تقارير.....الأزمة الأمنية التي لا نهاية لها في العراق....السقوط والاختفاء في عَمّان: صعود جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية وأفول نجمها

صعود السلفية الفارسية....«حزب الله» كمنظمة إجرامية

تاريخ الإضافة الخميس 10 تشرين الأول 2013 - 9:01 ص    عدد الزيارات 2609    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

«حزب الله» كمنظمة إجرامية
ماثيو ليفيت
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "«حزب الله»: البصمة العالمية الواضحة لـ «حزب الله» اللبناني". وقد نُشر هذا المقال في الأصل في مجلة فاذُوم في عددها الصادر في خريف 2013.
في تموز/يوليو الماضي، صنّف الاتحاد الأوروبي رسمياً ' الجناح العسكري ' لـ «حزب الله» على أنه منظمة إرهابية. وقد كانت تلك خطوة لطالما طال انتظارها، وجاءت لكي توضح لـ «حزب الله» في لبنان بأنه سيدفع ثمناً سياسياً جراء ممارساته الإرهابية المستمرة وأفعاله الإجرامية والقتالية. وعلى مدى عقود كان هناك شعور لدى «حزب الله» بأنه يتمتع بقدر من الحصانة. فقد وقفت أوروبا موقف المتردد أمام تحميله مسؤولية أفعاله بسبب وضعه السياسي داخل النظام السياسي اللبناني ذي التوازن الحساس. إلا أن سقف تجنب مواجهة «حزب الله» لم يتحمل ثقل الأدلة التي تشير إلى أنشطة الحزب على الأراضي الأوروبية - ليس أقلها التفجير الذي خلّف خمسة ضحايا إسرائيليين وسائقهم البلغاري في بورغاس في عام 2012 - الأمر الذي أوضح أن تجنب المواجهة مع «حزب الله» هو موضوع لا يمكن الدفاع عنه.
لقد استند قرار الاتحاد الأوروبي بوضع «حزب الله» على القائمة السوداء جزئياً على المعلومات التي ظهرت في آذار/مارس عندما أدانت محكمة قبرصية عميل «حزب الله» - المواطن يحمل جنسيتين سويدية ولبنانية حسام يعقوب - وحكمت عليه بالسجن لمدة أربع سنوات. وقد أدين يعقوب بتهمة الاشتراك في مجموعة للجريمة المنظمة والتحضير لعمل إجرامي إضافة إلى اتهامات أخرى. وكان قرار رئيس هيئة المحكمة المكونة من ثلاثة قضاة كالتالي: ' لقد ثبت أن «حزب الله» منظمة تعمل تحت غطاء من السرية التامة. ليس هناك أدنى شك في أن هذه الجماعة تضم عدة أعضاء وتضطلع بأنشطة مختلفة من بينها التدريب العسكري لأعضائها. لذلك، قررت المحكمة تصنيف «حزب الله» على أنه منظمة إجرامية '.
لم تكن هذه سوى أحدث القضايا وأبرزها التي يثبت فيها أمام المحاكم أن «حزب الله» يعمل كمجموعة للجريمة المنظمة في أوروبا. وفي الواقع، كان «حزب الله» يتصرف على هذا النحو لسنوات، حيث اشترك في أعمال إجرامية بما في ذلك الاتجار بالمخدرات وتزييف العملة الأوروبية.
"الجريمة الخطيرة والمنظمة"
ينبع اضطلاع «حزب الله» بالأنشطة الإجرامية من حاجته إلى توفير التمويل وخاصة من أجل التأسيس لاستقلاليته عن مموليه في طهران ودمشق في الوقت الذي يواجه فيه كل منهما حالة من انعدام الأمان المالي. وكانت التقديرات تشير فيما مضى إلى أن «حزب الله» يتلقى ما بين 100 مليون و 200 مليون دولار سنوياً من إيران ومصادر إضافية من سوريا. غير أن هؤلاء الشركاء لم يكونوا على مستوى الكرم المعهود على مدار السنوات القليلة الماضية. إذ تواجه إيران حالياً عقوبات اقتصادية مدمرة فضلاً عن أن الدولة السورية غارقة في حرب أهلية. ومن هنا تأتي أنشطة «حزب الله» الإرهابية التي تهدف إلى سد تلك الفجوة.
ويدير عملاء «حزب الله»إحدى أكبر العمليات الإجرامية وأكثرها تعقيداً في العالم. وقد عملت تلك الأنشطة الإجرامية على تقوية شوكة المنظمة وزادت من صعوبة قدرة الدول الغربية على تقويضها. وحددت هيئة الشرطة الأوروبية الـ "يوروبول" في تقريرها "تقييم تهديد الجريمة الخطيرة والمنظمة" لعام 2013 العديد من ' العناصر المساعدة على الجريمة '. وشملت تلك العناصر ' النقاط الساخنة اللوجستية ومجتمعات المهاجرين والفساد واستخدام الهياكل التجارية القانونية والفرص العابرة للحدود وانتحال الشخصية وتزوير المستندات والعنف '. ويستغل «حزب الله»جميع هذه العناصر، ليس فقط في أوروبا، بل في العالم أجمع.
ومعظم ما تم الكشف عنه فيما يخص أنشطة «حزب الله» في أوروبا حتى الآن يأتي من التحقيقات الأمريكية. فلطالما صُنف «حزب الله» كمنظمة إرهابية من قبل الحكومة الأمريكية وهو ما أدى إلى حصول هيئات إنفاذ القانون والمخابرات لديها على السلطة القانونية اللازمة لإجراء التحقيقات على أنشطة «حزب الله». وكان الحال مغايراً لذلك في أوروبا حتى وقت قريب. غير أن جميع القضايا التي تضم «حزب الله» تقريباً هي قضايا عبر وطنية بطبيعتها، الأمر الذي يسمح حتى للمحققين الأمريكيين الفرصة للكشف عن بعض من أنشطة «حزب الله» في أوروبا. ومن المرجح أن تكون هناك المزيد من الأنشطة التي سوف يتم الكشف عنها الآن نتيجة لتغير السياسة الأوروبية تجاه هذا الشأن.
شبكة الكوكايين
استغل «حزب الله» الفرص المتاحة عبر الحدود للاتجار في الأسلحة والأموال النقدية والمخدرات. ففي عام 2008، اعتقلت السلطات الألمانية في مطار فرانكفورت رجلين لبنانيين يحملان أكثر من 8 مليون يورو كانت قد جمعتها شبكة تهريب الكوكايين التابعة لـ «حزب الله». وقد تلقى الرجلان تدريبات في معسكرات تابعة لـ «حزب الله»، إلا أنه لم يتم اعتقالهما بسبب أنشطة إرهابية أو قتالية، بل بسبب الاتجار في الكوكايين. وقد عُثر على آثار للكوكايين على الأوراق المالية، إلى جانب بصمة إصبع لمهرب مخدرات هولندي شهير. وبعد ذلك بعام، تم اعتقال رجلين آخرين من نفس الشبكة تورطا في نقل المخدرات من بيروت إلى أوروبا، وذلك في مداهمة لأحد المنازل في مدينة شباير.
