العلاقات الروسية الإسرائيلية: شراكة وتناقضات (I)

تاريخ الإضافة الأحد 30 أيلول 2012 - 7:12 ص    عدد الزيارات 921    التعليقات 0

        

 

العلاقات الروسية الإسرائيلية: شراكة وتناقضات (I)
تاتيانا نوسينكو
أصبح التطور المكثف للعلاقات مع إسرائيل إحدى السمات المميزة للسياسة الروسية في الشرق الاوسط بالسنوات الاخيرة. فقد عبّر أول سفير روسي في إسرائيل الكساندر بوفين، الذي تم تعيينه العام 1991 بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في مذكراته عن أسفه قائلاً: «لم نتمكن خلال خمسة أعوام ونصف من عملي من تحقيق أي مشروع روسي - إسرائيلي ضخم». أما الآن فتُقدَّر مثل هذه المشاريع بالعشرات. وتمكّن العديد من المهاجرين القادمين في التسعينيات من القرن العشرين، من روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة، الذين بلغت بفضلهم نسبةُ الروس القاطنين في اسرائيل 20 %، من تحويل تفوُّقهم العددي إلى «رأسمال سياسي». وتعتبر اللغة الروسية اللغةَ الامّ بالنسبة لعدد من اعضاء الكنيست بتشكيلته الأخيرة. وتضم حكومة بنيامين نتنياهو أربعة وزراء (من أصل ثلاثين وزيراً) متحدرين من الاتحاد السوفياتي السابق. ويشغل أحدهم، افيغدور ليبرمان، منصب وزير الخارجية. وأصبح الإسرائيليون الناطقون بالروسية «وسيطاً هاماً» للاتصالات بين البلدين. فقد اعترف السفير الروسي السابق في إسرائيل بيتر ستيغني بأن «العامل البشري» اتى بنظرة روسية جديدة إلى ما يجري في إسرائيل بمشاكلها، و«عُقَدِها» وأخطائها ومنجزاتها».
تدرس النخبة الإسرائيلية الناطقة بالروسية بجدية، سعياً منها لتوطيد مواقعها في أجهزة السلطة، إمكانية تشكيل تحالف روسي - إسرائيلي جديد مستقبلاً، من شأنه أن يصبح (وإنْ لم يكن بديلاً) «مقابلا» للشراكة الأميركية - الإسرائيلية. وأعلن عن هذا الهدف في برنامجه الانتخابي العام 2009 افيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يمثل أساساً «إسرائيل الروسية».
وبالفعل، فإن روسيا حريصة على توسيع العلاقات مع إسرائيل. إن الاقتصاد الإسرائيلي القائم على استخدام التقنيات العالية، وتجربة إسرائيل في مجال تنمية مختلف قطاعات الاقتصاد في الظروف الطبيعية المعقدة، والآفاق المشجعة التي ذر قرنُها للاستثمار المشترك لاحتياطات الغاز التي تم استكشافها في إسرائيل، والتجربة الإسرائيلية في مكافحة الإرهاب، إنها بعض المجالات التي يمكن أن يصبح التعاون فيها مفيداً بالنسبة لروسيا. ومع ذلك فلا مبرِّر لأية حسابات مبنية على كوْن روسيا قادرةً على انْ تأخذ على عاتقها الأعباء الثقيلة الخاصة بضمان قدرات إسرائيل الدفاعية والأمنية، والتي تتحمّلها الولايات المتحدة على مدى عقود من السنين. إن الولايات المتحدة لا تزال تبقى المورِّدَ الرئيس الأهم، لأحدث الأسلحة إلى إسرائيل، كما يُخصص لإسرائيل ما يربو على 50% من برنامج البنتاغون لتمويل المساعدات العسكرية إلى البلدان الأجنبية. وبالإضافة إلى ذلك، يُخصص سنوياً زهاء 200 مليون دولار للخطط الأميركية - الإسرائيلية المشتركة للدرع الصاروخية.
وتعتبر الشركات الأميركية شركاء رئيسيين للإسرائيليين في تنفيذ الطلبات العسكرية للبلدان الثالثة، وهي تعرقل، في حالات كثيرة، إقامة التعاون الروسي - الإسرائيلي في هذا المجال.
وقد صرح الخبير المعروف في العلاقات الاميركية الروسية والعامل في مركز «Heritage» آرئييل كويين، في أحد أحاديثه الصحافية بأن واشنطن لن ترغب، على الأرجح، في تقوية روسيا المفرطة في مجال التقنيات الحديثة والتحديث السريع للقوات المسلحة الروسية على حساب التعاون مع إسرائيل. إن أحد الأمثلة التي تؤكد وجهة النظر هذه، هو الضغط الأميركي، الذي مورس على الحلفاء الإسرائيليين العام 2008 في سياق محاولات إحباط صفقة بيع طائرات بلا طيار إلى روسيا. وترد من الولايات المتحدة إلى إسرائيل أموالٌ ضخمة سواء في إطار المساعدة الحكومية أو المساعدات الآتية من الجالية اليهودية الأميركية، وتعجز خزانة الدولة الروسية واليهود الروس عن التنافس مع هذه المساعدات، وليس لديهم النية في ذلك.
