الناخبون الأوروبيون يلوّحون بقبضاتهم

تاريخ الإضافة الجمعة 23 أيار 2014 - 6:44 ص    عدد الزيارات 721    التعليقات 0

        

 

الناخبون الأوروبيون يلوّحون بقبضاتهم
المصدر: فايننشال تايمز ترجمة نسرين ناضر
فيليب ستيفنز
تستعدّ أوروبا لمواجهة موجة غضب عارمة. فالشعبويون يعدون بسرقة الأضواء في انتخابات البرلمان الأوروبي الأسبوع المقبل.
هكذا يمكن الأطراف المناهضة للاتحاد الأوروبي - التي تتألف في شكل أساسي من اليمين المتطرّف إنما تنضم إليها حفنة من اليسار - أن تحصد، بلا خجل، 30 في المئة من الأصوات. وغالب الظن أنه سيُنظَر إلى النتيجة بأنها بمثابة حكم بالإدانة موجَّه ضد الاندماج الأوروبي. لكن التفكير بهذه الطريقة خطأ.
من الإنصاف القول بأن مواطني الدول الأعضاء الـ28 في الاتحاد الأوروبي ليسوا مولعين جداً بالأوروقراطيين هذه الأيام. لقد أحدثت أزمة الأورو تأثيراً واسعاً، لا سيما في اقتصادات الأطراف. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العادة التي درج عليها السياسيون في العواصم الوطنية بتحميل أوروبا مسؤولية إخفاقاتهم في الداخل. يكفي من يبحثون عن أدلّة تُظهر استياء الأوروبيين من الوضع أن يتوقّفوا عند استطلاع آراء نشره مركز "بيو" المستقل للأبحاث هذا الأسبوع.
فقد أورد المركز، بعد إجراء مسحٍ للآراء في سبعة بلدان - ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وإسبانيا وبولندا واليونان - أن أكثريات كبيرة من الأشخاص تعتبر أن الاتحاد الأوروبي تطفّلي وغير فاعل. وقال نحو ثلثَي المستطلَعين إن الاتحاد "بعيد"، وأشار سبعة أشخاص من أصل عشرة إلى أن آراءهم لا تلقى آذاناً صاغية. وبرزت شكاوى قوية من الهجرة ومخاوف بشأن الوظائف وظروف المعيشة.
ثمة جانب مشرق أو اثنان. فمركز "بيو" يعتبر أنه ربما بلغ رفض الاتحاد الأوروبي أسوأ مستوياته قبل أن يبدأ الاتجاه بالتبدّل. فمع انتعاش الاقتصادات، ازدادات أيضاً أعداد الأشخاص الذين يعتبرون، في الإجمال، أن العضوية في الاتحاد الأوروبي أمرٌ إيجابي. فقط في إيطاليا التي كانت فيديرالية بحماسة في السابق، ظلّت الثقة بالاتحاد الأوروبي تتراجع. وفي بريطانيا المعروفة بتشكيكها بالاندماج الأوروبي، تبدي أقلية ضئيلة الآن رأياً مؤيِّداً للاتحاد. من يعتقدون أن الأورو وضع الاتحاد الأوروبي على طريق الهلاك، سوف يستمدّون العزاء لمعرفة أن مكانة البنك المركزي الأوروبي في عيون الأوروبيين أسوأ بعد من مكانة البرلمان الأوروبي - فنسبة 30 في المئة فقط من المستطلعين تنظر إلى المصرف بإيجابية. بيد أن المشكّكين قد يُفاجأون لمعرفة أنه على الرغم من كل المعاناة التي ترافق التكيّف، تريد غالبيات كبرى الإبقاء على العملة الموحّدة. فنحو 70 في المئة من اليونانيين يفضّلون الأورو على الدراخما. وليست النسبة أقل بكثير في إسبانيا. مجدداً تغرّد إيطاليا خارج السرب، فالاقتصاد هناك لا يزال غارقاً في الركود.
يحمّل الشعبويون اليمينيون في أوروبا - "الجبهة الوطنية" بقيادة ماري لو بن في فرنسا، و"حزب الحرية" بزعامة خيرت فيلدرز في هولندا، و"حزب الاستقلال" في بريطانيا، و"حزب الحرية" في النمسا، وحزب "جوبيك" النيونازي في المجر وسواها - الاتحاد الأوروبي مسؤولية كل المساوئ التي يمكن تصوُّرها. يكفي أن تحرّك خطاباً لاذعاً مناهضاً للهجرة، وعداءً كامناً وغير كامن للسامية، ومحافظية ثقافية تشوّه سمعة الأقليات، كي تحصل على تركيبة تؤجّج الغضب في أوساط المهمّشين والمحرومين في المجتمع.
