تقارير ... الموقف من الثورة السورية يقسم الساحات اليمنية.. السوريون في الجزائر ... سائحون رغماً عنهم ويعيشون على الإعانات ..حزب العمال الكردستاني حيال الحراك...لغز تفجير باص السياح الاسرائيليين في بلغاريا..السلاح الكيماوي السوري فجأة في دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي..سورية والعراق... الأزمة العميقة

الهروب من حلب إلى لبنان يستغرق 9 ساعات وروايات دمشقية عن إعدامات ميدانية وملاحقة النازحين .. بعد المعركة.. اليأس يحيط بسكان دمشق

تاريخ الإضافة الثلاثاء 31 تموز 2012 - 7:15 ص    عدد الزيارات 2439    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

الهروب من حلب إلى لبنان يستغرق 9 ساعات وروايات دمشقية عن إعدامات ميدانية وملاحقة النازحين
الحياة..البقاع الأوسط والغربي - ناجية الحصري
السفر من حلب الى الحدود اللبنانية-السورية، رحلة استغرقت اكثر من تسع ساعات، قطعتها سيدة لبنانية مع عائلتها السورية تحت جنح الظلام من دون ان يغمض لها ولأولادها الأربعة جفن، تاركين خلفهم شقيقة وشقيقاً متأهلَيْن غير قادرين على الهروب مثلهم من ثاني اكبر المدن السورية وإحدى أقدم المدن المأهولة عبر التاريخ، والتي تستعد لمواجهة مصير يتخوف العالم بأسره من ان يكون مذبحة.
السيدة التي لم تلتقط أنفاسها بعد، حين وصلت منزلَ شقيقها في برالياس في البقاع الاوسط، بناء على إلحاحه عليها بضرورة المغادرة والاتجاه الى لبنان بدلاً من التوجه إلى أي منطقة أخرى داخل سورية، أو إلى الأراضي التركية الأقرب الى حلب، لا تزال تعيش خوفاً قالت إنه ناتج من «القصف اليومي الذي كنا نسمعه في محيط البناية التي نسكن فيها». لكنه خوف أقرب الى الصدمة التي تُفقد صاحبَها توازناً اختل مع اختلال الملاذ الآمن والمحيط الموثوق به. وتروي السيدة الأرملة، التي هربت في «بولمان» الواحدةَ بعد منتصف الليل ووصلت العاشرة من صباح اليوم التالي، الى جانب العشرات من الهاربين مثلها الى لبنان، أنها عبرت نقاطاً امنية سورية كثيرة، وكان الضابط المسؤول عن كل واحد منها يكتفي بسؤال السائق عن وجهته ولا يعرقل سيره، وصولاً الى مشارف دمشق، التي قالت «إن الحافلة مرت سريعاً بموازاتها ولم تدخلها، وتابعت سيرها الى الحدود اللبنانية، حيث أنجزنا الإجراءات المعتادة من دون عراقيل».
تتحفظ السيدة، التي رفضت الكشف عن اسمها، شأنها شأن كل النازحين الجدد الى لبنان، عن الحديث بداية عما عاشته وعائلتها في حلب في الأيام الاخيرة، وتكتفي بذكر العموميات، لتعود وتسعفها ابنتها بالحديث عن القصف اليومي والقتلى الذين «نسمع أنهم سقطوا ولا نراهم، لأننا لا نجرؤ على الخروج من منازلنا»، وعن النقص الحاد في مادة الغاز، وعن الإنذارات التي توجَّه الى المناطق الشعبية في حلب لإخلائها، وتعتقد ان الدور سيصل الى الحي الذي تعيش فيه ويصنَّف بأنه لذوي الدخل المتوسط.
ربما تكون خبرة الحروب التي عاشتها الأرملة السورية في لبنان قبل انتقالها في الثمانينات الى حلب وزواجها هناك، أسعفتها في استباق النار الحارقة، بحمل ما يجب حمله في مثل هذه الحالات من التهجير، لكن افتقار نساء سورية ورجالها الى معايشة الحروب، جعل بعضهم يهربون حفاة من بلدهم الى لبنان.
تقول سحر، التي لم تتوقف عن البكاء منذ اسابيع عدة يوم هربت مع عائلتها من مدينة حمص الى بر الياس ايضاً، إنها خرجت حافية القدمين ونسيت أدوية طفلها الذي يعاني النقص في تخضب الدم. لا تتحفظ سحر في رواية هول ما عايشته في المدينة التي كانت «تسقط عليها القذائف على مدار الساعة من دون توقف»، ما زرع خوفاً في ولدها عبدالرحمن (8 سنوات) لا يزول. تشير سحر الى فرشة إسفنج في زاوية الغرفة التي تقطنها العائلة قدَّمَها احد ابناء المنطقة مجاناً، وتقول: «أرأيت كيف ينام؟». لم نتمكن بدايةً من تمييز وجود طفل في المكان، فقط فرشتا إسفنج إحداهما فوق الأخرى، وفوقهما مخدة، لكن ثمة قدماً صغيرة تتدلى من بين الفرشتين، انها قدم عبدالرحمن، الذي تقول امه: «هو هكذا، يرفض ان ينام إلا بهذه الطريقة، يخاف إن سمع باباً يُطْبِق، او طنجرة تقع على الارض، فينسحب الى ما بين الفرشتين ويختبئ ظناً أنه صاروخ»!
 «لماذا تهربون؟»
سحر الصائمة تذكر كيف أمضت شهر رمضان السابق في الطبقة السفلية من المبنى الذي تقطنه في حمص، «قصفوا كل شيء، دمروا المساجد والمدارس، وكنا ننتقل من حي إلى آخر لنتجنب الموت، الذي بقي يلاحقنا، وكان الجنود يسألوننا عن سبب هروبنا: «ما في شي»، وحين حاولت مرة العودة الى المنزل لأخذ بعض الثياب، منعني جنود الجيش النظامي وقال لي الضابط: «ما الذي يثبت لنا أنك صاحبة المنزل ولست سارقة؟ أجبته بأن معي ورقة «طابو» (سند ملكية)، فسمح لي، لكن البناية كانت سويت بالأرض. حاولت سحب ألبسة من بين الركام لكنها كانت ممزقة».
وتضيف: «الاعتقالات عشوائية، يكسرون الأبواب ويقتحمون المنازل ويأخذون الشباب لمجرد ان اشكالهم لم تعجبهم، اخذوا زوجي، واضطررت لدفع مئة الف ليرة لإخلاء سبيله، وأخذوا زوج جارتي وطلبوا 275 ألف ليرة لإخلائه. الناس في السجون يُحشرون حشراً ولا مكان للجلوس، بل يبقون واقفين».
وتضيف: «حيث يكون الثوار يحصل التدمير الشامل، يأتون إلى الأحياء ومعهم الفيول ويشعلون النار في كل شيء».
تتمنى سحر العودة الى بلادها «اليوم قبل الغد»، وتقول إنها خافت في البداية من تسجيل اسمها كلاجئة، خوفاً من ان يؤنبها النظام السوري «لأنك فضحتينا». وتقول سحر عن المساعدات التي تصل الى العائلات في المكان، إنها «فاصولياء لا تستوي عند الطبخ، ورز لا يصلح للطهو»، وهي تتكل على ولديها، اللذين بدآ يعملان في توضيب المزروعات، «ولكن الى متى نستطيع الصمود هكذا؟»... تبكي وتنتظر.
وتتحدث جارتها، المنهمكة في «تشميس» عصارة البندورة في وعاء بلاستيكي وتلوِّح بيدها لإبعاد الذباب الذي يحوم حول المكان بكثافة، عن أموال تُدفع لضباط الامانة السورية للخروج الى لبنان، وتشير الى انه «ممنوع على العائلة الخروج دفعة واحدة، وخصوصاً الأولاد، ما اضطر أخي مثلاً الى دفع 25 ألف ليرة سورية كي يتمكن من إخراج أولاده معه قبل ثلاثة ايام، وهو اضطر وعائلته الى مغادرة أحد أحياء دمشق من دون أي متاع، بسبب الاشتباكات بين الجيش والثوار».
 روايات دمشقية
تاريخ 18 و19 الجاري مفصلي بين الحياة والموت بالنسبة الى النازحين من ريف دمشق وحي الست زينب الى بلدة المرج في البقاع الغربي، وتحديداً الى متوسطة المرج الرسمية.
