ترتيب الوضع في دمشق..الأمن السوري يواصل «تطهير» أحياء دمشق.. ومواجهات في حلب ودرعا والحسكة

العميد مناف طلاس لـ«الشرق الأوسط»: لا للاجتثاث ولا أرى سوريا بالأسد

تاريخ الإضافة الجمعة 27 تموز 2012 - 6:04 ص    عدد الزيارات 2420    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

العميد مناف طلاس لـ«الشرق الأوسط»: لا للاجتثاث ولا أرى سوريا بالأسد
كسر صمته في حوار مطول مؤكدا أنه كان مختلفا منذ البداية مع النظام.. وقال إنه جاء للسعودية ليرى إمكانية مساعدتها لهم في خريطة طريق
جريدة الشرق الاوسط.. جدة: طارق الحميد... في حوار مطول هو الأول له منذ انشقاقه وخروجه من سوريا، كسر العميد مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، صمته متحدثا لـ«الشرق الأوسط» بجدة، عن عملية انشقاقه ودوره وأوضاع سوريا وكيف يرى مستقبلها، مشيرا إلى أن عملية خروجه من سوريا كانت معقدة وأخذت الكثير من الوقت واشتركت فيها مجموعة من الأطراف، لكنه لم يصرح عن طريقة الخروج حماية لمن ساعدوه.
وأجاب في الحوار عن أسئلة ظلت تتردد منذ الإعلان عن خروجه من سوريا، منها أنه لم يعلن انشقاقه رسميا فور خروجه مثل الآخرين. وقال «أنا لم أتردد، فمنذ بداية الأزمة كنت مختلفا مع النظام حول طريقة معالجة الأزمة، ونأيت بنفسي لفترة زمنية، ثم أصبحت هناك أخطاء كثيرة في طريقة معالجة الأزمة، ولم يكن لي رأي وقرار في هذا، لذلك فقد فضلت الخروج، ولم أحاول أن أكون طرفا في البداية من أجل أن أكون طرفا وفاقيا». كما قال مناف «سأتواصل مع كل شريف يريد بناء سوريا، سواء كان المجلس الوطني، أو الجيش الحر، أو إن كان في الداخل، أو الشرفاء وإن كانوا في داخل النظام. سأتواصل مع الجميع لنجد خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة، فليس هناك أحد معفي من عدم التواصل، ومع كل شريف، وهناك أشخاص كثر في النظام أياديهم لم تلطخ بالدماء، ولم يشاوروا، وهؤلاء لا يجب اجتثاثهم، بل يجب أن نحافظ على المؤسسات الوطنية في سوريا ونحافظ على الدولة، ويكون التعامل فقط مع الأشخاص الذين أساءوا في إدارة الأزمة، أما الآخرون من المواطنين السوريين الشرفاء فلا يمكن اجتثاثهم من المجتمع السوري. نتمنى أن تصل هذه الفسيفساء السورية إلى خارطة طريق لتعيد رسم سوريا بطريقة حضارية مثل ما كانت، وأجمل.
وردا على سؤال عما إذا كان ذلك من دون بشار الأسد أجاب «لا أرى سوريا ببشار الأسد». وحول زيارته الحالية إلى السعودية قال «أنا سعيد بوجودي في المملكة العربية السعودية، وسعيد لتمكني من أداء العمرة. فالسعودية دولة صديقة لسوريا، ومن الأخطاء الاستراتيجية للنظام أنه فقد هذه العلاقة مع السعودية، ولذلك جئت إلى السعودية للسلام على إخواننا السعوديين، ولنرى ما هي إمكانية مساعدتهم لنا في وضع خارطة الطريق» لسوريا. وقال إنه يستغل هذه الفرصة ليشكر «خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على إتاحة هذه الفرصة لي لزيارة السعودية، وعلى كل ما يقدمه من وقفات ومساعدات للشعب السوري.
الأمن السوري يواصل «تطهير» أحياء دمشق.. ومواجهات في حلب ودرعا والحسكة، «الجيش الحر» لـ«الشرق الأوسط»: إدلب باتت شبه محررة.. ومواجهات العاصمة خففت الضغط على باقي المحافظات

بيروت: ليال أبو رحال.. ارتفعت حدة الاشتباكات بين قوات الأمن السورية وعناصر الجيش السوري الحر في عدد من المناطق السورية، وتحديدا في دمشق ودرعا وحلب في ظل حركة نزوح واسعة وانقطاع الخدمات الرئيسية، بينما تخطت حصيلة القتلى الأولية مساء أمس 100 قتيل، 25 منهم على الأقل في دمشق وريفها، معظمهم في القابون.
وأفادت لجان التنسيق المحلية في سوريا أمس بالعثور على جثث قتلى سقطوا في مجزرة حي القابون، التي وقعت أول من أمس، بعد حصار خانق للحي استمر خمسة أيام على التوالي، مشيرة إلى أن المجزرة وقعت بعد اعتقال قرابة 150 مدنيا احتموا في أحد الملاجئ، واقتيادهم إلى مقر للشرطة العسكرية وتهديدهم بالقتل. وذكرت أن جثث عدد منهم وجدت في حي تشرين، حيث «تمت تصفية البعض ميدانيا، وقضى البعض الآخر بسبب القصف». وذكرت أن قوات الأمن هدمت منشآت في منطقة الكراجات، التي تعتبر الشريان الاقتصادي لحي القابون في إطار سياسة النظام المستمرة بالعقوبات الجماعية على مختلف الصعد.
وكانت القوات النظامية، وفي إطار عملياتها العسكرية لاستعادة سيطرتها على معظم أحياء العاصمة دمشق، قد اقتحمت حيي القدم والعسالي، فيما دارت اشتباكات عنيفة بين الجيش الحر والقوات النظامية في حي التضامن. وفي جوبر، نفذت قوات الأمن حملة دهم واعتقالات عشوائية في ظل انتشار القناصة على المباني وقيامهم بسرقة المحلات والبيوت وتكسير السيارات، بعد اقتحام الحي بأعداد كبيرة من جيش النظام وانتشارهم في كثير من الأماكن، وفق لجان التنسيق المحلية، حيث أفادت بتعرض الحي لقصف بالطائرات الحربية.
وفي ريف دمشق، شهدت مدينة الزبداني حركة نزوح متواصلة مع استمرار تعرضها لقصف عنيف استهدف منازل المدنيين. وفي كفربطنا، نفذت قوات الأمن انتشارا كثيفا. كما قصفت قوات الأمن مدينتي الضمير والتل، مما أدى إلى حركة نزوح للأهالي، وطال قصف عنيف بالطيران المروحي مدينة السبينة. وقالت مصادر قيادية في الجيش السوري الحر لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام السوري يستميت في معركة دمشق، وقد سحب عناصر الفرقة الرابعة من الجولان إلى دمشق»، معتبرة أن «الأحداث الأخيرة في دمشق ساهمت في تخفيف الضغط العسكري عن بقية المحافظات السورية».
وأكدت المصادر عينها أن «محافظة إدلب باتت شبه محررة بعدما سحب النظام السوري قواته وعناصر الشبيحة من جبل الزاوية، حيث خاضت معارك شرسة»، مذكرة بأن هذه المنطقة تعد معقل الجيش الحر، ومنها انطلقت الرصاصة الأولى ضد النظام. وكانت مدينة حلب قد شهدت اشتباكات عنيفة، أمس، بين الجيش الحر والقوات النظامية، لا سيما في أحياء الشعار والصاخور وطريق الباب، وحلق الطيران الحربي «ميغ 21» فوق أحياء المدينة، وفق لجان التنسيق المحلية، التي أشارت كذلك إلى قصف بالطيران المروحي وإطلاق نار على أحياء السكري وبستان القصر.
وفي درعا، مهد الثورة السورية، قال ناشطون إن اشتباكات وقعت بين الجيشين الحر والنظامي في منطقتي تسيل وكفر شمس وبلدة تل شهاب، فيما تعرضت محجة لقصف عنيف، وسط موجة نزوح كبيرة نحو الأردن. وفي مدينة داعل، سقط عدد كبير من الجرحى جراء القصف العنيف بالطيران الحربي بالتزامن مع حركة نزوح واسعة. واستهدف القصف كلا من المزيريب ومعربة.
وقال يزيد، الناشط السوري في مدينة طفس، لـ«الشرق الأوسط» إن «أكثر من 20 قذيفة هاون استهدفت طفس يوم أمس، فيما عرضت داعل والحراك ومعظم مناطق درعا لقصف مدفعي عنيف بات يتكرر يوميا بشكل روتيني»، مشيرا إلى «حركة نزوح قوية من المحافظة باتجاه الأردن، في ظل وضع إنساني صعب للغاية». وذكر أن «المازوت والبنزين مقطوعان بشكل كامل عن درعا منذ أكثر من أسبوع، مما أدى بالتالي إلى نقص كبير في مادة الخبز، باعتبار أن الأفران تعمل بمعظمها على المازوت». وأشار إلى «عدم توفر الماء في المنازل وانقطاع الكهرباء بمعدل 8 ساعات يوميا».
وفي اللاذقية، شهدت قرى جبل الأكراد قصفا عنيفا بأنواع جديدة من الصواريخ والقذائف، وفق ما أكده الناشط عمار الحسن لـ«الشرق الأوسط»، مما أدى إلى تهديم عدد من المنازل بشكل كامل. كما دارت اشتباكات في مصيف سلمى بين الجيشين الحر والنظامي، وقصفت المدينة من القرى القريبة الموالية للنظام، لافتا إلى خروج مظاهرات بشكل يومي في المنطقة بعد صلاة التراويح.
وفي حمص، تجدد القصف المدفعي على أحياء جورة الشياح والقصور، فيما ذكر ناشطون أن عددا من القتلى والجرحى سقطوا إثر إطلاق القوات النظامية النار على المعتقلين في سجن حمص المركزي، بعد 5 أيام على بدء عصيانهم داخل السجن. كما أدى قصف على مدينة القصير إلى سقوط عدد من الجرحى. ولقي 7 مدنيين على الأقل حتفهم خلال اقتحام قوات الأمن النظامية لبلدة الظاهرية في الحسكة.
 