الخطأ هو أن يُنظَر إلى هؤلاء الأفرقاء وكأنهم مجموعة واحدة متجانسة. ربما كانوا يسيرون الآن خلف الراية نفسها، راية التشكيك في الاتحاد الأوروبي، لكن هؤلاء القوميين الضيّقي الآفاق لا يميلون كثيراً إلى التعاون في ما بينهم. بعضهم، كما في حزب "الفجر الذهبي" اليوناني وحزب "جوبيك"، فاشيون متعصّبون. تسعى لو بن إلى التعتيم على إرث حزبها في معاداة السامية بهدف ترويج رهاب عنصري من الإسلام. وفي بريطانيا، يرتدي "حزب الاستقلال" بزعامة نايجل فرج - الذي وصف رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون أتباعه، في جملة شهيرة، بأنهم "مجانين ومعتوهون وعنصريون" - عباءة الاحترام لاستقطاب الأشخاص القلقين الذين تجاوزوا الستين من العمر. يشوّه فرج صورة المهاجرين من الدول الشيوعية السابقة، في حين يركّز زملاؤه في أوروبا الجنوبية على الوافدين من الشرق الأوسط وأفريقيا.
تتيح الانتخابات الأوروبية للناخبين فرصة تقليدية للتعبير عن احتجاجهم - عبر طرد الحكومات الوطنية والتنفيس عن غضبهم إزاء ما آلت إليه أوضاع العالم. معظم الأشخاص يعرفون القليل عن البرلمان ولا يأبهون البتّة له. ولذلك من شأن تدنّي نسبة الاقتراع (يُرجَّح أن تكون دون نسبة الـ43 في المئة التي سُجِّلت في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي في انتخابات 2009، وأن تبلغ 30 في المئة في المملكة المتحدة)، أن تُعطي صورة مضخّمة عن الدعم للمتطرفين.
الخطأ الثاني هو اعتبار الجاذبية التي يتمتّع بها الشعبويون ردّ فعل على الاندماج الأوروبي. لا شك في أن هناك شكاوى من الاتحاد الأوروبي، وعدد كبير منها مشروع. بروكسل بعيدة جداً. لكن الاتحاد الأوروبي يندرج في إطار ما يمكن تسميته "الهدف الوسيط"، بحسب مصطلحات الخبراء الاقتصاديين. فالغضب له جذور أعمق - في التقشّف، وتراجع الظروف المعيشية، وارتفاع البطالة، وفوق كل شيء، تفاقم انعدام الأمن. الشرير الحقيقي، إذا صح التعبير، هو العولمة. والحيلة السياسية التي اعتمدها الشعبويون هي تحويل هذه الاستياءات الأوسع نطاقاً نفوراً من الاتحاد الأوروبي. لكن الاستطلاعات تكشف الحقيقة. فكره الاتحاد الأوروبي يأتي بعد الهجرة والظروف المعيشية والوظائف في تصنيف الهموم التي تشغل بال الناخبين، حتى ناخبي "حزب الاستقلال" البريطاني. ليس لرهاب الإسلام الذي تؤجّجه لو بن أية علاقة ببروكسل. وكان الانهيار المالي ليتسبّب بأزمنة اقتصادية عسيرة لو أن الأورو لم يكن موجوداً - وخير دليل على ذلك المتاعب البريطانية.
العملة التي يستخدمها الشعبويون هي نشر الخوف. فالأوروبيون يرون عالماً تستولي فيه نسبة الواحد في المئة الأكثر ثراء على مكاسب العولمة. مداخيلهم جامدة، ووظائفهم غير آمنة، وعدد كبير من أولادهم عاطل عن العمل. لقد وضع المتطرّفون المهاجرين والاتحاد الأوروبي في خانة العدو. الحقيقة هي أن الناخبين يلوّحون بقبضاتهم غضباً في وجه الاندماج الاقتصادي العالمي الذي تسبّب بانهيار الحدود الوطنية.
لقد عبّر بروس ستوكس، مدير استطلاعات المواقف الاقتصادية العالمية في مركز "بيو"، عن الأمر خير تعبير بقوله: "تسبّبت العولمة بفقدان السيطرة - انطلاقاً من الشعور بأن مزيداً من القرارات التي تؤثّر في حياة المواطنين اليومية يؤخَذ في دوائر بعيدة ومن دون الاكتراث لمصالحهم". لا يتحمّل الاتحاد الأوروبي المسؤولية، لكن في ظل المزاج السائد حالياً، لن يحول ذلك دون تسديد الأوروبيين ركلة قوية إلى بروكسل.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,876,522

عدد الزوار: 7,006,909

المتواجدون الآن: 84