إن النخبة الإسرائيلية التقليدية تنظر إلى روسيا على أنها بلد، تسوده القيم والثقافة السياسية الغربية. وتجلى ذلك بوضوح بصدد اشتداد الهجمات على زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وأنصاره، الذين تقدموا في الكنيسيت في يناير (كانون الثاني) عام 2011 بمبادرة تشكيل لجنة للتحقيق في نشاطات المنظمات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. ويقوم الناشطون الإسرائيليون في مجال حقوق الإنسان بمراقبة وضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والاعمال العسكرية الإسرائيلية تجاه المدنيين، ويؤمنون جمع معلومات عن طبيعة أعمال القوات الإسرائيلية إبّان عملية «الرصاص المسكوب» في قطاع غزة. ويثير نشاطهم سخطاً شديداً لدى الأوساط اليمينية ذات النزعة القومية، التي تَعتبر هذا النشاط خيانة لمصالح الدولة. لكن البنية المتفرعة للمنظمات الاجتماعية اليسارية واليمينية تبقى، من منظور النظام الديموقراطي الإسرائيلي بكل ما يميزه من خصائص وقيود، دليلاً على وجود مجتمع مدني فاعل في البلاد. فإذا لم يتجاوز نشاط هذه المنظمات الإطار القانوني، فإن أحداً لا يشكك في شرعية هذا النشاط. وينظر كثيرون في إسرائيل إلى السعي لوضع ناشطي حقوق الإنسان تحت الرقابة القاسية، على أنه نتيجة لـ «زحف» متحدرين من الاتحاد السوفياتي السابق إلى هيئات السلطة، علماً بأنهم لا يملكون ـ من وجهة نظر الإسرائيليين ـ تجربة الحياة في مجتمع ديموقراطي طبيعي، بل تعودوا على قمع أي مخالف في الرأي، «على الطريقة السوفياتية». وانتشر في وسائل الإعلام مصطلح «لَبَرْمَنَة»، بحيث أصبح مرادفاً لضغط مناهض للديموقراطية ومحاولة كسب شعبية، مما يميز الساسة «الروس». وجدير بالذكر أن المهاجرين من الجمهوريات السوفياتية السابقة ينتمون إلى عدد من الكتل الحزبية الأخرى في الكنيست، ولا يمكن نسبهم بلا أساس إلى شركائهم في الرأي من حزب «إسرائيل بيتنا». بيد أن السخط الذي تعبر عنه بشكل خاص، الأوساط الليبرالية اليسارية رداً على «هجمات» ليبرمان السياسية يستهدف جميع الناطقين بالروسية. وليست هذه الأجواء مناسبة لذكر مساهمة حاسمة من جانب اليهود المنحدرين من الإمبراطورية القيصرية السابقة، في تكوُّن أساس الدولة، الذي يقوم عليه اليوم صرح الديموقراطية الإسرائيلية بأسره. فإن «الحكم» على الناطقين بالروسية لا يقوم على أثرهم الثقافي في الأدب والفن الإسرائيلي، ولا على حصتهم في إنشاء الإقتصاد الاسرائيلي المبني على استخدام التقنيات العالية. فإن السخط الشديد من الطابع المناهض للديموقراطية المميز للمهاجرين من روسيا ينتقل الآن آلياً إلى روسيا الجديدة. ويُنظر إلى العلاقات معها عبر منظار التقييم السلبي للنشاط السياسي، الذي يقوم به المهاجرون الجدد، حيث كانت تتعالى منذ عقدين من السنين أصواتٌ تدعوهم بإلحاح للهجرة إلى إسرائيل، غير أنهم يتحوّلون الآن إلى منافسين خطرين غير مرغوب فيهم للنخبة الإسرائيلية القائمة. إن مثل هذه الأجواء التي تشكّل الرأي العام بهذه الطريقة، لن تساعد على الأرجح، على التقارب السياسي الوثيق للبلدين.
روسيا: صديق أم عدو؟