تركيا تقفل معابرها مع سوريا في وجه مواطنيها، مع اقتراب المعارك من حلب والمناطق الحدودية وزيادة تدفق اللاجئين

جريدة الشرق الاوسط... بيروت: ثائر عباس.. أعادت التطورات الأخيرة في سوريا «الحرارة» إلى الأداء التركي الذي اتسم أخيرا ببعض البرود حيال الأزمة الناشبة في جارته الجنوبية منذ مارس (آذار) 2011. وتجلت هذه الحرارة في مواصلة القوات التركية استقدام تعزيزات إلى المنطقة الحدودية، بالتزامن مع حديث غير رسمي عن إمكانية قيام تركيا بإنشاء المنطقة العازلة في منطقة حدودية سورية بالقرب من محافظة هاتاي التركية، خصوصا بعض التطورات الأخيرة في حلب، مع تسارع المؤشرات على الدعم السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة، في ظل كلام عن أن اتفاق أضنة الموقع بين تركيا وسوريا عام 1998 يسمح لتركيا بالتدخل العسكري في أراضي جارتها الشمالية «لحفظ أمنها الوطني».
وفي حين تحافظ تركيا على خطابها الرسمي القائل بأنها قد تلجأ إلى التفكير في مثل هذه الخطوة في حال حصل تدفق هائل من النازحين إليها جراء المعارك المستمرة في سوريا، فإن أكاديميين وباحثين أتراكا لم يستبعدوا قيام بلادهم بمثل هذه الخطوة في نهاية المطاف، خصوصا إذا ما وسعت المعارضة السورية من سيطرتها في حلب التي قد تتحول إلى «بنغازي ثانية»، في إشارة إلى مدينة بنغازي التي خرجت عن طوع النظام الليبي السابق وكانت منطلقا لإسقاطه.
وبالتزامن مع التطورات الأخيرة في حلب، القريبة جدا إلى الحدود مع تركيا، ترأس رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «قمة سوريا» مع كبار المسؤولين في الحكومة والقوى الأمنية. وحضر الاجتماع نائب رئيس الوزراء بشير أتالاي، ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال نجدت أوزيل، ووزير الداخلية إدريس نعيم شاهين، ووزير الدفاع عصمت يلماز، وقائد الدرك الفريق أول بكر كاليونغو، ومدير الاستخبارات هاكان فيدان. وقالت مصادر في رئاسة مجلس الوزراء إن المسؤولين الحكوميين ناقشوا القضايا الأمنية في البلاد والدول المجاورة. وأضاف البيان أن المشاركين في القمة ناقشوا آخر التطورات في سوريا، فضلا عن أنشطة حزب العمال الكردستاني الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) في كل من تركيا والدول المجاورة.
ونقلت صحيفة «زمان» التركية القريبة من الحزب الحاكم في تركيا عن البروفسور إحسان داي، الأستاذ المحاضر في قسم العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية، أن انسحاب قوات الأسد الذي بدأ من المحافظات الشمالية، يزيد من فرص تركيا في تشكيل منطقة أمنية في تلك المناطق، معتبرا أن زيادة عدد اللاجئين لن تؤدي إلا إلى سيناريو إقامة منطقة عازلة أو ممر إنساني لمواجهة الوجود الكردي في المحافظات القريبة من الحدود.
إلى ذلك، أعلن وزير الاقتصاد التركي ظافر جاجلايان، أنه قد تم حظر عبور الشاحنات التركية إلى الأراضي السورية. وقال جاجلايان للصحافيين إنه تقرر إغلاق البوابات الحدودية مع سوريا أمام حركة الشاحنات. وأرجع ذلك إلى وجود مخاوف كبيرة تتعلق بسلامة الشاحنات التركية العابرة من وإلى الأراضي السورية. وأوضح أن حركة النقل من تركيا إلى سوريا تراجعت بنسبة 87 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى مايو (أيار) من العام الحالي عن الفترة نفسها من العام الماضي. وقال إن «عبور حمولاتنا الثقيلة إلى تركيا بات مقفلا»، مؤكدا أن دخول السيارات السورية لشراء الحاجات والعودة إلى بلادها أو عبور الشاحنات القادمة من الخارج سيبقى متاحا. وأكد أن القرار اتخذ «لضمان سلامة سائقي شاحناتنا». ويشمل القرار كل الأتراك الراغبين في دخول سوريا، علما بأن العبور من سوريا إلى تركيا لن يتأثر. وقال مسؤول في وزارة الخارجية «اتخذنا هذا الإجراء لأسباب أمنية من أجل مواطنينا»، مضيفا أن «إعادة فتح (المعابر) تتوقف على التطورات الميدانية». وأوضح المسؤول أن القرار يشمل المواطنين الأتراك. أما الأجانب الراغبون في العبور فسيترتب عليهم توقيع وثيقة تبلغهم بالمخاطر التي يواجهونها.
وكان وزير الجمارك والتجارة التركي حياتي يازجي أعلن أن المعابر الـ13 على الحدود الممتدة بين تركيا وسوريا لمسافة 911 كيلومترا ستغلق أمام حركة الشاحنات بعد تعرض العشرات من الشاحنات التركية للنهب أو إشعال النيران فيها خلال الاشتباكات التي دارت بين القوات النظامية السورية والمسلحين المعارضين الأسبوع الماضي عند معبر باب الهوى.
وقالت سيبيلا ويلكس، المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن السلطات التركية أبلغت المفوضية بأن حدودها مع سوريا ستغلق أمام حركة التجارة، لكن ستظل مفتوحة أمام اللاجئين السوريين الفارين من الصراع في بلادهم. وذكرت أن نحو 300 سوري عبروا إلى تركيا خلال الليل، وأن بعضهم عبروا من نقاط عبور غير رسمية.
مناف طلاس: تمنيت لو أن الأسد أصغى إليّ.. وكنت أعتبر الحل الأمني انتحارا للنظام، قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: من الصعب أن يتحمل شخص واحد المسؤولية في هذه المرحلة.. والمفروض أن يتعاون فريق من الداخل والخارج لهذه المهمة