بضعة رجال جلسوا على كراسٍ خشبية في ملعب المدرسة ينظرون الى الأفق بعيون متعبة ووجوه حزينة وأجساد شَلت حركتَها شدةُ الحر والصوم ووطأة المصيبة، فيما جلست النساء القرفصاء في أروقة المدرسة يراقبن الاطفال يلهون بأوعية بلاستيكية.
الغرف التي أخليت في المدرسة لاستضافة النازحين قليلة نسبة الى طالبي المسكن. وحالياً تشغل هذه الغرف 16 عائلة، وهي المدرسة الوحيدة التي سمحت الدولة اللبنانية بفتحها امام النازحين الى البقاع الغربي، مثلما سمحت بفتح مدرسة واحدة في مجدل عنجر امام النازحين إلى البقاع الاوسط، ما ترك عشرات العائلات من دون مأوى، حتى ان الشقق المعدة للإيجار لم تعد متوافرة، بسبب شدة الطلب عليها، والبعض قصد قرى وبلدات في اقصى البقاع الغربي، ومن لم تستضفه عائلة او اقارب له في لبنان قصد بيروت، ولم يتمكن من استئجار غرفة واحدة فيها، نظراً الى ارتفاع الإيجارات. وقال أحد اللبنانيين الذي استضاف عائلة سورية من محيط اليرموك في دمشق بقيت على قارعة الطريق عند معبر المصنع الحدودي نهار 18 الجاري، إن العائلة «فضلت قبل يومين العودة الى دمشق، لكنها ندمت على خطوتها، لأن القصف شديد، ولا طاقة لأفرادها على التحمل، كما اخبرونا من خلال الاتصالات الهاتفية حين تتوافر، والآن نحن قلقون عليهم».
سيارة «مرسيدس» دخلت الملعب وترجل منها «الشيخ»، كما يسميه الرجال الجالسون، وقالوا لفتاة محجبة حضرت لتوها للسؤال عنه: «هذا من يعمل على تدبير مأوى لعائلتك»، وقبل ان ترافقه الى المكان الذي وجده، تحدث بشير الجراح، الذي عرّف عن نفسه بأنه مسؤول عن مركز النازحين في المرج فقال: «ان الدولة مقصرة جداً في حق الناس»، مشيراً الى «دخول 30 الف نازح خلال اسبوع واحد الى لبنان، الميسورون منهم قصدوا بيروت او الجبل، وبعضهم كان استأجر منازل قبل فترة»، وتحدث «عن 69 عائلة نازحة الى المرج، والهيئات الدولية تأتي لإحصاء النازحين ولا تقدم مساعدات».
لا يشكو الرجال من واقع الحال الذي يعيشونه، لكنهم يتحدثون بالتفصيل عما عايشوه في «ريف دمشق»، قال بعضهم من حي الست زينب-حارة علي الوحش: «فجر الاربعاء في 18 الجاري، سمعنا تكبيراً في المساجد، وهي بلغة الثوار «الدعوة الى الجهاد»، وجاء من يدق أبوابنا ويقول «إما أن تكونوا معنا او تغادروا»، ولا نعرف ما اذا كانوا من الثوار او من التابعين للنظام. كانوا بلباس مدني، ولم نرد عليهم، وفي الخامسة بعد الظهر بدأ اطلاق النار وقصْفُ الدبابات بشكل عشوائي، وكان الناس في الشوارع، فأصيب عدد من الاطفال والكبار، واستخدم الجيش الحر مضادات الطائرات، واستمر الاشتباك ساعتين او ثلاثة، واستشهد الرقيب في الجيش الحر ماهر الحمر، وقررنا تشييعه بعد صلاة المغرب، ولدى اقترابنا من المدافن سمعنا هدير طائرة تحوم فوقنا وكنا نحو 1200 شخص، وكنا نهتف ضد النظام، وسقط أول صاروخ فتقطعت اجساد كثر من المشيعين وتحولت اشلاء او احترقت، ونجا مَن هرب إلى الأزقة، وسقط صاروخ ثان وثالث، ولما انتهى القصف اخذنا الجثث الى المساجد والجرحى الى منازل ودعونا عبر مكبرات الصوت: «من يعرف الدكترة فليأت لمساعدتنا»، ويضــيفون: «بعض الجرحى كان ينجو وآخرون يموتون متأثرين بإصاباتهم، فتحنا مقبرة جماعية بعدما أحصينا جثث 106 شهداء، لكن كثراً شَوّهت القذائف أجسادهم ودفناهم كمجهولين، وهربنا الى لبنان، لانه المكان الأقرب إلينا جغرافياً».
وتحدث شاب عن تواصل مستمر عبر الـ «فايس بوك» مع من بقي في الحي من الشبان، ونقل عنهم أن منازل دمرت على رؤوس أصحابها، وأكد ان هؤلاء «لم يعودوا يهابون رقابة النظام على الإنترنت». وواصل حديثه عن «تسليم النظام الحواجز الامنية لضباط من الطائفة العلوية»، كما تحدث عن إعدامات ميدانية للرجال واعتقالات، وعن جنود غير سوريين يجولون في الشوارع.
 تشتت العائلات
«ام عبدالله»، التي تفرغت في الغرفة التي تقيم فيها مع اخيها وأولادها لصباغ شعرها، قالت إنها هربت من حي الميدان الى أحياء اخرى بسبب القصف، «كنا عالقين بين نيران الجيش النظامي ونيران الجيش الحر، لكن القصف كان يلاحقنا أينما هربنا، لذلك قررنا ترك سورية بعدما جاء ابن شقيقتي من الخارج وطلب الينا ان نغادر معه الى لبنان لأن الوضع لا يطاق».
تحدثت «ام عبدالله» عن حالات تشتت لعائلات بأكملها وأخرى تمكنت من لمّ شملها، وشكت من صعوبة «إخراج الأولاد ممن لا يملكون إخراجات قيد بسبب إغلاق مكاتب البلديات ودوائر النفوس».
التقرير الذي تصدره «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» اسبوعياً عن أوضاع النازحين السوريين، أورد أخيراً تقديرات أولية تفيد بـ «أن معظم النازحين الجدد لا يحتاجون حالياً إلى مساعدات إنسانية، لأنهم ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والعليا»، لكنها توقعت ان يؤدي طول النزوح الى افتقار العائلات المتوسطة وتأثّر الاغنياء، وتحدثت عن ضرورة «وضع خطط للطوارئ لسائر الحالات والسيناريوهات المحتملة من أجل تلبية الاحتياجات المحتملة لحالات النزوح المستقبلية».
هواجس هيئات الإغاثة لا تشبه هواجس النازحين، وان كان بعضها يتكامل مع بعض. يسأل النازحون عن مصير اطفالهم وتعليمهم، ويخافون أتباع النظام الذين يلاحقونهم الى اماكن النزوح، ويخشون المرض، لأنهم بلا غطاء طبي، ويقلقهم نزق مَن يستضيفونهم، لإمكان أن يطالبوهم في أي لحظة بإخلاء الأمكنة، ويبكون منازل سُوِّيت بالأرض، وتحاصرهم البطالة، وكثر فضلوا في اماكن النزوح النومَ على اليقظة، حشروا وجوههم في الوسادات في استراحةٍ من ظلم لا قدرة لهم على فهم مبرراته، تماماً كما حشر الطفل عبدالرحمن نفسه بين فرشتين هرباً من خوف لا طاقة له على احتماله.
 
 بعد المعركة.. اليأس يحيط بسكان دمشق
الحياة..دمشق - رويترز
أمام متاجرهم الخاوية على رصيف مهجور في شارع الحمرا، الذي كان يوماً منطقة تجارية رائجة في وسط دمشق، جلس ثلاثة رجال أصبحوا بلا مأوى بسبب القتال الذي يستعر في المدينة منذ اسبوعين.
ولجأ سكان مع أسرهم إلى وسط دمشق قادمين من الضواحي الشرقية والجنوبية للعاصمة السورية، وهي الأكثر تضرراً من الهجوم المضاد العنيف الذي شنته قوات الجيش على قوات المعارضة المسلحة.
وقال أحمد، وهو صاحب متجر من دوما، وهي منطقة مؤيدة للمعارضة في شرق العاصمة: «هل تصدقون أن ثلاثتنا فررنا من ديارنا؟ لقد أتينا من منازل مدمرة، ونعيش مع أقاربنا في وسط المدينة». انضم هؤلاء إلى آلاف انتقلوا إلى وسط المدينة بحثاً عن أمان نسبي، تاركين الضواحي التي ما زال دخان الحرب يتصاعد منها.
