"نيويورك تايمز": تردّد أوباما وسط المسار الدموي في سوريا

تاريخ الإضافة الإثنين 28 تشرين الأول 2013 - 5:46 ص    عدد الزيارات 673    التعليقات 0

        

 

 
"نيويورك تايمز": تردّد أوباما وسط المسار الدموي في سوريا
ترجمة: صلاح تقي الدين
ساهم في التقرير: مارك لاندلر وإريك شميت.
 
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً بقلم مارك ماتزيتي، روبرت ف. وورث ومايكل ر غوردانو حول تردد الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال اتخاذ موقف جريء إزاء الثورة السورية ونظام الرئيس بشار الأسد. وقد وصف المقال أوباما بـ "المتردد والمشكّك الذي كان لا يبدي حماسة تجاه النقاشات الدائرة حول سوريا مع كبار المسؤولين، بل كان يتلهّى بقراءة الرسائل الواردة على جهاز البلاكبيري الخاص به أو مضغ العلكة". ويصف اللحظات التي رافقت تردده في إعلان اتخاذ قرار بشن ضربة عسكرية ضد النظام السوري عقب الأدلة التي حصل عليها باستخدام السلاح الكيمائي، وكيف أنه كان في كل مرة يرضخ لرأي مستشاريه الذين كانوا دائماً يشككّون بجدوى التدخل إلى جانب الثوار السوريين أو يطرحون أسئلة تتعلق بتسليح الثوار والتأكد من عدم وقوع هذا السلاح بين أيدي "المتطرفين الإسلاميين". وفي ما يلي الترجمة الحرفية للمقال:
"مع تراجع قوات الثوار في سوريا وسياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه البلد الذي تمزّقه الحرب، وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى غرفة الأوضاع في البيت الأبيض في أحد أيام حزيران الماضي ناقلاً وثيقة تحمل تحذيراً. جاء في الوثيقة أن الرئيس السوري بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيمائية ضد شعبه، وإذا لم تقم الولايات المتحدة بـ "بفرض عواقب"، فإن الأسد سيعتبر ذلك "ضوءاً أخضر لمتابعة استخدام هذه الأسلحة الكيميائية".
وكان الرئيس أوباما وقع أمراً في نيسان الماضي قبل أشهر مما أعلن يتيح من خلاله لوكالة المخابرات المركزية (السي آي أيه) وضع خطة لبدء تسليح الثوار السوريين. غير ان الأسلحة لم تشحن أبداً، وعزّز انهيار مواقع الثوار في غرب سوريا من مناخ الأزمة التي كانت حاضرة بثقلها خلال الاجتماع في حزيران.
غير أنه وبعد ساعات من النقاشات شرح فيها الخبراء العديد من الخيارات بما فيها توجيه ضربات عسكرية وزيادة الدعم للثوار، إلا أن الاجتماع انتهى بالطريقة نفسها التي آلت اليه المحاولات السابقة العديدة لوضع إستراتيجية مناسبة لسوريا، حيث بدا مستشارو الرئيس منقسمين حول كيفية الرد على الحرب الأهلية التي حصدت لغاية اليوم أكثر من 100 ألف قتيل.
وتحقّقت نبوءة الوثيقة التي أصدرتها وزارة الخارجية وحصلت عليها النيويورك تايمز. لقد أدى هجوم بواسطة الغاز السام إلى قتل مئات المدنيين في 21 آب الماضي، ما أطلق العنان لأزمة دفعت الولايات المتحدة إلى حد قرب إصادر أوامر بشن ضربات عسكرية ضد النظام السوري، تراجع بعده أوباما بعدما استغل عرضاً روسيا يسمح بالسيطرة على السلاح الكيميائي السوري.
واليوم، وبعد عامين من إعلان أوباما أن على السيد الأسد الرحيل، بدأ بالمراهنة على نجاح المبادرة الروسية التي تتوقف على التعاون من قبل الأسد، والتي اعتبرها الأخير في مقابلة حديثة بأنها درع ضد التدخل الأميركي.
لكن وفيما كان كيري يعقد الثلاثاء الماضي لقاءات في لندن مع ممثلي المجموعات السورية المعارضة على أمل إعادة إحياء مؤتمر السلام المقترح، فإن آمال تحقيقه خرقاً ديبلوماسياً يومها ضئيلة. موقف الأسد أقوى، وتراجعت قوة الثوار الذين أصبحوا أكثر انقساماً وتسيطر عليهم الفصائل الإسلامية المتطرفة.