طارق الحميد ... بعد صمت، وتردد، قرر العميد مناف طلاس كسر صمته والتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن علاقته ببشار الأسد، والانشقاق عنه، والأوضاع في سوريا، وكيف يرى المستقبل هناك، وإذا ما كان من دور يبحث عنه في سوريا المستقبل. أجري الحوار مع العميد مناف في مدينة جدة على الساحل الغربي من المملكة العربية السعودية، حيث قدم إلى السعودية لأداء العمرة، وكان لـ«الشرق الأوسط» معه هذا الحوار:
* لف الكثير من الغموض عملية خروجكم من سوريا، فما الذي حدث تحديدا؟
- كانت عملية خروج معقدة وأخذت الكثير من الوقت واشتركت فيها مجموعة من الأطراف، وأخذت فترة زمنية طويلة بعض الشيء، لكن لن أصرح عن طريقة الخروج.
* حماية لمن ساعدوك!! - حماية لمن ساعدوني.. صحيح..
* هل خرجت عن طريق مطار دمشق، تركيا، أو بيروت؟
- لا أستطيع تحديد المكان خشية تعرض البعض للمساءلة، أو معرفة الجهة أو الطرق، بالنسبة لي سأبقى صامتا، وربما في يوم ما سأكشف عن كيف تمت عملية خروجي من سوريا.
* لم تعلنوا انشقاقكم رسميا فور خروجكم، وعلى غرار من ينشقون عن النظام، فلماذا ترددتم؟
- أنا لم أتردد، فمنذ بداية الأزمة كنت مختلفا مع النظام على طريقة معالجة الأزمة، ونأيت بنفسي لفترة زمنية ثم أصبح هناك أخطاء كثيرة في طريقة معالجة الأزمة، ولم يكن لي رأي وقرار في هذا، لذلك فقد فضلت الخروج، ولم أحاول أن أكون طرفا في البداية من أجل أن أكون طرفا وفاقيا، ولكي لا أكون طرفا على حساب طرف، لأنه كان لا بد من معاونة كل الأطراف من أجل الخروج من الأزمة، فلهذا السبب لم أعلن انشقاقي.
* هل خروجكم هو جزء من مخطط العملية الانتقالية، بحيث توكل إليكم مهمة إدارة سوريا ما بعد الأسد، كما يتردد؟
- أنا لا أبحث عن السلطة، أنا أبحث عن الأمن والاستقرار لسوريا، وإذا أتيح لي أن أشارك كأي مواطن عادي في العودة لبناء سوريا فأنا جاهز، لكنني لا أبحث عن السلطة، ولم أخرج من سوريا لكي أقود المرحلة الانتقالية، فأنا أعي أن هذه المرحلة صعبة، ومن الصعب أن يتحمل شخص واحد المسؤولية في هذه المرحلة، فالمفروض أن يتولى فريق من الداخل والخارج التعاون لإنجاز هذه المرحلة، أما أنا فلم أخرج لأداء أي دور، أنا خرجت لأنني كنت رافضا المشاركة في الحل الأمني، وهذا هو سبب خروجي الأساسي.
* متى كانت آخر مرة التقيت بها بشار الأسد؟
- منذ عام تقريبا.
* هل دار بينكم حديث عن كيفية إدارة الأزمة، أو أي أمر آخر ذي علاقة؟
- لا لم يدر بيننا أحاديث، لكنني كنت أخالف الأجهزة الأمنية رؤيتها لإدارة الأزمة، وحاولت جاهدا أن أحلها بطريقة سلمية، لكن رأيت أن هناك توجهات للحل الأمني فانسحبت من ذلك المحيط، لأنني كنت أرى الأزمة معقدة وتحتاج إلى معالجة حقيقية وفرز لهذا الحراك ومعالجته بشكل صحيح، إلا أنني وجدت أن ما يتم هو تجميع لهذا الحراك ومعالجته بآلية واحدة وهي آلية النار، وكنت رافضا لذلك، فقد كان هناك من هم بحاجة للحوار، وبحاجة إلى أن يستمع لهم النظام، لكنه لم يستمع لهم، بينما أنا كنت ممن يفضلون محاورة الحراك، ولذا فقد نأيت بنفسي جانبا على مستوى العلاقة، وعن إدارة الأزمة.
* الجميع يعرفك بصديق الطفولة لبشار الأسد، فهل يعقل أنك لم تطرح عليه مباشرة، أو عبر وسطاء، نصيحة مفادها أن الحل الأمني غير ذي جدوى؟
- قمت بطرح ذلك، لكن في القضايا السياسية كان هناك صعوبات، وكما تعلم ففي الصداقة يحدث أن تنصح صديقا لعدة مرات ثم تجد أنك غير قادر على التأثير، فتقرر الابتعاد لعل أن يكون لبعدك نوع من التأثير.. لا أكثر ولا أقل، حاولت جاهدا، لكن كان هناك فريق آخر يعمل في اتجاه معاكس.. كنت أتمنى أنه أصغى لي.
* هل يمكن أن تصف لنا كيف يدار الحكم في سوريا، وتحديدا منذ اندلاع الثورة وحتى الآن؟
- هناك أجهزة أمنية تتلقى تقاريرها من أماكن الحراك وتقوم بالمعالجة بطرق أمنية وليس لديها بدائل، وكنت أفضل أن تكون العملية سياسية دون اللجوء للحل الأمني، ولذلك كانت المعالجة منذ البداية أمنية، وشاملة، وكنت أعي أن الدخول في الحل الأمني ثم التراجع عنه سيكون مكلفا، وخسائره كبيرة، لذلك كنت أعتبر الحل الأمني انتحارا للنظام، فكما قلت لك، فإن الخروج من الحل الأمني سيكون كارثيا حقيقة، فيوم عن يوم يزداد عدد الضحايا مما يعني أيضا صعوبة المصالحة يوما بعد الآخر، وهكذا.
* لماذا لم ينشق أحد من الساسة المحسوبين على الدائرة المقربة للأسد؟
- نحن لسنا بصدد البحث عن عدد أكبر من المنشقين سواء من الضباط الكبار، أو الوزراء، نحن نريد معالجة الأزمة التي وصلت إلى مرحلة خطرة جدا في سوريا، حيث باتت الأزمة تنحى مناحي قد تكون الغائية للآخر، ولذلك فليس المطلوب الآن زيادة المنشقين، بل إن المطلوب الآن هو إعادة رسم سوريا الجديدة. المهم أن نجد طريقة للوصول إلى حل لحماية الوطن من الانقسام، ومن الاقتتال الطائفي، هذا ما يجب أن نسعى إليه بأي طريقة كانت.
* هل ترى آفاق حل والأسد موجود في السلطة؟
- الاحتمالات باتت تصعب كثيرا، فبقاؤه في السلطة بعد كل هذه الأعداد من القتلى يعني أن الاحتمالات باتت ضعيفة.. أتمنى أنه لم يسلك هذا السلوك الأمني لبقي في السلطة، لكن الأجهزة الأمنية شوشت الرأي لديه، والأخطاء في السياسة أحيانا قاتلة.
* كيف تنظر للعملية التي استهدفت مقر الأمن القومي وذهب ضحيتها أربعة من كبار قيادات الأسد؟
- هي عملية خرق كبيرة، ولا بد أن يتوقف عندها النظام ويعيد التفكير بالمنحى الذي يسير فيه لأن هذه المناطق، مثل التي وقع التفجير فيها، يصعب اختراقها، وبالتالي فإن هذا يدل على أن الحراك أصبح متطورا جدا، ولا بد أن يتوقف النظام ويستمع لصدى هذا الحراك الذي إن لم يستمع له سيكون بمثابة الكارثة على النظام ككل.
* هل من معلومات عن ماهر الأسد، إذا ما كان حاضرا ذلك الاجتماع؟
- لا أعتقد أن ماهر الأسد من هذه الدائرة ليحضر هذا الاجتماع، فرتبته لا تخوله لكي يحضر هذا الاجتماع.
* سيادة العميد.. هل في تاريخك ما تخاف منه اليوم؟ هل تلطخت يدك يوما ما بالدماء؟
- لا، أنا من بداية الأزمة امتنعت عن المشاركة، وتحديدا من لحظة أن تحولت المعالجة إلى معالجة عنيفة، ويدي ليست ملطخة بالدم، ولا أقبل أن يسجل التاريخ يوما أن تكون يدي ملطخة بالدماء، فأنا أحاسب نفسي قبل أن يحاسبني التاريخ، ولا تهمني السلطة، ولا المناصب.
* هل تعتقد أن الوقت قد تجاوز إمكانية حدوث انقلاب عسكري في سوريا؟
- الانقلاب في سوريا صعب الحدوث لأن هناك تركيبة معينة، وآلية منهجية للنظام، تجعل الانقلاب من الداخل أمرا صعبا، لكن كان المفروض أن يكون الانقلاب من بداية الأزمة، وتمنيت أن من قام به هو الرئيس نفسه (بشار الأسد) لصالح الحل السياسي، والمواطنين، والإصلاحات.
* ما هو حجم الدعم المقدم للأسد من قبل كل من إيران، وحزب الله، والعراق، وبالطبع الروس؟
- تقدير هذا الموضوع صعب لأنه يخضع إلى مسألة الدول والمصالح، فمن الصعب تحديد حجم المساعدات لكن لننظر لمصلحة كل دولة وعلاقاتها بالدولة الأخرى، وما هو مدى تأثير هذه المصالح لديها.
* هل هناك مشاركة لقيادات أمنية إيرانية في عملية إدارة الأزمة بسوريا؟
- لم أر شيئا، لكن سمعت من أشخاص، أما أنا فلم أر أحدا لأنني لم يسبق لي أن كنت من أفراد إدارة الأزمة، فلذلك لا يمكنني الإجابة.
* الغرب يردد أن أيام بشار الأسد باتت معدودة، فهل تعتقد ذلك؟
- نحن لا نتمنى غير الخلاص السليم لسوريا بغض النظر عن عدد الأيام، فليس بمقدوري أن أحدد أياما أو شهورا، لكن أتمنى أن تنتهي الأزمة وسوريا بأقل الخسائر، وتستطيع استعادة عافيتها بسرعة أكثر، فكلما طالت الأزمة طال زمن استعادة سوريا لعافيتها، لذلك ليس بإمكاني أن أحدد وقتا، فهذا الأمر مرهون بتطور الأحداث على الأرض، وتطور الأحداث الدولية.
* من خلال معرفتك بالأسد هل تعتقد أنه من الممكن أن يتنحى، أم أنه سيسير على خطى القذافي إلى النهاية؟
- لا أعلم كيف يمكنني الإجابة على السؤال، فكل شخص يتعرض إلى ظروف معينة ويتفاعل معها بما ينسجم مع شخصيته، بينما لو تعرضت لها أنا لما تصرفت بذلك الشكل.. لكن لا يمكنني أن أجاوب إذا ما كان سيتنحى أو لا.
* استطاع بشار الأسد أن يروج بأن هناك دائرة متشددة حوله، مما أقنع الكثيرين، ومنهم البعض بالغرب، بأنه ليس هو الوحيد الذي يسير الأمور بدمشق، وعليه فهل الأسد هو من يدير الأزمة فعلا؟
- إنها قرارات الدائرة التي حوله..
* ماذا عن دوره؟ هل هو ضعيف؟
- لا، هو ليس ضعيفا، لكن هناك من سهل له حجم الأزمة من الدائرة المحيطة له، وبالتالي فضل أن يتعامل معها بهذا الإطار (الأمني)..
* أعلنت انشقاقك رسميا على قناة «العربية» فما هو تخطيطك الآن؟
- أنا أعلنت انشقاقي منذ بداية الأزمة، كنت منشقا وأنا في سوريا، فليس بالضروري أن يظهر المنشق على التلفاز ويقوم بالتصريح عن انشقاقه، لكنني كنت أتفاعل من بداية الأزمة كشخص منشق لأن إدارة الأزمة في هذا النظام كانت ضد قناعاتي ورغباتي وأنا لا أستطيع التعامل مع حلول هي ضد قناعاتي ورغباتي ولذلك انشققت عن هذا النظام.
* ما هو تخطيطك الآن؟
- تخطيطي هو أن أعيش في أمان مع عائلتي وأولادي في مكان آمن، وأتمنى أن يحصل ذلك لكل الشعب السوري، فإذا كان هناك أمان في سوريا وشعر به السوريون فسأكون من أول الموجودين بسوريا لأنني مواطن سوري ولا أقبل أن أكون في أمان وشعبي غير آمن، فأتمنى أن يتم الأمان في سوريا ويستطيع الشعب السوري كله العيش بأمان.
وبالنسبة للموضوع السياسي، وهل أشارك أم لا، فأنا من الأساس، وعندما خرجت، لم أضع في ذهني أمر المشاركة أو الدخول في مهمة سياسية، لكن إذا كان ذلك يخدم وطني، ويخدم الأمن والاستقرار في سوريا فمن الممكن أن أشارك كمواطن عادي، أو كأي شخص يريد أن يساعد في حل هذه الأزمة. فهناك أناس وطنيون في سوريا، وفي الخارج، ونتمنى أن يكون هناك حل توافقي من دون أن تدمر سوريا. هناك الكثير من الشرفاء في سوريا، ومثلهم في الخارج، نتمنى أن يضعوا خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة بسلام، وبأقل الخسائر سوريا، لأن سوريا دولة متعايشة بأقليات، وإثنيات مختلفة، وبقوميات تحتاج إلى مساحة آمنة لتعيد تطبيب جراحها التي نزفتها في هذه الأزمة، فأتمنى أن تكون هناك جهات وطنية حقيقية شريفة تساعد في لأم هذا الجرح، ومنع سوريا من التدهور الذي بات يهدد مستقبلها، فأتمنى أن تسير سوريا في خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة.
* هل ستقوم بالتواصل مع المجلس الوطني السوري، والجيش الحر؟
- سأتواصل مع كل شريف يريد بناء سوريا، سواء كان المجلس الوطني، أو الجيش الحر، أو إن كان في الداخل، أو الشرفاء وإن كانوا في داخل النظام. سأتواصل مع الجميع لنجد خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة، فليس هناك أحد معفي من عدم التواصل، ومع كل شريف، وهناك أشخاص كثر في النظام أياديهم لم تلطخ بالدماء، ولم يشاوروا، وهؤلاء لا يجب اجتثاثهم، بل يجب أن نحافظ على المؤسسات الوطنية في سوريا ونحافظ على الدولة، ويكون التعامل فقط مع الأشخاص الذين أساءوا في إدارة الأزمة، أما الآخرون من المواطنين السوريين الشرفاء فلا يمكن اجتثاثهم من المجتمع السوري. نتمنى أن تصل هذه الفسيفساء السورية إلى خارطة طريق لتعيد رسم سوريا بطريقة حضارية مثل ما كانت، وأجمل.
* من دون بشار الأسد! - لا أرى سوريا ببشار الأسد.
* كيف هو تواصلك مع المجتمع الدولي منذ خروجك من سوريا؟
- أبحث مع الشرفاء خارج سوريا للوصول إلى حل توافقي مع الشرفاء داخل سوريا. خرجت لأحاول، ولا أستطيع القول بأنني قادر، لكن أحاول أن أساعد قدر الإمكان في توحيد الشرفاء داخل وخارج سوريا لوضع خارطة طريق لإخراج سوريا من هذه الأزمة، سواء كان لي دور أو من دون دور، فأنا لا أبحث عن الأدوار بقدر ما أبحث عن خلاص سوريا من هذه الأزمة.
* وماذا عن زيارتك للسعودية؟
- أنا سعيد بوجودي في المملكة العربية السعودية، وسعيد لتمكني من أداء العمرة. فالسعودية دولة صديقة لسوريا، ومن الأخطاء الاستراتيجية للنظام أنه فقد هذه العلاقة مع السعودية، وأتوقع أن تكون دائما علاقة السعودية وسوريا علاقة وطيدة لأنهما يملكان نفس البوصلة إن كان من الناحية الإيمانية، أو من الناحية الوطنية، أو القومية العربية. ولذلك جئت إلى السعودية للسلام على إخواننا السعوديين، ولنرى ما هي إمكانية مساعدتهم لنا في وضع خارطة الطريق هذه، إضافة إلى أصدقاء آخرين في المنطقة والمجتمع الدولي، فأي إنسان يستطيع مساعدة سوريا بهذه الأزمة نتعامل معه، فما بالك بالسعودية وهي دولة شقيقة ولا يجب أن تقطع هذه الشعرة مع السعودية، لأنها دولة ذات قيم ومبادئ، ودولة ساعدت الشعب السوري بمناح كثيرة بدءا من حرب «تشرين» (أكتوبر 1973) حيث أرسلت بعض القوات، إضافة إلى المساعدات الاقتصادية، ونحن نتمنى أن تكون هناك دائما علاقة صداقة وود بيننا وبين الإخوان السعوديين.
وبالطبع أستغل هذه الفرصة لأشكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على إتاحة هذه الفرصة لي لزيارة السعودية، وعلى كل ما يقدمه من وقفات ومساعدات للشعب السوري، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على النخوة العربية التي يتمتع بها خادم الحرمين.
* بروفايل
* العميد مناف طلاس (في منتصف الأربعينات) لعب دور والده العماد مصطفى طلاس، الذي لازم الأسد الأب واستمر في رئاسة وزارة الدفاع طوال حكمه في الفترة 1972-2004. وكان مناف الصديق المقرب لباسل الأسد شقيق النجل الأكبر لحافظ الأسد والذي كان مرشحا لوراثة حكم سوريا عن والده لولا أنه توفي عام 1994، لتذهب التركة إلى النجل الثاني بشار الأسد بما فيها صداقة مناف طلاس، حيث ظهر للإعلام عام 2000 مع تولي الأسد الابن الحكم. ورأس طلاس الوحدة 105 التابعة للحرس الجمهوري، ليكون أحد أركان الدائرة المحيطة بالرئيس ويظهر معه في تحركاته الخاصة ذات الطابع الاجتماعي والثقافي بعيدا عن أضواء الإعلام.
وبحسب مقربين من النظام، فقد حرص مناف طلاس على متابعة سيرة والده العماد مصطفى طلاس في تقريب المثقفين والفنانين والإعلاميين من خلال التواصل معهم بعلاقات شخصية ودعمهم بشكل غير مباشر، مع فارق أن العماد مصطفى اقتصر دعمه على الترفيه وممارسة العمل الثقافي، بإصدار كتب وافتتاح معارض وتلبية حاجات المثقفين من الدولة، بينما عمل مناف والمجموعة المحيطة به على تشجيع العمل الثقافي والفني من خلال منح هوامش أكثر اتساعا للنقد تحت الخط الأحمر الخاص برأس النظام، وذلك بالتواكب مع برنامج الإصلاح الذي وعد به الأسد الابن ليعطي الشرعية لوراثته الحكم.
إلا أن ذلك لا يعني أن دور عائلة طلاس في حماية النظام وتلميعه بقي على حاله، فمع صعود طبقة رجال الأعمال من الجيل الثاني من أقارب الرئيس - مخلوف وشاليش والأخرس - بدأ دور عائلة طلاس يتراجع، فرجل الأعمال فراس طلاس النجل الأكبر للعماد مصطفى صديق الأسد الأب صعد في التسعينات ليكون الأول في عالم الأعمال السوري في وقت لم يكن مسموحا فيه لغيره بالعمل في القطاع الخاص بسبب النظام الاشتراكي الذي انتهجه حافظ الأسد لثلاثة عقود أرهقت البلاد وحولتها إلى ملكية خاصة بالطبقة الحاكمة باسم الحزب الواحد. وبعد رخاء واستفراد بالأعمال وجد فراس طلاس نفسه منذ عام 2000 غير قادر على منافسة رامي مخلوف ابن خال الرئيس وشريكه في الأعمال، والذي ابتلع كل الاقتصاد السوري مع التوجه إلى الخصخصة وتمويت القطاع العام، تحت شعار اقتصاد السوق المفتوح الذي كان عمليا استئثارا من العائلة الحاكمة بالحصة الكبرى من الاقتصاد، وللمسؤولين في الدولة والحزب والجيش وأبنائهم ما تبقى من الاقتصاد.
ليأتي عام 2011 ويحصل الانفجار، ويكشف المستور من الصراع الخفي على التركة السورية. وتقول مصادر مطلعة إن فراس سارع إلى نقل أعماله إلى الخليج منذ بداية الأزمة، ومن ثم انتقلت العائلة (طلاس الأب والأحفاد) تباعا، ليبقى مناف طلاس إلى جانب بشار الأسد، حيث طلب منه القيام بدور في المصالحة مع أهالي درعا وأهالي الرستن. وبينما كادت جهود مناف تنجح بما منحه من وعود للأهالي، نكث بشار الأسد بالوعود وانقضت أجهزته الأمنية على الأشخاص الذين لبوا دعوات الحوار والمصالحة وتكلموا بصراحة عما يجري من فظاعات، الأمر الذي أحرق أوراق مناف طلاس، وجعله ينأى بنفسه، فكان يذهب إلى مكتبه ولا يتدخل في شيء، وحين سُئل من مقربين له قال إن الأسد طلب منه عدم التدخل.
سفيرا سوريا لدى الإمارات وقبرص ينشقان عن النظام وينتقلان إلى الدوحة، مصادر لـ«الشرق الأوسط»: الأسد والمعلم اتصلا بالدباغ قبيل إعلان انشقاقه

