الثورة المخطوفة في اليمن

تاريخ الإضافة الجمعة 7 تشرين الأول 2011 - 6:29 ص    عدد الزيارات 755    التعليقات 0

        

الثورة المخطوفة في اليمن
بقلم ليتا تايلر

تشهد اليمن انتفاضة شعبية منذ أشهر، لكن هذا التحرك الذي يرفع لواء الديموقراطية اختطفته ثلاثة فصائل نخبوية تتنافس للسيطرة على الحكم، وزادت الامور تعقيدا العودة المفاجئة للرئيس علي عبد الله صالح.
في أسوأ حمام دماء شهدته اليمن منذ بدء الاحتجاجات المناهضة للنظام في كانون الثاني الماضي، تحوّلت الهجمات التي شنّتها القوى الأمنية الحكومية على المتظاهرين السلميين صدامات مسلّحة في قلب العاصمة. صحيح أن موجة العنف الأخيرة هي الحلقة الأحدث في مسلسل القمع الحكومي الهمجي للمتظاهرين في إطار الربيع العربي، لكنها تنطلق من صراع داخلي على السلطة يتعاظم شيئاً فشيئاً منذ سنوات عدّة، وقد اكتسب منحى جديداً معقّداً مع العودة المفاجئة للرئيس اليمني المصاب إلى البلاد.
في الواقع، تشهد اليمن انتفاضة شعبية منذ أشهر، لكن هذا التحرّك اختطفته ثلاثة فصائل نخبوية تتنافس للسيطرة على الحكم. ومن شأن العودة المرتجَلة للرئيس علي عبدالله صالح أن تزيد من حدّة الخلافات، الأمر الذي قد يودي بالبلاد إلى الحرب الأهلية. يواصل الرئيس منذ وصوله إلى صنعاء تجاهل المطالب الدولية المتسارعة التي تدعوه إلى التنحّي فوراً من الحكم، وقد اتّهم معارضيه بدعم تنظيم "القاعدة”.
فالاحتجاجات التي ترفع لواء الديموقراطية في اليمن حجبها الصراع على السلطة بين المتنافسين الثلاثة الأساسيين على حكم البلاد: اللواء علي محسن الأحمر الذي انشقّ عن الجيش وكان مؤتمناً على أسرار الرئيس من قبل؛ وحميد الأحمر (لا تجمعه صلة قرابة باللواء الأحمر)، وهو متعهّد ملياردير من قبيلة حاشد المرموقة؛ ونجل صالح الأكبر، أحمد، الذي يقود الحرس الجمهوري النخبوي.
ألقى اللواء الأحمر وحميد الأحمر بثقلهما خلف الحركة الاحتجاجية في البداية، وقد فعل اللواء ذلك مستعيناً بجنوده، أما رجل الأعمال فاستخدم محفظته بحسب روايات إعلامية كثيرة. لكن لا بد من القول بأن الرجلَين متجذّران في هيلكية السلطة التي يأمل المتظاهرون في اقتلاعها. وكان في مواجهتهما خلال فترة النقاهة التي أمضاها الرئيس في الرياض واستمرّت نحو أربعة أشهر، أحمد صالح الذي شنّ الحرس الجمهوري بقيادته عدداً كبيراً من الهجمات على المتظاهرين السلميين في غالبيتهم. أحمد صالح الذي كان مرشّحاً لخلافة والده هو خصم قديم للواء الأحمر.
أدّت هذه المعركة الضارية بين النخب إلى تقويض التحالف الشعبي للشباب والناشطين الذين مارست تظاهراتهم في البداية ضغوطاً على صالح؛ وتسبّبت أيضاً بتهميش الأحزاب السياسية والبرلمان، وهي هيئات تعاني أصلاً من الضعف لكنّها تعمل، وكذلك بتهميش المجتمع المدني المتّسم بطواعيته، مع العلم بأن هذه المجموعات الثلاث تشكّل ركائز محتملة لبناء يمن ديموقراطي جديد. كما شكّل التناحر الداخلي تحدّياً إضافياً للسلطة المركزية في بلد حيث سلطة القانون ضعيفة أصلاً وحيث وجد "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" ملاذاً آمناً.
ساعد اللواء الأحمر الذي تجمعه صلة نسب بالرئيس بحكم الزواج، صالح على الانتصار في الحرب الأهلية ضد جنوب اليمن عام 1994، قبل أن يقود الحرب الهمجية التي شنّتها الحكومة بعد عقد واستمرّت ست سنوات ضدّ الحوثيين، وهم متمرّدون شيعة في الشمال. وفي هذه الحملة، نشأت خصومة بينه وبين أحمد صالح الذي كان يضع عينه على الرئاسة.
بحسب برقية صاردة عن السفارة الأميركية نشرها موقع "ويكيليكس"، طلب القادة العسكريون اليمنيون عام 2009 من نظرائهم السعوديين الذين انضموا إلى القتال ضد الحوثيين أن يقصفوا موقعاً تبيّن أنه قاعدة اللواء الأحمر. بيد أن الطيّارين السعوديين شكّكوا في الأمر وأحبطوا الهجوم (ثمة اعتقاد على نطاق واسع بأن اللواء، إلى جانب خصومه في عشيرة الأحمر، يعملون لدى السعودية التي تمارس تأثيراً كبيراً في اليمن).