وفي عام 2009، لاحظ الأدميرال جيمس ستافريديس، قائد القيادة الجنوبية الأمريكية آنذاك، وجوداً كبيراً لتجار المخدرات التابعين لشبكات إرهابية في غرب أفريقيا الذي أصبح ' نقطة انطلاقهم ' إلى أوروبا. وفي أواخر شباط/فبراير 2012، أبلغ يوري فيدتوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، مجلس الأمن الدولي بأن ' طريق النقل في غرب أفريقيا يغذي سوق الكوكايين الأوروبية التي تضاعفت أربع مرات خلال السنوات الأخيرة... وتشير تقديراتنا إلى أن تجارة الكوكايين في غرب ووسط أفريقيا تحقق نحو 900 مليون دولار سنوياً '. وقد كشفت التحقيقات الأمريكية عن أن «حزب الله» لاعب رئيسي في نقل المخدرات والأموال من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا والشرق الأوسط عبر غرب أفريقيا.
غسل الأموال
في كانون الثاني/يناير 2011، تم تعطيل أحد أكبر مخططات تجارة المخدرات وغسيل الأموال لـ «حزب الله». فقد كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن تورط عميل «حزب الله» أيمن جمعة، إلى جانب تسعة أفراد آخرين و19 شركة. وقد كشف تحقيق لـ "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية عن أن جمعة كان يقوم بغسيل ما يصل إلى 200 مليون دولار شهرياً من بيع الكوكايين في أوروبا والشرق الأوسط عبر عمليات في لبنان وغرب أفريقيا وبنما وكولومبيا، وذلك باستخدام البيوت لتبادل الأموال، فضلاً عن كميات كبيرة من النقود المهربة ومخططات أخرى. وقد قامت شبكة جمعة بغسيل الأموال من خلال حسابات في "البنك الكندي اللبناني" التي استخدمها لتنفيذ مخططات متطورة لغسيل الأموال قائمة على عمليات تجارية.
مشتريات الأسلحة
كشف "مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكي عن مخطط واسع لـ «حزب الله» ليس فقط لبيع العملة المزيفة المزورة والمسروقة، ولكن أيضاً لشراء قائمة طويلة من الأسلحة المتطورة. ووفقاً لمسؤولي إنفاذ القانون، كان مقاتل «حزب الله» حسن كراكي يساعد في أواخر عام 2000 على قيادة مؤامرة إجرامية واسعة لبيع عملات مزيفة ومسروقة إلى عميل سري لـ "مكتب التحقيقات الفيدرالي" كان متنكراً كعضو في عالم الجريمة المنظمة بفيلاديلفيا. وقد كشف مسؤول سري لجماعة من محتالين لبنانيين مشكوك فيهم أنه يستطيع بيع البضائع المسروقة. وقد اشترى أعضاء الجماعة ما كانوا يعتقدون أنه بضاعة مسروقة من العميل السري وأرسلوها إلى وجهات متباينة مثل ميشيغان وكاليفورنيا وباراغواي والبرازيل وسلوفاكيا وبلجيكا والبحرين ولبنان وسوريا وإيران.
ووفقاً للتفاصيل التي كشفها مسؤولو إنفاذ القانون، وكذلك ما ظهر في محاكمة لاحقة في الولايات المتحدة، جاءت الأموال الخاصة بهذه المشتريات من داني طراف، وكيل مشتريات يحمل الجنسيتين الألمانية واللبنانية تابع لـ «حزب الله» ويملك منازل في لبنان وسلوفاكيا. ولم يضيّع طراف الكثير من الوقت قبل استفساره عما إذا كان الوكيل يستطيع توفير صواريخ موجهة و10,000 مدفع رشاش لـ ' الصاعقة ' من الولايات المتحدة. وبهذا، تسلم المحققون الأمريكيون على طبق من ذهب قضية كبرى لـ «حزب الله» تتعلق بجمع الأموال الإجرامية ومشتريات الأسلحة. وفي مؤامرة موازية، أشرف عليها السياسي في «حزب الله» حسن حدرج، سعى «حزب الله» إلى شراء قائمة طويلة من الأسلحة المتطورة عن طريق مخطط في السوق السوداء يشمل عملاء في جميع أنحاء العالم.
طباعة عملة اليورو على طريقة «حزب الله»
في ضوء شبكة الاتصالات العالمية لطراف، رأى المحققون أنه يعتبر الهدف الأكثر قيمة لعمليتهم. لكن أولويتهم التالية انصبت على ديب حرب، صهر حدرج والزميل المقرب لكراكي. وفي النهاية اقترب مصدر من "مكتب التحقيقات الفيدرالي" من حرب، الذي كشف النقاب عن أن إيران تعمل على تزييف العملات بجودة عالية مستخدمة مرافق في منطقة بعلبك في لبنان، حيث تعمل 18 ساعة في اليوم لإعداد العملات المزيفة لاستخدام «حزب الله». وقد كان حرب يبحث عن مشترٍ للأموال المزيفة.
وكما كشفته تحقيقات الولايات المتحدة، سافر مصدر "مكتب التحقيقات الفيدرالي" إلى بيروت في منتصف شباط/فبراير عام 2009 للقاء رئيس حرب، كراكي، الذي بدا أنه يشعر بالارتياح عند مناقشة أمر «حزب الله» وروابطه الشخصية بالجماعة. وقد عرض كراكي أموالاً مسروقة وأخرى مزيفة وشدد للمصدر على أن العملة المسروقة لا يمكن إنفاقها في لبنان لأنها ' دية قتيل ' هربها «حزب الله» من إيران عبر تركيا وسوريا إلى لبنان. وقد أُخبر المصدر بأن المبلغ المسروق من العراق هو أقل بقليل من 10,000 دولار. وقد فسّر ذلك سبب حرص «حزب الله» على إنفاق الأموال بكميات صغيرة فقط، وليس في لبنان.
وقد تابع مساعد كراكي الاجتماع، حيث لم يكتفِ بإرسال عينات من العملة الأمريكية المزيفة فئة 100 دولار، لكن أرسل أيضاً أوراق أوروبية فئة 200 يورو. وفي نيسان/أبريل 2009، أرسل كراكي حرب لحضور اجتماع في جنوب ولاية فلوريدا مع المصدر ومع ما يُزعم أنه الرئيس للمصدر في الجريمة في فيلاديلفيا. وقد تفاوض الرجال على شروط بيع العملة الأمريكية المسروقة والعديد من العملات المزيفة. ووفقاً لحرب، شملت أيضاً عملية التزييف التي قام بها «حزب الله»عملة من الكويت والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي. وقد أظهر حرب في مرحلة ما للعميل السري ورقة من عملة الكرونة السويدية عليها بُقع من نظام أمني للصبغ تستخدمه البنوك لتحديد الأموال المسروقة. ووفقاً لحرب، كانت الورقة جزءً من عملية سطو على أحد البنوك وسرقة 2 مليون دولار قام بها أنصار «حزب الله» في السويد. وقد أوضح أن خلايا «حزب الله» تنفذ عمليات سرقة في جميع أنحاء العالم وترسل الأموال إلى إيران، حيث يتم الاحتفاظ بها قبل توزيعها في نهاية المطاف على «حزب الله» في لبنان.