دبي: محمد نصار... أعلن متحدث باسم المجلس الوطني السوري، أمس، أن السفير السوري لدى الإمارات العربية المتحدة عبد اللطيف الدباغ انشق هو وزوجته القائمة بالأعمال السورية لدى قبرص لمياء الحريري، وتوجها إلى قطر، مما يرفع من عدد الدبلوماسيين الكبار المنشقين إلى ثلاثة، وذلك بعد انشقاق السفير السوري لدى العراق قبل أسبوعين.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أمس أن الدباغ قد غادر الإمارات العربية المتحدة إلى قبرص قبل عدة أيام حيث تقيم زوجته لمياء الحريري، التي انشقت أول من أمس الثلاثاء، لتنتقل العائلة للإقامة في قطر. وذكرت مصادر متطابقة من دمشق أن الدباغ - قبيل إعلان انشقاقه عن النظام - تلقى عدة اتصالات هاتفية من أركان النظام السوري، ومن ضمنهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم والرئيس السوري بشار الأسد، في محاولة لإثنائه عن قراره وقرار زوجته، لكن تلك المحاولات لم تكن ذات جدوى. وفي حين توقع معارضون سوريون أمس أن تشهد الأيام القادمة مزيدا من النزيف الدبلوماسي للنظام السوري متمثلا في مزيد من الانشقاقات الموجعة، اعتبر المعارض السوري أيمن عبد النور، مدير موقع «كلنا شركاء»، أن «السيدة الدبلوماسية لمياء تساوي ألفا من هؤلاء الدبلوماسيين الرجال الذين هم بلا كرامة وأذلاء.. والدبلوماسيون الشباب سيردون على تحيتها بمثلها، وستسمعون من يوم غد بدء الإعلان عن الانشقاقات بشكل متتابع وشبه يومي».
ويشير معارضون إلى أن المخابرات السورية لم تعد تثق في دبلوماسييها، فبعد إعلان انشقاق الدباغ والحريري، أكد موقع «كلنا شركاء» أن «الفرع الخارجي بالمخابرات العامة، المسؤول عن أمن السفارات السورية، قام برفع توصية أمنية عاجلة لوزير الخارجية والمغتربين للإبراق فورا لاستدعاء كل السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الذين يُشك في أمر ولائهم للنظام، مع استبقاء المضمونين».
والسفيرة السورية هي ابنة اللواء محمد الحريري، مدير إدارة الهجرة والجوازات سابقا، وهي من السنة ومن محافظة درعا مهد الانتفاضة المستمرة منذ 16 شهرا. كما أنها ابنة أخت فاروق الشرع نائب الرئيس السوري. والدبلوماسيان الدباغ والحريري متزوجان ولديهما طفلان هما «يزن ويارا».
ويبدو من اللافت للنظر انتقال الدبلوماسيين المنشقين الثلاثة إلى العاصمة القطرية الدوحة، وهو ما فعله السفير السوري لدى العراق نواف الفارس بعد أن أعلن انشقاقه عن النظام السوري. ويرجح مراقبون أن السبب وراء ذلك يتعلق بالموقف القطري الواضح من النظام السوري.
يذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي أعلنت بشكل جماعي في فبراير (شباط) الماضي طرد سفراء النظام السوري، وطلبت منهم مغادرة أراضيها بشكل فوري، ولكن على ما يبدو فإن الدباغ لم يغادر الإمارات حتى تاريخ إعلان انشقاقه.
إلى ذلك، وفي سياق تفكك الحلقة القريبة من الرئيس السوري، ذكرت وكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» أمس، عمن سمتهم «مصادر مطلعة في مدينة إسطنبول التركية»، إن محمد مخلوف خال الرئيس السوري بشار الأسد، وأبناءه أجروا اتصالات مع دول أجنبية سعيا للعثور على ملاذ لحمايتهم في حالة سقوط نظام الأسد.
وأضافت هذه المصادر أن هذا الفرع من عائلة الأسد أجرى اتصالات حول هذا الشأن في كل من العاصمة الروسية موسكو والعاصمة الفرنسية باريس. يذكر أن رامي، ابن محمد مخلوف، أصبح خلال السنوات الماضية من حكم بشار واحدا من أغنى رجال الأعمال في سوريا. وكانت دول غربية فرضت عقوبات على عائلة مخلوف بسبب العلاقات المالية المتشابكة التي تربط هذه العائلة بالنظام.
 