انشق اللواء الأحمر عن الجيش وانضم إلى الحركة المناهضة لصالح مع فرقته المدرّعة الأولى في آذار الماضي، بعدما أطلق قنّاصون موالون للنظام النيران على احتجاج سلمي في صنعاء مما أسفر عن مقتل 49 شخصاً على الأقل. قال اللواء إنه ترك الجيش احتجاجاً على حمام الدماء، لكن النقّاد اعتبروا أن خطوته انتهازية. ومنذ ذلك الوقت، يضرب جنوده طوقاً حول مخيّم المتظاهرين في ساحة التغيير خارج جامعة صنعاء لحمايتهم من هجمات الحرس الجمهوري وقوّات الأمن المركزي شبه العسكرية التي يقودها العقيد يحيى محمد عبدالله صالح، ابن أخ الرئيس.
طوال أشهر، حصر اللواء الأحمر دور فرقته المدرّعة الأولى بحماية المتظاهرين. لكن الوضع تغيّر في 18 أيلول الماضي عندما هاجمت القوى الأمنية المتظاهرين من جديد لدى محاولتهم التقدّم في مسيرة خارج حدود منطقة الاعتصام المحميّة بعدما ازدادوا إحباطاً بفعل استمرار المأزق السياسي منذ أشهر. يقول شهود عيان إن قوات الأمن المركزي رشّت المتظاهرين بمياه المجارير، فردّ المحتجّون برشقها بالحجارة، وعندئذٍ فتحت القوى الأمنية والقنّاصون النيران عليهم. وقد تسبّبت هذه الهجمات باندلاع مشاحنات في الشوارع، وسرعان ما دخل جنود اللواء الأحمر والمقاتلون القبليون في عشيرة الأحمر في معركة مع القوات الحكومية، بما فيها الحرس الجمهوري بقيادة أحمد صالح.
تمكّن صالح من إبقاء الخصومة مع حميد الأحمر تحت السيطرة إلى حين وفاة شيخ العشيرة عبدالله الأحمر عام 2007. كان عبدالله الشيخ الأبرز في اليمن حيث القبائل هي جزء لا يتجزأ من هيكلية السلطة؛ وكان أيضاً رئيس مجلس النواب ورئيس حزب "الإصلاح"، الحزب المعارِض الأكبر في البلاد. يتبنّى "الإصلاح" أيديولوجيا إسلامية لكنه يضمّ مجموعة من القبائل ورجال الأعمال والمعتدلين في السياسة. وضع الشيخ عبدالله ترتيباً معقّداً لتقاسم السلطة مع صالح، فأدّى دور الوسيط في التوصّل إلى صفقات بين الرئيس والمشايخ في قبيلة حاشد التي تضمّ عشيرة سنهان التي ينتمي إليها الرئيس. لكن كانت لأبناء الشيخ العشرة أجنداتهم الخاصة.
خلَف صادق، الابن البكر، والده في زعامة قبيلة حاشد. وكان ابنه الآخر، حِمْيَر، عضواً في الحزب الحاكم ونائباً لرئيس مجلس النواب. أما حميد، وهو عضو في حزب "الإصلاح" يضع الجنبية، أي الخنجر اليمني التقليدي، على خصره، فهو ملياردير ذو مصالح في إحدى شبكات الهواتف الخلوية، ويملك امتيازات لمطاعم "كنتاكي فرايد تشيكن" ووسائل إعلامية. وهو لم يخفِ طموحاته السياسية.
في الواقع، ربما بدأت أحلام حميد الأحمر بخلع صالح من الحكم قبل وقت طويل من الربيع العربي. في برقية ديبلوماسية نشرها موقع "ويكيليكس"، يروي مسؤول في السفارة الأميركية في صنعاء أنه اجتمع بحميد عام 2009 وسمع عن خططه لتنظيم احتجاجات حاشدة لإطاحة صالح، عبر الاستلهام من نموذج انتفاضات 1998 التي ساهمت في إسقاط الرئيس الأندونيسي سوهارتو. نقلت البرقية عن حميد قوله "المقصود هو فوضى منظَّمة".
غادر أكثر من مئة ألف شخص منازلهم في حركة نزوح داخلي تسبّبت بها نزاعات متفرِّقة خارج العاصمة. في مدينة تعز الواقعة على جبل وفي مدينة أرحب حيث التجأ البعض إلى الكهوف، يتصادم المقاتلون القبليون التابعون للمشايخ المحليين مع الحرس الجمهوري منذ أيار الماضي. وفي الجنوب، تُقاتِل الوحدات العسكرية منذ آذار الماضي "أنصار الشريعة"، وهي مجموعة يدعمها مقاتلون أجانب وقد تكون على صلة بتنظيم "القاعدة".
إذا لم تتحرّك واشنطن والرياض ولاعبون أساسيون آخرون بسرعة، فقد يسير اليمن على خطى الصومال، هذه الدولة الفاشلة في الجهة الأخرى من خليج عدن حيث فرض المقاتلون الإسلاميون المسلّحون حكماً رهيباً على مساحات شاسعة من البلاد، وتحصد المجاعة والقتال عدداً كبيراً من الضحايا. في سيناريو من هذا النوع، قد تكون الفوضى الاخيرة مجرّد لمحة صغيرة عن القتل والمعاناة اللذين يمكن أن يشهدهما اليمن.


(باحثة في شؤون اليمن والارهاب "مجلس العلاقات الخارجية الاميركية"- ترجمة نسرين ناضر)      

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,872,372

عدد الزوار: 7,006,738

المتواجدون الآن: 83