فلسطين بين كفاءة الشعوب وعدم أهلية القادة..



فلسطين بين كفاءة الشعوب وعدم أهلية القادة..
بقلم العميد المتقاعد..حسين الشيخ علي..
إستجابت الشعوب العربية والإسلامية ولبّت النداءات منذ بدأ الإستيطان لنجدة فلسطين، فتظاهرت في الساحات ورفعت الشعارات الرنانة وصدحت حناجرها بالأناشيد الثورية، وعبّرت بعواطفها الجيّاشة عن قدسية القضية، وهتفت للقادة وطالبت بالتحرير، وأنخرطت في العمل المقاوم وفصائله، وتطوّعت في جيوشه وقدمت الدماء والشهداء والممتلكات والتبرعات، ونظمت القصائد وأقامت المؤتمرات، وخاضت حروباً تلوى أخرى وما زالت.
وبعد مرور ماية وسبع سنوات على وعد بلفور لم تُحرّر فلسطين على الرغم من كل المحاولات، فأين الخلل؟
ففي الحروب تبين للشعوب عدم صلاحية الأسلحة والذخيرة، وفشل الخطط العسكرية وضعف التنسيق بين الجيوش العربية، فخسرت حروب التحرير المتتالية، ومزيداً من الأرض العربية، وزيادة في عدد اللاجئين وكثُرت أعداد المخيمات وتدهورت الأحوال المعيشية والصحية والتعليمية والثقافية.
وما زلنا نصغي الى قادة يدعوننا الى القناعة وقبول شظف العيش في منازل متواضعة، وهم في قصورهم يعيشون الرفاهية، والى الإكتفاء بالمساعدات الغذائية، وهم من موائدهم متخومون، والى الإكتفاء بالمسكّنات من الألم، وهم بأشهر المستشفيات يعالجون، وبالإنتساب الى المدارس الرسمية، وأبناءهم بأفضل الجامعات الغربية يدرسون، وباللباس المتواضع، وهم من أحسن الماركات العالمية يرتدون، وبالجلوس والنوم على فراش الأرض، وهم بأفخم غرف النوم يضتجعون.
يعتلون المنابر ليخبرونا عن وحشية العدو وبطشه ومجازره، ونحنُ من قُتل أبناؤهم ومن سُلبت أرضهم وفي الخيم يعيشون ومن حقوقهم محرومون، نحن من أقربائهم في المدافن أكثر منهم ممن يعيشون. وـتأتون بنا تحاضرون وبالفصحة تتكلمون، وتصِفون لنا الصبر دواء وأن نطلب من الله ما نحتاجه بالدعاء، وأجرنا في الآخرة حسنات.
تباً لكم ولفلسفتكم، يا أبناء الملاعين ويا مزيفين الهزائم الى إنتصارات، والإنكسارات الى بطولات، والسرقات الى شطارات. لم يعد هذا الشعب غبياً، فهو للتاريخ حافظاً وليديماغوجيتكم مُغيباً ولألحان كذبكم وأوتارها وموسيقاها كارهاً.
الم يكفيكم قرنٌ ونيف من السنين، أن تحرروا فلسطين؟ ولتخططون وتدرسون وتفكرون؟ لا بل أنتم للطين بلة تزيدون، وفي نهب الثروات تمعنون، الم يكفيكم كل هذا الوقت لتحسين أوضاع الناس في فلسطين والدول العربية، إن كنتم على التحرير غير قادرين؟ أنتم في الصراعات غارقون وللكنوز حافظون.
تدّعون أنكم للعدو محاربين، وبعد جلاء الغبار نرى أنكم مهزومين، وللشعب تاركين، يلملم أذيال الندم والحسرة على ما قدّم من خسارة، وعند مطالبتكم لا تسمعون ولا تجيبون ولا تستقبلون، وتقولون عدوٌ مجرم غشيم.
أين هي مسؤوليتكم الدينية والدنيوية إن كنتم للهزائم شعبكم تقودون؟
منذ قرن ونيّف، الشعوب لا زالت تعطي بكفاءة ولكنكم قادة بعدم أهليتكم، عطاءات شعوبكم تُبذِّرون وبالوعود بالنصر في كل مرة تكيلون، لا تقولون أنه يجب مهادنة العدو لتعوعدوا أنتم وأبناءكم بما سنبني تهدمون، ومن نربي تقتلون وبالجنة تعِدون.
إننا نريد أن نعيش الحياة مع أبنائنا، ونريدهم هم يدفنوننا لا أن نكون نحن لهم الدافنون، وأن نتمتع بأرزاقنا في الحياة الدنيا ونورثهم عُمراناً به علينا يترحمون، لا خراباً به يبتلون.
قرنٌ ونيف كفى أن نكون من تجاربكم متعظين، ومن عدم أهليتكم متيقنين.