لافروف: الولايات المتحدة تبرر الإرهاب في سوريا... مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: أهدافنا هي «دفع الأسد إلى الرحيل»

لندن - واشنطن: «الشرق الأوسط»... اتهمت روسيا الولايات المتحدة، أمس، بتبرير الإرهاب ضد الحكومة السورية، وانتقدت الدول الغربية قائلة إنها لم تقم بإدانة هجمات أسفرت عن مقتل أعضاء كبار في الدائرة المقربة للرئيس السوري بشار الأسد. كما أشارت إلى أن عناصر «القاعدة»، وليس الجيش الحر، هم الذين استولوا على المعابر الحدودية مع تركيا.. لكن الولايات المتحدة رفضت هذه الاتهامات، وقال مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «إننا واضحون جدا في التعبير عن أهدافنا».. وهي تشمل «دفع الأسد إلى الرحيل».
وفي إشارة إلى تصريحات فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، التي قالت إن مثل هذه الهجمات لم تكن مفاجئة مع وضع تصرفات الحكومة السورية في الاعتبار، قال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إن «هذا تبرير مباشر للإرهاب».
واستطرد لافروف: «بعبارة أخف.. نحن لا نفهم رفض شركائنا إدانة الهجوم الإرهابي في دمشق»، مشيرا إلى تفجير استهدف مقر الأمن القومي وقتل فيه أربعة من كبار قيادات الأمن المقربين من الأسد.
ولمح وزير الخارجية الروسي إلى أن الولايات المتحدة تستغل خطر حدوث المزيد من الهجمات للضغط على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليخضع خطة السلام للمبعوث الدولي كوفي أنان للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأشار لافروف إلى تصريحات لسوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قالت فيها إن تفجير دمشق في 18 يوليو (تموز) دليل يؤكد ضرورة أن لا يتأخر المجلس في الموافقة على تفعيل الفصل السابع. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي بعد محادثات مع وزيرة الخارجية القبرصية اراتو كوزاكو ماركوليس: «بكلمات أخرى، هذا يعني (سنستمر في دعم مثل هذه الهجمات الإرهابية إلى أن يفعل مجلس الأمن ما نريد).. هذا موقف شنيع».
وانتقد لافروف العقوبات على سوريا، ودافع عن استخدام بلاده حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن كان سيهدد السلطات السورية بعقوبات إذا لم تنه العنف، مكررا موقف موسكو القائل إن رحيل الأسد يجب أن لا يكون شرطا مسبقا لحوار سياسي لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من 16 شهرا، وإن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلادهم.
وعلى صعيد ذي صلة، شكك لافروف في التقارير التي تقول إن الجيش السوري الحر المعارض هو من سيطر على المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، وقال: «وفقا لبعض المعلومات لم يكن الجيش السوري الحر هو من استولى على نقاط التفتيش تلك، مهما كان ما يعتقده البعض بشأن هذا.. وإنما هي جماعات ذات صلة مباشرة بـ(القاعدة)». وتابع لافروف: «نتحقق من ذلك جيدا»، مشيرا إلى أن الدول الغربية يجب أن لا تتسرع وتحتفل بمكاسب معارضي الرئيس السوري بشار الأسد على الأرض. وأضاف: «إذا كانت مثل هذه العمليات (استيلاء إرهابيين على أراض) مدعومة من شركائنا، فيجب أن نتلقى إجابة عن السؤال بشأن موقفهم من سوريا، وما الذي يحاولون تحقيقه في هذا البلد».
واتهمت موسكو الدول الغربية أكثر من مرة بتشجيع معارضي الأسد، وقالت إن عليها أن تزيد الضغط على المعارضة لوقف العنف في سوريا، محذرة من أن بعض من يقاتلون القوات الحكومية مسلحون متطرفون.
من جهتها، رفضت الولايات المتحدة انتقادات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول «أهداف» الدول الغربية في سوريا، وتلميحه إلى أن مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة لها علاقة بالمجموعات المتمردة ضد النظام السوري. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «إننا واضحون جدا في التعبير عن أهدافنا، وهي المساعدة في أي طريقة ممكنة لزيادة الضغط على نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد ودفع الأسد إلى الرحيل». وأضاف: «فيما يخص المجموعات هذه وما نعلم عنها، فنحن نعرف أنها مجموعات من مقاتلين مسلحين، ونحن أوضحنا منذ البداية أنه كلما طالت فترة الأسد في الحكم، يسمح الأسد بزعزعة استقرار البلاد، وتزداد احتمالات زيادة نفوذ الجماعات المسلحة وغير الحكومية وزيادة نشاطها».
وبينما يمتنع المسؤولون الأميركيون عن التعليق مباشرة حول إمكانية توغل مجموعات متطرفة في سوريا وفي صفوف الثوار، هناك وعي أميركي بأن هذا تهديد وارد. ولكن في الوقت نفسه ترفض واشنطن أن تكون هذه ذريعة روسية في عدم العمل على إسقاط نظام الأسد ودعم الثوار.
وتعول واشنطن بشكل كبير على قدرة الثوار على السيطرة على مناطق محددة، والإبقاء على تلك السيطرة، من أجل تأسيس نقاط انطلاق ضد النظام السوري في المعارك الحاسمة لإسقاطه. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، موضحة تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في هذا السياق، إن «نظام الأسد يفقد السيطرة بشكل متصاعد عن أجزاء من أراضي (سوريا)، ومن الواضح أن المعارضة تحاول إبقاء السيطرة ليكون لديها قاعدة تعمل من عليها». وأضافت: «نحن ملتزمون بمساعدة المعارضة لتصبح أكثر اتحادا في خطتها السياسية، وفي التخطيط للمرحلة الانتقالية لما بعد الأسد».
 
