في لبنان..حربٌ وأكثر في «غرفة الغضب»..

تاريخ الإضافة الإثنين 1 تموز 2024 - 3:11 ص    التعليقات 0

        

«لبْننة» تجربة أميركية في «التكسير الساحر»..

في لبنان..حربٌ وأكثر في «غرفة الغضب»..

الراي... | بيروت - من زيزي اسطفان |

- الغرفة ليست تجربة علاجية وقد يكون بعض الزوار يعانون مشاكل نفسية

- المكان يوفّر فسحة للتعبير عن الغضب بطرق عديدة

- 80 في المئة من زوار الغرفة من الإناث... وبين الأولاد الصبيان يحبونها أكثر من البنات

- الأهل في الغرفة يَبْدون مكتئبين فيما الأولاد غاضبين... إما لمشاكل داخل العائلة مثل الطلاق وغيره وإما بسبب ضيق الأحوال

- عدد زوار غرفة الغضب ازداد بعد انفجار المرفأ وزلزال تركيا وسورية حتى أن بعض أبناء ضحايا الزلزال قصدوها

- 17 في المئة من اللبنانيين يعانون اكتئاباً حاداً ونسبة الانتحار ازدادت 21.7 في المئة عام 2023

حربٌ، لا حرب، ربما تقع الحربُ وقد لا تقع. إنه الدورانُ في تعاسةٍ لا متناهيةٍ حطّم معها اللبنانيون أرقاماً قياسيةً في البؤس واليأس، مع «الكأس المُرة» التي يتجرّعون خيْباتها في الأمن والسياسة والاقتصاد والمال والاجتماع والمصير المجهول في بلادٍ تترنّح فوق «برميل بارود». كلّ الطرق تؤدي الى الغضب في لبنان المسكون بـ «يومياتٍ» قاتمة تتنافس فيها قائمةٌ من عوز وظلم وحزن وسوء أحوال، وبـ «مصائر» لا تقلّ سودوية مع حربٍ في الجنوب تُقرع طبولها في أرجاء الوطن المسكين الذي غالباً ما يُقتاد إلى ولائم الموت والدم والخراب منذ سبعينات القرن الماضي ومازال، ويتم «تخدير» شعبه بـ «لقب» الصمود ومعاندة الانكسار والقيامة من تحت الركام مرة تلو مرة وكان أكثرها إيلاماً ودراماتيكية في 4 اغسطسس 2020 تاريخ الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت الذي حوّل نصف العاصمة... حطاماً. ولم يكن عابراً أن يحتّل لبنان، الذي لطالما فاخَر برفاهية أبنائه، «مقعداً ثابتاً» في صدارة «الأتعس» بين شعوب الكوكب وأن يوصف موظّفوه بـ «الأحزن». فمع مَظاهر هذا التقهقر الذي تغذّيه واحدة من أعتى الأزمات المالية في العالم، وفراغ رئاسي متماد، وفساد مستشر،ٍ وتدهور في شتى أنواع الخدمات، وقلق على المصير في ضوء مخاطر الحرب الكبرى من بوابة الجنوب، يرتفع مستوى الغضب الفردي والغضب العام والغضب الجَماعي... غَضَبُ ينفجر على الطرق، خلف الجدران، على الأرصفة وفي أي مكان. ولكن اللبنانيين «يستغلّون» أيضاً مساحةً «حُرّة» لتفجير نوبات الغضب داخل غرفةٍ استعاروا مفهومها من الغرب كوسيلةٍ للتنفيس بلا قيودٍ عن مشاعر السخط والاستياء والحنق وسائر مفردات الغضب ومرادفاته في قاموس اللغة ومعاجم علم النفس. «غرفة الغضب» أو smash it بقعةٌ يفجّر فيها اللبناني البركانَ الذي يغلي في أعماقه، تكسيراً وتحطيماً لأغراض من الحياة اليومية في مساحةٍ آمِنة تمتصّ فوران «حِممه» فلا يُحاسَب فيها على نوباته التي لا يَشعر حتى بالحاجة لتفسير خلفياتها والبحث عن «حلول» لها.