ولكن، حتى وسط دمشق شهد عنفاً متفرقاً، وتفتح المتاجر فيه أبوابها في هذه الفترة بين التاسعة صباحاً والثالثة عصراً فقط، مع ارتفاع كبير لأسعار المواد الغذائية، كما لا يجرؤ أحد على الخروج مع حلول الليل، حتى في شهر رمضان الذي تكون فيه الشوارع عادة مكتظة بالناس حتى وقت متأخر.
وقال احمد، الذي طلب عدم نشر اسمه كاملاً، شأنه شأن آخرين أجريت معهم مقابلات: «ليس هناك زبائن... أرسلتُ الموظفين إلى منازلهم. ليس لدي المال الكافي لدفع رواتبهم. لقد أفلست».
الرجال، وهم من منطقتَيْ السيدة زينب والحجر الأسود في الجنوب، اللتين ضربتهما صواريخ ونيران مدفعية ثقيلة من طائرات هليكوبتر عسكرية، لم يكونوا يتعاطفون كثيراً في البداية مع حركة الاحتجاجات، يقول أحمد: «بداية كنت مع النظام بالطبع... لكن الآن لا... لا بد ان يرحل النظام، فليأخذوا معهم ما يشاؤون، لكنهم لا بد أن يرحلوا».
وقال محمد، الذي يعمل في مطعم في شارع 29 أيار على مسافة غير بعيدة من المنطقة القديمة: «من اليوم الأول لرمضان حتى اليوم لم يدخل زبون واحد هذا المطعم... جاء خمسةٌ اليوم، ولأنني لم أكن أتوقع قدوم أحد اضطررت إلى صرفهم».
والمطاعم الوحيدة التي لها حظ أوفر هي التي تبيع الفطائر، إذ إنها تطعم النازحين الموجودين داخل المدارس والحدائق. وآوت مدرسة في برزة في شمال دمشق 1500 شخص نزحوا عن ديارهم من دوما والقابون وحرستا، وهي جميعاً معاقل للمعارضة المتواجدة شرقاً، والتي قصفها الجيش.
وقال أحد النشطاء في المدرسة: «كل أشكال المساعدة تقدَّم، خاصة الطعام في رمضان». وتعوق نقاط التفتيش وحواجز الطرق حركةَ من يريدون التنقل. يقول بسام، وهو منتج للعسل فر من منزله في دوما مع أسرته للإقامة مع أقاربه في حي أبو رمانة بوسط العاصمة: «لا يمكنني الوصول إلى العمل أو توصيل البضائع... ولا توجد حركة تجارية تذكر بأي حال... لم أحصل على قرش واحد منذ ثلاثة أشهر».
وقال مروان، الذي يعمل في مجال توريد المنتجات الزراعية: «ما من أحد يشتري، وما من احد يبيع، الليرة السورية ضعيفة... وأسعار كل شئ ارتفعت بشدة». وشكا أحد أصحاب المتاجر، شأنه شأن المتسوقين، ارتفاعَ الأسعار قائلاً: «أنا مثلهم تماماً... لا أحصل على الطعام والخضر إلا إذا دفعت الضعف، وهي لا تصل هنا إلا بصعوبة. لم يعد أحد منا قادراً على تحمل هذا الوضع». وفي حي الميدان، وهو أول حي في العاصمة استعادته قوات الجيش قبل ثمانية أيام، فإن حطام السيارات المحترقة والمباني المدمرة والجدران المليئة بثقوب الأعيرة النارية تشهد على الدمار الهائل.
وقالت هدى، وهي من سكان المنطقة القديمة من دمشق: «عدت يوم الإثنين ووجدت منزلي رأساً على عقب... لحسن الحظ أخذت ذهبي ومالي معي، لكن الجيش أخذ ملابس ابني وزجاجات العطر الخاصة بي وأشياء أخرى». وقال ساكن آخر من حي الميدان: «أرجوكم قولوا للعالم أن يوقف الصين وروسيا وأن يفرض منطقة حظر طيران».
وقال: «أقسم أنني لولا وجود أسرتي معي لذهبت إلى هناك للقتال في صفوف الجيش السوري الحر».
لكن ليس الجميع يؤيدون مقاتلي المعارضة، فهناك عدد متزايد من الأشخاص الذين يعارضون الرئيس السوري لكنهم يتوجسون أيضاً من الجيش السوري الحر. وقال حسام، وهو من سكان المنطقة: «الاثنان ليسا خياراً جذاباً لسورية... النظام وحشي لكن الجيش السوري الحر والسلفيين والاجندة الدولية سوف يدمرون البلد».
 
الموقف من الثورة السورية يقسم الساحات اليمنية
الحياة..صنعاء - علي سالم
بينما كان شبان يمنيون يحرقون أعلام روسيا والصين وإيران احتجاجاً على دعم هذه الدول للنظام السوري، كان عشرات آخرون يجادلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي ساحات الاحتجاج لتبرير وجهة نظرهم المؤيدة لنظام بشار الأسد.
وإذ يعتبر النظام السوري أول نظام في المنطقة يحوّل توريث الحكم في الجمهوريات من مجرد فكرة إلى حقيقة وذلك عندما تم تنصيب بشار الأسد خلفاً لوالده الراحل وتعديل الدستور ليتلاءم مع سنّه، فإن الانتفاضة السورية تبدو الاستثناء الوحيد تقريباً في عدم حصولها على إجماع الشباب اليمني قياساً ببقية حالات الربيع العربي.
والمفارقة أن معظم المؤيدين لنظام بشار الأسد هم من يزعمون أنهم كانوا من أوائل المناوئين لمسعى الرئيس السابق علي عبد الله صالح توريث الحكم لنجله. لكنهم صاروا أكثر تقارباً مع نظام الرئيس السابق وتباعداً عن شركائهم في الثورة مثلما باتت دمشق في رحلاتهم إلى إيران.
وتعتقل السلطات السورية مئات من الطلاب اليمنيين الدارسين في جامعاتها، وعلى رغم استمرار مناشدات عائلاتهم الإفراج عنهم إلا أن الحكومة اليمنية لم تعلن حتى الآن اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه. وكان أحد وزراء حكومة الوفاق الوطني ممن ضمتهم قائمة المعارضة مقيماً في سورية وتربطه بنظام البعث السوري علاقة، ما أعطى أملاً في أن يساهم ذلك في التوسط للإفراج عن الطلاب.
ويقول محللون إن معارضة بعض القوى السياسية لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح انطلقت من مبادئ مذهبية وجهوية ولم تستهدف النظام كله بل جزءاً منه وتحديداً التيار الإسلامي السني ورأس حربته العسكرية اللواء علي محسن الأحمر الذي تفيد معلومات أن حرب صعدة كانت مجرد فخ يهدف للقضاء عليه أو إضعاف شوكته.
والواضح أن فصام الثورة الشبابية اليمنية تغذيه ثقافة سياسية قبائلية ومذهبية تحول دون نهوضها على مسلك ديموقراطي واضح.
ويرى الناشط المستقل داؤود طه (33 سنة) أن مأزق ثورة الشباب اليمني «يكمن في عدم نضوجها وافتقارها لوعي الحرية، فمسمى شباب يشير إلى فئة عمرية أكثر منه تجاوز لوعي الآباء ومفاهيمهم».
والراجح أن التحيز لجماعة لا لقضية من شأنه أن يصيب الثورة في مقتل ويحول مطلب التغيير إلى مجرد شعار للاستهلاك والتضليل تماماً مثلما جرى تحويل الجمهورية ودولة الاستقلال إلى مجرد شعارات لا أساس لها في الواقع.
وأعيد إنتاج القوى القديمة في صيغ جديدة توزعت بين أشكال «العسكرتاريا» القبائلية والإسلاموية المذهبية المتطرفة.
والحق أن أزمة الأخلاقية الثورية في حال اليمن هي نتاج ثقافة البنية القبائلية الدينية للمجتمع اليمني مدعومة بإرث أيديولوجيات قومية ويسارية غير قائمة على أساس اجتماعي متين. ما يجعل شباب الثورة مجرد «رعاع مذاهب وأيديولوجيات» بحسب تعبير داؤود طه الذي يؤكد وجود عصبوية منيعة ضد النقد.