الثوار والنظام بسوريا في مصيدة الدمار، علامات المآزق بدأت في الظهور بعد فشل المعارضين في تحقيق تقدم ضد الموالين

جريدة الشرق الاوسط... دير الزور: غيث عبد الأحد* .. عند غروب الشمس، نزل ثمانية من الثوار السوريين المسلحين إلى أحد الشوارع في محافظة دير الزور وهم يتحركون بحذر شديد وسط حطام الزجاج وقطع الإسمنت المتناثرة، ويخفضون رؤوسهم ويحنون ظهورهم تحت وطأة المدافع والصواريخ التي كانوا يحملونها.
وساروا في طريقهم المليء بالحفر التي أحدثتها انفجارات القنابل والمدافع، وسط المباني التي تشوهها آثار التدمير نتيجة القذف المتواصل، والشقق والمحلات التي أخرجت أثاثها المحترق إلى الطريق الذي يعج بالأغطية والأرائك والثلاجات المحترقة.
وفي مكان قريب، كانت أصوات مدافع الهاون والقذائف لا تتوقف. وتوقف الرجال أمام مبنى منهار يكسو السخام ما تبقى من جدرانه، وسط رائحة الجثث المتعفنة، وقال قائدهم «لقد فقدنا ثلاثة رجال هنا منذ يومين»، وأشار إلى ثلاثة برك من الدماء المجمدة، وأضاف «إنهم يرقدون هنا بجانب بعضهم بعضا». وأمسك أحد الثوار بنعل أسود محترق، في حين أمسك آخر ببقايا ثوب متفحم وقال «هذا ثوب أبو قتادة، وهذه هي رائحة أحد شهدائنا». وبعد ذلك، قام الرجل بوضع الثوب المحترق في حقيبته.
وانطلق الرجال الثمانية مندفعين عبر ساحة محترقة أصبح يطلق عليها في الآونة الأخيرة اسم «ساحة الحرية» في وسط مدينة دير الزور في شرق البلاد، وساروا خلال الممرات المتعرجة التي كانت يوما ما مكتظة بالمحلات التجارية التي تبيع الذهب والتوابل والسلع الكهربائية، لكنها تحولت الآن إلى أماكن مهجورة تسكنها الكلاب المذعورة من القصف المتواصل. ويبدو أن المعركة في دير الزور قد دخلت دائرة مفرغة لا نهاية لها، فكل يوم تحاول القوات الموالية للأسد والدبابات استعادة المدينة من الثوار الذين يردونهم على أعقابهم، ثم يقوم الجيش بعمليات انتقامية من خلال قذف المدينة بقذائف الهاون والصواريخ.
وفي صباح كل يوم تنهال القذائف على المدينة ولا تتوقف إلا عند منتصف الليل، من دون هدف محدد، ومن الممكن أن تسقط القذائف على أي مكان بالمدينة. وقسم الرجال أنفسهم إلى ثلاث مجموعات، حيث تسلق قناص أحد المباني الشاهقة، في حين أحاط الباقون بنقطة تفتيش تسيطر عليها القوات الحكومية. وأطلق الثوار قذيفة «آر بي جي» محدثة صوتا هائلا وسحابة ضخمة من الغبار ومخلفة وراءها قطعا من الزجاج والمعادن ومواد البناء. وبعد ذلك، خيم الصمت على المكان، ولم ترد القوات الحكومية على هذا الهجوم.
وانطق أحد الثوار يركض في منتصف الشارع ويطلق وابلا من الرصاص، وردت القوات الموالية للنظام بإطلاق نار من مدفع رشاش ثقيل، وتناثر الشرر من المباني والشارع حول هذا الثائر. وبعد ذلك، هرب الثوار إلى زقاق ضيق، وأمرهم قائدهم قوي البنية بالتوجه إلى الجانب الآخر من الشارع وفتح النيران بكثافة على الجنود الموالين للنظام والذين كانوا على مسافة بعيدة، كغطاء حتى يتمكن الرجال من السير إلى الجانب الآخر من الطريق، ثم هرعوا إلى سوق للخضار بين الأكشاك الصلبة المملوءة بأكوام من البطاطا الفاسدة والبصل، حيث تختلط رائحة الخضراوات النتنة والحيوانات النافقة برائحة البارود الذي يملأ المكان. وعندما أرخى الليل سدوله انسحب الثوار، وانضم إليهم القناص في زقاق ضيق مظلم، وكانت الابتسامة تعلو وجهه بعدما نجحوا في قتل خمسة جنود، على حد قوله. ومال أحد الثوار على حائط مجاور وبدأ يتقيأ.
وحتى الآونة الأخيرة، عندما بدأت الأسلحة المتقدمة تتدفق من تركيا، كانت مدينة دير الزور هي الممر الرئيسي للأسلحة والذخيرة القادمة للثوار عبر الحدود من العراق، أما الآن فأصبح الثوار يسيطرون على السواد الأعظم من الريف المقفر، بما في ذلك النقطة الحدودية الرئيسية. وقال أبو عمر، وهو لواء منشق عن الجيش السوري ذو لحية كثيفة وقائد واحد من المجلسين العسكريين اللذين يقودان المواجهات «إننا نسيطر على 90 في المائة من المحافظة. والسؤال الآن هو: هل تم تحرير هذه المحافظة؟ والإجابة بالطبع لا. لدينا رجال أكثر، لكنهم يملكون القواعد ولا يمكننا إلقاء القبض عليهم من دون ذخيرة».
ووفقا لما يعلن عنه الثوار، فإن المعارك الطاحنة والقذف بالمدفعية في محافظة دير الزور على مدار شهر قد خلفت وراءها المئات من القتلى من المدنيين والثوار والجنود الموالين للنظام، فضلا عن تدمير 86 دبابة وعربة مصفحة. وحتى بعد امتداد الحرب الأهلية إلى العاصمة السورية دمشق، استمرت القوات الأمنية التابعة للنظام في قذف هذه المحافظة الحدودية. وقد نجحت القوات الحكومية الأسبوع الماضي في السيطرة على اثنين من مفارق الطرق الرئيسية في المدينة، ونقلت إليهما الدبابات، وأقامت مناطق خاصة بالقناصة. وفي المقابل، بلغ التعب مبلغه من العديد من الثوار الذين يتم تقديم الطعام إليهم مرة واحدة في اليوم، كما قلت الذخيرة إلى حد كبير.
وربما يكون الجنود أوفر حظا من المدنيين، لأنهم يحصلون على طعام مهرب قادم مع الذخيرة المهربة، أما المدنيون فأصبحوا يتسولون المواد الغذائية من المقاتلين. وفي يوم من أيام الإقامة التي استمرت لمدة أسبوع، اقتربت منا سيدة وقالت «إننا بحاجة إلى الطعام. لدي أربعة أطفال وليس لدي طعام لهم». ورد أحد الثوار وهو منهك القوى «سوف أرسل لك بعض الطعام في وقت لاحق». وقالت السيدة وهي تنصرف «لقد طلبت ذلك من ثلاث وحدات في السابق ولم أحصل على أي شيء». ويمكن لهذا الجيش المنهك أن يخوض حرب استنزاف ضد الحكومة، ولكن عدم وجود قيادة أو هيكل قيادي يجعله غير قادر على تنظيم هجمات مركزة على القواعد التابعة للنظام.
يذكر أن قوات المعارضة في محافظة دير الزور تم تقسيمها إلى 20 كتيبة، تضم في صفوفها مقاتلين علمانيين وسلفيين وسكان المدينة ورجال قبائل ومدنيين وجنودا منشقين. ويتشاحن المقاتلون مع بعضهم بعضا من وقت لآخر، ويتهمون بعضهم بعضا بادخار الأسلحة. وقد فقدت بعض الوحدات نحو 70 في المائة من رجالها بسبب الإصابات أو الهروب من الخدمة، علاوة على أن الذخيرة تكون قليلة للغاية في بعض الحالات للدرجة التي تجعل بعض الجنود يذهبون إلى المعارك ومعهم خزنة ذخيرة واحدة.
ومع ذلك، يمتلك آخرون كمية كبيرة من قذائف الـ«آر بي جي» الجديدة، ورشاشات نمساوية الصنع وقنابل يدوية، وهي جزء من شحنة يقول المقاتلون إنهم قاموا بشرائها من أموال جهات مانحة سورية وتم تسليمها لهم من قبل المخابرات العسكرية التركية عبر الحدود. ويوجد كثير من العدة والعتاد في القرية، لكن القادة يفضلون بقاءها لحماية القرى بدلا من إرسال الرجال والذخيرة للقتال في المدينة.
وفي غضون ذلك، ينظر المدنيون، الذي يشكلون السواد الأعظم من المقاتلين والذي يتحملون العبء الأكبر من القتال على مدار الـ16 شهرا الماضية، إلى الضباط المنشقين عن الجيش السوري في الآونة الأخيرة بعين الشك والريبة. وفي صباح اليوم الذي التقت فيه صحيفة «الغارديان» بخليل البورداني، وهو مدرس سابق لمادة اللغة الإنجليزية، ويقود حاليا إحدى الكتائب الرئيسية في المدينة إن مجموعة من الدبابات والرجال الموالين للأسد حاولوا اختراق القطاع الذي تسيطر عليه كتيبته في جنوب المدينة. وتقدم مائة من الثوار لمساعدة الوحدة الصغيرة لخليل، لكن عندما بدأت القوات الحكومية فتح نيران مدافع الهاون وقذائف الدبابات تقهقر نصف الرجال، ولم يتمكن من الوصول إلى جبهة القتال سوى 15 رجلا فقط ووقفوا خلف زاوية لمدة ساعة منتظرين تلقي الأوامر، قبل أن ينسحبوا في نهاية المطاف.
وقال خليل «تكتفي بعض الكتائب بالجلوس وتناول الطعام والمشروبات في الوقت الذي تقاتل فيه كتائب أخرى. كان لدي 50 رجلا في ذلك القطاع، ولم يتبق معي سوى 23 رجلا بعدما استشهد عدد كبير من رجالي. إنني أقاتل منذ 30 يوما وكنت أفقد بعض رجالي كل يوم».
وأشار خليل إلى لواء قوي البنية يجلس أمامه وكان قد انشق عن الجيش السوري قبل أسبوع، وقال «هذا الضابط انضم إلينا الآن ويريد أن يصبح هو القائد. إنهم لا يزالون يفكرون بعقلية بشار نفسها، وقد انشقوا فقط بعدما أدركوا أننا نحن المنتصرون».
وبعدما فشل في الحصول على عدد أكبر من الرجال لوحدته، انصرف خليل لكي ينضم لرجاله، وتبعه مقاتل شاب وقصير. وعندما اقتربا من جبهة القتال، وقفا خلف إحدى الزوايا لكي يستكشفا الطريق. وكانت هناك دبابة تطلق النيران كل خمس دقائق، ولذا انتظرا حتى تتوقف الدبابة عن القصف – تبع ذلك صوت انفجار مدو - ثم ركض خليل عبر الشارع وهو يحمل بندقيته الكلاشنيكوف. وبعد ذلك، انطلق وابل من نيران المدافع الرشاشة، مما أثار الأتربة والغبار في منتصف الطريق.
وعبر الرجلان شارعين آخرين وسط دوي الرصاص من حولهما حتى انضما لبقية الرجال، وهم نحو 12 رجلا كانوا يحتمون من دبابة تابعة للنظام. وتحرك الثوار من خلال الحفر بين الجدران وهم يطلقون النار على الجنود الموالين للنظام، بينما كانت الدبابة - غير القادرة على المناورة في الطريق الضيق - تطلق القذيفة تلو الأخرى بلا هدف على ما يبدو، وكانت طلقاتها في بعض الأحيان قريبة من الثوار للدرجة التي تسقط عليهم أجزاء من الزجاج والجص.
وفي منتصف الطريق وأمام تلك الدبابة كانت هناك حطام الشاحنة الصغيرة التي كانت تحاول إخلاء اثنين من الجنود التابعين لخليل عندما تعرضت للقصف. وكانت هناك جثة لأحد الرجال ملقاة في منتصف الطريق ونصف رأسه غير موجود، وقد تورمت الجثة بسبب تعرضها للشمس. وكان هناك جثة أخرى متفحمة وبلا قدمين لا تزال في الشاحنة.
وزحف خليل على بطنه في منتصف الطريق في محاولة للوصول إلى تلك الجثث، لكن الشاحنة كانت قريبة للغاية من الدبابة، ولذا عاد خليل مرة أخرى، وتوجهنا إلى أحد المنازل على حافة الطريق. وفي باحة المنزل، وقف أحد المقاتلين على كرسي وبدأ يلتقط العنب من الكرمة، وقال «لو فقدنا السيطرة على تلك المنطقة، فسوف نفقد دير الزور كلها، وعندئذ ما هي الفائدة التي ستعود علينا من الأسلحة المكدسة في الريف؟».
وعلى الجانب الآخر من الطريق، تسلل خمسة من رجال خليل خلف مجموعة من الجنود الموالين للنظام وفتحوا النار عليهم. وتراجع الجنود إلى أحد المنازل وهم يحملون اثنين من المصابين. وقام الرجال الخمسة بمحاصرة المنزل لكنهم لم يتمكنوا من الاقتراب بسبب النيران التي يطلقها القناصة التابعون للنظام.
وبدأت الدبابة تطلق نيرانها من آن لآخر في محاولة لحماية الجنود المحاصرين، لكنها لم تتحرك خوفا من الألغام التي زرعها خليل وجنوده على الطريق. وانتظر الثوار حتى جاء الليل ثم قاموا بمحاصرة المنزل وأشعلوا النار فيه والجنود بداخله.
* باتفاق خاص مع صحيفة «الغارديان»
 
