصل بين السلطات وإعلاء مبدأ سيادة القانون واحترام الحريات العامة.
فإذا صح انتخاب الرئيس وليس تزوير انتخابه، وألزم بتطبيق القانون والدستور في إطار السلطات الثلاث التي يتم الفصل بينها في إطار التعاون للصالح العام، فإن النظام الرئاسي يصبح صالحاً لمصر، وذلك لتفادي أهم مساوئ النظام البرلماني وهو احتمال التواطؤ بين النواب والرئيس من الحزب نفسه، ما يعطل أهم مقومات الديموقراطية. ولما كان وضع الدستور أصبح إشكالية تثير الشك في نيات إكمال المرحلة الانتقالية، كما تثير الجدل في إجراءاته وربط انتخابات الرئاسة به، فهناك بدائل عدة لهذه الإشكاليات المصطنعة تقوم على أساس أن تُجرى انتخابات الرئاسة في موعدها كما هو مقرر في إعلان اللجنة العليا للانتخابات. أما البدائل، فهي إعادة قراءة دستور 1971 وتنقيحه بما يتفق مع مصر الجديدة، بخاصة نظامها السياسي المخطط وتعزيز موقع الحكومة ورئيس الوزراء وتعيين أكثر من نائب للرئيس وإسناد سلطات حقيقية اليهم بما لا يتصادم مع سلطات مجلس الوزراء. أما البديل الثاني فهو أن تُشكل لجنة خبراء لوضع المشروع بناء على مناقشات اللجنة التأسيسية. وفي هذه الحال لا بد من أن تكون تلك مناسبة لتقديم ثقافة دستورية وسياسية واسعة للشعب من خلال الشروح والندوات. وهذه العملية قد تستغرق عاماً، ولا ضير في ذلك ما دام الرئيس منتخباً وفاعلاً.
* كاتب مصري
أفرزت ثورات الربيع العربي نموًا في الاتجاهات الدينية، ووصولها إلى سدة الحكم وقصور الرئاسة، ما أدَّى إلى دخول دول الربيع العربي في حال من عدم التوازن والاستقرار بين التيارات السياسية (الإسلامية والليبرالية العلمانية) والتي ظهرت بوضوح عند صياغة الدستور، إذ يسعى كل منها إلى فرض آرائه على الطرف الآخر، وبرزت انشقاقات داخل التيار الواحد، كما حدث في حزب حركة النهضة في تونس. غير ان المجتمع التونسي هو مجتمع متجانس من الصعب أن يتحول صراعًا بين التيارات داخله إلى صراع طائفي أو عشائري، وفي النهاية توافق الجميع وتم الانتهاء من معركة صياغة الدستور.
ترجع بداية نشأة الدستور الحالي في تونس إلى عام 1959، وهو يعد من أكثر الدساتير تقدمية في العالم العربي والإسلامي. ورغم أن معظم الدساتير في البلدان العربية والإسلامية كانت تنص في ذلك الوقت صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر أساس للتشريع. إلا أن الدستور التونسي انفرد بعدم ذكر الشريعة الإسلامية كمصدر للقانون مكتفياً بالمادة الأولى والتي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وظل الأمر كذلك حتى «ثورة الياسمين» في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وسقوط الرئيس زين العابدين بن علي.
حصد حزب حركة النهضة؛ المحظور سابقاً؛ ذو المرجعية الإسلامية 90 مقعداً من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي في الانتخابات التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بنسبة 41.4 في المئة. وهنا ظهر جدل واسع داخل الأوساط السياسية حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً في صياغة الدستور التونسي الجديد: فريق يعبر عن التيارات الإسلامية ينادي بأن تكون الشريعة هي المصدر الأول للقوانين والمنطلق الأساسي لصياغة الدستور، أي يتم تعديل الفصل الأول من دستور 1959 الذي ينص على أن «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة والإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها»، وأكد ذلك كثير من أعضاء حزب حركة النهضة مستندين إلى أن النص على الشريعة الإسلامية يعتبر أمراً عادياً، رغم اعلان هذه الحركة من البداية تمسكها بمدنية الدولة واكتفائها بالمحافظة على البند الأول من الدستور السابق.