ومثال على ذلك ما حصل أخيراً مع الناشطة توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام إذ تحولت صورة منشورة جمعت كرمان مع الإسرائيلي عوفير برانشتاين إلى حملة هجوم وتخوين لها، وذهب البعض إلى المطالبة بمحاكمة كرمان بتهمة خيانة دماء «شهداء الثورة «.
وكان تباين المواقف من الانتفاضة السورية تحول إلى عداوات ومعارك على الواقع وعلى مستوى الفضاء الافتراضي، فهناك من حذف أصدقاء من موقع «فايسبوك» و «تويتر» على خلفية تباين الموقف إزاء الوضع السوري.
والحال أن مهمة ترسيخ قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان تواجه في حال اليمن صعوبات كبيرة لا تنحصر بهذا الطرف أو ذاك بل تتغلغل في مختلف الأطراف وتستشري في الجسم الوطني كله. ولعل في استمرار البعض تقسيم العالم إلى تقدمي ورجعي بحسب معايير الحرب الباردة، ما يشي بمدى الضبابية وغياب التبصر.
 السوريون في الجزائر ... سائحون رغماً عنهم ويعيشون على الإعانات
الحياة..الجزائر - رضا شنوف
لم يجد أيمن حرجاً في انتقاد الرئيس السوري بشار الأسد واتهامه بالوقوف وراء كل المآسي التي يعيشها الشعب السوري، وهو يبيع حلويات شامية بمحل استأجره في أحد الأحياء الراقية بأعالي العاصمة الجزائرية. وكان أيمن انتقل إليها هارباً من سورية منذ حوالى 5 أشهر، ويحاول أن يضع زبائنه في صورة الأحداث الدامية في بلده، وكيف انقطعت اتصالاته مع عائلته في دمشق ولم يعد يعرف عنها شيئاً، متلقياً من زبائنه الجزائريين عبارات الدعم والمواساة.
ويعتبر أيمن محظوظاً مقارنة بعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين اختاروا الجزائر ملجأً لهم هرباً من آلة الموت والدمار في بلادهم. وإن كان أيمن قد وجد بعض المال ليفتتح تجارة ويعيل نفسه وعائلته، فإن آلافاً غيره يواجهون مصيراً بائساً فرضته عليهم ظروف الحرب، وكان لبعض المحظوظين منهم عائلات وأقارب من الجالية السورية المقيمة في الجزائر لاستقبالهم وإيوائهم والبحث لهم عن أماكن عمل لتسوية أوراق إقامتهم، اما الآخرون، فيعيشون على إعانات المحسنين، ومنهم من يبيت في العراء، فيما سلك كثيرون طريق التسول، علماً أن تواجد اللاجئين السوريين لا يقتصر على العاصمة الجزائرية، بل توزعوا على كل الولايات حتى الجنوب.
«عندما وصلت الجزائر، أحسست أني ولدت من جديد»، يقول حسن، وهو شاب في منتصف الثلاثينات، التقته «الحياة» في ساحة «سكوار بور سعيد» المحاذية لميناء العاصمة. حسن كان مستلقياً على العشب وبيده جريدة جزائرية ناطقة بالفرنسية افتُتحت صفحتها الاولى بموضوع عن اللاجئين السوريين وأوضاعهم الصعبة. جلس حسن، الذي يتحدر من مدينة حمص، مع صديقه محمود من المدينة نفسها يتظلّلان فيء شجرة في احدى زوايا الساحة، إلى جانب عشرات العائلات السورية. تحدث الشاب بمرارة عن الواقع الذي يعيشه، بعدما وجد نفسه مضطراً للهروب من الموت الذي كان يلاحقه في كل زاوية من زوايا مدينة حمص المنكوبة، تاركاً وراءه أمه وزوجته وولديه. وكان فر إلى تركيا ومنها إلى الجزائر، ولكنه لم يستطع أن يؤمن سفر عائلته، بسبب عجزه المادي. يقول حسن: «أنا هنا بالجسد فقط، أما روحي وعقلي فتركتهما ورائي في حمص». ويروي حسن: «كنت أشتغل سائق تاكسي وأؤمن قوت يومي جيداً، الحرب جعلتني أفرّ وأجد نفسي من دون دخل وأجهل كيف سيكون مصيري، وفوق كل هذا ينفطر قلبي يومياً لفراق اهلي».
وعن حاله في الجزائر يقول: «الأمر الأهم أننا بأمان، والإخوة الجزائريون يؤدون واجبهم على أكمل وجه، فكل يوم يجهزون لنا افطار رمضان، وهناك من يعيننا حتى مادياً».
تركَنا محمود متوجهاً صوب حلقة تجمّع فيها الناس حول رجل ملتح راح يَجْرِد أسماءهم ضمن لائحة بهدف توزيع المال عليهم كإعانات بمبادرة شخصية منه، كما أخبرنا بعد عودته. وكان محمود خسر عمله أيضاً إثر تفجير المصنع الذي كان يعمل فيه في حمص، فاضطر الى المغادرة بسبب الاوضاع الامنية السيئة. يقول: «فقدت كل شيء، حتى سيارتي الهوندا احترقت بالكامل». ويضيف: «كنت أود أن ألتحق بالمقاومة، لكن لا يوجد سلاح، وانضمامي كان سيكون عبئاً».
والمشكلة الفعلية التي تواجه حسن ومحمود أنهما لا يتمتعان بوضعية لاجئ، بل دخلا بتأشيرة سياحة صالحة لـ90 يوماً فقط، وبعدها تصبح إقامتهم غير شرعية. يقول محمود: «ننتظر ان تجد لنا السلطات الجزائرية حلاًّ وتخصص لنا مخيماً في انتظار ان تعود الامور إلى نصابها في سورية ونعود». ويقول صديقه حسن: «اتصلت بالكثير من السوريين المقيمين هنا في الجزائر ممن لديهم تجارة ومشاريع، لكنهم لم يقبلوا توظيفي، وحتى العمل في الورش لن أجني منه مالاً كافياً لاستئجار بيت او غرفة في فندق».
وعلى مقربة من الشابين جلس شاب آخر حاملاً ابنه ذا السنوات الثلاث، وغير بعيد تجمع عشرات من اللاجئين من مختلف الاعمار، نساء واطفال وشيوخ، في حلقات صغيرة. سعيد المتحدر من ريف دمشق، وصل منذ نحو 10 أيام، وقال إنه جاء وعائلته المكونة من عشرة أفراد من دمشق بالطائرة، وكل ما كان يمكله من مال أنفقه على ثمن التذاكر ولم يعد يملك فلساً. يعيش سعيد وعائلته على اعانات المحسنين، لافتاً إلى أنه اختار الجزائر لكونها لا تفرض تأشيرات على السوريين، ولخوفه من الفرار إلى الدول المجاورة.
كان سعيد تاجر أقمشة يعيش حياة ميسورة، ثم انقطعت به السبل ووجد نفسه سائحاً في الجزائر رغماً عنه، يقضي يومه وعائلته إما في حديقة بورسعيد، أو يتجول في احياء العاصمة في انتظار وجبة الافطار التي يتبرع بها المحسنون، قبل أن يعود أدراجه إلى احد الفنادق المتواضعة القريبة من بور سعيد للمبيت، الذي يكلف 10 دولارات في الليلة، يدفعها مرات ويسددها عنه المحسنون مرات أخرى.
 
حزب العمال الكردستاني حيال الحراك
الحياة..جان عبدالله *
منذ بدء الاعتراض الاحتجاجي في سورية وجُل مقاربات المثقَّفين لمسألة حزب العمال الكردستاني وموقِفه من الحراك السوري تنوسُ بينَ فكَّي ثنائيَّة شالَّة، يشكِّل حدَّاها مساران إطلاقيَّان ومُغلقان، المسارُ الأوَّل مُتشنِّج يرى في حزب العمال تنظيماً سياسيَّاً مُلحقاً على شكل استطالة ممتدَّة للنظام السوري، وأنه سلطة «أسديَّة» بديلة وتابعة في المناطق الكردية، قراره السياسي يطبخ في أقبية الاستخبارات السورية.