وفي مراجعة دقيقة لكيفية وصول إدارة أوباما إلى هذا الوضع مستندة إلى مقابلات مع عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة الأميركية، وديبلوماسيين أجانب، ومسؤولين في الكونغرس نجد أنها بدأت مع رئيس يعاني من تناقض عميق وبدأ ولايته بنقاشات خلافية مع مستشاريه أكثر بكثير مما كان يعرف سابقاً. وعكس هؤلاء المستشارون ردات فعل أوباما المتناقضة حول كيفية الرد على القوى التي أنتجها الربيع العربي: هل يجب الوقوف مع الذين يقاتلون أنظمة وحكومات قمعية وديكتاتورية، أو تجنب خطر الانخراط في حرب فوضوية أخرى في الشرق الأوسط.
وفيما استمر النقاش، بدأ عدد الضحايا يرتفع باطراد، لقد تشجّعت الإدارة السورية على استخدام السلاح الكيميائي على شكل واسع النطاق، في الوقت الذي توتّرت في علاقات أميركا مع أقرب حلفائها.
ويقول بعض المدافعين عن سياسة أوباما أنه في حين أن العامين الماضيين من السياسة الأميركية في سوريا بدا في حال من الفوضى، إلا أن أحداث الأسابيع الستة الأخيرة شكّلت نجاحاً لديبلوماسية الإكراه. ويقولون إنه فقط تحت قوة التهديد باستخدام القوة تعهد الأسد بالتخلي عن سلاحه الكيميائي، معتبرين أن هذا أفضل ما يمكن التوصل إليه من بين مجموعة من الخيارات السيئة الأخرى.
وقال بنجامين رودس، نائب مستشار الأمن القومي "علينا أن نكون واقعيين بشأن قدرتنا على إملاء الأحداث في سوريا" مضيفاً "في ظل غياب أي حل جيد، روّج الناس للدعم العسكري للمعارضة على أنه الحلّ السحري، ولكن يجب اعتباره على أنه حل تكتيكي وليس استراتيجياً".
ولكن البعض الآخر يوجه انتقادات أكثر حدة للإدارة الأميركية معتبرين أن شلل تلك الإدارة تركها عاجزة عن التصرف إزاء أحداث متوقعة كالهجوم بالغاز الذي وقع يوم 21 آب. ويقولون إن اتخاذ واشنطن إجراءات حاسمة كان من شأنه تعزيز القوى المعتدلة التي تقاتل ضد قوات الأسد ووقف ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين وتخفيف حدة الجماعات الإسلامية الأصولية في صفوف الثوار وربما ردع الحكومة السورية عن استخدام السلاح الكيميائي.
وكما قال أحد كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض "لقد أضعنا وقتاً ثميناً في فحص أفكارنا ودوافعنا، وهنا تكمن المأساة".
الحرب المستمرة
في البداية، لم يبدُ مستقبل سوريا معقداً لهذه الدرجة لم يعتقد أحد أن الأسد سوف ينجو.
في صيف العام 2011 كان زخم الانتفاضات العربية يوحي بأنها ستطيح بكل ما في طريقها. لقد ذهب ديكتاتورات تونس ومصر، وفي ليبيا سقط القذافي في وقت لاحق من ذلك العام. كانت تقارير وكالات الاستخبارات الأميركية المقدّمة إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية تشير إلى أن أيام الأسد باتت معدودة وفي 18/08/2011 أعلن الرئيس أوباما بأن الوقت قد حان لتنحي الرئيس الأسد.
لقد كان هنالك بعض الأصوات في الإدارة الأميركية التي ساورها القلق إزاء إطلاق مثل هذا التصريح في ظل غياب إستراتيجية للمساعدة في تحقيقه. لكن هذه الأصوات كانت نادرة.
وفي ذلك الوقت، كان عمر الثورة السورية قد بلغ خمسة أشهر، والتعذيب الواسع النطاق الذي تمارسه الحكومة السورية جذب الإدانة العالمية، ووجه بعض أعضاء الكونغرس الانتقاد للإدارة الأميركية لعدم تحركها.
إلا أن أوباما كان قد أوضح لمساعديه منذ البداية أنه لا يتصور القيام بتدخل عسكري على الرغم من تعالي الدعوات العامة في ذلك العام لفرض منطقة حظر طيران لحماية المدنيين السوريين.