لبنان: معلومات صحافية تتحدث عن استعداد نصر الله لوضع قواته بتصرف الأسد، نائب في كتلة حزب الله يرد: سلاح المقاومة ورجالها لمواجهة إسرائيل فقط

جريدة الشرق الاوسط... بيروت: يوسف دياب... تحدثت معلومات صحافية عن «استعداد قوات النخبة في صفوف (حزب الله) للقتال إلى جانب النظام السوري». وكشفت صحيفة «الجمهورية» في تقرير لها عن معلومات مفادها أنه «بعيد التأكد من نبأ اغتيال الضباط الأربعة في سوريا، اتصل الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بالرئيس السوري بشار الأسد، معزيا ومستفسرا عن صحة شقيقه ماهر الأسد، ليبحثا بعدها في وضع الأسد الشخصي ومعنوياته، لكن الأهم في الموضوع أن نصر الله وضع خلال الاتصال، وفق المعلومات عينها، كل إمكانات حزبه في تصرف الأسد في حال تطلب الأمر مساندة عاجلة للنظام السوري». ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية بارزة تأكيدها هذه المعلومات لجهة حصول الاتصال بين الرجلين، وأن نصر الله «عرض على الأسد مساعدة من نوعين، الأولى مده بعناصر من القوة الخاصة في حزب الله في أي وقت يحتاج إليهم حتى لو تطلب الأمر إرسالهم إلى الجبهات المفتوحة مع الثوار، والمساعدة الثانية هي إمكان استقباله في المكان الذي يقيم فيه نصر الله شخصيا أو حتى داخل السفارة الإيرانية في بيروت في حال أراد الأسد ذلك، لكن الأسد فضل التروي كونه يعتقد أنه ما زال في إمكانه إدارة الدفة في سوريا بمعاونة بعض الخبراء السياسيين والعسكريين الروس»، مشيرة إلى أن حزب الله، وقبل مقتل وزير الدفاع السوري العماد داود راجحة «كان قد وضع معه ومع هيئة الأركان السورية خطة عسكرية للتدخل مباشرة لمساندة النظام في حال تعرضه لأي عدوان خارجي، ومن ضمن هذه الخطة نشر رادارات وبطاريات صواريخ في البقاع وتزويد الجيش السوري بـ2000 عنصر من نخبة عناصر الحزب»، مرجحة أن «تكون الخطة لا تزال قائمة مع تعديل طفيف يقضي بانتشار الحزب عسكريا بكامل عتاده عند معبر المصنع وبعض مناطق الجبل ذات الموقع الاستراتيجي».
وتعليقا على هذا التقرير، رأى عضو كتلة حزب الله النائب كامل الرفاعي أنه «رغم تقدير المقاومة للقيادة السورية، لكنها لن تدخل في أي صراع داخلي في سوريا». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المقاومة لن توجه سلاحها إلى أي عربي، لأن هذا السلاح وهؤلاء الرجال هم لمحاربة العدو الصهيوني ومن وراءه». وقال: «كل ما يسعى إليه حزب الله هو الحل السلمي بين المعارضة والنظام في سوريا، صحيح أن هناك تعاطفا ووفاء لمن وقف مع المقاومة (النظام السوري)، إنما القتال هو بوجه إسرائيل»، لافتا إلى أن «الحدود اللبنانية السورية لم يوجد فيها أي عنصر من المقاومة، ولا يقف أحد منها مع طرف ضد الآخر في سوريا».
أما الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط (المقرب من حزب الله)، فلفت إلى أن «معركة حزب الله ليست في دمشق ولا في سوريا، بل تجاه العدو الإسرائيلي». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا أراد حزب الله تقديم الدفاع عن النظام السوري لديه ساحات أخرى أكثر تأثيرا، إذ يستحيل على الحزب أن يرسل مقاتلين إلى سوريا لاعتبارات متعددة ومعقدة»، مؤكدا أن «النظام السوري ليس بحاجة إلى عناصر من حزب الله، والحزب يدعو إلى وقف العنف وعدم عسكرة الانتفاضة، ولذلك فإن هذا الكلام يثير السخرية»، مشددا على أن «سوريا ما زالت قوية والجيش السوري مسيطر على الأرض بسبب البيئة الشعبية الحاضنة له والرافضة للمسلحين»، مذكرا بأن «إرسال قوات من حزب الله إلى سوريا يعني دخول قوات أجنبية، وهذا يؤثر على التعاطف الشعبي مع الجيش السوري، الذي استطاع في غضون أسابيع قليلة من القضاء على ألفين مسلح بفضل الدعم الشعبي له».
 