المـسار الـثاني شعـبوي ودوغمـائي، يؤكّد أن قرار الحزب مستقلٌّ تماماً، وغير خاضغ للتـوازنات الإقليميَّة الدقيقة، وأن وجوده كميليشيا مسلَّحة في المناطق الكرديَّة ملحٌّ ومهمٌّ، لحمايتها من الاستخبارات التركيَّة التي «تسرحُ وتمرح» على الحدود السورية - التركية، وبأنه قوَّة ضبطٍ تمنع المجتمع الأهلي الكردي داخليَّاً من الفوضى والانفلات.
حتى نخرج من حدي المقاربتين السابقتين يصبح علينا تفكيك شكل النظام الإقليمي الجديد البادئ بالتشكل منذ بدء «الربيع العربي»، حيثُ إنَّ المنطقة من جنوب اليمن حتى إقليم كردستان العراق تشهدُ تفكُّكاً أهليَّاً عموديَّاً على أساس الهويَّة، بسبب هشاشة الهوية الوطنية الجامعة وضعف قاعدة المجتمع المدني. والأحزاب السياسيَّة الكرديَّة الفاعلة على الساحة الإقليمية لن تستطيع «النأي بنفسها» عن هذا الاستقطاب. فالساحة الكردية - السورية منذ بدء الحراك الشعبي تشهدُ توتراً بين «حزب الاتحاد الديموقراطي PYD» الذي هو جناح سياسي سوري رديف لـ «حزب العمال»، و «المجلس الوطني الكردي» الذي يعتبره مسعود البرزاني عمقاً استراتيجياً له في الأراضي الكردية - السورية، وجزءٌ كبير من هذا التوتر مرده في العمق انشطار رئاسة الإقليم وحزب العمال بين المحورين السنّي - الشيعي. فإشارات التودد بين رئيس إقليم كردستان وحكومة أنقرة تعبر عن اقتراب رئاسة الإقليم من المحور السنّي، وانتعاش حزب العمال الكردستاني بعد الأزمة السورية وعودة عناصره للسيطرة على المناطق الحدودية السورية - التركية، وإيقاف الجناح الكردي - الإيراني من حزب العمال الكردستاني عملياته ضد نظام الملالي، كلها دلائل على اقتراب حزب العمال من المحور الشيعي «الممانع». والمكان الذي سترتفع فيه حدَّة المواجهة بين حزب العمال ورئاسة الإقليم هو الساحة السوريَّة - الكرديَّة، وبأدوات هي المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديموقراطي والقوة العسكريَّة الغامضة الملامح والأهداف التي تُدرَّب الآن في أراضي الإقليم ربَّما (أقول ربَّما) وستكون لمواجهة الوجود المسلح لحزب العمال في الأراضي الكردية - السورية عند غياب سلطة الدولة، والانهيار المفاجئ للنظام السوري والوقوع في شرك الفوضى. بعبارة أخرى نحن نشهد تصدعاً للأكراد بين طرفي الاستقطاب الملتهبين في المنطقة، السنّي التركي والشيعي الإيراني.
إن حركات التغيير العربي بتحقيقها أعمق التغييرات الـسياسية والمـجـتمعية في شـكل سـلمي لاعنـفي، أصـابت التنظيمات (القاعدة مثلاً) التي تتوسـل العنف وسـيلة للتغيير بدوخان أيديولوجي وفقدان في التوازن، وهذا ما دفع خالد مشعل رئيس حركة حماس، وهي حركة يمينية دينية بالغة التشدد، إلى تبني المقاومة الشعبية، مع العلم أنَّ النضال السياسي المدني اللاعنفي هو أفضل طريقة للحفاظ على نقاوة القرار السياسي من ضغوط الغير، وأن حَرْبة السلاح تفضّ بكارة عذريَّة الاستقلال السياسي لأيّ حزب.
على حزب العمال أن يضع مشروعه الحزبي القائم على الهيمنة بقوة السلاح على المناطق السورية الكردية جانباً، وعلى المجلس الوطني الكردي أن يبقى مشدوداً إلى دمشق بدلاً من عواصم أخرى، لأن القضية الكردية، على حد تعبير السياسي الكردي الراحل اسماعيل عمر، «تحل في دمشق وليس في أنقرة وطهران وبغداد»، والعمل جنباً إلى جنب مع المعارضة لإرساء سورية على مرفأ الديموقراطية.
 * كاتب سوري
 
لغز تفجير باص السياح الاسرائيليين في بلغاريا
الحياة..صوفيا - جورج حداد
مضى اثنا عشر يوماً على تفجير باص السياح الإسرائيليين في مطار بورغاس البلغاري، (في 18 الجاري)، والذي ذهب ضحيته خمسة قتلى و33 جريحاً من الإسرائيليين بالإضافة الى قتيلين آخرين هما سائق الباص البلغاري ومنفذ العملية الانتحاري الذي لم تحدد (أو لم تعلن) هويته بعد.
وحتى الآن لم يعلن أي طرف مسؤوليته عن العملية. ومع ذلك، وقبل ان يتم سحب المصابين من ساحة الانفجار، بدأت البروباغندا الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهــــو شخصياً، باتهام إيران و «حزب الله» اللبناني. وقال نتنياهــــو ان إيران بالتعاون مع «حزب الله» قاما بعمليات إرهابية في اكثر من عشرين بلداً. وتوجهت إسـرائيل نـحـو بروكـسيل طالبة من الاتحاد الاوروبي ادراج «حزب الله» على قائمة المنظمات الإرهابية.
وفي 20 تموز (يوليو) الجاري اتصل باراك اوباما برئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، معلناً دعم الولايات المتحدة الأميركية جهود بلغاريا في مكافحة الإرهاب وفي دعم الحلف الأطلسي.
وفي 24 تموز وصل الى صوفـــيا جــــون برينــــون، مستشار اوباما لشؤون الأمـــن القومي والدفاع، حاملاً رسالة خاصة من الرئيس الأميركي الـــى رئيس الوزراء البلغاري، ومن اجل تــوثيــــق التنسيق بين الأجهزة البلغارية والأجهزة الاستخبارية والأمنية الأميركية. لكن الطرف الأميركي كان أكثــر حرصاً من اسرائيل، في توجيه اتهام مكشوف الى ايران و «حزب الله».
وقد رد رئيس الوزراء البلغاري على الموقف الاسرائيلي وبعض التصريحات المشككة بعدم قدرة بلغاريا على حماية أراضيها، بطريقة غير مباشرة، قائلاً «أهلاً وسهلاً بالسياح العرب واليهود وجميع السياح الآخرين. نحن موجودون على مدخل العالم العربي نحو أوروبا، ولا يمكن ان نسمح لأنفسنا بأن نتخطى الحدود». «أما بالنسبة الى إسرائيل، أو الولايات المتحدة، أو روسيا، او بريطانيا فالأمر يختلف... هناك عداء، موجود من وقت طويل، ونحن لا نتدخل في هذا العداء». «وحتى الآن ليس لدينا أدلة على منفذي الاعتداء في بورغاس». وفي السياق نفسه قال وزير الخارجية نيقولاي ملادينوف «الى ان يتم التحقيق الذي نجريه، فنحن لسنا على استعداد لأن نوجه اصبع الاتهام الى أي كان».
وفي 24 تموز وصل الى صوفيا وزير السياحة الاسرائيلي ستاس ميسيجنيكوف، الذي التقى الجالية اليهودية البلغارية لتوحيد المواقف معها، كما التقى رئيس الجمهورية البلغارية روسين بليفنيلييف ورئيس الوزراء بويكو بوريسوف ووزير الاقتصاد وعدداً من الوزراء الآخرين.
ومثل رئيسه نتنياهــــو شـــن ميسيجنيكوف حملة على ايــــران و«حزب الله». لكن بعض العارفين في صوفيا يقولون ان المهمة الأســاسية لزيارة ميسيجنيكوف ليست الضغط، غير الممكن، على بلغاريا، لقبول الموقف الإسرائيلـــي مـــن حادث التفجير، بل على العكس ان هدف الزيارة هو امتصاص الاختلاف في المواقف والتأكيد للجانب البلغاري بأن السياح الإسرائيليين سيستمرون في المجيء الى بلغاريا، وهو ما تحتاجه بلغاريا اقتصاديا.