وقد ساعد التقرير الذي قدمه الجنرال مارتن دمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في غرفة الأوضاع في مطلع عام 2012 على استبعاد الخيار العسكري، ففرض منطقة حظر الطيران وفرض مراقبة على مدار 24 ساعة على جميع أنحاء البلاد يتطلب ما لا يقل عن 70,000 جندي أميركي.
وفي صيف 2012، بدأت وكالات الاستخبارات الأميركية بالحصول على معلومات تشير إلى أن الأسد بدأ تحريك الأسلحة الكيميائية وربما بدأ خلطها تحضيراً لاستخدامها.
وعلى إثر ذلك، عقد أوباما العديد من الاجتماعات وفي 20 آب من ذلك العام أدلى أوباما بتصريح سيظل يلاحقه. وعلى الرغم من أنه بقي مصمّماً على عدم التدخل العسكري في سوريا، إلا أنه قال إن "تحريك أو استخدام مجموعة كاملة من الأسلحة الكيميائية يعتبر خطاً أحمر بالنسبة لنا وهذا سيغير أي حسابات وسيقلب المعادلة التي أسير بها".
وفي اجتماع رفيع المستوى بعد ذلك ببضعة أيام، قدم مدير المخابرات الأميركية ديفيد بترايوس خطة للبدء بتسليح وتدريب مجموعات صغيرة من الثوار في قواعد سرية في الأردن. وحظيت تلك الخطة بموافقة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي قالت "حان الوقت لكي تدخل الولايات المتحدة في اللعبة". إلا أن أوباما أراد معرفة رأي مساعديه حول خطة السي آي أيه.
نالت تلك الخطة دعم وزير الدفاع ليون بانيتا والجنرال دمبسي. إلا أن البعض اعتقد بأن مقترحات بترايوس، الجنرال السابق الذي أيّد العمليات السرية، تنطوي على مخاطر عالية وإيجابيات ضئيلة. فقد حذّرت سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة التي شاركت في الاجتماع عبر الاتصال التلفزيوني، من تورط الولايات المتحدة في نزاع غامض من خلال تسليح المتمردين، مما سيستهلك جدول أعمال الفترة الرئاسية الثانية لأوباما دون تحقيق أي فرق ملموس في ساحة المعركة التي يشوبها الفوضى.
بدا أوباما مشككاً علماً بأنه أوضح في بداية الاجتماع بأنه لن يقوم باتخاذ قرارات فورية. وحذر من مغبة أي خطة "عشوائية" لتسليح الثوار، وسأل عن التكتيكات من سيحصل على السلاح وكيف سيتم إبقاؤه بعيداً عن أيدي الجهاديين.
وبحسب أحد المسؤولين في الإدارة الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، كان موقف أوباما على ما يبدو كالتالي "سنواجه مخاطر عالية دون خطة واضحة."
مخاوف الانزلاق في مستنقع موحل
بالنسبة لأوباما، كان المثال الليبي حاضراً بقوة في النقاشات حول الشأن السوري. فعلى الرغم من محدودية التدخل في ليبيا على مستوى الحجم والنطاق في العام 2011 وتوافر غطاء قانوني من الأمم المتحدة، فضلاً عن الدعم الإقليمي والدولي، استمرت الحملة على ليبيا سبعة أشهر ولم تقتصر على حماية المدنيين بل توسعت أهدافها لتشمل هندسة خطة الإطاحة بالعقيد القذافي. وقد استشهد أوباما بالمثال الليبي مراراً وتكراراً في نقاشاته للدلالة على مدى صعوبة الحيلولة دون توسيع المهمة العسكرية في حال عزم الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري.
في الوقت الذي كان الرئيس ومستشاروه يناقشون خياراتهم حول سوريا، كانت الدولتان الحليفتان، قطر والمملكة العربية السعودية، تقومان بضخ الأموال والأسلحة للثوار وحض إدارة أوباما على الانضمام إليهما.
لكن بعض المسؤولين في وزارة الخارجية كانوا يستشيطون غضباً جراء ما اعتبروه عملية مُعطَّلة مع غياب للإستراتيجية في التعامل مع الشأن السوري.
وقد استغرقت الإدارة الأميركية أكثر من عام لتسمية بديل عن جيفري فيلتمان، وهو ديبلوماسي مخضرم يتكلم العربية، كان يتولى مهام تنسيق سياسة وزارة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، قبل تركه لمنصبه في حزيران 2012 ليلتحق بالأمم المتحدة. وقد كرست الوزارة معظم وقتها لمناقشة ما يسمى "مشروع ما بعد الأسد" والتخطيط لعملية الانتقال السياسي في سوريا. إلا أن العديد من المسؤولين في وزارة الخارجية بدأوا التشكيك في جدوى هذا المشروع على اعتبار أن الفرضية القائم عليها وهي قرب انهيار حكومة الأسد، قد مرّ عليها الزمن.