تكسير ساحر

وفق علم النفس فإن تكسير الأشياء من حولنا هو رد فعل أولي على مشاعر الغضب، وقد تكون «فشة خلق» آنية. فصوت الزجاج المتكسّر ومشهد تَبَعْثُر الأشياء يولد حالة من الانغماس و«السحر»، لكنها حتماً ليست الحل للتعامل مع مشاعر الغضب. ولا يدّعي أصحاب فكرة smash it أنهم يقدّمون طريقة علاجية للتحكم بالغضب ويدركون جيداً أنّ ما يوفّرونه هو وسيلة للتنفيس عن ضغط كبير أو حتى نشاط ترفيهي. الفكرة وُلدت حين عاد ثلاثة أصدقاء من الغربة إلى الوطن المأزوم ووجدوه غارقاً في المشاكل والصعوبات. ومن هنا خطرت في بالهم فكرة إنشاء غرفة للغضب شبيهة بما رأوه مَرة في الولايات المتحدة حيث شعروا بأنها حاجة في لبنان، حيث يسود «مناخٌ سام» على كل المستويات، وليست مجرد فكرة ترفيهية كما هي الحال في «بلاد العم سام». ويقول رولان الجميل، أحد أصحاب المشروع، لـ «الراي» إنه «حين قررنا إنشاء»غرفة الغضب «علّقنا بوسترات كبيرة على الجدران حول كل ما أَزْعَجَنا في لبنان: التيارالكهربائي، دواخين الذوق، النفايات، المصارف، الثورة، البرلمان، الشرطي الذي يسير على دراجته بلا خوذة و السيارة المتوقّفة تحت إشارة ممنوع الوقوف... قمنا بـ (لبْننة) الفكرة الموجودة عالمياً وحوّلنا المكان الى منزل يحوي غرفة جلوس وسفرة ومطبخ ومكتب حتى يشعر القادم إليه وكأنه(يفش خلقه)في بيته. وكل شهر نغيّر الديكور ونضيف أغراضاً يمكن تكسيرها، من المنفضة وصولاً إلى الغسالة والتلفزيون وكل ما بينهما من أغراض منزلية أو مكتبية يمكن تحطيمها بعنف». ويضيف: «قبل ثورة 17 اكتوبر (2019) كنا نحصل على هذه الأغراض مجاناً من أشخاص يودون التخلص منها، أما اليوم فبتنا نشتريها من الخردة فنساهم بذلك بالتخلص منها وإعادة تدويرها». قبل ستة أعوام، بدأ مشروع غرفة الغضب، وفي البداية لم يكن معروفاً جداً، أما اليوم فهو يستقبل نحو 15 شخصاً في اليوم بعضهم يأتون إليه كتجربة جديدة، أو للترفيه، وغالبيتهم لتنفيس غضبهم. ولا يدّعي smash it أنه تجربة علاجية وقد يكون شخص واحد فقط من أصل عشرة ممن يقصدون المكان يعاني مشاكل نفسية. وبعضهم عرف عن غرفة الغضب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم الآخر نصحهم به اختصاصي نفسي للتعبير عن غضبه.