وقد أوضح حرب كذلك أن «حزب الله» لا يقتصر عمله على تزييف العملات فقط، وإنما يشمل تزييف وثائق أوروبية. وكراكي شخصية كبيرة في عمليات التزوير التي يقوم بها «حزب الله» - وهو دور يسمح له أيضاً بإصدار جوازات سفر مزورة ومنح أختام تأشيرة إذا كانت هناك حاجة لها. كما عرض العديد من أشكال جوازات السفر ومن بينها دفاتر أصلية من إيطاليا وجمهورية التشيك. وبعد بضعة أشهر من الاجتماعات في فلوريدا، سلّم حرب وكراكي جوازات سفر بريطانية وكندية مزيفة إلى مصدر "مكتب التحقيقات الفيدرالي" باستخدام الصور والمعلومات البيوغرافية التي كان قد قدمها (من مقابلة أجراها الكاتب مع موظفين مكلفين بإنفاذ القانون، 11 آذار/مارس 2010).
تحدي «حزب الله» لـ الاتحاد الأوروبي
كشفت هذه التحقيقات الأمريكية النقاب عن شبكة إجرامية عالمية ذات وجود رئيسي في أوروبا. وقد أدى اعتقال حسام يعقوب وإدانته في قبرص إلى افتتاح نافذة أخرى حول أنواع الأنشطة التي يضطلع بها «حزب الله». وكان قد تم اعتقاله بعد تنفيذه عملية مراقبة على المطار في قبرص بعد أن ساعد بالفعل على تنفيذ ' مهمات ' أخرى في فرنسا وهولندا، وذلك باستخدام جواز سفره السويدي الشرعي للعمل كساعي.
وحيث أصبح «حزب الله» أكثر نشاطاً في أوروبا، فقد اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة هامة في بدء مقاومة «حزب الله» من خلال تصنيف جناحه العسكري كجماعة إرهابية. لكن من خلال قصر التصنيف على ' الجناح العسكري ' لـ «حزب الله» فإن الاتحاد الأوروبي قوّض بشكل قوي من قدرته على مصادرة أية أموال بموجب نظام مصادرة الأصول الذي يطبقه.
ويرجح ألا ترِد حسابات «حزب الله» في أوروبا تحت اسم ' الجناح العسكري لـ «حزب الله» '. فمن الناحية القانونية، إن أي أموال مرتبطة بـ «حزب الله» لكنها غير مرتبطة صراحة بجناحه العسكري تبقى بعيدة المنال ومحمية في أوروبا. وبما أن الأموال يمكن استبدالها، فسوف يواصل «حزب الله» على الأرجح الحصول على الأموال في أوروبا لكن تحت مظلة الأنشطة السياسية والاجتماعية. إن تحويل الأموال لأغراض أقل ذاتية مثل ميليشيا الجماعة أو الأنشطة الإرهابية لن يكون صعباً، ومن ثم سوف تبقى الأنشطة الإجرامية والإرهابية بمستويات مرتفعة في أوروبا من دون إجراءات حازمة ومنسقة لوقفها.
 
صعود السلفية الفارسية
مهدي خلجي.... مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.
دأبت إيران على اتهام الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط بإثارة التوترات بين المسلمين الشيعة والسنة. ومن بين تلك الاتهامات الفكرة بأن الغرب يمول الشبكات التلفزيونية الفضائية الناطقة باللغة الفارسية والتي يتمثل هدفها الوحيد في إشعال الصراع الطائفي. وإذا ما نحينا مزاعم طهران التي تنم عن جنون الارتباك والشك، سنجد أن العديد من قنوات البث الفضائية الفارسية داخل الجمهورية الإسلامية وخارجها هي بالفعل في خضم حرب فضائية، كما أن حملاتها الدعائية المختلفة تشير إلى ظاهرة جديدة في إيران: صعود السلفية الفارسية. وحقيقة أن تفسيراً استثنائياً ومتزمتاً للإسلام السني آخذاً في التجذر في إيران الخاضعة لحكم الشيعة قد أثارت القلق بين نخبة النظام والمؤسسة الشيعية التقليدية.
الإيرانيون يكتشفون السلفية
منذ أوائل القرن العشرين أخذت السلفية في الانتشار عبر المجتمعات المسلمة من أوروبا إلى إندونيسيا. بيد أن قليلين هم من توقعوا أن تكتسب الكثير من الزخم في إيران في ضوء العداء المتأصل بين الإسلام السني والشيعي. فقد تسربت بوادر السلفية إلى البلاد قبل ثورة 1979، لكن تلك الطائفة لم تحظى بشعبية إلا مؤخراً نسبياً، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الحكم الشيعي والدعاية التي يقوم بها النظام. واليوم يأتمر بأمرها عدد غفير من الأتباع النشطاء في المناطق السنية مثل كردستان وبلوشستان وفي مدن كبيرة ذات أغلبية شيعية مثل طهران وأصفهان.
وينظر النظام الإيراني إلى التعددية الدينية بشكل عام على أنها تشكل تهديداً أمنياً، لكن صعود السلفية - الطائفة التي تعتبر الدين الرسمي للدولة بمثابة هرطقة - يمثل مشاكل أكثر خطورة. على سبيل المثال، يُنظر إلى البهائية على أنها تشكل تهديداً للمذهب الشيعي، لكن هيكلها يجعلها أكثر قابلة للاحتواء من السلفية. وأتْباع البهائية في إيران منظمون جيداً ويتمتعون بمركزية عالية وهم غير سياسيين، مما يجعل من السهل تعقبهم ولا يجعلهم يمثلون خطراً مباشراً. بيد أن السلفيين منتشرين في جميع أنحاء البلاد وتمثلهم منظمات عديدة ذات تباينات دينية وعقائدية. والأهم من ذلك، أضحوا أكثر نشاطاً على الساحة السياسية في بعض مناطق السنة، على الأقل من حيث انتقاد الحكومة علناً والتشكك من شرعيتها الدينية واتهامها بالتمييز ضد السنة.