بعد فوز أوباما بولاية رئاسية ثانية، توقع بعض أولئك المسؤولين وآخرون في الإدارة حدوث تغيير في موقف البيت الأبيض بشأن سوريا وإنهاء ما كانوا يعتبرونه حالة جمود في العام الماضي. إلا أن تلك الآمال تبددت خلال أحد الاجتماعات في مطلع كانون الثاني. لقد أعاد مايكل موريل، الذي تولي رئاسة وكالة المخابرات الأميركية بعد استقالة بترايوس، طرح خطة سلفه للبدء بتسليح الثوار، بعد إدخال بعض التعديلات لتبديد شكوك الرئيس حول جدوى الخطة.
إلا أن أوباما اكتفى بشكر الجميع وقال إنه يريد أن يفكر في الموضوع. ووفقاً لأحد المسؤولين السابقين في البيت الأبيض الذين شاركوا في الاجتماع، بدا أن أوباما من خلال إشارات جسده، لم يكن مقتنعاً إطلاقا بالفكرة. وقال المسؤول السابق "كان بإمكان الجميع النقاش في الخطة حتى يوم القيامة، لكن أي شيئ لم يكن ليغيّر من موقفه. كان يعتقد بكل بساطة أن الخطة ليست مناسبة ولا التوقيت".
جاءت الولاية الرئاسية الثانية بفريق جديد للأمن القومي بما في ذلك وزير الخارجية، كيري، الذي أتى إلى منصبه وهو على قناعة بإمكانية زيادة الدعم العسكري للثوار السوريين والعمل في الوقت نفسه مع روسيا للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة.
كما تمت ترقية دينيس ماكدنو، نائب مستشار الأمن القومي، وأحد أكثر المشككين بجدوى التدخل الأميركي في سوريا، إلى منصب رئيس موظفي البيت الأبيض. لقد اصطدم ماكدنو مراراً مع زملائه حول السياسة إزاء سوريا، بمن فيهم سامنتا باور، وهي مسؤولة في البيت الأبيض ومدافعة عن فكرة الواجب الأخلاقي للدول في التدخل لمنع حدوث مجازر جماعية.
وقد وصلت السيدة باور إلى الاعتقاد بأن جهود الولايات المتحدة لدعم الثوار في سوريا لا طائل منها.
ووفقاً لاثنين من المشاركين في أحد الاجتماعات، قالت باور لماكدنو "دنيس، لو اجتمعت مع الثوار السوريين مراراً كما فعلت أنا، لكنت متحمساً مثلي". فردّ عليها قائلاً "علينا فقط أن نتفق على ألا نتفق".
نصائح للتوازن في ساحة المعركة
وجاءت تقييمات المخابرات الأميركية في بداية عام 2013 لتعيد إحياء النقاشات حول ما إذا كان يجب تسليح الثوار.
وخلافاً لما كانت وكالات التجسس تنقله للإدارة الأميركية خلال أكثر من عام، فالتقييمات الجديدة خلصت إلى أن حكومة الأسد لا تواجه خطر الانهيار وأن القوات السورية بدأت تستعيد السيطرة في الحرب الأهلية. لقد تباطأت وتيرة الانشقاقات في الجيش السوري، وكان شحنات الذخائر الإيرانية تعوّض النقص في مخزون وحدات الجيش.
وكان العكس هو الصحيح بالنسبة للثوار السوريين الذين كانوا يعانون من نفاد الذخيرة والمؤن. لقد كانت الروح المعنوية منخفضة، وخلصت وكالات التجسس إلى أن هيمنة الحركات المرتبطة بتنظيم "القاعدة" مثل جبهة "النصرة"، بدأت تهيمن على الثورة.
علاوة على كل ذلك، كانت هناك أدلة متزايدة على استخدام قوات الأسد للأسلحة الكيمائية ضد المدنيين.
ورغم اكتساب النقاش حول تسليح الثوار في سوريا طابعاً ملحاً جديداً، نادراً ما أبدى السيد أوباما آراء قوية أثناء اجتماعه بكبار الموظفين. وقد قال مسؤولون حاليون وسابقون إن أوباما غالباً ما كان يبدو فاقداً للصبر أو غير متحمس أثناء الاستماع للنقاش لدرجة أنه كان ينشغل بمطالعة رسائله الخاصة على جهاز البلاكبيري، أو بالاسترخاء ومضغ العلكة.