أما الفريق الآخر، وتتزعمه التيارات الليبرالية وأيضاً بعض أعضاء حركة النهضة، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، فيرفض مبدأ اعتماد الشريعة كمرجع أساسي ووحيد لأنه سيضر بمدنية الدولة، ورأى أن النص على الشريعة غير ضروري، على اعتبار أنه ليس بجديد، إذ كانت الشريعة أحد المصادر للتشريعات القانونية في دستور 1959 ومن ثم فإنها ضمناً هي أحد المصادر التشريعية.
تبديد المخاوف
هنا ظهرت مخاوف حول إصرار حركة النهضة على نص يؤكد أن الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي ووحيد للتشريع في نص الدستور الجديد، ولكن سرعان ما تراجعت النهضة عن هذا الأمر، وأثار هذا التراجع ارتياحاً وترحيباً من قبل هيئات سياسية مختلفة التوجهات خصوصاً لدى أحزاب المعارضة باعتباره سيجنب تونس التوتر السياسي في هذه المرحلة الانتقالية. فضلاً عن أن الإجماع حول البند الأول من الدستور (السابق) سيساهم في تعزيز التوافق في شأن الدستور الجديد.
وظهر تساؤل حول كيف سيكون الموقف في بقية دول الربيع العربي. ففي مصر بعد إسقاط النظام وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة شؤون البلاد تم تعطيل العمل بدستور 1971 وصدر إعلان دستوري في آذار (مارس) 2011 يسند إلى مجلسي الشعب والشورى مهمة انتخاب جمعية تأسيسية من 100 عضو تتولى إعداد دستور جديد يطرح بعد ذلك للاستفتاء الشعبي.
كان دستور 1971 من البداية يحتوي على المادة التي تؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وظلت كما هي في الإعلان الدستوري. وهنا ظهر الجدل بعد الثورة حول من يؤيدها وعلى رأسهم بيان الأزهر الشريف في حزيران (يونيو) 2011 الذي أكد أن الإسلام ترك للأفراد إدارة مصالحهم ومجتمعاتهم شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للدستور، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية، وبين من يعارضها ويطالب بحذفها في الدستور الجديد، مثل التيارات الليبرالية وبعض الأقباط. ولكن إلى الآن لم يتم حسم الأمر نظراً لقرار محكمة القضاء الإداري بحل وإلغاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد. ويمكن التنبؤ، بسبب تشابه حزب حركة النهضة الإسلامية التونسية وحزب الحرية والعدالة المصري، بالإبقاء على تلك المادة وعدم حذفها، خاصة أن بعض الأقباط يرون أنهم يمارسون عقيدتهم بحرية في ظل هذه المادة.
في ليبيا جاء الإعلان الدستوري للمجلس الوطني الانتقالي الموقت - بعد سقوط نظام معمر القذافي - ليشتمل في المادة الأولى منه على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وأعلن رئيس المجلس الانتقالي في حفل تحرير ليبيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع في البلاد ليدفع الكثير من النشطاء السياسين الى المطالبة بعدم إخضاع المادة المتعلقة بالشريعة الإسلامية للاستفتاء أثناء وضع الدستور بعد انتخاب الجمعية التأسيسية المقرر في حزيران (يونيو) 2012 ويتوقع الإبقاء عليها شأن الحال في مصر. وفي النهاية يمكن القول إن التجربة التونسية في التوافق حول صياغة الدستور مثَّلت نهجاً للوحدة الوطنية ونهجاً لبناء الدول المدنية الحديثة والديموقراطية التعددية، التي ستكون مهد الربيع العربي.
* كاتبة مصرية
المصدر: مصادر مختلفة