جذور ما قبل الثورة
وصل الفكر السلفي - بمعناه العام، والذي يتضمن أيديولوجية «الإخوان المسلمين» - إلى إيران منذ خمسينيات القرن الماضي قادماً من الشرق والغرب. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، سافر سيد غلام رضا سعيدي (1895-1990)، مؤلف ومترجم ديني إيراني، إلى الهند واكتسب معرفة هائلة بالجالية والنخبة العالمية المسلمة. وعندما عاد إلى بلاده شرع في ترجمة أعمال أبو الأعلى المودودي - المنظر الإيديولوجي الرئيسي لـ "الجماعة الإسلامية" في باكستان وسلفي بارز - فضلاً عن مفكرين مسلمين آخرين (على سبيل المثال، محمد إقبال). يشار إلى أن سعيدي كان كاتباً غزير الإنتاج ومن ثم لعب دوراً كبيراً في تعريف القراء الفارسيين بمخاوف المسلمين الهنود وتحديات تأسيس الدولة الجديدة - باكستان. وقد فتحت أعماله نافذة جديدة للعالم الديني الإيراني، حيث أثّرث على شباب القراء الذين كانوا يسعون لأفكار جديدة حول الإسلام من أجل تخفيف شعورهم بالإحباط من المؤسسة الدينية ومواجهة التهديدات الأيديولوجية (لا سيما الموجة الشيوعية التي كانت تعمل على السيطرة على البيئة الفكرية في إيران في ذلك الحين).
وفي الوقت نفسه، قام مفكرون إيرانيون آخرون في فترة ما قبل الثورة بتعريف البلاد على الأفكار السلفية لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. وفي أواخر أربعينيات القرن الماضي أسس عالم الدين نواب صفوي حركة "فدائيي الإسلام"، وهي أول جماعة إسلامية إيرانية تقيم علاقات مع جماعة «الإخوان» وتنتج ترجمات فارسية لكتاباتهم، بما في ذلك أعمال المنظر الإيديولوجي سيد قطب. أما العالم البارز الآخر، سيد هادي خسرو شاهي (المولود عام 1938)، فقد ترجم كتابات للإسلاميين الجزائريين والتونسيين والفلسطينيين بالإضافة إلى أعمال «الإخوان». وقد كان هؤلاء وغيرهم من المترجمين نشطاء سياسيين أساساً سعوا إلى توعية أبناء بلدهم بالقضايا الإسلامية خارج إيران. على سبيل المثال، أبرزت الأعمال الإسلامية التي أعادوا إنتاجها في النهاية قضية سياسية جديدة في إيران وهي: القضية الفلسطينية.
ورغم أن هذه الترجمات فهمت في الغالب على أنها جهوداً أيديولوجية لحشد الإيرانيين ضد نظام محمد رضا شاه بهلوي والإمبريالية الغربية، إلا أن فكر السلفيين دفع كذلك بعض المفكرين الدينيين إلى مكافحة "الخرافات" في المذهب الشيعي. وقد تأثر حيدر علي قلمدران (1913-1989) بشدة بتلك الكتابات وسعى لتنقية المذهب الشيعي من العديد من الصلوات والطقوس الشعائرية (على سبيل المثال، الحج إلى مزارات الأئمة الشيعيين القدماء وذريتهم)، والمعتقدات (على سبيل المثال، الفكرة بأنه كانت للأئمة الشيعيين قوة ومعرفة فوق طبيعية). وقد نجا من محاولة اغتيال وقف وراءها ظاهرياً علماء الملالي التقليديين في مدينة قُم وأمضى حياته كلها في العزلة والفقر. وعلى الرغم من أنه لم يكن ناشطاً سياسياً، إلا أن آراءه كانت لها تداعيات سياسية في السنوات اللاحقة، مثل تفنيد شرعية ذلك النوع من الحكم الديني الذي انشأته الجمهورية الإسلامية. وقد تأثر أيضاً هو وآخرين الذين انتقدوا "الخرافات" الشيعية - مثل محمد حسن شريعة سنغلجي (1855-1943) والسيد أبو فضل برقعي (1909- (1992- من مفهوم السلفية حول العقائد الإسلامية، وخاصة تفسير الطائفة لوحدة الله.
السلفية كرد فعل سياسي
في ظل حكم الجمهورية الإسلامية - نظام يضفي السيادة الحصرية لآيات الله ويجعل الشريعة الإسلامية أساس رئيسي للتشريع ويفرضها على جميع جوانب الحياة اليومية - ابتعد العديد من الشباب وغيرهم من الإيرانيين عن المذهب الشيعي واعتنقوا مذاهب الإلحاد والتشكك والتصوف والإسلام السني والبهائية والمسيحية الإنجيلية والزرادشتية والبوذية ومذهب حركة "العصر الجديد" (التي تركز على الأديان الشرقية والممارسات الباطنية) والاتجاهات الصوفية المنتشرة في أمريكا اللاتينية. هذا وتقوم العديد من المؤسسات التابعة للنظام، بما في ذلك "مكتب الأديان والطوائف" في وزارة المخابرات، بمراقبة هذه الأقليات الدينية وتعمل ضد جهود التبشير التي تقوم بها. بل إن حلقات الصوفية - التي هي رسمياً شيعية - تواجه قمعاً متكرراً.
وفي ظل هذه البيئة، انتشرت السلفية بسرعة في جميع أنحاء البلاد من خلال شبكة الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية والقنوات الفضائية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المؤسسات التي تعمل بصورة سرية توفر دورات تدريبية للمتطوعين الشباب وتدير برامج تبادل لتعريف السلفيين الإيرانيين بالسلفيين العرب في المملكة العربية السعودية وأماكن أخرى. وهذا هو أحد الأسباب وراء عدم سماح النظام للسنة ببناء مساجد في طهران أو غيرها من المدن الكبيرة - حيث يقلقه جداً استخدام السلفيين لهذه المساجد من أجل تجنيد شباب الشيعة الذين يشعرون بالاحباط من أيديولوجية الجمهورية الإسلامية.
الحرب بين القنوات الفضائية
هناك اتجاهان رئيسيان للشيعة في إيران: عقيدة النظام الرسمي، ونسخة متطرفة تعرِّف نفسها بشكل كبير بالمقارنة مع الإسلام السني. ورغم أن النظام ينكر في العادة التوترات بين السنة والشيعة ويدعم مناهج إسلامية شاملة في السياسة الخارجية وقضايا أخرى، إلا أن الشيعة المتطرفين (يُطلق عليهم "غُلاة" أو "ولائی") يرفضون إخفاء عدائهم للخلفاء الثلاثة السنة الأوائل (أي خلفاء النبي محمد، حيث يؤمن الشيعة بأن الخلافة قد اغتصبت من الإمام علي الذي كانت له الأحقية في الحكم). وهؤلاء المتطرفون يحظون بدعم سلطات الملالي، كما أن دعايتهم التي تنم عن عداء واضح للدعاية ضد السنة تسببت في قلق للنظام سواء داخل البلاد أو في جميع أنحاء العالم الإسلامي الأوسع.