وفي محادثات خاصة مع مساعديه، وصف الرئيس أوباما سوريا بأنها إحدى الأزمات الشيطانية التي قد تواجه أي رئيس، حيث المخاطر لا حصر لها وجميع الخيارات سيئة. ويقول أحد كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض "يمكنك قراءة موقف الرئيس من خلال توم دونيلون، مستشار الأمن القومي، ودينيس ماكدونو".
وبدأ موقف أوباما بالتغيّر ببطء تحت تأثير الضغوط المكثفة التي مارسها عليه المسؤولون الأجانب. وخلال زيارته إلى الشرق الأوسط في آذار، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو أوباما من وقوع السلاح الكيميائي السوري في أيدي المجموعة اللبنانية المقاتلة المعروفة بـ "حزب الله".
وقد كان الضغط اكبر في اليوم التالي أثناء زيارة الأردن، حيث تناول أوباما العشاء مع الملك الأردني عبد الله الثاني بحضور دونيلونم وكيري. فقد كان الأردن يرزح تحت وطأة ما يزيد عن 100 ألف لاجئ سوري، ما دفع الملك الأردني إلى حض أوباما على القيام بدور اكبر في إنهاء الحرب السورية.
حتى أن المسؤولين الأردنيين عرضوا على نظرائهم الأميركيين السماح لوكالة المخابرات المركزية باستخدام الأردن كقاعدة لشن هجمات لطائرات من دون طيار داخل سوريا وهو عرض متكرر رفضه المسؤولون الأميركيون على الدوام.
وبحلول نيسان، قال مسؤول أميركي رفيع إنه تم تسجيل تحول في موقف دونيلون لصالح تسليح المتمردين وقد حذت سوزان رايس حذوه في الخريف.
إلا أن ماكدنو، وهو من أكثر المقربين إلى أوباما، بقي مشككاً. فقد ظلّ يسأل عن مصلحة الولايات المتحدة في إخماد العنف في سوريا. أثناء مرافقته لمجموعة من كبار أعضاء الكونغرس في رحلة إلى القاعدة البحرية في خليج غوانتانامو مطلع حزيران الماضي، قال ماكدنو إن من شأن الوضع الراهن في سوريا أن يبقي إيران ثابتة في موقعها لسنوات. وفي مناقشات لاحقة، قال دينيس إن القتال في سوريا بين "حزب الله" و"القاعدة" يصب في مصلحة أميركا، وفقاً لمسؤولين في الكونغرس.
وتحوّل الجدال من مسألة هل يجب تسليح الثوار السوريين إلى مسألة كيف سيتم تسليحهم. إلا أن النقاشات حول تكليف البنتاغون بهذا المشروع والإعلان عن برنامج التسليح والتدريب- تم تجاهلها لاحقاً بسبب وجود الكثير من العقبات القانونية أمام الولايات المتحدة في مساعيها العلنية للإطاحة بحكومة ذات سيادة.
ولذلك قرر أوباما جعل برنامج تدريب الثوار السوريين "عملاً سرياً" تديره السي آي أيه. بالإضافة إلى ذلك، فقد وقّع أمراً للبدء بتحضير برنامج لتدريب مجموعات صغيرة من الثوار في الأردن، في خطوة لتجنّب المحاذير القانونية، والنفي رسمياً بضلوع البيت الأبيض بوفير مساعدات قاتلة للثوار.
وإلى جانب المحاذير القانونية، كانت هناك أسباب إضافية دفعت لجعل هذا البرنامج سرياً، وتتمثل تلك الأسباب كما قال أحد المسؤولين السابقين "نحتاج لوجود أرضية مقنعة لإنكار ما حدث في حال وقوع تلك الأسلحة في أيدي جبهة النصرة".
التلكؤ
مضت شهور منذ توقيع أوباما على القرار في نيسان دون الإقدام على أي خطوة، وانتظر البيت الأبيض حتى يطلب موافقة الكونغرس على تمويل المهمة السرية مما شكل دليلاً إضافياً على تردد أوباما وقلقه.
وطيلة فصل الربيع، انضم مقاتلو "حزب الله" إلى المعركة ضد الثوار.