إن تقدم روسيا إلى سوق الأسلحة الشرق أوسطي يبقى عاملاً يثير حفيظة الإسرائيليين، بسبب تسليح سوريا وإيران. إن تضمين هذا الموضوع «ذكريات» عن أزمنة « الحرب الباردة»، حين حاربت الجيوش العربية إسرائيلَ بالسلاح السوفياتي سواء في عام 1967، أم في العام 1973 ، يجعله «مؤلماً» للغاية. كما تؤكد وقائع الماضي القريب على صحة مخاوف إسرائيل من أن الأسلحة الروسية ستكون موجَّهةً ضدها. ففي أثناء الحرب اللبنانية الثانية العام 2006 ، استخدم مقاتلو «حزب الله» صواريخ «كورنيت» المضادة للدبابات، التي كانت قد قامت روسيا بتوريدها إلى سوريا. إن بعض الساسة الإسرائيليين، وفي مقدمتهم، منحدرون من الاتحاد السوفياتي السابق، يرون إمكانية تخفيض المخاطر المتصلة بتقوية سوريا وإيران على حساب شرائهما المعدات الحربية الروسية عبر توسيع التعاون العسكري الإسرائيلي - الروسي. وتعليقاً على التوقيع على الاتفاقية الروسية - الإسرائيلية بشأن التعاون العسكري - التقني، صرح عضو الكنيست أحد رئيسي الاتحاد البرلماني المشترك «إسرائيل - روسيا»، زئيف إيلكين، بأن إسرائيل تسعى لجذب أهتمام روسيا بطرح مشاريع تجربة مشتركة كي تأخذ القيادة الروسية ورجال الأعمال الروس بعين الاعتبار مصالحَ إسرائيل بمزيد من الجدية.
بيد أن غياب الثقة بروسيا (بشكل تقليدي) بوصفها لاعباً في حلبة الشرق الأوسط مناهضاً ليس لإسرائيل وحدها، بل وللغرب، يدفع الإسرائيليين إلى التشكيك في آفاق الشراكة معها. فإن روسيا يُشتبه فيها بالعزم على استعادة مواقعها المفقودة في الشرق الأوسط جراء انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك بواسطة توحيد كتلة بلدان مناهضة للغرب بحكم طبيعتها. فإن جريدة «جيروزاليم بوست» التي أوردت كل التعاقدات الروسية الأخيرة المبرمة مع سوريا وإيران بشأن إمدادات بعض أنواع الاسلحة، مشيرة إلى احتمال وقوع هذه الأسلحة بأيدي التجمعات الإسلامية الراديكالية التي تحارب إسرائيل (مثل «حزب الله»، و«حماس»)، تتوصل إلى استنتاج «حادّ»، مفاده أن «روسيا لا يمكن اعتبارها في الوقت الحاضر شريكاً أميناً فيما يتعلق بمهام السياسة الخارجية والاعتبارات الأمنية».
إن بيع الأسلحة إلى البلدان العربية يُعتبر بالنسبة لروسيا صفقة تجارية محضة. فإن ذلك ما تقوم به الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية التي تبيع المعدات الحربية والأسلحة بمبالغ تُقدر بملايين من الدولارات إلى الدول المعروفة كخصوم إسرائيل. إن مثل هذا التعاون لا يتنافى والقانون الدولي، لا سيما أن الطرف الروسي يسعى جاهداً لتحقيق أقصى حد من الشفافية لصفقاتها مع الشركاء الإقليميين، حيث تضمِّن روسيا هذه الصفقات تعهداتٍ يأخذها على عاتقه «المنتفع النهائي»، بعدم تسليم الأسلحة المورَّدة إلى أطراف ثالثة. ومن جهة أخرى فإن متابعة تنفيذ هذه الشروط والتعهدات أمر في غاية الصعوبة، إنْ لم يكن مستحيلاً، في ظل النزاعات التي تسود الشرق الأوسط، والنشاط الخالي من أي مراقبة من قبل اللاعبين الإقليميين، مثل «حزب الله» و«حماس». ومع ذلك تقدِّم موسكو في بعض الحالات تنازلات متراجعةً عن مصالحها التجارية. ففي سبتمبر/أيلول العام 2010 وقع الرئيس ديمتري ميدفيديف مرسوماً يقضي بحظر بيع صواريخ «إس-300» إلى إيران، بسبب العقوبات المفروضة في مجلس الأمن الدولي على طهران. إن صواريخ إس ـ 300 «تعتبر أحد أكثر منظومات الدفاع الصاروخي فعاليةً في العالم. وكان يمكن لشرائها (لو تمّ) أن يجعل إيران أقلَّ تعرُّضاً لخطر ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية. وتفيد أنباء وسائل الإعلام بأن القيادة الإسرائيلية أقدمت ـ استجابةً لمطالب موسكو - على تقليص التعاون العسكري مع جورجيا، وذلك لحثِّ الطرف الروسي على اتخاذ هذا القرار.
 
باحثة في قسم الدراسات الإسرائيلية في معهد الإشراف الروسي للعلوم
ينشر بالاتفاق مع «شرق نامه» ـ مصر

Iran: Death of a President….....

 الأربعاء 22 أيار 2024 - 11:01 ص

Iran: Death of a President…..... A helicopter crash on 19 May killed Iranian President Ebrahim Ra… تتمة »

عدد الزيارات: 157,820,380

عدد الزوار: 7,081,147

المتواجدون الآن: 97