وتفيد الإحصاءات الرسمية ان عدد السياح الإسرائيليين بلغ سنة 2011 اكثر من 130 الف سائح. وفي الأشهر الستة الاولى من عام 2012 زاد هذا العدد بنسبة 11 في المئة. أما وزير السياحة الإسرائيلي فقال في احد تصاريحه ان عدد السياح اليهود يبلغ 170 ألفاً سنوياً وهو رقم قابل للازدياد. وفي الأيام الأربعة الأولى بعد حادث التفجير وصلت الى بلغاريا 32 رحلة طائرة تشارتر من السياح كانت كلها مكتملة العدد، كما وصلت الى مرفأ بورغاس باخرة تحمل 700 سائح منهم 500 يهودي، وقد قطعت السلطات البلغارية الطرق الى المرفأ لحظة وصول الباخرة ونزول الركاب.
وأفاد مصدر بلغاري فضل عدم الكشف عن هويتـــــه ان عدد الداخلين (المسجلين) الى بلغاريا من اليهود الإسرائيليين، قد فاق عدد العراقيين (الذيـــن كانوا يتصدرون لائحة الوافـــــدين الأجانب منذ الحرب على العراق سنة 2003).
ويضيف المصدر ان مدة مكوث أولئك الداخلين من اليهود تزيد على الأسابيع فلا ينطبق عليهم وصف السياح العاديين. ويضيف المصدر ان العدد الأكبر من السياح الإسرائيليين ذوي الإقامات التي تتعدى الأسابيع هم من اليهود الروس، وهم يتكلمون اللغة الروسية فقط ولكنهم يقدمون انفسهم على انهم اسرائيليين، ويمتلكون جوازات سفر إسرائيلية. وهذا ما يدفع الى التفكير في ان السلطات الإسرائيلية المنزعجة من النسبة الكبيرة لليهود الروس في إسرائيل واحتمالات تأثيرهم على السياسة في ما لا يرضي اليهود الغربيين المسيطرين حتى الآن على إسرائيل، بدأت تعمل على إعادة ترحيل قسم من اليهود الروس وترتيب اقامتهم في بلغاريا، بعد منحهم الجنسية الإسرائيلية، بهدف اما اعادتهم الى روسيا (في حال نشوء ظروف «ملائمة»)، كي يشكلوا «جالية إسرائيلية» هناك، وأما إبقائهم في بلغاريا وخلق نوع من «مستعمرة إسرائيلية» في بلغاريا. وهذا ما يفسر اقدام المتمولين اليهود الروس الكبار (من يسمون الاوليغارشيا، وعلى رأسهم الملياردير ليف ليفايف) على شراء الأراضي والعقارات في بلغاريا بكثافة، ووضعها تحت تصرف «السياح» اليهود الإسرائيليين.
الوجود الاسرائيلي في بلغاريا
وبصرف النظر عن الجهة، الداخلية البلغارية المعادية لليهود او الخارجية، التي نفذت التفجير، فإن هذا التفجير سلط الضوء بقوة على الوجود اليهودي الاسرائيلي في بلغاريا وتكثيفه. وهو ما يجد انعكاسه على التصرف الأرعن للحكومة الاسرائيلية والتصرف المتذبذب للحكومة البلغارية. ونشير هنا الى الوقائع التالية:
1- يعمد اليهود البلغار - الاسرائيليون، الذين رحلوا الى اسرائيل سنة 1949، وعددهم حوالى 50 الفاً حينذاك، الى المطالبة باستعادة املاكهم في بلغاريا، التي كانوا قد باعوها وقبضوا اثمانها في حينه، وهم يدعون انهم اجبروا على الرحيل وعلى بيع أملاكهم بأثمان بخسة. وهم لا يعودون كي يتسلموا أملاكهم ويستفيدوا منها او يبيعوها، بل يسلمونها الى جهات يهودية معنية كمنظمة «شالوم» اليهودية البلغارية الصهيونية.
2- تعمد إسرائيل الى الضغط على بلغاريا للسير في ركاب سياستها العدوانية، ولكن ليس الى حد ان تخسر مشروعها «الإسكاني» في بلغاريا.
3- لا تريد الحكومة البلغارية ان تخسر المداخيل الكبيرة التي تؤمنها السياحة و «الاستيطان» الإسرائيليان، وفي الوقت ذاته لا تريد ان تدخل في مواجهة مكشوفة مع العالم العربي ومع روسيا، مما يكبدها خسائر اكثر بكثير مما تكسبه من إسرائيل والاوليغارشيا (المليارديرية) اليهودية.
انطلاقاً من هذه المعطيات يمكن القول انه: اذا كان تفجير بورغاس قد افزع إسرائيل وكشف خاصرتها الضعيفة بأن سياستها العدوانية ستجعل يهود العالم كلهم في خطر دائم على حياتهم وأعمالهم؛ فإن هذا التفجير ذاته قد جاء لينبه الدولة البلغارية الى ضرورة المحافظة على استقلالها، وان الانجرار وراء الإغراءات الإسرائيلية لن يكون ذا فائدة لبلغاريا في الحساب الأخير.
 
 السلاح الكيماوي السوري فجأة في دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي
الحياة..ماجد الشّيخ *
ازداد في الآونة الأخيرة الاهتمام بمخزونات أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها سورية، وفي مقدمها الأسلحة الكيماوية والجرثومية. وتعززت المخاوف مع تحذير اطلقه السفير المنشق عن النظام نواف الفارس، من ان النظام مستعـــد لاستخدام ترسانته الكيماوية اذا باتت ايامه في الحكم معدودة.
وفي حين لا تتوافر بيانات عامة حول الترسانة السورية، لأن دمشق ليست عضواً في منظمة حظر الاسلحة الكيماوية، يبدي الاسرائيليون اكبر قدر من القلق. وادعى مساعد رئيس الاركان الجنرال يائير نافيه قبل فترة قليلة، أن «سورية جمعت أكبر ترسانة من الأسلحة الكيماوية في العالم». وتابع أنها «تملك صواريخ وقذائف قادرة على الوصول الى أي نقطة على الأراضي الإسرائيلية».
يقال ان البرنامج السوري «متطور الى حد كبير»، كونه يضم منتجات تقليدية، على غرار غاز الخردل، الذي استُخدم بشكل كبير في الحرب العالمية الاولى، وكذلك غاز السارين وغاز الاعصاب (في. إكس.) القاتل. وبدأت دمشق تطوير هذا البرنامج في السبعينات والثمانينات بمساعدة الاتحاد السوفياتي، لتعزيز قدراتها الرادعة في مواجهة إسرائيل، غير انها لم تستخدم الاسلحة الكيماوية في حروبها تلك، ولا سيما في حرب لبنان عام 1982.
ولاحقاً، استفاد النظام السوري من مساعدة ايران «لبناء مراكز انتاج» والتزود المواد اللازمة، وفق تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لعام 2008. وأشارت دراسة اخرى للمركز، الى امتلاك سورية ما لا يقل عن اربعة او خمسة معامل للأسلحة الكيماوية قرب دمشق وحلب وفي حماة، وهي احدى المدن المركزية في الانتفاضة الشعبية.
 خطط طوارئ بوسائل عسكرية
اتسعت دائرة المهتمين بهذه القضية نتيجةَ التحريض الإسرائيلي، ومؤخراً تحدثت مصادر مقربة من الاستخبارات الإسرائيلية (الثلثاء 24 تموز/ يوليو)، عن وضع كل من إسرائيل والأردن وتركيا والولايات المتحدة الاميركية جيوشَها في حالة تأهب للسيطرة على الاسلحة الكيماوية السورية اذا جرى نقلها من مكانها، أو تم تحريكها باتجاه لبنان لنقلها الى حزب الله.
وتفادياً لفوضى انتقال الأسلحة الكيماوية أو استخدامها، ذكرت صحيفة «تايمز» البريطانية، أن قوى غربية، بما فيها بريطانيا، وإقليمية تعمد إلى رسم خطط طوارئ لتأمين الأسلحة الكيماوية السورية بوسائل عسكرية إذا اقتضت الضرورة، وقالت إن بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وإسرائيل والأردن تتعاون في هذا الصدد، مشيرة إلى أن مصادر إسرائيلية وبريطانية أعربت عن القلق العميق في شأن احتمال فقدان الحكومة السورية سيطرتها على مخزونها من الأسلحة الكيماوية، الذي يعتبر الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، وفق تعبير الصحيفة، التي تنقل عن العميد مايكل هيرتزوغ من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بالقدس، قوله إن «النقاش يدور حالياً بين الحكومات» في شأن التخطيط العسكري.