لبنان يطلب من سوريا وقف الخروقات لأراضيه والأخيرة ترد بمذكرة احتجاج على انتهاك سيادتها، مصدر في الخارجية اللبنانية: لم نرسل احتجاجا لأن علاقاتنا تحكمها معاهدات مشتركة

جريدة الشرق الاوسط... بيروت: يوسف دياب ... تبادل كل من لبنان وسوريا رسائل الاحتجاج ضد بعضهما البعض بسبب ما سمي الخروقات التي تحصل من كل دولة لسيادة الدولة الأخرى، وفي هذا الإطار أعلن وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور أنه سلم مذكرة إلى السلطات السورية «تطالب بعدم تكرار الخروقات على الحدود، وذلك بعد تعددت عمليات القصف وإطلاق النار من الأراضي السورية باتجاه أراض لبنانية حدودية في الأسابيع الأخيرة». وقال منصور للصحافيين قبل دخوله إلى جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي «لقد أرسلت المذكرة إلى الجانب السوري بواسطة القناة الدبلوماسية». وسبق للوزير اللبناني أن أوضح أن «المذكرة لن تتضمن احتجاجا بل مجرد إشارة إلى بعض الخروق التي لم تحصل بشكل متعمد»، مشيرا إلى «وجود ملاحظات من الجانب السوري سيتسلمها الجانب اللبناني»، معتبرا أنه «من المعيب طلب طرد السفير السوري (كما طالب سياسيون في قوى 14 آذار) لأنه لم يتخط الحدود الدبلوماسية».
أما السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، فقال في تصريح له أمس «لقد سلمنا الخارجية اللبنانية مذكرة عن اختراق الحدود السورية من لبنان». أضاف: «إن سوريا سلمت الخارجية اللبنانية مذكرة الاحتجاج قبل أن تتسلم مذكرة الاحتجاج اللبنانية، وهذه المذكرة تتعلق بالخروق من شهر مارس (آذار) حتى يوليو (تموز) من الجانب اللبناني وهي لا تحصى».
في هذا الوقت أوضحت مصادر الخارجية اللبنانية أن «المذكرة اللبنانية التي سلمت إلى السفارة السورية لا تتضمن احتجاجا لبنانيا ولا استياء كما يقال». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المذكرة انطوت على لفت نظر الجانب السوري، وسرد وقائع عن خروقات حصلت هنا وهناك، وتمنى أن لا تتكرر هذه الخروقات، فلا حاجة للاحتجاج والمخاطبة بمنطق التحدي وتكسير الرؤوس». وردا على سؤال كيف أن السفير السوري أعلن صراحة أنه قدم مذكرة احتجاج ضد لبنان بينما الخارجية اللبنانية ترفض توجيه مثل هذا الاحتجاج، ذكر المصدر أن «العلاقات اللبنانية السورية تحكمها معاهدات أمن مشترك ومعاهدة دفاع مشترك ومعاهدة أخوة وتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا ولا نستطيع القفز فوقها جميعا». وقال: «لولا كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات وضرورة التقيد فيها لكنا لجأنا إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واشتكينا هناك».
في هذا الوقت شن عضو كتلة «المستقبل» النائب معين المرعبي، هجوما عنيفا على الحكومة ووزير الخارجية، فاعتبر أن «لدى لبنان مجرمين في الحكومة بكل ما للكلمة من معنى، فهؤلاء مخابرات للنظام السوري». وقال في تصريح له «أبناؤنا يقتلون ويقصفون، في حين أن من هم في الحكومة يحاولون اختلاق الأكاذيب والأضاليل من أجل التغطية على ارتكابات النظام السوري بحق اللبنانيين»، واصفا وزير الخارجية عدنان منصور بـ«العميل الصغير»، داعيا إلى «إقالته وطرده من الحكومة بأسرع وقت ممكن، لأنه في الواقع وزير النظام السوري في لبنان». وقال: «كائنا من كانت الجهة التي يمثلها منصور، فهو يعبر عن رأي وحيد، هو رأي النظام السوري والقاتل الأكبر بشار الأسد». مذكرا أن «أبناء المناطق الحدودية يقتلون بينما الحكومة تتفرج، وكان الأولى برئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) أن يقيله ويطرده من الحكومة، وكذلك يجب أن يكون لدى رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) موقف مماثل، انطلاقا من احترامهما لنفسيهما». وإذ رأى أن «كرامة المسؤولين لم تعد مصانة وهذا أمر معيب»، قال المرعبي: «لا يشرفنا أن يقودنا مسؤولون لا يحترمون لا الكرامة الوطنية ولا الكرامة الذاتية. ولو كان أعضاء الحكومة يحترمون أنفسهم لكانوا استقالوا أو أقله يقيلون من يتصرف دعما للنظام السوري».
واعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب زياد القادري، أن طلب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من وزير الخارجية عدنان منصور توجيه رسالة احتجاج إلى السفير السوري في لبنان، هو «للحفاظ على سيادة لبنان والحفاظ على كرامة لبنان واللبنانيين وعلى سلامة المواطنين اللبنانيين وعلى استقلال البلد وعلى كيانه». ورأى أن «سفير النظام السوري في لبنان، ومنذ تسلمه مهامه في لبنان يلعب دورا أمنيا وسياسيا وكأنه يريد أن يعيد الوصاية السياسية والأمنية على القرار اللبناني الحر».
 
ترتيب الوضع في دمشق

عبد الرحمن الراشد.. جريدة الشرق الاوسط.. قبل تفجير مبنى الأمن القومي الذي قتل فيه عدد من أبرز قيادات النظام السوري، الأمنية والعسكرية، وصلت رسالة روسية تؤكد القبول بما يسمى «الحل اليمني»، أي تنحي بشار الأسد عن الرئاسة وإعلان حكومة توافقية. لكن الموافقة الروسية وردت مع ملاحظة تقول إنه حل شكلي، لإرضاء المعارضة، ويبقى نظام الأسد في مواقع الحكم الرئيسية. الطرف العربي الوسيط رفض الاقتراح.
ثم وقعت صدمة تفجير مبنى الأمن القومي، ووصل الثوار إلى دمشق، واستولوا سريعا، وبشكل مدهش، على المنافذ الحدودية، فجأة تردد أن النظام وحلفاءه صاروا قابلين بالحل اليمني، لكن لا نعرف جديتهم هذه المرة. ربما أصبح مستعدا لحزم حقائبه والرحيل ما لم تغرّه، ما قد يعتبرها، نجاحاته في إيقاف زحف الثوار في مناطق المواجهات، بما فيها دمشق.
إن كان مستعدا للتنحي، فهل يستحق الأمر التفاوض عليه أم أن العرض انتهت صلاحيته، وبالتالي ننتظر استيلاء المقاتلين على القصر كما حدث في ليبيا؟
من الجلي انقسام الصف السوري حول هذه المسألة. فريق يريد التفاوض ويقبل بمرحلة انتقالية. عبر عنه عضو المجلس الوطني جورج صبرا الذي قال قبل يومين صراحة: «نحن موافقون على خروج الأسد وتسليم صلاحياته لواحد من شخصيات النظام لقيادة مرحلة انتقالية على غرار اليمن». وظهرت ملامحها بظهور العميد المنشق مناف طلاس في جدة. واستبقها رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم، الذي قال على هامش اجتماع لوزراء الخارجية العرب في الدوحة: «هناك توافق على تنحي الرئيس السوري مقابل خروج آمن». وإن الدول العربية ستطلب للمرة الأولى من المعارضة السورية و«الجيش الحر» تشكيل حكومة انتقالية.
وهناك فريق سوري يريد القتال حتى النهاية، لأن وقت التفاوض، في نظرهم، فات، والمعارضة تزحف نحو القصر، وهي مسألة وقت حتى يسقط النظام.
فريق ثالث متردد، تتنازعه خلافات حول من الشخصيات التي يمكن أن يوكل إليها تشكيل الحكومة.
ومع أن العواطف أكثر ميلا للفريق الثاني، الداعي لمواصلة القتال، فإن العقل والتجربة يحذران من الانسياق وراء هذا التفكير. فإسقاط النظام أصبح شبه مؤكد مع النجاحات القتالية الكبيرة للثوار في الأسابيع الماضية، لكن لا يزال الوضع صعبا بسبب قدراته العسكرية، حيث يستخدم طائرات ودبابات ومدافع، وقادر على ارتكاب المزيد من المذابح ومحمي بـ«فيتو» روسيا. وبعد ذلك سيفر الأسد إلى إيران أو روسيا، والأخطر أن القتال حتى النهاية وليس باتفاق، قد يتسبب في انهيار مؤسستي الجيش والأمن تماما، أكثر من نصف مليون عنصر، ويتحول أفرادها إلى عصابات مسلحة منتشرة. فهل من المصلحة الوطنية تكسير الدولة وتوريط سوريا المحررة في فتن وحروب داخلية تغذيها أطراف مثل روسيا وإيران وحزب الله؟! فمن يظن أنه بنهاية بشار تنتهي دولته الظالمة مخطئ تماما؟ بشار انتهى منذ أن قامت سوريا كلها في العام الماضي تتظاهر سلميا ضد نظامه، كلنا نعرف أنه انتهى، لكن الذي نخاف منه أن يغادرها خرابا ويزرع فيها الفتن، وتتحول سوريا إلى أرض محروقة لسنوات مقبلة، وقد ينجح في تقسيمها أيضا.
هذه المخاوف حقيقية.. وبالتالي، المحافظة على الدولة أهم من الانتقام من بشار، فهو سيلاقي جزاء جرائمه مهما حاول الهرب. فإذا كان ممكنا المحافظة على الدولة من خلال التسليم والتسلم، كما حدث في اليمن، والإبقاء على مؤسسات الدولة فإن هذا سيقطع الطريق على إيران وجماعاتها. وسيمكن الشعب السوري أن يقيم نظامه الذي يريده ويبني مستقبلا أفضل لأبنائه في بلد موحد ومستقر.
 

المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,364,740

عدد الزوار: 7,629,958

المتواجدون الآن: 0