فسحةَ الراحة والمكان الآمن

نغوص أكثر في تفاصيل تصرفات اللبنانيين حين يدخلون غرفة الغضب، فنكتشف من خلال القيّمين عليها أن العنف المستخدَم في تكسير الأشياء يختلف باختلاف درجة الغضب المتراكمة داخل الأشخاص. لكنهم كلهم يجدون في الغرفة فسحةَ الراحة والمكان الآمن الذي يستطيعون فيه إخراج ما يعتمل في داخلهم. تختلف طرق التعبير، فقد يلجأ البعض مثلاً إلى الصراخ والشتائم أو إلى الرفس وقذف الأشياء أو تحطيمها، كما يمكن أن يلجأ آخَرون إلى تمزيق الأوراق أو لكْم الأثاث وغير ذلك. حتى أن البعض يعمدون إلى الكتابة على الجدران عن كل ما يثير استياءهم. وإحدى الفتيات مثلاً اكتفت بكتابة قصيدة ولم تكن مضطرة للتكسير والتحطيم لتعبّر عن مشاعرها. وهذا كله تحت إشراف شخص مختصّ يتأكد من أن كل شيء آمِن. وتأكيداً على الأمان يرتدي كل مَن يدخل للتحطيم ملابس خاصة وقفازات وخوذة ونظارات خاصة أيضاً وحذاء برأس وكعب من الحديد منعاً لأي أذى عند السير على قطع الزجاج المهشَّم. ويبقى سؤال أولي يطرحه الكثير ممن يقصدون غرفة الغضب: هل نستطيع إطلاق النار؟ وكأن اللبناني لم يكتفِ بما يحدث حوله وعلى أرضه من حروب واشتباكات عسكرية وإطلاق نار عشوائي ليطلب فش خلقه بالسلاح داخل مكان مقفل. وبناء عليه يقول رولان الجميل أنه افتتح مكاناً مماثلاً تحت اسم Shoot It على شكل ثكنة عسكرية تستخدم طابات من الجل. فهل يساعد هذا الحل اللبنانيين في تحويل حبهّم للسلاح الى مكان آخر؟

عدد «الغاضبين» على ازدياد

الغريب وفق الأرقام أن نسبة الإناث اللواتي يقصدن المكان تقارب 80 في المئة من عدد الزوار فيما نسبة الرجال تقارب 20 في المئة فقط، ربما لأن النساء يتربين على فكرة أن التعبير عن الغضب ممنوع. ويقول الجميل إنه لاحظ «أن الأولاد يأتون الى الغرفة بشكل أكبر وأنهم يبدون(معصبين)وأن الصبيان يحبونها أكثر من البنات الصغيرات اللواتي يشعرن بنوع من الخوف والخجل في التعبير». وقدوم الأولاد ليس مستغرباً فهم في غالبيتهم يتربون في بيوتهم على منْع الضرب والتكسير ولذا حين يأتون الى غرفة الغضب يصبح بإمكانهم القيام بما هو ممنوع عليهم في البيوت. ويلاحظ القيّمون على الغرفة أن الأهل يَبْدون مكتئبين فيما الأولاد غاضبين وذلك لأسباب كثيرة إما لمشاكل داخل العائلة مثل الطلاق وغيره واما بسبب ضيق الأحوال والمشاكل التي يعانيها الأهل في البلد. ويؤكد الجميل أن عدد زوار غرفة الغضب ازداد بعد انفجار الرابع من أغسطس وكذلك بعد الزلزال الذي أصاب تركيا وسورية ولبنان، حتى أن بعض أبناء ضحايا الزلزال قصدوا هذه الغرفة. لكن تصرُّف اللبنانيين بالنسبة الى غرفة الغضب ليس ذاته في كل المناطق بل يختلف وفق مكان إقامتهم أو حتى انتماءاتهم السياسية والطائفية واختلاف الثقافات بينهم. فالبعض ممن هم متأثّرون نفسياً بالحرب الدائرة في الجنوب يَبدون أكثر عدائية في تصرفاتهم والتعبير عن غضبهم داخل الغرفة، فيما البعض الآخر يبدون وكأنهم يعيشون في «لالا لند» ويأتون للترفيه أكثر منه للتعبير عن الغضب، وحتى طريقة التكسير والشتائم التي يتم التفوه بها تختلف.