وخلال السنوات الأخيرة، اعتمد الـ "غُلاة" إلى حد بعيد على قنوات تلفزيونية فضائية لنشر دعايتهم، الأمر الذي أثار حرباً افتراضية متصاعدة بين السلفيين والشيعة. أما اليوم فيستخدم السلفيون منافذ فضائية ناطقة بالفارسية مثل "شبكة كلمة العالمية" (ومقرها في المدينة المنورة ودبي وربما ممولة من السعوديين) و "وصال الفارسية" (ومقرها في لندن والخليج العربي) لمحاربة "الحكومة الصفوية" - الإسم الذي يطلقونه على الجمهورية الاسلامية وإيديولوجيتها الشيعية. وتبث هذه القنوات برامج دينية وتتلقى مكالمات من إيران وتنخرط في مناقشات مع شبكات فضائية شيعية مثل "قناة الكوثر التلفزيونية"، و "شبكة أهل البيت العالمية" (التي يتم استضافة برامجها من قبل رجل دين أفغاني)، و "قناة الإمام الحسين التلفزيونية"، و "تلفزيون السلام" (الذي مقره في ولاية فرجينيا الأمريكية والمدعوم من "الشيرازيين"، وهي عائلة رجال دين ذات نفوذ كبير بين أوساط الشيعة في الخليج).
ويستخدم السلفيون و «الإخوان المسلمين» أيضاً مواقع مختلفة لخوض هذه المعركة الدعائية، وبعضها تابعة إلى منظمات مثل "جماعة الدعوة والإصلاح" في إيران. وعلى الجانب الآخر، يدير الشيعة المتطرفون العشرات من المواقع الخاصة بهم لمواجهة السلفيين. وينشط الجانبان جداً كذلك في وسائل الاعلام الإجتماعية.
الخاتمة
لقد خاب ظن العديد من الشباب الإيرانيين في المذهب الشيعي الذي يتبناه النظام وتعتنقه هيئة الملالي التقليدية لكنهم يرغبون في الحفاظ على ديانتهم الإسلامية، مما يفضي بهم إلى التحول إلى المذهب السلفي. ويغلب أن يركز «الإخوان» والاتجاهات السلفية على وحدة الله وإزالة القدسية عن جميع البشر والأشياء الدنيوية - وهي طريقة فريدة لإضفاء الطابع العلماني والعقلاني على الإسلام من أجل جذب الطلاب الشباب خصوصاً أولئك الذين يدرسون العلوم. وعلى عكس السنة التقليديين في إيران والسلفيين في أي مكان آخر في العالم، يغلب على السلفيين الإيرانيين التشكيك في الشرعية الدينية للجمهورية الإسلامية ويعملون عن عمد على تفاقم التوترات بين السنة والشيعة. ويقيناً، هم لا يشاركون السلفيون العالميون طموحهم في الاستيلاء على السلطة السياسية، بعلمهم أن أي حكومة إسلامية في إيران ذات الأغلبية الشيعية ستكون حكومة شيعية. بيد أن السلفيين الإيرانيين مرتبطين تنظيمياً بجماعات قوية في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان، ومعظم أيديولوجيتهم وتمويلهم يأتي من خارج الجمهورية الإسلامية. وفي ضوء هذه العوامل والاستياء المتزايد في صفوف العرب والأكراد والسكان البلوش في إيران، فإن نمو المذهب السلفي يشكل تهديداً أمنياً واضحاً على النظام.
 
 
الأزمة الأمنية التي لا نهاية لها في العراق
مايكل نايتس
مايكل نايتس هو زميل ليفر مع معهد واشنطن ومقره في بوسطن.
في أي بلد آخر، كان حادث تفجير 15 سيارة بقنابل مفخخة في العاصمة ووقوع عشرات القتلى نتيجة لذلك سيُعد بمثابة حادث غير مسبوق. لكن هذا الأمر الذي حدث في بغداد في الثلاثين من أيلول/سبتمبر لم يلفت الكثير من الانتباه في العراق - فهو الحادث "المذهل" الثامن والثلاثين الذي وقع في الإثني عشر شهراً الماضية. ومع دخول البلاد عامها العاشر وهي في أزمة أمنية عميقة، فإن الأمر يستحق استقصاء العوامل التي تغذي الصراع والجهات الفاعلة العنيفة التي تحبط الجهود اليومية التي تقوم بها قوات الأمن العراقية.
تسارع خطى تنظيم «القاعدة»
بادئ ذي بدئ، يشهد العراق أزمتين أمنيتين منفصلتين لكنهما متداخلتين. ويميِّز الخبراء بين "فرع تنظيم «القاعدة»" الذي ينفذ هجمات تكبد خسائر ضخمة، وما يمكن أن يطلق عليه "التمرد الطبيعي" الذي تضطلع به خلايا شيعية وسنية متشددة على المستوى المحلي.
تبدي وسائل الإعلام الدولية أكبر قدر من الاهتمام بالأزمة الأولى لأن الهجمات المتناسقة بالسيارات المفخخة في مواقع متعددة هي عالية الظهور والانتشار - كما ينوي لها المنتسبون المحليون لـ تنظيم «القاعدة». كما أن وقوع الحوادث الضخمة من قبل "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وغيرها من المنظمات المنتسبة لـ تنظيم «القاعدة» آخذ في التسارع.
عندما كان مستوى العنف في عام 2010 هو الأكثر انخفاضاً بالنسبة لـ تنظيم «القاعدة» في العراق، تراجعت التفجيرات بالسيارات المفخخة إلى متوسط 10 هجمات في الشهر ولم تقع الهجمات في مناطق متعددة سوى مرتين أو ثلاث مرات في العام الواحد. وفي 2013، وقع حتى الآن متوسط 68 تفجيراً بالسيارات في الشهر كما وقع تفجير في مواقع متعددة كل عشرة أيام. وتورد الأمم المتحدة في تقرير لها أن 5740 مدنياً قد قتلوا منذ كانون الثاني/يناير - وهو ما يقرب من ضعف العدد الذي أبلغت عنه المنظمة طوال عام 2010.
الجماعات المحلية
بقدر ما تبدو الأوضاع سيئة، إلا أن المقاييس الأكثر أهمية التي ينبغي مراقبتها هي تلك المرتبطة بالهجمات الأقل حجماً من قبل متشددين قوميين أو طائفيين - معظمهم جنود سابقين أو أعضاء ميليشيات يدافعون عن شوارعهم من كافة الوافدين لفترة دامت عقد من الزمن.
أما المقاتلون المترجلون من الجماعات المتمردة الرئيسية - المنتسبين لـ تنظيم «القاعدة» وحركة النقشبندي البعثية المتشددة بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران مثل "عصائب أهل الحق" أو "كتائب «حزب الله»" - فأغلبهم "متمردون مهنيون". ومعدلات نشاطهم يفرضها تحفيز المنظّرين الإيديولوجيين للجماعة المعينة وكذلك مموليها ومتخصصي دعايتها.
