«الناتو» أمام نهج بوتيني حربي جديد

تاريخ الإضافة الخميس 22 أيار 2014 - 7:16 ص    عدد الزيارات 699    التعليقات 0

        

«الناتو» أمام نهج بوتيني حربي جديد

 ناتالي غيبير

 

النفوذ العسكري الروسي يطوّق أوروبا. وتذليلُ الأزمة الأوكرانية تذليلاً سريعاً، لن يجدي نفعاً ولن يرفع هذا الطوق. وهذا رأي اوساط شؤون الدفاع في باريس و «الناتو» إذ تقف على أثر التغيرات الاستراتيجية الناجمة عن ضم موسكو القرم في آذار (مارس) الماضي: فالأزمة اليوم هي من بنات انبعاث القوة العسكرية الروسية. والنفوذ الروسي لم يقوَّض فــي شرق أوكرانيا، على رغم ان الفوضى تنهش المنطقة هذه. ويرى محللون أوروبيون ان التزام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الواقعية الاقتصادية يثنيه عن مواصلة التصعيد المسلّح، لكنه لن يفرّط بمطلب إرساء الفيديرالية في أوكرانيا او «فدرلتها». ولن يوجّه بوتين سهامه الى منطقة الاتحاد الأوروبي- «الأطلسي» إذا اطلقت يده في اوكرانيا وبيلاروسيا (روسيا البيضاء). ووجهة الأحداث لا يعتد بها بعد اليوم، ولن تغـــير في الأمر شيئاً: فالحاجة تمس الى صوغ علاقات أمنية جديدة مع روسيا فيما الأزمة الأخيرة هزت «الأطلسي». ويرى خبراء أن صورة العقيدة العسكرية الروسية الجديدة جلـــت شيـــئاً فشيئاً على وقع العدوان الروسي على جورجيا في 2008، وضم القرم والتسلل الى اوكرانيا. والعقيدة هذه هي حـــلقة من مساعي التحديث «البوتينية» للجيوش الروسية والــمتــوقع إنجازها عام 2020. ويقول جانيس بيرزان من الاكاديمية اللتوانية لشؤون الدفاع ان بسط النفوذ هو نواة الخطط العملانية الروسية، وأن الحرب البوتينية الجديدة لا تــــترافق مع حملة عسكرية تقليدية، ولو استنفرت الوسائل التــــقليدية ووضعتها على أهبة الاستعداد لتدخل (تقليدي). وفي بحث نشره في نيسان (أبريل) الماضي، يذهب بيرزان الى ان الـــرؤية العسكرية الروسية الى الحرب الحديثة سندها فكرة أن المسرح الأساسي للمعركة هو في الرؤوس، أي استـــمالة ولاء السكان وإقناعهم بالرواية الروسية. لذلك، تغلب على الجيل الجديد من الحروب حملات اعلامية ونفسية، وهو يرمي الى تقليص الحاجة الى استخدام قطع السلاح الثقيلة. وينبه جنرال فرنسي الى ان الرؤية الروسية تحمل مقاربة جديدة لموازين القوى. فالحرب تبدأ من غير تحــــذير، وتخطو خطوات صغيرة فتُحرك موسكو فرقاً صغيرة لتفــــادي رد عسكري تقليدي. ويساند هذه الفرق استعراض «ثقـــل عسكري» يُعتد به. وعلى سبيل المثل، اختبرت موسكو صـــواريخ عابرة للقارة في الشهرين الماضيين، واستعرضت قوتــها النووية في 9 الشهر الجاري في موسكو عبر عرض لنـــظام «أس – 400» الدفاعي وصواريخ «توبول أم» العابرة للقـــارات.

 

 

ورابطت القوات الروسية على الحدود الأوكرانية: أربعون ألف رجل على بعد مئة كلم من هذه الحدود، و15 الف رجل على بعد 10 كلم. ولم تخرق المقاتلات الروسية الأجواء الاوكرانية لكنها حلقت على حدود «تماس» معها. ولم ترصد قوات «الناتو» اي تحرك آخر على الحدود الشرقية للأطلسي، لكن بوتين ارسل كتيبة مظليين الى كالينينغراد إثر اعلان اميركا ارسال 4 فرق عسكرية الى بولندا ودول البلطيق.