وقالت مصادر بريطانية إن المملكة المتحدة تشارك في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن قضية الأسلحة الكيماوية، نافية أن تكون هناك خطط لمشاركة جنود بريطانيين في أي عملية عسكرية. والسيناريو المرجح -كما تقول تايمز- ينطوي على قيام قوات أردنية خاصة بالعملية، بدعم عسكري من الغرب. وقد أكد مصدر بريطاني أن المواقع الكيماوية لا تزال «تحت مراقبةٍ عن كثب» من فرقِ عدد من الدول، مضيفاً أن الحكومة السورية قادرة حتى الآن على «حماية الأسلحة بكل مسؤولية»، فإلى متى يبقى النظام قادراً على حماية تلك الأسلحة؟ وما مصيرها في حال سقط النظام فجأة؟
في تقاطع مع هذه المعلومات، وفي السياق ذاته، كشف تقرير أصدره المعهد الملكي للدراسات الأمنية والدفاعية في لندن، يوم الأربعاء 25 تموز (يوليو)، أن التخطيط لتدخل عسكري محتمل في سورية يجري حالياً في عواصم غربية وتركيا والأردن. وقال التقرير إن هذا التحرك «تم بدافع المخاوف من احتمال وقوع الأسلحة الكيماوية السورية في الأيدي الخطأ، ومنْع الحرب الأهلية المتفاقمة في سورية من الانتقال إلى دول الجوار». لكن التقرير استبعد احتمال القيام بغزو على نطاق كامل، مرجحاً «عملاً محدوداً لحماية المدنيين، أو من أجل تأمين ترسانة الأسلحة الكيماوية وتدميرها، يمكن أن يشمل أيضاً تسليح جماعات المعارضة السورية، أو تجميع تحالف دولي من أجل العمل العسكري». واشار إلى أن مشكلة احتواء الأزمة في سورية ومنعها من توسيع دائرة العنف وتفتيت الدول المجاورة وإثارة حتى الغزوات عبر الحدود، «هي الآن أكثر إلحاحاً من تخفيف حدة العنف داخل سورية، بعد أن صارت مهيأة للتنافس بالوكالة».
لهذا يقترح التقرير أن إيران وروسيا «قد تكونان مستعدتين لمحاولة القيام بتحرك داخلي محكم، من خلال العمل على استبدال الرئيس بشار الأسد بشخصية سنية مفضَّلة». جاء ذلك في الوقت الذي صرح فيه نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف في اليوم ذاته، أن نظام الرئيس السوري بشار الاسد قدّم «ضمانات أكيدة» لروسيا بأن الأسلحة الكيماوية مخزنة في أمان تام.
 عملية جراحية
ووفقاً لما نشره موقع «تيك ديبكا» الإسرائيلي، الموصوف بالمقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، فإن حالة التأهب وجهود منع نقل الأسلحة تتم بتنسيق بين الجيوش المذكورة. لكن المشكلة الأساسية التي تواجه تلك الجيوش المستنفرة، تتمثل بالفترة الزمنية القصيرة التي يستغرقها نقل الأسلحة الكيماوية من سورية الى لبنان، حيث لا يحتاج الأمر لأكثر من ساعتين من لحظة تحرك شحنات الأسلحة حتى وصولها هدفَها النهائي في البقاع اللبناني، فيما تُعتبر عملية إنزال قوات عسكرية في البقاع بمثابة إعلان حرب على حزب الله، لذلك يفضل الجيش الإسرائيلي، والأميركي على وجه الخصوص، وقْفَ شحنات الأسلحة داخل الأراضي السورية قبل ان تجتاز الحدود اللبنانية.
وبسبب الفترة الزمنية القصيرة، فإن الحديث يدور عن عملية عسكرية سريعة وقصيرة تشبه العملية الجراحية، توجَّه ضد مواقع محددة في سورية، لمنع عملية نقل أسلحة من دولة الى اخرى، في ظل إجراءات تمويه وتستر دقيقة ومتنوعة. وقال الموقع إن طرح موضوع نقل الأسلحة الكيماوية من سورية الى لبنان من مسؤولين أميركيين وإسرائيليين خلال الايام الماضية، شابَهُ الكثير من التضليل وعدم الدقة، وخلق صورة بعيدة عما يحدث على ارض الواقع.
ونقل الموقع عن مصدر أميركي، أن سورية تحتفظ بمخزونها من هذه الأسلحة شمال غرب دمشق داخل قاعدة «السفيرة» التابعه للحرس الجمهوري السوري، والتي تتلقى أوامرها حصرياً من الرئيس بشار الأسد مباشرة، مستدركاً: لكن اذا شاهد قادة هذه القاعدة انهيار النظام في دمشق، كما حدث تقريباً يوم 18 تموز (يوليو) في أعقاب الانفجار داخل مقر الأمن القومي، فيمكن هؤلاء القادة ان يقرروا الفرار الى لبنان مصطحبين معهم أسلحتهم الكيماوية كضمانة لهم ولمستقبلهم، وفي هذه الحالة، لا يمكننا معرفة ماذا يمكن هؤلاء القادة ان يقرروا في كيفية استخدامهم الأسلحة التي يحرسونها.
في اليوم التالي لتفجير مقر الأمن القومي في دمشق (19 تموز)، كشفت مصادر إسرائيلية متعددة عن تأهب الجيش الإسرائيلي للقيام بعمليات عسكرية للسيطرة على الأسلحة الكيماوية السورية، وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية أن مباحثات جرت بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين مؤخراً حول عزم إسرائيل شن هجوم محتمل على مواقع الأسلحة الكيماوية السورية والسيطرة عليها. وأشارت الإذاعة إلى أن المسؤولين الاميركيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين عدم تأييد الولايات المتحدة قيام إسرائيل بمثل ذلك الهجوم والسيطرة على الاسلحة الكيماوية، لأن ذلك قد يمنح الرئيس السوري بشار الاسد الفرصة لحشد الدعم لنظامه ضد التدخل الإسرائيلي.
وفي ظل التأهب الاسرائيلي لإمكان أي تدخل عسكري، أغلقت القوات العسكرية الإسرائيلية ظهر الخميس (19 تموز) هضبة الجولان السوري المحتل، بعد أنباء وصلتها تفيد بقرب وصول مسلحين سوريين معارضين لنظام بشار الاسد من الحدود مع الجولان، على حد قولها، بينما أعلن الجيش الاسرائيلي انتشار قوات كبيرة من الجيش، بحجة أن المنطقة السورية من الهضبة شهدت الخميس اشتباكات مسلحة بين الجيش السوري والمعارضة. وجاء اغلاق هضبة الجولان بعد مرور ساعة واحدة على مغادرة وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الحدود السورية التي كان في زيارة ميدانية لها.
في اليوم ذاته، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالاً للكاتب ديفيد إغناتيوس، يتناول فيه أهم القضايا التي يجب أن تعالجها الولايات المتحدة بعد سقوط نظام الأسد حتى تتفادى فراغاً في السلطة، مثلما حدث في العراق عام 2003. وأوضح الكاتب أن تأمين ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية هو أحد أسباب اهتمام واشنطن بإنجاز انتقال منظم للسلطة، إذ ترغب أميركا في أن تتعاون المعارضة مع عناصر مقبولة من النظام والجيش. وأشار إلى أن هذا النهج الأميركي الثابت والبطيء قد أغضب بعض قادة المعارضة الذين يفضلون قطع رأس النظام وانتقالاً ثورياً.
بالرغم من كل هذا، فإن نتانياهو يفضل ألاّ ينفي امكانية القيام بعملية في سورية في حال سقوط الاسد، إذ قال في مقابلة مع شبكة (فوكس نيوز) الاميركية (22 تموز)، إن إسرائيل قلقة من احتمال وصول الأسلحة الكيماوية الى منظمات ارهابية، وإن مثل هذا الامر يدفع حكومته الى اتخاذ خطوات لمنع هذا الاحتمال الفتاك. كما ادعى نتنياهو ان الحاجة للقيام بعملية اسرائيلية في سورية قد تزداد في حال انهيار النظام ولكن ليس في حال تغيير الحكم في سورية. وتابع قائلاً، كما افادت صحيفة «معاريف» (23 تموز)، إن عجز الجيش السوري عن وقف التمرد العنيف ضد نظام الاسد يزيد من المخاوف حول قدرة الحكومة على حماية مخازن السلاح الكيماوي.