إن التوترات الطائفية في المنطقة، وخاصة تلك المنبثقة عن الأزمة في سوريا والسياسة العراقية المحلية، تُوفر خلفية عن الحوافز التي عززت عمليات تلك الجماعات القتالية المحلية. فالهجمات من قبل هذه الجماعات آخذة في التزايد، لكن ليس بنفس معدل فرع تنظيم «القاعدة». وخلال أكثر الفترات انخفاضاً في مستوى العنف في العراق التي كانت في أوائل عام 2011، عانت البلاد من حوالي 300 حادث أمني كبير في الشهر. وطوال عام 2013، زاد مجموع العمليات الإرهابية الشهرية بانتظام ووصل إلى أكثر من 1,200 حادث. ولكن لا يزال ذلك العدد أقل بكثير مما يزيد عن 6,000 حادث تم الإبلاغ عنها شهرياً خلال أحلك أيام أعمال العنف التي شابهت ظروف الحرب الأهلية في أواخر عام 2006 وأوائل عام 2007.
إن ذلك يبين لنا أن العنف في العراق ما زال يقتصر إلى حد كبير على الهجمات التي تقوم بها الخلايا المتشددة الصغيرة، في حين لا يزال عموم السكان غير مشتركين في الأحداث ولا يزال العنف بين المدنيين وبين الأطراف العرقية والطائفية نادراً نسبياً.
هجمات انتقامية
هل سيستمر هذا الوضع؟ إن ما يقرب من عامين من الهجمات التي تُوقع خسائر ضخمة ومكثفة قد بدأت تمثل اختباراً صارماً لصبر الشيعة، الأمر الذي يُفضي عن وجود أدلة متزايدة عن وقوع هجمات انتقامية على مساجد سنية وعلى خطباء مساجد ومدنيين.
وفي بغداد، التي تعد بؤرة التوتر الطائفي، تتواطأ قوات الأمن التي يهيمن عليها الشيعة مع الأعمال الانتقامية غير الظاهرة التي يقوم بها رجال "عصائب أهل الحق" وأتباع رجل الدين الشيعي المتطرف مقتدى الصدر. وبالنسبة للعديد من السنّة في بغداد، يبدو أن قوات الأمن العراقية هي الميليشيا الشيعية النهائية، التي تضيق على أهل السنة في مناطق منعزلة، حيث يخضعون لإجراءات شرطية قمعية وعزلة اقتصادية.
كما أن الهجمات الطائفية ضد الأقلية السنية تتسارع هي الأخرى في البصرة، المحافظة الغنية بالنفط في "عمق الجنوب" من العراق. وقد قتل هناك ما يقرب من 20 شخص من أبناء السنة في الشهر الماضي، وأُلقيت بعض جثث المقتولين في القمامة وكُتبت عليها ملاحظات تبين أن الأشخاص قد قتلوا انتقاماً للعدد المتزايد من تفجيرات تنظيم «القاعدة» في البصرة.
قوات الأمن المنهكة
يميل مدنيون إلى قتل مدنيين آخرين عندما يشعرون بأن قوات الأمن لا تتمكن من حمايتهم، الأمر الذي يعكس الواقع بأن قوات الأمن العراقية قد أثبتت أنها غير قادرة على الحد من العنف سواء من قبل تيار تنظيم «القاعدة» أو المقاتلين على مستوى الأحياء والمناطق. فقوات مكافحة الإرهاب العراقية المنهكة تفتقر إلى القوة، كما أن تمويلها وعلاقات قياداتها تعقدها البيروقراطية والتناحر السياسي ولا تستطيع مضاهاة المصادر الجوية والاستخباراتية الشاسعة التي جلبتها الولايات المتحدة وأدت إلى نجاح الحرب ضد تنظيم «القاعدة» في العراق في الفترة بين 2006 و 2010.
لقد أضاعتا بغداد وواشنطن فرص للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب منذ انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011. وقد تخلت قوات الأمن العراقية تماماً تقريباً عن الصيغة الناجحة لمكافحة التمرد القائمة على السكان والتي وضعها التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وارتكنت بدلاً من ذلك على الأساليب التقليدية التي تأتي بنتائج عكسية مثل الاعتقالات الجماعية والعقاب الجماعي.
ولا يستطيع الجيش العراقي تحمل ضغط العمليات المستمرة خارج المدن - فقدراته اللوجستية آخذة في الانهيار كما ثبت أن قدراته الجوية والاستخباراتية غير كافية لتغطية المساحات الريفية الشاسعة في البلاد. ومع استبعاد الكثير من الخبرات العسكرية في عهد صدام حسين بسبب سياسة اجتثاث البعث، فإن الجيش الجديد المكون من مليون شخص والذي تم بناؤه منذ عام 2003 لم يحظى بالمرونة المؤسسية المطلوبة للاستمرار عقب الانسحاب الأمريكي.
خطر وقوع أزمة
إن الأمر الأكثر أهمية هو أن الحملة العسكرية لهزيمة المتمردين العراقيين تمثل انحرافاً عن الجهود السياسية المتزامنة. فرغم أن السياسيين العراقيين متمرسين في إبعاد البلاد عن المواجهة الطائفية في اللحظة الأخيرة، إلا أنه ليس هناك في العراق ما يعادل "لجنة تقصي الحقائق والمصالحة" في جنوب افريقيا، ولا يوجد حالياً أي نسخ عراقية من شخصيات مثل نيلسون مانديلا و إف دبليو دي كليرك - الزعماء الملهمين القادرين على معالجة تاريخ بلادهم المرير الذي تمثل بالديكتاتورية وعدم المساواة.
وإذا استمر العراق في المسار الحالي، فسوف تحدث المواجهة على الأرجح، ليس في نطاق ما حدث في 2006-2007 لكن على نطاق سوف يدفع البلاد نحو أزمة عسكرية متكاملة الأركان. وسيكون من السهل تصور السنة العراقيين يعيشون في حالة شبه دائمة من الاحتلال العسكري من قبل قوات الأمن العراقية، وهي نتيجة قد تجعل الأزمة الأمنية في العراق تستمر إلى ما وراء العقد الحالي وتصبح جزءاً من المشهد الإقليمي.
 
السقوط والاختفاء في عَمّان: صعود جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية وأفول نجمها
ديفيد شينكر
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر هي الآن في أسفل القاع، إن لم تكن في طريقها إلى الاختفاء تماماً عن المشهد. فبعد أن قام الجيش المصري بعزل بيروقراطي «الإخوان» ذو الرتبة العالية الرئيس محمد مرسي في تموز/يوليو، وجهت إليه المحاكم المصرية لائحة اتهامات جنائية طويلة، وقام الجيش المصري باتخاذ إجراءات صارمة حيث قتل أكثر من ألف شخص من أنصار مرسي واعتقل معظم قيادات «الإخوان». وفي الأسبوع الماضي أصدرت محكمة مصرية حكماً يقضي بحل «الجماعة» كلية والاستيلاء على أصولها، وتحريم "جميع أنشطة" هذه الحركة الإسلامية التي تأسست قبل 85 عاماً. ورغم السوء الذي تبدو عليه الأوضاع بالنسبة لـ «الإخوان» في مصر، إلا أن ذلك ليس الفصل الوحيد لهذه «الجماعة» التي تواجه انتكاسات. فبعد مرور أكثر من عامين على الثورات العربية التي شهدت حصول الإسلاميين على مكاسب في تونس وليبيا وسوريا، وفي مصر على الأقل مؤقتاً، فإن «الإخوان المسلمين» في الأردن هم في منتصف أزمة تحيق بهم.