اضطرابات نفسية بالجملة

مفهوم «غرفة الغضب» يثير الجدل والشك عند الاختصاصيين النفسيين. لكن لا شك في أن ثمة زيادة ملحوظة في الاضطرابات النفسية عند الشعب اللبناني وفق المُعالِجة النفسية وأمينة عام الجمعية اللبنانية لعلم النفس والأستاذة الجامعية الدكتور كارول سعادة، سواء كانت اضطرابات القلق والاكتئاب أو الغضب. وبحسب مصادر طبية ازدادت كثيراً نسبة العلاجات والأدوية الخاصة بالاكتئاب، في حين أظهرت دراسات علمية أنه بعد انفجار بيروت وصل عدد الذين يعانون اكتئاباً حاداً في أوساط الشعب اللبناني الى 17 في المئة. وفي علم النفس فإن اضطرابات الخوف والقلق والغضب عادةً ما تكون نسبتها أكبر من الاكتئاب. وحتى نسبة الانتحار في لبنان ازدادت بنسبة 21.7 في المئة في العام 2023، وكل هذه دلائل على أن الشعب اللبناني يعاني مشكلة على صعيد الصحة النفسية، وأبرزها القلق والخوف والشعور بالغضب الموجود تقريباً عند الجميع والناجم عن الشعور بالكبت والظلم وانتفاء العدالة وعدم القدرة على تحصيل الحقوق حتى الأساسية منها، والخوف من المستقبل وعليه. وبحسب سعادة، كل شخص يطوّر آلياتِ دفاعٍ مختلفةً للتعامل مع مشاعر الغضب التي تعتمل داخله. ثمة أشخاص يميلون الى كبْت الغضب، وهؤلاء أكثر عرضة للأعراض النفس الجسدية، وثمة أشخاص يميلون الى تفريغ غضبهم بطريقة غير سليمة مثل الضرب أو العنف او التكسير أو الإدمان على الممنوعات. كذلك هناك أشخاص قادرون على القيام بما يُعرف بالتعويض عن الغضب عبر طرق ونشاطات تفشّ الخلق مثل الرياضة أو إيجاد أماكن أو وسائل يفرغون فيها غضبهم بشكل لا يؤذي الآخَرين، ويساهمون في ذلك بنقل هذه الطاقة من داخلهم الى الخارج وتفريغ ما يشعرون به من طاقة سلبية. ومن الملاحظ عند الشعب اللبناني وجود آلية دفاعية خاصة تدفعه لأخذ الأمور بالضحك والمزاح وتحويل حتى أشدّ الظروف الى نكات ومزاح وبذلك يقلبون تلك الطاقة السلبية الى أمور فكاهية، ولكنها في الواقع تنقل أوجاعهم وشعورهم بالغضب والغبن كونهم غير قادرين على تغيير الواقع ونيل أبسط حقوقهم. فشة الخلق والتعبير العفوي السريع عن الشعور بالغضب يكون عادة موقتاً ولكنه ليس علاجاً ولا يمكن أن يؤدي على المدى الطويل إلى اكتساب القدرة على التعامل مع الغضب. ووفق الدكتورة سعادة، قد يفرغ الفرد غضبه ويفش خلقه في مكان ما لكنه في اليوم التالي سيشعر بمشاعر الغضب ذاتها من جديد، ولذا الأفضل التوجه نحو وسائل علاجية صحية مدروسة تجعل الإنسان يعالج الأسباب الداخلية للغضب والتي قد تعود الى أبعد من الوضع الخارجي وما يعانيه لبنان من أزمات ولها علاقة بشخصية الإنسان وتركيبته النفسية والوراثية والجينية. وثمة أشخاص يميلون الى مشاعر الغضب أكثر من سواهم بفعل هذه التركيبة ويتملّكهم الغضب بطريقة أقوى بكثير من سواهم وهم بحاجة لعلاج نفسي ليتمكنوا من التحكّم بمشاعرهم وتطوير الذكاء العاطفي عنهم. قد يظن البعض أن الشعور بالغضب هو أعلى عند الرجال لكن في الحقيقة تشرح د. كارول سعادة أن هذا الشعور متساو عند الجنسين ويشعران به بنفس القوة والحدة والتكرار في حياتهم، لكن ما يختلف بين النساء والرجال هو طرق التعبير عن الغضب، وهذا يعود الى عوامل عدة منها التربية والمجتمع وتَعَلُّم أساليب تفريغ طاقة الغضب عند الإنسان وما هو مسموح له القيام به في حالة الغضب وما هو ممنوع عنه، موضحة أن الوسائل العنفية في التعبير عن الغضب قد تكون موجودة أكثر عند الرجال مما هي عند النساء ولكن الشعور في ذاته موجود بشكل متساوٍ عند الاثنين.

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 162,455,183

عدد الزوار: 7,248,063

المتواجدون الآن: 92