 

 

وقسمت القوات الروسية الى فرق صغيرة سريعة الحركة. ويلاحـــظ الخبـــراء تجديد النهج العسكري الروسي: رد سريع، وقـــوات خـــاصة جيدة التدريب، وقيادة مشتركة تنسق بين الجيـــوش الروسية تنسيقاً فاق نظيره في حرب جورجيا، واســتخدام السلاح الرقمي. ويرى هؤلاء ان الحرب الجديدة «مــن غــير اشتباك او تماس» في اوكرانيا تبرز تماسك القوات الروسية وانتظامها انتظاماً افتقرت إليه بعد الحـــرب الباردة. فالوحدات الروسية هي في حال استنفار دائم في سيــاق مناورات واسعة. وعملية القرم واحدة من حلقات هـــذه العقيدة العسكرية. ويرى اللواء فرانك باندولف، مســـؤول الخـــطط الاستراتيجية في هيئة الأركان الأميركية، ان المــنـــاورات هذه ترمي الى شحذ قدرات الوحدات العسكرية والتضليل الاستراتيجي من اجل التستر على لحظة انتقالها من مرحلة استعراض العضلات الى مرحلة الهجوم.

 

 

هذه العقيدة تخل بتوازن القوى التقليدية في اوروبا، وتقتضي ان يعيد «الناتو» (دول شرق اوروبا التي انضمت حديثاً اليه تحضه على ذلك) النظر في علاقاته بروسيا والضمانات الأمنية المشتركة، وأن يحتسب مجدداً بنيته التنظيمية. وعلى رغم ان حجم الجيوش الأوروبية هو ثلاثة أضعاف حجم القوات الروسية وعديد قواتها يبلغ 1.5 مليون جندي، قوة هذه الجيوش متذررة وقدراتها مبعثرة. هذان التذرر والتبعثر قلصا قدراتها وأطاحا نجاعتها. ولا يزيد عدد الجنود الأوروبيين في الخدمة على 50 ألف جندي. ولا تخفى حال القوات الأوروبية على بوتين، في حين ترمي قمة الناتو المرتقبة في ايلول (سبتمبر) المقبل الى زيادة القدرات العسكرية الأوروبية. لكن الانقسام يشوب صفوف دول الاتحاد الاوروبي (28 دولة). فعلى خلاف بولندا ودول البلطيق التي تطالب بزيادة حجم المرابطة الأميركية على أراضيها، يتمسك الفرنسيون والألمان بالتعاون مع روسيا. وترى باريس ان اتفاق الناتو- روسيا لا يزال قائماً، وأن بوتين قد يكون خرج عنه، لكنه الى اليوم شريك في مكافحة الإرهاب. ولم تجمد فرنسا تعاونها مع روسيا في تنفيذ اتفاقات السلاح المبرمة معها. وهي لا تملك الاستغناء عن مشاريع بيع هذه الأسلحة التي تشمل صواريخ ومصفحات ودفاعاً جوياً.

 

 

وتؤيد الولايات المتحدة وبريطانيا مشروع قوة استنفار دائم بأمرة القائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي في أوروبا، الجنرال فيليب بريدلوف. وتشكل دول البلطيق وبولندا كتيبة ملحقة بهذه القوة، ويبقى انتشار «قوة الرد» التي يلزم تحركها بين 5 أيام و30 يوماً، رمزياً. وتنقص قيادة «الأطلسي» قوة عمل، فباريس، على سبيل المثل، لا ترسل إليها سوى 70 في المئة من كوتا الضباط العائدة إليها. وحلفاء الشرق الأوروبي يطالبون بقواعد جوية ومرابطة أميركية دائمة. وترغب الولايات المتحدة في ان يسدد الأوروبيون حصتهم الدفاعية في موازنة الناتو وألاّ تتحمل وحدها كلفة الأمن الأوروبي. ولكن على عاتق مَنْ تقع كلفة تولي بلغاريا او رومانيا خططاً دفاعية فاعلة؟ الإجماع على مناورات مشتركة هو أثر بعد عين، وباريس الحذرة تتساءل: «هل سيُرفع علم الناتو على كتيبة أوكرانية تطلق النار على موالين لروسيا»؟

 

 

 

 

 

 

* صحافية، عن «لوموند» الفرنسية، 13/5/2014، إعداد منال نحاس

 

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,530,816

عدد الزوار: 6,994,586

المتواجدون الآن: 63