 * كاتب فلسطيني
 
سورية والعراق... الأزمة العميقة
الحياة..أحمد جابر *
العلاقة الحالية بين سورية والعراق، لا تحجب تاريخ الخصام السياسي الطويل، وتصريحات الإيجاب العراقية، المتعلقة ببعض تجليات الأزمة السورية، لا تلغي وقائع السلب، التي تردد صداها حتى الأمس القريب، علانية، ولعله ما زال يتردد في غرف «الصوت» المغلقة. قام بين البلدين حزب واحد، واستمرت بينهما خصومة دائمة. تغذي الخلاف، الذي لم يضع العصا عن كاهله إلا قليلاً، من النظرة إلى دور كل من البلدين، ضمن المنظومة العربية، وعلى خريطة القضايا الإقليمية الصراعية، هذه التي كانت تحمل عناوين فلسطينية وتركية وإيرانية... وفي مواجهة «الإمبريالية والاستعمار».
تقدمت سورية على العراق بسبب وجودها على تماس خط الطوق مع العدو الإسرائيلي، ولم يسلم العراق بهذا التفوق الجغرافي، لأنه صنف البلد عمقاً استراتيجياً «للطوق»، ومدى حيوياً له. لكن الوجود على خط تماس الأزمات، مع ما رمز إليه من أفضلية موضوعية، تبدل عندما هدأت جبهة الجولان، واشتعلت الحرب مع إيران. انتقلت الصفات ولبست لبوساً آخر غير ذاك الذي كان لها، ومع هذا الانتقال صار قائد البعث العراقي، حارساً للبوابة الشرقية الملتهبة، وصار قائد البعث السوري حارساً للهدوء على جبهة الصراع في الجولان السوري المحتل، الذي هو تماس سورية مع قضية فلسطين العربية. وما زاد الأمور تفاقماً، إعادة قراءة أحكام الدور الذي تمسك به الرئيس الراحل حافظ الأسد، فانتقل إلى مساندة إيران في حربها، فكان تغطية عربية مثلى في وجوه النعوت الفارسية، الصادرة من الجهة العراقية، وظلّ صوتاً إيرانياً لدى دول الخليج، تقول نبراته أنه يستطيع لعب دور في درء الخطر الإيراني المفترض، عن ديارها.
خففت حرب تحرير الكويت من حدة احتقان العلاقة السورية – الخليجية عموماً، لكن النتائج عادت لتراكم عناوين احتقان أخرى، تغذت دائماً من النظر السوري إلى دور سورية في المنطقة عموماً، وإلى المصالح العامة التي قد تنجم عن اعتمادها لاعباً إقليمياً معترفاً به، من قبل المرجعية الدولية. أدى انفجار العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين إلى نقل الأمور إلى منطقة سياسية مغايرة، بخاصة بعد تنامي واستقرار العلاقة السورية الإيرانية، داخل العراق، وعلى كامل الرقعة الجغرافية، التي اعتبرت مجالاً سياسياً حيوياً لكل من الحليفين «المتجددين».
 المذهبية في العراق
في العراق المتفجر، تقدمت المذهبية على ما سواها، وباتت سورية طرفاً فيها، من موقع دعم المعارضة الموسومة «بالسنية» السياسية، ومن وضعية دعم الحكم، الموسوم بهيمنة الشيعية السياسية لاحقاً. ولم يقتصر الأمر على رفض انحياز السياسة السورية إلى مذهبيات داخلية، بل طال الرفض طيف «النزعة الوطنية العراقية»، التي نهضت في مواجهة محاولات الإلحاق، الإيرانية، وعلى الضد من سياسات الاستتباع التي سهلتها المساومات الأميركية مع إيران، ويسرت لها منوعات البنية العراقية، التي تدمج علاقات موروثة، من القبلية والعشائرية والدينية. بمعنى متحفظ، قاوم النزوع الوطني العراقي، سياسة الإطاحة الداخلية والخارجية، بما حقق العراق من اندماج اجتماعي، في ظل الديكتاتورية السابقة، لأنه رأى في نتائج تبديد «إنجازات الاندماج»، مقدماتٍ لإصابة بنية الكيانية العراقية، وتهديد مصير ديمومتها، وإلغاء احتمالات تعافيها.
في كل هذه المطارح، المذهبية والوطنية، كان النظام السوري خصمـــــاً متلاعباً، وكان دوره يتضائل من لاعبٍ سياسي أول، إلــــى تابعٍ أول للسياسات الإلحاقية الإيرانية. كحصيلة عامة، لا تشكل الذكريات السياسية بين العراق وسورية، مرجعيـــة إيجابية للعلاقة بين البلدين، بل إن عنوان الخلاف على اختلاف درجات حدته، ظلّ هو الطاغي. لا تحتل سورية مكانةً مفصلية مقررة في الشأن العراقي على غرار ما هو الوضع في لبنان، على سبيل المثال. للدلالة على ذلك، تســهـــل ملاحظة أن العراق عاش من دون روابط سورية طويلاً، وهو قادرٌ على أن يفعل ذلك الآن، عندما تصير الحساباتُ حسابات أوطان وإمكانات، وعندما تطرح المواضيع وفق منظور الاستقلالية المطلوبة، والاتصال الضروري.
على هذا الصعيد يمكن تكرار القول إن سورية في العراق ليست شأناً داخلياً، يعيد طرح إشكالية كم الداخل العراقي داخلاً سوريةً؟ وكم الخارج السوري داخلاً عراقياً؟ ليست المسألة مسألةً وجودية، ولا ترتبط بمعضلة كيانية خاصة تجمع البلدين، جل ما فــي الأمر، حالياً وفي الماضي غير البعيد، أن العراق المتبادلة، قامت على سياسات آنية متبدلة، كانت تفاهم القصير سمة لها أحياناً، وكان سوء التفاهم، بل الخصام الطويل والشديد، سمتها الغالبة.
الآن، وفي ظل الانفجار السوري، المتتابع فصولاً، تنفتح العلاقة السورية - العراقية على موروثاتها، مثلما ترتبط بآنياتها. في الموروثات، وكما تقدم، يستمر النزاع على تعريف موقع كل من البلدين، وعلى أهميته، وعلى أولوية مصالحه. ومن الماضي، لا يقر العراقيون بغالبيتهم، بقيادية حزب البعث، ولا بريادية القائد الأوحد، ويظهرون ارتياحاً لخلاصهم من كل الإيديولوجيا، التي شرعت العراق أمام الأطماع والتدخلات الأجنبية.
ومن الماضي – الحاضر، أن النفوذ الإيراني مرفوض عراقياً، على صعيد موضوعي، ولا تجمله عبارات «مقاتلة الاستكبار العالمي»، ولا تعطيه شرعية وطنية عراقية عامة، مطابقته المذهبية مع مذهبيةٍ داخليةٍ غالبة. إلى ذلك فإن «إسلامية» الخطاب الإيراني، التي تحاول شرعية جمعية، ما فوق محليةإقليمية، تعاني من وقائع التفنيد اليومي، في السياسات المتبعة على مستويات إقليمية، وفي الديار العربية. كل ذلك، يضع السياسة السورية في موضع الطرف المناوئ، وفق القراءة العراقية، لأنها ما زالت في موقع الحليف لمجمل السياسات الإيرانية.
بالتساوق مع ما تقدم، يتوزع العراقيون النظرة إلى الأوضاع السورية، انطلاقاً من حسابات المصالح المباشرة، من دون أن يكون لهم قرار الحسم الأخير، في ظل تغلغل النفوذ الإيراني في كواليس صناعة قراراتهم الداخلية. ولأن الأوضاع الداخلية العراقية متفجرة، مثل شقيقتها السورية، فإن توزع النظرات سيبنى عليه توزع السياسات والإنشطارات. ما هو مؤكد، والحال ما نذهب إليه، نشوء انتظارية عراقية، تواكب عنفياً، مجريات العنف السوري، وسياسة ترى في زوال النظام في سورية، فرصة لتثقيل موازينها في مواجهة أندادها الداخليين، وفي معارضة جارها «اللدود»، القادم من الجهة الإيرانية.
إنتظار دامٍ! نعم، فكل الإنتظارات العربية دامية، والربيع يتأخر كثيراً حتى يدخل من كل الأبواب، السورية والعراقية... والعربية عموماً.
 * كاتب لبناني
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 172,074,457

عدد الزوار: 7,659,054

المتواجدون الآن: 0