فبعد أن كانت «الجماعة» سابقاً صوتاً قوياً نحو قيام إصلاح انتخابي في المملكة، ومن أشد منتقدي الفساد في القصر، ومن أبرز معارضي التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، تآكل مؤخراً النفوذ والوضع المحلي لـ «الإخوان» الأردنيين. كما يجد إسلاميون آخرون صعوبة في جذب انتباه الجمهور. فقد حاولت جماعات في البرلمان الأردني غير منتسبة لـ «الإخوان» تقديم مشروع قانون لـ "توفيق" التشريعات مع الشريعة، إلا أن الاقتراح فشل ولم يحصل المشروع سوى على تأييد 27 من أصل 150 من أعضاء البرلمان. ويقيناً، إن الميول السلطوية لـ «الجماعة» في مصر وأسلوبها المتغطرس وسوء إدارتها الإقتصادية ساهمت في النفور الشعبي للجماعة. بيد خلافاً لما حدث في مصر، حيث كان الجيش هو المسؤول في النهاية عن محنة «الإخوان»، فإن انتكاسات «الجماعة» في الأردن كانت نتيجة الأضرار الذاتية والديناميكية المتغيرة للسياسة الإسلامية المحلية على حد سواء.
وقبل عام مضى، كان من الصعب تصور الظروف الحالية لـ «الإخوان» الأردنيين. فقد كانت قوة «الجماعة» آخذة في الصعود مع مشاركتها في المظاهرات الناشئة مع قوى المعارضة القبلية والعلمانية ضد حكومة الملك عبد الله الثاني بسبب حالات فساد مالي مزعومة وحرمان اقتصادي وخفض الإعانة [الحكومية]. ولكن بحلول نهاية العام الماضي تفكك هذا التحالف المعارض والفضفاض، وتوقف المتظاهرون عن الخروج - ربما خوفاً من أسلوب الفوضى المصرية أو حتى السورية. وفي كانون الثاني/يناير، وبعد أن فشل «الإخوان» في إجبار الملك عبد الله باصلاح قانون انتخابي غير مرض، قاطعوا الانتخابات البرلمانية ووضعوا أعينهم في اتجاه تقويض شرعية التصويت. لكن دون مشاركة «الإخوان المسلمين»، ظهر في المشهد حزباً سياسياً إسلامياً آخر ولكنه معتدل وأقل ظهوراً، يعرف باسم "حزب الوسط"، الذي فاز بـ 16 من أصل 150 مقعداً، الأمر الذي أمّن له الحصول على أكبر كتلة في البرلمان. ونتيجة لذلك، خسرت «الجماعة» زعمها بأنها حامي حمى القيادة الإسلامية في المملكة.
وحتى مع مواجهتهم تلك الصفعة، ظل وضع «الإخوان» جيداً نوعاً ما بفضل الاضطرابات في سوريا المجاورة. وقد بدا لبعض الوقت كما لو أن جماعة «الإخوان» السورية على وشك تحقيق نهضة [سياسية] وأن نظام بشار الأسد على وشك الانهيار. [وفي هذا الصدد، يجدر بالذكر] أنه في ثمانينات القرن الماضي، رد نظام حافظ الأسد على التمرد الذي قادته «الجماعة» بقتله عشرات الآلاف من «الإخوان» السوريين، وجعله العضوية في المنظمة السنية جريمة عقوبتها الإعدام. ولطالما تعهد «الإخوان» بالانتقام. وكان للارتفاع المحتمل لمكانتهم في سوريا حدوث انعكاسات سلبية عميقة على النظام الملكي في الأردن المدعوم من الغرب، ولا شك أن ذلك قد شجع «الجماعة» في الأردن و أفضى إلى تدخل عابر للحدود. وفي الواقع أنه عقب انتخاب مرسي بفترة وجيزة، تدخل «الإخوان» في الحياة السياسية الأردنية من القاهرة والدوحة: ففي كانون الثاني/يناير 2012، أرغمت «الجماعة» العضو البارز في الفرع الأردني عبد المجيد ذنيبات على الاستقالة من مقعده في مجلس الأعيان الاردني، والذي كان قد تم تعيينه فيه من قبل الملك. ولكن احتمال هيمنة «الإخوان» في الأردن لم تدم كثيراً. فمثلما كانت الاستجابة لتفجيرات فندق عمان في عام 2005 - التي أسفرت عن مقتل 60 شخضاً وأدت فعلياً إلى تراجع الدعم لـ تنظيم «القاعدة» في المملكة - فإن ظهور مقاتلين منتسبين لـ «القاعدة» في الحرب الأهلية في سوريا أضعف الحماس الشعبي لـ «الإخوان» في الأردن.
وحتى مع ضعف ميل الشعب الأردني تجاه «الجماعة» بسبب المخاوف من التطرف المتنامي، فقد تحررت شريحة من السكان الإسلاميين من وهم «الإخوان» لأن هؤلاء غير متطرفين بما فيه الكفاية. ومع اشتعال الحرب في سوريا، شهدت الأردن انتشاراً للمنافسين الإسلاميين، وأبرزهم السلفيين، الذين هم أتباع حركة الصحوة السنية [ذات المعتقدات الإسلامية] الصارمة. لقد كان للسلفيين تواجد منذ فترة طويلة في المملكة، وانتشرت شعبيتهم الداخلية مع كسب الحركة زخماً في المنطقة. فزعيم تنظيم «القاعدة في العراق» أبو مصعب الزرقاوي، الذي أصله من البلدة الأردنية الشمالية الزرقاء، ما هو إلا المثال الأكثر شهرة على ذلك. واعتباراً من نيسان/أبريل، أشارت تقارير في الصحافة المحلية أن نحو خمسمائة سلفي أردني كانوا يقاتلون في سوريا جنباً إلى جنب مع الجماعة الجهادية "جبهة النصرة". كما أن التغطية الإعلامية شبه اليومية للسلفيين الأردنيين العائدين إلى الوطن من سوريا في حقائب الموتى - والذين تم تجنيدهم للجهاد السوري - تبدو أنها تؤكد هذه الأرقام.