وفي 10 حزيران، رسمت ورقة سرية تابعة لوزارة الخارجية صورة قاتمة عن الوضع السوري فمكاسب المتمردين تتبخر والمعارضة المعتدلة ورئيس أركان الجيش السوري الحر سليم إدريس من ضمنها. جاء في الورقة "نتجه إلى أسوأ السيناريوهات المحتملة، مع خروج مساحات كبيرة عن السيطرة، وصمود الأسد إلى أجل غير مسمى، والدول المجاورة التي يتهددها الخطر، مع انخراط كبير لإيران وحزب الله والميليشيات العراقية".
في ظل هذا الإخفاق التي حققته سياسة أوباما، اجتمع كبار مستشاري أوباما في 12 حزيران في غرفة الأوضاع.
لقد أعلن كيري مؤخراً عن اتفاق مع نظيره الروسي سيرغي لافروف على عقد مؤتمر دولي للسلام في جنيف في محاولة لوقف القتال. غير أن تراجع الثوار خفّف من أي حماسة للمباحثات لدى المسؤولين الأميركيين، في الوقت الذي اكتسب فيه الأسد تفوقاً ورفض قادة كبار في المعارضة حضور المؤتمر.
وجاء في وثيقة رفعها مجلس المعارضة السورية إلى كيري "علينا أن نخفف من وتيرة مؤتمر جنيف، نظراً للفوضى في مجلس الائتلاف السوري المعارض ولتفاقم الوضع على الأرض".
انقلاب مفاجئ
غير أن الإدارة التي ظلت على مدى عامين تقنع أعضاء الكونغرس بتصميمها على عدم التدخّل عسكرياً في سوريا، كانت تواجه مشكلة إقناع الأعضاء أنفسهن بضرورة تمويل برنامج تدريب الثوار في الأردن.
وبدأ كيري عقد اجتماعات مع لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ وسرعان ما وجه الأسئلة المتوقعة: كيف نضمن عدم وقوع السلاح بأيدي المجاهدين الإسلاميين؟ هل سيغيّر التسليح من ميزان القوة؟ ما هي إستراتيجيتنا الشاملة؟
مضت أسابيع قليلة لكن في النهاية، وافقت لجنتا الاستخبارات على برنامج التمويل، لكن جريمة 21 آب الكيميائية قلبت المعادلة.
بدأ مسؤولون في الإدارة يشيرون إلى التحضيرات الجارية لشن ضربة عسكرية. ولكن بعد رفض البريطانيين المشاركة في مثل هذه العملية قرر أوباما على نحو مفاجئ العودة إلى الكونغرس للحصول على دعمه لشن الضربة، مما عزا البعض للاعتقاد بأن أوباما ما زال غير مقتنع بجدوى التدخل.
ويقول مسؤول في البيت الأبيض إن أوباما قرر الرجوع للكونغرس للحصول على إذن بالضربة العسكرية ضد الأسد خشية استفزاز أعضاء الكونغرس والفشل في الحصول على دعمهم في قضايا شائكة أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية وأبرزها إيران. وأخبر أوباما السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسي غراهام أثناء اجتماعه بهما في المكتب البيضاوي أن المجموعة الأولى المؤلفة من 50 متمرداً والتي تم تدريبها على يد وكالة الاستخبارات الأميركية في الأردن ستدخل سوريا قريباً لتدريب أعداد أكبر من المتمردين. وأعلمهما أوباما حول رغبته قيام وكالة المخابرات بأنشطة التدريب علناً لتسريع العملية، إلا أن حماس أوباما سرعان ما خمد مجدداً، وبعد أسبوع من لقائه السيناتورين تمسك أوباما بالمبادرة الروسية لنزع السلاح الكيماوي السوري.
مع استمرار عمليات التدريب في الأردن، يقول مسؤولون إنه لا توجد خطط حالية لتوسيع المهمة ووضعها تحت سيطرة البنتاغون. ويخشى البيت الأبيض من أن تؤدي مثل تلك الخطوة والجهود العلنية إلى تقويض المبادرة الدبلوماسية للتخلص من مخزون السلاح الكيماوي وعقد مؤتمر السلام.
أثناء جلسة المصادقة على تعيينه في هذا الشهر، قال، مايكل لمبكين، مرشح إدارة أوباما لشغل منصب مسؤول عن العمليات الخاصة لدى البنتاغون، إن برنامج تدريب المتمردين الذي تديره وكالة المخابرات الأميركية ليس كافياً لقلب ميزان القوة على الأرض في سوريا.
ولم يجب لمبكين، العضو السابق في فريق الضفادع البشرية التابع للبحرية الأميركية.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,510,365

عدد الزوار: 6,953,360

المتواجدون الآن: 71