وفي غضون ذلك، ساهمت التحولات داخل جماعة «الإخوان» تجاه «حماس» إلى ارتفاع مكانة السلفيين. ومن الناحية التاريخية، وجد الإسلام السياسي في الأردن جاذبية متماثلة بين الفصائل الاجتماعية التقليدية المتباينة في البلاد من سكان الضفة الشرقية - والكثير منهم ذوي جذور قبلية عميقة في المنطقة - ومن الغالبية العظمى من السكان التي هي من أصل فلسطيني. بيد مؤخراً، مع تغير [سياسة] قيادة جماعة «الإخوان» الأردنية وحزبها السياسي، "جبهة العمل الإسلامي"، تجاه حركة «حماس» وتقربها منها - يرجع ذلك جزئياً إلى خيبة أمل «الإخوان» وعدم رضاهم من السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة «فتح» التي تحكم الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وتدير عملية السلام - بدأ بعض سكان الضفة الشرقية ينظرون إلى «الجماعة» على أنها ذات طابع فلسطيني أكبر. وبالنسبة للعديد من الإسلاميين في الضفة الشرقية، الذين لا يزالون، مثلما هو ديدن رجال قبائلهم الأقل تديناً، متشككين من الفلسطينيين في المملكة، فإن هذا التغير في الاتجاه جعل «الإخوان» أقل جاذبية. وإلى جانب القتال في سوريا والاتجاه الإقليمي نحو السلفية، يبدو أن ذلك قد عزز أيضاً من جاذبية الجماعات السلفية الأردنية على حساب «الإخوان».
وهذه الانقسامات الاجتماعية طويلة الأمد داخل الأردن خلقت أيضاً انشقاقات جديدة بين سكان الضفة الشرقية وأولئك بين سكان البلاد الإسلاميين من أصل فلسطيني. ومنذ عام 2010 على الأقل، وقعت اشتباكات بين العناصر الأكثر اعتدالاً الموالية للنظام داخل «الإخوان»، وفي المقام الأول سكان الضفة الشرقية، وبين نظرائهم الأكثر تشدداً الذين هم من أصل فلسطيني إلى حد كبير، بشأن تعيينات الأفراد وقضايا موضوعية أخرى، مثل الأولوية النسبية لحركة الجهاد في فلسطين والادعاءات الواسعة النطاق حول شراء الأصوات خلال الانتخابات الداخلية التي جرت في صفوف «الإخوان». ومؤخراً، في عام 2012، انقسمت الجماعة حول قرار مقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية في 2013. وأحد هؤلاء "الحمائم" من سكان الضفة الشرقية، نبيل الكوفحي - نجل أحد زعماء «الإخوان» منذ فترة طويلة أحمد الكوفحي - تجاهل في البداية المقاطعة المفروضة على الانتخابات البلدية وأعلن أنه سوف يترشح في الانتخابات في مدينة إربد في شمال البلاد. ومع ذلك، فقبل أيام فقط من موعد الاقتراع، سحب الكوفحي ترشحه، وأفادت التقارير أن ذلك كان هدفه تجنب الطرد من «الجماعة». وعلى أي حال كانت المقاطعة غير فعالة وحاذت بقليل من الانتباه، وفاز المرشحون القبليون ورجال الأعمال المقربين من الحكومة بمعظم المقاعد.
لكن الانقسامات الداخلية في جماعة «الإخوان» الأردنية تمتد إلى ما وراء ' سكان الضفة الشرقية ' مقابل ' الفلسطينيين '. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الأخير، أسس مسؤول كبير سابق في "جبهة العمل الإسلامي" رحيل غرابية، «مبادرة زمزم»، وهي مؤسسة يُقال إنها تهدف - من بين إصلاحات سياسية واقتصادية أخرى - إلى إنهاء "احتكار «الجماعة» للخطاب الإسلامي" وتؤكد على منهج الإسلام الأكثر شمولاً الذي لا "يبعد الرأي العام". ورغم أنه يستحيل إدراك دوافعه بقدر من اليقين، إلا أن غرابية محاور رصين؛ واستناداً إلى حواري معه يبدو مخلصاً في جهوده لتحسين صورة الإسلاميين في المملكة من خلال اتباع نهج أكثر تسامحاً وتعددية. ووفقاً لتقارير في الصحافة العربية تضم "المبادرة" حالياً 700 عضو، من بينهم 100 من أبرز أعضاء «الإخوان» الحاليين والسابقين. ومقارنة بـ «الجماعة»، فإن "زمزم" جماعة صغيرة، لكن هذ المؤسسة الناشئة قد جذبت الانتباه. ففي كانون الأول/ديسمبر 2012، وبعد أسابيع قليلة من الإعلان عن تأسيس "زمزم"، أصدر مكتب الإرشاد التابع لـ «الإخوان المسلمين» بياناً داخلياً حظر على أعضاء «الجماعة» التعامل مع هذه "المبادرة".
وفي ظل الضغط المتزايد في الداخل، لجأت جماعة «الإخوان» الأردنية إلى بعض ألاعيب اللحظة الأخيرة اليائسة. وبداية، حاولت «الجماعة» استغلال الغضب الشعبي من الأحداث في مصر لكسب التأييد. فموقعها الإلكتروني يفيض بمقالات حول الإطاحة بمرسي وبيانات تدين الملك عبد الله لكونه أول زعيم عربي يزور القاهرة عقب الانقلاب وعزل مرسي [الرئيس] "الشرعي". وفي أواخر تموز/يوليو، نشرت صحيفة "السبيل" اليومية التابعة لـ «الإخوان» مقطع فيديو للداعية الإسلامي المصري الشعبي وجدي غنيم يناشد فيه القوات المسلحة والشرطة بعصيان الأوامر واستعادة مرسي للرئاسة. وبالإضافة إلى تراجع الدعم الشعبي، تخشى «الجماعة» أيضاً من قمع وشيك من جانب القصر. فالسابقة التي تمخضت عن عزل مرسي والتهديد الأمني المشدد الذي تشكله الحرب في سوريا ووضع المنظمة المتراجع حالياً كلها أمور تسهم في الشعور بالضعف. وكما لو أن «الجماعة» تؤكد هذه الضغوط، أصدر نائب المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» زكي بني رشيد في الشهر الماضي بياناً دفاعياً غير واضح المعالم يزعم بأن جماعة «الإخوان» الأردنية ليست في حالة "طوارئ وليست على الهامش". بيد أنه حتى مع انتقاد الجماعة للملك، فإن زعماءها يدعون حالياً إلى الحوار مع الحكومة - وهذا دليل آخر على الشقاق الداخلي.
ورغم هذه التحديات في الوقت الراهن، لا تحتاج «الجماعة» في الأردن إلى أن تخشى من حملة قمعية على غرار ما يحدث في مصر. وعلى كل حال، فقد تجاوزت الأحداث المتلاحقة في الأردن أعضاء جماعة «الإخوان» هناك وفي مختلف أنحاء العالم العربي. وبالنظر إلى التهديدات الخارجية العديدة التي تواجه الأردن وفي ضوء تراجع الحظوظ السياسية لـ «الإخوان» في الداخل، فقد أصبح هؤلاء أقل ما يقلق الملك عبد الله.
 
 
 
 
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,086,445

عدد الزوار: 7,620,135

المتواجدون الآن: 0